مجلس مذاكرة دورة فضائل القرآن القسم الثاني
س1: كيف تردّ على من أنكر تفاضل سور القرآن وآياته؟
أردُّ بما ورد من نصوص صحيحة صريحة في كتاب الله سبحانه وبحمده و سنة رسوله صلى الله عليه و سلَّم و أقوال السلف رضي الله عنهم و من ذلك
1 - قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}.
2 – وما رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سورة الإخلاص : «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن».
3 - و ما رواه مسلم من طريق أبي السليل، عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبيّ. أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلَّم « يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ » قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: « يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ » قال: قلت: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم }. قال: فضرب في صدري، وقال: « والله ليهنك العلم، أبا المنذر»
4 – و ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: «والقول بأن كلام الله بعضه أفضل من بعض هو القول المأثور عن السلف، وهو الذي عليه أئمة الفقهاء من الطوائف الأربعة وغيرهم، وكلام القائلين بذلك كثير منتشر في كتب كثيرة».
فهذه الأدلة الصحيحة و الصريحة و غيرها تدلّ دلالة بيّنة على أنّ بعض السور والآيات أفضل وأحبّ إلى الله من بعض ، على أنَّ كلام الله كله فاضلٌ و منزهٌ عن النقص و العيب و الضعف و لكن ثبت أنَّ الله سبحانه و تعالى اختص بعض سور القرأن و أياته بمزيد فضل كالشفاء و البركة و العصمة من الدجال و زيادة الأجر و الثواب و التحصين من الشياطين و وساوسهم و ما إلى ذلك من الفضائل التي اختص بها اللهُ بعض سور القرأن و أياته
س2: بيّن بإيجاز فضائل ما يلي:
1: سورة الفاتحة.
ورد في شأن سورة الفاتحة أحاديث كثيرة دلَّت على أنها أعظم سورة في القرأن و أنَّ الله سبحانه و تعالى اختصها بمزيد فضل و مجموعة خصائص تميزها عن غيرها من سور القرأن و من ذلك
1 – أنها أعظم سورة في القرأن : لقول النبي صلى الله عليه و سلَّم لأبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد». رواه البخاري
2 – و أنها أم القرأن و أصله و جامعةُ معانيه : لقوله صلى الله عليه وسلم: «أم القرآن هي السبع المثاني، والقرآن العظيم» رواه البخاري من حديث أبي هريرة.
3 – و أنها لم ينزل في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في القرآن مثلها : لقوله صلى الله عليه و سلَّم لأبي بن كعب « ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في القرآن مثلها؟ » ... ثمَّ أقرأه سورة الفاتحة و قال صلى الله عليه و سلَّم « هيَ هي، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيت بعد ». رواه الإمام أحمد والدارمي والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.
4 – و أنها أفضل القرأن : لقوله صلى الله عليه و سلَّم لرجل نزل بجانبه «ألا أخبرك بأفضل القرآن» قال: (فتلا عليه الحمد لله رب العالمين). رواه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان والحاكم
5 – و أنها خير سورة في القرأن لقوله صلى الله عليه و سلَّم لعبد الله بن جابر (ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بخير سورة في القرآن؟). قلت: بلى يا رسول الله. قال: (اقرأ "الحمد لله رب العالمين" حتى تختمها). رواه الإمام أحمد
6 – و أنَّ نفعها عظيم و ثوابها كبير : لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: " هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم"، فنزل منه ملك، فقال: "هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم"؛ فسلَّم وقال: (أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته). رواه مسلم و قد فسَّر العلماء الحرف بأنَّ كلّ جملة طلبية عطاؤها الإجابة، وكلّ جملة خبرية عطاؤها ذكر الله وإثابته.
7 – و أنها رقية : لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب فرقوا سيدههم اللديغ بفاتحة الكتاب فقام كأنما نشط من عقال و أخذوا على ذلك جعلا فقال بعضهم اقسموا فقال الراقي لا حتى نأتي رسول الله فنذكر له ما حصل ، فلما أتوه و قصو عليه الخبر قال: «قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهما» فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم). متفق عليه
8 – و أنَّ الصلاة لا تصح إلا بها : لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» متفق عليه
2: سورة البقرة.
دلّت الأحاديث الصحيحة على أنّ سورة البقرة تقدم سورَ القرآن يوم القيامة، وأنها تظلّ صاحبها يوم القيامة وتحاجّ عنه، وأنّ أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة، وأنّ تلاوتها تنفّر الشياطين. و تضمّنت سورة البقرة أعظم آية في القرآن، وهي آية الكرسي و من ذلك
1 - حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة». قال معاوية: بلغني أن البطلة: السحرة). رواه مسلم
2 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» رواه مسلم
3 - قال أنس بن مالك رضي الله عنه:(كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا) يعني عَظُم. رواه أحمد وأصله في الصحيحين.
