المجموعة الثانية:
س1: كيف تُبيّن فضائل القرآن؟
ج1/تتبيّن فضائل القرءان من أوجه كثيرة منها:
- أنه كلام الله جل وعلا ، وكلام الله صفة من صفاته، وصفات الله تعالى لها آثارها التي لا تتخلّف عنها؛ فهو العليم الذي وسع علمه كلّ شيء؛ والقدير الذي لا يعجزه شيء وإلى ذلك من الأسماء الحسنى والصفات العلى ،فكلام الله تعالى كلام عن علم تامّ وقدرة لا يعجزها شيء، وإحاطة بكلّ شيء، وحكمة بالغة، ورحمة سابغة، وحقّ لا يعتريه باطل، وبيان لا اختلاف فيه، إلى غير ذلك من صفاته جلّ وعلا التي لها آثارها ومقتضياتها، كما قال الله تعالى : {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
- أن الله تعالى وصف القرآن العظيم بصفات جليلة ذات معانٍ عظيمة وآثار مباركة لا تتخلّف عنها؛ تتضمّن مع إفادة الوصف وبيان الفضل وعوداً كريمة، وشروطاً من قام بتحقيقها ظفر بموعوده بها،وكان وصفه بهذه الصفات من أعظم دلائل فضله.
- أن الله تعالى يحبّه، ، وما جعل له من شأنٍ عظيمٍ في الدنيا والآخرة هو من دلائل محبّة الله تعالى له.
- أنّ الله تعالى أخبر عنه بأخبار كثيرة تبيّن فضله وشرفه في الدنيا والآخرة، وبيّن من مقاصده وآثاره ما يدلّ دلالة بيّنة على فضله.
- أنَّ الله تعالى أقسم به في مواضع كثيرة من كتابه، كما قال تعالى : {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} وقال :{وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد } وفي الإقسام به دلالة بينة على تشريفه وتكريمه ورفعة مقامه.
- أنّ الله جعل الإيمان به من أصول الإيمان التي لا يصح إلا بها، وأوجب تلاوة آياته في كلّ ركعة من الصلوات، حتى جعل للمصحف الذي يُكتب فيه أحكاماً كثيرة، وحرمة عظيمة في الشريعة.
- أن الله تعالى رغّب في تلاوته ورتّب عليها أجوراً عظيمة مضاعفة أضعافاً كثيرة، وكثرة ثواب تلاوته وتنوّعها من دلائل فضله.
- أنّ الله تعالى رفع شأن أهل القرآن؛ حتى جعلهم أهله وخاصّته، وجعل خير هذه الأمّة من تعلّم القرآن وعلّمه، وقدّمهم على غيرهم في الإمامة في الصلاة.... إلى غير ذلك، فكان تكريمهم وتشريفهم ورفعتهم بالقرآن من الدلائل البيّنة على فضل القرآن.
س2: اشرح معاني أسماء القرآن بإيجاز.
ج 2/ أسماء القرآن أربعة:
القرآن والفرقان والكتاب والذكر.
أولا : معنى ( القرءان) :
اختلف العلماء في اشتقاق لفظ "القرآن" على قولين:
القول الأول: أنه علم جامد غير مشتق، وهو قول الشافعي وجماعة من العلماء، وكان الشافعي ينطق اسم القرآن بغير همز "القُران" وهي قراءة ابن كثير المكّي.
والقول الثاني:أنه مشتق، واختلف في أصل اشتقاقه على ثلاثة أقوال:
- القول الاول: أنه مشتق من القراءة التي هي بمعنى التلاوة، وعلى هذا القول يكون القرآن بمعنى المقروء، تسميةً للمفعول بمصدره.؛ تقول: قرأت قراءة وقرآنا، والدليل: قول الله تعالى: {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه}.
وقول حسان بن ثابت في رثاء عثمان بن عفان:
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به .. يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة، وهذا القول قال به ابن جرير الطبري، وأسند معناه إلى ابن عباس، ورجّحه ابن عطية.
