المجموعة الأولى :
س1: ما حكم من وقف في القرآن؟
الواقفة هم الذين يقولون: القرآن كلام الله ويقفون، فلا يقولون: مخلوق ولا غير مخلوق
وهم ثلاثة أصناف :
الصنف الأول :طائفة من الجهمية , زعيمهم في بغداد محمد بن شجاع الثلجي ,كانوا مخاعدين يتسترون بالوقف بالظاهر ويدعون إليه فلا يقولون أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق، لكن حقيقة أمرهم أنهم معتقدون ومقرون بالقول بخلق القرآن, بل و يشككون بكلام الله تعالى, وينكرون على من قال القرآن غير مخلوق, فكانت شبهتهم أشد من شبهة الجهمية الذين صرحوا إقرارا بالقول بخلق القرآن .
وفي رواية للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : (هؤلاء يستترون، فإذا أحرجتهم كشفوا الجهمية، فكلهم جهمية).
وقد حكم عليهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بالكفر.
الصنف الثاني : هم الشاكة والمترددون في القرآن , فلا يقولون هو مخلوق ولا غير مخلوق.فهم لم يؤمنوا حقيقة بكلام الله , وقد دخلوا علم الكلام وتفننوا به , بينما هناك من العاميين قد جهلوا و لا يفقهون ذلك, فقد يعذروا بجهلهم بهذه الشبهة , فيعلمواحتى تقوم عليه الحجة, وقد فرق الإمام أحمد رحمه الله بين الواقف الجهمي والواقف العامي .
وقال أبو داود: سألت أحمد بن صالح عمَّن قال: (القرآن كلام الله، ولا يقول غير مخلوق، ولا مخلوق.فقال: هذا شاك، والشاك كافر).
وأما العامي يبين له الحق ويعلم، فإن قبل واتبع الحق قبل منه، وإن أبى واستكبر أو بقي شاكا مرتابا في كلام الله تعالى بعد إقامة الحجّة عليه؛ حُكم بكفره.
الصنف الثالث : طائفة من أهل الحديث قالوا :( إن القول بخلق القرآن قول محدث، فنحن لا نقول إنه مخلوق، ولا نقول إنه غير مخلوق، بل نبقى على ما كان عليه السلف قبل إحداث القول بخلق القرآن؛ فنقول: القرآن كلام الله ، ونسكت) وقد أخطأوا في ذلك,
لأنه ظن من وقف من المحدثين أن الكلام في هذه المسألة كله من الخوض المنهي، وليس الأمر كما ظنوا, ففتنة الوقف كانت عظيمة, ولو كانت المسألة لم يتكلم فيها بالباطل ويمتحن الناس فيها لكان يسعهم السكوت؛ فأما مع ما حصل من الفتنة وحاجة الناس إلى البيان، وكثرة تلبيس الجهمية؛ فلا بد من التصريح برد باطلهم،
لا يحكم عليهم بالكفر، فمن وقف من المحدثين فقد وافق قوله قول الواقفة من الجهمية والشاكة، وكان عونا لهم على التشكيك في كلام الله,ولذلك أنكر عليهم كبار الأئمة وهجروهم.
س2: اعرض بإيجاز اختلاف المواقف من مسألة اللفظ.
الموقف الأول : موقف الجهمية المتسترة باللفظ، وهم الذين يقولون بخلق القرآن، ويتسترون باللفظ، وهم نظير الجهمية المتسترة بالوقف,وهؤلاء كانوا من أكثر من أشاع مسألة اللفظ؛ وكثرت الروايات عن الإمام أحمد في التحذير من اللفظية وتسميتهم بالجهمية؛ يقصد بهم من يقول بخلق القرآن، ويتستر باللفظ , فقد قال عبدالله بن الإمام أحمد سمعت أبي يقول :(من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن، فهو كافر) وقد كانت فتنة الجهمية باللفظ فتنة عظيمة؛ فلذلك اشتد تحذير العلماء من هذه الفتنة, وقال جعفر بن أحمد: سمعت أحمد بن حنبلٍ يقول: ( اللفظية والواقفة زنادقة عتق)
الموقف الثاني : موقف طائفة ممن خاض في علم الكلام وتأثّر ببعض قول الجهمية وإن كان كلامهم غير جار على أصول الجهمية، وقال رئيسهم الشراك: إن القرآن كلام الله؛ فإذا تلفظنا به صار مخلوقاً، وهذا يعود إلى صريح قول الجهمية عند التحقيق ,وقد ذكر أبو القاسم اللالكائي عن محمد بن أسلم الطوسي أنه قال: (إن من قال: إن القرآن يكون مخلوقا بالألفاظ، فقد زعم أنّ القرآن مخلوق).
الموقف الثالث: موقف داوود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري, رأس أهل الظاهر وإمامهم, وكان مولعاً بكتب الشافعي في أول عمره, واعتنى بمسائل الخلاف حتى حصّل علماً كثيرا، ثم رد القياس وادّعى الاستغناء عنه بالظاهر،و له قولا في القرآن لم يسبق إليه: قال: (أما الذي في اللوح المحفوظ: فغير مخلوق، وأما الذي هو بين الناس: فمخلوق(,ولمّا حدثت فتنة اللفظ كان ممن تكلم وقال: (لفظي بالقرآن مخلوق), فأمر الإمام أحمد بهجره ومجانبته.
الموقف الرابع: موقف جمهور أهل الحديث كالإمام أحمد وإسحاق بن راهويه والبخاري وأبي ثور وجماعة, هؤلاء منعوا الكلام في اللفظ مطلقا لالتباسه , فقد قال إسحاق بن حنبل: (من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن زعم أن لفظه بالقرآن غير مخلوق فقد ابتدع، فقد نهى أبو عبد الله عن هذا، وغضب منه، وقال: (ما سمعت عالمًا قال هذا! أدركت العلماء مثل: هشيم، وأبي بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة، فما سمعتهم قالوا هذا.(
الموقف الخامس : موقف طائفة من أهل الحديث صرحوا بأن اللفظ بالقرآن غير مخلوق، وهم يريدون أن القرآن غير مخلوق، وأن أفعال العباد مخلوق. قال ابن تيمية: (وكان أهل الحديث قد افترقوا في ذلك، فصار طائفة منهم يقولون: لفظنا بالقرآن غير مخلوق ومرادهم أن القرآن المسموع غير مخلوق، وليس مراده صوت العبد، كما يذكر ذلك عن أبي حاتم الرازي، ومحمد بن داود المصيصي، وطوائف غير هؤلاء.
وفي أتباع هؤلاء من قد يدخل صوت العبد أو فعله في ذلك أو يقف فيه، ففهم ذلك بعض الأئمة، فصار يقول: أفعال العباد وأصواتهم مخلوقة، رداً لهؤلاء، كما فعل البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من أهل العلم والسنة.
الموقف السادس : موقف أبي الحسن الأشعري وبعض أتباعه ومن تأثر بطريقته كأبي بكر بن الطيب الباقلاني، والقاضي أبي يعلى. قال ابن تيمية: (والمنتصرون للسنة من أهل الكلام والفقه: كالأشعري والقاضي أبي بكر بن الطيب والقاضي أبي يعلى وغيرهم يوافقون أحمد على الإنكار على الطائفتين على من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق وعلى من يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق، ولكن يجعلون سبب الكراهة كون القرآن لا لفظ؛ لأن اللفظ الطرح والرمي. ثم هؤلاء منهم من ينكر تكلم الله بالصوت. ومنهم من يقر بذلك.(
الموقف السابع : موقف طوائف زعمت أنّ ألفاظ القراء بالقرآن غير مخلوقة؛ وزعموا أن سماعهم لقراءة القارئ هي سماع مباشر من الله، وأنهم يسمعون كلام الله من الله إذا قرأه القارئ كما سمعه موسى بن عمران.
واختلفوا في تفصيل ذلك على أقوال:
فقال بعضهم: إن صوت الربّ حلّ في العبد.
وقال آخرون: ظهر فيه ولم يحلّ فيه.
وقال آخرون: لا نقول ظهر ولا حلّ.
وقال آخرون: الصوت المسموع قديم غير مخلوق.
وقال آخرون: يسمع منه صوتان مخلوق وغير مخلوق.
وقد قال ابن تيمية :وهذه الأقوال كلها مبتدعة، لم يقل السلف شيئا منها، وكلها باطلة شرعا وعقلا، ولكن ألجأ أصحابها إليها اشتراك في الألفاظ واشتباه في المعاني
س3: ما سبب ظهور بدعة ابن كلاب؟
ابن كلاب هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب, رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه, وقد جاء في وقت محنة أهل السنة من جانب المعتزلة، فردوا عليهم من الكتاب والسنة ،فسلموا من فتن كثيرة, أما ابن كلاب , و كان معاصرا للإمام أحمد , فقد أراد الرد على المعتزلة لنصرة عقيدة السلف الصالح بالحجج الكلامية وبالطرق والبراهين العقلية والأصولية, فأدّاه ذلك إلى التسليم لهم ببعض أصولهم الفاسدة، ومنها مبدأ امتناع حلول الحوادث به جلّ وعلا, وتفسيرهم له يقتضي نفي كلام الله تعالى , وجميع الصفات الفعلية المتعلقة بالمشيئة ,فخرج ابن كلاب بقول محدث في القرآن، وهو أنّه القرآن حكاية عن المعنى القديم القائم بالله تعالى، وأنّه ليس بحرف ولا صوت، ولا يتجزأ ولا يتبعض، ولا يتفاضل ,وله أقوال أخرى محدثة في الصفات والإيمان والقدر.
وما موقف أئمة أهل السنة منه؟
قد أنكر أئمة أهل السنة على ابن كلاب طريقته المبتدعة، وما أحدث من الأقوال، وحذروا منه ومن طريقته.
فقال ابن خزيمة: (كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره).
وقال ابن تيمية) : فأحدث ابن كلاب القول بأنه كلام قائم بذات الرب بلا قدرة ولا مشيئة فهذا لم يكن يتصوره عاقل ولا خطر ببال الجمهور حتى أحدث القول به ابن كلاب ).
س4: بيّن خطر فتنة اللفظية.
-أحدثت التلبيس بين الناس في أمرين:
* أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق.
* أفعال العباد مخلوقة.
-إتاحة الفرص أمام الجهمية الذين أرادوا التحيل والتستر باللفظ للقول بخلق القرآن.
- كانت سببا في ظهور الفرق والنحل المخالفة لأهل السنة والجماعة.
- بسبب أن اللفظ كلمة مجملة حمّالة لوجوه, أخذ كل يفسر على هواه ويؤولها كيف شاء ,وتركوا الإيضاح للناس والبيان و التصريح بأن القرآن كلام الله غير مخلوق.
- جرى بسببها كثير من المحن : محنة عظيمة للإمام البخاري , حيث نقلت مقالته ( القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة )على غير وجهها إلى قاضي نيسابور. ووقعت فتنة بين أصحاب الإمام أحمد بعد وفاته، ودخل الغلط على بعض أهل الحديث بسبب هذه المسألة.
س5: ما سبب شهرة أبي الحسن الأشعري؟
هو علي بن إسماعيل بن إسحاق بن أبي موسى الأشعري, أخذ علم الكلام عن شيخه زوج أمه أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة
ولما تبحر في كلام الاعتزال وبلغ فيه الغاية كان يورد الأسئلة على أستاذه في الدرس ولا يجد فيها جواباً شافياً فتحير في ذلك. حتى ناظره في مسائل انقطع عنها الجبّائيّ؛ وتبيّن للأشعري فساد قول المعتزلة، وأدرك أنّهم موّهوا على الناس وفتنوهم, وأعلن للناس توبته من الاعتزال في جامع البصرة ليوم الجمعة، والتزامه قول أهل السنة؛ وعزمه على الانتصار لها، واشتهرت أخبار مناظراته وردوده، وإفحامه لعدد من أكابرهم بالطرق الكلامية والحجج العقلية المنطقية .لكنه كان قليل البضاعة في علوم السنة.
وما موقف أهل السنة منه؟
لأنه أخطأ في مسائل ظن أنه وافق فيها أهل السنة، وهو مخالف لهم؛ كمسألة الاستطاعة وغيرها. اختلف في شأنه أهل العلم؛ فمنهم من قال إنه رجع رجوعاً صحيحاً إلى مذهب أهل السنة، ومنهم من ذهب إلى أن رجوعه كان رجوعا مجملا لم يخل من أخطاء في تفاصيل مسائل الاعتقاد.
س6: بيّن أهمّ الفوائد التي استفدتها من دراستك لدورة "الإيمان بالقرآن"
- أنه مهما بلغ الطغاة من قوة وتجرؤوا على القرآن بشبهاتهم ,فإن الله بفضله يقيض من يذب عن القرآن , بحول وقوة منه تعالى .
- أن من أراد النجاة في الدارين فلينهج منهج أهل السنة والجماعة ,وليلزم معتقدهم بالقرآن.
- ضرورة وأهمية طلب العلم لكشف الشبهات حول مسائل القرآن.
- الصبر أمام المحن والتوكل على الله وحده.
- أن حرص طالب العلم على معرفة أقوال المخالفين لأهل السنة والجماعة في القرآن , تساعده على الر د عليهم ومحاججتهم بناء على الكتاب والسنة.