المجموعة الخامسة:
1. حرّر القول في المسائل التالية:
أ: مرجع الهاء في قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}.
جاء في مرجع الهاء أربعة أقوال متباينة:
القول الأول: إنها ترجع على العبادة التي يتضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة, ونص مجاهد على الصلاة, واختاره ابن جرير, ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.
القول الثاني: ترجع الهاء إلى الصلاة التي معها إجابة النبي صلى الله عليه وسلم, والإيمان به, لأنها تكبر على الكفار وتعظم عليهم مع الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم, ذكره الزجاج وابن عطية وقال: وفي هذا ضعف، لأنه لا دليل له من الآية عليه. وصدق رحمه الله, فسياق الآية لا يدل عليه.
القول الثالث: ترجع الهاء على الاستعانة التي يقتضيها قوله:"واستعينوا", ذكره ابن عطية. وقريب منه ما ذكره ابن كثير من إن مرجع الضمير عائدا على ما يدل عليه الكلام، وهو الوصية بذلك. واستشهد بقوله تعالى:"ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" قال: أي: وما يلقى هذه الوصية إلا الذين صبروا {وما يلقاها} أي: يؤتاها ويلهمها {إلا ذو حظ عظيم}.
القول الرابع: إن الضمير يعود على الكعبة، لأن الأمر بالصلاة إنما هو إليها. ذكره ابن عطية وقال: وهذا أضعف من الذي قبله.
والقول الأول والثالث لاتعارض كبير بينهما, لكن الأرجح والله أعلم, إن الضمير يرجع على الصلاة, لدلالة قوله "الخاشعين" عليها, وهو من سنن الصلاة, على خلاف بين العلماء.
ب: متعلق الكفر في قوله تعالى: {وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به}.
ترتب الخلاف على خلاف المفسرين في عود الضمير في (به), فاختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:
الأول: من قال بأنه يعود على القرآن، الذي تضمنه قوله تعالى: {بما أنزلت}. يكون متعلق الكفر هو : القرآن. ذكره الزجاج, وابن عطية, وهو قول ابن جرير. ذكره ابن كثير.
الثاني: من قال بأنه يعود على التوراة, حيث تضمنها قوله تعالى: {لما معكم}, فيكون متعلق الكفر: التوراة. وهو قول الزجاج, حيث جعل متعلق الكفر التوراة والقرآن, وقال: "إنهم إذا كتموا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في كتابهم، فقد كفروا به، كما إنه من كتم آية من القرآن فقد كفر به". وذكره ابن عطية.
الثالث: على النبي عليه الصلاة والسلام. وهو قول أبي العالية, والحسن, والسدي, والربيع بن أنس. ذكره ابن عطية وابن كثير.
ورجح ابن كثير القول الأول والثالث, وقال:" وكلا القولين صحيح؛ لأنهما متلازمان، لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، ومن كفر بمحمد صلى اللّه عليه وسلم فقد كفر بالقرآن".
2. بيّن ما يلي:
أ: هل يتوقف مرتكب المعصية عن النهي عن المنكر عملا بقوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم}؟
الآية جاءت في سياق ذم من ترك العمل بالبر الذي يأمر به تنبيهها على خطئهم في حق أنفسهم, وليست الآية في ذم من يأمر بالبر حتى ولو كان تاركا للعمل به.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب, وفعل المعروف وترك المنكر أيضا واجب, ولا يسقط أحدهما بترك الآخر, لكن يجب على على الآمر أن لا يتخلف عمله عن قوله, كما قال شعيب عليه السلام:"وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت", ويجب عليه وهذه حاله أن يأمر نفسه ويأمر غيره.
أما من قال بأن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، فهذا ضعيف، والأضعف استشهادهم بهذه الآية؛ فلا حجة لهم فيها.
قال سعيد بن جبير: «لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر».
