س1: بيّن عناية السلف الصالح بالحثّ على طلب العلم والتعريف بفضله.
ج: لقد أدرك سلفنا الصالح فضل العلم وثوابه, فشمروا عن ساعد الجد في تحصيله, وصبروا على ما أصابهم في سبيله, حتى رفع الله شأنهم, وأعلى في العالمين ذكرهم, وأثابهم بإرث النبوة عزا, وبمشكاة الهدى شرفا, ومد لهم من حبل الفضل أثرا, فنفعوا على تطاول القرون أمما, ولازالوا على درب الهدى أعلاما, ولازالت أقوالهم النفيسة, ووصاياهم الجليلة, حية تسعى؛ فهاهو الإمام الزهري يقول: (ما عبد الله بمثل الفقه), وهاهو أمير المؤمنين في الحديث – سفيان الثوري – يقول: (ما ألم عملا أفضل من طلب العلم وحفظه لمن أراد الله به خيرا).
ولما سئل أبو عبدالله – أحمد بن حبل - : أي الأعمال أفضل؟ قال: (طلب العلم لمن صحت نيته).
قيل: وأي شيء تصحيح النية؟ قال: (ينوي يتواضع فيه, وينفي عنه الجهل).
ونقل عنه – رحمه الله – قوله: (العلم لا يعدله شيء).
ولقد أدرك الإما الشفعي – رحمه الله تعالى – هذه الحقيقة الغالية, فقال: (ليس بعد أداد الفرائض شيء أفضل طلب العلم, قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله).
س2: أيهما يقدّم الطالب: علوم المقاصد أم علوم الآلة؟
ج: علوم المقاصد: هي العلوم المتعلقة بالاعتقاد والإيمان, كعلم العقيدة, والتفسير, والحديث , والفقه, والسيرة النبوية, وغير ذلك.
علوم الآلة: هي العلوم التي تعين على دراسة علوم المقاصد وفهمها, مثل علوم اللغة العربية, وعلم أصول الفقه, وأصول التفسير, ومصطلح الحديث.
والجواب عن سؤال أيهما يقدم؟ فقد اختلف أهل العلم في ذلك, والصواب: يبدأ الطالب بدراسة مختصرات سهلة في علوم المقاصد, يدرك بها الأهم والفاضل ليبدأ به, ثم يأخذ من علوم الآلة ما يناسب حال المبتدئين, ثم يتوسع في علوم المقاصد إلى درجة المتوسطين, ثم يأخذ من علوم الآلة ما يناسب درجة المتوسطين, وهكذا حتى يبلغ مشارف درجة المتقدمين في علوم المقاصد وعلوم الآلة.
ثم يفيض بعد ذلك إلى خيارات متعددة, فيختار من العلوم ما يفتح له فيه فيجده أيسر عليه من غيره وأنفع.
س3: ما هي المقاصد الصالحة لطلب العلم؟
ج: من المقاصد الصالحة لطلب العلم:
-أن يبتغي طالب العلم وجه الله تعالى ورضاه, فيعمل ما يحبه الله تعالى فيعمله, ويعلم ما يبغضه الله تعالى فيجتنبه, ويعلم ما يخبر الله به, فيؤمن به, فيحصل بذلك لصاحبه الثواب العظيم, وإلا فمن ابتغي بذلك غير وجه الله فهو على خطر كبير, فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة".
-ينوي يتواضع فيه, وينفي الجهل عن نفسه, وعن غيره, كما قال الإمام أحمد بن حبل.
-ومن المقاصد الصالحة نية نفع الناس بالعلم, وتعليمهم الخير, "وإن الملائكة لتصلي على معلمي الناس الخير".
-ومنها نية حفظ العلم وصيانته, والدفاع عن السنة, ونقل الإرث المحمدي غضا طريا إلى أجيال قادمة.
-ومنها أن يعمل طالب العلم بما يتعلم, فإن " من سلك طريقا يبتغي فيه علما, سهل الله له به طريقا إلى الجنة", وأن يحذر قول الله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب).
س4: بيّن بإيجاز ركائز التحصيل العلمي.
ج: المناهج الصحيحة لطلب العلم وإن تعددت طرائقها فغاياتها تتفق, وكل يأخذ من مشكاة العلم بالطريقة التي تيسر له السير إلى الله على بصيرة.
