الجواب الأول :
الهداية درجات ينالها كل مسلم بحسب درجة إيمانه فكان سؤال العبد لهداية الله في كل صلاة وركعة للتثبيت على الهدى وطلب الزيادة من هدى الله -جل وعلا- في كل شؤون الحياة الدينية والدنيوية وبلوغ أعلى مراتب الهداية، فإذا تأملنا مثلا الموحدين قد وعدهم الله وأعد لهم الجنات وهم يسألون الله الجنة بكرةً وعشيةً، وهذا يدل على معنى الثبات على رضى الله الموصل للجنة والزيادة من ما يوصل لها ، ويدل أيضا على سؤال بلوغ أعلى الدرجات في الجنة، والهداية لا تقف على حد معين، فهي خير مطلوب وأعظم مفقود ومن أجلها أُوجِد الإنسان، والهداية علم وعمل وكلاهما أُمِرْنا بالاستزادة منهما فوق ما لدينا من علم وعمل {وقل ربي زدني علما}، {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} , فقد أمرنا بالاستزادة ولا نقف على قدر محدد، فإن كنا قد هدانا الله للإسلام فإن فينا من التقصير والغفلة والكسل ما يجعلنا فقراء إلى طلب هداية الله باسمرار لنيل المراتب التي يرضاها عنا -بفضله ورحمته- .
ثم إن هذه من المسائل التي اشتهرت في كتب التفسير وقد أجاب عنها المفسرون، فذهب ابن جرير وأبو إسحاق الزجاجوأبو جعفر النحاس وجماعة من اللغويين إلى أنّ المعنى:
ثبّتنا على الهدى.
وقال بعضهم: ألزم قلوبَنا الهدى .
وقال بعضهم: زدنا هدى .
ودخول المسلم في الإسلام هو أصل الهداية؛ لكنّه يحتاج إلى هدايات كثيرة متنوّعة ومتجددة، وبيان ذلك من وجوه:
1-أن الهداية قائمة على العلم والعمل، وهما يتفاضلان؛ فيحتاج المؤمن إلى البصيرة في الدين، وإلى الإعانة على الطاعة، والعصمة من الضلالة في كلّ أمرٍ من أموره.
2-أنّ الهداية الإجمالية لا تغني عن الهداية التفصيلية.
3- أن القلب يتقلّب، وحاجة المرء إلى سؤال الله تعالى التثبيت والهداية دائمة متجددة.
4-أن الفتن التي تعترض المؤمن في يومه وليلته كثيرة متنوّعة ومنلم يهده الله ضلّ بها، وكم أصابت الإنسان المقصّر من فتنة تضرر بها وبعقوباتها ولوأنَّه أحسن الاستعاذة بالله منها وسؤاله الهداية لَسَلِم من شرّ كثير.
5-أنّ لكل عبد حاجات خاصّة للهداية، بما يناسب حاله، فهو محتاج إلى أن يمدّه الله بتلك الهدايات، وإن لم يهده الله لم يهتد.
الجواب الثاني :
الصراط في لغة العرب: الطريق الواضح الواسع السهل المستقيم الموصل للمطلوب.
والمراد بالصراط المستقيم ما فسّره الله به في الآية التي تليها بقوله: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.
وهو وصف جامع مانع لما يوصل إلى رضوان الله وجنّته، وينجّي من سخط الله وعقوبته.
و قد حُفظ عن الصحابة والتابعين في هذه المسألة خمسة أقوال:
القول الأول: أنه دين الإسلام، وهو قول جابر بن عبد الله، ورواية الضحاك عن ابن عباس، وهو قول جمهور المفسّرين.
مستدلين بحديث النوَّاس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلمأنه قال: "ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران..." وفيه: "والصراط الإسلام" رواه أحمد .
وهذا القول هو أشهر الأقوال وأصلها، والإسلام إذا أطلق شمل مراتب الدين كلها؛ فكلّ ما أمر الله به ونهى عنه فهو من شريعة الإسلام، وكل عبادة صحيحة يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى فهي من اتّباع دين الإسلام، ومن سلوك الصراط المستقيم.
القول الثاني: هو كتاب الله تعالى، وهو رواية صحيحة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :(إن هذا الصراط محتضَرٌ تحضره الشياطين يقولون: يا عباد الله هذا الطريق فاعتصموا بحبل الله فإنَّ الصراط المستقيم كتاب الله).
والقول الثالث: هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا القول رواية عن ابن مسعود.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه الطبراني.
القول الرابع: هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، ورواية عن أبي العالية الرياحي والحسن البصري.
عن أبي العالية، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى:{الصراط المستقيم} قال: (هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه) قال: فذكرنا ذلك للحسن فقال: (صدق والله ونصح، والله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما).رواه الحاكم موقوفاً على ابن عباس وصححه، ورواه محمد بن نصر المروزي في السنة مقطوعاً على أبي العالية.
وهذا القول له سبب، وإنما قاله ابن عباس وأبو العالية الرياحي بعد مقتل عثمان وظهور الفِرَق.
القول الخامس: هو الحقّ ، وهو قول مجاهد بن جبر رواه ابن أبي حاتم.
وهذا القول حقيقته بيان وصف هذا الصراط المستقيم بأنَّه الحقّ، لأنّ كلَّ ما اتُّبِع سواه فهو باطل.
فهذه الأقوال الخمسة هي المأثورة عن الصحابة والتابعين في بيان المراد بالصراط المستقيم.
والموقف من هذه الأقوال ما قاله ابن كثير: (وكلّ هذه الأقوال صحيحةٌ، وهي متلازمةٌ، فإنّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم،واقتدى باللّذين من بعده أبي بكرٍ وعمر، فقد اتّبع الحقّ، ومن اتّبع الحقّ فقد اتّبع الإسلام، ومن اتّبع الإسلام فقد اتّبع القرآن، وهو كتاب اللّه وحبله المتين،وصراطه المستقيم، فكلّها صحيحةٌ يصدّق بعضها بعضًا، وللّه الحمد).
الجواب الثالث:
الإنعام يأتي في القرآن على معنيين:
المعنى الأوَّل: إنعام عامّ، للمؤمنين والكافرين وهو إنعام فتنة وابتلاء، كما في قولالله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ...}.
وهذا الإنعام حجة على العباد ودليل على المنعم جل وعلا ليخلصوا له العبادة ويشكروه على نِعَمِه كما .
والنوع الثاني: الإنعام الخاص، وهو إنعام منَّة واجتباء، وهو الإنعام بالهداية إلى ما يحبه الله عز وجل ويرضاه من الأقوال والأعمال، وما يمنُّ به على بعض عباده من أسباب فضله ورحمته وبركاته.
والإنعام المقصود هنا هو الإنعام الخاص بالهداية والتوفيق والاجتباء، وهو المقصود في قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.
فالإنعام في هذه الآية شامل لأسباب الهداية وأحوالها وثمراتها، ولو ذهب يعدّد هذه النعم لم يحصها، فألهمه الله وصفاً جامعاً شاملاً رضيه سبحانه وتعالى وتقبّله من عباده وأجابهم وأثابهم عليه .
الجواب الرابع:
لأهل العلم في بيان الحكمة من إسناد الإنعام إلى الله كلام يتلخّص في أمور:
أولها: توحيد الربّ جلّ وعلا، والتصريح بذكر إنعامه وحدَه، وأنّه لولا إنعامه لم يهتدِ أحد إلى الصراط المستقيم، فكان ذكرالضمير أدلَّ على التوحيد من قول (المنعَم عليهم).
والثاني:أنَّ ذلك أبلغ في التوسّل والثناء على الله تعالى؛ فإنّذلك يقتضي أنَّ كل مهتدٍ إلى الصراط المستقيم فإنّما اهتدى بما أنعم الله عليه، فيتوسّل بسابق إنعامه على كلّ من أنعم عليهم بأن يُلحقه بهم وأن يُنعم عليه كما أنعم عليهم.
والثالث: أن هذا اللفظ أنسب للمناجاة والدعاء والتقرب إلى الله تعالى والتضرّع إليه.
والرابع:أنَّ مقتضى شكر النعمة التصريح بذكر المنعِم ونسبة النعمة إليه.
والحكمة من عدم إسناد الغضب إليه سبحانه:
الأظهر أنَّ ذلك لإفادة عظم شأن غضب الله عليهم، وأنه غضب الملك الجبّار الذي يغضب لغضبه جنوده في السماوات وفي الأرض، فيجد آثار ذلك الغضب في كلّ حال من أحواله. والمقصود أنَّ إبهام ذكر الغاضب هنا من فوائده عموم الغاضبين وكثرتهم وتمكن الوصف منهم وملازمته لهم .
والإنعام يكون من الله ابتداء للجميع على مختلف أحوالهم فأسند إليه؛ لأنه أهله، والغضب يكون بسبب ما صدر من العبد مما يوجب غضب الرب سبحانه فحُذف الفاعل؛ لأنه يتوقف على سبب صاحبه، تنزيهًا للرب جل وعلا.
وذكر ابن القيّم رحمه الله تعالى وجهين بديعين آخرين:
أحدهما: أنَّ ذلك جارٍ على الطريقة المعهودة في القرآن من أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله تعالى، وأفعال العدل والجزاء والعقوبة يُحذف ذكر الفاعل فيها أو يسند الفعل إلى من كان لهسبب فيه؛ تأدّباً مع الله جلّ وعلا، ولئلا يقع في بعض النفوس ما لا يصحّ من المعاني التي يُنزّه الله عنها، كما في قول الله تعالى فيما حكاه عن الجنّ: {وأنا لا ندري أشرّ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشداً}.
ومنها: أنّ ذلك أبلغ في تبكيتهم والإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم؛ بخلاف المنعم عليهم ففي إسناد فعل الإنعام إلى الله تعالى في قوله:{أنعمت عليهم} يفيد عنايته بهم وتشريفهم وتكريمهم.
الجواب الخامس:
صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلمأنه وصف اليهود بأنَّهم مغضوب عليهم، ووصف النصارى بأنّهم ضالون.
ولذلك توافقت أقوال السلف من الصحابة والتعابين على تفسير المغضوب عليهم باليهود، وتفسير الضالين بالنصارى.
فاليهود لما أرسل الله إليهم الرسل يدعوهم لعبادة الله وحده استكبروا وأعرضوا علموا الحق فلم يتبعوه بغيًا وحسدًا من عند أنفسهم، عاندوا وطلبوا الآيات والمعجزات ومع ذلك ما زادهم إلا كفرا وجحودا وقتلا لأنبياء الله فباؤوا بغضب على غضب؛ لأنهم لم يعملوا بما علموا من الحق مع معرفتهم الجلية له فحاربوه فنأوا عنه ونهوا الناس عنه .
وأما النصارى فقد ضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل، فقد اتخذوا لهم شركاء من دون الله يشرّعون لهم من الدين مالم يأذن به الله، فاتبعوهم بجهل، وغلوا في دينهم، فضلوا وبعدوا عن الحق بعيدا .
وهذا لا يقتضي قصر هذا الوصف عليهم؛ لأنه وصف له سبب؛ فمن فعل فعلهم لقيمثل جزائهم.
الجواب السادس :
1- بيان المقصد العام من موضوع الآيات والنظرة الشمولية.
2- تفسير المعاني اللغوية والمراد منها بالآية الكريمة.
3- ذكر أسباب النزول الصحيحة للآيات .
4- البداية بأحسن الطرق في التفسير وهي:
أ- تفسير القرآن بالقرآن، فما أُجمل في موضع قد يفسره مابعده، أو في موضع آخر.
ب- تفسير القرآن بالسنة، فإن لم يتضح المعنى من القرآن أتينا للسنة فإنها وحي وهي مفسرة للقرآن دالة عليه.
ت- تفسير القرآن بأقوال الصحابة، فإنهم باشروا الوقائع، وشاهدوا النزول، وتلقوا من المشكاة النبوية مباشرة بفهم تام وعلم صحيح.
ث- تفسير القرآن بأقوال التابعين، لتلقيهم العلم على يد الصحابة، وخلوهم من البدع والأهواء والتفرق، وعدم فساد لغتهم بالعجمة.
ج- تفسير القرآن باللغة، فإذا لم نجد التفسير فيما سبق فنرجع للغة العربية؛ لأنها لغة القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين.
ح- تفسير القرآن بالرأي والاجتهاد، المستند إلى دليل علمي صحيح.
5- النظر في أقوال العلماء في تفسير الآية وأدلتهم، وذلك بالرجوع إلى المصادر الأصلية لكل عالم وتحري الدقة في النقل عنهم، وعزو كل قول إلى قائله.
6- استنباط الحكم الإلهية والأحكام التشريعية والمقاصد الربانية .
7- ذكر فضائل الآيات والسور الصحيحة والتنبيه على ضعيفها وعلته.
8- ذكر أسماء السور وتعدد أسمائها وسبب تسميتها بهذا الاسم .
9- تبيين القول الصحيح من الضعيف، فيُعمل بالصحيح، وينتبه للضعيف ومرتبة ضعفه.
10- الجمع بين الأقوال والأدلة إن أمكن، وتحرير المسائل الخلافية، ومعرفة القول الراجح منها وثمرة الخلاف.
11- كيفية الجمع بين الأقوال المتشابهة، وأنها بمثابة اختلاف التنوع.
12- التطرق للقراءات المتواترة الواردة في الآية وبيان معنى كل قراءة إن كان يختلف تفسير كل منها.
13- الاعتناء بالتفسير البياني وبيان أسرار التعبير؛ كالتقديم والتأخير، والذكر والحذف، واختيار لفظة على أخرى، وتفسير معاني كل حرف، وذكر مناسبة الآيات بعضها من بعض، وما إلى ذلك ..
14- استخراج الفوائد التي تعين على التدبر والعمل.
15- استعمال الألفاظ السهلة والعبارة الموجزة ما أمكن المؤيدة للمعنى غير المخلة به.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين