المجموعة الخامسة:
س1: ما فائدة جمع أبي بكر للقرآن؟ وما موقف الصحابة رضي الله عنهم منه؟
يعد جمع أبي بكر الصديق منقبة عظيمة له وسبب لحفظ القرآن من الضياع حيث كان القرآن محفوظا في الصدور ومفرقا في العسب واللخاف والرقاع وبعد معارك اليمامة ومقتل عدد كبير من القراء خشي على القرآن من الضياع فأشار عمر بن الخطاب على أبي بكر بجمع القرآن في مصحف واحد فأشار أبو بكر على زيد بن ثابت بتتبع القرآن من العسب واللخاف وجمعه في مصحف واحد كما روي ذلك في صحيح البخاري من طريق ابن شهاب الزهري، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده.
قال أبو بكر رضي الله عنه: « إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن».
قلتُ لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال عمر: «هذا والله خير» فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: « إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه »
فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: « هو والله خير »
فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للَّذي شرَحَ له صدرَ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ واللخافِ وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه) فجمع القرآن في مصحف واحد مع بقاء القراءات كل يقرأ كما علم .
أما موقف الصحابة رضي الله عنهم فقد أجمعوا على تلقيه بالقبول والرضا بهذا الجمع ومن ذلك ماروي عن علي بن أبي طالب - قال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن علي، قال: «رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن».
- وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا قبيصة قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن عبد خير قال: سمعت علياً يقول: «أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع بين اللوحين»
س2: عرّف بأسماء أجزاء المصحف وملحقاته في الزمان الأول.
دفّتا المصحف ضمامتاه من جانبيه، قاله الخليل بن أحمد. وهو ما يعرف بالغلاف الخارجي الذي يضم المصحف .
- والشَّرَج: عُرى المصاحف.
- والرَّصيع: زرّ عروة المصحف.
- والرَّبعة: الصندوق الذي يوضع فيه المصحف.
س3: لخّص موقف ابن مسعود رضي الله عنه من جمع عثمان.
كان عبد الله بم مسعود من السابقين إلى الإسلام وقد حفظ من في النبي صلى الله عليه وسلم سبعين سورة , ومن معلمي القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ,وبعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفه معلما ,وبعث أبوموسى الأشعري معلما إلى البصرة ,وقد روى مسروق قال: كنا نأتي عبد الله بن عمرو فقال: ذكرنا عبد الله بن مسعود فقال :لقد ذكرتم رجلا لا أزال أحبه بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد - فبدأ به ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة ». رواه مسلم.
وروى الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي في السنن الكبرى وغيرهم من طرق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل؛ فليقرأه على قراءة ابن مسعود »
فكان عبد الله بن مسعود يقرأ أهل الكوفة وأبو موسى يقرأ أهل البصرة فيختلفوا في القرآتـين فساء ذلك الإختلاف حذيفة بن اليمان فخشي أن يختلفوا في الكتاب إختلاف اليهود والنصارى فقال: والله إن بقيت حتى آتي أمير المؤمنين عثمان لأمرته أن يجعلها قراءة واحدة ,ولما تفاقم الأمر وخشي الفتنة وكان شديد التوقي من الفتن وله كلمة مسموعة عند الخلفاء أشار على عثمان بجمع المصاحف على مصحف واحد , فقام عثمان رضي الله عنه خطيبا في الناس واستشارهم في جمع القرآن فأشاروا عليه بذلك, فقال: أي الناس أقرأ ؟ قالوا: زيد بن ثابت ,قال: وأي الناس أفصح وأعرب قالوا :سعيد بن العاص قال: فليمل زيد وليكتب سعيد بن العاص.
ولما إجتمع رأي الصحابة في المدينة على ذلك وكان عبد الله بن مسعود بعيدا في العراق واختار عثمان زيد بن ثابت واختارمعه من الكتبه والمملين ولم يختر ابن مسعود معهم شق ذلك على ابن مسعود وذلك لعدة أمور
-لإن ذلك يفضي إلى ترك الأحرف التي أقرئه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- غضب عبد الله بن مسعود لإنه كان من المعلمين الأوائل منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد عثمان بما يقارب ثلاثين عاما وكان مقدما في تعليم القرآن وتعليمه ,فلما اجتمعوا لتوحيد القرآءة لم يكن معهم ويؤخذ من علمه فيه.
- كذلك أنه كان يرى أنه لو كان معهم كان ذلك أدعى لحفظ الحروف التي أقرئه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- ولم يغضب لفوات منصب أوجاه أو مال كما يظن من يسيء الظن بمن لا يعرف عبد الله بن مسعود وزهده في الدنيا .
- أنه كان من سياسة عثمان رجوع الكتاب إلى مصحف أبي بن كعب ومصحف أبي يختلف عن مصحف عبد الله بن مسعود ولابد من توحيد القراءة على مصحف واحد منعا للإختلاف ولابد من ذلك .
- فلما بلغه ذلك الجمع أول الأمر استنكره لكن لما علم أن هذا هو الحق الذي صاروا إليه رضي ما رضيه الخليفة رضي الله عنه ودفع مصحفه إلى عثمان رضي الله عنه .
