بسم الله الرحمن الرحيم
المجموعة الأولى:
1- فسّر بإيجاز قول الله تعالى
{{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين}
هذه الآية الكريمة تبين للعرب ما يحل لهم من أحكام حجهم السابقة للإسلام وما لا يحل لهم:
فهي ابتداء تبين لهم حكم الاتجار أو ابتغاء التكسب الدنيوي للحاج حيث أنها رفعت الجناح عن الحجيج في طلب الرزق الحلال نزلت هذه الآية على حد قول ابن عمر وابن عباس لأن العرب تحرجت أن يحضروا أسواق الجاهلية كعكاظ وذي المجاز لما جاء الإسلام فأباح الله لهم ذلم وبين لهم أن لا حرج عليهم.
ثم يبين لهم حكم الوقوف بعرفة من أنه واجب على الحاج بل هو ركن لا يصح حجه إلا به وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله(الحج عرفات) وقد كانت قريش قبل الإسلام لا تقف في عرفات .
وبعد الوقوف بعرفة فإن الحجاج عند غروب الشمس يدفعون من عرفات باتجاه المشعر الحرام وهو المزدلفة وهناك يصلون صلاتي المغرب والعشاء بأذان واحد واقامتين .
وأمر الله الحجاج بذكره ذكرا كبيرا شكرا لله على نعمة هدايتهم للإسلام ابتداء وما علمهم من مناسك الحج الذي كان عليه إبراهيم عليه السلام. .وقد ذكرهم الله بحالهم قبل الإسلام وقبل نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من الضلال ليظهر قدر الإنعام عليهم فيجدوا في الذكر والتكبير والدعاء.
2-حرّر القول في المسائل التالية
أ: معنى الإحصار وحكمه في قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}
قال الزجاج: معنى الحصر هو الرجل يمنعه الخوف أو المرض من التصرف فهو محصر ويقال للرجل الذي حبس محصورا
فأهل اللغة جعلوا الحصر لكل ما يمنع التصرف من خوف أو مرض أو حبس من العدو .
وقال ابن عطية عن عروة بن الزبير : أن الآية فيمن أحصر بالمرض لا بالعدو
أما ابن عباس قال بعكس ذلك
وقال ابن عطية أن الصحيح أن حصر فيما احاط وجاور فقد يحصر العدو والماء ولا يحصر المرض كما كان في يوم الحديبية حيث أن العدو كان محصرا . وهذا ما قاله ايضا ابن كثير : حال المشركون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الوصول إلى البيت.
وعلى هذا اختلف العلماء هل يختص الحصر بالعدو دون المرض وغيره؟
ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء من الهدي لقوله تعالى {فإذا أمنتم } فليس الأمن حصرا. وكذا روي عن ابن عمر وطاوس.
القول الثاني: الحصر اعم من أن يكون بعدو أو مرض أو ضلال قال الإمام أحمد عن الحجاج بن عمرو الأنصاري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى.
وكذا روي عن ابن مسعود وابن الزبير: الإحصار من عدو أو مرض أو كسر.
وقال الثوري : الإحصار من كل شيء آذاه.
وثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت : يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال حجي واشترطي : أن محلي حيث حبستني.
وذكر ابن عطية عن مالك وجمهور من العلماء: المحصر بالمرض لا يحله إلا البيت ويقيم حيث يفيق وإن اقام سنين فإذا وصل البيت بعد فوات الحج قطع التلبية في اوائل الحرم وحل بعمرة ثم تكون عليه حجة قضاء وفيها يكون الهدي
وقيل إن الهدي يجب في وقت الحصر أولا.
وقال ابن عباس أن المريض إن لم يكن معه هدي حل حيث حبس وإن كان معه هدي لم يحل حتى يبلغ الهدي محله ثم لا قضاء عليه
ب: معنى قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}
قال معظم المفسرين: أن الحمس من قريش كانت لا تفيض مع الناس في عرفة تتمسك بسنتها في الجاهلية وتفعل ذلك افتخارا على الناس وكانوا يقولون: نحن قطين لله فينبغي لنا أن نعظم الحرم ولا نعظم شيئا من الحل فأمرهم الله بهذه الآية أن يساووا الناس في الفرض وان يقفوا مواقفهم
وذكر الضحاك أن الخطاب موجه لكل الأمة والمراد بالناس هو إبراهيم عليه السلام
واختلفوا في معنى ثم فقيل أنها لترتيب خبر على خبر فتكون إفاضة من بعد إفاضة فهم يفيضون من المشعر الحرام بعد ان افاضو من عرفات
وقيل ليست هنا للترتيب بل لعطف جملة كلام على جملة هي منها منقطعة. . .
3-بيّن ما يلي:
أ: المراد بالتهلكة في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}
قال الزجاج: إن لم تنفقوا في سبيل الله هلكتم أي عصيتم الله فهلكتم وجائز أن يكون هلكتم بتقوية عدوكم عليكم.
قال ابن عطية: لا تفسد حالك برأيك وقال الجمهور ذك مثل ان تقول : القى فلان بيده في أمر كذا إذا استسلم لأن المستسلم في القتال يلقي سلاحه بيده فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان ومنه قول عبد المطلب : والله إن إلقاءنا بأيدينا إلى الموت لعجز .
وابن كثير: نزلت في النفقة قال البخاري عن حذيفة: نزلت في النفقة وكذلك روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير
وروي عن بعض الصحابة أن التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد وقال أبو أيوب: هذه الآية نزلت في الأنصار حين أرادوا لما ظهر الإسلام أن يتركوا الجهاد ويعمروا أموالهم
وقيل: التهلكة ان يذنب الرجل الذنب فبلقي بيده إلى التهلكة ولا يتوب.
قال الحسن البصري: هو البخل
وقيل: لا تقنطوا من التوبة
وقيل: هو الرجل صاحبه لا يملك زادا وهو أفضل منه فينفق من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء .
وقال ابن وهب عن زيد بن اسلم: أن رجالا كانوا يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة فإما يقطع بهم وإما كانوا عيالا فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة . والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع أو العطش أو من المشي.
ب: معنى الهلال واشتقاقه:
الزجاج: من قولهم: استهل الصبي إذا بكى حين يولد أو صاح.
وكان قوم إذا أهل القوم بالحج والعمرة أي رفعوا أصواتهم بالتلبية وإنما قيل له هلال لأنه حين يرى يهل الناس بذكره ويقال: أهل الهلال
ويقال للهلال ثلاث ليال ثم يسمى قمرا
ويسمى هلالا إلى أن يبهر ضوءه سواد الليل فإذا غلب ضوءه سواد الليل قيل له قمر. .
ج: المراد بالتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، وشروطه، وسبب تسميته بذلك.
قال عبد الله بن الزبير أن يحصر الرجل حتى يفوته الحج حتى يصل البيت فيحل بعمرة ويقضي الحج من قابل .
وصورة المحصر عند غيره أن يحصر فيحل دون عمرة ويؤخرها حتى من قابل فيعتمر في اشهر الحج ويحج من عامه.
قال ابن عباس: صورة المتمتع أن تجتمع فيه ستة شروط: أن يكون معتمرا في اشهر الحج وهو من غير حاضري المسجد الحرام ويحل وينشئ الحج من عامه ذلك دون رجوع إلى وطنه أو ما ساواه بعدا وهذا قول مالك
والتمتع نوعان تمتع عام: وهومن يحرم يعمرة فلما فرغ منها أحرم بالحج
أما التمتع الخاص وهو فسخ الحج إلى العمرة فيحرم بالحج ثم قبل الطواف يفسخ حجه إلى عمرة فإذا فرغ من العمرة حل منها وأحرم بالحج. .
وسمي متمتعا لأنه تمتع بكل ما لا يجوز للمحرم فعله من وقت حله في العمرة إلى وقت إنشائه الحج
وقيل هو متمتع: لأنه تمتع بإسقاط أحد السفرين وذلك أن حق العمرة أن تقصد بسفرة وحق الحج كذلك فلما تمتع بإسقاط أحدهما ألزمه الله هديا كالقارن الذي يجمع الحج والعمرة في سفر واحد