تفسير سورة البروج من آية (12) وحتى آية (22).
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) )
أي :إن أخذه للجبابرة والظلمة وأصحاب الجرائم الكبيرة لشديد أليم فهو القوي العزيز ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر
تفسير قوله تعالى: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) )
أي :يبدئ الخلق ثمّ يعيده كما بدأه
ولا ممانع أو مشارك سواه .ابن كثير والسعدي والأشقر .
تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) )
الغفور هو الذي يغفر السيئات ويتوب على من تاب .
الودود :قال ابن عبّاسٍ وغيره: هو الحبيب). ذكره ابن كثير .
وقال السعدي رحمه الله الودود هو الذي يحبهُ أحبابهُ محبةً لا يشبهُهَا شيءٌ،
والمودةُ: هيَ المحبةُ الصافيةُ، وفي هذا سرٌّ لطيفٌ، حيثُ قرنَ الودودُ بالغفورِ،ليدلَّ ذلكَ على أنَّ أهلَ الذنوبِ إذا تابُوا إلى اللهِ وأنابُوا، غفرَ لهمْ ذنوبهمْ وأحبَّهمْ، فلا يقالُ: بلْ تغفرُ ذنوبهمْ، ولا يرجعُ إليهمُ الودُّ، كما قالهُ بعضُ الغالطينَ.
بلِ اللهُ أفرحُ بتوبةِ عبدهِ حينَ يتوبُ، منْ رجلٍ لهُ راحلةٌ، عليهَا طعامُهُ وشرابهُ وما يصلحهُ، فأضلَّهَا في أرضِ فلاةٍ مهلكةٍ، فأيسَ منهَا، فاضطجع في ظلِّ شجرةٍ ينتظرُ الموتَ، فبينمَا هوَ على تلكَ الحالِ، إذا راحلتُه على رأسهِ، فأخذَ بخطامِهَا، فاللهُ أعظمُ فرحاً بتوبةِ العبدِ من هذا براحلتهِ، وهذا أعظمُ فرحٍ يقدَّرُ.
وقال الأشقر : الودود : بَالِغُ المَحَبَّةِ للمُطِيعِينَ منْ أَوْلِيَائِهِ.
تفسير قوله تعالى: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) )
ذو العرش :أي: صاحب العرش المعظّم العالي على جميع الخلائق. ذكره ابن كثير ووافقه السعدي والأشقر.
والمجيد: فيه قراءتان: الرّفع على أنّه صفةٌ للرّبّ عزّ وجلّ، والجرّ على أنّه صفةٌ للعرش، وكلاهما معنًى صحيحٌ. ذكره ابن كثير والسعدي .
والمَجْدُ هُوَ النهايةُ فِي الْكَرَمِ والفَضْلِ ذكره الأشقر.
تفسير قوله تعالى: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) )
قال ابن كثير أي: مهما أراد فعله لا معقّب لحكمه ولا يسأل عمّا يفعل لعظمته وقهره وحكمته وعدله. ووافقه السعدي رحمهم الله.
تفسير قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) )
قال ابن كثير :أي: هل بلغك ما أحلّ اللّه بهم من البأس وأنزل عليهم من النّقمة التي لم يردّها عنهم أحدٌ؟ .
وهذا تقريرٌ لقوله: {إنّ بطش ربّك لشديدٌ}. أي: إذا أخذ الظّالم أخذه أخذاً أليماً شديداً أخذ عزيزٍ مقتدرٍ. ووافقه على معناه السعدي رحمهم الله .
وقال الأشقر _في زبدة التفسير_: أَيْ: هَلْ أَتَاكَ يَا مُحَمَّدُ خَبَرُ الْجُمُوعِ الكافرةِ المُكَذِّبَةِ لأَنْبِيَائِهِم، الَّتِي تَجْمَعُ لَهُم الأجنادَ لِقِتَالِهِمْ عَلَيْهَا؟
تفسير قوله تعالى: (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) )
قال الأشقر :الْمُرَادُ بِحَدِيثِهِمْ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ من الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ، وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَذَابِ. ووافقه في معناه السعدي رحمه الله.
تفسير قوله تعالى: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) )
قال ابن كثير :أي: هم في شكٍّ وريبٍ وكفرٍ وعنادٍ .ووافقه في معناه السعدي والأشقر.
تفسير قوله تعالى: (وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) )
قال السعدي :أي: قدْ أحاطَ بهمْ علماً وقدرةً. ووافق معناه ابن كثير .
وقال الأشقر :أَيْ: يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ بِأُولَئِكَ.
تفسير قوله تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) )
قال ابن كثير :أي: عظيمٌ كريمٌ.
قالَ السعدي : أي: وسيعُ المعاني عظيمُهَا، كثيرُ الخيرِ والعلم .
قالَ الأَشْقَرُ :أَيْ: مُتَنَاهٍ فِي الشَّرَفِ وَالْكَرَمِ والبَرَكةِ، وَلَيْسَ هُوَ كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ شِعْرٌ وَكَهَانَةٌ وَسِحْرٌ
تفسير قوله تعالى: (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) )
قال السعدي والأشقر في معناه :({فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} مِنَ التغييرِ والزيادةِ والنقصِ، ومحفوظٌ مِنَ الشياطينِ، وهوَ اللوحُ المحفوظُ الذي قدْ أثبتَ اللهُ فيهِ كلَّ شيءٍ.
ووافقهم ابن كثير ثم ذكر أقوالًا في صفة هذا الكتاب ومكانه ( قيل : في جبهة إسرافيل.
وقيل : ما من شيءٍ قضى اللّه -القرآن فما قبله وما بعده- إلاّ وهو في اللّوح المحفوظ، واللّوح المحفوظ بين عيني إسرافيل، لا يؤذن له بالنّظر فيه.
وقال الحسن البصريّ: إنّ هذا القرآن المجيد عند اللّه في لوحٍ محفوظٍ، ينزل منه ما يشاء على من يشاء من خلقه.
وقيل : إنّ في صدر اللّوح: لا إله إلاّ اللّه وحده، دينه الإسلام، ومحمّدٌ عبده ورسوله، فمن آمن باللّه وصدّق بوعده واتّبع رسوله أدخله الجنّة.
قال: واللّوح لوحٌ من درّةٍ بيضاء، طوله ما بين السّماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، وحافتاه الدّرّ والياقوت، ودفّتاه ياقوتةٌ حمراء، وقلمه نورٌ، وكلامه معقودٌ بالعرش، وأصله في حجر ملكٍ.
قال مقاتلٌ: اللّوح المحفوظ عن يمين العرش.
وقال الطّبرانيّ: عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((إنّ اللّه خلق لوحاً محفوظاً من درّةٍ بيضاء، صفحاتها من ياقوتةٍ حمراء، قلمه نورٌ، وكتابه نورٌ، للّه فيه في كلّ يومٍ ستّون وثلاثمائة لحظةٍ، يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعزّ ويذلّ ويفعل ما يشاء)) )
والله تعالى أعلم .