مقدمة تفسير ابن عطية
-منهج التفسير, وأبرز سماته:
- الشمول – الإيجاز – نقل ما صح من كلام السلف ووافق العربية مع نسبه إليهم والتنبيه للخطأ إن وقع منهم – سرد التفسير بحسب رتبة ألفاظ الآية – تتبع الألفاظ – إيراد جميع القراءات – تبيين المعاني ومحتملات الألفاظ.
-فضل تفسير القرآن والنظر في إعرابه ومعانيه:
-ما ورد في ذلك من الحديث والأثر:
روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله يحب أن يعرب)).
وقال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال: الحكمة: الفهم في القرآن. وقال قتادة: الحكمة: القرآن والفقه فيه. وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
وذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال: إنه كان يعرف تفسير قول تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} [القصص: 197].
وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل.
-وتعود أهمية ذلك إلى أن:
إعراب القرآن أصل في الشريعة لأنه بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع.
-كما أن فضل العلم بالقرآن وتفسيره ناجم عن فضل القرآن وأهميته, ومن فضائله:
1- أنه العروة الوثقى التي يستمسك بها وقت الفتن ويرجع إليها عند الاختلاف:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).
وقال أنس بن مالك في تفسير قول تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256، لقمان: 22]. قال: هي القرآن.
وروي عنه عليه السلام أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين إنه لن تعمى أبصاركم ولن تضل قلوبكم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم كتاب الله سبب بينكم وبينه طرفه بيده وطرفه بأيديكم فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وأحلوا حلاله وحرموا حرامه)).
2- أنه يحوي علم الأولين والآخرين:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن)).
3- الأجر العظيم والحسنات المضاعفة بقراءته:
وقال صلى الله عليه وسلم: ((اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف)).
4- أنه أفضل شفيع:
قال عليه السلام: ((ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك)).
5- أنه أفضل العبادات:
قال عليه السلام: ((أفضل عبادة أمتي القرآن)).
6- أن حامله:
موسوم بالشرف:
روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشراف أمتي حملة القرآن)).
مع السفرة الكرام البررة:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي يتعاهد هذا القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة)).
موصوف بالأفضلية:
روى عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).
-وصايا للمسلم مع كتاب ربه وصور للنجاة به:
1- الالتزام بأوامره واجتناب نواهيه:
قال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
2- التخشع والبكاء عند قراءته:
روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى)).
ويروى أن أهل اليمن لما قدموا أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست القلوب.
3- تدبر معانيه والعمل بها:
قال الحسن بن أبي الحسن البصري إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول أنزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملا إن أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا وقد أسقط العمل به.
قال القاضي عبد الحق رضي الله عنه قال الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر: 17، 22، 23، 40].
وقال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم.
4- الارتباط الدائم به:
قال رجل لأبي الدرداء: إن إخوانا لك من أهل الكوفة يقرئونك السلام ويأمرونك أن توصيهم فقال أقرئهم السلام ومرهم فليعطوا القرآن بخزائمهم فإنه يحملهم على القصد والسهولة ويجنبهم الجور والحزونة.
5- الالتجاء إليه عند الفتن والخلافات:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).
-التفسير في عهد رسول الله:
كان رسول الله لا يفسر مغيبات القرآن ومجمله إلا توقيفا عن ربه, فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.
-مكانة التفسير لدى السلف والتهيب من الخوض فيه:
كان جماعة من السلف كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم.
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)).
والمراد: عدم جواز تفسير القرآن دون توفر شروط المفسر فيه, وهي:
- النظر في أقوال العلماء – اكتساب العلوم الأساسية والمدخلية لهذا الفن كالنحو والأصول ونحوها – تفسير الآي بناء على قوانين العلوم وطول النظر.
-أمثلة على المفسرين نذكرها بناء على علو مراتبهم:
من الصحابة:
-علي بن أبي طالب.
-عبدالله بن العباس, وهو الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم فقهه في الدين)).
-عبد الله بن مسعود.
-أبي بن كعب.
-زيد بن ثابت.
-عبد الله بن عمرو بن العاص
ومن التابعين:
-الحسن بن أبي الحسن.
-مجاهد بن جبر, وقد قرأ على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية.
-سعيد بن جبير.
-علقمة.
-عكرمة.
-الضحاك بن مزاحم.
-السدي, وقد كان عامر الشعبي يطعن عليه لأنه كان يراه مقصرا في النظر.
- ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى عدول كل خلف وألف الناس فيه كعبد الرزاق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم.
-ثم إن محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع على الناس أشتات التفسير وقرب البعيد وشفى في الإسناد.
-ومن المبرزين في المتأخرين:
-أبو إسحاق الزجاج.
-أبو علي الفارسي, فإن كلامهما منخول.
-أبو بكر النقاش.
-أبو جعفر النحاس, لكن كثيرا ما استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو العباس المهدوي رحمه الله متقن التأليف وكلهم مجتهد مأجور رحمهم الله.
-باب: في الأحرف السبعة والمراد بها:
اختلف الناس في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه)) اختلافا شديدا وذكروا في ذلك أقوال:
1- أن تلك الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونها كتعال وأقبل وإلي ونحوي وقصدي واقرب وجئ وكاللغات التي في أف وكالحروف التي في كتاب الله فيها قراءات كثيرة, وهذا قول ضعيف.
2- أن تلك السبعة أحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام. قاله ابن شهاب في كتاب مسلم. وهذا كلام محتمل.
3- إن المراد بالسبعة الأحرف معاني كتاب الله تعالى وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال.وهذا ضعيف, لأن هذه لا تسمى أحرفا, وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا في تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.
4- أن هذه الأحرف السبعة منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل: {هن أطهرُ} وأطهرَ.
ومنها ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثل: {ربنا باعِد} وباعَد.
ومنها ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف مثل (ننشرها) و{ننشزها}.
ومنها ما تتغير صورته ويبقى معناه كقوله: {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] و(كالصوف المنفوش)
ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل: {وطلح منضود} [الواقعة: 29] و(طلع منضود) و
منها بالتقديم والتأخير كقوله: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19] و(سكرة الحق بالموت).
ومنها بالزيادة والنقصان كقوله: (تسع وتسعون نعجة أنثى). ذكره القاضي أبو بكر بن الطيب, وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم يؤيد قوله قال: ((إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف نهي وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وائتمروا وانتهوا واعتبروا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه)).
ولكن الصحيح: أن هذا تفسير منه صلى الله عليه وسلم للأحرف السبعة, ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة ومنه قول تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11] أي على وجه وطريقة هي ريب وشك فكذلك معنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك.
5- أنها سبعة أوجه من أسماء الله تعالى. ذكر القاضي أن أبيا رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا أبي إني أقرئت القرآن على حرف أو حرفين ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف ليس منها إلا شاف وكاف إن قلت: غفور رحيم سميع عليم أو عليم حكيم وكذلك ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب)).
وقد أسند ثابت بن قاسم نحو هذا الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر من كلام ابن مسعود نحوه, وإذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه.
6- أنه نزل على سبع لغات مختلفات. ذكره القاضي أبو بكر بن الطيب, وبين بطلانه بقوله: والدليل على ذلك أن لغة عمر بن الخطاب وأبي بن كعب وهشام بن حكيم وابن مسعود واحدة وقراءتهم مختلفة وخرجوا بها إلى المناكرة.
وكلامه فيه نظر لأن ما استعملته قريش في عبارتها ومنهم عمر وهشام وما استعملته الأنصار ومنهم أبي وما استعملته هذيل ومنهم ابن مسعود قد يختلف ومن ذلك النحو من الاختلاف هو الاختلاف في كتاب الله سبحانه فليست لغتهم واحدة في كل شيء وأيضا فلو كانت لغتهم واحدة بأن نفرضهم جميعا من قبيلة واحدة لما كان اختلافهم حجة على من قال: إن القرآن أنزل على سبع لغات لأن مناكرتهم لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس في لغته فأنكره وإنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم وعساه قد أقرأه ما ليس من لغته واستعمال قبيلته.
7- أن القرآن منزل على سبعة أحرف من اللغات والإعراب وتغيير الأسماء والصور وإن ذلك مفترق في كتاب الله ليس بموجود في حرف واحد وسورة واحدة يقطع على اجتماع ذلك فيها. رجحه القاضي أبو بكر بن الطيب.
-القول الراجح:
أنه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل انبث فيه من كل لغة منها, وأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر, ثم كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسدا وضبة وألفافها, وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخيل ويسرها الله لذلك ليظهر آية نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم, وقد ترعرع رسول الله فيها وحولها.
-باب جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره:
-جمع القرآن في عهد الرسول:
كان القرآن في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك.
-جمع القرآن في عهد الصحابة:
لما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبي وزيد وابن مسعود فيذهب فندبا إلى ذلك زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
وبقيت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر بن الخطاب بعده ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة كمصحف ابن مسعود وما كتب عن الصحابة بالشام ومصحف أبي وغير ذلك وكان في ذلك اختلاف حسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها.
-الذين جمعوا القرآن من الصحابة:
-زيد بن ثابت بجمعه - سعيد بن العاص - عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - عبد الله بن الزبير. ذكره البخاري والترمذي وغيرهما.
-فصل في ترتيب الآيات والسور:
ترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد ومن كان معه مع مشاركة من عثمان رضي الله عنه في ذلك. ذكره القاضي أبو بكر بن الطيب ومكي في تفسير سورة براءة.
وظاهر الآثار أن السبع الطول والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام وكان في السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت الكتب.
أما ترتيب الآيات في السور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى الله عليه وسلم ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة على أحد الأقوال. ذكره مكي.
- شكل المصحف ونقطه وتعشيره:
روي أن عبد الملك بن مروان أمر به وعمله, وأسند الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر.
وذكر أبو الفرج أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف.
وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف وكان يقال له: نصر الحروف.
وأما وضع الأعشار فيه ففي بعض التواريخ أن المأمون العباسي أمر بذلك وقيل إن: الحجاج فعل ذلك.
-باب: هل في القرآن لفظ أعجمي؟
اختلف الناس في هذه المسألة على أقوال:
- القول الأول: أن في كتاب الله تعالى من كل لغة. قال به أبو عبيدة وغيره.
-القول الثاني: أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغتان فتكلمت بها العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد وذلك مثل قول تعالى: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال ابن عباس: نشأ بلغة الحبشة قام من الليل إلى غير هذا من الأمثلة. قال به الطبري وغيره. وذلك بعيد وذلك أن إحدى اللغتين أصل والأخرى فرع في الغالب لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا.
-والراجح: أن القرآن نزل بلسان عربي مبين فليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب فلا تفهمها إلا من لسان آخر فأما هذه الألفاظ وما جرى مجراها فإنه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات ونحو ذلك فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الفصيح فإن جهلها عربي ما فكجهله الصريح بما في لغة غيره فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه.
-باب في وجه إعجاز القرآن:
اختلف الناس في إعجاز القرآن بم هو؟
1-فقال قوم: إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات وإن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق وفيه وقع عجزها.
2-وقال قوم: إن التحدي وقع بما في كتاب الله تعالى من الأنباء الصادقة والغيوب المسرودة.
وهذان القولان إنما يرى العجز فيهما من قد تقررت الشريعة ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم في نفسه, وأما من هو في ظلمة كفره فإنما يتحدى فيما يبين له بينه وبين نفسه عجزه عنه وأن البشر لا يأتي بمثله.
3- أن تأتي العرب بمثل القرآن وذلك أنه لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه.
ويظهر بطلان هذا القول في أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين, وذلك ظاهر في قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا ثم تعطى لآخر نظيره فيأخذها بقريحة جامة فيبدل فيها وينقح ثم لا تزال كذلك فيها مواضع للنظر والبدل.
4- وهو الراجح وعليه الجمهور: أن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه.
ووجه إعجازه أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأحاط بالكلام كله علما فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره, وهذا مما يعجز البشر لجهلهم ونسيانهم وعدم إحاطتهم.
- باب في حكم الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله:
قد يستخدم المفسر في تفسيره عبارات توجز تفسيره كأن يقول: حكى الله عن آدم كذا, وقال الله في هذه الآية كذا, ونحو ذلك من إسناد أفعال إلى الله لم يأت الشرع بتوقيفها, وقد استعمل هذه الطريقة المفسرون والمحدثون والفقهاء واستعملها أبو المعالي في الإرشاد, فما حكم هذه الألفاظ؟
-ذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال حكى الله ولا ما جرى مجراه.
-والراجح أنه يجوز إذا استعمل ذلك في سياق الكلام وكان المراد منه حكت الآية أو اللفظ, فذلك استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس, وقد قالت أم سلمة في الحديث: فعزم الله لي. وقيل بنحو ذلك في أحاديث أخر.
-باب: في أسماء القرآن والآيات والسور, ومعانيها:
-أسماء القرآن:
-القرآن:
وهو مصدر من قولك: قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا وقراءة. ومعناه: التأليف. قال به قتادة.
-الكتاب:
وهو مصدر من كتب إذا جمع.
- الفرقان:
وهو مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر.
- الذكر:
قيل: سمي به لأنه ذكر به الناس آخرتهم وإلههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم.
وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء .
وقيل: سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.
-معنى السورة:
قرئت بالهمز وبدونه, فأما من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه.
وأما من لا يهمز فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها. ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه.
ويقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد والملك سورة.
-معنى الآية:
أي: العلامة. فلما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية.
وقيل: سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام ,كما تقول العرب جئنا بآيتنا أي بجماعتنا.
وقيل: لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها سميت آية.