معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   منتدى المستوى الثامن (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=1018)
-   -   المجلس الحادي عشر: مجلس مذاكرة القسم الثاني من سير أعلام المفسرين (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=41750)

هيئة الإشراف 24 ربيع الأول 1441هـ/21-11-2019م 02:31 AM

المجلس الحادي عشر: مجلس مذاكرة القسم الثاني من سير أعلام المفسرين
 
مجلس القسم الثاني من دورة "سير أعلام المفسرين"
لفضيلة الشيخ عبد العزيز الداخل -حفظه الله.


اختر مفسّراً من المفسرين الذين درست سيرهم واكتب عنه رسالة تعريفية مختصرة ( في حدود صفحة إلى ثلاث صفحات ) تبيّن فيها أهم ما ورد في سيرته
والفوائد التي استفدتها من دراستك لسيرته.


- لايسمح بتكرار اختيار المفسر إلا بعد تغطية جميع المفسرين.

تعليمات:
- ننصح بقراءة موضوع " معايير الإجابة الوافية " ، والحرص على تحقيقها في أجوبتكم لأسئلة المجلس.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة.
- يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.

تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

عائشة أبو العينين 27 ربيع الأول 1441هـ/24-11-2019م 01:42 AM

من الصُفة الى امارة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
سيرة الصحابى الجليل ابو هريرة (عبد الرحمن بن صخر) ت:59هـ


الحمد لله الذى اعز عباده بالاسلام والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين فاخرجهم بأذته من ظلمات الشرك والاوثان الى نور الايمان والتوحيد وعلى اله واصحابه خير الخلق بعد الرسل والانبياء رافعى لواء التوحيد ومبلغى الامة كلام العزيز الحميد وتابعيهم خير القرون بشهادة الصادق المصدوق ومن تبعهم باحسان الى يوم يقوم الناس لرب العالمين
احد كبار هؤلاء الأعلام من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وأرضاهم هم الطبقة العليا من أئمة المفسّرين، الذين من اتّبع سبيلهم، وسار على منهاجهم، واهتدى بهديهم أصاب الطريق الصحيح الموصل إلى العاقبة الحسنة والفوز العظيم.
لزومه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائه وشهادته له
قكانت محبّته من علامات الإيمان؛لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له: (اللهمّ حبب عبيدك هذا وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم إليهما). رواه الإمام أحمد.
وكان من احفظ الصحابة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنهم وارضاهم ببركة دعاء النبى صلى الله عليه وسلم له عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه؟ قال: «ابسط رداءك» فبسطته، قال: فغرف بيديه، ثم قال: «ضمه» فضممته، فما نسيت شيئا بعده. رواه البخاري.
وكان من فقهاء الصحابة لسعة علمه ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له قال الفضل بن العلاء: حدثنا إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس، عن أبيه، أنه أخبره أن رجلا جاء زيد بن ثابت، فسأله عن شيء، فقال له زيد: عليك أبا هريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ذات يوم ندعو الله ونذكر ربنا خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فسكتنا؛ فقال: «عودوا للذي كنتم فيه» قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمّن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي هذان، وأسألك علما لا ينسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمين».
فقلنا: يا رسول الله ونحن نسأل الله علما لا ينسى؛ فقال: «سبقكم بها الغلام الدوسي»
رواه النسائي في السنن الكبرى والطبراني في الأوسط.
ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوماً شديداًمنذ أسلم عام خيبر، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالحرص على العلم،عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: " لقد ظننت، يا أبا هريرة، أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قبل نفسه " رواه البخاري.
لزم ابو هريرة رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على شبع بطنه فحفظ كثيرا من حديث رسول الله وتعلكم علما كثيرا
عن أبي هريرة، قال: " إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} إلى قوله {الرحيم} إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون). رواه البخاري.
صفاته رضى الله عنه
كان سخيّا بالعلم متواضعاً محبوباً، ولاه عمر إمارة البحرين مدّة، وكان في دار عثمان يوم حوصر، وناصره بما استطاع.
ثمّ كان من أهل الإفتاء في المدينة بعد مقتل عثمان.
وولاه معاوية إمارة المدينة؛ فكان وهو أمير على حاله التي يعهدونها من التواضع، يداعب الصبيان، ويركب حماره، ويحمل الحطب على رأسه، حتى ربمّا مرّ بالناس في السوق وهو كذلك؛ فيقول ممازحاً لهم: أفسحوا لأميركم.
قرأته للقرأن
قرأ القرآن على أبيّ بن كعب.

ثناء الصحابة عليه
قال ابن عمر لأبي هريرة: (أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفظنا لحديثه).
من اقواله رضى الله عنه
كان أبو هريرة يقول: (والله ما خلق الله مؤمنا يسمع بي ولا يراني إلا أحبني).
وله روايات كثيرة فى التفسير وروى عنه كثير من الصحابة والتابعين منهم
ثوبان بن بجدد، وأنس بن مالك، وابن عباس من الصحابة .
سعيد بن المسيب، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباحمجاهد بن جبر، ومحمد بن كعب القرظي، وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم كثير من التابعين
وممن ارسل عنهالحسن البصري، وقتادة السدوسيوغيرهم
ممن مروياته فى التفسير
قال محمد بن إسحاق: أخبرني سعيد بن يسار، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا جمع الله العباد في صعيد واحد، نادى مناد: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، فيلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ها هنا؟ فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا، عرفناه، فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجودا، فذلك قول الله تعالى{يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} يبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة). رواه الدارمي.

من الفوائد المستفادة من سيرة ابو هريرة رضى الله عنه
- لزوم العلماء ورثة الانبياء ففى صحبتهم الخير كله كما نال ابو هريرة رضى الله عنه خيرا كثيرا وذكرا طيبا باقيا بفضل ملازمته لخاتم الانبياء صلى الله عليه وسلم
- المسابقة والمسارعة للخيرات فقد سبق ابو هريرة صاحبيه بان ىدعو له النبى بعلم لا ينسى
- ان العلم يرفع صاحبه فى الدنيا والاخرة
- ان السؤال من مفاتيح تحصيل العلم
- ان الله سبحانه وتعالى حفظ سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما حفظ القرأن بأن سخر لذلك رجالا مدهم بقوة الحفظ وامانة البلاغ
- ان بر الوالدين سببا للخير فى الدنيا والاخرة فقد كان ابو هريرة بارا بوالدته يرجوا اسلامها وفدعى لهما رسول الله واصبح محبتهما من علامات الايمان
- ان الله سبحانه وتعالى شكور فشكر لابو هريرة حرصه على صحبة رسول الله وابلاغ العلم عنه بان رفع ذكره
- ان التواضع وبذل العلم لمن يطلبه من سمات العلماء
- ان الصحابة لم يكن همهم الدنيا وكانت الاخرة هى التى تشغلهم ويسألون عنها
- من واجب المعلم الحرص على طالب العلم والدعاء له كما فعل رسول الله مع ابو هريره
- ان القرأن هو بداية العلم فقد قراء ابو هريرة القرأن على أبى بن كعب
- ان الصحابة كانوا يعملون بالقرأن فقد بلغ ابو هريرة رضى الله عنه كل ما تعلمه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عملا بأمر الله سبحانه وتعالى فى القرأن
- ان تمكن المسلم من رد الشبه عن نفسه ففعله هذا محمود كما فعل ابو هريره لما قيل عنه انه مكثر فى الحديث

رضى الله عن ابو هريرة والصحابة الكرام
ونشهد الله انا نحب ابو هريرة واصحاب رسول الله
وصلى اللهم على خاتم المرسلين واله وصحبه اجمعين

هيثم محمد 4 ربيع الثاني 1441هـ/1-12-2019م 09:54 PM

سيرة الصحابي زيد بن ثابت
إذا أمسك المسلم مصحفه ليتلوا كلام ربه، فليتذكر أن ممن شارك في كتابة هذا المصحف وجمعه هو أحد الأفذاذ العظماء الذين كان لهم الفضل والسبق لهذا العمل الجليل، فكان بقدر الله سببا في تحقيق وعد الله بحفظه، وما أعظم ذلك من فضل يسره الله له، وسيكون حديثنا في هذه الأسطر عن هذا الشاب صاحب الهمة العالية منذ صغره الذي انبرى لهذه المهمة الكبيرة.
نسبه ونشأته:
هو أحد كُتَّاب الوحي الصحابي الجليل زيد بن ثابت بن الضحاك النجاري الأنصاري، من بني النجار أخوال رسول الله بالمدينة، جامع القرآن، ومفتي المدينة، وترجمان الرسول، ومن أعلم الصحابة بالفرائض. وكنيته: قال البخاري ومسلم والنسائي: زيد: يكنى أبا سعيد. ويقال: أبو خارجة، وقال محمد بن أحمد المقدمي: له كنيتان.
وقد قُتِلَ والده يوم بُعاث قبل الهجرة بسنوات قليلة، فنشأ يتيمًا، وكان عُمره لا يتجاوز إحدى عشرة سنة يوم قدم الرسول للمدينـة، وأسلـم مع أهلـه وباركه النبي بالدعاء.
علمه:
يعتبر هذا الجانب من أهم جوانب شخصيته رضي الله عنه، كما يظهر تنوعه ونبوغه العلمي في أكثر من مجال:
- فقد كان أحد فقهاء الصحابة وأحد أصحاب الفتوى الستة، وأعلمهم بالمواريث، كما روى أبو نعيم في معرفة الصحابة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "لقد علم المحفظون من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت من الراسخين في العلم"، وذكر في الإصابة عن قبيصة بن ذؤيب: "كان زيد رأسا في القضاء، والفتوى، والقراءة، والفرائض"، ورَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْرُوْقٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الفَتْوَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَزَيْدٌ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو مُوْسَى، وروى ابن سعد في الطبقات عن سليمان بن يسار رضي الله عنه، قال: "ما كان عمر، وعثمان يُقَدِّمَان على زيد أَحَدًا في الفرائض، والفتوى، والقراءة، والقضاء".، وروى أحمد والنسائي والترمذي في مناقب أهل البيت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت"، وقال الزهري: لو هلك عثمان وزيد في بعض الزمان، لهلك علم الفرائض، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمها غيرهما، وقال جعفر بن برقان: سمعت الزهري يقول: لولا أن زيد بن ثابت كتب الفرائض، لرأيت أنها ستذهب من الناس، وقال الشعبي: "غلب زيد بن ثابت الناس على اثنتين: الفرائض والقرآن"، وقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: "النَّاسُ عَلَى قِرَاءةِ زَيْدٍ، وَعَلَى فَرْضِ زَيْدٍ"، وَخَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِالْجَابِيَّةِ. فَقَالَ: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضِ فَلْيَأْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ".
- ومما يشهد على ذكائه، تعلمه السريانية في وقت وجيز، حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم السُّرْيَانِيَّةَ؛ ليقرأ له كتب اليهود، كما روى الإمام أحمد عن خارجة بن زيد، أن أباه زيدا، أخبره: أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال زيد: ذُهِب بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجب بي، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "يا زيد، تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي" قال زيد: فتعلمت له كتابهم، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب".
- وأما إتقانه للغة الفارسية، فقد ساق الطبري في تاريخه رواية عن إسلام القائد الفارس الهرمزان، وفيها وأنه كان الترجمان الرسمي بين عمر بن الخطاب وبين من يتكلم هذه اللغة.
- وهو أيضا من كتاب الوحي لمعرفته بالقراءة والكتابة، وكان يتابع وحي القرآن حفظا، وكان الرسول عندما ينزل الوحي عليه يبعث إلى زيد لكتبه، ومن ذلك ما روي عن البراء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ادع لي زيداً، وقل له: تجيء بالكتف والدواة أو اللوح والدواة فقل: اكتب: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين". أحسبه قال: والمجاهدون قال: فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله، بعيني ضرر. فنزلت قبل أن يبرح: " غير أولي الضرر"، وفي تكليف النبي له بكتابة الوحي، شهادة له على هذه المهمة الجليلة، وبراعته وإتقانه وفي التعلم والحفظ والأمانة والدقة في النقل.
- كما أنه روى الحديث عن النبي، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وله في كتب الحديث اثنين وتسعين حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على خمسة منها، وانفرد البخاري بأربعة منها، وانفرد مسلم بحديث واحد.
- وذكر الطبري في تهذيب الآثار أنه كان رضي الله عنه عالما بشعر العرب حافظا له، وذكر سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت، أن جده زيد بن ثابت روى من شعر كعب بن مالك تسعين قصيدة.
مناقبه والثناء عليه:
تبوأ رضي الله عنه مكانة كبيرة بين الصحابة وصار موضع توقيرهم بفضل علمه، فعن أبي سلمة رضي الله عنه: أن ابن عباس رضي الله عنهما قام إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه، فأخذ له بركابه، فقال زيد: "تَنَحَّ يا ابن عم رسول الله"، فقال ابن عباس: "إنا هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا"، وذلك توقيرا منه لسيدنا زيد بن ثابت وعلمه وفضله، وعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: القُضَاةُ أَرْبَعَةٌ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وعن نافع قال: استعمل عمر بن الخطاب زيد بن ثابت على القضاء، وفرض له رزقاً، وروى حميد بن الأسود عن الإمام مالك: كان إمام الناس عندنا بعد عمر بن الخطاب زيد بن ثابت (يعني بالمدينة)، وروى أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد: "ما رأيت رجلا أفكه في بيته، ولا أوقر في مجلسه من زيد، واستخلف عمر زيد بن ثابت على المدينة ثلاث مرات، مرتين في حجتين ومرة في مسيره إلى الشام. كان عثمان يستخلفه أيضًا إذا حج، وقد استعمله عمر على القضاء وفرض له رزقا، وكان مع عمر بن الخطاب لما قدم الشام وخطب بالجابية عند خروجه لفتح بيت المقدس، وهو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وفي طبقات ابن سعد عن سعيد بن المسيب: "لا أعلم لزيد قولا لا يعمل به، مجمع عليه في الشرق أو الغرب، أو يعمل به أهل مصر، وإنه ليأتينا عن غيره أحاديث وعلم ما رأيت أحدا من الناس يعمل بها، ولا من هو بين ظهرانيهم.
جهاده:
ذكر أصحاب السير أنه خرج مع قوم من الأنصار إلى غزوة بدر، لكن الرسول رده لصغر سنه، كذلك لم يشهد أحد، وكانت أول مشاهده غزوة الخندق، وكان ينقل التراب مع المسلمين على رغم صغر سنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه نعم الغلام"، وبهذا يظهر تشربه لحب دين الله منذ صباه كما هو حال الصحابة رضوان الله عليهم، وشهد غزوة تبوك مع الرسول، وذكر في الاستيعاب أنه رمي يوم اليمامة بسهم في كتفه ولكنه لم يضره.
حفظه للقرآن:
كان رضي الله عنه من الثلة مباركة التي تحفظ أكثر ما نزل على النبي كعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، عبد الله بن عباس، وقد شهد النبي لقراءته فعن عطية بن قيس الكلابي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب أن يقرأ غضاً أو غريضاً فليقرأه بقراءة زيد، وقد قرأ زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفي فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله وقرأها عليه، وشَهِدَ العرضة الأخيرة، وكان يُقرئ الناس بها حتى مات، وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه: "جمع القرآن على عهد رسول الله أربعة، كلهم من الأنصار: أُبَيٌّ، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وزيد بن ثابت" رضي الله عنهم، وذكر ابن الأنباري في المصاحف عن أبي عبد الرحمن رضي الله عنه أنه قرأ على عثمان، قال فقال لي: "إنك إذا تشغلني عن النظر في أمور الناس فامض إلى زيد بن ثابت، فإنه أفرغ لهذا الأمر فاقرأ عليه، فإن قراءتي وقراءته واحدة، ليس بيني وبينه فيها خلاف."
موقفه يوم السقيفـة:
بعد وفاة الرسول اجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة منهما، كما أخرج أبو داود الطيالسي في المسند، وأحمد، والطبراني في المعجم الكبير، والهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رجاله رجال الصحيح عن أَبُو نَضْرَةَ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا قال فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت فقال: "إن رسول الله كان من المهاجرين وإن الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله"، فقام أبو بكر فقال جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار وثبت قائلكم ثم قال أما لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقوا.
جمعه للقرآن الكريم:
لسيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه الدور الأعظم في جمع القرآن الكريم، فبعد استشهاد عدد من القراء في معركة اليمامة في حروب الردة فزع عمر بن الخطاب إلى أبي بكر الصديق راغبا في أن يجمع القرآن حتى لا يُفقد، وبعد موافقة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه دعا زيد بن ثابت وأمره أن يبدأ جمع القرآن، فقال له: "إنك شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتَتَبَّع القرآنَ فاجْمَعْهُ". فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله فقال: "هو والله خير". قال زيد "فلم يزل أبو بكر يراجعني، حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر"، ونهض زيد بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيها، وقال كلمته المشهورة: "والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن". وقال أيضا فيما رواه الإمام أحمد: "فكنتُ أتَتَبَّعُ القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال"، وأنجز المهمة وجمع القرآن وظل هكذا حتى أودعه عند أبي بكر حتى توفي، فكان عند عمر، ثم عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها.
كتابته لمصحف عثمان:
وكان له رضي الله عنه دور شديد الأهمية في كتابة المصحف الشريف في عهد عثمان، ففي خلافة عثمان بن عفان بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين بعض الصحابة، مما أصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خلاف، فقرر عثمان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف ونسخ القرآن في عدة مصاحف ليرسلها إلى البلدان، فأرسل عثمان إلى السيدة حفصة بنت عمر يطلب إليها الصحف لينسخها في مصحف، وأمر زيد وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فأكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلغتهم، ثم أعاد عثمان الصحف إلى السيدة حفصة رضي الله عنها، وفي رواية قال عثمان: "مَنْ أكتب الناس؟". قالوا: "كاتب رسول الله زيد بن ثابت". قال: "فأي الناس أعربُ؟". قالوا: "سعيد بن العاص". وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله، فقال عثمان: "فليُملِ سعيد وليكتب زيدٌ "، وفي صفة الصفوة أن أبي بن كعب كان يملي وزيدا هو الذي يكتب.
وفاته:
توفي رحمه الله بالمدينة في عهد معاوية، أما سنة وفاته فقد اختلف فيها على عدة أقوال، أشهرها سنة خمس وأربعين، وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سالم رضي الله عنه قال: كُنَّا مع ابن عمر رضي الله عنه يوم مات زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقلت: "مات عالمُ الناس اليوم"، فقال ابن عمر رضي الله عنه: "يرحمه الله، فقد كان عالم الناس في خلافة عمر وحَبْرَها، فَرَّقَهُمْ عُمَرُ في البلدان، ونهاهم أن يفتوا برأيهم، وحَبَسَ زيدَ بن ثابت بالمدينة، يفتي أهلها".، وأخرج ابن سعد والطبراني عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد قال: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: "مات حبر الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفا"، ولما مات رثاه حسان بقوله:
فمن للقوافي بعد حسان وابنه ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت
وعن حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: لما مات زيد، جلسنا إلى ابن عباس في ظل، فقال: هكذا ذهاب العلماء، دفن اليوم علم كثير.
رحم الله زيد بن ثابت، لقد كان رجلا أمة

الفوائد من سيرته رضي الله عنه:
- شرف العلم وأهله، وأنه سبب رفعه المرء وتقديمه في أعمال الخير والبر، كما حصل في جمعه للمصحف.
- همته العالية في تحصيل العلم، ومن ذلك تعلمه السريانية في خمسة عشر يوما.
- حسن استغلاله لقدراته ومواهبه في خدمة الدين، ومن ذلك استعمال النبي له في كتابة الوحي.
- تعظيمه لهدي النبي وتتبعه لسنته عندما طلب منه جمع القرآن، فكان جوابه أنه شيء لم يفعله رسول الله.
- عزة القرآن لصاحبه وحامله وشرف ذلك، فكان أحد الذين آلت إليهم الفتوى.
- مبادرته لنصرة لدين الله وحرصه على الجهاد رغم صغر سنه.
- رأيه السديد في يوم السقيفة مما جعل الناس ترضى بحكمه.

المراجع:
- سير أعلام النبلاء للذهبي
- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير
- صفة الصفوة
- الإصابة في تمييز الصحابة
- الطبقات الكبرى لابن سعد
- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور
- تاريخ الإسلام للذهبي

حنان بدوي 13 ربيع الثاني 1441هـ/10-12-2019م 02:03 AM



الصّدّيقة

كلما فترت هممنا، وخارت قوانا؛ نظرنا يمينا ويسارا نبحث عن قدوة نتشبث بهديها، ونسير على خطاها، لنعلم أن الطريق إلى الله قد سلكه قبلنا أناس مثلنا، بشر على شاكلتنا، من نفس جلدتنا؛ ولكن علت هممهم، وطهرت سرائرهم، ونقت ضمائرهم، فسَمتْ قلوبهم، وانقادت جوارحهم، فطار نومهم، وطال ليلهم، وعلمّهم ربهم، وبارك أعمارهم، وصدّق عملهم علمهم.

الصديقة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، المبرأة من فوق سبع سماوات، عائشة بنت الإمام الصديق خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشية التيمية المكية النبوية أم المؤمنين زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم.