ومن كانت هذه حاله, فهي حال مذمومة, لعلمه بالحق ومخالفته إياه على بصيرة، فليس الذي يعلم كالذي لا يعلم, ولقد جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك، كما جاء في الحديث المتفق عليه, قوله عليه الصلاة والسلام:«يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق به أقتابه، فيدور بها في النّار كما يدور الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار، فيقولون: يا فلان ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه».
ب: أحد دلائل النبوة مما درست.
قال تعالى:" وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون".
وقد كان عليه الصلاة والسلام, أميا لا يقرأ ولا يكتب, ولم يكن عنده اطلاع على ما في كتب أهل الكتاب من قصص, ولا كانوا هم ينقلون هذه القصص له, فلم تكن من علم العرب, ففي ذكر قصة موسى وغيرها من القصص التي جاءت في القرآن, دلالة على نبوة عليه الصلاة والسلام، فأخبرهم عليه الصلاة والسلام, بما في كتبهم, وقد علموا أنه من العرب الذين لم يقرأوا كتبهم، فعلموا أنه لم يعلمها إلا من جهة الوحي.
1. (عامّ لجميع الطلاب)
استخرج الفوائد السلوكية والدعوية من قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل مما درست.
- على الداعي إلى الله أن يبدأ مع الناس بتعريفهم إلى خالقهم سبحانه وتعالى, وبيان كمال صفاته وجميل إنعامه عليهم.
- على الداعي أن يذكر المعرض أو العاصي, أو حتى من وقعت به مصيبة, بأيام الله, ولطفه ونعمه عليهم, حتى يقع الحياء في قلب العاصي, ويعظم الرجاء في قلب المبتلى.
- على الداعي أن يذكر الناس دائما بالتوبة إلى الله, فطبيعة الإنسان الغفلة, وقد يظن بأن لا سبب يدفعه للتوبة مع إتيانه بالفرائض, ويجهل بأن التوبة وظيفة العمر.
- على الداعي أن لا يداهن الناس في دين الله, بل يبين لهم الحق ولو لم يكن على هواهم, ولو خالف ما اعتادوا عليه, ولو خالف موروثات آبائهم.
- على الداعي أن يتدرج مع الناس في تعليمهم, ويسلم مسلك العالم الرباني, فيبدأ بصغار العلم قبل كباره.
- على الداعي أن لا ييأس من الدعوة ولو لم يجبه الناس إلى ما يدعو إليه, فلا ينتظر الثمرة, بل يجعل جلّ همه بيان الحق وتعليم الناس ما أمر به ربهم.
- حكاية القصص القرآني للناس بدلا من قص ما لا ينفع من القصص عليهم, ففيها أبلغ عظة, وفيها بيان كمال قدرة الله, ومصير المؤمن ومصير الكافر, وهي أحسن القصص.
- على الداعي أن لا يبتدع في طرق دعوته, فيجعل همه جذب الناس إليه, وتشويقهم بكلامه, فيحمله هذا على اقتحام الغيبيات والخوض فيها بلا دليل ولا أثارة من علم.
- على الداعي أن يدعم أقواله دائما بالأدلة من الكتاب والسنة, حتى يعلق قلوب الناس بالوحي.
- كمال قدرة الله سبحانه وتعالى, فهو لا يعجزه شيء سبحانه, فإن تأخر النصر: على المسلم أن يتهم نفسه وتقصير, فإنما يتخلف النصر بتخلف المسلمين عن لزوم الدين والطاعة.
- الطمع الدائم في عفو الله سبحانه وتعالى, فلا يقنط القلب من طلب التوبة وإن تكرر الذنب.
- الخوف الدائم من مكر الله, فلا يأمن مكر الله إلا الجاهل, فإنما التوبة تكون بالكف عن الذنب والندم, والعزم على عدم العود, أما التوبة باللسان مع انشغال القلب بالمعصية, فهذا اغترار بحلم الله وإمهاله.
- على المرء أن لا يغتر بنفسه ولا بعمله, فالعبرة بحسن الخاتمة, وهذا من شأنه أن يدفع العبد إلى دوام الاستعانة بربه سبحانه, وسؤاله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين.