المجموعة الثالثة:
1. عدد أقسام الإنشاء الطلبي
.
ينقسم الإنشاء عند البلاغيين إلى قسمين:
إنشاء غير طلبي: وهو ما لا يستدعي مطلوبا؛ إلاَّ أنّه يُنْشِىءُ أمراً مرغوباً في إنشائه
إنشاء طلبي: وهو ما يستدعي حدوث شيء غير حاصل وقت الطلب..وهذا هو أكثر اهتمام البلاغيين
وهو خمسة مباحث:..الأمر؛والنهي؛ والاستفهام؛والتمني؛ والنداء
وهو منحصر فيها ولا يزيد عليها
2. اذكر بعضا من الأغراض التي قد ينصرف إليها الأمر مع التمثيل.
الأمر: هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء.
-قدْ تَخْرُجُ صِيَغُ الأمرِ عنْ معناها الأصليِّ إلى معانٍ أُخَرَ تُفْهَمُ منْ سياقِ الكلامِ،وقرائنِ الأحوالِ:
1- الدعاء
كقوله تعالى : {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)}
2- التمنِّي ؛ ويكون عادة في الميئوس من الحصول عليه، أو فيما هو بعيد المنال.
كقوله تعالى :{ {وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ}
كقول امرئ القيس (الطويل):
أَلاَ أيُّها الليلُ الطويلُ ألا انْجَلِي *بصُبْحٍ وما الإصباحُ منكَ بأمْثَلِ
فالشاعر لا يأمر الليل وإنّما أرسل صيغة الأمر مريدا بها التمنّي
وكقول الحبنكة الميداني
أَمْطِرِي يَا سَمَاءُ كُلَّ صَبَاحٍ ... فَوْقَ بَيْتِي مِنَ الدنانِيرِ ألْفاً
لاَ تَكُفِّني مِنْ فَيْضِ جُودِكِ عَنِّي ... عَادَتِي لاَ أَسُوءُ بِالْقَبْضِ كَفّاً.
3- الإرشاد ويكونُ عادةً في مجال النُّصْحِ وإِبْدَاءِ المشورة.
كقوله تعالى :{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْبَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}.
4- التهديد : .. وغالبا يكون في مقام عدم الرّضا بالمأمور به
كقوله تعالى : : {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}..
وسياق الآيات هو الذي يحدد؛ أن المراد بالأمر هنا هو التهديد ؛ وإلا قد تأتي نفس العبارة ونفس الكلمات لكن في سياق آخر فيكون لها غرض آخر كما جاء في الحديث لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ , فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " .
الأمر متوقف على الحال والمقام وما دام الحال والمقام مختلف فيحمل معه أيضا الاختلاف في الغرض
ومنه أيضا قوله تعالى :{{قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ } .
ومنه :
إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاء
5- والتعجيزِ،وغالبا يكون ويكون في مقام إظهار عجز من يدّعي قدرته على فعل أمر ما، وليس في وسعه ذلك.
كقول الشاعر:
يا لَبَكْرٍ أَنْشِروا لي كُلَيْبًا ......يا لَبَكْرٍ أينَ أينَ الفِرارُ؟
وكقول الفرزدق يخاطب جريرا:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وكقول الشاعر:
أريني جودا مات هزلا لعلني....أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
6- الإهانةِ
كقوله تعالى : {كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا}.
وكقوله تعالى: {خُذُوهُ فاعتلوه إلى سَوَآءِ الجحيم * ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم * ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم}
7- والتخييرِ،
مثله : خُذْ هَذَا أَوْ ذَاكَ.....أو تزوج هندا أو أختها
وقول المتنبي:
عِشْ عَزِيزاً أَوْ مُتْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ ... بَيْنَ طَعْنِ الْقَنَا وَخَفْقِ الْبُنُودِ
3. ما هو الفرق بين التمني والترجي؟
أولا:
التمني: إنشاء طلبي.
الترجي: إنشاء غير طلبي.
ثانيا:
التمني : طلب حصول شيء محبوب لا يرجى حصوله لكونه مستحيلا أو بعيدا
إلا أن هذا البعيد والمستحيل الحصول عليه ؛يخرجه المتكلم بطريق التمني لبيان شدة تعلق نفسه به ورغبته فيه.
الترجي: هو توقع حصول أمر ..ويكونُ في المطموع فيه، والمترقّب الحصول عليه
وهناك فرق بين التمني و التوقع.
4. عرف النداء واذكر أدواته.
تعريف النداء:
النداء هو طَلَبُ الإقبالِ الحسي أو المادي بحرْفٍ نائبٍ مَنَابَ ك (أَدْعُو). ونحوه
أدوات النداء:
وأدواتُه ثمانيةٌ: (يا)، والهمزةُ، و(أيْ)، و(آ)، و(آي)، و(أيا)، و(هيا)، و(وا).
وهي في الاستعمال قسمان:
1-فالهمزةُ و(أَيْ) للقريبِ.
2-باقي الأدوات للبعيد.
وذكر بعض الغويين أن "يا" تصلح للجميع.
و لكن -والعلم عند الله- أن "يا" تختص بنداء البعيد ؛ ومما يقوي ذلك امتداد صوتها. وقد ذكر بعض أهل العلم أن مما يعين المعنى المراد باللفظ صوته
وقد تستخدم الأداة في غير الموضع الذي وضعت له ؛وهذا يكشف عن نفسية المتكلم
فمناداة البعيد بأدوات القرب ؛ (بالهمزةِ) و(أيْ)، يكشف أن المتكلم قد نزل هذا البعيد منزلة القريب وما ذلك إلا لشدة استحضارِه في ذِهْنِ المتكلِّمِ صارَ كالحاضِرِ معهُ.