ولا جرم أن لنشأتها عظيم الأثر في دينها وصفاتها وماكانت عليه من الفطنة والذكاء، فقد كانت ممن ولد في الإسلام، وكانت تقول: «لم أعقل أبواي إلا وهما يدينان الدين» رواه البخاري.
ثم هاجر بها أبواها، وتزوجها النبي- صلى الله عليه وسلم - قبل مهاجره بعد وفاة الصديقة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين ، ولم يتزوج بكرا غيرها، وقد بشره الله بها قبل زواجه منها، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أريتك قبل أن أتزوجك مرتين، رأيت الملك يحملك فى سرقة من حرير فقلت له: اكشف. فكشف فإذا هى أنت، فقلت إن يكن هذا من عند الله يمضه. ثم أريتك يحملك فى سرقة من حرير فقلت: اكشف. فكشف فإذا هى أنت فقلت: إن يك هذا من عند الله يمضه». (رواه البخاري ومسلم)

ومن هنا تبدأ رحلة المحبة والمودة والوئام، فقد أحبها النبي صلى الله عليه وسلم حباً جمًا، مفتخرا به، معلنا إياه للعالم أجمع وهو من هو صلى الله عليه وسلم، فعن أبى عثمان قال: حدثنى عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: «أى الناس أحب إليك؟»، قال: «عائشة». فقلت: «من الرجال؟» فقال: «أبوها». قلت: «ثم من؟» قال: «ثم عمر بن الخطاب». (رواه البخاري ومسلم)
فأي فخر هذا وأي شعور حينما يعلن خير خلق البرية أن أحب الناس إليه زوجه، فيا له من شعور.

ورغم صغر سنها وحداثة عهدها إلى أنها كانت فطنة ذكية محبة للعلم، حافظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيهة سؤولة، وكيف لا وقد كان الوحي ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم - وهو في فراشها، فقد أكسبتها ملازمتها للنبي صلى الله عليه وسلم نضجا فكريا عظيما، فمكنها ذلك من النهل من قبس النبوة، ومن ثم تحصيل علما غزيرًا، وفقها جماً، ومرويات عديدة.
قال نافع بن عمر: حدثني ابن أبي مليكة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حوسب عذب» قالت عائشة: فقلت أوليس يقول الله تعالى: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} قالت: فقال: " إنما ذلك العرض، ولكن: من نوقش الحساب يهلك). رواه البخاري.
ورواه أبو داوود من طريق أبي عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، إني لأعلم أشد آية في القرآن؟
قال: «أية آية يا عائشة؟»
قالت: قول الله تعالى: {من يعمل سوءا يجز به}.
قال: «أما علمت يا عائشة، أن المؤمن تصيبه النكبة، أو الشوكة فيكافأ بأسوإ عمله، ومن حوسب عذب»
قالت: أليس الله يقول: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا}، قال: «ذاكم العرض، يا عائشة من نوقش الحساب عذب».

المنح من وراء المحن
فكلما علم الله من عبده خيرًا ابتلاه وامتحنه، ليعلم صدقه، حتى إذا أبلى بلاء حسنًا رفعه به في الدارين.
وها هي الصديقة تبتلى في عرضها وشرفها وشرف زوجها ووالديها، ويشتد البلاء حينما تجد الحبيب قد أصيب في مقتل من جراء ما نسب لزوجه، وترفع يديها إلى السماء، حيث لا يعلم بحالها وبراءتها وعفتها إلا الملك تبارك وتعالى، ولا يخزي الله عباده المؤمنين، ولا يخيب رجاءهم، ولا يتركهم هملا؛ بل يدافع عن الذين آمنوا وينصرهم ويتولاهم بفضله ورحمته، وتتبرأ الصديقة بوحي يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد الله لها في سورة النور بأنها من الطيبات، ووعدها المغفرة والرزق الكريم، وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها، ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شرا لها، ولا عائبا لها، ولا خافضا من شأنها، بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها، وأعظم شأنها، وصار لها ذكرا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء، فيا لها من منقبة وما أجّلها.
ومع ذلك تتواضع فتقول: «والله ما كنت أظن أن الله ينزل فى شأنى وحيا يتلى، ولشأنى فى نفسى كان أحقر من أن يتكلم الله فى بأمر يتلى»

وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم بفضلها، فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» (رواه البخاري).

حتى عند موت الحبيب صلى الله عليه وسلم فقد جبرها الله تعالى وأحسن إليها، وقد تلقت ذلك بعلم وبصيرة، وحمد وشكر، فكانت عائشة - رضي الله عنها - تقول: «إن من نعم الله على أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - توفى فى بيتى وفى يومى، وبين سحرى ونحرى، وأن الله جمع بين ريقى وريقه عند موته، دخل على عبد الرحمن وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك فقلت: «آخذه لك» فأشار برأسه أن نعم، فتناولته، فاشتد عليه، وقلت: «ألينه لك»، فأشار برأسه أن نعم، فلينته. (رواه البخاري)

توفى عنها الحبيب صلى الله عليه وسلم تاركًا إياها في سن صغيرة، ورغم أنها لم تنجب أبناء إلا أنها كانت أُمّا للمؤمنين جميعًا، لديها علم ينعم به الصحابة الكبار والصغار، ويسألونها فيه وتجيبهم .
قال أبو موسي الأشعري: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما.
- محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: «ما رأيت أحدا أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلت، ولا فريضة من عائشة» رواه ابن سعد.
- الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: (رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض). رواه ابن سعد.
دخل عليها معاوية وهو خليفة المسلمين زائراً فوعظته وذكّرته؛ فلمّا خرج قال: (والله ما سمعت خطيبا، ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبلغ من عائشة).
- وقال عروة بن الزبير: ما رأيت أعلم بالشعر منها.
وقال: ربما روت عائشة القصيدة ستين بيتا وأكثر.
- وقال الزبير بن بكار: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: ما رأيت أحدا أروى للشعر من عروة؛ فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله!!
فقال: (وما روايتي من رواية عائشة ما كان ينزل بها شئ إلا أنشدت فيه شعرا). رواه ابن عساكر.

توفت الصديقة سنة 57 من الهجرة، قال الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة، عن موسى بن ميسرة، عن سالم سبلان: أنها ماتت في الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان بعد الوتر. فأمرت أن تدفن من ليلتها فاجتمع الأنصار وحضروا فلم ير ليلة أكثر ناسا منها. نزل أهل العوالي فدفنت بالبقيع.سير أعلام النبلاء.

رضي الله عنها وأرضاها وجزاها الله عنا خير الجزاء.

من الدروس المستفادة:
1- أن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه وبناته وأصحابه رضي الله عنهم أسوة حسنة، فلا ينقب العبد بعيداً ولا يبحث في علوم مستحدثة ولا روايات خيالية حتى ينعم ويسعد، ولكن هذا النبع الصافي، والواقع الحقيقي لهؤلاء البشر أحق أن يتبع.
2- أنه مهما بلغ العبد مبلغا في الدنيا؛ فلابد له من التواضع ولين الجانب لمن يحب، ولا يعيب المرء ذكره لحب أحبته والاعتراف به وإعلانه ما دام هذا الحب والود مأمور به غير منهي عنه.
3- أن الله مع المؤمنين بعلمه وقدرته وسمعه وبصره، وأنه الحكيم سبحانه، فليطمئن العبد أن كل أقدار الله تعالى هي خير له وإن بدا له بعقله القاصر غير ذلك.
4- قراءة منح الله تعالى وتلمسها وشكرها وحمدها وحسن الظن فيما عند الله تعالى؛ ولا سيما عند وقوع البلاء.
5- كثرة العلم والفقه ليس بطول العمر ولا كثرة الاطلاع، وإنما بحسن القصد، وإخلاص النية، وحسن التوكل على الله تعالى.
6- أهمية الصحبة الصالحة واختيار الزوج الصالح من أهم المعينات على الثبات على الطاعة وزيادة الإيمان .


وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


كوثر التايه 14 ربيع الثاني 1441هـ/11-12-2019م 06:13 PM

عبدالله بن عمرو بن العاص السهمي-65هجري

إسلامه
أسلم رضي الله قبل أبيه. هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

عبادته
كان عابدا زاهدا حافظا لكتاب الله، وقد يقرأه في ليلة واحدة، وكان يصوم الدهر، فأرشده صلى الله عليه وسلم أن يصوم كيوم داوود عليه السلام وأن يقرأ القرآن كل سبع ؛ قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة، قال: فإما ذُكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما أرسل إلي فأتيته، فقال لي: «ألم أُخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟» فقلت: بلى، يا نبي الله، ولم أرد بذلك إلا الخير.
قال: «فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام»
قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال «فإن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا»
قال: «فصم صوم داود نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان أعبد الناس»
قال: قلت: يا نبي الله، وما صوم داود؟
قال: «كان يصوم يوما ويفطر يوما»
قال: «واقرأ القرآن في كل شهر»
قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: «فاقرأه في كل عشرين».
قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: «فاقرأه في كل عشر».
قال قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: «فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقا، ولزَورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا»
قال: فشدَّدت، فشُدِّد علي.
قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لا تدري لعلك يطول بك عُمُر».
قال: «فصرت إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم» رواه مسلم.

ثناء النبي صلى الله عليه وسلم

قال ابن أبي مليكة: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله). رواه الإمام أحمد، وله شاهد من حديث عقبة بن عامر

الصحيفة الصادقة

هي ما كتبه عن النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه مباشرة منه، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول الله، أكتب ما أسمع منك؟، قال: نعم، قلت: في الرضا والسخط؟، قال: نعم، فإنه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلا حقا). رواه الإمام أحمد والحاكم.


أخلاقه

كان متواضعًا ، قال سليمان بن ربيعة الغنوي: (كنا نُحدَّث أنه أشد الناس تواضعاً). ذكره الذهبي.؛ وكان حسن الخلق فطنا ذكيا تعلم اللسان السرياني

روايته في التفسير

أكثر ما يرويه في التفسير مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم أو اجتهاده؛ و أخباره عن بني إسرائيل قليلة

من مروياته

شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن يحيى بن قمطة، عن عبد الله بن عمرو: {فلنولينك قبلة ترضاها} حيال ميزاب الكعبة). رواه ابن جرير.

