1. (عامّ لجميع الطلاب)
اكتب رسالة تفسيرية مختصرة تبيّن فيها فضل الدعاء وآدابه من خلال تفسير قول الله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم, مجيب دعوة المضطرين, وقاضي حاجات المستضعفين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, وبعد:
فإن من أرجى الآيات في كتاب الله وأكثرها توددا من الرب لعبده هو قوله تعالى :(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان), فالآية كنز من الرحمات الربانية للعبد الضعيف, وكم من قصص ومواقف وأحداث تتجلى فيها هذه الآية تجليا عجيبا, لا يزيد المؤمن فيها إلا تعلقا بربه, ولعلنا ندلف إلى معرفة أسرار هذه الآية وتفكيك معانيها وتفسير مفرداتها, لننهل من معين رحمة المولى عبر فهمها, فبالله نستعين وعليه التكلان.
قوله تعالى :(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب):
سبب النزول:
-قال الحسن بن أبي الحسن: سببها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت. ذكره ابن عطية وابن كثير, وذكر هذا الحديث عن ابن أبي حاتم أنه قال: عن معاوية بن حيدة القشيريّ، أن أعرابيًّا قال: يا رسول اللّه، أقريبٌ ربّنا فنناجيه أم بعيدٌ فنناديه؟ فسكت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان}.
-وقال عطاء: لما نزلت وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم [غافر: 60] قال قوم في أي ساعة ندعو؟ فنزلت وإذا سألك عبادي عنّي. ذكره ابن عطية.
-وقال مجاهد: بل قالوا إلى أين ندعو فنزلت هذه الآية. ذكره ابن عطية وابن كثير, وروى عن عطاءٍ: أنّه بلغه لمّا نزلت: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم} [غافرٍ: 60] قال النّاس: لو نعلم أيّ ساعةٍ ندعو؟ فنزلت: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان}.
-وقال قتادة بل قالوا: كيف ندعو؟ فنزلت وإذا سألك عبادي. ذكره ابن عطية.
-وعن الحسن، قال: سأل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم]: أين ربّنا؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} الآية.ذكره ابن كثير.
المخاطب في قوله :(وإذا سألك):
محمد عليه الصلاة والسلام. على الإجماع, وذلك للآثار الواردة في سبب النزول التي تبين استفسار المستفسرين من النبي عليه الصلاة والسلام.
مرجع الضمير في قوله :(عبادي عني فإني):
إلى الرب سبحانه. على الإجماع, وذلك للآثار الواردة في سبب النزول التي تبين استفسار المستفسرين عن المولى عز وجل.
المراد بالقرب في الآية:
قريب بالإجابة والقدرة. ذكره ابن عطية.
وقال الزجاج: المعنى: أنه إذا قال قائل: اين اللّه؟، فالله عزّ وجلّ قريب، لا يخلو منه مكان.
قوله تعالى: (أجيب دعوة الداع إذا دعان):
سبب نزول الآية:
روي أن المشركين قالوا لما نزل فإنّي قريبٌ: كيف يكون قريبا وبيننا وبينه على قولك سبع سماوات في غلظ سمك كل واحدة خمسمائة عام وفيما بين كل سماء مثل ذلك؟ فنزلت: أجيب دعوة الدّاع إذا دعان, أي: فإني قريب بالإجابة والقدرة. ذكره ابن عطية.
معنى الآية:
-ذكر الزجاج في معنى الدعاء للّه عزّ وجلّ أنه على ثلاثة أضرب:-
فضرب منها: توحيده ، والثناء عليه كقولك : يا الله لا إله إلا أنت ،وقولك: ربّنا لك الحمد، فقد دعوته: بقولك ربنا، ثم أتيت بالثناء والتوحيد، ومثله: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين},أي : يستكبرون عن توحيدي ، والثناء عليّ، فهذا ضرب من الدعاء.
وضرب ثان: هو مسألة الله العفو والرحمة، وما يقرب منه ، كقولك : اللهم اغفر لنا.