س4: كم عدد المصاحف العثمانية؟
اختلف في عدد المصاحف التي بعث بها عثمان إلى الأمصار ومن أصح هذه الأخبار ما رواه البخاري في صحيحه من طريق الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ عثمان "أرسل إلى كل أفقٍ بمصحفٍ مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق".
- فقيل في عددها أربعه أبقى في المدينة مصحفا وأرسل إلى البصرة والكوفة مصحفا مصحفا وإلى الشام مصحفا .ويدل عليه ,ما ذكره إبراهيم النخعي: (قال رجل من أهل الشام: مصحفنا ومصحف أهل البصرة أحفظ من مصحف أهل الكوفة). فذكر الخبر، وهو في كتاب المصاحف لابن أبي داوود من طريق جرير عن مغيرة عن إبراهيم.
- وروى إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه قال: «إنَّ أول مَن جمع القرآن في مصحف وكتبه عثمانُ بن عفان، ثم وضعه في المسجد فأمر به يُقرأ كلَّ غداة»
- وقيل إنها خمسةذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري حيث قال : (واختلفوا في عدة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق فالمشهور أنها خمسة).
فيكون خامسها المصحف الذي أمسكه لنفسه، وهو الذي يُدعى المصحف الإمام.
- وقيل سبعةذكر ذلك ابن أبي داوود قال: سمعت أبا حاتم السجستاني قال: (لما كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن، كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا).
- وقيل ثمانيةذكر ذلك ابن الجزري في النشرفقال : (فكتب منها عدة مصاحف، فوجه بمصحف إلى البصرةِ، ومصحف إلى الكوفةِ، ومصحف إلى الشامِ، وترك مصحفاً بالمدينة، وأمسك لنفسه مصحفاً الذي يقال له: "الإمام"، ووجَّهَ بمصحف إلى مكة، وبمصحف إلى اليمن، وبمصحف إلى البحرين)ا.هـ
وعلى أي من الأقوال فإن الناس تلقوا تلك المصاحف بالقبول ونسخوا منها مصاحف كثيرة ونشروها في الأمصار .
س5: هل كلّ ما خالف المصاحف العثمانية منسوخ بالعرضة الأخيرة؟
هذا القول أن كل ماخالف المصاحف العثمانية فإنه منسوخ بالعرضة الأخيرة ذهب إليه بعض علماء المتكلمين كأبي الحسن الأشعري وأبي بكر الباقلاني وصاحب مناهل العرفان عبد العظيم الزرقاني ,وقد رد شيخنا الفاضل عبد العزيز الداخل ذلك لعدة أمور :
- أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا قبل جمع عثمان يقرأون القرآن في المجامع والصلوات والحلق ولو كانوا يقرأون بالمنسوخ لأنكر عليهم ,وقد تقع القرآءه بالمنسوخ من شخص أو شخصين لكن لا يتوقع من الكثرة , ثم لا ينكر عليهم .
- أن عبد الله بن مسعود وأبو الدرداء عندهم من الحلق والمقرئين الكثير وهم يشرفون عليهم فإذا انتهى الطالب من الملقن عرضه على أبو الدرداء وكذلك ابن مسعود وهو الذي يعلم كل آية في القرآن فيم أنزلت وأين نزلت ومتى أنزلت .
- أن الذي حمل عثمان على الجمع هو الإختلاف في القراءة على أحرف مختلفة لا أنهم يقرأون بالمنسوخ.
- إن اعتراض عبد الله بن مسعود على جمع زيد بن ثابت كان لإنه يختلف معه في الحرف الذي يقرأ به وهو الذي يعلم كل آية فيم نزلت ومتى نزلت , وهو الذي شهد العرضة الأخيرة ,وقد شهد ابن عباس لابن مسعود أن قراءته هي الأخيرة لا أن قراءته منسوخة .
- أن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت أقرئا زمنا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم ابن عباس ولم ينكر على أحد منهم أنه يقرىء بالمنسوخ.
- إن أئمة القراء ردوا هذه الدعوى وقالوا إنه يلزم من ذلك القول بنسخ كل ماخالف الرسم العثماني من الأحرف السبعة وهذا باطل ,فكان مما قالوا
- قول ابن الجزري: (إذا قلنا إن المصاحف العثمانية محتوية على جميع الأحرف السبعة التي أنزلها الله تعالى كان ما خالف الرسم يُقطع بأنه ليس من الأحرف السبعة، وهذا قول محظور لأن كثيرا مما خالف الرسم قد صح عن الصحابة رضي الله عنهم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم)ا.هـ
- وقول مكي بن أبي طالب القيسي: (ولو كانت هي السبعة كلها، وهي موافقة للمصحف لكان المصحف قد كتب على سبع قراءات، ولكان عثمان رضي الله عنه، قد أبقى الاختلاف الذي كرهه، وإنما جمع الناس على المصحف، ليزول الاختلاف)ا.هـ.
والحمد لله رب العالمين