المجموعة الرابعة:
س1. اذكر ثلاثة أحاديث ضعيفة في فضل سورة الفاتحة وبيّن سبب ضعفها وحكم متنها.
إجابة السؤال الأول:
من الأحاديث الضعيفة التي رُويت في فضل سورة الفاتحة:
- حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً : " أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها منها بعوض" رواه الدارقطني والحاكم من طريق: محمد بن خلاد الإسكندراني، ثنا أشهب بن عبد العزيز، ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت.
قال الدارقطني: "تفرد به محمد بن خلاد عن أشهب عن ابن عيينة".
سبب ضعف الحديث : أن محمد بن خلاد مختلف فيه؛ وقد احترقت كتبه فصار يحدّث من حفظه ويروي بالمعنى فيقع في بعض حديثه ما يُنكر عليه.
ما يُغني عن هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة : ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طريق سفيان بن عيينة عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت بلفظ:" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"
فلعلّ ابن خلاد روى الحديث بالمعنى فأخطأ فيه.؛
- وعليه فيكون حُكم المتن هنا :من النوع الأول الذي يكون معناه صحيح لا نكارة فيه قد دلت عليه أدلة أخرى صحيحة تُغني عن الاستدلال بما رُوي بالأسانيد الضعيفة.
- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل أعطاني فيما منَّ به علي؛ إني أعطيتك فاتحة الكتاب، وهي من كنوز عرشي، ثم قسمتها بيني وبينك نصفين" رواه ابن الضريس في فضائل القرآن والعقيلي في الضعفاء والبيهقي في شعب الإيمان والديلمي في مسند الفردوس كلهم من طريق مسلم بن إبراهيم عن صالح بن بشير المري عن ثابت عن أنس .
السبب في ضعف الحديث: صالح بن بشير ضعيف الحديث، قال النسائي: متروك الحديث.
قال ابن عدي: (هو رجل قاص حسن الصوت، وعامة أحاديثه منكرات ينكرها الأئمة عليه، وليس هو بصاحب حديث، وإنما أُتيَ من قلة معرفته بالأسانيد والمتون، وعندي أنه مع هذا لا يتعمد الكذب، بل يغلط [فيها]".
حكم المتن : هو من النوع الثاني الذي يُتوقف في معناه فلا يُنفى ولا يُثبت إلا بدليل صحيح فمرويات هذا النوع تُرد حكما لضغف إسنادها؛ لكن لا يقتضي ذلك نفي المتن ولا إثباته.
- حديث يوسف بن عطية، عن سفيان، عن زاهر الأزدي، عن أبي الدرداء مرفوعاً: "فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزي شيء من القرآن، ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان، وجعل القرآن في الكفة الأخرى، لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات" في مسند الفردوس،
سبب ضعف الحديث: يوسف بن عطية الصفار كثير الوهم والخطأ متروك الحديث.
قال فيه البخاري: منكر الحديث.
وقال النسائي: متروك الحديث، وليس بثقة.
وقال الفلاس: كان يهم وما علمته يكذب.
حكم المتن : هو من النوع الثالث الذي يكون في متنه نكارة أو مخالفةلما صحّ من النصوص أو مجازفة بكلام عظيم لا يُحتمل من ضعفاء الرواة.
س2: هل نزلت سورة الفاتحة مرتين؟
إجابة السؤال الثاني:
ذكر هذا القول بنزول سورة الفاتحة مرتين جماعة من العلماء والمفسرين منهم :
1. الثعلبي والواحدي في البسيط والبغوي في معالم التنزيل وقد نسبوه في كتبهم إلى الحسين بن الفضل البجلي"ت:282هـ".
فقال الواحدي: "وقال الحسين بن الفضل: سميت مثاني؛ لأنها نزلت مرتين اثنتين؛ مرة بمكة في أوائل ما نزل من القرآن، ومرة بالمدينة"ا.هـ.
وقال البغوي: "وقال الحسين بن الفضل: سميت مثاني لأنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة كل مرة معها سبعون ألف ملك".
الرد على ما نسبه الثعلبي بالقول بتكرار نزول الفاتحة مرتين إلى الحسين بن الفضل هو:
أن الحسين بن الفضل البجليّ من كبار المفسّرين، وله تفسير مفقود ينقل عنه الثعلبي كثيراً؛ وقد تقدَّم ذكر انتقاده لرواية مجاهد التي قال فيها الحسين بن الفضل البجلي "ت:282ه": " لكل عالم هفوة، وهذه منكرة من مجاهد لأنّه تفرَّد بها، والعلماء على خلافه"؛.وعدّه إيَّاها هفوة، فلعلَّ لحكاية هذا القول عنه علَّة يكشفها النظر في تفسيره أو العثور على نقل تامّ لعبارته.
و الرد على ما نسبه البغوي بالقول بتكرار نزول الفاتحة مرتين إلى الحسين بن الفضل هو :
أن نقله فيه ما يُشعر بأن النص مأخوذ من أثرٍ حكاه البجلي في تفسيره؛ فنُسب إليه؛ لأنه يبعد أن يُنشئ القول بذكر نزول هذا العدد من الملائكة مع سورة الفاتحة من تلقاء نفسه.
2. وقال بهذا القول القشيري (ت:465هـ) في تفسيره المسمَّى لطائف الإشارات، قال في تفسير قول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم} أكثر المفسرين على أنها سورة الفاتحة، وسميت مثانى لأنها نزلت مرتين: مرة بمكة، ومرة بالمدينة"ا.هـ.
3. وذكر هذا القول أيضا بعد ذلك الكرماني والزمخشري وابن كثير وغيرهم من غير نسبة إلى أحد.
4. وذكره الشوكاني على إرادة الجمع بين القولين بأن الفاتحة مكية وبين من قال بمدنيَّتِها ، وهو قول فيه نظر لأن القول بتكرار النزول يلزم دليل صحيح يستند إليه,
الخلاصة:
هذا القول ضعيف ، وفي نسبته إلى الحسين بن فضل نظر.
س3: عدّد خمسة من الأسماء الثابتة لسورة الفاتحة مع بيان أدلتها.
إجابة السؤال الثالث:
من أسماء سورة الفاتحة :
1) فاتحة الكتاب ، ودليل هذا الاسم :في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ".
وفي هذا الاسم أحاديث أخرى في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي قتادة وعائشة رضي الله عنهم.
2) الفاتحة :هو اسم مختصر من الاسم المشتهر لهذه السورة في الأحاديث والآثار وهو "فاتحة الكتاب".
والتعريف فيه للعهد الذهني، وهو أكثر أسمائها شهرة واستعمالاً عند المسلمين، لاختصاره وظهور دلالته على المراد.
3) أم القرآن ودليل هذا الاسم: ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم".
4) أم الكتاب ، ودليل هذا الاسم : ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب.
5) سورة { الحمد لله} ، ومن أدلة هذا الاسم: حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الحمد لله}أمّ القرآن وأمّ الكتاب والسبع المثاني".رواه أحمد والدارمي والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح."
س4: بيّن معنى الاستعاذة وأقسامها.
إجابة السؤال الرابع:
- معنى الإستعاذة : هي الالتجاء إلى من بيده العصمة من شرِّ ما يُستعاذ منه والاعتصام به.
- لغةً معناها كما قال أبو منصور الأزهري: "يقال: عاذ فلان بربّه يعوذ عَوْذاً إذا لجأ إليه واعتصم به".
والعِصمة هي المنَعَة والحماية ، كما قال الله تعالى:{لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم}، وقال : {ما لهم من الله من عاصم}.
- أقسام الاستعاذة:
1. استعاذة العبادة وتعريفها : وهي التي يقوم في قلب صاحبها أعمال تعبّدية للمستعاذ به من الرجاء والخوف والرغب والرهب، وقد يصاحبها دعاء وتضرّع ونذر.
ولوازمها : تستلزم افتقار المستعيذ إلى من استعاذ به، وحاجته إليه، واعتقاده فيه النفع والضر.
و حكمها: عبادة لا تُصرف لغير الله ومن صرفها لغيره فقد أشرك مع الله ، ولاتزيدُه إلا ذلاً وخساراً، كما قال الله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجنّ فزادوهم رهقا}.
2. استعاذة التسبب وتعريفها : هي ما يفعله المستعيذ من استعمال الأسباب التي يُعصم بها من شر ما يخافه من غير أن يقوم في قلبه أعمال تعبدية للمستعاذ به.، ومثالها: ما يفعله الرجل حين يستعيذ بإخوانه وعشيرته ليمنعوه من شرّ رجل يريد به سوءاً.
وحكمها:ليست بشرك لخلوّها من المعاني التعبّدية، فهي أسباب تجري عليها أحكام الأسباب من الجواز والمنع بحسب المقاصد والوسائل.
الدليل على مشروعيتها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فِتَن، القاعِدُ فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من السَّاعي، مَنْ تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وَجَدَ مَلْجأ أو مَعاذا فَلْيَعُذْ به".
وفي رواية عند مسلم: "فليستعذ"ومعناهما واحد، فهي استعاذة تسبب لا استعاذة عبادة.
س5: بيّن المراد بهمز الشيطان ونفخه ونفثه.
إجابة السؤال الخامس:
في حديث عمرو بن مرّة، عن عاصم بن عمير العنزيّ، عن نافع بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين دخل في الصّلاة، قال :"اللّه أكبر كبيرًا، ثلاثًا، الحمد للّه كثيرًا، ثلاثًا، سبحان اللّه بكرةً وأصيلًا ثلاثًا، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الشّيطان من همزه ونفخه ونفثه".
والمقصود بهمز الشيطان ونفخه ونفثه كما قال عمرٌو: "وهمزه: المُوتة، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشّعر".رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه وغيرهم.
س6: بيّن وقت الاستعاذة لقراءة القرآن؛ هل هي قبل القراءة أو بعدها؟
إجابة السؤال السادس:
يتوقف وقت الإستعاذة لقراءة القرآن قبل أو بعد القراءة على ما قاله العلماء في تفسير قوله تعالى : {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} على أربعة أقوال :
- القول الأول: إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا قول جمهور أهل العلم ،وممن قال به: ابن جرير، وابن خزيمة، والطحاوي، والبيهقي، وابن عطية، وابن الجوزي، وابن تيمية، وغيرهم.
وقال به من علماء اللغة: يحيى بن سلام، والزجاج، وابن الأنباري، والنحاس، وابن سيده، وغيرهم. فإنّ العرب تطلق الفعل على مقاربته، ويُأيِّد ذلك ماجاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال:"اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".
أي إذا أراد الدخول إلى الخلاء أو قارب الدخول إلى الخلاء.
- القول الثاني:في الآية تقديم وتأخير، والتقدير إذا استعذت بالله فاقرأ القرآن، وهذا قول أبي عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن.
الرد على هذا القول : ردّه ابن جرير رحمه الله بقوله: " كان بعض أهل العربيّة يزعم أنّه من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، وكأنّ معنى الكلام عنده: وإذا استعذت باللّه من الشّيطان الرّجيم فاقرأ القرآن، ولا وجه لما قال من ذلك، لأنّ ذلك لو كان كذلك لكان متى استعاذ مستعيذٌ من الشّيطان الرّجيم لزمه أن يقرأ القرآن " ا.هـ.
- والقول الثالث: إذا قرأت فاجعل مع قراءتك الاستعاذة، وهذا قول ثعلب.
قال كما في مجالسه: " في قوله عز وجل : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}قال: " هذا مثل الجزاء، مثل قولهم إذا قمت قمت، وإذا فعلت فعلت، وقيامى مع قيامك، أي الاستعاذة والقرآن معاً، أي اجعل مع قراءتك الاستعاذة، كقولهم: اجعل قيامك مع قيام زيد".
- وعلى هذا فإن جميع ما سبق من الأقوال الثلاثة يدل على أن الاستعاذة تكون قبل قراءة القرآن.
- والقول الرابع:إذا فرغت من قراءتك فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا القول روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، ونُسب القول به إلى الإمام مالك، وحمزة الزيات القارئ، وأبي حاتم السجستاني، وداود بن عليّ الظاهري.
الرد على هذا القول : قال الشيخ الداخل: " وكلّ هؤلاء لا تصحّ نسبة هذا القول إليهم، وقد شاعت نسبته إليهم في كتب التفسير وبعض شروح الحديث، وقد أحسن ابن الجزري - رحمه الله- بيانَ علل هذه الروايات في كتابه "النشر في القراءات العشر" وخطَّأ من نسبها إليهم، وقال في وقت الاستعاذة : "هو قبل القراءة إجماعاً ولا يصح قولٌ بخلافه، عن أحد ممن يعتبر قوله، وإنما آفة العلم التقليد".