كقول الضبي في رثاء ابنه:
أأبي لا تبعد وليس بخالد ... حي ومن تصب المنون بعيد
كما قد يعكس الأمر؛ فينادى القريب بأدوات البعد لبيان أن المتكلم قد نزل القريب منزلة البعيد . إما:
أ- للدلالة على أن المنادى رفيع القدر عظيم الشأن فيجعل بعد المنزلة كأنه بعد في المكان كقول أبي بكر بن النطاح في مدح أبي دلف العجلي:
أبا دلف بوركت في كل بلدة ... كما بوركت في شهرها ليلة القدر.
ب- للإشارة إلى أنه وضيع، منحط الدرجة، وعليه قول الفرزدق يهجو جريرا:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وفي كلاهما فيه بيان و إظهار للبعد ؛ بعد في العلو والمكانة و المنزلة؛ أو بعد في الأدنى والتسفل والانحطاط
جـ- للإشعار بأن السامع غافل لاه، فيعتبره المتكلم كأنه غير حاضر في مجلسه.
كقول المعلم للطلب الساهي الغافل" أيا فلان
5.عدد أغراض الإتيان بأل.
يؤتى باللفظ معرفا ب ( ال) ، لإفادة معنى من المعاني التي تفيدها (ال) -الجنسية ؛أو العهدية
أل العهدية:
تدخل (أل) العهدية على الكلمة للإشارة إلى مفرد معهود خارجا بين المتخاطبين. ويكون عهده: عهد ذهني ؛أو عهد ذكري ؛ أو عهد حضوري.
-العهد ذهني:
اللاّم التي للعهد الذهني: ويُسمَّى أيضاً "العهد الْعِلْميّ"
وهو ما كان معلوما في ذهن المخاطب سواء أكان حاضرا أم لا.
نحو قوله تعالى :{إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ؛ وقوله : {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} أي: الشجرة والغار معهودين للمخاطب
-العهد ذكري:
هي الَّتِي يتقدَّم المعرَّفَ بها ذكْرٌ في الكلام، وضابطها أن يسُدّ الضمير مسَدَّه.
*
*نحو قوله الله عزّ وجلّ :{إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فعصى فِرْعَوْنُ الرسول فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً}
فاللاّم التي في (الرسول) للعهد الذكري ؛ ترجع للفظ "رسلا" المذكور سابقا
و لأنه يمكن أن يقع الضمير موقع لفظ الرسول فيقال: فعصاه فرعون،
-العهد حضوري.:
اللاّم الّتي للعهد الحضوري، وهي التي يكون المعرَّفُ بها حاضراً عند التكلّم،والسامع .
ومن أمثلة هذا النوع ما يلي:
* قول الله عزّ وجلّ ":{اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً... }.
فاللاّم التي في لفظ "اليوم" المعرِّفة له تُشِير إلى اليوم الحاضر الذي نزلت فيه الآية، وكان يوم عرفة في حجّة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-(أل) الجنسيةوهي أنواع:
-اللاّم التي لبيان الحقيقة والماهية، وهي التي لا يصحّ أنْ يستعمل بدلَها كلمة "كلّ" فيشارُ بها إلى الحقيقة الشائعة في الأفراد، دون النظر إلى الدّلالة على عُمومٍ أو خصوص.
كقوله تعالى :{وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} . .
أي: وجعلنا من ماهيّةِ جنْسِ الماء كلَّ شيء حيّ، فإرادة حقيقة الماء وماهيته تستبعد إرادة كُلِّ الماء على سبيل الاستغراق، والقرينَةُ على إرادة الحقيقة والماهيّة دون الاستغراق الواقعُ المشاهد، فالأحياء يدخل في تركيب أجسادها عنصر الماء، مع وجود مياه منفصلة عن الأحياء، ومياه لم تخلق منها أحياء بعد.
ويمثلون بعبارة: "الرَّجُلُ خَيْرٌ من الْمَرْأة" أي: جنْسُ الرجُلِ وماهيَّتُه خيرٌ من جنس المرأة وماهيتها، لا كُلُّ فردٍ من أفراد الرجال خير من كلّ امرأة، إذْ بعض النساء أفضل من مئات الألوف من الرجال.
اللام الاستغراقية؛.. لاستغراق أفراد الجنْسِ كلّهِم؛وهي التي يصح نيابتها بلفظ "كل"
قال تعالى"{ وخلق الإنسان ضعيفا}
وخلق كلّ فرد من أفراد جنس الإِنسان ضعيفاً، والواقع يشهد لإِرادة هذا الاستغراق.
6. اذكر بعضا من الأغراض البلاغية التي تتحقق عن طريق الإتيان بالمنادى.
-قد تخرج ألفاظ النداء إلى معان أخرى تستفاد من القرائن، وهى تكشف عن حال ونفسية المتكلم ؛ من ذلك:
1- التحير و التضجر، وقد كثر ذلك في نداء الأطلال والمنازل والمطايا، كقوله:
أيا منازل سلمى أين سلماك ... من أجل هذا بكيناها بكيناك..
ينادى المنازل وقصده من يسكنها ؛ وهو يكشف نفسية الشاعر أنه في حيرة وتضجر
2- -التحسر والتوجع،
كقول حافظ في الرثاء:
يا درة نزعت من تاج والدها ... فأصبحت حلية في تاج رضوان
وقول من رثى معن بن زائدة:
أيا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا.
3- الإغراء،كقولك للجندي المتردد في الدفاع: يا شجاع تقدم.
4- الزجر والملامة، نحو:
أفؤادي متى المتاب ألما ... تصح والشيب فوق رأسي ألما.
ولعل الأقرب أن الزجر والملامة حصلت بتضافر النداء مع الاستفهام