المجموعة الأولى
1 فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}.
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ : وهذا مثل ضربه الله تعالى لنوع آخر من المنافقين , وهم المترددون المتحيرون , ففي حال يظهر لهم الحق تارة , وفي حال أخرى يشكون ويترددون فهم مثل المطر حال نزوله من السماء في ظلمات ورعد وبرق يخطف قلوبهم ويزعجها ويخوفها , فهم يتحيرون في هذه الظلمات ويتشككون بالكفر والنفاق , يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ : أي : وهم من شدة خوفهم وفزعهم يجعلون أصابعهم في آذانهم مخافة الموت , ولو كانت قلوبهم حية لعلموا أن المطر فيه خير كثير كما أن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيه حياة قلوبهم وراحة أبدانهم وطمأنينة نفوسهم , وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ : أي : إن الله تعالى محيط بهم يعلم ما في قلوبهم , ويعلم إسرارهم فهو مجازيهم على كفرهم ونفاقهم .
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ : أي : أن البرق لشدته وقوته يخطف أبصارهم لضعفها , ولعدم ثبات قلوبهم على الإيمان ؛ فإن حجج القرآن وآياته وبراهينه تبهرهم مثل البرق , كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا : أي : كلما أضاء هذا البرق لهم الطريق مشوا , إذا أظلم توقفوا مكانهم ولم يبرحوه , قال ابن عباس : كلّما أصاب المنافقين من عزّ الإسلام اطمأنّوا إليه، وإن أصاب الإسلام نكبةٌ قاموا ليرجعوا إلى الكفر , وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ : أي : إن الله تعالى لو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم وجعلهم لا يسمعون ولا يبصرون ؛ فإن الله تعالى على كل شيء قدير , وكل شيء بالنسبة له هين يسير , قال ابن جريرٍ: إنّما وصف اللّه تعالى نفسه بالقدرة على كلّ شيءٍ في هذا الموضع؛ لأنّه حذّر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنّه بهم محيطٌ، و [أنّه] على إذهاب أسماعهم وأبصارهم قديرٌ، ومعنى {قديرٌ} قادرٌ، كما أنّ معنى {عليمٌ} عالم .
2. حرّر القول في:
مرجع الهاء في قوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله}.
ذكر في مرجع الهاء في الآية أقوال :
الأول : من مثل القرآن .وهو قول مجاهد وقتادة , واختيار ابن جرير. ذكره الزجاج , وابن عطية وعزاه لجمهور المفسرين , وابن كثير وصححه .
واختلفوا في المراد من هذا القول على أقوال :
1 – من مثله في نظمه ورصفه وفصاحة معانيه .ذكره ابن عطية .
2 – من مثله في غيوبه وصدقه وقدمه . ذكره ابن عطية .
الثاني : من بشر مثله : أي محمد صلى الله عليه وسلم. ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير .
واختلفوا في المراد من هذا القول على أقوال :
1 – من أمي صادق مثله . ذكره ابن عطية .
2 – من ساحر أو كاهن أو شاعر مثله . على زعمكم أيها المشركون . ذكره ابن عطية .
الثالث : مثل الكتب القديمة التوارة والإنجيل والزبور . ذكره ابن عطية .
والآية تحتمل المعنيين الأول والثاني , إلا أن القول الأول أرجح لأن سياق الآية يتحدث عن القرآن , وشك هؤلاء الكافرين فيه فتحداهم الله تعالى بأن يأتوا بسورة من مثله , وقد صحح هذا القول ابن كثير فقال : والصّحيح الأوّل؛ لأنّ التّحدّي عامٌّ لهم كلّهم، مع أنّهم أفصح الأمم، وقد تحدّاهم بهذا في مكّة والمدينة مرّاتٍ عديدةٍ، مع شدّة عداوتهم له وبغضهم لدينه، ومع هذا عجزوا عن ذلك؛ ولهذا قال تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} "ولن": لنفي التّأبيد أي: ولن تفعلوا ذلك أبدًا.
3.اذكر ثلاث فوائد سلوكية وبيّن وجه الدلالة عليها من قوله تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12)}.
1 – أن أتفقد قلبي وعملي وأعرضه على الكتاب والسنة فقد أكون مفسدا من حيث لا أدري . ( ولكن لا يشعرون ) .
2 – أن أقبل النصيحة ممن هو أعلم مني بالأمر فإن في ذلك النجاة في الدنيا والآخرة . ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ) .
3 – أن أبتعد عن معصية الله تعالى أعمل بطاعته فإن في ذلك صلاح القلب ونجاة البدن . ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ) .
والله أعلم