- القول الثاني:أنه مشتقّ من الجمْعِ، وهو مروي عن قتادة، وقال به أبو عبيدة والزجاج وجماعة من العلماء، واحتجوا بقول عمرو بن كلثوم:
ذراعي عيطل أدماء بكر .. هجان اللون لم تقرأ جنينا
قالوا: أي: لم تضمّ في رحمها ولداً.
قال أبو عبيدة:( (وإنما سمّى قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها)).
- القول الثالث:أنه مشتق من الإظهار والبيان، وأن القراءة إنما سمّيت قراءة لما فيها من إظهار الحروف، وبيان ما في الكتاب، وقد قال بهذا القول قطرب، وقال قطرب فيما ذكره عنه أبو منصور الأزهري في الزاهر : (إنما سُمي القرآن قرآناً، لأن القارئ يُظهره ويبيّنه، ويلقيه من فيه) ، وعليه فسّر قول عمرو بن كلثوم : (لم تقرأ جنينا )بالولادة؛ أي لم تُلْقِ من رحمها ولداً، وأرجع المعنى إلى أصل الإظهار والبيان.
** وأرجح الأقوال : أنه مشتق من القراءة، وأنه سمّي قرآنا لأنّ كتابٌ اتُّخذ للقراءة الكثيرة؛ التي لا يبلغها كتاب غيره، ويدلّ على ذلك بناء الاسم على صيغة "فُعْلان" التي تدلّ على بلوغ الغاية،
والدليلّ قول الله تعالى : {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) }
وقال تعالى :{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}..
- والقُرآن والقُرَان بمعنى واحد، وإنما هما لغتان إحداهما بالهمز، والأخرى بالنقل والتسهيل.
2- معنى ( الكتاب):
الكتاب "فِعال" بمعنى "مفعول" أي "مكتوب"؛ واشتقاقه من الجمع والضم على قول كثير من العلماء.
- الدليل قوله تعالى في عدة مواضع: {ذلك الكتاب لا ريب فيه } ، وقال تعالى : {الله لا إله إلا هو الحي القيوم . نزّل عليك الكتاب بالحق }، وقال : {حم والكتاب المبين}.....واللام في هذه المواضع للعهد الذهني الذي يجعل القرآن أولى مما سواه عند الإطلاق .
قال بعضهم: إن الكتاب سمّي كتاباً لجمعه الأحرف وضمّها؛ كما سمّيت الكتيبة كتيبة لضمّها الجنود المقاتلين
- سبب تسميته بالكتاب : لأنه مكتوب أي مجموع في صحف ؛ وللدلالة على جمعه ما يُحتاج فيه إلى بيان الهدى في جميع شؤون العباد ، وما تقوم به مصالح دينهم ودنياهم.
3- معنى " الفرقان" :
مصدر مفخّم للدلالة على بلوغ الغاية في التفريق وبيان الفَرْق، وأوجه التفريق القرآني كثيرة متنوّعة.
قال ابن جرير الطبري : ( وأصل "الفرقان" عندنا: الفرق بين الشيئين والفصل بينهما ).
سبب تسميته بالفرقان: لأنّه فرقان بين الحقّ والباطل؛ وبين سبيل المؤمنين وسبل الفاسقين من الكفار والمنافقين.
وفرقان القرآن عامّ في الدنيا والآخرة:
- فهو في الدنيا : فرقان بين الحق والباطل؛ يعرّف بالحقّ ويبيّن أدلته، ويعرّف بالباطل ويبيّن سبله ويبيّن بطلانه، ويعرّف بصفات أهل كل فريق وعلاماتهم وجزاءهم في الدنيا والآخرة.
- وهو فرقان للمؤمن المتّقي يكشف له ما يلتبس عليه في أمور دينه ودنياه،
- وهو في الآخرة: فرقان مبين يفرّق بين أتباعه ومخالفيه؛ فيشفع لمن آمن به واتّبع هداه ويحاجّ عنه ويظلّه في الموقف العظيم، ويمحل بمن كفر به وخالف هداه واشترى به ثمناً قليلاً.
