171 - وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
· مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- أَبِي مَرْثَدٍ: بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَسُكُونِ الراءِ، ثُمَّ ثاءٍ مُثَلَّثَةٍ، ثُمَّ دَالٍ.
- الغَنَوِيِّ: بِفَتْحِ الغَيْنِ المُعْجَمَةِ، نسبةً إِلَى قَبِيلَةِ غَنِيِّ بْنِ أَعْصَرَ، إِحْدَى القَبَائِلِ العَدْنَانِيَّةِ، اسْمُهُ كَنَّازُ بْنُ حُصَيْنٍ، صَحَابِيٌّ، حَلِيفُ بَنِي هَاشِمٍ.
- القُبُورِ: جَمْعُ قَبْرٍ - والمَقْبَرَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا -: مَوْضِعُ القُبُورِ، والجَمْعُ مَقَابِرُ، وَقَبَرْتُ الْمَيِّتَ: دَفَنْتُهُ، وَأَقْبَرْتُهُ: أَمَرْتُ بِدَفْنِهِ، وَمِنْهُ: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}. [عبس: 21].
· مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- النَّهْيُ عَن الصَّلاةِ إِلَى القبورِ، بِأَنْ تَكُونَ المَقْبَرَةُ فِي جِهَةِ المُصَلِّي.
2- النَّهْيُ يَقْتَضِي الفَسَادَ؛ فَتَكُونُ الصَّلاةُ بَاطِلَةً.
3- حِكْمَةُ النَّهْيِ هُوَ خَشْيَةُ تَعْظِيمِهَا، الَّذِي قَدْ يَؤُولُ إِلَى عِبَادَةِ أَصْحَابِهَا.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: مِنْ أَعْظَمِ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ الَّتِي كَادَ بِهَا أَكْثَرَ مَا أَوْحَاهُ قَدِيماً وَحَدِيثاً إِلَى حِزْبِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي القبورِ، حَتَّى آلَ الأَمْرُ فِيهَا إِلَى أَنْ عُبِدَ أَرْبَابُهَا منْ دُونِ اللَّهِ، أَوْ عُبِدَتْ قُبُورُهُم، وَكَانَ أَوَّلُ هَذَا الدَّاءِ الْعَظِيمِ فِي قَوْمِ نُوحٍ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: أحاديثُ النَّهْيِ عَن الصَّلاةِ فِي المقبرةِ مُتَوَاتِرَةٌ، وَلا يَسَعُ أَحَداً تَرْكُهَا.
4- قَالَ فقهاءُ الْحَنَابِلَةِ: وَلا يَضُرُّ قَبْرٌ وَقَبْرَانِ؛ لأَنَّهَا لا تُسَمَّى مَقْبَرَةً حَتَّى يَكُونَ فِيهَا ثَلاثَةُ قُبُورٍ فَأَكْثَرُ، ولأنَّ العِلَّةَ عِنْدَ هَؤُلاءِ الفُقَهَاءِ لَمْ تُعْقَلْ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: العِلَّةُ هِيَ مَا يُفْضِي إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنَ الشِّرْكِ، ثُمَّ قَالَ: عُمُومُ كَلامِهِمْ وَتَعْلِيلِهِم وَاسْتِدْلالِهِم يُوجِبُ مَنْعَ الصَّلاةِ عِنْدَ قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
5- وَبِهَذَا فَإِنَّ الصَّلاةَ لا تَصِحُّ فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قَبْرٌ، وَلَوْ كَانَ وَاحِداً، أَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ مَا دَامَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَسْجِدِ.
6- النَّهْيُ عَن الجُلُوسِ عَلَى القبورِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ إِهَانَةٌ لأَصْحَابِهَا؛ فَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ، فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ)).فَيَكُونُ تَحْرِيمُ الوَطْءِ عَلَيْهِ أَوْلَى؛ لِمَا فِي ذَلِكَ من الاسْتِخْفَافِ بِحَقِّ الْمُسْلِمِ؛ لأَنَّ الْقَبْرَ بَيْتُهُ، وَحُرْمَتُهُ مَيِّتاً كَحُرْمَتِهِ حَيًّا.
والنَّهْجُ الصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُسْلِمَ لا يَكُونُ غَالِياً وَلا جَافِياً؛ فَلا تَعْظِيمَ للقبرِ يَجُرُّ إِلَى الْفِتْنَةِ، وَلا اسْتِخْفَافَ بالقبورِ وَأَصْحَابِهَا يَذْهَبُ بِحُرْمَتِهِمْ، وخيرُ الأُمُورِ الوَسَطُ، وَاللَّهُ المُوَفِّقُ.