دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:00 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي صلة الموصول


وكلُّها تَلْزَمُ بعدَهُ صِلَةْ = على ضميرٍ لائقٍ مُشْتَمِلَةْ
وجملةٌ أوْ شِبْهُهَا الذي وُصِلْ =بهِ كمَنْ عِندِي الذي ابنُهُ كُفِلْ
وصِفةٌصَريحةٌ صِلَةُ أَلْ = وكونُها بِمُعْرَبِالأفعالِ قُلْ


  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

وكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ = عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ ([1])
الموصولاتُ كلُّها- حرفيَّةً كانَتْ أو اسْمِيَّةً- يَلْزَمُ أنْ يَقَعَ بعدَها صِلَةٌ تُبَيِّنُ معناها.
ويُشْتَرَطُ في صلةِ الموصولِ الاسميِّ أنْ تَشْتَمِلَ على ضميرٍ لائقٍ بالموصولِ؛ إنْ كانَ مُفرداً فمفردٌ، وإنْ كانَ مذكَّراً فمذكَّرٌ، وإنْ كانَ غيرَهما فغيرُهما، نحوُ: (جاءني الذي ضَرَبْتُهُ)، وكذلك المثنَّى والمجموعُ، نحوُ: (جاءَنِي اللذانِ ضَرَبْتُهُما والذين ضَرَبْتُهم)، وكذلك المؤنَّثُ تقولُ: (جاءَتِ التي ضَرَبْتُها، واللتانِ ضَرَبْتُهُما، واللاتي ضَرَبْتُهُنَّ).
وقد يكونُ الموصولُ لفظُه مفرداً مذكَّراً ومعناهُ مثنًّى أو مجموعاً أو غيرَهما، وذلك نحوُ: (مَن وما) إذا قَصَدْتَ بهما غيرَ المفردِ المذكَّرِ، فيَجُوزُ حينَئذٍ مراعاةُ اللفظِ ومراعاةُ المعنى، فتقولُ: (أَعْجَبَنِي مَن قامَ ومَن قامَتْ ومَن قاما ومَن قامتا ومَن قاموا ومَن قُمْنَ)، على حَسَبِ ما يُعْنَى بهما.
وجُمْلَةٌ أو شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ = بِهِ كَمَنْ عِنْدِي الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ([2])
صِلَةُ الموصولِ لا تكونُ إلا جملةً أو شِبْهَ جملةٍ، ونعني بشبهِ الجملةِ الظرفَ والجارَّ والمجرورَ، وهذا في غيرِ صِلَةِ الألفِ واللامِ، وسيأتي حُكْمُها.
ويُشْتَرَطُ في الجملةِ الموصولِ بها ثلاثةُ شروطٍ: أحدُها: أنْ تكونَ خَبَرِيَّةً ([3])، الثاني: كَوْنُها خاليةً من معنَى التعجُّبِ ([4])، الثالثُ: كَوْنُها غيرَ مُفْتَقِرَةٍ إلى كلامٍ قَبْلَها، واحْتَرَزَ بـ(الخبريَّةِ) من غَيْرِها، وهي الطلبيَّةُ والإنشائيَّةُ، فلا يَجُوزُ (جاءَنِي الذي أَضْرِبُه)، خِلافاً للكِسائيِّ، ولا (جاءَنِي الذي لَيْتَهُ قائمٌ) خلافاً لهشامٍ، واحْتُرِزَ بـ(خاليةٍ) من معنى التعجُّبِ مِن جملةِ التعجُّبِ، فلا يَجُوزُ (جَاءَنِي الذي ما أَحْسَنَهُ)، وإنْ قُلْنَا: إنها خَبَرِيَّةٌ، واحْتُرِزَ (بغيرِ مفتقرةٍ إلى كلامٍ قبلَها) من نحوِ: (جاءني الذي لكِنَّهُ قائمٌ)؛ فإنَّ هذه الجملةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ جملةٍ أُخْرَى، نحوُ: (ما قَعَدَ زيدٌ لكنَّه قائمٌ).
ويُشْتَرَطُ في الظرفِ والجارِّ والمجرورِ أنْ يَكُونَا تامَّيْنِ، والمعنيُّ بالتامِّ أنْ يكونَ في الوصلِ به فائدةٌ، نحوُ: (جاءَ الذي عِنْدَكَ والذي في الدارِ)، والعاملُ فيهما فعلٌ محذوفٌ وُجوباً، والتقديرُ: (جاءَ الذي اسْتَقَرَّ عندَك)، أو (الذي اسْتَقَرَّ في الدارِ)، فإنْ لم يَكُونَا تامَّيْنِ لم يَجُزِ الوصلُ بهما، فلا تقولُ: (جاءَ الذي بِكَ)، ولا (جاءَ الذي اليومَ).
وصفةٌ صريحةٌ صِلَةُ ألْ = وكَوْنُهَا بمُعْرَبِ الأفعالِ قَلْ ([5])
الألفُ واللامُ لا تُوصَلُ إلا بالصفةِ الصريحةِ، قالَ المصنِّفُ في بعضِ كُتُبِه: وأعني بالصفةِ الصريحةِ اسمَ الفاعلِ، نحوَ: (الضاربِ)، واسمَ المفعول نحوَ: (المضروبِ)، والصفةَ المُشَبَّهَةَ، نحوَ: (الحَسَنِ الوجهِ)، فخَرَجَ نحوُ: (القُرَشِيِّ والأفضلِ) ([6])، وفي كونِ الألفِ واللامِ الداخلتيْنِ على الصفةِ المشبَّهَةِ موصولةً خلافٌ، وقدِ اضْطَرَبَ اختيارُ الشيخِ أبي الحسنِ بنِ عُصْفُورٍ في هذه المسألةِ فمَرَّةً قالَ: إنها موصولةٌ، ومَرَّةً منَعَ ذلكَ ([7]).
وقد شَذَّ وَصْلُ الألفِ واللامِ بالفعلِ المضارعِ، وإليه أشارَ بقولِهِ: (وكَوْنُهَا بمُعْرَبِ الأفعالِ قَلْ)، ومِنه قولُه:
30- ما أَنْتَ بِالحَكَمِ التُرْضَى حُكُومَتُهُ = ولاَ الأَصِيلِ وَلاَ ذِي الرَّأْيِ والجَدَلِ ([8])
وهذا عندَ جمهورِ البَصْرِيِّينَ مخصوصٌ بالشِّعْرِ، وزَعَمَ المُصَنِّفُ في غيرِ هذا الكتابِ أنه لا يَخْتَصُّ به، بل يَجُوزُ في الاختيارِ، وقد جاءَ وَصْلُها بالجملةِ الاسميَّةِ وبالظرفِ شذوذاً، فمِن الأوَّلِ قولُه:
31- مِن القومِ الرسولُ اللهِ مِنْهُمْ = لَهُمْ دَانَتْ رِقَابُ بَنِي مَعَدِّ ([9])
ومن الثاني قولُه:
32- مَن لا يَزَالُ شَاكِراً عَلَى الْمَعَهْ = فَهْوَ حَرٍ بعِيشَةٍ ذَاتِ سَعَهْ ([10])