وضرب ثالث : هو مسألته من الدنياو كقولك:اللهم ارزقني مالا وولدا وما أشبه ذلك.
-وقال قوم: المعنى أجيب إن شئت. ذكره الزجاج وابن عطية.
-وقال قوم: إن الله تعالى يجيب كل الدعاء: فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفر عنه، وإما أن يدخر له أجر في الآخرة، وهذا بحسب حديث الموطأ: «ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث». ذكره ابن عطية.
سبب تسميته بالدعاء:
لأن الإنسان يصدر في هذه الأشياء بقوله: يا اللّه، ويا رب، ويا حي، فكذلك سمي :دعاء.ذكره الزجاج
قوله تعالى :(فليستجيبوا لي):
المخاطب في قوله :(فليستجيبوا لي):
العباد. بإجماع المفسرين.
معنى الآية:
-قال أبو رجاء الخراساني: «معناه فليدعوا لي». ذكره ابن عطية.
-وقال ابن عطية: المعنى فليطلبوا أن أجيبهم، وهذا هو باب استفعل، أي طلب الشيء.
-وذكر الزجاج أن المعنى: فليجيبوا لي, وخصص مجاهد وغيره ذلك: فيما دعاهم الله إليه من الإيمان، أي بالطاعة والعمل, كما ذكره ابن عطية.
قوله تعالى :(وليؤمنوا بي):
المخاطب في قوله :(وليؤمنوا بي):
العباد. بإجماع المفسرين.
متعلق الإيمان في قوله :(وليؤمنوا بي):
-قال أبو رجاء: في أني أجيب دعاءهم. ذكره ابن عطية.
-وقال غيره: بل ذلك دعاء إلى الإيمان بجملته. ذكره ابن عطية.
قوله تعالى :(لعلهم يرشدون):
القراءات الواردة في الآية:
قرأ الجمهور يرشدون بفتح الياء وضم الشين. وقرأ قوم بضم الياء وفتح الشين. وروي عن ابن أبي عبلة وأبي حيوة فتح الياء وكسر الشين باختلاف عنهما قرآ هذه القراءة والتي قبلها. ذكره ابن عطية.
باب: في فضل الدعاء:
واعلم أن للدعاء فضائل لا تعد كما وكيفا, ونحن هنا لسنا بصدد مباحثتها وحصرها, ولكننا نذكر بعضها على عجل, فمن فضائله:
-لاحظ يا رعاك الله كيف أجاب الله سؤال عباده مباشرة دون إحالة الرد لنبيه, فقال :(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) ولم يقل: (فقل لهم إني قريب) وفي هذه لطائف للمستبصر, وتجليات لرحمة الرب لعبده المسكين الضعيف, وتودد له وإعلام بمدى قربه سبحانه قربا يلازمه النصر والتأييد والعون, وفي هذه الآية تبيان لمدى فضل الدعاء وخصوصيته.
-نيل معية الله, ففي الحديث الذي ذكره ابن كثير فيما رواه الإمام أحمد عن أنسٍ رضي اللّه عنه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يقول اللّه تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني".
-أن الدعاء لا يرد, فالكريم يستحيي أن يرد يدا عبده صفرا خائبتين, كما ورد ذلك فيما ذكره ابن كثير فيما رواه الإمام أحمد عن سلمان -يعني الفارسيّ -رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إنّ اللّه تعالى ليستحيي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرًا فيردّهما خائبتين", ولكن قد تختلف أشكال الاستجابة كما ورد ذلك فيما ذكره ابن كثير عما رواه أحمد عن أبي سعيد في الحديث النبوي :"إمّا أن يعجّل له دعوته، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السّوء مثلها".
-أن الدعاء بحد ذاته عبادة, فانظر كيف أن طلب غير الله ذل , وطلب الله أجر ومثوبة مع حصول مطلوب, بل إن الله يحب من عبده أن يتوسل إليه, وكلما أكثر كان الله له أكثر, كما ورد ذلك فيما نقله ابن كثير عن الإمام أحمد أنه روى عن أبي سعيد أنه لما أخبرهم رسول الله عن استجابة الله للدعاء, قال له الناس: إذًا نكثر. قال: "اللّه أكثر ".
