تطبيقات الدرس السادس:
-اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:
حل التطبيق:
-2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}
وفي قوله تعالى : { كُوّرَتْ } أقوال :
أحدها :ذهب نورها أظلمت ، رواه الوالبي عن ابن عباس ، وهو قول أبيّ بن كعب و الحسن و قتادة ،ومقاتل . وكذلك قال الفراء : ذهب ضوؤها.
والثاني : ذهبت ، رواه عطية ، عن ابن عباس ، وكذلك قال مجاهد : اضمحلت .
والثالث : غُوّرت ، روي عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وابن الأنباري ، وهذا من قول الناس بالفارسية : كُوربكرد . وقرأت [ من القائل؟ ] على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : هو بالفارسية : كوربور . [ افصلي التوجيه عن أصل القول؛ فلا يصحّ الجمع بينهما في قول واحد، فإن التوجيه قد يكون خطأ، مع بقاء أصل القول صحيحاً، واعتمادك على زاد المسير في نسبة الأقول خطأ منهجي]
الرابع : نكست ، وهو قول أبي صالح . و الربيع بن خيثم .
و في أضواء البيان في معنى :نكست" قال : أي ردت إلى حيث أتت ، كما في الحديث ، فتطلع من مغربها ، وعليه فتجتمع مع القمر . اهـ
الخامس : رمي بها وألقيت وهو قول أبي صالح . و الربيع بن خيثم . [ تحققي من صحة النسبة في القولين الرابع والخامس مع نقل نصّ أقوالهما من الكتب المسندة]
يُقال : كوَّرتُ الرجلَ؛ أي: طرحتَه في الأرض، وقد ورد في الحديث: «الشمسُ والقمرُ ثورانِ مكوَّران في النار».
و جاء في معجم المقاييس " وَيُقَالُ طَعَنَهُ فَكَوَّرَهُ، إِذَا أَلْقَاهُ مُجْتَمِعًا."
قال الزمخشري: " .وأن يكون من طعنه فجوّره وكوّره : إذا ألقاه ، أي : تلقى وتطرح عن فلكها ، كما وصفت النجوم بالانكدار..."
والسادس : أنها تكور مثل تكوير العمامة ، فتلف وتمحى ، وهو قول لابن عباس و الربيع بن خيثم و قاله أبو عبيد .
ومنه كارة الثياب لجمعها.. وجاء في ( لسان العرب ) : ( كورت الشمس : جمع ضوءها ولف كما تلف العمامة )
قال الزجاج : ومعنى { كورت } جمع ضوؤها ، ولفت كما تلف العمامة . ويقال : كورت العمامة على رأسي أكورها : إذا لففتها .
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق ابن يزيد بن أبي مريم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله : { إذا الشمس كورت } ، قال : " كورت في جهنم "
و روى أيضا من طريق أبي أسامة عن مجالد عن شيخ من بجيلة عن ابن عباس : { إذا الشمس كورت } قال : يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ، ويبعث الله ريحا دبورا فتضرمها نارا .
قال ابن الجوزي : قال المفسرون : تجمع الشمس بعضها إلى بعض ، ثم تُلف ويرمى بها في البحر . وقيل : في النار . وقيل : تعاد إلى ما خلقت منه" اهـ
فتبين من ذلك أن لفظ "كورت" لها معان كثيرة:
-ذهب نورها وأظلمت
-ذهبت
-غورت
-نكست
-ألقيت ورميى بها
-كورت ولفت
وكلها معان صحيحة تصدق على لفظ "كورت" وبمجموعها يظهر المعنى الكامل التام للحقيقة لتكوير الشمس
قال ابن جرير الطبري: «والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: «كُوِّرت» كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لَفُّهَا على الرأس، وكتكوير الكَارَةِ، وهي جَمْعُ الثيابِ بعضها إلى بعض ولفِّها، وكذلك قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إنما معناه: جُمِعَ بعضُها إلى بعض، ثم لُفَّت، فرُمي بها، وإذا فُعل ذلك بها ذهب ضوؤها، فعلى التأويل الذي تأوَّلناه وبينَّاه لكِلا القولين اللذَينِ ذكرتُ عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كوِّرت ورُمي بها ذهب ضوؤها». اهـ
قال الدكتور مساعد الطيار ..وهذه الأقوال ترجع إلى معنيين: ذهابها بذاتها، يلحقه ذهاب ضوئها، ورميها، وعلى هذه التفاسير يكون التكوير محتملاً لهذين الأمرين، ويربط بينهما أنهما من الأحوال التي تَمُرُّ بها الشمس في ذلك اليوم، فجاءت هذه اللفظةُ الواحدةُ دالةٌ على هذه المعاني، والله أعلم.
4: معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
قوله تعالى : { فَصَلّ لِرَبّكَ } في معنى الصلاة أقوال :
أحدها : صلاة العيد ،وهو قول عطاء وقال قتادة : صلاة الأضحى .
والثاني : صلاة الصبح بالمزدلفة ، وهو قول مجاهد .
والثالث : الصلوات الخمس ، وهو قول مقاتل .
الرابع : معناه اشكر ربك ، وهو قول عكرمة .
وفي قوله تعالى : { وَانْحَرْ } أقوال :
أحدها : اذبح يوم النحر ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وهو قول ابن جبير وعكرمة و عطاء ، ومجاهد ، و الحسن و قتادة .. والجمهور .
والثاني : وضع اليمين على اليسرى عند النحر في الصلاة . وهو قول عليّ من طريق ظبيان ؛ وابن عباس رضي الله عنهما من طريق أبي الجوزاء
والثالث : أنه رفع اليدين بالتكبير إلى النحر ، وهو قول أبي جعفر محمد بن علي .
الرابع : وانحر أي وسل ، قاله الضحاك .
الخامس : أن المعنى صل لله ، وانحر لله ، فإن ناسا يصلون لغيره ، وينحرون لغيره ، قاله القرظي .
عن محمد بن كعب القرظي ، أنه كان يقول في هذه الاَية : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } يقول : إن ناسا كانوا يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله ، فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد ، فلا تكن صلاتك ونحرك إلاّ لي .
والسادس : أنه استقبال القبلة بالنحر ، وهو قول أبي الأحوص و حكاه الفراء .
ومنه قول الشاعر :
أبا حَكَمٍ هَلْ أَنْتَ عَمُّ مُجالدٍ *** وسيدُ أهْلِ الأبْطحِ المتناحرِ
أي المتقابل .
السابع: اعتدل بين السجدتين قائما حتى يستوي نحرك وهو قول عطاء
قال عطاء أمر رسول الله أن يستوي بين السجدتين جالسا حتى يبدو نحره"
**
النقاش:
و الذي يظهر أن خلاف في معنى "الصلاة" راجع إلى قولين:
الأول : الصلاة المعروفة ثم اختلفوا في تعيينها
الثاني :الشكر...وأطلق الشكر على الصلاة ؛ لأن الصلاة نوع من أنواع الشكر فالشكر يكون بالصلاة ويكون بالصيام ..وبعموم الأعمال الصالحة "اعملوا آل دودا شكرا"
ولا تنافي بين القولين فمن سماه صلاة أراد حقيقتها ومن قال الشكر نظر إلى سياق الآية مقصد السورة حيث أٌمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشكر نعمة عطية الله الكوثر بالصلاة والنحر
أما في تحديد وتعين المراد بالصلاة فلفظ الآية يقتضي العموم لقوله "الصلاة"؛ فكل صلاة لابد أن تكون لله وحده خالصة له لا لغيره فيدخل في هذا الحكم كل صلاة دون استثناء
ومن خص لفظ "الصلاة " بصلاة العيد أو صلاة المكتوبة أو الصلاة بالمزدلفة فهو من بالتنصيص على بعض تلك الصلوات و لا يخرج لفظ العام عن عمومه لأن كل صلاة لابد أن تكون خالصة لله ..وللقاعدة أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام فهذا لا يخصص العام فعلى هذا يبقى لفظ الصلاة على عمومه
بيد أن من قال هي صلاة بالمزدلفة هذا يقتضي أن السورة مدنية ؛ لكن سورة الكوثر مكية كما ذكر ذلك أهل العلم فلا يصح تخصيصها بالمزدلفة دون غيرها من الصلوات
ومرجع معنى "لفظ النحر " إلى قولين
أولا : النحر الذي يقابل الذبح و هو ذكية بهيمة الأنعام ويدخل فيه القول الأول والقول الخامس
ثانيا: النحر العضو في الجسم وهو الصدر وهو يدخل فيه بقية الأقوال التي قيلت في المسألة ؛ لكن على هذا المعنى لا يصح ؛ لأنه لا يطلق الفعل "انحر" ويكون المراد منه النحر الصدر ؛ فهذا غير سائغ في اللغة ؛ لهذا أنكر ابن كثير هذه الأقوال قال رحمه الله " كل هذه الأقوال غريبة جدا . والصحيح القول الأول ، أن المراد بالنحر ذبح المناسك
وقد رجح ابن الجرير أن المراد ب"وانحر" نحر النسك
قال رحمه الله :": والصواب قول من قال : معنى ذلك : فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان ؛ شكرًا له على ما أعطاك من الكرامة والخير ، الذي لا كِفَاء له ، وخصك به . اهـ
قال ابن كثير تعليقا على قول ابن جرير : ..وهذا الذي قاله في غاية الحسن ، وقد سبقه إلى هذا المعنى : محمد بن كعب القرظي ، وعطاء .
