عامّ لجميع الطلاب)
اكتب رسالة مختصرة تبيّن فيها يسر الشريعة بناء على ما درسته في تفسير آيات الطلاق.
الشريعة الإسلامية تتميز بخصائص وميزات وصفات عظيمة، ومن أهم تلك الخصائص والصفات: اليسر ورفع الحرج، وهي صفة واضحة بيَّنة في جميع أحكام هذه الشريعة
وقد نص الله على ذلك في أكثر من موضع في كتابه الكريم، فقال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. وقال سبحانه:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ.}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» .وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت بالحنيفية السمحة» .
ومعالم ومظاهر التيسير تتجلى في مجالات الحياة كلها ؛ من ذلك ما يتعلق بأحكام الطلاق...
.وحتى يظهر للناظر والمتأمل مدى يسر الشريعة وسماحتها في أحكام الطلاق فليق نظرة سريعة كيف كان الطلاق في الجاهلية
فقد كان من حق الرجل تطليق امرأته متى أراد، وبأية صيغة تفيد الطلاق، ولم يكن هناك تحديد لعدد الطلقات، ولذلك كان الرجل إذا أراد تنكيلا بزوجته: طلقها، ثم يسترجعها قرب نهاية عدتها، ثم يطلقها مرة أخرى، ثم يسترجعها، وهكذا.عدة مرات طمعا في إذلالها.
قال غير واحد من السلف:.. كان الرّجل يطلّق المرأة، فإذا قاربت انقضاء العدّة راجعها ضرارًا، لئلّا تذهب إلى غيره، ثمّ يطلّقها فتعتدّ، فإذا شارفت على انقضاء العدّة طلّق لتطول عليها العدّة، فنهاهم اللّه عن ذلك، وتوعّدهم عليه فقال: {ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه} أي: بمخالفته أمر اللّه تعالى.
أورد القرطبي في تفسيره أن رجلٌ قال لامرأته على عهْد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "لا أُويك ولا أَدعك تحلِّين، قالت: وكيف؟ قال: أُطلِّقك فإذا دَنا مُضيُّ عِدتك راجعتُك، فشكَتِ المرأة ذلك إلى عائشةَ، فذكرت ذلك للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأنْزل الله تعالى " الطلاق مرتان "
وكانتِ المرأة في الجاهلية تُمسَك ضرارًا للاعتداء،وتُلاقِي من بعْلها نشوزًا أو إعراضًا، وتُترك أحيانًا كالمعلَّقة.
-قال قتادة: "كان الرجلُ في الجاهلية يقامِر على أهله وماله، فيقعد حزينًا سليبًا ينظر إلى ماله في يدِ غيره، فكانتْ تُورِث بينهم عداوةً وبغضًا".. راواه الطبري
هذا وكان للعرب في الجاهلية طرائق متعددة للطلاق في الجاهلية منها:
(أ)الظهار: فقد كان الطلاق يقع حين يقول الرجل لزوجته أنت عليَّ كظهر أمي، وكان ذلك الطلاق أبديا لا رجعة فيه.
(ب)الإيلاء: طلاق مؤقت فقد كان الرجل يُحدد مدة معينة طالت أم قصرت لا يقرب فيها زوجته، فقد كان يتركها السنة والسنتين والثلاث وشأنها لا هي أيم ولا ذات بعل، وذلك ضررا وتنكيلا بها، وقد أبطل الإسلام ذلك.
(ج) طلاق العضل
كانت الزوجة تتعرض في بعض الأحيان إلى إهمال الرجل فلا يراجعها ولا يطلقها ، ويظل مفارقاً لها حتى ترضيه بدفع شيء له ، وهو ما يعرف بالطلاق العضل ، وكان الرجل ينكح المرأة الشريفة الثرية ، ثم يفارقها حتى توافقه على شيء يطلبه وإلا عضلها . وقد نهى الإسلام عن ذلك أيضاً كما جاء في قوله تبارك وتعالى : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) .
هذا هو حال الطلاق عند العرب في الجاهلية لم يكن له عدد معين وكانت و كانت عندَهم العِدَّة معلومة مقدورة،.
فالناظر في حال الطلاق عندهم يدرك مدى الضرر والتعنت الذي كان يلحق بالمرأة وأن الطلاق كان وسيلة للتنكيل بالمرأة حتى أصبحتْ ألعوبة في يدِ الرجل، يُطلِّقها متى شاء كيفما شاءَ، حتى جاء رفَع الإسلامُ ظلمَ الرجل عنها وتسلُّطَه عليها. وبين أن فرائضه وأحكامه لا لعب فيها
لما جاء الإسلام أبطل ذلك كله ..ونسخ ما كان عليه أهل الجاهلية فخفف على الناس وحفظ حقوق المرأة ورفع الظلم عليها..كما أنه لم يهضم حق الرجل و لم يبطل قوامته على المرأة بل أثبت له ذلك جميعا لكن في حدود معلومة وضوابط معروفة
-فكان تشريع الطلاق في حد ذاته يسرا للناس وتخفيفا عليهم .....فعندما تتعذر الحياة الزوجية ويذهب الود والإخاء والمحبة ويقع بين الزوجين ما ينغص عليهما حياتهما مما يجعله مصدرا للشقاء والتعاسة أباح الطلاق وجعله مراحل وهذا يدل على سماحة الإسلام ويسره. بخلاف ما كان عليه بعض الأديان من تحريم الطلاق فيضطر كلا من الزوجين إلى اتخاذ الأخدان والخليلات و العيش في الحرام
لم يترك الشارع الطلاق على وفق أهواء الناس و شهواته وآراءهم وعقلوهم القاصرة ؛ بل جعل له نظاما ربانيا مستمدا من كتاب الله عزوجل و سنة النبي صلى الله عليه وسلم
فمنهج الشارع في تشريع الطلاق يتجه إلى التقييد والحد من إرادة الزوج إلى الإطلاق ،ذلك أن الشارع ضيق في الطلاق من حيث العدد فجعله ثلاث مرات بعد أن كان مطلقا .فإذا طلق الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
- وقيده من حيث الوقت فأمر بتطليق النساء لعدتهن أي طاهرات من غير جماع.
فحرم على المسلم أن يطلّق امرأته في طُهرٍ قد جامَعها فيه، فلعلّها أن تحملَ فيطول الأمر عليها، ثم يندَم إذا حملت، فقد زلّ لسانه بهذا الطلاق، كما حرّم عليه الشارع أن يطلّقها وهي حائِض، كلّ ذلك لأجل أن لا تطولَ المدة عليها، ولأجل أن لا يكونَ سببًا لافتراقهما؛ لأنها إن كانت حائضًا فلا يحلّ له مضاجعتُها، فربما كره مستقبلاً، فشرِع له أن يطلّقها في طهرٍ لم يجامعها فيه، أو يطلقَها حاملاً قد استبان حملها.
-الشريعة الإسلام جعَلت الطلاقَ على مراحل ثلاث، يقول الله جل وعلا: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ .
فإنّه إذا طلّقها الطلقةَ الأولى شُرع له أن يبقيَها في منزلهِ وأن لا يخرِجَها منه، كما قال تعالى: ﴿لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ . ثم قال: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾.، فلعل الطلاق وقع في حالةٍ غير متروٍّ فيها، فيندم مع بقاءِ المرأة عنده، فتُغيَّر الأمور بتوفيق من الله.
ثمّ إذا انقضت العدّة الأولى وطلّق الثانيةَ أيضًا فلعلّ خطأً منه أو منها فيزول، وإذا طلّقها الثالثة عُلِم أنَّ الأمر لا فائدةَ فيه ولا في بقائهما، فعند ذلك تحرم عليه إلاّ بعد نكاحِ زوجٍ آخر عن رغبةٍ لا تحليلاً.
من سماحة الشريعة الإسلامية أيضا أنه كما أعطَت للرجل حقَّ الطلاق، وفي مُقابل ذلك فإنها جعَلت الخُلع حقًّا للمرأة، وهو الافتداء إذا ما كرهت المرأة زوجَها وخافت ألا تُوفِّيه حقه،.وذلك بالضوابط والشروط التي بينها الله ...فلا حرج على المرأة أن تفتدي، ولا حرج على الزوج أن يأخذ.
كما أن الشريعة حرمت على المطلقة إن تكتم ما خلق الله في رحمها..حفظا لحق الزوج وصيانة للأنساب و كرامة للجنين..
من أحكام الشريعة منع ولي المرأة أن يمنعها من العودة لزوجها إن رغبت هي فيه ورغم هو فيها.. ولهذا لما يعلم الله من اشتياق كلا منهما للأخر للود والعشرة الطيبة الذي كان بينهما و. فيه مراعاة لإعادة جمع شمل الأسرة
- وأما في الظهار فلم يجعله الشارع طلاقا كما كان في الجاهلية.. بل جعل لفاعله مخرجا وهو أن يكفر عنه كفارةويراجع زوجته.
-وأما الإيلاء فقيده الشارع بأربعة أشهر إما أن يراجع زوجته أو تطلق منه ولم يتركه بلاحد كما كان عند العرب في الجاهلية..كل ذلك حفظا على حقوق المرأة .
