دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء تبارك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 02:23 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي سورة المزمل (الآيات: 10-19)

وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 07:09 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

فلَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بالصلاةِ خُصوصاً وبالذكْرِ عُموماً، وذلك يُحَصِّلُ للعبْدِ مَلَكَةً قَوِيَّةً في تَحَمُّلِ الأثقالِ، وفِعْلِ الثقيلِ مِن الأعمالِ ـ أمَرَه بالصَّبْرِ على ما يقولُ فيه المعانِدونَ له ويَسُبُّونَه ويَسُبُّونَ ما جاءَ به، وأنْ يَمْضِيَ على أمْرِ اللَّهِ، لا يَصُدُّه عنه صادٌّ، ولا يَرُدُّه رادٌّ، وأنْ يَهْجُرَهم هَجْراً جَميلاً، وهو الْهَجْرُ حيثُ اقْتَضَتِ الْمَصلَحَةُ، الْهَجْرُ الذي لا أَذِيَّةَ فيه، فيُقَابِلُهم بالْهَجْرِ والإعراضِ عنهم وعن أقوالِهم التي تُؤْذِيهِ، وأَمَرَه بجِدَالِهم بالتي هي أحسَنُ.
{وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ}؛ أي: اتْرُكْنِي وإِيَّاهم، فسَأَنْتَقِمُ منهم، وإنْ أَمْهَلْتُهُم فلا أُهْمِلْهم.
وقولُه: {أُولِي النَّعْمَةِ}؛ أي: أصحابَ النَّعمةِ والغِنَى، الذين طَغَوْا حينَ وَسَّعَ اللَّهُ عليهم مِن رِزْقِه وأَمَدَّهم مِن فَضْلِه، كما قالَ تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}، ثُمَّ تَوَعَّدَهم بما عندَه مِن العِقابِ فقالَ:
(12 -14) {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً * يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً *}؛ أي: إنَّ عِندَنا {أَنكَالاً}؛ أي: عَذاباً شَديداً، جَعَلْناهُ تَنكيلاً للذي لا يَزالُ مستَمِرًّا على الذنوبِ، {وَجَحِيماً}؛ أي: ناراً حامِيَةً، {وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ}؛ وذلكَ لِمَرَارَتِه وبَشَاعَتِه، وكَراهةِ طَعْمِه ورِيحِه الخَبِيثِ الْمُنْتِنِ، {وَعَذَاباً أَلِيماً}؛ أي: مُوجِعاً مُفْظِعاً.
وذلكَ {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} مِن الْهَوْلِ العَظيمِ، {وَكَانَتِ الْجِبَالُ} الراسياتُ الصُّمُّ الصِّلابُ {كَثِيباً مَهِيلاً}؛ أي: بِمَنزلةِ الرَّمْلِ الْمُنْهَالِ الْمُنْتَثِرِ، ثم إنَّها تُبَسُّ بعدَ ذلك، فتكونُ كالْهَبَاءِ المنثورِ.
(15 -16) {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً *} يقولُ تعالى: احْمَدُوا رَبَّكُم على إرسالِ هذا النبيِّ الأُمِّيِّ العربيَّ البَشِيرِ النذيرِ، الشاهِدِ على الأُمَّةِ بأعمالِهم، واشْكُرُوه وقُومُوا بهذه النِّعمةِ الْجَليلةِ، وإيَّاكم أنْ تَكْفُرُوها، فتَعْصُوا رَسولَكم فتَكونُوا كفِرْعَوْنَ حينَ أَرْسَلَ اللَّهُ إليه مُوسَى بنَ عِمرانَ.
فدَعاهُ إلى اللَّهِ وأَمَرَه بالتوحيدِ فلم يُصَدِّقْه، بل عَصاهُ، فأَخَذَه اللَّهُ أخْذاً وَبِيلاً؛ أي: شَديداً بَلِيغاً.
(17 - 18) {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً}؛ أي: فكيفَ يَحْصُلُ لكم الفِكاكُ والنَّجاةُ مِن يَومِ القِيامةِ، اليومِ الْمَهِيلِ أمْرُه، العظيمِ قَدْرُه الذي يُشَيِّبُ الوِلْدانَ, وتَذوبُ له الْجَماداتُ العِظامُ، فتَتَفَطَّرُ بهِ السَّماءُ وتَنْتَشِرُ به نُجومُها، {كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً}؛ أي: لا بُدَّ مِن وُقوعِه، ولا حائِلَ دُونَه.
