المجموعة الأولى:
س1: بيّن حاجة الأمّة إلى فهم كتاب الله تعالى.
من أهم وأعظم الأمور التي تحتاجها الأمة, ولا تستقيم أمورها إلا به, ولا تصلح حالها إلا بتحصيله, هو فهم كلام الله تعالى والعلم بتفسير معانيه, فيعرفون به طريق الحق والهدى, ويستبشرون بوعده, ويحذرون من وعيده, ويفرقون به بين الحق والباطل, والهدى والضلال, كما قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
فالأمة بأمسّ الحاجة إلى فهم القرآن, والتمسك به, والاهتداء بهديه, والاعتصام به من الفتن والشبهات والمنكرات, والحذر مما ضلّ به أهل الفرق المخالفة لكتاب الله, والحذر من أعداء الأمة من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين, وقد بيّن الله تعالى في كتابه علاماتهم وكيفية معاملتهم وجهادهم, وحذّر من صفاتهم وأسباب ضلالهم, وخسرانهم في الدنيا والآخرة, فكتاب الله تعالى وما يحويه من الحق والهدى هو سبيل الأمة لنيل السعادة والفلاح في الدنيا, والفوز والنجاة في الآخرة, التي هي الحياة الحقيقية, كما قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
ولذا فعلى طالب العلم أن يتنبّه إلى حاجة الأمة لفهم كتاب الله, وأن يعرف أوجه هذه الحاجة, فيبذل جهده في سبيل الدعوة إلى الله, والتسلّح بالعلم والتفقه في كتاب الله, لتبليغ ما تعلمه من هديه, والعمل به, ودلالة الناس إلى ما يخرجهم من الظلمات إلى النور, فيحتذي بذلك حذو النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيه, كما قال الله تعالى: {قُل هـذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّـهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّـهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ}.
س2: بيّن سعة علم التفسير.
من فضل الله تعالى ورحمته بعباده: أن أنزل عليهم هذا القرآن العظيم, الجامع لكل خير وعلم, وبيّن به حوائج العباد في أمور دينهم ودنياهم, ودلّهم به إلى طريق الفوز والفلاح في أخراهم, فمن أراد أفضل أبواب العلم وأجمعها, فعليه بتعلم معاني القرآن وتفسيره وتدبره والتفقه بآياته, لأن الله تعالى قد فصّل في كتابه كل شيء, فمن اشتغل بتفسيره وجده جامعًا لأنواع العلوم, ودالاًّ لسبل الهداية, فهو يحوي:
-أصول الإيمان والعقيدة السليمة, وإثبات توحيد الله تعالى في ربوبيته وألوهيته, والتعريف بأسمائه وصفاته, وسننه في الخلق.
-أصول أحكام الفقه في العبادات والمعاملات والجنايات, وأحكام الأسرة والمواريث.
-علم المقاصد الشرعية والسياسة الشرعية، وأحكام الراعي والرعية, التي توصلهم إلى برّ الأمان.
-أصول الأداب الشرعية, والوصايا, والمواعظ والعبر, وضرب الأمثال, والترغيب والترهيب.
-بيان طريق الهدى للعباد, وكيفية التخلص من كيد الشيطان وشرور النفس, وأنواع الابتلاء والفتن, وسبل النجاة منها.
-بيان علم الدعوة إلى الله, وصفات الدعاة ومراتبهم, والاحتجاج والرد على شبهات أهل الضلال, وبيان الأمور التي ضلّت بها الأمم السابقة, ويتضمن ذلك قصص الأنبياء وأخبار بني إسرائيل, كما قال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
وغير ذلك من العلوم الجمّة النافعة, وقد جمع الله عز وجل ذلك كله في قوله تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.
فحذف المتعلق فيها ليدل على العموم, فيهدي للتي هي أقوم في كل ما يحتاج فيه المسلم إلى الهداية.
ومن فضل علم التفسير أن الله تعالى فضّله وشرّف أهله ورفع درجتهم, فمن تعلّمه فقد حاز أشرف العلوم وأعظمها نصيبًا, ومن تدبّره أنار له طريق الهداية والرحمة, يقول ابن القيم رحمه الله:
فتدبر القرآن إن رُمْتَ الهدى *** فالعلم تحت تدبر القرآن
وبالرغم من سعة علم التفسير والحاجة إليه, إلا أن المفسر يحتاج إلى تعلم الكثير من العلوم المتعلقة بالتفسير, كمعرفة معاني الحروف, والإعراب والصرف والبلاغة, وأصول الفقه وقواعد الترجيح, وأسباب النزول, والناسخ والمنسوخ, وفضائل السور والآيات, وغيرها من العلوم المتنوعة التي تفتح له أبوابًا من فهم القرآن واستخراج لطائف معانيه, وهذا يدل على سعة علم التفسير, وكثرة معارف أهله واكتسابهم للعلوم المتعددة.
س3: بيّن أثر الاشتغال بعلم التفسير في صلاح القلب.
لا شك أن علم التفسير من أجلّ العلوم وأشرفها, وأعظمها فضلًا ونفعًا للمسلم, وبه يحصّل المسلم معرفة معاني كلام الله تعالى, وفهم مراده, فإن صاحب ذلك حسن القصد في الطلب أثمر في قلب المؤمن وعمله صلاحًا, فيبصر به طريق الحق والهدى, ويسارع في الاستجابة لأمره ونهيه, ويطهّر به علل وشوائب قلبه, ويلتذّ بكثرة تلاوته وتأمّله وتدبّره, وكلما ازداد المؤمن علمًا به وتصديقًا له وتلاوةً له, ظهر له من المعاني والعبر والنفع ما يزيد إيمانه ويقينه, وخشوع قلبه وإنابته.
وقد رتب الله عز وجل الجزاء والفضل العظيم لمن فهم كلامه وصدّق ما جاء به, فقال تعالى:
{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ}
وقال تعالى: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} .