فهذه أحكام الطلاق في شريعة الإسلام سهلة ميسورة تقبلها النفوس إلا من انتكست فطرته -فلا عبرة لمقاله-..فالحمد لله رب العالمين على منته وعلى نعمة الإسلام..فلو التزم الناس بشريعة الله عزوجل لكان عيشه أطيب عيش وحياتهم أطيب حياة.{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل: 97]
.
{وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} قاعدة ربانية و ومنهج قراني رفيع
أمر بتعاهد الفضل، وأن لا ينسى ؛ لأن نسيانه يباعد الزوجين ، وفي تعاهده عون كبير على الإلف والتحابب.
فينبغي أن لا نجعل ساعة الخصومة تهدم سنواتِ المودَّة ..
قال أبو حاتم البستي: "الحر لا يكفر النعمة، ولا يتسخط المصيبة، بل عند النعم يشكر، وعند المصائب يصبر، ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقع أوشك أن لا يشكر الكثير منه، والنعم لا تستجلب زيادتها، ولا تدفع الآفات عنها إلا بالشكر".
2. أجب على إحدى المجموعتين التاليتين:
المجموعة الأولى:
1. فصّل القول في تفسير قوله تعالى:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}.
سبب نزولها قولان:
- أن عمر بن الخطاب قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت هذه الآية.
روى الإمام أحمد :..عن عمر أنّه قال: لمّا نزل تحريم الخمر قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ .ومنافع للنّاس.} فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في النّساء: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى}.، فكان منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أقام الصّلاة نادى: ألّا يقربنّ الصّلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة. فدعي عمر، فقرئت عليه، فلمّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} .؟ قال عمر: انتهينا، انتهينا.
التفسير
السائلون هم المؤمنون.
والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر.
-ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خمروا الإناء»، أي خطوا آنياتكم واستروها ؛ ومنه خمار المرأةسمي خمارا لستره وتغطيته .
ومنه خمرة التي يسجد عليها إنما سميت بذلك لأنها تستر الوجه عن الأرض
ويقال " اخْتَمَرَ العَجِينُ " ، أي غطى فطورته الاختمار.
فيقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر، وما ستره من شجر خاصة ضرى، " مقصور "..
ومن ذلك الشجر الملتف يقال له : الخمر ؛ بفتح الميم لأنه يغطي ما تحته ويستره ، يقال منه : أخمرت الأرض كثر خمرها
ويقال في القوم إذا تواروا في خمر الشجر : قد أخمروا.
ومنه قول الشاعر:
ألا يا زيد والضحاك سيرا = فقد جاوزتما خمر الطريق
أي سيرا مدلين فقد جاوزتما الوهدة التي يستتر بها الذئب وغيره.
وسميت الخمر خمرا لأنها تستر العقل وتغطيه .
والخمر: المجمع عليها..وهو المُعْتَصَرُ من العِنَبِ إذا غَلى وقَذَفَ بالزَّبَدِ..ولم يشترط بعضهم القذف بالزبد...ويقاس عليه كل ما غطى العقل وستره من غيره يقال له خمرا
ويكون في التحريم بمنزلتها بجامع الإسكار
فكل مسكر خمر وكل مسكر مخالط العقل ومغط عليه.
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب –في بيان المراد بالخمر في الآية-: إنّه كلّ ما خامر العقل.
قال ابن عطية.. والخمر ماء العنب الذي غلي ولم يطبخ أو طبخ طبخا لم يكف لغليانه وما خامر العقل من غير ذلك فهو في حكمه. اهـ
فكل مَا يسكر قليله أو كثيره خمر ؛ سواء اتخذ من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير أو غيرها . دليل ذلك
-روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخمر من هاتين الشجرتين: العنب والنخلة».
- وحرمت الخمر بالمدينة يوم حرمت وهي من العسل والزبيب والتمر والشعير والقمح، ولم تكن عندهم خمر عنب.
- وكذا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : كُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُل خَمْرٍ حَرَامٌ.
وقال أبو حنيفة قد تكون الخمر من الحبوب، وتعقبه ابن سيده بقوله : وأظنه تسفحا منه، لأن حقيقة الخمر إنما هي ماء العنب دون سائر الأشياء.
حكم خمر العنب
-أجمعت الأمة على خمر العنب إذا غلت ورمت بالزبد أنها حرام قليلها وكثيرها، وأن الحد واجب في القليل منها والكثير.
حكم المسكر من غير العنب
-ذهب الجمهور من الأمة إلى أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره ، والحد في ذلك واجب .
-وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وجماعة من فقهاء الكوفة : ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فهو حلال، وإذا سكر منه أحد دون أن يتعمد الوصول إلى حد السكر فلا حد عليه
وقد ضعف هذا القول ابن عطية ورده من جهة النظر و الخبر
-أن هذا القول مخالف لما روي أن النبي عليه السلام قال: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»، قال ابن المنذر في الإشراف: «لم يبق هذا الخبر مقالة لقائل ولا حجة لمحتج»،
- وأنه مخالف لما كان عليه الصحابة فأبو بكر الصديق وعمر الفاروق والصحابة على خلافه.
-وقيل أن المسكر الذي سموه بغير الخمر حلال
وقد لبّس هذا القول على أبي الأسود الدؤلي فظن أن ذلك كما قيل له، ثم قاده طبعه إلى أن حكم بأنهما واحد، فقال:
دع الخمر يشربها الغواة فإنني... رأيت أخاها مجزيا لمكانها
فإلا يكنها أو تكنه فإنه... أخوها غذته أمها بلبانها
حد شارب الخمر
الذي جاءت به السنة هو في حد شارب الخمر الجلد
رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ} . قَال: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَال عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ .أخرجه مسلم وأبو داود.
وإنما فعل ذلك عمر لأن الناس تهافتوا على شرب الخمر فشدد عليهم الحد فجعله كأخف الحدود ثمانين. قاله ابن عطية.
وبه قال مالك، وقال الشافعي بالأربعين.
هل يخفف في ضرب الشارب
ذهب جماعة من أهل العلم إلى التخفيف في ضرب الخمر فلا يكون شديدا فلا يبدو إبط الضارب.
وقال مالك: «الضرب كله سواء لا يخفف ولا يبرح».
ويجتنب من المضروب الوجه والفرج والقلب والدماغ والخواصر بإجماع.
هل الآية تدل على تحريم الخمر .والميسر
اختلف المفسرون : هل تدل هذه الآية على تحريم الخمر والميسر أم لا تدل ؟ على قولين
الأول :أنه لا تدل على التحريم وإنما جاء التحريم في سورة المائدة في قوله تعالى :{: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون (91)}.
ومعنى{فهل أنتم منتهون}:التحضيض على الانتهاء والتهديد على ترك الانتهاء.
وأن - آية البقرة- ممهّدةً لتحريم الخمر على البتات، ولم تكن مصرّحةً بل معرّضةً؛ وهي أول ما تطرق إلى تحريم الخمر
فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ تَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيمَا فِيهِ إِثْمٌ كَبِيرٌ، وَلَمْ يَتْرُكْهَا بَعْضُهُمْ، وَقَالُوا: نَأْخُذُ مَنْفَعَتَهَا، وَنَتْرُكُ إِثْمَهَا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فَتَرَكَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيمَا يُشْغِلُنَا عَنِ الصَّلاَةِ، وَشَرِبَهَا بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ حَتَّى نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ. . .} الآْيَةَ. فَصَارَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ، حَتَّى صَارَ يَقُول بَعْضُهُمْ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ
روى الإمام أحمد وغيره عن عمر أنّه قال: لمّا نزل تحريم الخمر قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في النّساء: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} . فكان منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أقام الصّلاة نادى: ألّا يقربنّ الصّلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة. فدعي عمر، فقرئت عليه، فلمّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} ؟ قال عمر: انتهينا، انتهينا.
وفي رواية قال عمر بن الخطاب: ضيعة لك اليوم قرنت بالميسر والأنصاب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت الخمر.
-وقال ابن عمر، والشّعبيّ، ومجاهدٌ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: هذه أوّل آيةٍ نزلت في الخمر: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} ثمّ نزلت الآية التي في سورة النّساء، ثمّ التي في المائدة، فحرّمت الخمر.
وقال قتادة: ذم الله الخمر بهذه الآية ولم يحرمه
الثاني : وقيل أن الآية تدل على التحريم
في قوله تعالى :{ إثم كبير} وقد حرم الله الإثم نصا في قوله تعالى"{قل إنما حرم ربي الفاحش ما ظهر و ما بطن والإثم والبغي بغر الحق}
وتعقب ابن عطية هذا القول بقوله: ليس هذا النظر بجيد لأن الإثم الذي فيها هو الحرام، لا هي بعينها على ما يقتضيه هذا النظر.
قال الزجاج بعد إيراد هذه المسألة :...وإنما بينا تحريم الخمر وإن كان مجمعا عليه ليعلم أن نص ذلك في الكتاب.
وَالْمَيْسِرِ: القمار قاله ابن كثير
الميسر مفعل من اليسر.
وقيل في اشتقاقه أنه مأخوذ من:
1- من يَسَر إذا جَزَر، والياسرُ الجازرُ، وهو الذي يُجَزِّىء الجَزُور أجزاءً. ذكره ابن عطية
ومنه قول الشاعر:
فلم يزل بك واشيهم ومكرهم = حتّى أشاطوا بغيب لحم من يسروا
ومنه قول الآخر:
أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني = ألم تيأسوا إنّي ابن فارس زهدم؟
والجزور الذي يستهم عليه يسمى ميسرا لأنه موضع اليسر،ثم سُمِّيت السهامُ مَيْسِراً للمجاورة.
واليسر: الذي يدخل في الضرب بالقداح، وجمعه أيسار وقيل، بل «يُسَّر» جمع ياسِر كحارِس وحُرَّس وأَحْراس.
-2 : مأخوذ مِنْ يَسَر لي كذا أي: وَجَب، حكَاه الطبري عن مجاهد. وردَّ ابنُ عطية عليه. .
وسهام الميسر عشرة سبعة لها خطوط وفروض على عدة الخطوط ؛و ثلاثة لا خطوط لها ولا فروض
وكانت عادة العرب أن تضرب بهذه القداح في الشتوة وضيق الوقت وكلب البرد على الفقراء، تشتري الجزور ويضمن الأيسار ثمنها ثم تنحر وتقسم على عشرة أقسام. ثم يضرب على العشرة الأقسام، فمن فاز سهمه بأن يخرج من الربابة متقدما أخذ أنصباءه وأعطاها الفقراء، وفي أحيان ربما تقامروا لأنفسهم ثم يغرم الثمن من لم يفز سهمه. ويعيش بهذه السيرة فقراء الحي، .
وَالْمَيْسِرُ إِنَّمَا كَانَ قِمَارًا فِي الْجُزُرِ خَاصَّةً؛ وقد أجمع العلماء على أن القمار كله حرام. قِيَاسًا عَلَى الْمَيْسِرِ.
وقال محمد بن سيرين والحسن وابن عباس وابن المسيب وغيرهم: كل قمار ميسر من نرد وشطرنج ونحوه حتى لعب الصبيان بالجوز.
"قل فيما إثم كبير" هذه قراءة الجمهور و قرأ حمزة والكسائي " كثير"
ووجهُ قراءةِ الجمهور أن الإِثمَ يُوصف بالكِبرَ، ومنه آية {حُوباً كَبِيراً} وسُمِّيت الموبِقات: «الكبائر» ، ومنه قولُه تعالى: {يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم} ، وشربُ الخمرِ والقمارُ من الكبائرِ، فناسب وصفُ إثمهما بالكِبَر.
- وأيضا لتناسب" كبير " مع "أكبر " في قوله وإثمهما أكبر من نفعهما " بالباء بواحدة.
-وأمَّا وجهُ قراءة حمزة والكسائي: حجتها أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الخمر ولعن معها عشرة: بائعها، ومبتاعها، والمشتراة له، وعاصرها، والمعصورة له، وساقيها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، فهذه آثام كثيرة. فكثرة الآثام باعتبار من يزاولها من لَدُنْ كانت عِنباً إلى أن شُربَتْ.
- وأيضا فجمع المنافع يحسن معه جمع الآثام، و «كثير» بالثاء المثلثة يعطي ذلك.
وقد أجمعَتِ السبعةُ على قوله: «وإثْمهما أكبرُ» بالباء الموحَّدة. إلا ما كان في مصحف عبد الله ابن مسعود " وإثمهما أكثر"
المراد بالإثم و المنافع الذي في الخمر والميسر
أمّا إثمهما فهو في الدّين والعقل ؛ وأمّا المنافع فدنيويّةٌ. ذكره الزجاج وابن كثير ونسبه ابن عطية إلى طائفة
فمنافع الخمر: فيها نفع البدن، وتهضيم الطّعام، وإخراج الفضلات، وتشحيذ بعض الأذهان، ولذّة الشّدّة المطربة التي فيها، كما قال حسّان بن ثابتٍ في جاهليّته:
ونشربها فتتركنا ملوكًا = وأسدًا لا ينهنهها اللقاء
وكذا بيعها والانتفاع بثمنها. كما قال مجاهد: «المنفعة بها كسب أثمانها». ذكره ابن عطية
أما منافع الميسر
وما كان يقمّشه بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله.
أو ما كان ينتفع به الفقراء من الجزور؛ فقد كان يعيش عليه طائفة من الفقراء
ومن المنافع يصير الشيء إلى الإنسان بغير كد ولا تعب.
إثم الخمر :
-تحول بين المرء وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه.
وتوقع العداوة والبغضاء و وتورث فساد الدين والأخلاق والسباب والافتراء والإذاية والتعدي الذي يكون من شاربها.
إثم الميسر
- يورث العداوة والبغضاء وإن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يؤخذ عليه، ففيه أكل المال بالباطل
وقيل
الإثم فيهما بعد التحريم، والمنفعة فيهما قبله.وهو قوله ابن عباس والربيع. ذكره ابن عطية.
وقالت طائفة: هذه الآية منسوخة بقوله: {فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} يريد ما في قوله ومنافع للنّاس من الإباحة والإشارة إلى الترخيص.
{وإثمهما أكبر من نفعهما}؛
أعلم الله عز وجل أن الإثم أكبر من النفع لتعلّقها بالعقل والدّين.وأعود بالضرر في الآخرة.
2. حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالقرء في قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهن ثلاثة قروء}.
{ وَالْمُطَلَّقَاتُ} اللائي انفصلن عن أزواجهن بالطلاق؛ والْمُطَلَّقاتُ لفظ عموم يراد به الخصوص في المدخول بهن، ولم تدخل في العموم المطلقة قبل البناء ولا الحامل ولا التي لم تحض ولا القاعد ولا الأمة فإن عدتها عل نصف عدة الحرة تعتد بقرءين
{ يَتَرَبَّصْنَ} ينتظرن { بِأَنْفُسِهِنَّ ثلاثَةَ قُرُوءٍ} فلا يتزوجن بأي رجل آخر قبل انتهاء مدّة الانتظار.
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فِي الْمُرَادِ بالأقْرَاء مَا هُوَ؟
عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأول : معنى القرء الطهر
ثلاثة قروء ثلاثة أطهار بما فيها الطهر الذي جرى فيه الطلاق .وهي الأزمنة بين الدّمين
فإذا طلق الرجل امرأته في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ولو ساعة، ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة ثم ثالثا بعد حيضة ثانية، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلت للأزواج وخرجت من العدة.
وهو قول ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَسَالِمٍ، وَالْقَاسِمِ، وَعُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وعطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَبَقِيَّةِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَدَاوُدَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
قال الزجاج هو مذهب فقهاء أهل المدينة.
دليلهم:
-من القران
وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
أَيْ: لقبل عدتهن أو في عدتهن؛ ولما كان الطلاق في الحيض محرما صرف الإذن إلى زمن الطهر؛ ولما كان الطهر الذي يطلق فيه محتسبا دل على أنه أحد الأقراء الثلاثة المأمور بها
ومما يؤكد أن القرء هو الطهر..قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض: (مره فليراجعها ثم يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فقوله: (فتلك العدة) هذا هو محل الشاهد، يعني: في الطهر وليس في الحيض.
وَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ: إِنَّ المعتدة تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَتَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا الْمَرْأَةُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ
من السنة
- استدلوا بما رواه الإمام مالك في الموطأعَنْ عُرْوَةَ، عن عائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتِ: انْتَقَلَتْ حَفْصَةُ بنتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فذكرتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَتْ: صَدَقَ عُرْوَةُ. وَقَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ نَاسٌ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: " ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ " فَقَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقْتُمْ، وَتَدْرُونَ مَا الأقراءُ؟ إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ: الأطهارُ.
-كلام السلف:
وَقَالَ مَالِكٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ، يُرِيدُ قَوْلَ عَائِشَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرئت مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
-لغة العرب
وَاسْتَشْهَدَ أَبُو عُبَيْد وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ -وَهُوَ الْأَعْشَى -:
فَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوة ... تَشُدّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكا ...
مُوَرَّثة عدَّا، وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةٌ ... لَمَّا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُروء نِسَائِكَا ...
يَمْدَحُ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ الْعَرَبِ آثَرَ الْغَزْوَ عَلَى الْمَقَامِ، حَتَّى ضَاعَتْ أَيَّامَ الطُّهْرِ مِنْ نِسَائِهِ لَمْ يُوَاقِعْهُنَّ فِيهَا.
فالذي ضاع هنا الأطهار لا الحيض.
- قال ابن القاسم ومالك: إن المطلقة إذا رأت أول نقطة من الحيضة الثالثة خرجت من العصمة. وهو مذهب زيد بن ثابت وغيره، وقال أشهب: لا تنقطع العصمة والميراث حتى يتحقق أنه دم حيض لئلا يكون دفعة دم من غير الحيض.
الثاني : القرء الحيض
ثلاثة قروء ثلاثة حيضات التي تبدأ بعد انتهاء الطهر
فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ حَتَّى تُطْهُرَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، زَادَ آخَرُونَ: وَتَغْتَسِلَ مِنْهَا.
