فصلٌ: وتَفتقِرُ كلُّ الموصولاتِ إلى صِلَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عنها مُشتمِلَةٍ على ضميرٍ مُطَابِقٍ لها, يُسَمَّى العَائِدَ ([1]).
والصِّلَةُ إِمَّا جملةٌ, وشَرْطُها أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً، معهودةً، إلاَّ في مَقامِ التهويلِ والتفخيمِ، فيَحْسُنُ إبهامُها، فالمَعهودَةُ كـ (جَاءَ الَّذِي قَامَ أَبُوهُ)، والمبهمةُ نحوُ: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ اليَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} ([2])، ولا يَجوزُ أنْ تَكُونَ إنشائيَّةً, كـ (بِعْتَكَهُ), ولا طَلَبِيَّةً, كـ (اضْرِبْهُ), و(لا تَضْرِبْهُ) ([3])، وإمَّا شِبْهُها, وهي ثَلاثَةٌ: الظَّرْفُ المَكَانِيُّ، والجارُّ والمجرورُ، والتامَّانِ، نحوَ: (الَّذِي عِنْدَكَ), و:(الَّذِي فِي الدَّارِ), وتَعَلُّقُهما باستقَرَّ مَحْذوفًا، والصِّفَةُ الصريحةُ؛ أي: الخالصةُ للوَصفِيَّةِ، وتَخْتَصُّ بالألفِ واللامِ، كـ(ضَارِبْ), و(مَضْرُوبِ), و(حَسَنٍ), بخلافِ ما غَلَبَتْ عليها الاسميَّةُ، كأبْطَحَ, وأَجْرَعَ, وصَاحِبٍ, ورَاكِبٍ ([4])، وقد تُوصَلُ بمُضارِعٍ؛ كقولِه:
مَا أَنْتَ بالحَكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتُهُ ([5]) ولا يَخْتَصُّ ذلكَ عندَ ابنِ مالكٍ بالضرورةِ.
([1]) إنَّمَا افتَقَرَت الموصولاتُ الاسمِيَّةُ إلى الصلةِ؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منها اسمٌ ناقصٌ لا يَتِمُّ معنَاهُ في نفسِه إلا بضَمِيمَةٍ تَنْضَمُّ إليه، وهذه الضَّمِيمَةُ هي الصلةُ بشُرُوطِها التي سيَنُصُّ المُؤَلِّفُ عليها، وإنَّمَا شَرَطُوا في جُملةِ الصلةِ أن تَكُونَ خَبَرِيَّةً - أي: مُحْتَمِلَةً للصدقِ والكَذِبِ بالنظرِ إلى ذاتِها، لا بالنظرِ إلى المُتكلِّمِ -؛ لأنَّهم إنَّما أرَادُوا بالاسمِ الموصولِ أن يَكُونَ وَصْلةً لنعتِ الاسمِ المَعْرِفَةِ بالجُمَلِ، ومِن المعلومِ أنَّ الجملةَ لا تَصْلُحُ للنعتِ بها إلا إذا كانَت خَبَرِيَّةً، وإنَّما شَرَطُوا فيها أنْ تَكُونَ مَعهودةً للمُخَاطَبِ؛ لأنَّ الاسمَ الموصولَ في ذاتِه مُبهمٌ، فإذا جِئْتَ له بصلةٍ لا يَعْرِفُها المُخَاطَبُ لم تَكُنْ قد أَزَلْتَ عنه مِن إبهامِه شَيْئاً، هذا إن كُنْتَ تُرِيدُ بالاسمِ الموصولِ مَعْهُوداً، ومِن أمثِلَةِ ذلك قولُه تعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} فإنْ كُنْتَ لا تَقْصِدُ بالموصولِ مُعَيَّناً وإنَّمَا أَرَدْتَ الجِنْسَ لم يَلْزَمْ أن تَكُونَ الصلةُ معهودةً، ومنه قولُه تعَالَى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ} وإن أَرَدْتَ التعظيمَ أَبْهَمْتَ الصلةَ كالآيَةِ التي تَلاهَا المؤلِّفُ.