5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}
**قوله تعالى { والعَصْرِ } وهذا قَسَمٌ ، فيه قولان :
أحدهما : أن العصر الدهر ، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم . وابن قتيبة .
وإنما أقسم بالدهر ؛ لأن فيه عبرة للناظر من مرور الليل والنهار على تقدير لا ينخرم . ولما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها ، وما فيها من الدلالة على الصانع .
ومنه قول الشاعر :
سبيلُ الهَوَى وعْرٌ وبحرُ الهَوَى غَمْرُ*** ويومُ الهَوَى شهرٌ وشهرُ الهوى دَهْرُ
الثاني: العصر : الليل والنهار . وهو قول ابن كيسان
وقال ابن كيسان : أراد بالعصر الليل والنهار ، يقال لهما : العصران .
ومنه قال حميد بن ثور :
ولن يَلْبَثَ العصران : يومٌ وليلةٌ *** إذا طَلَبَا أن يُدرِكَا ما تَيَمَّمَا
الثالث :وقيل المراد به العصران: الغداة والعشي . ذكره القرطبي ول بعزه إلى أحد
قال الشاعر :
وأمْطُلَهُ العَصْرَيْن حتى يَمَلَّنِي *** ويرضى بنصفِ الدَّيْنِ والأنفُ رَاغِمُ
يقول : إذا جاءني أول النهار ووعدته آخره
الرابع: أنه العشي ما بين زوال الشمس وغروبها ، قاله الحسن وقتادة .
ومنه قول الشاعر :
تَرَوّحْ بنا يا عمرُو قد قصر العَصْرُ *** وفي الرَّوْحةِ الأُولى الغنيمةُ والأَجْرُ.
وخصه بالقسم ؛ لأن فيه خواتيم الأعمال .
وخصها قتادة بآخر ساعة من النهار.
و في رواية له : ساعة من ساعات النهار .
الخامس: أن يريد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم لفضله بتجديد النبوة فيه .
السادس : أنه أراد صلاة العصر ، وهي الصلاة الوسطى ؛ لأنها أفضل الصلوات ، قاله مقاتل .
للحديث المرفوع " الصلاة الوسطى صلاة العصر " . وقوله عليه الصلاة والسلام : « من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله »
ولأنّ التكليف في أدائها أشقّ لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار ، واشتغالهم بمعايشهم
النقاش:
ومرجع ما قيل في معنى "العصر" يرجع إلى قولين:
الأول : الدهر .ويدخل فيه كل ما حدده بوقت ما وزمن معين
الثاني " العصر صلاة العصر
فكل هذه المعاني يصح إطلاق لفظ العصر عليها من جهة الوضع اللغوي ..و "العصر" لفظ عام يشمل كل ما تناوله اللفظ ولا وجه لتخصيصه ؛ فهو باق على عموم شامل لكل أفراده ؛..وقد رجح ابن جرير إبقاء الآية على عمومها
قال رحمه الله :" والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن ربنا أقسم بالعصر ، { وَالْعَصْرِ } اسم للدهر ، وهو العشيّ والليل والنهار ، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى ، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه ."
تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(1) المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}.
وفي { المحروم } أقوال :
أحدها : أنه الذي ليس له سهم في فيء المسلمين ، قاله ابن عباس . وقال إبراهيم : هو الذي لا سهم له في الغنيمة .
والثاني : أنه الذي لا ينمى له شيء ، قاله مجاهد ، وكذلك قال عطاء : هو المحروم في الرزق والتجارة .