وَأَقَلُّ وَقْتٍ تُصَدَّقُ فِيهِ الْمَرْأَةُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ.
وهو مذهب أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالرَّبِيعِ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، وَالسُّدِّيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، و هو مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَحَكَى عَنْهُ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ قَالَ: الْأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: الْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بن حي، وأبي عبيد، وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ.
وقال الزجاج هو مذهب أهل الكوفة
دليلهم
من السنة
-مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيقِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيش أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: "دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ".
قال ابن كثير : هَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْحَيْضُ، وَلَكِنَّ الْمُنْذِرَ هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ
-
- ما أخرجه أبو داود في سننه ؛ من طريق المنذر بن المغيرة، عن عروة بن الزبير، أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته أنها، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكت إليه الدم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما ذلك عرق فانظري إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء»
-ما يروى عن أم سلمة أنها استفتت لفاطمة بنت أبي حبيش وكانت
مستحاضة فقال:" - صلى الله عليه وسلم - تنتظر أيام أقرائها وتغتسل فيما سوى ذلك."
فهذا يعني أنَّها تحبس عن الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل فيما سوى أيام الحيضَ.
من كلام السلف
قَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنْ زَوْجِي فَارَقَنِي بِوَاحِدَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ فَجَاءَنِي وَقَدْ وَضَعَتُ مَائِي وَقَدْ نَزَعْتُ ثِيَابِي وَأَغْلَقْتُ بَابِي. فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ -مَا تَرَى؟ قَالَ : أَرَاهَا امْرَأَتَهُ، مَا دُونُ أَنْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ. قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ.
من اللغة العرب
وكان الأصمعي يقول: القُرءُ الحيض، ويقال أقرأتِ المرأة إذا حاضت.
وقال الكسائي والقراء جميعاً أقرأت المرأة إذا حاضت فهِي
مقريءٌ، وقال القراءُ: أقرأت الحاجة إذا تأخرت.
وقال الأخفش أيضاً: أقرأت المرأة إِذا حاضت، وما قرأتْ حيضة ما ضمَّت رحمَها على حيْضة.
الترجيح
منشأ الخلاف أن القرء لفظ مشترك يصلح إطلاقه على الحيض وعلى الطهر وهو الذي عليه جمع من علماء اللغة وكذا بعض الأصوليين
قال أبو عمرو بن العلاء: العرب تسمّي الحيض: قرءًا، وتسمّي الطّهر: قرءًا، وتسمّي الحيض مع الطّهر جميعًا: قرءًا.
جاء في لسان العرب:
والقَرْءُ والقُرْءُ: الحَيْضُ، والطُّهرُ ضِدّ.
قال الشّيخ أبو عمر بن عبد البرّ: لا يختلف أهل العلم بلسان العرب والفقهاء أنّ القرء يراد به الحيض ويراد به الطّهر.
وذكر أهل اللغة أن القرء يمكن إرجاعه إلى أحد أصلين
إما إلى الوقت؛ أو إلى الجمع
أصل القرء الوقت
-القرء في أصل اللغة يطلق عل الوقت. المعتاد المعلوم تردده
جاء في لسان العرب
والقَرْءُ: الوَقْتُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا مَا السَّماءُ لَمْ تَغِمْ، ثُمَّ أَخْلَفَتْ ... قُروء الثُّرَيَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا قَطْرُ
يُرِيدُ وَقْتَ نَوْئها الَّذِي يُمْطَرُ فِيهِ الناسُ.
قال ابن جريرٍ: أصل القرء في كلام العرب: "الوقت لمجيء الشّيء المعتاد مجيئه في وقتٍ معلومٍ، ولإدبار الشّيء المعتاد إدباره لوقتٍ معلومٍ"
يقال: " هذا قارئ الرّياح " ؛ أو قرء الرياح لوقت هبوبها.
وقرء النجم وقت طلوعه، وكذلك وقت أفوله
قال الأصمعيّ: أنّ القرء هو الوقت.
.
-قال أبو عبيدة: إن القرء يصلح للحيض والطهر، قال وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت.
- قال أَبو إِسْحَاق الزّجاج: أَخْبرنِي مَن أَثِق بِهِ يَرفَعه إِلَى يُونس أَن الْأَقْرَاء عِنْده تصلحُ للْحيض والأطهار.
قَالَ: وَذكر أَبُو عَمْرو بن العَلاء أَن الْقُرْء: الْوَقْت، وَهُوَ يَصلح للحَيض وَيصْلح للطُّهر.اهـ
وأنشد أهل اللغة:
شنئث العقر عقر بني شليل... إذا هبت لقاريها الرياح
أي: لوقت هبوبها، وشدة بردها.
ومنه قول الراجز: [الرجز]
يا رب ذي ضغن على فارض = له قروء كقروء الحائض
أراد وقت غضبه.
فلما كان الحيض يَجِيء لِوقتٍ، والطُّهر يَجِيءُ لوقْتٍ جَازَ أَن يَكُونَ الأَقْراء حِيَضاً وأَطْهاراً...فوقع لفظ القرء على الضدين
2-أصل القرء الجمع
وقال قوم: أصل القرء في اللغة الجمع. وهو ما ذهب إليه الزجاج
فلفظ القرء مأخوذ من قرء الماء في الحوض، وهو جمعه.
وقولك قرأت القرآن،أي:لفظت به مجموعا.
والقرد يقرئ،أي: يجمع ما يأكل في بيته.
والمقرأة الحوض الذي يقرأ فيه الماء أي يجمع.
والمقرأ الإناء الذي يقرأ فيه الضيف.
فصح على هذا إطلاق القرء على الحيض وعلى الطهر؛
فالقرء اجتماع الدم ...فالرحم تجمع الدم وقت الحيض والجسم يجمعه وقت الطهر.
بهذا تبين أن القرء لفظ مشترك يطلق على الحيض على الطهر جميعا..لكن الخلاف بين المفسرين أي المعنيين أريد بالآية إذ يتعذر حملين المعنيين جميعا لأنه مشترك ضدي
فلابد من دليل صحيح صريح يرجح أو قرينة يرجح به أحد المعنيين
وقد رجح الشنقيطي القول الأول أن القرء معناه الطهر بدلالة الآية و تفسيرها بالحديث النبي صلى الله عليه وسلم
قال رحمه الله تعالى :{.. وَلَا يُوجَدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ يُقَاوِمُ هَذَا الدَّلِيلَ، لَا مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الصَّرَاحَةِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَذْكُورٌ فِي مَعْرِضِ بَيَانِ مَعْنَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.}
ثم بين رحمه الله تعالى وجه الدلالة : وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْعِدَّةُ مُبَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُرَادُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا، بِقَوْلِهِ: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، فَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ» رَاجِعَةٌ إِلَى حَالِ الطُّهْرِ الْوَاقِعِ فِيهِ الطَّلَاقُ ; لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ «فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا» أَيْ: فِي حَالِ كَوْنِهَا طَاهِرًا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَالَ الَّذِي هُوَ الطُّهْرُ هُوَ الْعِدَّةُ مُصَرِّحًا بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُرَادُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعِدَّةَ بِالطُّهْرِ..
والله أعلم
ب: المراد بقوله تعالى: {ما خلق الله في أرحامهنّ}، والحكمة من النهي عن كتمه.
اختلف أهل التفسير في المراد بالذي خلق في أرحامهن
قيل هو الولد
و روي هذا القول عن عمر وابن عباس .
.لا يحل لهن أن يكتمن أمر الولد لأنهن إن فعلن ذلك فإنما يقصدن إلى إلزامه غير أبيه.
وقيل هو الحيض
وقيل هو الحيض. وهو مذهب إبراهيم النخعي وعكرمة.
الترجيح
رجح الزجاج القول الأول لدلالة القران أن الذي يخلق الله في الأرحام هو الولد
قال اللّه جلّ وعزّ : {هو الّذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء}
وقال: (ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما) فوصف خلق الولد.
وحمل كل من ابن عطية وابن كثير الآية على العموم وذكرا أنه قول ابن عبّاسٍ، وابن عمر، ومجاهدٌ، والشّعبيّ، والحكم بن عيينة والرّبيع بن أنسٍ، وابن زيد ؛والضّحّاك، وغير واحدٍ.
علة النهي
قال ابن عطية : ومعنى النهي عن الكتمان النهي عن الإضرار بالزوج وإذهاب حقه، فإذا قالت المطلقة حضت وهي لم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع، وإذا قالت لم أحض وهي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه، فأضرت به، أو تقصد بكذبها في نفي الحيض أن لا يرتجع حتى تتم العدة ويقطع الشرع حقه، وكذلك الحامل تكتم الحمل لينقطع حقه من الارتجاع، وقال قتادة: «كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزوج الجديد ففي ذلك نزلت الآية»، وقال السدي: «سبب الآية أن الرجل كان إذا أراد أن يطلق امرأته سألها أبها حمل؟ مخافة أن يضر بنفسه وولده في فراقها، فأمرهن الله بالصدق في ذلك».
*****
اعتذر عن التأخير كنت مسافرة