4- معنى " الذكر " ، " ذي الذكر":
ورود الاسم في مواضع من القرءان مثل :
- قول الله تعالى : {وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
- وقوله : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
- ونسبه إليه نسبة تشريف وتعظيم فقال : {بل هم في شكّ من ذكري}.
- وسمّاه بذي الذكر في قوله تعالى : {ص . والقرآن ذي الذكر}.
معاني "الذكر" : له معنيان:
الأول : بمعنى التذكير ، وسُمي القرءان على هذا المعنى لكثرة تذكيره وحسنه ؛ فهو يذكر العبد بربه وكيف يفوز برضوانه وثوابه العظيم وبما يجب عليه ليتجنب سخطه وعقابه ، ويذكّره بما ينفعه في دينه دنياه وآخرته.
كما قال الله تعالى : {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم} ؛ فهو ذِكْرٌ حكيمٌ مَن اتّبعه هداه إلى الصراط المستقيم؛ كما قال الله تعالى : {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) }
وقال تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) } فهذا جزاء من أعرض عنه.
الثاني: الذكر بمعنى المذكور أي الذي له الذكر الحسن، والشرف الرفيع، والمكانة العالية.
كما قال الله تعالى :{وإنّه لذكر لك ولقومك} ،
وقال تعالى :{والقرآن ذي الذكر}.
قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما: ذي الشَّرَف.
ومن آثار هذا المعنى أن القرآن يرفع أصحابه ويجعل لهم ذكراً؛ فإنّ شرفهم ورفعتهم من آثار شرفه هو ورفعته.
س3: اذكر أدلّة الصفات التالية للقرآن مع بيان معانيها بإيجاز.
أ– حكيم: له ثلاث معان:
1- أنه مُحكم لا اختلاف فيه ولا تناقض
الدليل: قوله تعالى : {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}
وقال : {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
2- أنه حكيم بمعنى حاكم على الناس في جميع شؤونهم شاؤوا أم أبوا،
- وحاكم على ما قبله من الكتب ومهيمن عليها وناسخ لها وشاهد بصدق ما أنزل الله فيها
والدليل: كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}.
- وهو حاكم فيما اختلف فيه أهل الكتاب قبلنا ،
والدليل:كما قال تعالى : {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، وقال : {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}.
3- أنه ذو الحكمة البالغة، فقد جمع الله فيه من جوامع الكلم المبينة لأصول الدين وفروضه وآدابه ومحاسن الأخلاق والمواعظ والحقوق والواجبات والأمثال والقصص الحكيمة ما لا يوجد في كتاب غيره.
والدليل: كما قال تعالى : {ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}، وفي تفسير قول الله تعالى : {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}
وقال ابن عباس :(يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال قتادة : (الحكمة: الفقه في القرآن ).رواه ابن جرير.
ب – مجيد:
- ورد في قوله تعالى : {بل هو قرءان مجيد}
- له معنيان:
الأول :أنه المُمَجَّد أي الذي له صفات المجد والعظمة والجلال التي لا يدانيها أي كلام ، فكل صفة عظيمة يوصف بها القرآن هي من دلائل مجده.، المتنزه عما يقوله الجاهلون مما لا يليق به كدعوى بعض الكفار أنه سحر أو شعر أو من كلام البشر.
- والمعنى الآخر:أنه الممجِّد لمن آمن به وعمل بهديه؛ فيكون لأصحاب القرآن من المجد والعظمة والعزة والرفعة في الدنيا والآخرة ما لا ينالونه بغيره أبداً
والدليل: كما في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))
- قال الشافعي رحمه الله : ( من قرأ القرءان عظمت قيمته).
ج – بصائر:
والبصائر جمع بصيرة، وهي معرفة حقيقة الأمر وعاقبته، ويتفرّع على هذه المعرفة تبيّن الصواب والخطأ فيما يقع في ذلك الأمر.
- واختلف العلماء في معنى البصيرة؛ فمنهم من فسّرها بالاعتبار وهداية التوفيق، ومنهم من فسّرها بهداية الدلالة والإرشاد.