(19) {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}؛ أي: إنَّ هذهِ الْمَوْعِظَةَ التي نَبَّأَ اللَّهُ بها مِن أحوالِ يومِ القِيامةِ وأهوالِه تَذْكِرَةٌ يَتذَكَّرُ بها الْمُتَّقونَ، ويَنْزَجِرُ بها المُؤْمِنونَ.
{فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}؛ أي: طَريقاً مُوصِلاً إليه، وذلك باتِّباعِ شَرْعِه؛ فإنَّه قد أَبَانَه كلَّ البَيانِ، وأَوْضَحَه غايةَ الإيضاحِ.
وفي هذا دليلٌ على أنَّ اللَّهَ تعالى أَقْدَرَ العبادَ على أفعالِهم ومَكَّنَهم منها، لا كما يَقولُه الْجَبْرِيَّةُ: إنَّ أفعالَهم تَقَعُ بغيرِ مَشيئتِهم، فإنَّ هذا خِلافُ النَّقْلِ والعَقْلِ.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 02:48 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر

10-{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} مِن الأَذَى والسَّبِّ والاستهزاءِ، ولا تَجْزَعْ مِن ذلك.
{وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} أي: لا تَتَعَرَّضْ لهم ولا تَشتغلْ بِمُكَافَأَتِهم. وقيلَ: الْهَجْرُ الجميلُ الذي لا جَزَعَ فيه. وهذا كانَ قَبلَ الأمْرِ بالقتالِ.
11-{وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} أيْ: دَعْنِي وإياهم ولا تَهْتَمَّ بهم, فإني أَكْفِيكَ أُمُورَهم، وأَنْتَقِمُ لك منهم.
{أُولِي النَّعْمَةِ} أيْ: أَربابَ الغِنَى والسَّعَةِ والتَّرَفُّهِ واللَّذَّةِ في الدنيا.
{وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} إلى انقضاءِ آجَالِهم. وقِيلَ: إلى نُزولِ عُقوبةِ الدُّنيا بهم.
12-{إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً} الأَنكالُ الأَغلالُ. وقِيلَ: هي أنواعُ العذابِ الشديدِ، {وَجَحِيماً} أيْ: ناراً مُؤَجَّجَةً.
13-{وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ} أيْ: لا يَسوغُ في الْحَلْقِ, بل يَنْشُبُ فيه فلا يَنْزِلُ ولا يَخرجُ، {وَعَذَاباً أَلِيماً} أيْ: وَنَوْعاً آخَرَ مِن العذابِ غيرَ ما ذُكِرَ.
14-{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} تَتحرَّكُ وتَضطَرِبُ بِمَن عليها. والرَّجْفَةُ الزلزلةُ الشديدةُ.
{وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً} أيْ: وتكونُ الجبالُ. والكَثيبُ الرمْلُ الْمُجْتَمِعُ، والْمَهِيلُ الذي يَمُرُّ تحتَ الأَرْجُلِ. أيْ: رَمْلاً سائِلاً لشِدَّةِ الرجْفَةِ.
15-{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ} يَشهدُ عليكم يومَ القيامةِ بأعمالِكم، أيْ: فعَصَيْتُمُوهُ.
{كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} يَعْنِي مُوسى.
16-{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} وكَذَّبَه ولم يُؤْمِنْ بما جاءَ به.
{فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} أيْ: شَديداً ثَقيلاً غَليظاً. والمعنَى: عاقَبْنَا فِرعونَ عُقوبةً شديدةً غَليظةً بالغرَقِ.
17-{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} أيْ: كيفَ تَقُونَ أنْفُسَكم؟ {إِن كَفَرْتُمْ} أيْ: إنْ بَقِيتُمْ على كُفْرِكم، {يَوْماً} أيْ: عذابَ يومٍ.
{يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا}؛ لشِدَّةِ هولِه، أيْ: يَصِيرُ الأطفالُ الصِّغارُ فيه بِيضَ الشعورِ. وهذا كِنايةٌ عن شِدَّةِ الْخَوْفِ.