([2]) سورة طه، الآية: 78.
([3]) إنَّما امتَنَعَ أن تَكُونَ جملةُ الصلةِ طَلَبِيَّةً أو إنشائِيَّةً؛ لأنَّ كُلاًّ مِن الإنشاءِ والطلَبِ ليسَ له خارجٌ يَدُلُّ عليه حينَ التكلُّمِ، وإنَّمَا يَحْصُلُ خارِجُه عُقَيْبَ الكلامِ، وإذا كانَ أَمْرُهما كذلك لم يَكُونَا معهودَيْنِ للمُخَاطَبِ، ويُسْتَثْنَى مِن الجملةِ الإنشائِيَّةِ جملةُ القَسَمِ فإنَّها وإن كانَت إنشائِيَّةً يَصِحُّ أن تَقَعَ صِلةً نحوُ قولِه تعَالَى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} وقيلَ: الصلةُ هي جملةُ جوابِ القَسَمِ وهي خَبَرِيَّةٌ فلا استِثْنَاءَ، ويُسْتَثْنَى مِن الجملةِ الخبريَّةِ جملةُ التعَجُّبِ فلا يَجُوزُ أن تكُونَ صِلَةً، نحوُ: جَاءَ الذي ما أَحْسَنَه؛ لأنَّ في التعَجُّبِ إبهاماً فلا تَصْلُحُ جُملتُه لإزالةِ إبهامِ الموصولِ، وبَقِيَ أنَّه يُشْتَرَطُ في جملةِ الصلةِ ألاَّ تَكُونَ مُستدعِيةً لكلامٍ قبلَها، نحوُ: جَاءَ الذي لَكِنَّهُ شُجاعٌ.
([4]) أمَّا الأَبْطَحُ فإنَّه في الأصلِ وَصفٌ لكُلِّ مكانٍ مُنبَطِحٍ مِن الوادِي ثُمَّ غَلَبَ على الأرضِ المُتَّسِعَةِ، وأمَّا الأَجْرَعُ فإنَّه في الأصلِ وَصفٌ لكُلِّ مكانٍ مُتَّسِعٍ، ثُمَّ غَلَبَ اسماً للأرضِ المُستوِيَةِ مِن الرَّمْلِ التي لا تُنْبِتُ شَيْئاً، وأمَّا صاحبٌ فإنَّه في الأصلِ وصفٌ للفاعلِ ثُمَّ غَلَبَ على صاحبِ المُلْكِ، وأمَّا راكبٌ فإنَّه في الأصلِ وصفٌ لكُلِّ فاعلِ الركُوبِ، سواءٌ أكانَ مَركُوبُه فَرَساً أم حِمَاراً أم غيرَهما ثُمَّ غَلَبَ على رَاكِبِ الإبِلِ دُونَ غيرِها، ويُدَلُّ على أنَّ هذه الأسماءَ قد انسَلَخَت عَن الوصفِيَّةِ بثلاثَةِ أشياءَ:
الأوَّلُ: أنَّها أَصْبَحَت لا تَقَعُ صفاتٍ لموصوفاتٍ.
والثانِي: أنَّها لا تَعْمَلُ عَمَلَ الصفاتِ فلا تَرْفَعُ ولا تَنْصُبُ.
والثالثُ: أنَّها لا تَتَحَمَّلُ ضَمِيراً كما تَتَحَمَّلُه الصفاتُ.
([5]) قدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هذا الشاهدِ مشروحاً (وهو الشاهدُ رَقْمُ 3)، فلا حَاجَةَ بنا إلى إعادةِ شيءٍ منه، فارْجِعْ إلى الفصلِ الذي يَتَكَلَّمُ فيه المؤلِّفُ على علاماتِ [الاسمِ].