([1]) (وكُلُّها) الواوُ للاستئنافِ، كلُّ: مبتدأٌ، وكلُّ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، ومَرْجِعُه الموصولاتُ الاسميَّةُ وحدَها، وخلافاً لتعميمِ الشارحِ؛ لأنَّ الناظمَ نَعَتَ الصلةَ بكونِها مُشْتَمِلَةً على عائدٍ، وهذا خاصٌّ بصِلَةِ الموصولِ الاسميِّ؛ ولأن الناظِمَ لم يَتَعَرَّضْ للموصولِ الحرفيِّ هنا أصلاً، بل خَصَّ كلامَه بالاسميِّ، ألا تَرَى أنه بَدَأَ البابَ بقولِه: (موصولُ الأسماءِ)؟، و(يَلْزَمُ) فعلٌ مضارِعٌ، (بَعْدَ): بعدَ ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: يَلْزَمُ، وبعدَ مضافٌ والضميرُ العائدُ على كل مضافٌ إليه، (صِلَةْ) فاعلُ يَلْزَمُ، (على ضَمِيرٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (مُشْتَمِلَة) الآتِي، (لائقٍ) نعتٌ لضميرٍ، (مُشْتَمِلَة) نعتٌ لِصِلَةْ.
([2]) (وجُمْلَةٌ) خبرٌ مُقَدَّمٌ، (أو شِبْهُهَا) أو: حرفُ عطفٍ، شِبْهُ: معطوفٌ على جملةٍ، وشِبْهُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (الذي) اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (وُصِلْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على قولِهِ: (كُلُّها) في البيتِ السابقِ، (بِهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (وُصِلْ)، وتقديرُ الكلامِ على هذا الوجهِ: والذي وُصِلَ به كلُّ واحدٍ من الموصولاتِ السابقِ ذِكْرُها جُمْلَةٌ أو شِبْهُ جملةٍ، وقيلَ: قولُه: (جُمْلَةٌ) مبتدأٌ، وقولُه: (الذي) خبرُه، ونائبُ فاعلِ وُصِل ليسَ ضميراً مُسْتَتِراً، بل هو الضميرُ المجرورُ بالباءِ في قولِهِ: (بِهِ)، وليسَ هذا الإعرابُ بجَيِّدٍ، (كَمَنْ) الكافُ جارَّةٌ لمحذوفٍ تقديرُه: كقولِكَ، ومَن: اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ، (عِنْدِي) عندَ: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بفعلٍ محذوفٍ تَقَعُ جُمْلَتُه صلةً، وعندَ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (الذي) خبرُ المبتدأِ، (ابْنُهُ) ابنُ: مبتدأٌ، وابنُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (كُفِلْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (ابنُ)، والجملةُ من الفعلِ ونائبِ الفاعلِ في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الذي هو قولُه: (ابْنُهُ)، والجملةُ مِن المبتدأِ وخبرِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ الذي.
([3]) ذَهَبَ الكِسَائِيُّ إلى أنه يَجُوزُ أنْ تكونَ صلةُ الموصولِ جملةً إنشائيَّةً، واسْتَدَلَّ على ذلكَ بالسماعِ، فمِن ذلك قولُ الفَرَزْدَقِ:
وإِنِّي لَرَاجٍ نَظْرَةً قِبَلَ الَّتِي = لَعَلِّي -وإِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا- أَزُورُهَا
وقولُ جَمِيلِ بنِ مَعْمَرٍ العُذْرِيِّ المعروفِ بجَمِيلِ بُثَيْنَةَ:
وماذا عَسَى الوَاشُونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا = سِوَى أَنْ يَقُولُوا إِنَّنِي لَكِ عَاشِقُ
وزَعَمَ الكِسَائِيُّ أنَّ جُمْلَةَ (لَعَلِّي أَزُورُهَا) مِن لَعَلَّ واسْمِها وخبرِها صلةُ التي، كما زعَمَ أنَّ (ما) في قولِ جَمِيلٍ: (وماذا) اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ، و(ذا) اسمٌ موصولٌ خَبَرُه، وجملةَ عَسَى واسمِها وخبرِها صِلَةٌ.
والجوابُ: أنَّ صِلَةَ (التي) في البيتِ الأوَّلِ محذوفةٌ، والتقديرُ: قِبَلَ التي أقولُ فيها لَعَلِّي... إلخ، أو الصلةُ هي جملةُ أَزُورُها، وخبرُ لعلَّ محذوفٌ، و(ماذا) كلُّها في البيتِ الثاني اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ، وليسَ ثَمَّةَ اسمٌ موصولٌ أصلاً.
([4]) اخْتَلَفَ العلماءُ في جملةِ التعجُّبِ: أَخَبَرِيَّةٌ هي أم إنشائيَّةٌ؟
فذَهَبَ قومٌ إلى أنها جملةٌ إنشائيَّةٌ، وهؤلاء جميعاً قالُوا: لا يَجُوزُ أنْ يُوصَلَ بها الاسمُ الموصولُ. وذَهَبَ فريقٌ إلى أنها خَبَرِيَّةٌ، وقدِ اخْتَلَفَ هذا الفريقُ في جوازِ وصلِ الموصولِ بها؛ فقالَ ابنُ خَرُوفٍ: يَجُوزُ. وقالَ الجمهورُ: لا يجوزُ؛ لأنَّ التعجبَ إنما يُتَكَلَّمُ به عندَ خَفَاءِ سببِ ما يُتَعَجَّبُ منه، فإنْ ظهَرَ السببُ بَطَلَ العجبُ، ولا شَكَّ أنَّ المقصودَ بالصلةِ إيضاحُ الموصولِ وبيانُه، وكيفَ يُمْكِنُ الإيضاحُ والبيانُ بما هو غيرُ ظاهرٍ في نفسِه؟! فلمَّا تَنَافَيَا لم يَصِحَّ رَبْطُ أحدِهما بالآخَرِ.
ويُؤَيِّدُ هذا التفصيلَ قولُ الشارحِ فيما بعدُ: (فلا يجوزُ: جَاءَنِي الذي ما أَحْسَنَهُ، وإنْ قُلْنَا: إنها خبريةٌ) فإنَّ معنى هذه العبارةِ: لا يجوزُ أنْ تكونَ جملةُ التعجُّبِ صلةً إنْ قلنا: إنها إنشائيَّةٌ وإنْ قُلنا: إنها خبريةٌ، فلا تَلْتَفِتْ لِمَا قالَه الكاتبونَ في هذا المقامِ مِمَّا يُخَالِفُ هذا التحقيقَ.
([5]) (وصفةٌ) الواوُ للاستئنافِ، صفةٌ: خبرٌ مقدَّمٌ، (صَرِيحَةٌ) نعتٌ لصفةٌ، (صِلَةُ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، وصلةُ مضافٌ و(ألْ) مضافٌ إليه، (وكَوْنُهَا) كونُ: مبتدأٌ، وهو من جهةِ الابتداءِ يَحْتَاجُ إلى خبرٍ، ومن جهةِ كونِه مصدراً لِكانَ الناقصةِ يَحتاجُ إلى اسمٍ وخبرٍ، فالضميرُ المتَّصِلُ به اسمُه، و(بِمُعْرَبٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُه مِن حيثُ النُّقْصَانُ، ومعرب مضافٌ و(الأفعالِ) مضافٌ إليه، (قَلْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى كونها الواقعِ مبتدأً، والجملةُ في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ.
([6]) أمَّا خُرُوجُ نحوِ: (القُرَشِيِّ) فلأنَّه ليسَ وصفاً، وإنما هو مُؤَوَّلٌ بالوصفِ، فإنَّهم يُؤَوِّلُونَه بالمنسوبِ إلى قريشٍ لِيُصَحِّحُوا وُقُوعَه نعتاً، وأمَّا خروجُ نحوِ: (الأَفْضَلِ) فلِعَدَمِ مُشَابَهَتِهِ للفِعْلِ، وسَنُوَضِّحُه، وخَرَجَ أيضاًً ما سُمِّيَ به مِن الصفاتِ؛ كالصاحبِ والأَبْطَحِ والأَجْرَعِ.
