1. (عامّ لجميع الطلاب)
استخرج خمس فوائد سلوكية وبيّن وجه الدلالة عليها من قوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)} المرسلات.
1- اغتنام الصحة والشباب قبل المرض والهرم, واغتنام الأعمار وإعمارها بطاعة الله- سبحانه وتعالى- قبل الموت. قال تعالى:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ).
2- عدم الاغترار بما عند الكفار من التقدم الحضاري وسعة الرزق, وكمال الصحة, وجميل البلاد, فالله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب, ومن عدل سبحانه أنه يمتعهم في الدنيا مقابل ما قد يصدر عنهم من خير, لكنه قصير زاائل لا محالة. قال تعالى:(كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ).
ويتفرع من هذه الفائدة يقين المؤمن بنصر الله لدينه وإظهاره على الدين كله, بالحجة والبيان وبالسيف والسنان.
3- وجوب بيان الحق وتحذير الناس من سوء الأعمال, وحثهم على الخير, فهذا من موانع العذاب. قال تعالى:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ).
4- إذا تبين لك الحق فاذعن له, واقر به, فرد الحق من الكبر, وبسبب الكبر كفر إبليس وطرد من رحمة الله, ومنعت عنه التوبة. قال تعالى:(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).
5- الحرص على الصحبة الصالحة المؤمنة التي لا يعدم الإنسان فائدة يتحصلها منهم, أما من كانت الدنيا همه, فلا فائدة ترجى من صحبته إلا ما يكون من دعوته ونصحه. قال تعالى:(كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).
6- الإكثار من ذكر هادم اللذات, فهو معين على الزهد في الدنيا, ومعين على اجتناب البطر والفرح المذموم, فيتذكر العبد بأن كل ما لديه سيزول عنه يوما ما, أو يزول هو بنفسه عنه ويتركه عندما يموت. قال تعالى:(كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ).
.
المجموعة الثالثة:
1. فسّر قوله تعالى:
{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)} المرسلات.
قال تعالى:(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ): بعد أن أقسم الله تعالى بما أقسم به في بداية السورة على أن يوم الحساب واقع لا محالة, جاء وصف بعضا من أهوال ذلك اليوم, لتفزع القلوب, وتفر إلى خالقها, ثم تلين لكلامه فتنقاد له بالطاعة, فأخبر سبحانه بأن النجوم اللامعة البراقة التي كانت زينة للسماء الدنيا يذهب ضوؤها, وتتناثر وتزول من مكانها, كما قال تعالى:(وإذا النجوم انكدرت), كذلك السماء:
(وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ): بعد أن كانت (سقفا محفوظا), خالية من الشقوق(ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت), تفتح وتشق, وتتدلى أرجاؤها، وتصبح اطرافها واهية(كالمهل).
(وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ): أما الجبال التي كانت(أوتادا) للأرض(أن تميد بكم), وكانت(رواسي شامخات) فتصبح(كالعهن المنفوش) هباء منثورا كأنها لم تكن.
(وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ): وقد وعد الله سبحانه وتعالى, رسله, وجعل لهم ميعادا ووقتا ليكون فيه الفصل والقضاء بينهم وبين أقوامهم, ويكون يوما للحساب.
(لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ): والاستفهام هنا للتعظيمِ والتفخيمِ والتهويلِ, فهو يومٍ عظيمٍ, شديد الأهوال, كما قال تعالى:(إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد).
(ليوم الفصل): فهو اليوم الذي يفصل به بين الناس بحسب أعمالهم(فمنهم شقي وسعيد), ويقضى بين الخلائق بعضهم لبعض, ثم عظم الله شأن هذا اليوم وهوله:
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ): وما أَعلَمَكَ بيومِ الفَصلِ!؟ فهو يوم عظيم, تذهل فيه العقول, فلا أحد يقدر أن يقدره قدره, كما قال تعالى:(والساعة أدهى وأمر), ثم توعد المكذبين به فقال:
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ): فهذا تهديد بالهلاك والخسارة على تكذيبهم بهذا اليوم, وتكذيبهم بأهواله, وتكذيبهم برسل الله وما جاءت به, فقد استحقوا ما ينتظرهم من سوء العاقبة والعياذ بالله.
2. اذكر الأقوال الواردة مع الترجيح:
أ: المراد بالجمالة الصفر.
القول الأول: أي: كالإبل السود. قاله مجاهد، والحسن، وقتادة، والضحاك. وهو اختيار ابن جرير, ذكره ابن كثير, وقال بهذا القول السعدي والأشقر.