18-{السَّمَاءُ مُنفَطِرٌبِهِ} أيْ: مُتَشَقِّقَةٌ به لشِدَّتِه وعظيمِ هَوْلِه، وانفطارُها لنُزولِ الملائكةِ، {كَانَ وَعْدُه مَفْعُولاً} أيْ: كائناً لا مَحالةَ.
19-{إِنَّ هَذِهِ} أيْ: ما تَقَدَّمَ مِن الآياتِ، {تَذْكِرَةٌ} وهي الْمَوْعِظَةُ.
{فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} أيْ: اتَّخَذَ بالطاعةِ التي أهَمُّ أنواعِها التوحيدُ, طَريقاً تُوَصِّلُه إلى رِضوانِ اللهِ في الجنَّةِ.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 02:50 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

قولُه تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} وهذا في ابتداءِ الإسلامِ قبلَ نُزولِ آيةِ السيْفِ، وكذلك قولُه تعالى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} وقد نُسِخَ بآيةِ السيْفِ. والهجْرُ الجميلُ قِيلَ: هو الذي لا جَزَعَ فيه.
قولُه تعالى: {وَذَرَنْي وَالْمُكَذِّبِينَ}. فإنْ قالَ قائلٌ: أَيْشٍ معنى قولِه: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} ولا حائلَ يَحولُه عنهم؟
والجوابُ: أنَّ العرَبَ تقولُ ذلك، وإنْ لم يَكنْ ثَمَّ حائِلٌ ولا مانِعٌ على ما بَيَّنَّا.
وقولُه: {أُولِي النَّعْمَةِ} أي: التَّنَعُّمِ، وفي بعضِ الأخبارِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((إِنَّ عِبَادَ اللهِ لَيْسُوا بِمُتَنَعِّمِينَ)).
وقولُه: {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} أيْ: أَمْهِلْهُمْ مُدَّةً قَليلةً. قالتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: "لم يَكنْ بَينَ نُزولِ هذه الآيةِ ووَقعةِ بدْرٍ إلاَّ شيئاًَ يَسيراً".
وقد قيلَ: إنَّ الآيةَ نَزلتْ في بني الْمُغيرةِ، وهو مُغيرةُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ مَخزومٍ، ويُقالُ: إنها نَزلتْ في اثْنَيْ عَشرَ رَهْطاً مِن قُريشٍ، هم الْمُطْعِمُونَ يومَ بَدْرٍ.
قولُه تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً} أيْ: قُيوداً، وقالتِ الْخَنساءُ:
دَعاكَ فقَطَّعْتَ أَنْكَالَهُ ولولاكَ يا صَخْرُ لم تُقْطَعِ
وقالَ أبو عِمرانَ الْجَوْنِيُّ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً} أي: اللُّجُمُ مِن النارِ.
وقولُه: {وَجَحِيماً} قد بَيَّنَّا.
وقولُه: {وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ} قالَ مُجاهِدٌ: هو الزَّقُّومُ، وقيلَ: هو شَوْكٌ يَحْصُلُ في الْحَلْقِ، فلا يَنْزِلُ ولا يَخرُجُ، وقيلَ: هو الضَّرِيعُ.
وفي الحكاياتِ أنَّ الحسَنَ البَصريَّ طَوَى ثلاثَ لَيالٍ ولم يُفْطِرْ، وكانَ كلَّمَا قُدِّمَ إليه الطعامُ ذَكَرَ هذه الآيةَ فيَأمُرُ برَفْعِه، حتى أُكْرِهَ مِن بعْدُ على شُربةِ سَوِيقٍ.
وقد وَرَدَ في بعضِ الغَرائبِ مِن الأخبارِ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُرِئَ عندَه هذه الآيةُ فصَعِقَ صَعقةً، وهو غَريبٌ جِدًّا.
قولُه: {وَعَذَاباً أَلِيماً} أيْ: مُوجِعاً، وفي بعضِ الأخبارِ أنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ النَّكَلَ على النَّكَلِ، أي: الرجُلَ القَوِيَّ الْمُجَرِّبَ على الفَرَسِ الْمُجَرِّبِ.