([7]) للعلماءِ خلافٌ طويلٌ في جوازِ وصلِ ألْ بالصفةِ المُشَبَّهَةِ، فجمهورُهم على أنَّ الصفةَ المشبَّهَةَ لا تكونُ صلةً لألْ، فألِ الداخلةُ على الصفةِ المشبَّهةِ عندَ هؤلاءِ مُعَرِّفَةٌ لا موصولةٌ؛ والسرُّ في ذلك أنَّ الأصلَ في الصلاتِ للأفعالِ، والصفةُ المشبَّهةُ بعيدةُ الشَّبَهِ بالفعلِ مِن حيثُ المعنَى؛ وذلك لأنَّ الفعلَ يَدُلُّ على الحدوثِ، والصفةَ المشبَّهَةَ لا تَدُلُّ عليه، وإنما تَدُلُّ على اللزومِ.
ويُؤَيِّدُ هذا أنهم اشْتَرَطُوا في اسمِ الفاعلِ واسمِ المفعولِ وأمثلةِ المبالغةِ التي تَقَعُ صلةً لألْ -أنْ يكونَ كلُّ واحدٍ مِنها دالاًّ على الحدوثِ، ولو دَلَّ أحدُها على اللزومِ لم يَصِحَّ أنْ يكونَ صلةً لألْ، بل تكونُ ألِ الداخلةُ عليه مُعَرِّفَةً، وذلكَ كالمؤمِنِ والفاسقِ والكافرِ والمنافِقِ.
وذَهَبَ قومٌ إلى أنه يَجُوزُ أنْ تكونَ الصفةُ المشبَّهَةُ صِلَةً لألْ؛ لأنَّها أَشْبَهَتِ الفعلَ من حيثُ العملُ ـ وإنْ خَالَفَتْهُ في المعنى ـ أَفَلَسْتَ تَرَى أنها ترفَعُ الضميرَ المُسْتَتِرَ، والضميرَ البارِزَ، والاسمَ الظاهرَ، كما يَرْفَعُها الفعلُ جميعاً؟ وأَجْمَعُوا على أنَّ أفعلَ التفضيلِ لا يكونُ صِلَةً لألْ؛ لأنَّه لم يُشْبِهِ الفعلَ لا من حيثُ المعنى ولا مِن حيثُ العملُ:
أمَّا عدمُ مُشَابَهَتِهِ الفعلَ مِن حيثُ المعنى؛ فلأنَّه يَدُلُّ على الاشتراكِ معَ الزيادةِ، والفعلُ يَدُلُّ على الحدوثِ.
وأما عدمُ شَبَهِهِ بالفعلِ من حيثُ العملُ فلأنَّ الفعلَ يَرْفَعُ الضميرَ المُسْتَتِرَ والبارزَ، ويَرْفَعُ الاسمَ الظاهرَ، أمَّا أفعلُ التفضيلِ فلا يَرْفَعُ باطِّرادٍ إلا الضميرَ المُسْتَتِرَ، ويَرْفَعُ الاسمَ الظاهرَ في مسألةٍ واحدةٍ هي المعروفةُ بمسألةِ الكُحْلِ.
([8]) هذا البيتُ للفَرَزْدَقِ، مِن أبياتٍ له يَهْجُو بها رجلاً من بَنِي عُذْرَةَ، وكانَ هذا الرجلُ العُذْرِيُّ قد دَخَلَ على عبدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ يَمْدَحُه، وكانَ جَرِيرٌ والفرزدقُ والأخطلُ عندَه، والرجلُ لا يَعْرِفُهُم، فعَرَّفَه بهم عبدُ المَلِكِ، فعاتَبَهم العُذْرِيُّ أنْ قالَ:
فحَيَّا الإلَهُ أَبَا حَزْرَةٍ = وأَرْغَمَ أَنْفَكَ يَا أَخْطَلُ
وجَدُّ الفَرَزْدَقِ أَتْعِسْ بِهِ = ودَقَّ خَيَاشِيمَهُ الجَنْدَلُ
و(أبو حَزْرَةَ) كُنْيَةُ جَرِيرٍ، و(أَرْغَمَ أَنْفَكَ) يدعو عليه بالذُّلِّ والمَهانَةِ حتى يُلْصَقَ أنفُه بالرَّغامِ ـ وهو الترابُ ـ و(الجَدُّ) الحظُّ والبَخْتُ، وفي قَوْلِهِ: (وجَدُّ الفرزدقِ أَتْعِسْ به) دليلٌ على أنه يَجُوزُ أنْ يَقَعَ خبرُ المبتدأِ جملةً إنشائيةً، وهو مذهَبُ الجمهورِ، وخَالَفَ فيه ابنُ الأنباريِّ، وسَنَذْكُرُ في ذلكَ بَحثاً في بابِ المبتدأِ والخبرِ. فأَجَابَه الفرزدقُ ببَيْتَيْنِ ثانيهما بيتُ الشاهدِ، والذي قبلَه قولُه:
يَا أَرْغَمَ اللهُ أَنْفاً أَنْتَ حَامِلُهُ = يا ذَا الخَنَى وَمَقَالِ الزُّورِ والخَطَلِ
اللغةُ: (الخَنَى) بزِنَةِ الفَتَى : هو الفُحْشُ، و(الخَطَلُ) بفتحِ الخاءِ المعجمةِ والطاءِ المهملةِ: هو المنطِقُ الفاسدُ المُضْطَرِبُ والتفحُّشُ فيه، (الحَكَمُ) بالتحريكِ: الذي يُحَكِّمُهُ الخَصمانِ كي يَقْضِيَ بينَهما، ويَفْصِلَ في خُصُومَتِهِمَا، (الأصيلُ) ذو الحَسَبِ، و(الجَدَلُ) شِدَّةُ الخصومةِ.
المعنى: يقولُ: لَسْتَ أيُّها الرجلُ بالذي يَرْضَاهُ الناسُ للفصلِ في أَقْضِيَتِهِم، ولا أنتَ بذي حَسَبٍ رَفيعٍ، ولا أنتَ بصاحبِ عقلٍ وتدبيرٍ سَدِيدٍ، ولا أنتَ بصاحبِ جَدَلٍ، فكيفَ نَرْضَاكَ حَكَماً؟!
الإعرابُ: (ما) نافيةٌ، تَعْمَلُ عَمَلَ لَيْسَ، (أَنْتَ) اسمُها، (بالحَكَمِ) الباءُ زائدةٌ، الحَكَمِ: خبرُ ما النافيةِ، (التُرْضَى) ألْ: موصولٌ اسميٌّ نَعْتٌ للحَكَمِ، مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ، (تُرْضَى) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، (حُكُومَتُه) حكومةُ: نائبُ فاعلٍ لِتُرْضَى، وحكومةُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، والجملةُ لا مَحَلَّ لها؛ صلةُ الموصولِ، (ولا) الواوُ حرفُ عطفٍ، لا: زائدةٌ لتأكيدِ النفيِ، (الأَصِيلِ) معطوفٌ على الحَكَمِ، (ولا) مثلُ السابقِ، (ذي) معطوفٌ على الحَكَمِ أيضاًً، وذي مضافٌ (والرأيِ) مضافٌ إليه، (والجَدَلِ) معطوفٌ على الرأيِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (التُرْضَى حُكُومَتُهُ) حيثُ أتَى بصلةِ (ألْ) جملةً فعليَّةً فِعْلُها مضارِعٌ، ومثلُه قولُ ذِي الخِرَقِ الطُّهَوِيِّ:
يَقُولُ الخَنَى وأَبْغَضُ العُجْمِ نَاطِقاً = إلى رَبِّنَا صَوْتُ الحِمَارِ اليُجَدَّعُ
فيَسْتَخْرِجُ الْيَرْبُوعَ مِن نَافِقَائِهِ = ومِن جُحْرِهِ بالشيخةِ الْيَتَقَصَّعُ
([9]) هذا البيتُ مِن الشواهدِ التي لا يُعْرَفُ قائِلُها، قالَ العَيْنِيُّ: (أَنْشَدَهُ ابنُ مالكٍ للاحتجاجِ به، ولم يَعْزِهِ إلى قائلِه) اهـ. ورَوَى البَغْدَادِيُّ بيتاً يُشْبِهُ أنْ يكونَ هذا البيتَ، ولم يَعْزِهِ أيضاًً إلى قائلٍ، وهو:
بلِ القومُ الرسولُ اللهِ فِيهِمْ = هُمُ أَهْلُ الحكومةِ مِن قُصَيِّ
اللغةُ: (دَانَتْ) ذَلَّتْ وخَضَعَتْ وانْقَادَتْ، (مَعَدِّ) هو ابنُ عَدْنَانَ، وبنو قُصَيٍّ هم قريشٌ، وبنو هاشِمٍ قومُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنهم.