من تلاميذه

سعيد بن المسيب، عروة بن الزبير، ابن أبي مليكة، أبو يحيي الأعرج وغيرهم

من أرسل عنه

الحسن البصري، مجاهد؛ قتادة السداسي؛ وغيرهم

دروس مستفادة من سيرته

1- فطنته وبصيرته في معرفة الحق وإسلامه قبل أبيه
2-حبه للعبادة وتعلقه بها
3-استجابته لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأن يعطي كل ذي حق حقه رغم ما يجد من رغبة وقدرة على العبادة
4-تعلقه بالحديث النبوي وحفظه وكثرة مروياته وتميزه بالصادقة

هيئة التصحيح 11 25 ربيع الثاني 1441هـ/22-12-2019م 07:25 PM

تقويم مجلس مذاكرة سير أعلام المفسرين (2)

تعليق عام:
- تميز عصر الصحابة بأمور لم تكن فيمن بعدهم، خاصة صغار الصحابة الذين نشؤوا في الإسلام، وترعرعوا فيه وأعطوه أعمارهم، وحرصوا على نشر الدين وتعليمه، ومع هذا تميزت حياتهم بالتوازن؛ فما بين الصحابي العابد والمجاهد والعالم المتعلّم والمعلّم.
وإن كان لكل صحابي ما يميزه - رضوان الله عليهم جميعًا -، لكن حبذا لو سلطنا الضوء على هذا التوازن في حياتهم، وعلى دورهم في نشر العلم.
فهذه الطبقة من الصحابة -التي تدرسونها في هذا القسم- ممن عاشوا فترة حتى احتيج إلى علمهم، فبلغوا ما تعلموا من الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
- أؤكد على أهمية الحرص على ترابط فقرات الرسالة، وعلى عزو الآثار والأحاديث.

التقويم:

عائشة أبو العينين: أ
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
في الرسالة الكثير من الأخطاء اللغوية والإملائية.
واجتهدي أن تربطي بين الفقرات:
- عنوان رسالتك " من الصُفة إلى إمارة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم "
لم تفصلي معنى كونه "من الصُّفة"!
أظن هذا التفصيل كان سيكون له أثره في بيان أثر لزوم أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وتعلمه منه وتبليغه لهذا العلم، ليرتفع بهذا شأنه وقدره حتى يومنا هذا، وفي هذا تحفيز لطلاب العلم على الحرص عليه وعلى تبليغه.


هيثم محمد: أ+
- أرجو مراجعة التعليق العام.
بعض الآثار لم تقم بعزوها، فإن كان السبب مراعاة الاسترسال في الكلام، يمكنك ترقيم الآثار، وعزوها في هامش في نهاية الرسالة.
رجال الصحيح عن أَبُو نَضْرَةَ عن أبي سعيد الخدري = عن أبي نضرة.

حنان بدوي: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيك ونفع بك.
ومن ثم تحصيل علما غزيرًا، وفقها جماً = ومن ثمّ تحصيل علمٍ غزير وفقهٍ جم.

كوثر التايه: ب
بارك الله فيكِ، راجعي التعليق العام، والوصايا العامة في تصحيح المجالس السابقة.


وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى

فداء حسين 27 ربيع الثاني 1441هـ/24-12-2019م 08:20 PM

عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي (ت:74هـ)

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

لا يملك من يرى حال الكثير من شباب الأمة في هذا الزمان إلا أن يسكن الأسى والحزن قلبه على ما يراه من ضياع الحياء والمروءة بل الرجولة عند أكثرهم والله المستعان!
ولا يسعنا إلا أن نسأل الله لهم الهداية , ولا يسعنا إلا بث ونشر سير شباب السابقين في هذه الأمة , صغار الصحابة الذين شهد لهم النبي-صلى الله عليه وسلم- بالصلاح وأثنى عليهم , لعلهم يكونو مصابيح تنير ظلمات السالكين ممن جهلوا حال سلف الأمة وما كانوا عليه , واتخذوا من غير المسلمين قدوات يقتدون بها في الباطن والظاهر.

ومن هذا المنطلق يأتي الكلام عن صحابي جليل فاضل عالم زاهد عابد , قال فيه النبي-صلى الله عليه وسلم- (إن عبد الله رجل صالح) فنعما بها من شهادة من خاتم النبيين وسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.

كلامنا عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه:
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العُزى بن رِيَاح , يكنى بأبي عبد الرحمن، بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين , وأمه زينب بنت مظعون , أخت عثمان بن مضعون.
أسلم رضي الله عنه بمكة مع إسلام أبيه وكان عمره أربع سنين ، فلم يكن قد بَلَغ يومئذ , وقد هاجر مع أبيه إلى المدينة وكان في العاشرة من عمره , رضي الله عنه وأرضاه .

اهتم-رضي الله عنه- بتحصيل العلم من منبعه الأصيل , فكان -مع صغر سنه- يحضر مجالس النبي -صلى الله عليه وسلم- مستعما لما يقال , مجتهدا في حفظ ما يسمع , ولعله يكون عالما لإجابة مسألة طرحها النبي -عليه الصلاة والسلام- فيحجم عن الرد حياء منه -رضي الله عنه- لوجود من هو أكبر منه سنا ومكانة في المجلس , ومن هذا ما حصل لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه فقال :" إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم حدثوني ما هي ؟ قال عبد الله بن عمر : فوقع الناس في شجر البوادي ، وقال: فوقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ، ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ قال : هي النخلة " .

ومع شدة اهتمامه بتحصيل العلم , إلا إنه لم يهمل العمل بما يتعلم , فكان رضي الله عنه من العباد الذين مدح النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاحهم , وكانت تؤثر فيه الكلمة من النبي - عليه الصلاة والسلام- فيغير بها مسلكه ويلتزمها بكل ما أوتي من قدرة , ومن منا تغيره كلمة أو حديث يسمعه عن النبي-صلى الله عليه وسلم؟!
ومن منا مثل ابن عمر ؟!

فقد رأى في المنام كأن ملكين أخذاه فذهبا به إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس عرفهم، فجعل يقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر، فقال له: لن تراع , فلما قص رؤياه على حفصة، قصتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((نعم الرجل عبدالله لو كان يُصلِّي بالليل))،
وقد قال سالم ابنه: فكان عبدالله لا ينام من الليل إلا قليلًا!

وهذا كان حاله على الدوام , فكان كثير العبادة لا يفتر عنها إلا بقدر ما يحتاجه من الراحة والطعام ليعاودها , حتى قال طاوس بن كيسان عنه : (ما رأيت مصليًا كهيئة عبدالله بن عمر، ولا أشد استقبالًا للكعبة بوجهه وكفَّيه وقدميه منه) رواه ابو نعيم في حلة الأولياء.
كذلك ما جاء عن نافع من قوله : (كان ابن عمر يحيي بين الظهر إلى العصر).رواه ابو نعيم في حلة الأولياء.
ولما سألوا نافع عما كان يصنع بن عمر في منزله؟ قال: (لا تطيقونه: الوضوء لكل صلاة والمصحف فيما بينهم).

وكان كذلك من أكثر الصحابة اتباعا للنبي -صلى الله عليه وسلم- فكان ينزل منازله , ويصلي في كل مكان صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل تحت شجرة، فكان عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس!
وهو مع هذا متبعا لسنته عاملا بها , مأتمرا بأقوال النبي-صلى الله عليه وسلم - فقد روى أبو داود قول النبي-صلى الله عليه وسلم- في شأن باب في المسجد : ((لو تركنا هذا الباب للنساء)).
فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات .

وبعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ابن عمر إذا قَدِمَ من سفر بدأ بزيارة قبر النبي-صلى الله عليه وسلم- للسلام عليه قبل أن يتوجه إلى منزله فيقول: (السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه).

وعرف عنه الزهد في الدنيا , كيف لا وهو الذي أمسك النبي-صلى الله عليه وسلم- بمنكبيه وقال له:(كن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل ) , فكان رضي الله عنه يقول بعدها : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء.
وقد نقل إلينا ميمون بن مهران مقتنيات ابن عمر في بيته فقال : (دخلت على بن عمر، فقومت كل شيء في بيته من فراش أو لحاف أو بساط وكل شيء عليه، فما وجدته يساوي مائة درهم). رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى.
حتى قال عنه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : (مَا مِنَّا أَحَدٌ أَدْرَكَ الدُّنْيَا إِلَّا قَدْ مَالَتْ بِهِ وَمَالَ بِهَا إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا).

ولم يبخل -رضي الله عنه- بشبابه أو قوته , بل كان من السباقين في الجهاد في سبيل الله , فقد شهد كل المشاهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- سوى بدر وأحد , لأن حالنبي -صلى الله عليه وسلم- استصغره , لكنه أجازه يوم الخندق وكان قد بلغ خمس عشرة سنة.
وهو ممن شهد بيعة الرضوان وغزوة مؤتة واليرموك ويوم القادسية وغيرها.

والمقصد من ذكر ذلك بيان امتثاله لجميع ما جاء به الدين علما وعملا على اختلاف نوعه.
والمقام لا يسمح بسرد ما جاء في عبادته وورعه من روايات , لكن نكتفي بما ذكرناه لعله يكون البداية للبحث والتنقيب عما جاء في سيرته رضي الله عنه.

ولقد كان-رضي الله عنه- أحد أشهر رواة الحديث في عهد رسول الله -صلَى الله عليه وسلَم- وما بعده , وكان من الرواة الثقات الذين يتحرون الدقة في النقل عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقد قال محمد الباقر عنه : (كان ابن عمر إذا سمِعَ من رسول الله حديثًا لا يزيد ولا ينقص، ولم يكن أحدٌ في ذلك مثله).
حتى قال نافع عنه: (كان ابن عمر وابن عباس يجلسان للناس عند مقدم الحاج، فكنت أجلس إلى هذا يومًا، وإلى هذا يومًا، فكان ابن عباس يجيب ويُفتي في كل ما سُئل عنه، وكان ابن عمر يردُّ أكثر ممَّا يُفتي). ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء.
وقال عقبة بن مسلم: سئل ابن عمر عن شيء، فقال: لا أدري، ثم قال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا جسورًا في جهنم، تقولون: أفتانا بهذا ابن عمر.
فكان-رضي الله عنه- معروفا بشدة ورعه وخوفه من القول على الله بغير علم , فكان شديد الحرص فإن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن علم , ولم يكن يخاف من قول (لا أعلم) ولا خشي-رضي الله عنه- اتهام الجهلة له بالجهل , فحين سأله رجل عن مسألة قال له : لا علم لي بها , فلما أدبر الرجل قال ابن عمر: (نعم ما قال ابن عمر سئل عما لا يعلم فقال : لا علم لي به) . رواه الدارمي.