3. خواتيم سورة البقرة.
لسورة البقرة عموماً فضل عظيم كما تقدم و لكنَّ الله سبحانه اختص بعض أياتها بمزيد فضل منها الأيتين في خاتمتها فقد ورد في فضل خواتيم سورة البقرة جملة من الأثار الصحيحة منها
1 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه؛ فرفع رأسه، فقال: (هذا بابٌ من السماء فُتِحَ اليوم لم يفتح قطّ إلا اليوم؛ فنزل منه مَلَكٌ؛ فقال: هذا مَلَكٌ نزل إلى الأرض لم ينزل قطّ إلا اليوم، فَسَلَّمَ، وقال: (أبشر بنورين أوتيتَهما لم يؤتَهما نبيٌّ قبلَك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته). رواه مسلم في صحيحه
2 - وحديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه» وفي لفظ: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» متفق عليه
س3: اذكر ثلاثة أحاديث ضعيفة مما اشتهر في فضائل السور التالية مع بيان سبب الحكم بضعفها:
1: سورة آل عمران
1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل ليلة». رواه العقيلي في الضعفاء وابن السني في عمل اليوم والليلة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم الأصبهاني في أخبار أصبهان وابن مردويه في تفسيره كلهم من طريق مُظَاهر بن أسلم المخزومي عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه. و سبب ضعفه حكم البخاري على أحد رواته و هو ( مظاهر ) بأنه منكر الحديث.
2 – حديث يزيد بن هارون عن وقاء بن إياس الأسدي، عن سعيد بن جبير، قال: قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: «من قرأ البقرة , وآل عمران , والنساء في ليلة كان أو كتب من القانتين». رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ، و سبب ضعفه أنَّ في سنده انقطاع لأن سعيد بن جبير لم يدرك عمر
3 – حديث عبد الله بن زياد، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة البقرة وآل عمران جعل الله له جناحين منظومين بالدر والياقوت» رواه الثعلبي في تفسيره والمستغفري في فضائل القرآن، وسبب ضعفه أنَّ عبد الله بن زياد منكر الحديث
2: سورة النساء
1 – حديث يزيد بن هارون عن وقاء بن إياس الأسدي، عن سعيد بن جبير، قال: قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: «من قرأ البقرة , وآل عمران , والنساء في ليلة كان أو كتب من القانتين». رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ، و سبب ضعفه أنَّ في سنده انقطاع لأن سعيد بن جبير لم يدرك عمر
2 - حديث أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن قيس، عن ابن عباس قال: «من قرأ سورة النساء؛ فعلم ما يحجب مما لا يحجب علم الفرائض» رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه، وسبب ضعفه أنَّ عبد الله بن قيس مجهول الحال.
3 – حديث سلام بن سليمان المداينيّ، حدّثنا هارون بن كثيرٍ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة النساء فكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة ورث ميراثا، وأعطى من الأجر كمن اشترى محررا، وبرى ء من الشرك، وكان في مشيئة الله من الذين يتجاوز عنهم» ). رواه الثعلبي والواحدي، وهو موضوع . و سلام قال فيه ابن معين: ليس حديثه بشيء.
س4: ما هي أسباب عناية أهل الحديث بجمع المرويات الضعيفة.
اعتنى العلماء بجمع الضعيف من المرويات لثلاث فوائد:
الأولى: التنبيه على ضعفها، وبيان سببه و درجة ضعفها ، لئلا يُغترّ بها ، و لِيُتعامل معها حسب درجتها من الضعف
والثانية : جمع الطرق للاستعانة بها على دراسة الأحاديث التي تقبل التقوية بتعدد الطرق والشواهد
والثالثة : رصد ما روي في هذا الباب، وحفظه من الضياع، وجمعه في موضع واحد مع عزوه إلى مصادره، ليستفيد منه أهل العلم باستخراج علل الحديث ؛ بالدراسة والتمحيص
و الفائدة الأولى هي الأصل و الأخريان معينتان عليها
س5 هل يقتضي ضعف الإسناد المعيّن ضعف المتن مطلقا؟ وضّح إجابتك بالتمثيل.
ضعف الإسناد المعيّن لا يقتضي ضعف المتن مطلقاً ؛ فقد يروى بإسناد آخر صحيح، ولذلك أمثلة منها:
حديث مسلمة بن علي الخشني عن حريز بن عثمان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة مرفوعاً: «اقرؤوا القرآن فإنَّ الله لا يعذّبُ قلباً وَعَى القرآن».رواه تمّام في فوائده وابن عساكر في تاريخه، وأورده الألباني في السلسلة الضعيفة، وقال: ضعيف جدا. ثم قال بعد ذكر إسناده:«وهذا إسناد واهٍ جدا، مسلمة بن علي - وهو الخشني - متروك؛ كما في " التقريب"».
وهذا الأثر رواه عن أبي أمامة: شرحبيل بن مسلم الخولاني، وسليم بن عامر الخبائري، والقاسم بن عبد الرحمن الشامي.
أ: فأمّا شرحبيل بن مسلم فروى عنه هذا الأثر حَريزُ بن عثمان الرَّحبي وهو ثقة ثبت، ورواه عن حريز ثلاثة هم: يزيد بن هارون عند ابن أبي شيبة، والحكم بن نافع عند الدارمي، وحجّاج بن محمد عند ابن بطة العكبري.
ب: وأما سليم بن عامر الخبائري فروى هذا الأثر عنه معاوية بن صالح، ورواه عن معاوية عبد الله بن صالح كاتب الليث، ورواه عن عبد الله بن صالح: البخاري في "خلق أفعال العباد" والدارمي في سننه.
ج: وأما القاسم بن عبد الرحمن فرواه عنه حريز، ورواه عن حريز شبابة بن سوّار عند ابن أبي شيبة.
وهؤلاء كلهم رووه موقوفاً على أبي أمامة باللفظ المتقدّم، وتفرّد مسلمة بن عليّ بروايته عن حريز عن سليم عن أبي أمامة مرفوعاً وأسقط قوله: «ولا تغرنَّكم هذه المصاحف المعلقة». ومسلمة بن عليّ متروك الحديث كما تقدّم فلا تعتبر مخالفته.
والخلاصة
أنه بمجموع الطرق المعتبرة المتقدّمة فالأثر ثابت عن أبي أمامة رضي الله عنه، وهو وإن كان موقوفا على أبي أمامة فإنّه مما لا يقال بالرأي؛ فيأخذ حكم الرفع من جهة المعنى لا من جهة الرواية.
س6: عدد بإيجاز أنواع المرويّات الضعيفة في فضائل القرآن.
الضعف في المرويات يكون إما في السند ( و هو نسبة القول إلى قائله ) و إما في المتن ( و هو نص القول و مضمونه ) و إما في كليهما و الأسباب التي تؤدي إلى ضعف المرويات كثيرة و لها اعتبارات مختلفة و قد نتج عن هذا أنواع متعددة من المرويات الضعيفة منها
1 – المراسيل : و هي المرويات التي يرويها التابعون عن النبي صلى الله عليه و سلَّم مباشرة بدون ذكر الصحابي و هذا نوع من انقطاع السند
2 – المرويات المقطوعة : و هي المرويات التي في سندها انقطاع في أي موضع من السند و هي أعم من المراسيل إذ المراسيل نوع من المرويات المقطوعة و لكن الإنقطاع في أخر السند
3 – المرويات بالمعنى المغيّر للفظ : و هي أن يروي الراوي الحديث الذي سمعه بألفاظٍ من عنده معبراً عن المعنى الذي فهمه
4 – المرويات التي فيها خطأ في سندها : و هو الخطأ في تسمية أحد رجال السند
5 - المرويات التي يكون في إسنادها مجهول العين أو مجهول الحال : و مجهول العين هو الذي لم يسمى و مجهول الحال هو الذي ليس فيه جرح و لا تعديل
6 – المرويات التي ضعفها بسبب نقص في عدالة أو ضبط الراوي : و هذا النقص له درجات و مراتب منها أن يوصف الراوي بأنه متروك الحديث
7 – المرويات المنكرة المتن : و هي ما خالفت أصول صحيحة ثابتة ، ونكارة المتن غالباً ما يكون معها علة ظاهرة في الإسناد ، لكن ربما روي حديث أو أثر بإسناد ظاهره الصحّة، ومتنه منكر؛ ففي هذه الحالة:
- إما أن يُجاب عن الإشكال بما يزيل النكارة بحيث يكون للمتن معنى مقبول غير منكر يصحّ أن يُحمل عليه بلا تكلّف.
- وإمّا أن يُتعرّف على علة الإسناد التي أدّت إلى رواية هذا المتن المنكر.
8 – المرويات التي لا أصل لها : و هي التي لا يُعرف لها إسناد ولا مخرج.
9 – المرويات الموضوعة : وهي شرّ هذه الأنواع، وهي ما كان من رواية الكذّابين.
ومن المرويات ما يجتمع فيها أكثر من علّة، فيكون فيها انقطاع في الإسناد، وضعف في بعض رجال السند، ونكارة في المتن، وكلما زادت العلل اشتدّ الضعف.
س7: بيّن المراد بخواصّ القرآن.
خواص القرأن تسمية اصطلاحية معاصرة استعملها العلماء لمعاني متعددة :
- منها أثربعض السور والآيات في أحوال مخصوصة كالاستشفاء بها و دفع الخوف و القلق و الاضطراب و حصول البركة و دفع كيد الشيطان و غيرها من المنافع التي اختص اللهُ بها بعض سور و أيات القرأن الكريم
- ومنها ما يختصّ به القرآن من خصائص وأحكام يتميّز بها عن غيره.
- ومنها التأثير الإعجازي للقرآن، وهذا المعنى يذكره بعض من يكتب في إعجاز القرآن، ويغلب عليهم العناية ببلاغة القرآن وحسن بيانه وتأثير خطابه.
و المعنى الأول هو المقصود في دراستنا
س8: بيّن حكم الأخذ بما يُحكى من التجارب في خواصّ القرآن.
الحكم هو الجواز و الإباحة إذا لم يؤدي الفعل إلى شركٍ أو محظور أو محذور و لم يكن في الباب ما يدفعه و من الأدلة على ذلك
1 – دلالة نصوص الكتاب والسنة الصحيحة على تأثير بعض السور والآيات في أحوال مخصوصة ومن ذلك قوله تعالى: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد } فقولها مع الإيمان بالله والتوكّل عليه وبذل ما يستطاع من الأسباب له أثر عظيم في دفع كيد الأعداء، لقول الله تعالى بعدها: {فوقاه الله سيئات ما مكروا}.
و قد ورد الإذن العام في الرّقى ما لم يكن فيها شرك كما دلّ عليه : ما ورد ففي الصحيحين من حديث الأسود بن يزيد النخعي قال: سألتُ عائشة عن الرقية من الحُمَة؛ فقالت:«رخّص النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيت من الأنصار في الرُّقية من كل ذي حُمَة».
2 – و ما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم من تجارب مبنية على خواص القرأن منها ما روي عن ابن عباس، قال: إذا عسر على المرأة ولدها، فيكتب هاتين الآيتين والكلمات في صحفة ثم تغسل فتسقى منها: «بسم الله لا إله إلا هو الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم» {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها}، {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون}).
وابن أبي ليلى يُضعّف في الحديث لسوء حفظه . لكن هذا الأثر عمل به بعض الأئمة، بناء على أصل الإذن في الرقية، ولظهور المناسبة بين الحالة والرقية، ولكون الضعف في الإسناد غير شديد، ولوجود الحاجة وهي تعسّر الولادة.
والآثار التي تصحّ عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب محمولة على أحد أمرين:
الأول: أن تكون مما تعلّموه من النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن تكون مما فعلوه اجتهاداً بناء على أصل الإذن الشرعي.
3 - ما ثبت عن الصالحين من التابعين وتابعيهم. ومن ذلك: ما رواه سعيد بن منصور والدارمي من طريق أبي الأحوص، عن أبي سنان الشيباني، عن المغيرة بن سبيع العجلي أنه قال: (من قرأ عند منامه آيات من البقرة لم ينسَ القرآن: أربع آيات من {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}، وآية الكرسي، والثلاث آيات من آخرها). والمغيرة تابعي ثقة من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه، والإسناد إليه صحيح.
4 - الاجتهاد في إدراك التناسب بين الآيات والأحوال المخصوصة. ومن ذلك أن يرقي الراقي كلَّ حالة بما يناسبها من الآيات، وقد ورد عن جماعة من العلماء استعمال ذلك : ومن أمثلته:
ما ذكره ابن القيّم رحمه الله في زاد المعاد أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يكتب على جبهة الراعف: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر} . قال: وسمعته يقول: (كتبتها لغير واحد فبرأ) وقال: (لا يجوز كتابتها بدم الراعف، كما يفعله الجهال، فإن الدم نجس، فلا يجوز أن يكتب به كلام الله تعالى).
والخلاصة في هذا الباب
أن يقرأ صاحب كلّ بلاء ما يناسب بلاءه من السور والآيات؛ فيجد فيما يقرأ ما يشفي صدره، ويطمئن قلبه، ويتبصّر به سبيل الهدى فيما هو فيه، ويتوسّل إلى الله تعالى بآياته الباهرة، وقدرته الظاهرة، وعزّته القاهرة، ورحمته وإحسانه على أن يذهب عنه ما يجد ويحاذر، وأن يحفظه ويلطف به.