والثالث : أنه المسلم الفقير ، قاله محمد بن علي .
والرابع : أنه المتعفف الذي لا يسأل ، شيئا قاله قتادة ، والزهري .
عن الزهريّ ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لَيْسَ المِسْكينُ الّذِي تَرُدّهُ التّمْرَةُ والتّمْرَتانِ والأكْلَةُ والأكْلَتانِ » ، قالوا فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال : «الّذِي لا يَجِدُ غِنًى ، وَلا يُعْلَمُ بِحاجَتِهِ فَيُتَصَدّقُ عَلَيْهِ فَذلكَ المَحْرُومُ » .
والخامس : أنه الذي يجيء بعد الغنيمة ، وليس له فيها سهم ، وهو قول إبراهيم و الحسن ابن محمد ابن الحنفية .
عن الحسن بن محمد ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، فغنموا ، فجاء قوم يشهدون الغنيمة ، فنزلت هذه الاَية : وفِي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ .
والسادس : أنه المصاب ثمرته وزرعه أو نسل ماشيته ، قاله ابن زيد .
قوله تعالى :" وقرأ أفرأيْتُمْ ما تَحْرُثُون أأنْتُم تَزْرَعُونَهُ حتى بلغ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ وقال أصحاب الجنة : إنّا لَضَالّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ."
والسابع : أنه المملوك ، حكاه الماوردي . ونسبه إلى عبد الرحمن بن حميد .
والثامن : أنه الكلب ، روي عن عمر بن عبد العزيز . وكان الشعبي يقول : أعياني أن أعلم ما المحروم .
روي أن عمر بن عبد العزيز كان في طريق مكة فجاء كلب فاحتز عمر كتف شاة فرمى بها إليه وقال : يقولون إنه المحروم
والتاسع : أنه من وجبت نفقته من ذوي الأنساب لأنه قد حرم كسب نفسه ، حتى وجبت نفقته في مال غيره
العاشر: : المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه ، وهذا قول عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاءو عائشة .
عن عروة قال : سألت عائشة رضي الله عنها ، عن المحروم في هذه الآية فقالت : هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه .
روى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء قالا : المحروم المحارف في الرزق وهو المحدود .
.
الحادي عشرة : أنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً .
النقاش:
لفظ "المحروم" اسم جنس محل باللام أفاد العموم فيستغرق كل من صح إطلاق لفظ المحروم عليه بأي وجه كان حرمانه وما ذكر من أقوال هي بيان لنوع الحرمان لا أن الاسم يلزم هذا خاصة..فلا يعدو أن يكونا تفسيرا بالمثال
فلهذا كان الأولى إبقاء لفظ الآية على عمومها حتى عدم المخصص لها
قال ابن جرير :
والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج ، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره ، فصار ممن حرمه الله ذلك ، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة ، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة ، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ ، كما قال جلّ ثناؤه : وفي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ .اهـ
-و لقائل أن يقول أن السياق قاض بتعين أحد تلك المعاني وهو المتعفف لأنه ذكر في مقابل السائل؛ فالمتعفف لا يسأل
قال ابن الجوزي : وأظهر الأقوال قول قتادة والزهري ، لأنه قرنه بالسائل ، والمتعفف لا يسأل ولا يكاد الناس يعطون من لا يسأل ثم يتحفظ بالتعفف من ظهور أثر الفاقة عليه ، فيكون محروما من قبل نفسه حين لم يسأل ، ومن قبل الناس حين لا يعطونه ، وإنما يفطن له متيقظ . وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة ، ولا يصح .اهـ
وكلام ابن الجوزي تطبيق للقاعدة التفسيرية القول الذي يدل عليه السياق أولى من غيره.
.وقال وقال العز بن عبد السلام: " إذا احتمل الكلام معنيين، وكان حمله على أحدهما أوضح وأشد موافقة للسياق كان الحمل عليه أولى" اهـ
فيكون ما دل عليه السياق وهو المتعفف أولى بالدخول في معنى الآية ؛ ولا يعني ذلك إبطال بقية الأقوال ؛ لا بل هي داخلة في معنى الآية ؛والآية باقية على عمومها كما ذهب إليه ابن جرير
****
(3) ناشئة الليل
{ إنّ ناشئةَ الليل } فيها أقوال :
أحدها : أنه قيام الليل ، بالحبشية ، وهو قول ابن مسعود وابن عباس و مجاهدو ابن أبي نجيح ...؛ وناشئة هي بلغة الحبش : قام.
عن ابن عباس إنّ ناشِئَةَ اللّيْلِ قال : بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل ، قالوا : نشأ
عن ابن أبي نجيح ، قال : إذا قام الرجل من الليل ، فهو ناشئة الليل .
عن مجاهد : أيّ ساعة تهجد فيها متهجد من الليل فهي ناشئة .
الثاني :أنه قيام الليل بعد النوم وهو قول عائشة
عن عبيد بن عمير قال : قلت لعائشة : رجل قام من أوّل الليل أيقال له قام ناشئة ؟ قالت : لا ، إنّما الناشئة القيام بعد النوم .
وقال يمان وابن كيسان : هي القيام من آخر الليل .
الثالث : أنه ما بين المغرب والعشاء ، قاله أنس بن مالك . عن عليّ بن الحسين
عن عليّ بن الحسين أنّه كان يصلّي بين المغرب والعشاء ويقول : أما سمعتم قول الله سبحانه : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } هذا ناشئة الليل .
الرابع : ما بعد العشاء الآخرة ، قاله الحسن ومجاهد .
عن عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله تعالى : { إن ناشئة الليل } قال : كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة عن مجاهد ، قال : كلّ شيء بعد العشاء فهو ناشئة .
الخامس :أنها ساعات الليل لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة ، قاله أبو عبيدة و ابن قتيبة .
أي ساعاته كلّها ، وكل ساعة منه فهي ناشئة سميت بذلك ؛ لأنها تُنشأ ، ومنه نشأت السحابة إذا بدت أنشاها الله وجمعها ناشيات
قال أبو عبيدة :" ساعات الليل وهي آناء الليل ناشئةً بعد ناشئة.
السادس : أنه بدء الليل ، قاله عطاء وعكرمة .
وقال عكرمة : ما قمت من أوّل الليل فهو ناشئة .
وقال أبو مجلد وقتادة : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة
السابع : أن الليل كله ناشئة ، وهو قول ابن عباس وعكرمة والفراء
والليل ناشئة: لأنه ينشأ بعد النهار
عن عكرمة ، في قوله : إنّ ناشِئَةَ اللّيْلِ قال : هو الليل كله .
نقاش:
ومرجع ما قيل في معنى ناشئة قولان:
الأول: أن "ناشئة الليل" هي زمان أو وقت من أوقات الليل ؛ و منهم من عممه وقال المراد به كل الليل ومنهم من خصه ببعض أجزاء الليل ؛إما أوله أو آخره أو هو بعد العشاء أو ما كان بين المغرب والعشاء
وسمي الليل وساعاته ناشئة لأنها حدث بعد لم تكن ؛ أو ابتدأ وجوده بعد أن لم يكن .
قال الجوهري: "وناشئة الليل أول ساعاته" قلت هذا قد قاله غير واحد من السلف إن ناشئة الليل أوله التي منها ينشأ الليل والصحيح أنها لا تختص بالساعة الأولى بل هي ساعاته ناشئة بعد ناشئة كلما انقضت ساعة نشأت بعدها أخرى وقال أبو عبيدة: "ناشئة الليل ساعاته وآناؤه ناشئة بعد ناشئة" قال الزجاج: "ناشئة الليل كلما نشأ منه أي حدث منه فهو ناشئة" قال ابن قتيبة: "هي آناء الليل وساعاته" مأخوذة من نشأت تنشأ نشأ أي ابتدأت وأقبلت شيئا بعد شيء وأنشأها الله فنشأت والمعنى أن ساعات الليل الناشئة...تهذيب اللغة
الثاني : أن" ناشة الليل" فعل ينشأ بالليل ؛..فالناشئة اسم لما يفعل بالليل من القيام
وجه هذا القول أن معنى نشأ: قام ؛يقال نشأ الرجل إذا قام من الليل ف"ناشئة" على هذا جمع " ناشئ " أي قائم
وأصحاب هذا القول انقسموا فئتين منهم من جعل مطلق قيام الليل ناشئة ومنهم من خصه بالقيام بعد النوم؛فلا يكون القيام عندهم ناشئة إلا إذا تقدمه نوم
قال ابن الأعرابي قال: "إذا نمت من أول الليل نومة ثم قمت فتلك النشأة"
قال ابن سيده ."..وقيل: الناشِئَةُ والنَّشيئَةُ إذا نِمتَ من أولَّ نَوْمةٍ" [ ثم قمت ]
قال ابن القيم:..على قول الأولين ناشئة الليل بمعنى من إضافة نوع إلى جنسه أي ناشئة منه وعلى قول هؤلاء –الثاني- إضافة بمعنى "في" أي طاعة ناشئة فيه والمقصود أن الإنشاء ابتداء سواء تقدمه مثله كالنشأة الثانية أو لم يتقدمه كالنشأة الأولى..} اهـ شفاء العليل
ف "ناشئة الليل" من اطلاقات و التراكيب الغوية السائغة؛ فصح حمل الآية على جميع معانيها