ولما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عمرعبدالله إحدى وعشرين عاما , فتابع تحصيل العلم وحفظ الأحاديث وأكثر من ذلك , فكان -رضي الله عنه- أحد العبادلة المكثرين من الحفظ والرواية , وقد امتد به العمر حتى احتاج الناس إلى علمه فلم يتوانى في بث ما حفظه وتعلمه , فكان من أعلم الناس في زمانه , وكان من فقهاء الصحابة المعدودين وأعلم الصحابة بمناسك الحج .
وقد جلس للفتيا قرابة ستين سنة , قال مالك بن أنس قوله : (كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت، عبدالله بن عمر، مكث ستين سنة يُفتي الناس). كما ذكر ذلك الذهبي .
وقال : (بلغ ابن عمر ستا وثمانين سنة، وافى في الإسلام ستين سنة تقدم عليه وفود الناس).
وقال الزهري: (لا نعدل برأي ابن عمر فإنه أقام بعد رسول الله ستين سنة، فلم يخف عليه شيء من أمره ولا من أمر الصحابة).
وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق ما قاله أبو إسحاق الهمداني : (كنا نأتي ابن أبي ليلى في بيته وكانوا يجتمعون إليه، فجاءه أبو سلمة بن عبد الرحمن فقال: أعُمر كان عندكم أفضل أم ابنه؟
فقالوا: لا، بل عمر.
فقال أبو سلمة: إن ّعمر كان في زمان له فيه نظراء، وإن ابن عمر كان في زمان ليس له فيه نظير).

وقد روى عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ , وعن أبيه, وأبي بكر, وعثمان, وسعد، وابن مسعود، وأخته حفصة, وعائشة, وغيرهم.

وكان ممن حفظ القرآن , وفهم معانيه , وعد من مفسري الصحابة , وهذا حال من كان في مثل علم ابن عمر , وفهم وتدبر ابن عمر , فقد أخبر ميمون أن ابن عمر تعلَّم سورة البقرة في أربع سنين.
وحكى نافع عنه أنه إذا قرأ قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ بكى حتى يغلبه البكاء.
وكان بين أصحابه مرة فقرأ قوله تعالى:{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فبكى حتى لم يستطع قراءة ما بعدها من الآيات.
فأين هذه القلوب الحية منا !

وقال في قوله تعالى:{ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} : أعظم الشعائر البيت . ذكره ابن كثير في تفسيره.
وقال رضي الله عنه: كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في كتاب الله حتى نزلت علينا هذه الآية: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله). رواه ابن أبي حاتم.
وقال في قوله تعالى : {خذ العفو} قال: (أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس). رواه ابن أبي حاتم.

وله تفاسير غيرها-رضي الله عنه - ولقد روى عنه الخلق الكثير في التفسير, وأكثر من روى عنه فيه هم : مولاه نافع ثم عبد الله بن دينار، ثم سالم بن عبد الله.
وروى عنه كذلك : ابنه سالم، ومولاه نافع، وعبد الله بن دينار، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، وزيد بن أسلم العدوي مولى عمر، وأخوه خالد بن أسلم، وأبو عمرو الشيباني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعامر الشعبي، وخالد بن معدان، ومحارب بن دثار الباهلي، وصدقة بن يسار، وأبو الزبير المكي، وبكر بن عبد الله المزني، وثوير بن أبي فاختة.
وأرسل عنه: الزهري، ومحمد بن عون، وقتادة، وعطاء بن أبي رباح، وأبو قلابة الجرمي، وأبو حازم سلمة بن دينار، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزناد، ومكحول، وعروة بن رويم، وعمرو بن مرة، والضحاك، وزيد العميّ.

ومن فقهه وورعه وعلمه اعتزل الفتنة ولم يشترك في شيء منها البتة , وحرص على ألا يقترب منها , ورفض استعمال السيف فيها ضد أي طرف من المسلمين حتى قيل له : (أتصلي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضا؟ فقال: من قال حي على الصلاة، أجبته. ومن قال حي على الفلاح، أجبته. ومن قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله، قلت: لا).
وقال أبو العالية : كنت أمشي خلف ابن عمر وهو لا يشعر وهو يقول: "واضعين سيوفهم على عواتقهم يقتل بعضهم بعضًا يقولون يا عبد الله بن عمر أعط بيدك. رواهما ابن سعد في الطبقات الكبرى.

وعرضت عليه الخلافة أكثر من مرة فرفضها , قال الحسن: لما قتل عثمان -رضوان الله عليه- جاء الناس إلى عبد الله بن عمر -رضوان الله عليه- فقالوا له: أنت سيد الناس وابن سيدهم فاخرج بنا حتى نبايع لك. فقال ابن عمر: أما والله ما دام في روح فلن يهراق في محجمة من دم. فعاودوه فقالوا إن لم تخرج قتلناك على فراشك. فأعاد لهم الكلام مثل ما قال في المرة الأولى. السنة لأبي بكر الخلال.

توفي رضي الله عنه سنة أربع وسبعين من الهجرة، وكان عمرُه ستة وثمانين عامًا , ودفن في مكة , وكان قد اصابه في منى في موسم الحج سنان رمح في أخمص قدمه , وقد زاره الحجاج وقال له: لو نعلم من أصابك، فقال له ابن عمر: (أنت أصبتني) قال: وكيف؟ قال: (حملت السلاح في يوم لم يكن يُحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم) .رواه البخاري.

وشهد له الجميع بالتقوى والورع والصلاح والعلم , فكان أشبه ابناء عمر به , رضي الله عنهما وأرضاهما وجعلنا سائرين على طريقهم , مقتدين بهم .
فليحرص الأهل على تعليم الأبناء سير هذه النجوم , لعل الله أن يمن علينا بصلاح شباب الأمة , فهم قوامها وعمادها.

الفوائد من سيرته رضي الله عنه:
- الحرص على العناية بتعليم بالنشئ وتهذيب أخلاقهم ليشبوا على ذلك.
- الحرص على حضور مجالس العلم ولو للاستماع , فلا يعدم خيرا من سلك طرقا يلتمس فيه علما.
- تنمية الحياء في قلوب اشباب , وتعليمهم الحرص على احترام من هم أكبر منهم سنا.
- عدم القول على الله بغير علم , فالتزام الصمت فيما لا يعلم العبد نجاة.
- الحرص على التأليف بين صفوف المسلمين وسد الشقاق والنزاع بينهم .
- البعد عن مواطن الفتن , ففيه السلامة وأي سلامة.
- الزهد في الدنيا بمعرفة حقيقتها , وصرف القلب عن التعلق بها حقيقة , والنظر لدار القرار: الوطن الحقيقي للمؤمن.
- اتباع العلم بالعمل حتى يكون من العلم النافع .
- محبة النبي-عليه الصلاة والسلام- والاقتداء به , فلا طريق يوصل إلى الجنة إلا طريق هو عليه الصلاة والسلام.

هيئة التصحيح 11 24 جمادى الأولى 1441هـ/19-01-2020م 04:17 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداء حسين (المشاركة 378170)
عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي (ت:74هـ)

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

لا يملك من يرى حال الكثير من شباب الأمة في هذا الزمان إلا أن يسكن الأسى والحزن قلبه على ما يراه من ضياع الحياء والمروءة بل الرجولة عند أكثرهم والله المستعان!
ولا يسعنا إلا أن نسأل الله لهم الهداية , ولا يسعنا إلا بث ونشر سير شباب السابقين في هذه الأمة , صغار الصحابة الذين شهد لهم النبي-صلى الله عليه وسلم- بالصلاح وأثنى عليهم , لعلهم يكونو مصابيح تنير ظلمات السالكين ممن جهلوا حال سلف الأمة وما كانوا عليه , واتخذوا من غير المسلمين قدوات يقتدون بها في الباطن والظاهر.

ومن هذا المنطلق يأتي الكلام عن صحابي جليل فاضل عالم زاهد عابد , قال فيه النبي-صلى الله عليه وسلم- (إن عبد الله رجل صالح) فنعما بها من شهادة من خاتم النبيين وسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.

كلامنا عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه:
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العُزى بن رِيَاح , يكنى بأبي عبد الرحمن، بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين , وأمه زينب بنت مظعون , أخت عثمان بن مضعون.
أسلم رضي الله عنه بمكة مع إسلام أبيه وكان عمره أربع سنين ، فلم يكن قد بَلَغ يومئذ , وقد هاجر مع أبيه إلى المدينة وكان في العاشرة من عمره , رضي الله عنه وأرضاه .

اهتم-رضي الله عنه- بتحصيل العلم من منبعه الأصيل , فكان -مع صغر سنه- يحضر مجالس النبي -صلى الله عليه وسلم- مستعما لما يقال , مجتهدا في حفظ ما يسمع , ولعله يكون عالما لإجابة مسألة طرحها النبي -عليه الصلاة والسلام- فيحجم عن الرد حياء منه -رضي الله عنه- لوجود من هو أكبر منه سنا ومكانة في المجلس , ومن هذا ما حصل لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه فقال :" إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم حدثوني ما هي ؟ قال عبد الله بن عمر : فوقع الناس في شجر البوادي ، وقال: فوقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ، ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ قال : هي النخلة " .

ومع شدة اهتمامه بتحصيل العلم , إلا إنه لم يهمل العمل بما يتعلم , فكان رضي الله عنه من العباد الذين مدح النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاحهم , وكانت تؤثر فيه الكلمة من النبي - عليه الصلاة والسلام- فيغير بها مسلكه ويلتزمها بكل ما أوتي من قدرة , ومن منا تغيره كلمة أو حديث يسمعه عن النبي-صلى الله عليه وسلم؟!
ومن منا مثل ابن عمر ؟!

فقد رأى في المنام كأن ملكين أخذاه فذهبا به إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس عرفهم، فجعل يقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر، فقال له: لن تراع , فلما قص رؤياه على حفصة، قصتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((نعم الرجل عبدالله لو كان يُصلِّي بالليل))،
وقد قال سالم ابنه: فكان عبدالله لا ينام من الليل إلا قليلًا!

وهذا كان حاله على الدوام , فكان كثير العبادة لا يفتر عنها إلا بقدر ما يحتاجه من الراحة والطعام ليعاودها , حتى قال طاوس بن كيسان عنه : (ما رأيت مصليًا كهيئة عبدالله بن عمر، ولا أشد استقبالًا للكعبة بوجهه وكفَّيه وقدميه منه) رواه ابو نعيم في حلة الأولياء.
كذلك ما جاء عن نافع من قوله : (كان ابن عمر يحيي بين الظهر إلى العصر).رواه ابو نعيم في حلة الأولياء.
ولما سألوا نافع عما كان يصنع بن عمر في منزله؟ قال: (لا تطيقونه: الوضوء لكل صلاة والمصحف فيما بينهم).

وكان كذلك من أكثر الصحابة اتباعا للنبي -صلى الله عليه وسلم- فكان ينزل منازله , ويصلي في كل مكان صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل تحت شجرة، فكان عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس!
وهو مع هذا متبعا لسنته عاملا بها , مأتمرا بأقوال النبي-صلى الله عليه وسلم - فقد روى أبو داود قول النبي-صلى الله عليه وسلم- في شأن باب في المسجد : ((لو تركنا هذا الباب للنساء)).
فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات .

وبعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ابن عمر إذا قَدِمَ من سفر بدأ بزيارة قبر النبي-صلى الله عليه وسلم- للسلام عليه قبل أن يتوجه إلى منزله فيقول: (السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه).

وعرف عنه الزهد في الدنيا , كيف لا وهو الذي أمسك النبي-صلى الله عليه وسلم- بمنكبيه وقال له:(كن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل ) , فكان رضي الله عنه يقول بعدها : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء.
وقد نقل إلينا ميمون بن مهران مقتنيات ابن عمر في بيته فقال : (دخلت على بن عمر، فقومت كل شيء في بيته من فراش أو لحاف أو بساط وكل شيء عليه، فما وجدته يساوي مائة درهم). رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى.
حتى قال عنه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : (مَا مِنَّا أَحَدٌ أَدْرَكَ الدُّنْيَا إِلَّا قَدْ مَالَتْ بِهِ وَمَالَ بِهَا إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا).

ولم يبخل -رضي الله عنه- بشبابه أو قوته , بل كان من السباقين في الجهاد في سبيل الله , فقد شهد كل المشاهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- سوى بدر وأحد , لأن حالنبي -صلى الله عليه وسلم- استصغره , لكنه أجازه يوم الخندق وكان قد بلغ خمس عشرة سنة.
وهو ممن شهد بيعة الرضوان وغزوة مؤتة واليرموك ويوم القادسية وغيرها.

والمقصد من ذكر ذلك بيان امتثاله لجميع ما جاء به الدين علما وعملا على اختلاف نوعه.
والمقام لا يسمح بسرد ما جاء في عبادته وورعه من روايات , لكن نكتفي بما ذكرناه لعله يكون البداية للبحث والتنقيب عما جاء في سيرته رضي الله عنه.

ولقد كان-رضي الله عنه- أحد أشهر رواة الحديث في عهد رسول الله -صلَى الله عليه وسلَم- وما بعده , وكان من الرواة الثقات الذين يتحرون الدقة في النقل عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقد قال محمد الباقر عنه : (كان ابن عمر إذا سمِعَ من رسول الله حديثًا لا يزيد ولا ينقص، ولم يكن أحدٌ في ذلك مثله).
حتى قال نافع عنه: (كان ابن عمر وابن عباس يجلسان للناس عند مقدم الحاج، فكنت أجلس إلى هذا يومًا، وإلى هذا يومًا، فكان ابن عباس يجيب ويُفتي في كل ما سُئل عنه، وكان ابن عمر يردُّ أكثر ممَّا يُفتي). ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء.
وقال عقبة بن مسلم: سئل ابن عمر عن شيء، فقال: لا أدري، ثم قال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا جسورًا في جهنم، تقولون: أفتانا بهذا ابن عمر.
فكان-رضي الله عنه- معروفا بشدة ورعه وخوفه من القول على الله بغير علم , فكان شديد الحرص فإن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن علم , ولم يكن يخاف من قول (لا أعلم) ولا خشي-رضي الله عنه- اتهام الجهلة له بالجهل , فحين سأله رجل عن مسألة قال له : لا علم لي بها , فلما أدبر الرجل قال ابن عمر: (نعم ما قال ابن عمر سئل عما لا يعلم فقال : لا علم لي به) . رواه الدارمي.

ولما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عمرعبدالله إحدى وعشرين عاما , فتابع تحصيل العلم وحفظ الأحاديث وأكثر من ذلك , فكان -رضي الله عنه- أحد العبادلة المكثرين من الحفظ والرواية , وقد امتد به العمر حتى احتاج الناس إلى علمه فلم يتوانى في بث ما حفظه وتعلمه , فكان من أعلم الناس في زمانه , وكان من فقهاء الصحابة المعدودين وأعلم الصحابة بمناسك الحج .
وقد جلس للفتيا قرابة ستين سنة , قال مالك بن أنس قوله : (كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت، عبدالله بن عمر، مكث ستين سنة يُفتي الناس). كما ذكر ذلك الذهبي .
وقال : (بلغ ابن عمر ستا وثمانين سنة، وافى في الإسلام ستين سنة تقدم عليه وفود الناس).
وقال الزهري: (لا نعدل برأي ابن عمر فإنه أقام بعد رسول الله ستين سنة، فلم يخف عليه شيء من أمره ولا من أمر الصحابة).
وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق ما قاله أبو إسحاق الهمداني : (كنا نأتي ابن أبي ليلى في بيته وكانوا يجتمعون إليه، فجاءه أبو سلمة بن عبد الرحمن فقال: أعُمر كان عندكم أفضل أم ابنه؟
فقالوا: لا، بل عمر.
فقال أبو سلمة: إن ّعمر كان في زمان له فيه نظراء، وإن ابن عمر كان في زمان ليس له فيه نظير).

وقد روى عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ , وعن أبيه, وأبي بكر, وعثمان, وسعد، وابن مسعود، وأخته حفصة, وعائشة, وغيرهم.

وكان ممن حفظ القرآن , وفهم معانيه , وعد من مفسري الصحابة , وهذا حال من كان في مثل علم ابن عمر , وفهم وتدبر ابن عمر , فقد أخبر ميمون أن ابن عمر تعلَّم سورة البقرة في أربع سنين.
وحكى نافع عنه أنه إذا قرأ قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ بكى حتى يغلبه البكاء.
وكان بين أصحابه مرة فقرأ قوله تعالى:{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فبكى حتى لم يستطع قراءة ما بعدها من الآيات.
فأين هذه القلوب الحية منا !

وقال في قوله تعالى:{ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} : أعظم الشعائر البيت . ذكره ابن كثير في تفسيره.
وقال رضي الله عنه: كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في كتاب الله حتى نزلت علينا هذه الآية: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله). رواه ابن أبي حاتم.
وقال في قوله تعالى : {خذ العفو} قال: (أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس). رواه ابن أبي حاتم.

وله تفاسير غيرها-رضي الله عنه - ولقد روى عنه الخلق الكثير في التفسير, وأكثر من روى عنه فيه هم : مولاه نافع ثم عبد الله بن دينار، ثم سالم بن عبد الله.
وروى عنه كذلك : ابنه سالم، ومولاه نافع، وعبد الله بن دينار، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، وزيد بن أسلم العدوي مولى عمر، وأخوه خالد بن أسلم، وأبو عمرو الشيباني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعامر الشعبي، وخالد بن معدان، ومحارب بن دثار الباهلي، وصدقة بن يسار، وأبو الزبير المكي، وبكر بن عبد الله المزني، وثوير بن أبي فاختة.
وأرسل عنه: الزهري، ومحمد بن عون، وقتادة، وعطاء بن أبي رباح، وأبو قلابة الجرمي، وأبو حازم سلمة بن دينار، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزناد، ومكحول، وعروة بن رويم، وعمرو بن مرة، والضحاك، وزيد العميّ.

ومن فقهه وورعه وعلمه اعتزل الفتنة ولم يشترك في شيء منها البتة , وحرص على ألا يقترب منها , ورفض استعمال السيف فيها ضد أي طرف من المسلمين حتى قيل له : (أتصلي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضا؟ فقال: من قال حي على الصلاة، أجبته. ومن قال حي على الفلاح، أجبته. ومن قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله، قلت: لا).
وقال أبو العالية : كنت أمشي خلف ابن عمر وهو لا يشعر وهو يقول: "واضعين سيوفهم على عواتقهم يقتل بعضهم بعضًا يقولون يا عبد الله بن عمر أعط بيدك. رواهما ابن سعد في الطبقات الكبرى.

وعرضت عليه الخلافة أكثر من مرة فرفضها , قال الحسن: لما قتل عثمان -رضوان الله عليه- جاء الناس إلى عبد الله بن عمر -رضوان الله عليه- فقالوا له: أنت سيد الناس وابن سيدهم فاخرج بنا حتى نبايع لك. فقال ابن عمر: أما والله ما دام في روح فلن يهراق في محجمة من دم. فعاودوه فقالوا إن لم تخرج قتلناك على فراشك. فأعاد لهم الكلام مثل ما قال في المرة الأولى. السنة لأبي بكر الخلال.

توفي رضي الله عنه سنة أربع وسبعين من الهجرة، وكان عمرُه ستة وثمانين عامًا , ودفن في مكة , وكان قد اصابه في منى في موسم الحج سنان رمح في أخمص قدمه , وقد زاره الحجاج وقال له: لو نعلم من أصابك، فقال له ابن عمر: (أنت أصبتني) قال: وكيف؟ قال: (حملت السلاح في يوم لم يكن يُحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم) .رواه البخاري.

وشهد له الجميع بالتقوى والورع والصلاح والعلم , فكان أشبه ابناء عمر به , رضي الله عنهما وأرضاهما وجعلنا سائرين على طريقهم , مقتدين بهم .
فليحرص الأهل على تعليم الأبناء سير هذه النجوم , لعل الله أن يمن علينا بصلاح شباب الأمة , فهم قوامها وعمادها.

الفوائد من سيرته رضي الله عنه:
- الحرص على العناية بتعليم بالنشئ وتهذيب أخلاقهم ليشبوا على ذلك.
- الحرص على حضور مجالس العلم ولو للاستماع , فلا يعدم خيرا من سلك طرقا يلتمس فيه علما.
- تنمية الحياء في قلوب اشباب , وتعليمهم الحرص على احترام من هم أكبر منهم سنا.
- عدم القول على الله بغير علم , فالتزام الصمت فيما لا يعلم العبد نجاة.
- الحرص على التأليف بين صفوف المسلمين وسد الشقاق والنزاع بينهم .
- البعد عن مواطن الفتن , ففيه السلامة وأي سلامة.
- الزهد في الدنيا بمعرفة حقيقتها , وصرف القلب عن التعلق بها حقيقة , والنظر لدار القرار: الوطن الحقيقي للمؤمن.
- اتباع العلم بالعمل حتى يكون من العلم النافع .
- محبة النبي-عليه الصلاة والسلام- والاقتداء به , فلا طريق يوصل إلى الجنة إلا طريق هو عليه الصلاة والسلام.


التقويم: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
- أسلوبك قوي والأفكار مرتبة ومتسلسلة، والمقدمة قوية فيها تذكرة لنا للاعتبار بما ورد في الرسالة.
وهذه الرسالة مناسبة جدًا لطلاب العلم، أما إن أردتِ توجيه الشباب الذين أشرتِ إليهم في مقدمة الرسالة فيحسن تعديل الأسلوب والمقدمة خصوصًا، بحسب حالهم وبيئتهم
فإن كانوا ممن يعتزون بالانتماء للقبيلة والأصل، فنبث فيهم فكرة الالتفات إلى حال سلفنا؛ فهؤلاء أجدادنا ونحن أحفادهم الذين يجب أن نقتدي بهم.
وإن كانوا ممن يغترون بالحضارة المزيفة عند الغرب، وبالأبطال الوهميين على الشاشات، فالأجدر أن نلفت انتباههم إلى أن تاريخنا زاخر بأبطال حقيقيين نشروا العلم والدين، وكانوا في ذاتهم صالحين ومصلحين.
- لم تقومي بعزو بعض الأحاديث، خاصة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أولى بالتخريج، وبيان صحتها.
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

الشيماء وهبه 8 ربيع الأول 1442هـ/24-10-2020م 09:45 AM

رسالة مختصرة في سيرة الصحابي الجليل: عبد الله بن عمر بن الخطاب



بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في سيرة احدى الصحابة الأجلاء " سيرة عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي "


ومقصد تلك الرسالة: تأمل سيرة هذا الصحابي الجليل فتكون لنا القدوة والعبرة والسلوى.
وإنها لنعمة ورحمة أن جعل الله لنا أئمة نقتدي بهم على مر العصور والأيام فنتأمل حال من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين لعلنا نحشر في زمرتهم برحمة وجود رب العالمين.

فأما عن إسلامه رضي الله عنه: فقد أسلم عبد الله بن عمر بمكة المكرمة مع أبيه وعمره حينئذ يقارب العشر سنوات ثم هاجر مع أبيه إلى المدينة، ثم ما لبث أن تقدم للجهاد، يريد فداء روحه محبة لله ولرسوله ولإعلاء كلمة الله.
قال عبيد الله العمري: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: (عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يُجِزْني، وعرضني يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني). متفق عليه.

نشأته: نشأ رضي الله عنه نشأة صالحة في طاعة الله، وقد من الله عليه فجمع له بين قوة الجسد وقوة العزيمة، فكان يتتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليزمها عمره كله ولا يفتر عنها، واجتهد في ذلك اجتهادا بالغاً حتى ظهرت آثاره عليه، قالت عنه عائشة رضي الله عنها«ما رأيت ألزم للأمر الأول من عبد الله بن عمر» رواه الحاكم في المستدرك.

وقد اشتهر بزهده وحرصه بين أقرانه على حفظ نفسه من الافتتان بالدنيا وذلك مع فتوته وقوته حتى قال عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (لقد رأيتنا ونحن متوافرون، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من عبد الله بن عمر). رواه ابن سعد.

عبادته: من أكثر الصحابة صلاة وصياماً وتلاوة للقرآن، قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: (لا تطيقونه، الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما). رواه ابن سعد.
وكان أشدّهم لزوماً لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأكابر أصحابه،
ومما روي عنه في ذلك:
- أنه كان يغدو كلَّ سبت إلى قباء ماشياً فيصلي فيه اتّساء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
- وعن نافع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركنا هذا الباب للنساء»، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات). رواه أبو داوود وابن سعد
- وكان قد رأى رؤيا أفزعته فقصها على حفصة فقصتها حفصة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل».، قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا). متفق عليه.
- وكان شديد المحبّة للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال حفيده محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر: «ما سمعت ابن عمر يذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم قطّ إلا بكى» رواه الدارمي بإسناد صحيح.

مناقبه رضي الله عنه:


كان مجاهدًا في سبيل الله:
- شهد الخندق مع النبي صلى الله عليه وسلم وما بعدها من الغزوات، وشهد بيعة الرضوان، ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليه في فتح مكة.
- - وشهد عددا من الفتوح في عهد الخلفاء الراشدين، وبارز في عهد عمر دهقاناً من دهاقنة الفرس فقتله.


حريص على طلب العلم:
- أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً غزيراً، ثم أخذ عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحفصة وعائشة وابن مسعود وزيد بن ثابت وبلال بن رباح وصهيب الرومي وجماعة من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكيم ذو رأي:
كان عاقلاً رشيداً حسن الرأي، أوصى عمر أن يشهد مشورة الستة الذين أوصى أن يختاورا من بينهم رجلاً للخلافة من بعده؛ فاجتمع رأيهم على عثمان.

عالم محدث:
فكان من أهل الفتوى والتحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى عُدَّ من القلّة المكثرين من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن الإمام مالك بن أنس قال: (أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم وغير ذلك).
قال: (وكان ابن عمر من أئمة الدين). رواه الخطيب البغدادي.


مفسر فقيه:
مما روي عنه في التفسير:
عن نافع، عن ابن عمر قال: كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في كتاب الله حتى نزلت علينا هذه الآية: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله). رواه ابن أبي حاتم.
عن خالد بن أسلم، قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله} قال ابن عمر: «من كنزها، فلم يؤد زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة؛ فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال» رواه البخاري.

ورع ذو خشية:
وقد بلغ من العلم مبلغًا إلا أنه كان يخشى القول على الله بغير علم، ويخشى الزلل والخطأ والنسيان، فكان حريصاً على التثبت في الفتيا وأداء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه بلفظه ولا يغير باجتهاده.
وكان لا يتحرج إن سأل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ومما روي في ذلك:
قال عبد العزيز بن أبي رواد: أخبرني نافع أن رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه ولم يجبه حتى ظنَّ الناس أنه لم يسمع مسألته.
قال: فقال له: يرحمك الله أما سمعت مسألتي؟
قال: قال: بلى ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألوننا عنه!! اتركنا يرحمك الله حتى نتفهَّم في مسألتك؛ فإن كان لها جواب عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به). رواه ابن سعد.

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: سئل ابن عمر عن شيء فقال: (لا علم لي به) فلما أدبر الرجل قال لنفسه: (سُئل ابن عمر عما لا علم له به؛ فقال لا علم لي به). رواه ابن سعد، وروى نحوه ابن عساكر من طريق الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر.

منفق كريم:
- اشتهر بكثرة إنفاقه وشدة كرمه فكان يكرم من صحبه وخدمه، عن عبيد الله بن عمران، أنه قال: سمعت مجاهدا، يقول:«صحبت ابن عمر لأخدمه، فكان هو يخدمني». رواه أبو بكر الخلال في السنة.
- وأعتق أنفس كثيرة لله، وكان ينفق مما يحب حتى روى عن نفسه محدثًا ابنه حمزة فقال:(خطرت لي هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، فقال: فما وجدت شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة، فعتقتها، فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحتها نافعا، فهي أم ولده). رواه ابن سعد.

حسن الخلق:
كان حريصاً على الألفة بين المسلمين، وإفشاء السلام، حتى روي عنه أنه قال: إني لأخرج وما لي حاجة إلا لأسلم على الناس ويسلمون علي.
فأثمر ذلك شدة محبة الناس له حتى روى عنه مجاهد فقال: كنت مع ابن عمر فجعل الناس يسلمون عليه حتى انتهى إلى دابته فقال لي ابن عمر: (يا مجاهد إن الناس يحبونني حبا لو كنت أعطيهم الذهب والوَرِق ما زدت). رواه ابن سعد.

حريص على توقي الفتن:
كان من شدة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حريص على لزوم ما كانوا عليه، ينأى بنفسه عن الفتن مخافة أن يفارقهم وقد روى ذلك عنه محمد بن سيرين قال: نُبئت أن ابن عمر كان يقول: (إني لقيت أصحابي على أمر، وإني أخاف إن خالفتهم خشية ألا ألحق بهم). رواه ابن سعد.
فلمّا حدثت الفتنة اعتزلها فلم يقاتل مع أي طائفة، ولزم ما كان عليه من العمل، وكان على بصيرة مما كان يفعله في زمان الفتنة، لا يتردد في اجتنابها، ولا يلتفت في ذلك إلى ترغيب ولا ترهيب. عبد الله بن عبيد بن عمير: قال ابن عمر: (إنما كان مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم كانوا يسيرون على جادّة يعرفونها؛ فبينا هم كذلك إذ غشيتهم سحابة وظلمة؛ فأخذ بعضنا يمينا، وبعضنا شمالا، وأخطأنا الطريق وأقمنا حيث أدركنا ذلك حتى تجلى عنا ذلك؛ حتى أبصرنا الطريق الأول فعرفناه فأخذنا فيه). رواه ابن سعد.


وفاته رضي الله عنه:
طال به العمر حتى أدرك مقتل الزبير رضي الله عنه، وقد أراد عبد الله ابن عمر الحج وكان الحجاج في ذلك الموسم قد غلب على مكة ونشر عسكره في المشاعر بين الناس ومعهم السلاح، فلما أقبل ابن عمر على رمي الجمرات أصابه رمح في رجله في شدة الزحام فكان هذا سبب موته.
قال سعيد بن جبير: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه، فلزقت قدمه بالركاب، فنزلت، فنزعتها وذلك بمنى، فبلغ الحجاج فجعل يعوده، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك، فقال ابن عمر: «أنت أصبتني» قال: وكيف؟ قال: «حملت السلاح في يوم لم يكن يُحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم» رواه البخاري.
فمات رضي الله عنه سنة 74هـ وقد بلغ من العمر أربعة وثمانون عاماً.

موضع دفنه:
- مات بعد أن قضى نسكه، وأوصى أن يدفن خارج الحرم، فلم يقدروا على ذلك بسبب الحَجاج وجنده، وكانت الفتنة شديدة.
قال ابنه سالم: (فدفناه بفخ في مقبرة المهاجرين نحو ذي طوى).



ممن أخذ عنه العلم وروى عنه التفسير خاصة:
ابنه سالم، ومولاه نافع، وعبد الله بن دينار، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين رحمة الله عليهم أجمعين.


وفي ختام رسالتنا ننوه إلى بعض الفوائد الجلية من تلك السيرة العطرة ومنها:
- أهمية النشأة منذ الصغر على حب النبي صلى الله عليه وسلم وحسن اتباعه.
- العزيمة في الأمر وأخذ الشرائع بقوة تأسيًا بأهل خير القرون.
- أن العلم قرين العمل، فابن عمر تعلم العلم حتى أصبح عالمًا محدثًا فلم يغره ذلك ولزم العمل والعبادة فأثمر تلك الأخلاق والشمائل الحسنة.
- أن القرآن أخلاق وعبادة فمن جمع بين تعلمه والعمل به فقد اقتدى بنبيه وصحبه الكرام.
- الحذر من القول على الله بغير علم، والتواضع وعدم إدعاء العلم مخافة اللوم.
- الشجاعة وعدم كتم الحق؛ فابن عمر لم يخاف الحجاج مع شدة بطشه.
- الخوف من الفتنة والحذر من الزلل والحرص على السلامة منها باعتزالها وملازمة العلم والعبادة.
وغير ذلك من الفوائد الجمة والتي تتضح بكثرة التأمل، والله أعلى وأعلم.

