المجموعة الخامسة:
س1: ما الحكمة من اقتران اسمي "الرحمن" و"الرحيم"؟
"الرحمن": تدل على الصفة القائمة به سبحانه, أي: دالة على ذاته, وهي على وزن (فعلان) وهي من صيغ المبالغة, وذلك للدلالة على سعة رحمته سبحانه, وعلى بلوغ الكمال في هذه الصفة.
أما "الرحيم": فتدل على تعلقها بالمرحوم, فهي دالة على فعله سبحانه, ورحمته بخلقه, فصيغة (فعيل) تدل على الفعل, لذلك جاء قوله سبحانه:"وكان بالمؤمنين رحيما" وقوله:"ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما", ولم تجئ آية فيها إنه رحمن بهم.
فالرحمن صفة ذاته سبحانه, والرحيم صفة فعله, فاقترن الأسمان ليدلا على أن رحمته الواسعة الواصلة لجميع خلقه, خاصة المؤمنين منهم.
ولقد جاء في هذه المسألة أقوال أخرى لكن فيها نظر:
منها: أن الرحمن: ذو الرحمة العامة لجميع الخلق, وأن "الرحيم" رحمته الخاصة بالمؤمنين, استدلالا بقوله:" وكان بالمؤمنين رحيما"، ويرد هذا الاستدلال قوله تعالى:"ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما".
ومنها: أن المراد الإخبار عن رحمة عاجلة منه سبحانه, ورحمة آجله.
ومنها: أن المراد المشاكلة لغرض التأكيد، هذا وإن كان فيه شيئ من الصحة, إلا إن قصر الغرض عليه لا يصح, خاصة وأن الأصل في كلام العرب التأسيس لا التأكيد.
س2: ما متعلّق الجار والمجرور المحذوف في {بسم الله}، وما الحكمة من حذفه؟
الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف مؤخر، يقدر في كل موضع بما يناسبه, مثل:باسم الله أكتب.
ومن رآى الباء للابتداء, قال إن التقدير: باسم الله أبدأ، أو باسم الله ابتدائي, أي إن المحذوف اسم.
وقد رد في القرآن مثال لكل منهما:
فمثال تعلقه بالاسم قوله تعالى: "وقال اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها".
ومثال تعلقه بالفعل قوله تعالى: "اقرأ باسم ربك".
وقد جاء في أسباب حذف متعلق الجار والمجرور عدة فوائد:
الأولى: التبرك بتقديم اسم الله تعالى, فلا يقدم عليه شيء.
والثاني: حذف تخفيفا لكثرة الاستعمال.
والثالث: ليصح الابتداء بالتسمية في كل عمل وقول, فالكاتب مثلا يقدره على ما يدل على الكتابة, فأفاد الحذف العموم.
س3: فسّر بإيجاز قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين}.
"الحمد": هو الثناء على المحمود لجميل صفاته وكريم إنعامه.
وجاءت معرفة بأل لتفيد استغراق جميع المحامد لله تعالى, من كل وجه من الوجوه, فله الحمد التام الكامل الذي يليق بكمال صفاته وأفعاله, فهو المستحق لها على الحقيقة, أما غيره: فكل ما في مخلوقاته من صفات وأخلاق وأفعال مما قد يُحمد عليه; فمن الله وحده, لأنه سبحانه هو من وهبه إياه فضلا منه ومنة, فهو الأول الذي ليس قبله شيئ, لذلك عادت جميع المحامد له سبحانه.
فهو تعالى محمود على جميع صفاته الكاملة, ومحمود على جميع ما خلق وقضى ودبر, لذلك جاء في سورة الزمر بعد أن يفصل ويقضي الله بين الخلق, قوله تعالى:"وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين", فالجميع يحمده: يحمده المؤمنون على فضله وكرمه وسعة رحمته وستره ومغفرته, والكفار يحمدونه على عدله وإنصافه.
"لله": هو الإله المعبود الذي تالهه القلوب محبة وذلا وتعظيما, وهذا خاص به سبحانه, ولا يجوز صرفه لغيره, وقد أفادت "اللام" الاختصاص, فهو سبحانه المختص بالحمد على كمال صفاته وإنعامه.
وهذا هو الاسم الجامع الذي تتبعه باقي الأسماء, فهو الإله المتصف بجميع صفات الكمال, فهذا الاسم يدل تضمنا ولزوما على باقي الأسماء الحسنى, لأن الله هو المعبود المستحق وحده للعبادة, وهذا يتضمن استحقاقه سبحانه لكمال الأسماء والصفات, واستحقاقه لجميع خصائص الربوبية التي لا يختص بها غيره, وهذا يلزم منه توحيده وإفراده بالعبادة.
"رب العالمين": الرب هو ما اجتمعت فيه صفات الخلق والرزق والملك والتدبير والإصلاح والرعاية, وغيرها من صفات الربوبية.
و"العالمين" : كل ما سوى الله سبحانه وتعالى, وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، يشمل أفرادا كثيرة يجمعها صنف واحد: فالإنس عالم، والجن عالم، وهكذا.
فالله سبحانه وتعالى, خلق جميع المخلوقات, قال تعالى:"والله خالق كل شيء", أعدهم وأمدهم, فأعطى كل مخلوق ما يحتاجه لتقوم به حياته,
وعرفه وألهمه الحصول على ما يفيده, قال تعالى:"الذي اعطى كل شيئ خلقه ثم هدى", فهو سبحانه القائم على نفسه, القائم على غيره, يدبر الأمور لما فيه صلاح العباد, فهو المالك لهم, المتصرف في شؤونهم, لذلك استحق سبحانه وحده أن يحمد, واستحق وحده أن يعبد, واستحق وحده صفات الكمال التي لا تكون إلا له سبحانه, لذلك ابتدات أم الكتاب بالثناء الكامل على الله, تذكيرا للعبد بعبوديته لله, وتذكيرا للعبد بتقصيره في حق مولاه, وتذكيرا للعبد بضعفه ونقصه وفقره الدائم إلى مولاه رب العالمين.
س4: بين معنى العبادة لغة وشرعا.
العبادة لغة أصلها الذلة, يقال: طريق معبد, اي مذلل من كثرة ما وطئته الأقدام, كما قال طرفة:
تُبَارِي عِتَاقًا نَاجياتٍ وأَتْبَعت ... وَظِيفًا وظيفًـا فـوق مَـوْرٍ مُعَبَّـدِ
المور هو الطريق،والمعبد هو المذلل الموطوء, لذلك يقال للعبد عبدا لذله لمولاه وخضعانه له.
أما شرعا, فقد عرفها شيخ الإسلام بقوله: العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
قوله:"من الأقوال والأعمال", يخرج الأشخاص والأمكنة والأزمنة التي يحبها الله فلا توصف بأنها عبادة.
وقوله::يحبها الله", يخرج العبادات الشركية التي يبغضها الله ونهى عنها, ويخرج البدع التي نهى عنها الشرع, كما قال تعالى:"أم لهم شركاكما قال عليه الصلاة والسلام:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
وبالجمع بين التعريف اللغوي والشرعي, يعلم بأن العباد تتضمن المحبة، والانقياد، والتعظيم.
س5: بيّن معنى الاستعانة وكيف يكون تحقيقها؟
الاستعانة هي طلب العون واعتماد المستعين على المستعان به لجلب منفعة او دفع مضرة.
وهي أوسع معاني الطلب، فعند الإطلاق تشمل الاستعاذة والاستغاثة, والدعاء والتوكل وغيرها من الأقوال والأفعال التي يرجو بها العبد جلب منفعة أو دفع مضرة.
وتتحقق الاستعانة بأمرين:
الأول: صدف الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى, وتفويض الأمر إليه, مع اليقين بكمال قدرته, وبأن النفع والضر بيديه سبحانه.
الثاني: أخذ الأسباب المشروعة, سواء كانت كونية أو شرعية.
وهذا ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام, فيما رواه مسلم:"احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز". ففيه: طلب العون من الله, وحرص المعبد على ما ينفعه من أمور دنياه وآخرته, مع عدم ترك الأخذ بالأسباب الموصلة لهذ الأمر, لأن ترك الأخذ بالأسباب من العجز.
والعبد فقير دوما إلى عون مولاه, يحتاج عونه في أموره كلها, ومن ترك الاستعانة: وكله الله إلى نفسه, وليس بعد هذا الخذلان خذلان.
س6: ما الحكمة من الإتيان بضمير الجمع في فعلي {نعبد} و{نستعين}؟
ذكر العلماء في هذه المسألة عدة اقوال:
الأول: إن فائدة ضمير الجمه هو الإخبار عن جنس العباد، ذكره ابن كثير.
الثاني:إن قول المصلي:"إياك أعبد" فيه شيء من الرفعة, فضمير الجمع فيه نوع من تواضع العبد لمولاه.
الثالث: إنه للتعظيم والتمجيد، وهو قول ابن القيم حيث قال :"الإتيان بضمير الجمع في الموضعين أحسن وأفخم فإن المقام مقام عبودية وافتقار إلى الرب تعالى وإقرار بالفاقة إلى عبوديته واستعانته وهدايته فأتى به بصيغة ضمير الجمع أي نحن معاشر عبيدك مقرون لك بالعبودية،...فيكون هذا أحسن وأعظم موقعاً عند الملك من أن يقول: أنا عبدك ومملوكك.....لأن ذلك يتضمن أن عبيدك كثير جداً وأنا واحد منهم،...فقد تضمن ذلك من الثناء على الربّ بسعة مجده وكثرة عبيده وكثرة سائليه الهداية ما لا يتضمنه لفظ الإفراد...
الرابع: إنه أغيظ للمشركين، وأبلغ في الثناء على الله، قاله ابن عاشور, حيث قال:"وفي العدول عن ضمير الواحد إلى الإتيان بضمير المتكلم المشارَك الدلالة على أن هذه المحامد صادرة من جماعات، ففيه إغاظة للمشركين إذ يعلمون أن المسلمين صاروا في عِزة ومنَة ، ولأنه أبلغ في الثناء من أعبد وأستعين لئلا تخلو المناجاة عن ثناء أيضاً بأن المحمود المعبود المستعان قد شهد له الجماعات وعرفوا فضله".
وهذه الأقوال جميعها تتضمن إقرار العبد بعبوديته لله, بل بعبودية الجميع لله, وفقرهم الذاتي المستمر إلى عونه.
وجملة:"إياك نعبد" خبرية, والايان بضمير الجمع في مقام الإخبار أبلغ في التعظيم من ضمير المفرد.
",إياك نستعين" خبرية طلبية, والإتيان بضمير الجمع في مقام الطلب أبلغ في التوسل, فكأن العبد يتوسل لإخوانه كما يتوسل لنفسه, فهي في معنى:"اهدني فيمن هديت".
وهناك قول خامس قاله الرازي, وفيه نظر, حيث قال: النون للتعظيم الذي يشعر به شرف العبادة.