**والصواب أنّ البصيرة جامعة للمعنين فأصلها من هداية الدلالة والإرشاد فمن آمن بها وتبصّر بها ازداد هداية وتوفيقا لمزيد من التبصّر النافع حتى يورثه اليقين والإمامة في الدين.
_ ورد وصف القرآن بالبصائر في قوله تعالى:{هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}، وقال تعالى: { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، وقال تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}
- سبب وصفه بالبصائر:
وسمّي القرآن بصائر لأنّه :
- يبصّر بالحقائق في كل ما يُحتاج إليه؛ فيبصّر بالحقّ ويبيّنه، ويبصّر بقبح الباطل وشؤمه، وعاقبة أهله كل فريق وطرق نجاتهم .
- ويبصّر المؤمن بكيد عدوّه المتربّص به، من الكفار والمنافقين، وطرقهم في المكر والكيد والتضليل، ويبيّن لهم سبيل السلامة من شرّهم، وما يتحقّق لهم به النصر والتمكين إن تمسّكوا به.
- ويبصّر المؤمن بحقيقة هذه الدنيا ومقاصد إيجادنا فيها،.
- ويبصّر بأحكام الدين وشرائعه، وما تصلح به شؤون العباد في دينهم ودنياهم.
- ويبصّر السالك بما يتقرّب به إلى ربّه جلّ وعلا، وكيف ينال محبّته ورضوانه، وكيف يبلغ - في كلّ شأن من شؤونه - مرتبة الإحسان التي هي أعلى المراتب، وجزاؤها أحسن الجزاء.
د- بشرى:
- ورد وصفه بالبشرى في مواضع كثيرة منها:
قول الله تعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}
وقوله تعالى: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)}.
وقوله تعالى: { طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}.
وقوله تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)}
- وهنا تنبيه على أمرين مهمين:
- وصفه بأنّه بشرى مع التنبيه على أن التبشير من مقاصد إنزاله؛ دليل على عظيم أثر بشاراته، وعظيم حاجة النفس البشرية للتبشير بما تنال به سعادتها وفلاحها.
-وتنويع وصف المبشّرين به دليل على تفاضل بشاراته؛ فهو بشرى للمسلمين، وبشرى للمؤمنين، وبشرى للمحسنين؛ وبين تلك المراتب في التفاضل العظيم في البشارات ما لا يعلمه إلا الله { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}
* وكلما قويّ أثر التبشير على القلب ازداد إقبالا على ما بُشر به وخوفا من فواته ورجاء فيه ، فيجتمع لقلب المؤمن بتلك البشارات من المحبة والخوف والرجاء ما يكون به صلاح عبوديته لله تعالى، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله.
س4: تحدّث عن بركة القرآن بإيجاز
ج 4/ أولًا : الآيات التي ورد فيها وصف القرءان بالبركة:
- قال الله تعالى :{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ .. (92) }
- وقال تعالى : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)}
- وقال تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}
- وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَاودع فيه البركة لِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}
ثانيًا: دلالة وصفه بالبركة أن الله تعالى هو الذي باركه أي اوع فيه البركة فمعنى " مبارك" ما يأتي من قِبله الخير الكثير، ومعنى " البركة" : أنها خير كثير أصله ثابت ، وآثاره تتسع تنمو بطرق ظاهرة أو خفية .
ثالثًا: أنواع بركات القرآن : كثيرة ومتنوعه في الدنيا وفي الآخرة:
· ومن بركاته في الدنيا:
1- بيان الهدى والتبصير بالحقائق في كل ما يُحتاج إليه، فكل بصيرة يُتبصر بها العبد بالقرآن فهي من آثار بركة القرآن، كما قال تعالى : {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}
وقال تعالى:{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.
2- أن القرءان حياة للمؤمن ورفعة له ، فوصفه الله بالروح لما يحصُل به من الحياة الحقيقية التي هي حياة القلب ، كما قال الله تعالى : {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}.
3- ومن بركاته على النفس المؤمنة أنه يُذهب الهم والحزن ويُنير البصيرة ويُصلح السريرة ويحصُل به اليقين ويزداد الإيمان....فيطمئن القلب وتزكو النفس.
4- ما جعل الله فيه من الشفاء الحسَّي والمعنوي: فآياته رُقية ناجعة وشفاء للمؤمنين فكم شُفي به من سقيم وكم تعافت به من نفس وكم أُبطل به من سحر وعين ووسواس.
5- أن قارئه يُثاب عليه أنواعا من الثواب منها أنه:
· يُثاب على الإيمان به
· يُثاب على تلاوته والنظر إلى المصحف
· والاستماع إليه وحفظه.
· تدبره والتفقه فيه.
· تعظيمه.
· واتباع هداه.
6- كثرة وجوه الخير فيه ؛ فهو علم لطالب العلم وحكمة لكالب الحكمة وهداية للحيران وتثبيت للمبتلى وشفاء للمريض ودليل لمن يدعو إلى الله تعالى فهو لكل صاحب حاجة مشروعةكِفاية.
7- بركة الفاظه وأساليبه ؛ فألفاظه ميسرة للذكر،
معجزة في النظم،
لها حلاوة في السمع،
وبهجة في النفس،
وتأثير في القلب، يدلّ اللفظ الوجيز منه على معانٍ كثيرة مباركة.
8- بركة معانيه واتساعها حتى أدهشت العلماء وأبهرتهم ؛ فصنف العلماء الكبار في بيان معاني بعض آياته رسائل كثيرة مفردة؛ فصنف الحافظ ابن رجب رسالة طويلة في تفسير قول الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} بيّن فيها من بديع المعاني ما يتعجب منه القارئ، وصنف الحافظ السيوطي رسالة في تفسير قول الله تعالى :{الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} ...الآية، واستخرج منها نحو مائة وعشرين وجها بلاغياً، وسمى رسالته "فتح الرب الجليل للعبد الذليل".، وإلى غير ذلك من المصنفات التي تدل على كثرة معاني القرءان وبركتها واتساعها.
9- من بركاته أنه لا تنقضي عجائبه ولا يُحاط بمعرفة معانيه.
10- من بركاته أن من يقرؤه وهو مؤمن يرفع شأنه ويُعلي ذكره ويوجب له الإجلال والتقديم والتكريم ، كما - روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواما ويضع به آخرين).
11- من بركاته عموم فضله على الأمة والفرد فمن اتبع هداه أعزه الله ونصره والأمة التي تُقيم أوامره لايضرها من خذلها.
12- من بركاته أنه مبارك حيثما كان ؛ في قلب المؤمن وفي المجلس الذي يُقرأ فيه وفي البيت الذي يُتلى فيه وعلى الوق الذي يُكتب فيه .
** ومن بركاته على صاحبه يوم القيامة :
- أنه أنيسه في قبره.
- ظلٌّه في الموقف العظيم.
- قائده في عرصات القيامة.
- حجيجه وشفيعه حتى يقوده إلى الجنة مكرما.
س5: ما هي مراتب تلاوة القرآن؟
ج5/ مراتب تلاوة القرآن:
ثواب تلاوة القرآن يتفاضل بتفاضل القراء في معنيي التلاوة؛ وهما القراءة والاتباع؛
- فمن بلغ فيهما مرتبة الإحسان فهو بأفضل المنازل.كما قال تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) } ، وكما في حديث عائشة رضي الله عنها : ((وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فيه، وهو عليه شاقّ، له أجران)). رواه مسلم.
- ومن قصّر فيهما حصل له من النقص بحسب تقصيره وتفريطه.
- وأما من كان يحسن القراءة ويخالف هدى الله تعالى فإنّ قراءته لا تنفعه عند الله، بل هي حجّة عليه.
س6: ما هي قوادح صحبة القرآن؟
ج6/ قوادح صحبة القرءان على أربع درجات:
· الدرجة الأولى:ما يقدح في صحّة الإيمان بالقرآن، وذلك بارتكاب ناقض من نواقض الإيمان بالقرآن؛ ومن تلك النواقض: التكذيب بالقرآن، والاستهزاء ببعض آياته، والاستخفاف بالمصحف وإهانته، والمراءاة الكبرى بقراءته، وهي أن تكون قراءته من غير إيمان به وإنما ليقال: هو قارئ، أو ليصيب به عرضاً من الدنيا .
· أثر ذلك على صاحبه: قد خان الله عزّ وجلّ، وخان صُحبة كتابه، ووقع في الشرك الأكبر المخرج عن الملة، والعياذ بالله.
· الدرجة الثانية: المراءاة الصغرى بقراءته، وهي المراءاة بتحسين التلاوة وإكثارها أحياناً، لما يرى من نظر بعض الناس إليه، أو لأجل أن يُثنى عليه بذلك، أو ليصيب عرضاً من الدنيا، مع بقاء أصل الإيمان بالله في قلبه، واجتنابه نواقض الإسلام؛ وهذا شركٌ أصغر؛ وهو من أعمال النفاق.
· والدرجة الثالثة:هجر العمل به أحياناً؛وله نوعان:
· أمّا الهجر التامّ فيلحق صاحبه بالدرجة الأولى، لأنه إعراض مطلق مخرج عن الملّة.
· وأما هجر العمل ببعض واجباته بما لا يخرج صاحبه من الملّة؛ فهو مما يقع من بعض المسلمين؛ فيقع منهم ارتكاب لبعض الكبائر التي يستحقون عليها العذاب إن لم يتوبوا إلى الله؛ ويقع منهم مخالفة لهدى القرآن في بعض الأمور؛ فيستحقون العقاب على مخالفتهم؛ وقد حذّر الله تعالى عباده من المخالفة؛ فقال: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
· والدرجة الرابعة:هجر تلاوته مع بقاء العمل به؛ باجتناب الكبائر، وأداء الفرائض؛ وهذا قد يقع من بعض المسلمين؛ فتمضي عليه أيام لا يقرأ من القرآن إلا ما تصحّ به صلاته، وهذا الهجر مما يتخلّف به صاحبه عن الرتب العليا.
وما يدل على هذه المراتب:
في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر)).
س7: ما هي اقتراحاتك للطرق المناسبة لنشر فضائل القرآن في هذا العصر؟ وكيف يستفاد منها في الدعوة إلى الله تعالى؟
ج7/ الاقتراحات لنشر فضائل القرءان:
1- طباعة الكتيبات والمطويات الصغيرة التي يسهُل تداولها التي تتضمن بعض من الفضائل المهمه للقرءان.
2- نشر الرسائل القصيرة على صفحات برامج التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر والواتس أب.
3- تدريس هذه الفضائل كمقدمات هامة وأساسية في حلقات تحفيظ وتعليم القرءان بوحه عام.
4- الاهتمام بتدريسها بشكل منهجي منطم في حصص التربية الدينية في المدارس.
5- ترجمة بعض الرسائل والمطويات إلى لغات مختلفة ونشرها عن طريق شبكة الانترنت وبرامج التواصل الاجتماعي أيضا لتصل لجميع أقطار العالم من البلاد غير الناطقة بالعربية.
** الاستفادة منها في الدعوة إلى الله تعالى:
· بهذه الطرق ممكن دعوة غير المتحدثين بالعربية خارج الأقطار العربية وترغيبهم في تعلُم وحفظ كتاب الله تعالى.
· قد تؤدي معرفة هذه الفضائل إلى إسلام غير المسلمين من جميع الملل والكفار بعد معرفتهم لفضائل القرآن وعظيم منزلته.
· قد يتبصر المسلمون الغافلون عن كتاب الله تعالى تلاوةً وحفظًا وفهمًا بهذه الوسائل عن ما بين أيديهم من النعمه العظيمة التي لا يملك قدرها أحد من غير المسلمين وهي هذا القرآن العظيم وما فيه من الفضائل المباركة.