اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو صهيب
أحسن الله إليكم شيخنا
أشكلت عليّ عبارة أوردها الشيخ الفوزان غفر الله له في شرحه على الأصول الثلاثة عند تعليقه على أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهي:
اقتباس:
(والظاهِرُ أنَّ هذه الأيَّامَ كأيَّامِنا التي نَعْرِفُ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى ذَكَرَها مُنَكَّرَةً، فتُحْمَلُ علَى ما كانَ مَعروفًا، ولوْ شاءَ اللهُ تعالَى لَخَلَقَها في لَحْظَةٍ، ولكنه رَبَطَ الْمُسَبَّباتِ بأسبابِها كما تَقتضيهِ حِكمتُهُ سُبحانَهُ وتعالَى)
|
ووجه الإشكال هو: هل أن الله إذا خلقهما في لحظة لا يكون قد رَبَطَ الْمُسَبَّباتِ بأسبابِها؟
أرجو مزيد بسط لهذه المسألة وجزاكم الله خيرا
|
ما قاله الشيخ رحمه الله هو أحد الأقوال في تلمس الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام
ونحن نؤمن إيماناً جازماً بأن الله تعالى حكيم لا يفعل شيئاً عبثاً فهو تعالى الحكيم في كل فعل الحكيم في كل ما يأمر به الحكيم في كل ما ينهى عنه
وهاهنا مسألة مهمة ينبغي أن يعتني بها طالب العلم
وهي أن الحكمة من أفعال الله تعالى وخلقه أحياناً تكون معلومة بالنص عليها إما في الكتاب أو في السنة فهذه الحكمة نؤمن بها ونصدق بها
وأحياناً يذكر الفعل ولا ينص على الحكمة فبعض العلماء يجتهدون في استنباط الحكمة وهذا الاجتهاد ينبغي أن يكون موافقاً لأصول الاعتقاد الصحيح ، ثم منه ما يصيب فيه بعض العلماء ويظهر صوابهم فيه إما بدليل آخر يذكرونه أو بدليل مركب من عدة أدلة أو بوجه من وجوه الاستدلال الصحيح المعتبرة عند أهل العلم
وأحياناً يكون ما ذكروه صحيحاً في نفسه لكن كون هذه الحكمة هي مراد الله تعالى من ذلك الأمر لا يوجد دليل يدل عليه، فيبقى ما قالوه وجهاً محتملاً لا نجزم بصوابه ولا خطئه
وأما ما ظهر خطؤه لمخافة لدلالة دليل صحيح فهو اجتهاد خاطئ مردود.
ففي هذه المسألة اجتهد بعض العلماء في تلمس الحكمة من خلق السماوات والأرض في ستة أيام واختلفوا في ذلك على أقوال:
فقال البغوي في تفسيره: (قال سعيد بن جبير: كان الله عز وجل قادرا على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة، فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأني في الأمور وقد جاء في الحديث: ((التأني من الله والعجلة من الشيطان))
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: (فان قيل : فهلاَّ خلقها في لحظة ، فإنه قادر؟
فعنه خمسة أجوبة .
أحدها : أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده ، ذكره ابن الانباري .
والثاني : أن التثبُّت في تمهيد ما خُلق لآدم وذريته قبل وجوده ، أبلغُ في تعظيمه عند الملائكة .
والثالث : أن التعجيل أبلغ في القدرة ، والتثبيت أبلغ في الحكمة ، فأراد إظهار حكمته في ذلك ، كما يظهر قدرته في قوله : { كن فيكون } .
والرابع : انه علّم عباده التثبُّت ، فاذا تثبت من لا يزلُّ ، كان ذو الزَّلل أولى بالتثبُّت .
والخامس : أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء ، أبعد من أن يُظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق).
وقال ابن عثيمين: (فإذا قال قائل: أليس الله قادراً على أن يخلقها في لحظة؟
فالجواب: بلى، لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن. فيكون، وإنما خلقها في ستة أيام والله أعلم لحكمتين:
الحكمة الأولى: أن هذه المخلوقات يترتب بعضها على بعض، فرتب الله تعالى بعضها على بعض حتى أحكمها، وانتهى منها في ستة أيام.
الحكمة الثانية: أن الله علّم عباده التؤدة والتأني، وأن الأهم إحكام الشيء لا الفراغ منه، حتى يتأنى الإنسان فيما يصنعه، فعلم الله سبحانه عباده التأني في الأمور التي هم قادرون عليها، وكلا الأمرين وجيه، وقد تكون هناك حكم أخرى لا نعلمها، ومع هذا لا نجزم به ونقول: الله أعلم).
وللعلماء أقوال أخرى في تلمس الحكمة فهي كما ترى اجتهادات لا نجزم بصحتها إلا أن يقيم أحد من أهل العلم دليلاً صحيحاً على ما ذهب إليه
ولي عودة بإذن الله لإكمال الجواب