الإعرابُ: (مِنَ القَوْمِ الرسولُ اللهِ): الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ يَجُوزُ أنْ يكونَ خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ، ويكونُ تقديرُ الكلامِ: هو من القومِ... إلخ، والألفُ واللامُ في كَلِمَةِ (الرسولُ) موصولٌ بمعنى الذين صفةٌ للقومِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ، ورسولُ مبتدأٌ، ورسولُ مضافٌ ولفظُ الجلالةِ مضافٌ إليه، (مِنْهُمْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرِ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه لا مَحَلَّ لها؛ صلةُ ألِ الموصولةِ، (لَهُمْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (دَانَت) الآتِي، (دَانَتْ) دانَ: فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ تاءُ التأنيثِ، (رِقَابُ) فاعلُ دانَ، ورقابُ مضافٌ و(بَنِي) مضافٌ إليه، وبني مضافٌ و(مَعَدِّ) مضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (الرسولُ اللهِ مِنْهُمْ) حيثُ وَصَلَ ألْ بالجملةِ الاسميَّةِ، وهي جملةُ المبتدأِ والخبرِ، وذلكَ شَاذٌّ.
ومن العلماءِ مَن يُجِيبُ عن هذا الشاهدِ ونحوِه بأنَّ (ألْ) إنما هي هنا بعضُ كَلِمَةٍ، وأصلُها (الذين) فحُذِفَ ما عدا الألفِ واللامِ، قالَ هؤلاء: ليسَ حَذْفُ بعضِ الكَلِمَةِ وإبقاءُ بعضِها بعَجَبٍ في العربيَّةِ، وهذا لَبِيدُ بنُ رَبِيعَةَ العامِرِيُّ يقولُ:
* دَرَسَ الْمَنَا بِمَتَالِعٍ فَأَبَانِ *
أرادَ (المَنَازِلُ) فحَذَفَ حرفيْنِ لغيرِ تَرْخِيمٍ. وهذا رُؤْبَةُ يقولُ:
* أَوَالِفاً مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي *
أرادَ (الحَمَامِ) فحَذَفَ الميمَ ثُمَّ قَلَبَ فتحةَ الميمِ كسرةً والألفَ ياءً، وقد قالَ الشاعِرُ، وهو أقربُ شيءٍ إلى ما نحنُ بِصَدَدِهِ:
وإنَّ الذي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ = هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يا أُمَّ خَالِدِ
أرادَ (وإنَّ الذين) بدليلِ ضميرِ جماعةِ الذكورِ في قَوْلِهِ: (دِمَاؤُهُمْ)، وقولِه فيما بعدُ: (هُمُ القَوْمُ)، وعليه خَرَّجُوا قولَ اللهِ تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}؛ أي: كالذين خاضوا، وفي الآيةِ تخريجانِ آخرانِ:
أَحَدُهما: أنَّ الذي موصولٌ حرفيٌّ كـ (ما)؛ أي: وخُضْتُمْ كَخَوْضِهِم.
وثانيهما: أنَّ الذي موصولٌ اسميٌّ صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ، والعائدُ إليه من الصلةِ محذوفٌ؛ أي: وخُضْتُمْ كالخوضِ الذي خَاضُوه.
قالُوا: وربما حَذَفَ الشاعرُ الكَلِمَةَ كُلَّها، فلم يُبْقِ منها إلاَّ حرفاً واحداً، ومِن ذلك قولُ الشاعِرِ:
نَادَوْهُمُ أَنْ أَلْجِمُوا أَلاَتَا = قَالُوا جَمِيعاً كُلُّهُمْ أَلاَفَا
فإن هذا الراجزَ أرادَ في الشطرِ الأوَّلِ: (ألا تَرْكَبُونَ)، فحَذَفَ ولم يُبْقِ إلا التاءَ، وحَذَفَ مِن الثاني الذي هو الجوابُ فلم يُبْقِ إلا حرفَ العطفِ، وأصلُه: (ألا فَارْكَبُوا)، وبعضُ العلماءِ يَجْعَلُ الحروفَ التي تُفْتَتَحُ بها بعضُ سُوَرِ القرآنِ - نحوَ: الم، حم، ص - من هذا القَبِيلِ، فيقولون: الم أَصْلُه: أنا اللهُ أَعْلَمُ، أو ما أَشْبَهَ ذلكَ، وانْظُرْ معَ هذا ما ذَكَرْنَاهُ في شرحِ الشاهدِ رَقْمِ 316 الآتِي في بابِ الترخيمِ.
قُلْتُ: وهذا الذي ذَهَبُوا إليه ليسَ إلا قِيَاماً مِن وَرْطَةٍ للوقوعِ في وَرْطَةٍ أُخْرَى أَشَدَّ مِنها وأَنْكَى، فهو تَخَلُّصٌ مِن ضرورةٍ إلى ضرورةٍ أَصْعَبَ مِنها مَخْلَصاً وأَعْسَرَ نَجَاءً.
ولا يَشُكُّ أحدٌ أنَّ هذا الحذفَ بجَمِيعِ أنواعِهِ التي ذَكَرُوها من الضروراتِ التي لا يَسُوغُ القياسُ عليها؛ ولذلك اسْتَبْعَدَ كثيرٌ تخريجَ الآيةِ الكريمةِ التي تَلَوْنَاهَا أَوَّلاً على هذا الوجهِ، كما اسْتَبْعَدَ كثيرونَ تَخْرِيجَهَا على أنَّ (الذي) موصولٌ حرفِيٌّ. ‌
([10]) وهذا البيتُ أيضاًً من الشواهدِ التي لم يَنْسُبُوها إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (الْمَعَهْ) يريدُ الذي معَه، (حَرٍ) حقيقٌ، وجَديرٌ، ولائقٌ، ومُسْتَحِقٌّ، (سَعَةْ) ـ بفتحِ السينِ، وقد تُكْسَرُ ـ اتِّساعٌ ورَفَاهِيَةٌ ورَغَدٌ.
المعنى: مَن كانَ دائمَ الشكرِ للهِ تعالى على ما هو فيه مِن خيرٍ فإنَّه يَسْتَحِقُّ الزيادةَ ورَغَدَ العَيْشِ، وهو مأخوذٌ مِن قولِهِ تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.
الإعرابُ: (مَن) اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ، (لا يَزَالُ) فعلٌ مضارعٌ ناقصٌ، واسمُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على المبتدأِ، (شاكراً) خبرُ لا يَزَالُ، والجملةُ مِن يزَالُ واسمِه وخبرِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ الموصولِ، (عَلَى) حرفُ جرٍّ، (الْمَعَهْ) هو عبارةٌ عن (ألِ) الموصولةِ بمعنى الذي، وهي مجرورةُ المَحَلِّ بعلى، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بشاكِرٍ، ومعَ: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ واقعٍ صلةً لألْ، ومعَ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (فَهْوَ حَرٍ) الفاءُ زائدةٌ، و(هْوَ) ضميرٌ منفصِلٌ مبتدأٌ، و(حَرٍ) خبرُه، والجملةُ منهما في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، وهو (مَن) في أوَّلِ البيتِ، ودَخَلَتِ الفاءُ على جملةِ الخبرِ لِشَبَهِ المبتدأِ بالشرطِ، (بعِيشَةٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (حَرٍ) الواقعِ خبراً لـ (هوَ)، (ذاتِ) صفةٌ لعِيشَةٍ، وذاتِ مضافٌ و(سَعَة) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، ولكنَّه سَكَّنَهُ للوقفِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (المَعَهْ) حيثُ جاءَ بصلةِ (ألْ) ظرفاً، وهو شاذٌّ على خلافِ القياسِ.
ومثلُ هذا البيتِ ـ في وصلِ ألْ بالظرفِ شُذُوذاً ـ قولُ الآخَرِ:
وغَيَّرَنِي ما غَالَ قَيْساً ومَالِكاً = وعَمْراً وحُجْراً بِالمُشَقَّرِ أَلْمَعَا
يُريدُ: الذي معَه، فاسْتَعْمَلَ ألْ موصولةً بمعنى الذينَ، وهو أمرٌ لا شيءَ فيه، وأتَى بصِلَتِها ظَرفاً، وهو شاذٌّ؛ فإنَّ ألْ بجميعِ ضروبِها وأنواعِها مختصَّةٌ بالأسماءِ، وقالَ الكِسَائِيُّ في هذا البيتِ: إنَّ الشاعرَ يريدُ (معاً) فزادَ ألْ.