القول الثاني: أي: حبال السفن. قاله ابن عباس, ومجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ. روى عبد الرّحمن بن عابسٍ قال: سمعت ابن عبّاسٍ: {كأنّه جمالةٌ صفرٌ} حبال السّفن، تجمع حتّى تكون كأوساط الرّجال.رواه البخاري, ذكره ابن كثير.
القول الثالث: أي: قطع نحاسٍ, وهو قول ثان لابن عباس. ذكره ابن كثير.
والراجح والله أعلم, أن الآية يمكن حملها على ما ورد من معاني, فالشرر الذي تلقيه جهنم من حيث اللون: أسود مظلم مشرب صفرة, ولعل قول ابن عباس-رضي الله عنهما- (حبال السفن) المراد به من حيث غلظ الشرر وضخامتها, لنفي ما قد يتوارد من ضآلة شرر الدنيا التي سرعان ما تخبو, فيكون الوصف للون والغلظة, وكذلك الوزن فهي كقطع النحاس لا تشابه شرر الدنيا في خفتها.
ب: المراد بالحين في قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا}.
القول الأول: أي: المدة الزمنية التي مرت قبل وجود الإنسان, فلم يكن شيئًا يذكر لحقارته وضعفه، بل كان معدوما. ذكره ابن كثير,والسعدي, وذكره الأشقر عند تفسير:(لم يكنشسئا مذكورا)
القول الثاني: أي: المدة الزمنية التي مرت على الناس في شخص أبيهم آدم قبل نفخ الروح فيه, قيل: أربعون سنة. ذكره الأشقر
القول الثالث: هي مدة الحمل للإنسان في رحم أمه.
والله أعلم الراجح هو القول الأول الذي قاله ابن كثير والسعدي, لدلالة سياق الآيات عليه, فقد ذَكَرَ اللَّهُ في هذه السورةِ الكريمةِ أولَ حالةِ الإنسانِ, ومُبتَدَأَها, ومتوَسطَها, ومنتهاها.
كما إن الجنين بعد نفخ الروح فيه تتعلق به أحكاما, ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن, ويسمى ويعق عنه, فلا يمكن أن يطلق عليه(لم يكن شيئا مذكورا) مع تعلق هذه الأحكام به.
3. بيّن ما يلي:
أ: متعلق التكذيب في قوله تعالى: {ويل يومئذ للمكذّبين}، وبيّن فائدة حذفه.
حذف متعلق التكذيب لإفادة العموم, فتشمل الآية كل ما كذب به الكافرون:
- فكذبوا بما أقسم الله به في أوائل السورة.
- وكذبوا باليوم الآخر.
- وكذبوا بمَا بَينَ اللَّه لهم من الآياتِ والعِبَرَ والبَيِّنَاتِ
- وكذبوا بالعقوباتِ والْمَثُلاَتِ للأمم السابقة.
- وكذبوا بِكتبِ اللهِ ورسلِه وآياته.
- وكذبوا بقدرة الله على الخلق.
- كذبوا بما أنعم الله عليهم مِن النعم.
- كذبوا بأَوَامِرِ اللهِ سبحانَه ونواهِيهِ.
ب: الدليل على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة.
قوله تعالى:(وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة), والنظر إذا عدي ب(إلى) كان المراد منه نظر الإبصار.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ({إلى ربّها ناظرةٌ} أي: تراه عيانًا، كما رواه البخاريّ، رحمه اللّه، في صحيحه: "إنّكم سترون ربّكم عيانا". وقد ثبتت رؤية المؤمنين للّه عزّ وجلّ في الدّار الآخرة في الأحاديث الصّحاح، من طرقٍ متواترةٍ عند أئمّة الحديث، لا يمكن دفعها ولا منعها؛ لحديث أبي سعيدٍ وأبي هريرة -وما في الصّحيحين-: أنّ ناسًا قالوا: يا رسول اللّه، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال: "هل تضارّون في رؤية الشّمس والقمر ليس دونهما سحاب؟ " قالوا: لا. قال: "فإنّكم ترون ربّكم كذلك".
قال تعالى:(وإذا رايت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا), عد السعدي رحمه الله تعالى, أعظم النعيم الذي سيراه المؤمن هو رؤية الله جل وعلا, قال السعدي: ثم عِلاوةُ ذلكَ ومُعْظَمُهُ الفَوْزُ برُؤْيةِ الربِّ الرحيمِ، وسماعُ خِطابِه...