وقد رجح شيخ الإسلام أن ناشئة الليل هي القيام من النوم واستند في ذلك إلى السنة قال : وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ هُوَ إذَا قَامَ الرَّجُلُ بَعْدَ نَوْمٍ لَيْسَ هُوَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ كَانَ يَقُومُ بَعْدَ النَّوْمِ لَمْ يَكُنْ يَقُومُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ." اهـ
تطبيقات الدرس الثامن:
- بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
في "سبيل "ورد قراءتان:
سبيل بالرفع..: " وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين " ؛ وفيه إسناد الفعل "تستبين" إلى" سبيل " ؛ و معنى الكلام : وكذلك نفصّل الاَيات ولتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين ؛ فالبيان والاستبانة للسبيل
وسواء قرئ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين ؛ بالتاء في الفعل تستبين ؛أو قرئ بالياء وَليسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين؛ فالمعنى واحد لا يغير والتذكير والتأنيث راجع إلى لهجات قبائل العرب؛ فمن العرب من يذكر السبيل وهم تميم وأهل نجد ، ومنهم من يؤنث السبيل وهم أهل الحجاز
سبيل بالنصب...: " وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ المجرمين "؛ فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والفعل مسند له ؛ والمعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين . أي :وَلِتَتَبَيَّنَ أَنْتَ سَبِيلَهُمْ.
وكان ابن زيد يتأوّل ذلك : ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين الذين سألوك طرد النفر الذين سألوه طردهم عنه من أصحابه .
فالفعل بان يستعمل لازما ومتعديا...قال ابن تيمية:"..وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ بَانَ الشَّيْءُ وَبَيَّنْته وَتَبَيَّنَ الشَّيْءُ وَتَبَيَّنْته وَاسْتَبَانَ الشَّيْءُ وَاسْتَبَنْته كُلُّ هَذَا يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا " اهـ مجموع الفتاوي
فاختلاف المحل الإعرابي أثر على معنى الآية؛ وكلا المعنيين صحيح
) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}
في مرجع الضمير في "جعلناه" أقوال :
1-أنه يرجع إلى القران وهو قول السدي..
فالقران هو النور الذي هذه الله به عباده ؛ أي : ولكن جعلنا القرآن ضياء للناس يستضيء بنوره من يشاء الله عز وجل ومن يوفقه.
2-أنه يرجع إلى الإيمان أي : جعلنا الإيمان نوراً . وهو قول ابن عباس والضحاك.. والحجة في ذلك أنه أَقْرَبَ الْمَذْكُورِينَ..والمعنى جعلنا الإيمان نورا يهدي به من يشاء الله هدايته
3-أنه راجع إلى الإيمان والكتاب ، ولكن وحد الهاء ، لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل ، كما يقال : إقبالك وإدبارك يعجبني ، فيوحدهما وهما اثنان .
كقوله { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } ؛ و كقوله : { والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } .
4-أن الضمير يرجع إلى "الأمر" ذكره ابن القيم ولم ينسبه إلى أحد
5- أن الضمير يرجع إلى "الروح" ذكره ابن القيم ورجحه؛ قال ابن القيم:" وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الرُّوحِ، فِي قَوْلِهِ: {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ أَمَرَهُ رُوحًا وَنُورًا وَهُدًى" .اهـ
و قال أيضا :.. فَجَعَلَهُ رُوحًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ حَيَاةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ الَّتِي هِيَ الْحَيَاةُ فِي الْحَقِيقَةِ. وَنُورًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالرَّشَادِ......وقال أيضا وَسَمَّاهُ نُورًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ اسْتِنَارَةِ الْقُلُوبِ وَإِضَاءَتِهَا وَكَمَالِ الرُّوحِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ: بِالْحَيَاةِ وَالنُّورِ..اهـ
.
وإن اختلفت أقوال المفسرين في مرجع الضمير إلا أن المعنى واحد لا تعارض بينهما
فالقران نور والإيمان نور والكتاب والقران هو الموحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسماه الله في كذا موضع من كتابه روحا؛ فجميع تلك الأقوال تنصب في معنى واحد القران وحي من الله ..وجعل الله وحيه روحا ونورا فمن لم يحيه بهذا الروح فهو ميت ومن لم يجعل له نورا منه فهو في الظلمات ماله من نور
لهذا قال ابن القيم في إغاثة اللهفان :
فجمع بين الروح الذي يحصل به الحياة، والنور الذي يحصل به الإضاءة والإشراق، وأخبر أن كتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم متضمن للأمرين، فهو روح تحيا به القلوب، ونور تستضيء وتشرق به، كما قال تعالى:
{أَوَمَنْ كَانَ ميْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ في النَّاسِ كَمَنْ مَثَلهُ فِي الظُّلمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122] اهـ
تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1: "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}
والمزيد:دائر بين المصدرية و المفعول
الْمَزِيدُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ
1- يجوز أن يكون مصدراً كالمحيد والمميد، والمعنى هل مِنْ زيادةٍ ؛ مصدرا .
2-ويجوز أن يكون اسمَ مفعول كالمبيع ؛ والمعنى : هل من شيءٍ تَزيدونَنِيْه أَحْرِقُهُ.
مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}
"منزلا" قرئ بقرآءتين
1-قراءة الجمهور { مُنَزلاً } بضم الميم وفتح الزاي وهو اسم مفعول من ( أنزله ) على حذف المجرور ، أي مُنزَلا فيه .؛ موضعَ إنزالٍ.. ويجوز أن يكون مصدراً ، أي : أنزلني إنزالا مباركا . والمعنيان متلازمان .كما قال الطاهر ابن عاشور
-وقرأه أبو بكر عن عاصم: «مَنْزِلاً » بفتح الميم وكسر الزاي ، وهو اسم لمكان النزول ؛موضع النزول والمعنى : أنزلني مكانا مباركا وموضعا. قال الجوهري : المنزل ( بفتح الميم والزاي ) النزول وهو الحلول ، تقول : نزلت نزولا ومنزلا
فلفظ منزل يحتمل المصدرية أي طلب نزولا مباركا كما أنه يحتمل مكان ومحل النزول أي طلب موضعا مباركا
فهو لفظ واحد شمل عدة معاني
5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
قرئ بقراءتين
1-قراءة الجمهور بالغ بالتنوين ، أمره بالنصب ؛ بالقطع عن الإضافة ؛" والمعنى :".: تام وكامل أمره وحكمه وشرعه لما فيه من الحكم والرحمة.
يبلغُ ما يريدُهُ لا يفوتُهُ مرادٌ ولا يُعجزُه مطلوبٌ
2-وقرأ عاصم " بالغُ أمره" بالغ أمره " بالإضافة وحذف التنوين استخفافا" ؛
والمعنى : يبلغ ما أراد من أمره ؛ لا بُدَّ مِنْ نفوذِ أمرِ اللَّهِ ؛ فمن تيقن ذلك فوض أمره إليه وعول عليه
.
قال مسروق : الله بالغ أمره بكل حال ، توكل عليه أو لم يتوكل عليه ، أي : منفذ قضاءه بكل حال ، غير أن المتوكل عليه يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا
قال الثعالبي : ..لا بُدَّ مِنْ نفوذِ أمرِ اللَّهِ ؛ توكلتَ أيُّهَا المرءُ أوْ لَمْ تَتَوَكَّلْ ؛ قاله مسروق ؛ فإنْ توكلتَ على اللَّهِ كَفَاكَ وَتَعَجَّلَتِ الراحةُ والبَرَكةُ ، وإن لم تتوكَّلْ وَكَلَكَ إلى عَجْزِكَ وَتَسَخَّطَكَ ، وأمرُه سبحانَه في الوجهين نَافِذٌ .:"
فبالغ اسم فاعل للدلالة على المبالغة في تمام أمره حتى بلغ الكمال و مبالغة في نفوذ أمره وقضاءه على كل حاله فلا يفوته شيء ولا يعجزه أمر
والله أعلم