  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

فصلٌ: وتَفتقِرُ كلُّ الموصولاتِ إلى صِلَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عنها مُشتمِلَةٍ على ضميرٍ مُطَابِقٍ لها, يُسَمَّى العَائِدَ ([1]).
والصِّلَةُ إِمَّا جملةٌ, وشَرْطُها أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً، معهودةً، إلاَّ في مَقامِ التهويلِ والتفخيمِ، فيَحْسُنُ إبهامُها، فالمَعهودَةُ كـ (جَاءَ الَّذِي قَامَ أَبُوهُ)، والمبهمةُ نحوُ: َغَشِيَهُمْ مِنَ اليَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} ([2])، ولا يَجوزُ أنْ تَكُونَ إنشائيَّةً, كـ (بِعْتَكَهُ), ولا طَلَبِيَّةً, كـ (اضْرِبْهُ), و(لا تَضْرِبْهُ) ([3])، وإمَّا شِبْهُها, وهي ثَلاثَةٌ: الظَّرْفُ المَكَانِيُّ، والجارُّ والمجرورُ، والتامَّانِ، نحوَ: (الَّذِي عِنْدَكَ), و:(الَّذِي فِي الدَّارِ), وتَعَلُّقُهما باستقَرَّ مَحْذوفًا، والصِّفَةُ الصريحةُ؛ أي: الخالصةُ للوَصفِيَّةِ، وتَخْتَصُّ بالألفِ واللامِ، كـ(ضَارِبْ), و(مَضْرُوبِ), و(حَسَنٍ), بخلافِ ما غَلَبَتْ عليها الاسميَّةُ، كأبْطَحَ, وأَجْرَعَ, وصَاحِبٍ, ورَاكِبٍ ([4])، وقد تُوصَلُ بمُضارِعٍ؛ كقولِه:

مَا أَنْتَ بالحَكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتُهُ ([5])
ولا يَخْتَصُّ ذلكَ عندَ ابنِ مالكٍ بالضرورةِ.


([1]) إنَّمَا افتَقَرَت الموصولاتُ الاسمِيَّةُ إلى الصلةِ؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منها اسمٌ ناقصٌ لا يَتِمُّ معنَاهُ في نفسِه إلا بضَمِيمَةٍ تَنْضَمُّ إليه، وهذه الضَّمِيمَةُ هي الصلةُ بشُرُوطِها التي سيَنُصُّ المُؤَلِّفُ عليها، وإنَّمَا شَرَطُوا في جُملةِ الصلةِ أن تَكُونَ خَبَرِيَّةً - أي: مُحْتَمِلَةً للصدقِ والكَذِبِ بالنظرِ إلى ذاتِها، لا بالنظرِ إلى المُتكلِّمِ -؛ لأنَّهم إنَّما أرَادُوا بالاسمِ الموصولِ أن يَكُونَ وَصْلةً لنعتِ الاسمِ المَعْرِفَةِ بالجُمَلِ، ومِن المعلومِ أنَّ الجملةَ لا تَصْلُحُ للنعتِ بها إلا إذا كانَت خَبَرِيَّةً، وإنَّما شَرَطُوا فيها أنْ تَكُونَ مَعهودةً للمُخَاطَبِ؛ لأنَّ الاسمَ الموصولَ في ذاتِه مُبهمٌ، فإذا جِئْتَ له بصلةٍ لا يَعْرِفُها المُخَاطَبُ لم تَكُنْ قد أَزَلْتَ عنه مِن إبهامِه شَيْئاً، هذا إن كُنْتَ تُرِيدُ بالاسمِ الموصولِ مَعْهُوداً، ومِن أمثِلَةِ ذلك قولُه تعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} فإنْ كُنْتَ لا تَقْصِدُ بالموصولِ مُعَيَّناً وإنَّمَا أَرَدْتَ الجِنْسَ لم يَلْزَمْ أن تَكُونَ الصلةُ معهودةً، ومنه قولُه تعَالَى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ} وإن أَرَدْتَ التعظيمَ أَبْهَمْتَ الصلةَ كالآيَةِ التي تَلاهَا المؤلِّفُ.
([2]) سورة طه، الآية: 78.
([3]) إنَّما امتَنَعَ أن تَكُونَ جملةُ الصلةِ طَلَبِيَّةً أو إنشائِيَّةً؛ لأنَّ كُلاًّ مِن الإنشاءِ والطلَبِ ليسَ له خارجٌ يَدُلُّ عليه حينَ التكلُّمِ، وإنَّمَا يَحْصُلُ خارِجُه عُقَيْبَ الكلامِ، وإذا كانَ أَمْرُهما كذلك لم يَكُونَا معهودَيْنِ للمُخَاطَبِ، ويُسْتَثْنَى مِن الجملةِ الإنشائِيَّةِ جملةُ القَسَمِ فإنَّها وإن كانَت إنشائِيَّةً يَصِحُّ أن تَقَعَ صِلةً نحوُ قولِه تعَالَى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} وقيلَ: الصلةُ هي جملةُ جوابِ القَسَمِ وهي خَبَرِيَّةٌ فلا استِثْنَاءَ، ويُسْتَثْنَى مِن الجملةِ الخبريَّةِ جملةُ التعَجُّبِ فلا يَجُوزُ أن تكُونَ صِلَةً، نحوُ: جَاءَ الذي ما أَحْسَنَه؛ لأنَّ في التعَجُّبِ إبهاماً فلا تَصْلُحُ جُملتُه لإزالةِ إبهامِ الموصولِ، وبَقِيَ أنَّه يُشْتَرَطُ في جملةِ الصلةِ ألاَّ تَكُونَ مُستدعِيةً لكلامٍ قبلَها، نحوُ: جَاءَ الذي لَكِنَّهُ شُجاعٌ.
([4]) أمَّا الأَبْطَحُ فإنَّه في الأصلِ وَصفٌ لكُلِّ مكانٍ مُنبَطِحٍ مِن الوادِي ثُمَّ غَلَبَ على الأرضِ المُتَّسِعَةِ، وأمَّا الأَجْرَعُ فإنَّه في الأصلِ وَصفٌ لكُلِّ مكانٍ مُتَّسِعٍ، ثُمَّ غَلَبَ اسماً للأرضِ المُستوِيَةِ مِن الرَّمْلِ التي لا تُنْبِتُ شَيْئاً، وأمَّا صاحبٌ فإنَّه في الأصلِ وصفٌ للفاعلِ ثُمَّ غَلَبَ على صاحبِ المُلْكِ، وأمَّا راكبٌ فإنَّه في الأصلِ وصفٌ لكُلِّ فاعلِ الركُوبِ، سواءٌ أكانَ مَركُوبُه فَرَساً أم حِمَاراً أم غيرَهما ثُمَّ غَلَبَ على رَاكِبِ الإبِلِ دُونَ غيرِها، ويُدَلُّ على أنَّ هذه الأسماءَ قد انسَلَخَت عَن الوصفِيَّةِ بثلاثَةِ أشياءَ:
الأوَّلُ: أنَّها أَصْبَحَت لا تَقَعُ صفاتٍ لموصوفاتٍ.
والثانِي: أنَّها لا تَعْمَلُ عَمَلَ الصفاتِ فلا تَرْفَعُ ولا تَنْصُبُ.
والثالثُ: أنَّها لا تَتَحَمَّلُ ضَمِيراً كما تَتَحَمَّلُه الصفاتُ.
([5]) قدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هذا الشاهدِ مشروحاً (وهو الشاهدُ رَقْمُ 3)، فلا حَاجَةَ بنا إلى إعادةِ شيءٍ منه، فارْجِعْ إلى الفصلِ الذي يَتَكَلَّمُ فيه المؤلِّفُ على علاماتِ [الاسمِ].


  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

96- وكلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ = عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ

(وكلُّها) أي: كلُّ الموصولاتِ (يلزَمُ) أن تكونَ (بعدَهُ صِلَهْ) تعرِّفُهُ ويَتِمُّ بها مَعْنَاهُ: إمَّا ملفوظةً، نحو: "جاءَ الذي أكرَمْتُه"، أو منويَّةٌ كقولِهِ [من مجزوء الكامل]:
105- نحنُ الأُلَى فَاجْمَعْ جُمَو = عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا
أي: نحنُ الأُلَى عُرِفُوا بالشَّجَاعَةِ، بدلالةِ المقامِ.
وأفهَمَ بقولِه: "بعدَه" أنَّهُ لايجُوزُ تقديمُ الصلةِ ولا شيءٌ منها على الموصولِ، وأما نحوُ: {وَكَانُوا فيه مِنَ الزَّاهِدِينَ} فـ "فيه": متعلِّقٌ بمحذوفٍ دلَّتْ عليه صلةُ "أل"، لا بصلتِهَا، والتقديرُ: وكانُوا زَاهِدِينَ فيه مِنَ الزاهدينِ.
ويُشْتَرَطُ في الصلةِ أنْ تكونَ معهودةً، أو مُنَزَّلَةً مَنْزِلَةِ المعهودةِ، وإلا لم تصلُحْ للتعريفِ؛ فالمعهودةُ نحوُ: "جاءَ الذي قامَ أبوه"، والمُنَزَّلَةُ منزلةَ المعهودةِ هي الواقعةُ في مَعْرِضِ التهويلِ والتفخيمِ، نحوُ: {فغشيهم من اليم ما غشيهم}، {فأوحى إلى عبده ما أوحى}، وأن تكون (على ضمير لائق) بالموصول، أي: مطابق له في الإفراد والتذكير وفروعهما (مشتمله) ليحصل الربط بينهما، وهذا الضمير هو العائد على الموصول، وربما خلفه اسم ظاهر، كقوله [من الطويل]:
سعاد التي أضناك حب سعادا
وقوله [من الطويل]:
وأنت الذي في رحمة اللَّه أطمع
كما سبقت الإشارة إليه، وهو شاذ، فلا يقاس عليه.
تنبيهٌ : الموصول إن طابق لفظه معناه فلا إشكال في العائد، وإن خلف لفظه معناه فلك في العائد وجهان: مراعاة اللفظ، وهو الأكثر، ومراعاة المعنى كما سبقت الإشارة إليه؛ وهذا ما لم يلزم من مراعاة اللفظ لبس؛ فإن لزم لبس؛ نحو: "أعط من سألتك لا من سألك" وجبت مراعاة المعنى.
97- وجملة أو شبهها الذي وصل = به، كمن عندي الذي ابنه كفل
(وجملة أو شبهها) من ظرف ومجرور تامين (الذي وصل به) الموصول (كمن عندي الذي ابنه كفل) فعندي: ظرف تام صلة "من"، و"ابنه كفل": جملة اسمية صلة "الذي".
وإنما كان الظرف والمجرور التامان شبيهين بالجملة لأنَّهُ ما يعطيان معناها؛ لوجوب كونهما هنا متعلقين بفعل مسند إلى ضمير الموصول، تقديره: الذي استقر عندك، والذي استقر في الدار؛ وخرج عن ذلك ما لا يشبه الجملة منهما، وهو الظرف والمجرور الناقصان، نحو: "جاء الذي اليوم"، و"الذي بك" فأنَّهُ لا يجُوز لعدم الفائدة.
تنبيهٌ : من شرط الجملة الموصول بها – مع ما سبق – أن تكون خبرية لفظا ومعنى فلاإ يجُوز: "جاء الذي أضربه"، أو "ليته قائم"، أو "رحمه الله" خلافا للكسائي في الكلّ، وللمازني في الأخيرة، وأما قوله [من الطويل]:
106- وإني لراج نظرة قبل التي = لعلي وإن شطت نواها أزورها
وقوله [من الطويل]:
107- وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا = سوى أن يقولوا إنني لك عاشق

فمخرج على إضمار قول في الأول، أي: قبل التي أقول فيها لعلي أزورها، وأن "ماذا" في الثاني اسم واحد، وليست "ذا" موصولة؛ لموافقة "عسى": "لعل" في المعنى.
وأن تكون غير تعجبية، فلا يجُوز: "جاء الذي ما أحسنه"، وإنْ كانَت عندهم خبرية، وأجازه بعضهم، وهو مذهب ابن خروف؛ قياسا على جواز النعت بها.
وأن لا تستدعي كلاَماً سابقاً، فلا يجُوز جاء الذي لكنه قائم.
98- وصفة صريحة صلة أل = وكونها بمعرب الأفعال قل
(وصفة صريحة) أي: خالصة الوصفية (صلة أل) الموصولة، والمراد بها هنا: اسم الفاعل، واسم المفعول، وأمثلة المبالغة، وفي الصفة المشبهة خلاف، وجه المنع أنَّهَا لا تؤول بالفعل؛ لأنَّهَا للثبوت، ومن ثم كانت "أل" الداخلة على اسم التفضيل ليست موصولة بالاتفاق، وخرج بالصريحة الصفة التي غلبت عليها الاسمية، نحو: "أبطح"، و"أجرع"، و"صاحب": فـ "أل" في مثلها حرف تعريف لا موصولة، والصفة الصريحة مع "أل" اسم لفظا فعل معنى، ومن ثم حسن عطف الفعل عليها، نحو: {فالمغيرات صبحا * فأثرن به نقعا}، {إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا اللَّه قرضاً حسناً} وإنما لم يؤت بها فعلا كراهة أن يدخلوا على الفعل ما هو على صورة المعرفة الخاصة بالاسم؛ فراعوا الحقين (وكونها) أي: صلة "أل" (بمعرب الأفعال) وهو المضارع (قل) من ذلك قوله [من البسيط]:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته = ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
وهو مخصوص عند الجمهور بالضرورة، ومذهب الناظم جوازه اختيارا، وفاقا لبعض الكوفيين، وقد سمع منه أبيات.
تنبيهٌ : شذ وصل "أل" بالجملة الاسمية، كقوله [من الطويل]:
108- من القوم الرسول اللَّه منهم = لهم دانت رقاب بني معد
وبالظرف، كقوله [من الرجز]:
109- من لا يزال شاكراً على المعه = فهو حر بعيشة ذات سعه