-أنه سبحانه لم يشترط لاستجابة الدعاء شروطا تعجيزية, بل إنه سبحانه يستجيب حتى للكافر إن كان مظلوما, وهذا من فضل الدعاء وأهميته, فقد ذكر ابن كثير فيما نقله عن الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " ثلاثةٌ لا تردّ دعوتهم: الإمام العادل، والصّائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها اللّه دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السّماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".
باب: في آداب الدعاء وشروطه:
للدعاء شروط وآداب ينبغي مراعاتها حتى يكون المرء أقرب للإجابة, وهي:
-عدم الاعتداء في الدعاء, فإن الاعتداء في الدعاء ممنوع، قال الله تعالى: ادعوا ربّكم تضرّعاً وخفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين [الأعراف: 55] قال المفسرون: أي في الدعاء, كما ذكر ذلك ابن عطية.
والاعتداء يكون بأشكال منها: الدعاء بقطيعة رحم أو إثم ونحوه, ففيما نقله ابن كثير عن الإمام أحمد عن أبي سعيدٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من مسلمٍ يدعو اللّه عزّ وجلّ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحمٍ، إلّا أعطاه اللّه بها إحدى ثلاث خصالٍ..إلخ"
-عدم رفع الصوت بالدعاء, فقد ذكر ابن كثير فيما رواه الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعريّ، أنه قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفًا، ولا نعلو شرفًا، ولا نهبط واديًا إلّا رفعنا أصواتنا بالتّكبير. قال: فدنا منّا فقال: "يا أيّها النّاس، أربعوا على أنفسكم؛ فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنّما تدعون سميعًا بصيرًا، إنّ الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته.
-الدعاء مع حسن الظن بالله وباستجابته, فقد ذكر ابن كثير فيما رواه الإمام أحمد عن أنسٍ رضي اللّه عنه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يقول اللّه تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني".
-الثقة بإجابة الدعوة, والوعي بأن استجابتها متحقق, ولكن شكل الاستجابة ليس بواحد , وقد تعجل في الدنيا أو تحفظ للداعي في الآخرة, ففيما نقله ابن كثير عن الإمام أحمد عن أبي سعيدٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من مسلمٍ يدعو اللّه عزّ وجلّ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحمٍ، إلّا أعطاه اللّه بها إحدى ثلاث خصالٍ: إمّا أن يعجّل له دعوته، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السّوء مثلها".
-عدم استعجال الإجابة, فقد ذكر ابن كثير فيما رواه الإمام مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي". أخرجاه في الصحيحين وهذا لفظ البخاري.
باب: أوقات وأحوال يرجى فيها الإجابة أكثر من غيرها:
-عند الصوم: ففي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدّعاء، متخلّلةً بين أحكام الصّيام، إرشادٌ إلى الاجتهاد في الدّعاء عند إكمال العدّة، بل وعند كلّ فطرٍ، كما ذكر ذلك ابن كثير, وعقبه بما رواه الإمام أبو داود الطّيالسيّ في مسنده: عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "للصّائم عند إفطاره دعوةٌ مستجابةٌ". فكان عبد اللّه بن عمرٍو إذ أفطر دعا أهله، وولده ودعا.
-دعوة المظلوم: فقد ذكر ابن كثير فيما نقله عن الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " ثلاثةٌ لا تردّ دعوتهم: الإمام العادل، والصّائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها اللّه دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السّماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".
-دعوة الإمام العادل: فقد ذكر ابن كثير فيما نقله عن الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " ثلاثةٌ لا تردّ دعوتهم-وذكر منهم-: الإمام العادل.
ختاما: إن هذه الآية مما كثر الحديث عنها وفيها وفي تفسيرها, ومع ذلك لا زلنا إلى اليوم نستخرج منها لطائف وعبر, ومظان رحمة وعطف من المولى على عباده, وإن من الخسران أن يعي مسلم رحمة ربه ثم يصيبه القنوط أو اليأس, وما يقنط من رحمة ربه إلا الضالون!
فاللهم ارزقنا حسن الظن بك, وحلاوة التقرب إليك ومناجاتك, والتوفيق إلى حسن دعائك, فإن عمر كان يقول: أنا لا أحمل هم الإجابة لكني أحمل هم الدعاء. وهذا من فقهه رحمه الله ورضي عنه, فإن الإجابة متحققة لأن المتكفل بها الحق, ولكن المرء إنما يخشى سوء مناجاته لربه, وألا يوفق للتذلل بين يديه كما ينبغي, فاللهم نسألك حسن القول والعمل, والحمدلله رب العالمين.
2. أجب على إحدى المجموعات التالية:
المجموعة الأولى:
1:حرّر القول في المسائل التالية:
أ: معنى قوله تعالى: {فمن بدّله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدّلونه}.
في المراد بالآية أقوال, ويعود اختلافها للاختلاف حول عودة الضمير:
الأول: أن من بدل أمر الوصية بعد سماعه إيّاها، فإنما إثمه على مبدله، ليس على الموصى إذا احتاط ، أو اجتهد فيمن يوصى إليه إثم، ولا على الموصى له إثم ، وإنما الإثم على الموصي إن بدل. ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير ورجحوه.
الثاني: أن الضمير يعود الذي في سمعه على أمر الله تعالى في هذه الآية. ذكره ابن عطية ولم يرجحه.
ب: معنى إنزال القرآن في شهر رمضان.
-قال الضحاك: «أنزل في فرضه وتعظيمه والحض عليه». ذكره ابن عطية.
-وحكى الرّازيّ عن سفيان بن عيينة وغيره أنّ المراد بقوله: {الّذي أنزل فيه القرآن} أي: في فضله أو وجوب صومه, وقال عن ذلك: أنه غريب جدا. ذكره ابن كثير.
-وقيل: بدىء بنزوله فيه على النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن عطية.
-وقال فخر الدّين: ويحتمل أنّه كان ينزل في كلّ ليلة قدرٍ ما يحتاج النّاس إلى إنزاله إلى مثله من اللّوح إلى سماء الدّنيا، وتوقّف. ذكره ابن كثير.
-وقيل: إنّما نزل جملةً واحدةً إلى بيت العزّة من السّماء الدّنيا، وكان ذلك في شهر رمضان، في ليلة القدر منه، كما قال تعالى: {إنّا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1]. وقال: {إنّا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ} [الدّخان: 3]، ثمّ نزل بعد مفرّقًا بحسب الوقائع على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. هكذا روي من غير وجهٍ، عن ابن عبّاسٍ, وذكره ابن كثير, وحكى القرطبي الإجماع على ذلك.
وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان والتوراة لست مضين منه والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين».أخرجه أحمد وذكره ابن عطية وابن كثير.
2: بيّن ما يلي:
أ: سبب نزول قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى}.
-قال الشعبي: «إن العرب كان أهل العزة منهم والمنعة إذا قتل منهم عبد قتلوا به حرا، وإذا قتلت امرأة قتلوا بها ذكرا، فنزلت الآية في ذلك ليعلم الله تعالى بالسوية ويذهب أمر الجاهلية». أشار إلى مثل ذلك الزجاج وذكره ابن عطية.
-وحكي أن قوما من العرب تقاتلوا قتال عمية ثم قال بعضهم: نقتل بعبيدنا أحرارا، فنزلت الآية. ذكره ابن عطية وابن كثير.
-وقيل: نزلت بسبب قتال وقع بين قبيلتين من الأنصار. ذكره ابن عطية.