قولُه تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} أيْ: تَتزلزلُ، ومنه الرَّجْفَةُ، أي: الزَّلزلةُ.
وقولُه: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً} أيْ: رَمْلاً سَائِلاً.
ويُقالُ: الْمَهِيلُ هو الذي إذا أُخِذَ الطرَفُ منه انْهَالَ الطرَفُ الآخَرُ.
قولُه تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ} وهو محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وقولُه تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} هو موسى صلواتُ اللهِ عليه.
وقولُه: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} أيْ: خَرَجَ عن أمْرِه.
وقولُه: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} أيْ: شَديداً، يُقالُ: طَعامٌ وَبيلٌ، إذا أكَلَه الإنسانُ فلم يَسْتَمْرِئْهُ. وقيلَ: {وَبِيلاً}: ثَقيلاً.
قولُه تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً} أيْ: كيفَ تَتَّقونَ إنْ كَفَرْتُمْ مِن عذابِ يومٍ؟ ثم وَصَفَ اليومَ فقالَ: {يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً}، وهذا على طريقِ كلامِ العرَبِ في ذِكْرِ شِدَّةِ اليومِ، فإنهم يَقولون: هو يومٌ تَشيبُ فيه النَّوَاصِي، ويومٌ يَبْيَضُّ فيه القَارُ. فالمرادُ مِن الآيةِ هو الإخبارُ عن شِدَّةِ الأمرِ، وفي التفسيرِ: أنه يَشيبُ فيه وِلدانُ الكفارِ لا وِلدانُ المؤمنينَ.
وقولُه: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قد وَرَدَ عن كثيرٍ مِن السلَفِ أنَّ قولَه: {مُنْفَطِرٌ بِهِ} أيْ: باللهِ وهو نُزولُ يومِ القيامةِ لفَصْلِ القضاءِ بلا كيفٍ، وقيلَ: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} أيْ: فيه، يَعني أنَّ السماءَ مُنْشَقَّةٌ في يومِ القِيامةِ. ذكَرَه أبو جَعفرٍ النَّحَّاسُ، وذَكَرَ أنه أحسَنُ المعانِي.
وقولُه: {كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} أي: مُتَحَقِّقاً كائناً لا مَحالةَ.
قولُه تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ} أي: السورةَ، {تَذْكِرَةٌ}: عِبرَةٌ وعِظَةٌ.
قولُه: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} أيْ: طَريقاً ووِجْهَةً إلى اللهِ تَعالى.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 12:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يقول تعالى آمرًا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بالصّبر على ما يقوله من كذّبه من سفهاء قومه، وأن يهجرهم هجرًا جميلًا وهو الّذي لا عتاب معه. ثمّ قال له متوعّدًا لكفّار قومه ومتهدّدًا -وهو العظيم الّذي لا يقوم لغضبه شيءٌ-:
{وذرني والمكذّبين أولي النّعمة} أي: دعني والمكذّبين المترفين أصحاب الأموال، فإنّهم على الطّاعة أقدر من غيرهم وهم يطالبون من الحقوق بما ليس عند غيرهم، {ومهّلهم قليلا} أي: رويدًا، كما قال: {نمتّعهم قليلا ثمّ نضطرّهم إلى عذابٍ غليظٍ} [لقمان: 24]؛ ولهذا قال هاهنا: {إنّ لدينا أنكالا} وهي: القيود. قاله ابن عبّاسٍ، وعكرمة، وطاوسٌ، ومحمّد بن كعبٍ، وعبد اللّه بن بريدة، وأبو عمران الجونيّ، وأبو مجلز، والضّحّاك، وحمّاد بن أبي سلمان، وقتادة والسّدّيّ، وابن المبارك والثّوريّ، وغير واحدٍ، {وجحيمًا} وهي السّعير المضطرمة.

{وطعامًا ذا غصّةٍ} قال ابن عبّاسٍ: ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج.
{وعذابًا أليمًا يوم ترجف الأرض والجبال} أي: تزلزل، {وكانت الجبال كثيبًا مهيلا} أي: تصير ككثبان الرّمل بعد ما كانت حجارةً صمّاء، ثمّ إنّها تنسف نسفًا فلا يبقى منها شيءٌ إلّا ذهب، حتّى تصير الأرض قاعًا صفصفًا، لا ترى فيها عوجًا، أي: واديًا، ولا أمتًا، أي: رابيةً، ومعناه: لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع.
ثمّ قال مخاطبًا لكفّار قريشٍ، والمراد سائر النّاس: {إنّا أرسلنا إليكم رسولا شاهدًا عليكم} أي: بأعمالكم، {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرّسول فأخذناه أخذًا وبيلا} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، والسّدّيّ، والثّوريّ: {أخذًا وبيلا} أي: شديدًا، أي فاحذروا أنتم أن تكذّبوا هذا الرّسول، فيصيبكم ما أصاب فرعون، حيث أخذه اللّه أخذ عزيزٍ مقتدرٍ، كما قال تعالى: {فأخذه اللّه نكال الآخرة والأولى} [النّازعات: 25] وأنتم أولى بالهلاك والدّمار إن كذّبتم؛ لأنّ رسولكم أشرف وأعظم من موسى بن عمران. ويروى عن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ.
وقوله: {فكيف تتّقون إن كفرتم يومًا يجعل الولدان شيبًا} يحتمل أن يكون {يومًا} معمولًا لتتّقون، كما حكاه ابن جريرٍ عن قراءة ابن مسعودٍ: "فكيف تخافون أيّها النّاس يومًا يجعل الولدان شيبًا إن كفرتم باللّه ولم تصدّقوا به"؟ ويحتمل أن يكون معمولًا لكفرتم، فعلى الأوّل: كيف يحصل لكم أمانٌ من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم؟ وعلى الثّاني: كيف يحصل لكم تقوى إن كفرتم يوم القيامة وجحدتموه؟ وكلاهما معنًى حسنٌ، ولكنّ الأوّل أولى، واللّه أعلم.
ومعنى قوله: {يومًا يجعل الولدان شيبًا} أي: من شدّة أهواله وزلازله وبلابله، وذلك حين يقول اللّه لآدم: ابعث بعث النّار. فيقول من كم؟ فيقول: من كلّ ألفٍ تسعمائةٌ وتسعةٌ وتسعون إلى النّار، وواحدٌ إلى الجنّة.
قال الطّبرانيّ: حدّثنا يحيى بن أيّوب العلّاف، حدّثنا سعيد بن أبي مريم، حدّثنا نافع بن يزيد، حدّثنا عثمان بن عطاءٍ الخراسانيّ، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ: {يومًا يجعل الولدان شيبًا} قال: "ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول اللّه لآدم: قم فابعث من ذرّيّتك بعثًا إلى النّار. قال: من كم يا ربّ؟ قال: من كلّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةٌ وتسعون، وينجو واحدٌ". فاشتدّ ذلك على المسلمين، وعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال حين أبصر ذلك في وجوههم: "إنّ بني آدم كثيرٌ، وإنّ يأجوج ومأجوج من ولد آدم، وإنّه لا يموت منهم رجلٌ حتّى يرثه لصلبه ألف رجلٍ. ففيهم وفي أشباههم جنّةٌ لكم".
هذا حديثٌ غريبٌ، وقد تقدّم في أوّل سورة الحجّ ذكر هذه الأحاديث.
وقوله: {السّماء منفطرٌ به} قال الحسن، وقتادة: أي بسببه من شدّته وهوله. ومنهم من يعيد الضّمير على اللّه عزّ وجلّ. وروي عن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ، وليس بقويٍّ؛ لأنّه لم يجر له ذكرٌ هاهنا.
وقوله تعالى: {كان وعده مفعولا} أي: كان وعد هذا اليوم مفعولًا أي واقعًا لا محالة، وكائنًا لا محيد عنه.
يقول تعالى: {إنّ هذه} أي: السّورة {تذكرةٌ} أي: يتذكّر بها أولو الألباب؛ ولهذا قال: {فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا} أي: ممّن شاء اللّه هدايته، كما قيّده في السّورة الأخرى: {وما تشاءون إلا أن يشاء اللّه إنّ اللّه كان عليمًا حكيمًا} [الإنسان: 30]). [تفسير القرآن العظيم: 8/256-257]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المزمل, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir