المجموعة الثانية:
1.فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}.
يقول الله تعالى بعد أن أمر بقتال المشركين في الحرم إن بدأوا بالقتال في الحرم مبينا حكمة ذلك :
(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي كفر وشرك،
(وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان،
(فَإِنِ انْتَهَوْا) بالدخول في الإسلام أو المهادنه ودفع الجزية،
(فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) أي فلا عدوان عليهم بعد ذلك إن انتهوا فقد تخلصوا من الظلم بالدخول في الإسلام أو المهادنة ودفع الجزية، والعدوان هنا هو المعاقبة، والعقوبة تسمى بإسم الذنب في غير ما موضع ، مثل قوله تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )
2.حرّر القول في المسائل التالية:
أ: معنى قوله تعالى: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكرا}.
ورد في معناها عدة أقوال:
الأول: ان عادة العرب إذا قضت حجها تقف عند الجمرة فتتفاخر بالآباء وتذكر أيامأسلافها من بسالة وكرم وغير ذلك، فنزلت الآية ليلزموا أنفسهم ذكر الله تعالى أكثر من التزامهم ذكر آبائهم بأيام الجاهلية، روي عن ابن عباس و أنس بن مالكٍ، وأبي وائلٍ، وعطاء بن أبي رباحٍ في أحد قوليه، وسعيد بن جبير، وعكرمة في إحدى رواياته، ومجاهدٍ، والسّدّيّ، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والحسن، وقتادة، ومحمّد بن كعبٍ، ومقاتل بن حيّان، ذكره الزجاج وابن عطية وقال هذا قول جمهور المفسرين وذكره ابن كثير.
الثاني: أنه كقول الصبي : ( أبه أمه) يعني كما يلهج الصبي بذكر أمه وأبيه، روي عن ابن عبّاسٍ والضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ، وذكره ابن عطية وابن كثير
القول الثالث: أي اذكروا الله وعظموه وادفعوا عن حرمه ومن أراد ألنقص من المشاعر كما تذكرون آباءكم وتدفعون عنهم، ذكره ابن عطية عن طائفة لم يسمهم.
ب: معنى قوله تعالى: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}.
ورد في معناها قولين:
الأول: روى أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهر الحرام : هل فيه قتال؟، فأنزل الله عز وجلّ أن القتل فيه كبير، أي : عظيم في الإثم، وإنما سألوا ليغرّوا المسلمين، فإن علموا أنهم لم يؤمروا بقتلهم قاتلوهم، فأعلمهم الله عزّ وجلّ أن القتال فيه محرم إلا أن يبتدئ المشركون بالقتال فيه ، فيقاتلهم المسلمون، والحرمات على هذا جمع حرمة عموما: النفس والمال والعرض وغير ذلك ،روي عن الحسن بن أبي الحسن، وذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
الثاني: نزلت في عمرة القضية وعام الحديبية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا حتى بلغ الحديبية سنة ست، فصده كفار قريش عن البيت، فانصرف ووعده الله أنه سيدخله عليهم، فدخله سنة سبع، فنزلت الآية في ذلك، أي الشهر الحرام الذي غلبكم الله فيه وأدخلكم الحرم عليهم بالشهر الحرام الذي صدوكم فيه، ومعنى الحرمات قصاص على هذا التأويل: أي حرمة الشهر وحرمة البلد وحرمة المحرمين حين صددتم بحرمة البلد والشهر والقطان حين دخلتم، روي عن ابن عبّاسٍ، والضّحّاك، والسّدّيّ، ومقسم، والرّبيع بن أنسٍ، وعطاءٍ ومجاهد، وقتادة ، ذكره ابن عطية ورجحه وذكره ابن كثير.
3.بيّن ما يلي:
أ: متعلّق الاعتداء في قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}.
ورد فيه قولان:
الأول: لا تجاوزا إلى قتال من لم من لم يقاتلكم .
الثاني: لا تجاوزوا إلى قتل النساء والأطفال والرهبان، والتمثيل والغلول وتحريق الشجر.
ب: المراد بإتمام الحجّ والعمرة لله.
ظاهر السياق أن المراد إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما ولا يجوز فسخها؛ ولهذا قال بعده: {فإن أحصرتم} أي: صددتم عن الوصول إلى البيت ومنعتم من إتمامهما. وقد اتفق العلماء على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم، سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها.
ج: حكم القتال عند المسجد الحرام.
لا يجوز القتال عند المسجد الحرام إلا من بدأ بالقتال فيه فيجوز قتاله، قال الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن عيسى، حدّثنا ليث بن سعدٍ، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يغزو في الشّهر الحرام إلّا أن يغزى ويغزوا فإذا حضره أقام حتّى ينسلخ.