-وقيل: نزلت بسبب قتال وقع بين قبيلتين من غير الأنصار فقتل هؤلاء من هؤلاء رجالا وعبيدا ونساء، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم ويقاصهم بعضهم ببعض بالديات على استواء الأحرار بالأحرار والنساء بالنساء والعبيد بالعبيد. ذكره ابن عطية.
-وقيل: أن بني النّضير قد غزت قريظة في الجاهليّة وقهروهم، فكان إذا قتل النّضريّ القرظيّ لا يقتل به، بل يفادى بمائة وسقٍ من التّمر، وإذا قتل القرظيّ النّضريّ قتل به، وإن فادوه فدوه بمائتي وسقٍ من التّمر ضعف دية القرظيّ، فأمر اللّه بالعدل في القصاص. ذكره ابن كثير.
ب: هل كان الصوم قبل فرض صيام رمضان على الوجوب أو التخيير؟
اختلف المتأولون في المراد بقوله :(أياما معدودات ...إلخ الآية:
-فقال معاذ بن جبل وعلقمة والنخعي والحسن البصري وابن عمر والشعبي وسلمة بن الأكوع وابن شهاب وابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، ومقاتل بن حيّان، وغيرهم من السّلف: كان فرض الصيام هكذا على الناس من أراد صام ومن أراد أطعم مسكينا وأفطر, ثم نسخ. ذكره ابن عطية والزجاج وابن كثير.
وقد روى البخاريّ عن سلمة بن الأكوع أنّه قال: لمّا نزلت: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} كان من أراد أن يفطر يفتدي، حتّى نزلت الآية التي بعدها فنسختها.
وروي أيضًا من حديث عبيد اللّه عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: هي منسوخةٌ.ذكره ابن كثير.
-وقالت فرقة: وعلى الّذين يطيقونه أي على الشيوخ والعجّز، الذين يطيقون، لكن بتكلف شديد فأباح الله لهم الفدية والفطر، وهي محكمة عند قائلي هذا القول. قاله ابن عباس وقال نحوه السدي وذكره ابن عطية وابن كثير.
ج: المراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود من الفجر.
هما فجران: أحدهما يبدو أسود معترضا ، وهو الخيط الأسود، والأبيض يطلع ساطعاً يملأ الأفق، والخيط استعارة وتشبيه لرقة البياض أولا ورقة السواد الحاف به، والمراد فيما قال جميع العلماء بياض النهار وسواد الليل. قال به الزجاج وابن عطية وابن كثير, وهو نص قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في حديثه المشهور, والذي قال فيه: لمّا نزلت هذه الآية: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} عمدت إلى عقالين، أحدهما أسود والآخر أبيض، قال: فجعلتهما تحت وسادتي، قال: فجعلت أنظر إليهما فلا تبيّن لي الأسود من الأبيض، ولا الأبيض من الأسود، فلمّا أصبحت غدوت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته بالّذي صنعت. فقال: "إنّ وسادك إذًا لعريضٌ، إنّما ذلك بياض النّهار وسواد اللّيل". رواه أحمد وذكره ابن كثير.
وهكذا وقع في رواية البخاريّ مفسّرًا بهذا: عن عديّ قال: أخذ عدي عقالا أبيض وعقالا أسود، حتّى كان بعض اللّيل نظر فلم يتبيّنا. فلمّا أصبح قال: يا رسول اللّه، جعلت تحت وسادتي. قال: "إنّ وسادك إذًا لعريضٌ، إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك". ذكره ابن كثير.
وقد رفع اللّبس بقوله: {من الفجر} كما جاء في الحديث الذي رواه البخاريّ: عن سهل بن سعدٍ، قال: أنزلت: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر} وكان رجالٌ إذا أرادوا الصّوم، ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل حتّى يتبيّن له رؤيتهما، فأنزل اللّه بعد: {من الفجر} فعلموا أنّما يعني: اللّيل والنّهار.ذكره ابن عطية وابن كثير.
-وقال بعض المفسرين: الخيط اللون، وهذا لا يطرد لغة كما ذكر ذلك ابن عطية.