لكن التحصيل العلمي لابد وأن يرتكز على ركائز أربع:
أولها: الإشراف العلمي ممن يأخذ بيد الطالب في مسالك الطلب, فيرشده ويقومه, ويبن له جوانب الإجادة والتقصير لديه, حتى يفيض إلى معالم العلوم بسابلة موثقة, مثله في ذلك, مثل الذي يريد أن يتقن صناعة معينة, فلابد وأن يصحب معلمها الحاذق حتى يبلغ مراده.
وثانيها: الترج في الدراسة وتنظيم القراءة؛ فيبدأ بالمختصرات حتى يتقنها ويضبطها, ثم يتوسع شيئا فشيئا, فيؤسس علمه ويبني, بإشراف شيخه وتوجيهه.
وثالثها: النهمة في الطلب؛ فهي التي تحمل صاحبها على مداومة استذكار العلم, والاجتهاد فيه, وتحمل الصعاب, والمثابرة, وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: منهومان لايشبعان: منهوم في العلم لا يشبع منه, ومنهوم في الدنيا لا يشبع منها", حتى يدفعه النهم في العلم إلى تقديمه على مرغوبات النفس.
ورابعها: الوقت الكافي؛ فذلك أمر لابد منه, حتى يحسن التعلم, ويتدرج في مدارجه, فالعجلة من أعظم الآفات التي تقطع طريق الطلب؛ إما لضعف الصبر, أو ضعف البصيرة بطول الطريق, أو باستعجال التصدر قبل التأهل, أو باغترار الطالب بذكائه وسرعة حفظه.
س5: اكتب رسالة في خمسة أسطر لطالب علم تحذّره فيها من المتعالمين الذين يقترحون مناهج خاطئة في طلب العلم.
ج: أخي طالب العلم:
أذكّر نفسي وإياك بأن العلم قسيم الجهاد؛ قال الله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة. فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين...), فيا أيها المجاهد: إن سلاحك العلم؛ إن تحمله, فذلك حماية دينك, وإن تتركه تكاسلا, فاحذر قول ربك: (كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين).
فلملم رداءك مسرعا, وألحق بالركب وانتظم معه, وقل (وعجلت إليك رب لترضى), واطرح نفسك كالإناء الفارغ على عتبة مولاك, واطرق بابه حتى يعطيك, فإنك بالعطية حي حياة السعداء, وبدونها ميت في سجون الأعداء.
وإن من ألد أعدائك المتعالمين, لهم جلود الأنعام وقلوب الذئاب فاحذرهم, بل فر منهم فرارك من الأسد, فإنهم لا للجهل كسروا, ولا للعلم نصروا, ومابرحوا أن كانوا شوكة في كاحل الأمة على تعاقب أجيالها, وتطاول قرونها, وكم فتحوا من أبواب الفتن, وقطعوا على طلاب العلم طريق الهدى والفلاح, فكم من طالب علم كان كالنحلة يسأل ويبحث ويتفهم, فبينا هو كذلك إذ تلقفه من المتعالمين متلقف, فوسوس له كما يوسوس الوسواس الخناس, وألقى على مسامعه الشبهات تترا, مستغلا ضعف بداياته في العلم, حتى غرر به, وزين له ما يورده المهالك, ويعقبه الحسرات.وإياك والتعالم؛ فإنه داء وبلاء, كم ابتلي به أناس فزلوا, وكم نزل بساحة قوم فساء صباحهم, وضلوا وأضلوا, واشتروا الضلاة بالهدى, والعذاب بالمغفرة, فما أصبرهم على النار.
فعليك – أخي – بمن يرشدك ويأخذ بيديك في مسالك الطلب, وإياك والعجلة, بل التدرج الأولى وأنفع, وتذكر قول المعلم صلى الله عليه وسلم: " لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء, ولا لتماروا به السفهاء, ولا تخيروا به المجالس, فمن فعل ذلك فالنار النار", وعليك بالنهمة فيه, بقلب عقول ولسان سؤؤل,
واسلك – رعاك الله - طريق السلف واصطبر عليه, فإنهم بالإخلاص سبقوا, وبالنية ارتفعوا.
والله أسأل لك التوفيق, إنه بكل جميل كفيل, وهو حسبنا ونعم الوكيل.