  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

صِلةُ الموصولِ وشَرْطُها
96- وكلُّها تَلْزَمُ بعدَه صِلَهْ = على ضميرٍ لائقٍ مُشْتَمِلَهْ
الاسمُ الموصولُ مُبْهَمُ المعنَى، غامِضُ المدلولِ، لاَ بُدَّ له مِن شيءٍ يُوَضِّحُ معناهُ ويُزيلُ إبهامَه، وذلك هو الصِّلةُ، فالصِّلَةُ ما يُبَيِّنُ مدلولَ الموصولِ ويُزيلُ إبهامَه مِن جُملةٍ أو شِبْهِها، ويُشترَطُ في الصِّلَةِ شَرطانِ:
1- أنْ تكونَ متَأَخِّرَةً عن الموصولِ؛ لأنها مُكَمِّلَةٌ له.
2- أنْ تَشْتَمِلَ على ضميرٍ عائدٍ على الاسمِ الموصولِ، وهو الْمُسَمَّى بالعائدِ، والغرَضُ منه: رَبْطُ الصِّلَةِ بالموصولِ، نحوُ قولِه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}.
وهذا الضميرُ مِن حيثُ مُطابَقَتُه للموصولِ وعَدَمُها له حالتانِ:
الأُولَى: تَجِبُ مُطابَقَتُه لَفْظاً ومَعْنًى إذا كانَ الموصولُ خاصًّا، مِثلُ: الذي والتي وغيرِهما؛ إنْ كان مُفْرَداً فمُفْرَدٌ، وإنْ كانَ مُذَكَّراً فمُذَكَّرٌ، وهكذا، كقولِكَ: أكْرَمْتُ الذي تَفَوَّقَ، واللَّذَيْنِ تَفَوَّقَا، والذينَ تَفَوَّقُوا، قالَ تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا}، {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}، {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ}، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا}.
الثانيةُ: لا تَجِبُ الْمُطابقَةُ، بل يَجوزُ مُراعاةُ اللفْظِ، وهو الأكثَرُ، أو مُراعاةُ المعنى، وذلك في الموصولِ المشترَكِ، مِثلُ (مَنِ) الموصولةِ؛ فإنَّ لفْظَها مُفْرَدٌ مذَكَّرٌ ومعناها يَصْلُحُ أنْ يكونَ مُثَنًّى أو جَمْعاً أو غيرَهما، نحوُ: مِن الطلابِ مَن يُحِبُّ الفائدةَ، أو مَن يُحِبُّونَ الفائدةَ، قالَ تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ}، وقالَ تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لاَ يَعْقِلُونَ}، فالمرادُ بِمَن: الجمْعُ، لكنْ في الأوَّلِ رُوعِيَ اللفظُ فأُفْرِدَ العائدُ، وفي الثاني رُوعِيَ المعنى فجُمِعَ.
وهذا معنَى قولِه: (وكُلُّها يَلْزَمُ.. إلخ) أيْ: كلُّ الموصولاتِ الاسْمِيَّةِ، الخاصَّةِ والمشترَكَةِ يَلْزَمُ بعدَها صِلةٌ؛ أي: متَأَخِّرَةٌ عن الموصولِ مشتَمِلَةٌ على ضميرٍ، (لائقٍ) أيْ: مطابِقٍ للموصولِ؛ إمَّا في اللفْظِ والمعنى أو في أحَدِهما كما ذَكَرْنا.
أنواعُ الصِّلَةِ وشَرْطُ كلِّ نَوْعٍ
97- وجملةٌ أو شِبْهُهَا الذي وُصِلْ = به كمَنْ عِندِي الذي ابنُه كُفِلْ
صِلةُ الموصولِ نوعانِ:
1- جُملةٌ اسْمِيَّةٌ أو فِعليَّةٌ.
2- شِبْهُ جُملةٍ، وهي في بابِ الموصولِ ثلاثةٌ:
1- الظرْفُ المكانيُّ. 2- الجارُّ والمجرورُ. 3- الصفةُ الصريحةُ.
وهذه خاصَّةٌ بألِ الموصولةِ؛ كما سيَأتِي إنْ شاءَ اللَّهُ.
ويُشترَطُ في الجُمْلَةِ ثلاثةُ شُروطٍ:
الأوَّلُ: أنْ تكونَ خَبَرِيَّةً مَعهودةً؛ أي: معروفةً للسامِعِ مِن قَبْلُ حتى يَتعرَّفَ بها الموصولُ؛ لأَنَّ الْخَبريَّةَ قد يَجْهَلُها المُخاطَبُ إنْ لم تَكُنْ مَعهودةً، فلا يَتِمُّ بها المرادُ، فمِثالُ المعهودةِ: أكْرَمْتُ الذي زَارَنَا بالأمْسِ، إذا كانَ مَعروفاً عندَ المُخاطَبِ، قالَ تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ}، فإنْ كانَتْ غيرَ معهودةٍ لم تَصِحَّ إلاَّ في مَقامِ التَّهْوِيلِ أو التفخيمِ، فيَحْسُنُ الإبهامُ؛ لِئَلاَّ يَفُوتَ الغَرَضُ المقصودُ، فالتهوِيلُ كقولِه تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}، فـ (ما) موصولةٌ؛ أي: غَشِيَهُم وعَلاهمْ ما لا يَعْلَمُ كُنْهَهُ إلاَّ اللَّهُ تعالى.
والتفخيمُ كقولِهِ تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}.
وأمَّا الإنشائيَّةُ فلا تَصْلُحُ أنْ تكونَ صِلةً، نحوُ: جاءَ الذي أَكْرِمْه؛ لأَنَّ الإنشائيَّةَ لا يَقَعُ مَضمونُها إلاَّ بعدَ ذِكْرِها، فلا تكونُ معروفةً عندَ المُخاطَبِ فيَفوتُ الإيضاحُ المقصودُ مِن الصلَةِ.
الشرْطُ الثاني: أنْ تكونَ خالِيَةً مِن معنى التعَجُّبِ؛ لأَنَّ التعجُّبَ يكونُ فيما خَفِيَ سببُه بالنِّسبةِ للمخلوقِ ففيه إبهامٌ والصلَةُ للإيضاحِ، فلا يَصِحُّ أنْ تَقولَ: جاءَ الذي ما أَحْسَنَهُ.
الشرْطُ الثالثُ: أنْ تكونَ غيرَ مُفْتَقِرَةٍ إلى كلامٍ قَبْلَها، فإنْ كانَتْ مُفْتَقِرَةً لم يَصِحَّ وُقُوعُها صِلَةً، نحوُ: جاءَ الذي لكنَّه قائمٌ؛ فإنَّ هذه الجُمْلَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ جُملةٍ أُخْرَى، نحوُ: ما قَعَدَ خالدٌ لكِنَّه قائِمٌ.
فهذه شروطُ الوصْلِ بالجُمْلَةِ الاسميَّةِ؛ كقولِه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}، والفِعليَّةِ؛ كقولِه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}.
وأمَّا الظرفُ والجارُّ والمجرورُ فيُشْتَرَطُ في وُقوعِهما صِلَةً أنْ يَكونَا تامَّيْنِ؛ أي: يَحْصُلُ بالوَصْلِ بكلٍّ مِنهما فائدةٌ تُزيلُ الإبهامَ وتُوَضِّحُ المرادَ مِن غيرِ حاجةٍ لذِكْرِ مُتَعَلِّقِهما، نحوُ: عَرَفْتُ الذي عندَكَ صافْحْتُ الذي في الغُرفةِ، قالَ تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}، وقالَ تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، بخِلافِ : جاءَ الذي بِكَ، أو جاءَ الذي اليومَ؛ لِعَدَمِ الفائدةِ.
وهذا معنى قولِه: (وجملةٌ أو شِبْهُها.. إلخ)؛ أي: الذي وُصِلَ به الاسمُ الموصولُ هو الجُمْلَةُ وشِبْهُ الجُمْلَةِ، ثم مَثَّلَ بمِثالٍ واحدٍ فيه موصولانِ: أحَدُهما صِلَتُه شِبْهُ جُملةٍ، (كمَن عِندي)، والثاني صِلتُه جُملةٌ (الذي ابنُهُ كُفِلْ)، فالذي: خَبرٌ للمبتدأِ (مَن)، وجملةُ (ابنُهُ كُفِلْ) صِلَةٌ، ومعنى (كُفِلْ) أيْ: كانَ مَوْضِعَ الرعايةِ.
صِلَةُ (ألِ) الموصولةِ
98- وصِفةٌ صَريحةٌ صِلَةُ أَلْ = وكونُها بِمُعْرَبِ الأفعالِ قَلْ
هذا النوعُ الثالثُ مِن أنواعِ شِبْهِ الجُمْلَةِ، وهي الصفةُ الصريحةُ معَ مَرفوعِها، وهي خاصَّةٌ بألِ الموصولةِ، فلا تَقَعُ صِلَةً لغيرِها.
والصفةُ الصريحةُ هي الاسمُ المشتَقُّ الذي يُشْبِهُ الفعْلَ في التجَدُّدِ والحدوثِ شَبَهاً صريحاً؛ أيْ: قَوِيًّا خالِصاً، بحيثُ يُمْكِنُ أنْ يَحِلَّ الفعْلُ مَحَلَّهُ، ولم تَغْلِبْ عليها الاسْمِيَّةُ الخالصةُ, وذلك هو اسمُ الفاعلِ، نحوُ: أعْجَبَنِي القارئُ، قالَ تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ}، واسمُ المفعولِ نحوُ: تَصَفَّحْتُ المكتوبَ، قالَ تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}، وكذا صِيَغُ المبالَغَةِ، نحوُ: فازَ السَّبَّاقونَ إلى الْخَيْرَاتِ.
ويَجرِي الإعرابُ على آخِرِ هذه الصِّفَةِ الصريحةِ دونَ ملاحَظَةِ (ألْ) كما ذَكَرْنا في الكلامِ على (ألْ)، والصفَةُ معَ مَرْفُوعِها صِلةٌ لا مَحَلَّ لها مِِن الإعرابِ.
فإنْ كانَتْ غيرَ صِفَةٍ صريحةٍ وغَلَبَتْ عليها الاسميَّةُ الخالِصَةُ، صارَتِ اسْماً جامِداً ولم تَكُنْ (ألِ) الداخلةُ عليها اسْماً مَوصولاً مثلَ الأعلامِ: الهادي، المتوَكِّلِ، المأمونِ، المنصورِ.
وقد قَلَّ مَجيءُ المُضَارِعِ صِلَةً لألْ؛ كقولِ الفَرَزْدَقِ:
ما أَنْتَ بالْحَكَمِ التُّرْضَى حُكومَتُه = ولا الأصِيلِ ولا ذي الرأيِ والجدَلِ

وليسَ هذا مِن الضرورةِ؛ لأنه يُمْكِنُ أنْ يقولَ: (ما أنتَ بالحَكَمِ الْمَرْضِيِّ حُكومتُه)، فدَلَّ ذلكَ على الجوازِ لكنْ لا يَحْسُنُ الأَخْذُ به لقِلَّتِه.
وهذا معنَى قولِه: (وصِفةٌ صريحةٌ.. إلخ)؛ أي: أنَّ الصفةَ الصريحةَ تكونُ صِلَةً لألِ الموصولةِ، وكونُ (ألْ) موصولةً بمُعْرَبِ الأفعاِل- وهو المُضَارِعُ - قليلٌ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الموصول, صلة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir