المجموعة الثانية:
س1: اشرح معاني خمسة أسماء من أسماء سورة الفاتحة.
سورة الفاتحة هي سورة عظيمة الشأن, جليلة القدر, فهي أفضل القرآن وأحكمه, وأعظم سوره وأكثرها ذكرًا, ومن دلالة فضلها أنها أكثر سور القرآن أسماءً وألقاباً, وكلٌّ منها يحمل معنىً جليلاً, يُبرز عظمة هذه السورة, ومزيد فضلها وقدرها.
ومن أسمائها:
1- فاتحة الكتاب: أي أنها أوّل ما يُستفتح ويُبدأ به الكتاب، وهذا أكثر الأسماء وروداً في الأحاديث والآثار الصحيحة، منها ما ورد في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
2- فاتحة القرآن: أي أنها أوّل ما يُقرأ من القرآن, سواءً في قراءته من البداية، أو قراءته في الصلاة.
3- الفاتحة: وهو اختصار لاسمَيها السابقَين، مع دلالته على المعنى المراد, ولذا فهو أشهر أسمائها وأكثرها استعمالاً.
4- أم القرآن: وفي معناها قولين, أولهما: أنها تتضمن أصول معاني القرآن, فمعانيها جامعة لما تضمنته سائر سور القرآن, فهي شاملة للحمد والثناء على الله وتمجيده والإقرار بربوبيته, واستحقاقه العباده وحده, وسؤاله العون والهداية التي هدى بها عباده المحسنين فسلكوا بها صراطه المستقيم, ونجوا مما سلكه المغضوب عليهم والضالين, ثم تأتي سور القرآن لتفصّل ما أجملته وتوضحه, وتحتج له بأنواع البراهين والقصص والأمثال والعبر, وهذا قول جمهور المفسرين.
القول الثاني: أنها متقدمة على سائر سور القرآن الكريم, سواءً في الصلاة أو في القراءة, أو في كتابة المصاحف, والعرب تسمي المقدّم أمًّا, لذا فهي أم القرآن, يُبدأ بها كما يبدأ بالأصل.
وكلا المعنيين صحيحين, والصواب الجمع بينهما لصحّة الدلالة عليهما، وعدم تعارضهما.
ودليل هذا الاسم ما ثبت في صحيح البخاري: من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم )).
5- {الحمد لله رب العالمين}: وهذا من باب تسمية السورة بأول آية منها، ومثلها سورة النبأ حيث تسمى: {عمّ يتساؤلون}, وغيرها في كثير من السور.
ودليل هذا الاسم: حديث أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (( ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟! )) فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج من المسجد فذكَّره فقال: (( { الحمد لله رب العالمين } هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته )).
س2: ما حكم الاستعاذة لتلاوة القرآن؟ وهل تكون قبل القراءة أو بعدها؟
اختلف العلماء في حكم الاستعاذة لقراءة القرآن على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها سنّة في الصلاة وفي غيرها، وهو قول جمهور العلماء.
القول الثاني: أنها واجبة عند قراءة القرآن.
القول الثالث: لا يستعيذ في صلاة الفريضة، أما في النافلة وخارج الصلاة فيستعيذ إن شاء، وهذا المشهور عن الإمام مالك.
والراجح هو القول الأول, وهو قول جمهور العلماء.
وأما موضع الاستعاذة من القراءة, فقد قال الله تعالى {فإذا قرأتَ القرآنَ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}
ومعناها: إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فالعرب تطلق الفعل على مقاربته.
ومثلها ما جاء في الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)), أي: إذا أراد الدخول إلى الخلاء.
وهذا أصحّ معنى في تفسير هذه الآية، وهو قول جمهور العلماء من المفسّرين واللغويين.
قال ابن الجزري: (هو قبل القراءة إجماعاً, ولا يصح قولٌ بخلافه عن أحد ممن يعتبر قوله).
ومما يؤيد صحة هذا القول: أن معنى الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله والاعتصام به من شر الشيطان وما يكيد به من تلبيسٍ على القارئ وإشغاله عن التدبر والانتفاع بتلاوته, ومن كل تقصير وخلل يقع منه, فمن استحضر هذا المعنى تجلّت له علة تقديم الاستعاذة قبل القراءة.
س3: ما معنى الباء في قول {بسم الله الرحمن الرحيم}
اختلف أهل اللغة في معنى الباء في قول (بسم الله) على عدة أقوال, أصحّها أربعة وهي:
القول الأول: أن الباء للاستعانة, تقديرها (أقرأ مستعينًا).
القول الثاني: أن الباء للابتداء، تقديرها (أقرأ مبتدئًا).
القول الثالث: أن الباء للمصاحبة والملابسة, تقديرها (أقرأ مصحوبًا أو مستصحبًا).
القول الرابع: أن الباء للتبرك، تقديرها (أقرأ متبركًا) وهذا القول يذكره بعض المفسرين مع المعاني الأخرى .
والأظهر أن كل هذه المعاني صحيحة لا تعارض بينها, ويصح للقارئ استحضارها كلها عند القراءة.
س4: ما معنى العالَم؟ وما المراد بالعالمين؟
العالم: هو اسم جمع لا واحد له من لفظه, يشمل عدة أصناف, كعالم الإنس, وعالم الجنّ, وعالم الملائكة, وعالم الحيوان, وعالم النبات, وعالم البحار والأفلاك والجبال وغير ذلك من العوالم الكثيرة.
قال الله تعالى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } فكلُّ أمَّة من هذه الأمم هي عالم.
وقد اختلف المفسّرون في المراد بالعالمين في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} على قولين:
القول الأول: أن المراد جميع العوالم التي خلقها الله تعالى من الإنس والجن والحيوان والنبات وغير ذلك من العوالم التي لا حصر لها، وهو قول جمهور المفسّرين.
ومما يُستدل به على هذا القول ما ذكره الشنقيطي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية فقال: (قوله تعالى: {رب العالمين} لم يبين هنا ما العالمون، وبين ذلك في موضع آخر بقوله: {قال فرعون وما رب العالمين . قال رب السماوات والأرض وما بينهما}).
والقول الثاني: أن المراد عالمَيّ الإنس والجنّ، وهذا المشهور عن ابن عباس رضي الله عنه وأصحابه.
وقد استُدلّ له بقول الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} والمراد بالعالمين هنا: الإنس والجن؛ لأنهم المكلفون بالعبادة.
وكلا القولين صحيحين, ويمكن الجمع بينهما, والقول الأوّل أعمّ, وهو قول جمهور المفسرين.
س5: ما فائدة تقديم المفعول في قوله تعالى {إياك نعبد}
لتقديم المفعول (إيَّاك) على الفعل (نعبد) عدة فوائد منها:
1- أنه يفيد حصر العبادة لله تعالى وحده ونفيها عما سواه, كقولك: (نعبدك وحدك ولا نعبد سواك).
ونظير ذلك قول الله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}
فقوله: {بل إياه تدعون} يفيد حصر الدعاء لله وحده ونفيه عن غيره مما يشركون به.
2- تعظيم المعبود سبحانه وتقديم ذكره.
3- أنه أقوى وأبلغ في التقرّب من قولك: (لا نعبد إلا إياك).
س6: بيّن أوجه تفاضل السائلين في سؤال الهداية من الله تعالى؟
لا يستوي سائلوا الله الهداية في سؤالهم, فهم متفاوتون ومتفاضلون في ذلك من وجوه:
أولها: بحسب حضور القلب, فكون الداعي واعيًا حاضر القلب عند الدعاء, لا يستوي مع الداعي الغافل اللاهي.
ثانيها: بحسب الإحسان في الدعاء, فكون الداعي محسنًا في دعائه متضرعًا إلى الله تعالى يدعوه خوفًا وطمعاً, يقتضي أن تكون إجابته أكمل ممن دونه في ذلك.
ثالثها: بحسب قصد الداعي من سؤاله, فكون الداعي يسأل الله الهداية الكاملة التي يعرف بها الحق, ويبصر بها طريقه, ويهتدي بها إلى ما هدى الله به عباده المحسنين, فإن ذلك أكمل له ممن دونه, وكلٌّ يُعطى بحسب قصده ونيّته.
س7: ما اللغات الواردة في ((آمين)) وهل هي من القرآن؟
ورد في لفظ (آمين) لغتان مشتهرتان:
الأولى: "أمين" بقصر الألف على وزن "فَعِيل" ، وهي لغة صحيحة فصيحة.
والثانية: "آمين" بمدّ الألف على وزن "فاعِيل"، وهذا المدّ هو إشباع لفتحة الهمزة.
أما لفظ "آمّين" بتشديد الميم فلا يصح اعتباره لغة ثالثة.
قال أبو سهل الهروي في إسفار الفصيح: ( ولا تشدد الميم فإنه خطأ؛ لأنه يخرج من معنى الدعاء ويصير بمعنى قاصدين، كما قال تعالى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَام}).
وكلمة (آمين) ليست من القرآن بإجماع أهل العلم، بل هي بمعنى الدعاء كقولك: "اللهم استجب", ولذلك لم يكتبها الصحابة رضي الله عنهم في المصاحف.
س8: ما هي الفوائد السلوكية التي استفدتها من دراستك لتفسير سورة الفاتحة؟
لا يخفى على المسلم ما في سورة الفاتحة من فضل عظيم, وخير كثير, ونفع في الدنيا والآخرة, فسورة تحمل هذا الشأن العظيم الجليل لا يُحصر خيرها, ولا ينفد بحر فوائدها, ولعلي أذكر قطرة من ذلك:
1- البسملة في بداية قراءة القرآن, وفي ابتداء كل عمل أو شأن من شؤون الحياة, فهي تحمل معنى الاستعانة بالله وطلب البركة منه في بدء أي أمر.
2- استفتاح الدعاء بالثناء على الله وحمده وتمجيده, وإظهار العجز الضعف والعوز إليه تعالى, ثم ذكر المسألة والطلب.
3- طلب عون الله تعالى في العبادة, وهذا يقطع العُجب في النفس, فلولا عون الله تعالى وهدايته لما صمنا ولا صلينا.
4- الاستعانة بالله تعالى في جميع الأمور صغيرها وكبيرها, والتبرؤ من التكلان على النفس إلى حول الله وقوته.
5- أهمية المداومة على سؤال الله الهداية والثبات, فالفتن كثيرة وقلوب العباد تتقلب بين عشية وضحاها.
6- التأدب مع الله تعالى في لفظ الدعاء وصياغته, فيُنسب له الخير والإحسان, بعكس العذاب والعقوبة.
7- الحذر من تقليد اليهود والنصارى والتشبه بهم, فمن سلك طريقهم وتشبه بهم يوشك أن يوصف بوصفهم ويعاقب بعقابهم.
8- الاقتداء بعباد الله الصالحين المحسنين.
9- الرقية والاستشفاء بسورة الفاتحة.