هيئة التصحيح 11 27 ربيع الأول 1442هـ/12-11-2020م 12:10 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشيماء وهبه (المشاركة 391916)
رسالة مختصرة في سيرة الصحابي الجليل: عبد الله بن عمر بن الخطاب



بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في سيرة احدى الصحابة الأجلاء " سيرة عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي "


ومقصد تلك الرسالة: [تلك إشارة للبعيد، والرسالة بين أيدينا فلو استخدمتِ (هذه) كإشارة للقريب]
تأمل سيرة هذا الصحابي الجليل فتكون لنا القدوة والعبرة والسلوى.

وإنها لنعمة ورحمة أن جعل الله لنا أئمة نقتدي بهم على مر العصور والأيام فنتأمل حال من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين لعلنا نحشر في زمرتهم برحمة وجود رب العالمين.

فأما عن إسلامه رضي الله عنه: فقد أسلم عبد الله بن عمر بمكة المكرمة مع أبيه وعمره حينئذ يقارب العشر سنوات ثم هاجر مع أبيه إلى المدينة، ثم ما لبث أن تقدم للجهاد، يريد فداء روحه محبة لله ولرسوله ولإعلاء كلمة الله.
قال عبيد الله العمري: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: (عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يُجِزْني، وعرضني يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني). متفق عليه.

نشأته: نشأ رضي الله عنه نشأة صالحة في طاعة الله، وقد من الله عليه فجمع له بين قوة الجسد وقوة العزيمة، فكان يتتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليزمها عمره كله ولا يفتر عنها، واجتهد في ذلك اجتهادا بالغاً حتى ظهرت آثاره عليه، قالت عنه عائشة رضي الله عنها«ما رأيت ألزم للأمر الأول من عبد الله بن عمر» رواه الحاكم في المستدرك.

وقد اشتهر بزهده وحرصه بين أقرانه على حفظ نفسه من الافتتان بالدنيا وذلك مع فتوته وقوته حتى قال عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (لقد رأيتنا ونحن متوافرون، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من عبد الله بن عمر). رواه ابن سعد.

عبادته: من أكثر الصحابة صلاة وصياماً وتلاوة للقرآن، قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: (لا تطيقونه، الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما). رواه ابن سعد.
وكان أشدّهم لزوماً لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأكابر أصحابه،
ومما روي عنه في ذلك:
- أنه كان يغدو كلَّ سبت إلى قباء ماشياً فيصلي فيه اتّساء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
- وعن نافع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركنا هذا الباب للنساء»، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات). رواه أبو داوود وابن سعد
- وكان قد رأى رؤيا أفزعته فقصها على حفصة فقصتها حفصة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل».، قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا). متفق عليه.
- وكان شديد المحبّة للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال حفيده محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر: «ما سمعت ابن عمر يذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم قطّ إلا بكى» رواه الدارمي بإسناد صحيح.

مناقبه رضي الله عنه:


كان مجاهدًا في سبيل الله:
- شهد الخندق مع النبي صلى الله عليه وسلم وما بعدها من الغزوات، وشهد بيعة الرضوان، ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليه في فتح مكة.
- - وشهد عددا من الفتوح في عهد الخلفاء الراشدين، وبارز في عهد عمر دهقاناً من دهاقنة الفرس فقتله.


حريص على طلب العلم:
- أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً غزيراً، ثم أخذ عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحفصة وعائشة وابن مسعود وزيد بن ثابت وبلال بن رباح وصهيب الرومي وجماعة من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكيم ذو رأي:
كان عاقلاً رشيداً حسن الرأي، أوصى عمر أن يشهد مشورة الستة الذين أوصى أن يختاورا من بينهم رجلاً للخلافة من بعده؛ فاجتمع رأيهم على عثمان.

عالم محدث:
فكان من أهل الفتوى والتحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى عُدَّ من القلّة المكثرين من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن الإمام مالك بن أنس قال: (أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم وغير ذلك).
قال: (وكان ابن عمر من أئمة الدين). رواه الخطيب البغدادي.


مفسر فقيه:
مما روي عنه في التفسير:
عن نافع، عن ابن عمر قال: كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في كتاب الله حتى نزلت علينا هذه الآية: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله). رواه ابن أبي حاتم.
عن خالد بن أسلم، قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله} قال ابن عمر: «من كنزها، فلم يؤد زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة؛ فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال» رواه البخاري.

ورع ذو خشية:
وقد بلغ من العلم مبلغًا إلا أنه كان يخشى القول على الله بغير علم، ويخشى الزلل والخطأ والنسيان، فكان حريصاً على التثبت في الفتيا وأداء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه بلفظه ولا يغير باجتهاده.
وكان لا يتحرج إن سأل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ومما روي في ذلك:
قال عبد العزيز بن أبي رواد: أخبرني نافع أن رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه ولم يجبه حتى ظنَّ الناس أنه لم يسمع مسألته.
قال: فقال له: يرحمك الله أما سمعت مسألتي؟
قال: قال: بلى ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألوننا عنه!! اتركنا يرحمك الله حتى نتفهَّم في مسألتك؛ فإن كان لها جواب عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به). رواه ابن سعد.

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: سئل ابن عمر عن شيء فقال: (لا علم لي به) فلما أدبر الرجل قال لنفسه: (سُئل ابن عمر عما لا علم له به؛ فقال لا علم لي به). رواه ابن سعد، وروى نحوه ابن عساكر من طريق الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر.

منفق كريم:
- اشتهر بكثرة إنفاقه وشدة كرمه فكان يكرم من صحبه وخدمه، عن عبيد الله بن عمران، أنه قال: سمعت مجاهدا، يقول:«صحبت ابن عمر لأخدمه، فكان هو يخدمني». رواه أبو بكر الخلال في السنة.
- وأعتق أنفس كثيرة لله، وكان ينفق مما يحب حتى روى عن نفسه محدثًا ابنه حمزة فقال:(خطرت لي هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، فقال: فما وجدت شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة، فعتقتها، فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحتها نافعا، فهي أم ولده). رواه ابن سعد.

حسن الخلق:
كان حريصاً على الألفة بين المسلمين، وإفشاء السلام، حتى روي عنه أنه قال: إني لأخرج وما لي حاجة إلا لأسلم على الناس ويسلمون علي.
فأثمر ذلك شدة محبة الناس له حتى روى عنه مجاهد فقال: كنت مع ابن عمر فجعل الناس يسلمون عليه حتى انتهى إلى دابته فقال لي ابن عمر: (يا مجاهد إن الناس يحبونني حبا لو كنت أعطيهم الذهب والوَرِق ما زدت). رواه ابن سعد.

حريص على توقي الفتن:
كان من شدة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حريص على لزوم ما كانوا عليه، ينأى بنفسه عن الفتن مخافة أن يفارقهم وقد روى ذلك عنه محمد بن سيرين قال: نُبئت أن ابن عمر كان يقول: (إني لقيت أصحابي على أمر، وإني أخاف إن خالفتهم خشية ألا ألحق بهم). رواه ابن سعد.
فلمّا حدثت الفتنة اعتزلها فلم يقاتل مع أي طائفة، ولزم ما كان عليه من العمل، وكان على بصيرة مما كان يفعله في زمان الفتنة، لا يتردد في اجتنابها، ولا يلتفت في ذلك إلى ترغيب ولا ترهيب. عبد الله بن عبيد بن عمير: قال ابن عمر: (إنما كان مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم كانوا يسيرون على جادّة يعرفونها؛ فبينا هم كذلك إذ غشيتهم سحابة وظلمة؛ فأخذ بعضنا يمينا، وبعضنا شمالا، وأخطأنا الطريق وأقمنا حيث أدركنا ذلك حتى تجلى عنا ذلك؛ حتى أبصرنا الطريق الأول فعرفناه فأخذنا فيه). رواه ابن سعد.


وفاته رضي الله عنه:
طال به العمر حتى أدرك مقتل الزبير رضي الله عنه، [لعلكِ تقصدين عبد الله بن الزبير؟] وقد أراد عبد الله ابن [بن، بدون ألف وصل، لذكر الاسم (عبد الله)] عمر الحج وكان الحجاج في ذلك الموسم قد غلب على مكة ونشر عسكره في المشاعر بين الناس ومعهم السلاح، فلما أقبل ابن عمر على رمي الجمرات أصابه رمح في رجله في شدة الزحام فكان هذا سبب موته.
قال سعيد بن جبير: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه، فلزقت قدمه بالركاب، فنزلت، فنزعتها وذلك بمنى، فبلغ الحجاج فجعل يعوده، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك، فقال ابن عمر: «أنت أصبتني» قال: وكيف؟ قال: «حملت السلاح في يوم لم يكن يُحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم» رواه البخاري.
فمات رضي الله عنه سنة 74هـ وقد بلغ من العمر أربعة وثمانون عاماً.

موضع دفنه:
- مات بعد أن قضى نسكه، وأوصى أن يدفن خارج الحرم، فلم يقدروا على ذلك بسبب الحَجاج وجنده، وكانت الفتنة شديدة.
قال ابنه سالم: (فدفناه بفخ في مقبرة المهاجرين نحو ذي طوى).



ممن أخذ عنه العلم وروى عنه التفسير خاصة:
ابنه سالم، ومولاه نافع، وعبد الله بن دينار، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين رحمة الله عليهم أجمعين.


وفي ختام رسالتنا ننوه إلى بعض الفوائد الجلية من تلك السيرة العطرة ومنها:
- أهمية النشأة منذ الصغر على حب النبي صلى الله عليه وسلم وحسن اتباعه.
- العزيمة في الأمر وأخذ الشرائع بقوة تأسيًا بأهل خير القرون.
- أن العلم قرين العمل، فابن عمر تعلم العلم حتى أصبح عالمًا محدثًا فلم يغره ذلك ولزم العمل والعبادة فأثمر تلك الأخلاق والشمائل الحسنة.
- أن القرآن أخلاق وعبادة فمن جمع بين تعلمه والعمل به فقد اقتدى بنبيه وصحبه الكرام.
- الحذر من القول على الله بغير علم، والتواضع وعدم إدعاء العلم مخافة اللوم.
- الشجاعة وعدم كتم الحق؛ فابن عمر لم يخاف الحجاج مع شدة بطشه.
- الخوف من الفتنة والحذر من الزلل والحرص على السلامة منها باعتزالها وملازمة العلم والعبادة.
وغير ذلك من الفوائد الجمة والتي تتضح بكثرة التأمل، والله أعلى وأعلم.

أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ
مجرد اقتراح:
- فصل طلب العلم والحرص عليه عن المناقب؛ فيكون بعد بيان نشأته وعبادته.
التقويم: أ
الخصم للتأخير، زادكِ الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.


الساعة الآن 02:16 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir