المجموعة الثالثة
س1: ما الحكمة من سؤال المسلم الهداية إلى الصراط المستقيم وقد هداه الله إلى الإسلام؟
الحكمة من سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم أن الإسلام هو أصل الهداية للمسلم , وهو مع هذا بحاجة إلى هدايات أخرى متنوعة وكثيرة ومتجددة ؛ لتثبيتيه على الإسلام , ومن ذلك :
1 – أن الهداية قائمة على العلم والعمل , وهما يتفاضلان , فالمؤمن في حاجة إلى بصيرة في دينه , وإعانة على طاعته , وعصمة من الضلال في جميع أموره ؛ فبسؤال الله الهداية على الصراط المستقيم يحقق له ذلك .
2 – أن الهداية تكون إجمالية وتفصيلية , فالهداية الإجمالية لا تغني عن سؤال الهداية التفصيلية .
3 – أن القلوب متقلبة وبحاجة إلى الثبات ؛ فالعبد يسأل ربه التثبيت والهداية المتجددة في كل وقت .
4 – أن بسؤال العبد الهداية من الله يقيه الفتن التي تعترض له في يومه وليلته , ولسلم من الشرور التي تحيط به بحسن الاستعاذة بالله وسؤاله الهداية .
5 – أن أحوال العباد مختلفة , وكل منهم بحاجة إلى الهداية بما يناسب حاله ؛ فيدعوا الله تعالى أن يمده بهذه الهداية التي يحتاجها , وأن الله إن لم يهده فلن يهتدي أبدا .
س2: ما هي أقوال السلف في معنى الصراط المستقيم؟ وما الموقف منها؟
اختلفت أقوال السلف في معنى الصراط على أقوال , وأرجعها الشيخ عبد العزيز الداخل - حفظه الله - إلى خمسة أقوال :
الأول : دين الإسلام . وهو قول جابر بن عبد الله، ورواية الضحاك عن ابن عباس، وهو قول محمّد بن الحنفية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ورواية عن أبي العالية الرياحي، وهو قول جمهور المفسّرين .
واستدل له بحديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم , وفيه ( الصراط الإسلام ) .
الثاني : كتاب الله . وهو رواية صحيحة عن ابن مسعود .
واستدل له : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن هذا الصراط محتضَرٌ تحضره الشياطين يقولون: يا عباد الله هذا الطريق فاعتصموا بحبل الله فإنَّ الصراط المستقيم كتاب الله) .
الثالث : ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وهو رواية عن ابن مسعود .
واستدل له بما روى الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: ( الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
الرابع : النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، ورواية عن أبي العالية الرياحي والحسن البصري .
الخامس : الحقّ . وهو قول مجاهد بن جبر .
أما القول الأول فهو قول جمهور المفسرين أشهرها أصلها ,فالإسلام إذا أطلق شمل مراتب الدين كلها , أما القول الثاني فهو قول صحيح في نفسه فمن اتبع القرآن فقد هدي إلى صراط مستقيم , والقول الرابع فسببه بعد مقتل عثمان وظهور الفرق ذكره ابن عباس , والقول الخامس هو وصف للصراط المستقيم .
وقد جمع ابن كثير بين هذه الأقوال فقال : ( وكلّ هذه الأقوال صحيحةٌ، وهي متلازمةٌ، فإنّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، واقتدى باللّذين من بعده أبي بكرٍ وعمر، فقد اتّبع الحقّ، ومن اتّبع الحقّ فقد اتّبع الإسلام، ومن اتّبع الإسلام فقد اتّبع القرآن، وهو كتاب اللّه وحبله المتين، وصراطه المستقيم، فكلّها صحيحةٌ يصدّق بعضها بعضًا، وللّه الحمد ) .
الموقف من هذه الأقوال : أنه ينبغي الرجوع إلى المصادر الأصلية في التفسير ولا يكتفى بما ينقل من أقوال في التفاسير المتأخرة , فيأخذ طالب العلم الأقوال بنصها ويميز صحيحها من سقيمها , وبذلك تندفع عنه إشكالات النقل المخل , والتوسع في استخراج الروايات , وحذف الأسانيد .
س3: بيّن معاني الإنعام في القرآن.
للإنعام في القرآن معنيين :
الأول : الإنعام العام , وهو إنعام ابتلاء وفتنة , قال تعالى : ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ) , وهو عام للمؤمن والكافر , قال تعالى : ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) , وهذا الإنعام يكون حجة على العباد ودليل على المنعم سبحانه وتعالى ليعبدوه ويشكروه على نعمه بإخلاص , قال تعالى : ( يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ) .
الثاني : الإنعام الخاص , وهو إنعام منة واجتباء , ويكون بالهداية إلى ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال , وهو إنعام خاص بالهداية والتوفيق والاجتباء , قال تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من لنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا , ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) .
س4: ما الحكمة من إسناد الإنعام في قوله تعالى: {أنعمتَ عليهم} إلى الله تعالى وعدم إسناد الغضب إليه جلّ وعلا في قوله: {المغضوب عليهم}؟
الحكمة من ذلك إفادة عظم شأن الغضب , وأن الله تعالى يغضب لعضبه من في السموات والأرض من جنده ؛ فهو يفيد عموم الغاضبين وكثرتهم .
وذكر ابن القيّم رحمه الله تعالى وجهين بديعين آخرين:
أحدهما: أنَّ ذلك جارٍ على الطريقة المعهودة في القرآن من أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله تعالى، وأفعال العدل والجزاء والعقوبة يُحذف ذكر الفاعل فيها أو يسند الفعل إلى من كان له سبب فيه؛ تأدّباً مع الله جلّ وعلا، ولئلا يقع في بعض النفوس ما لا يصحّ من المعاني التي يُنزّه الله عنها، كما في قول الله تعالى فيما حكاه عن الجنّ {وأنا لا ندري أشرّ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشداً}
وقول إبراهيم الخليل: {الذي خلقني فهو يهدين . والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا مرضت فهو يشفين}.
فمن ذلك قوله تعالى: {الذين أنعمت عليهم} فأسند الضمير إليه جلَّ وعلا، وقوله: {المغضوب عليهم} حذف ذكر الفاعل، وقوله: {الضالين} أسند الفعل إلى من قام به، ولم يقل (الذين أضللتهم) لئلا يُفهم من ذلك نوع عذر لهم، مع أنّ ضلالهم بقضاء الله وقدره.
والآخر: أنّ ذلك أبلغ في تبكيتهم والإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم؛ بخلاف المنعم عليهم ففي إسناد فعل الإنعام إلى الله تعالى في قوله {أنعمت عليهم} ما يفيد عنايته بهم وتشريفهم وتكريمهم.
س5: ما المراد بالمغضوب عليهم وبالضالين؟
المغضوب عليهم : هم اليهود .
الضالين : هم النصارى .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير المغضوب عليهم باليهود , وتفسير الضالين بالنصارى , عن عديّ بن حاتم الطائي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضلال ) .
وروي تفسير المغضوب عليهم باليهود , وتفسير الضالين بالنصارى عن ابن مسعود , وابن عباس , عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما في قوله تعالى: «{غير المغضوب عليهم} قال: «يعني اليهود الّذين غضب اللّه عليهم», {ولا الضّالّين} قال: «وغير طريق النّصارى الّذين أضلّهم اللّه بفريتهم عليه» .
وروي أيضا هذا التفسير عن التابعين فصحّ عن مجاهد، وزيد بن أسلم، والسدي، والربيع بن أنس البكري .
وقال به من تابعي التابعين: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
قال ابن أبي حاتم : ( ولا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافا ) .
ولا ينبغي قصر هذا الوصف على اليهود والنصارى فمن فعل مثل فعلهم لقي مثل جزائهم .
س6: بيّن ما استفدته من دراستك لدورة تفسير سورة الفاتحة من المنهجية في دراسة مسائل التفسير.
من الأمور التي تم الاستفادة منها في هذه الدورة المباركة :
1 – حسن ترتيب المسائل وحسن عرضها .
2 – الاعتماد على أصول التفسير في تفسير الآيات :
أ – يبدأ بالتفسير بالقرآن .
ب – ثم التفسير بالسنة .
ج – ثم التفسير بأقوال الصحابة .
د – ثم التفسير بأقوال التابعين وأتباع التابعين .
و – ثم التفسير باللغة .
3 – الاعتماد على المراجع الأصلية المتقدمة في نسبة الأقوال إلى قائليها في مرويات التفسير .
4 – استخراج جميع المسائل المتعلقة بالآية وعدم إهمال شيء منها .
5 – حسن الانتقال بين المسائل بحيث يشعر القارئ أن هناك ترابط بين المسائل .
6 – الاعتماد على أصول التفسير في الترجيح بين الأقوال .
والله أعلم