![]() |
تفسير سورة البقرة [من الآية (104) إلى الآية (105) ]
سأضع الملخص فيما بعد بإذن الله |
تفسير سورة البقرة [من الآية (106) إلى الآية (110) ]
تفسير سورة البقرة [من الآية (106) إلى الآية (110) ]
تفسير قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) } تفسير قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)} مناسبة الآية ط قال ابن عطية: معنى الآية أن الله تعالى ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء ويفعل في أحكامه ما يشاء، هو قدير على ذلك وعلى كل شيء، وهذا لإنكار اليهود النسخ معنى الآية ط قال ابن عطية: فمعنى الآية: ما ننسخ من آية أو نقدر نسيانك لها فتنساها حتى ترتفع جملة وتذهب فإنا نأتي بما هو خير منها لكم أو مثله في المنفعة. القراءات وأثرها على المعنى وما يترتب عليه : ط قال ابن عطية: وما كان من هذه القراءات يحمل على معنى الترك فإن الآية معه تترتب فيها أربعة معان: 1- أحدها: ما ننسخ على وجوه النسخ أو نترك غير منزل عليك فإنا لا بد أن ننزل رفقا بكم خيرا من ذلك أو مثله حتى لا ينقص الدين عن حد كماله. 2- والمعنى الثاني أو نترك تلاوته وإن رفعنا حكمه فيجيء النسخ على هذا رفع التلاوة والحكم. 3- والمعنى الثالث أو نترك حكمه وإن رفعنا تلاوته فالنسخ أيضا على هذا رفع التلاوة والحكم. 4- والمعنى الرابع أو نتركها غير منسوخة الحكم ولا التلاوة، فالنسخ على هذا المعنى هو على جميع وجوهه، ويجيء الضميران في منها أو مثلها عائدين على المنسوخة فقط، وكان الكلام إن نسخنا أو أبقينا فإنا نأتي بخير من المنسوخة أو مثلها. وما كان من هذه القراءات يحمل على معنى التأخير فإن الآية معه تترتب فيها المعاني الأربعة التي في الترك، 1- أولها ما ننسخ أو نؤخر إنزاله 2- والثاني ما ننسخ النسخ الأكمل أو نؤخر حكمه وإن أبقينا تلاوته، 3- والثالث ما ننسخ النسخ الأكمل أو نؤخر تلاوته وإن أبقينا حكمه، 4- والرابع ما ننسخ أو نؤخره مثبتا لا ننسخه، ويعود الضميران كما ذكرنا في الترك، وبعض هذه المعاني أقوى من بعض، لكن ذكرنا جميعها لأنها تحتمل، وقد قال «جميعها» العلماء إما نصا وإما إشارة فكملناها. القراءات في ننسخ ومعناها ط ك قال ابن عطية : 1- قرأ جمهور الناس «ما ننسخ» بفتح النون، من نسخ 2- ، وقرأت طائفة «ننسخ»، بضم النون من «أنسخ»، وبها قرأ ابن عامر وحده من السبعة، فتتفق القراءتان في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ. قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: وقد خرج قرأة هذه القراءة المعنى على وجهين: 1- أحدهما أن يكون المعنى ما نكتب وننزل من اللوح المحفوظ، أو ما نؤخر فيه ونترك فلا ننزله أي ذلك فعلنا فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله، فيجيء الضميران في منها ومثلها عائدين على الضمير في ننسأها، 2- والمعنى الآخر أن يكون ننسخ من النسخ بمعنى الإزالة ويكون التقدير ما ننسخك أي نبيح لك نسخه، كأنه لما نسخها الله أباح لنبيه تركها بذلك النسخ، فسمى تلك الإباحة إنساخا، وما شرطية وهي مفعولة ب ننسخ، وننسخ جزم بالشرط. قال ابن كثير: : 1-، عن ابن عبّاسٍ:ما نبدّل من آيةٍ. 2-عن مجاهدٍأي: ما نمح من آيةٍ. 3- ، عن مجاهدٍ:*{ما ننسخ من آيةٍ}*قال: نثبت خطّها ونبدّل حكمها ذلك. 4- قال الضّحّاك ما ننسك. 5- وقال عطاءٌ: أمّا*{ما ننسخ}*فما نترك من القرآن يعني: ترك فلم ينزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم 6- وقال السّدّيّ*نسخها: قبضها. 7- قال ابن جريرٍ:*{ما ننسخ من آيةٍ}*ما ينقل من حكم آيةٍ إلى غيره فنبدّله ونغيّره، وذلك أن يحوّل الحلال حرامًا والحرام حلالًا والمباح محظورًا، والمحظور مباحًا. ولا يكون ذلك إلّا في الأمر والنّهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة. فأمّا الأخبار فلا يكون فيها ناسخٌ ولا منسوخٌ. معنى النسخ في اللغة ج ط قال الزجاج : النسخ في اللغة؛ فإبطال شيء, وإقامة آخر مقامه، العرب تقول: نسخت الشمس الظل، والمعنى: أذهبت الظل, وحلّت محلّه قال ابن عطية: وهو منقسم في اللغة على ضربين: أحدهما يثبت الناسخ بعد المنسوخ كقولهم نسخت الشمس الظل، والآخر لا يثبت كقولهم «نسخت الريح الأثر»، وورد النسخ في الشرع حسب هذين الضربين المراد بالنسخ عند العرب ط قال ابن عطية: النسخ في كلام العرب على وجهين: أحدهما النقل كنقل كتاب من آخر، والثاني الإزالة، فأما الأول فلا مدخل له في هذه الآية، وورد في كتاب الله تعالى في قوله تعالى: إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون [الجاثية: 29]، وأما الثاني الذي هو الإزالة فهو الذي في هذه الآية أصل النسخ ك قال ابن كثير: وأصل النّسخ من نسخ الكتاب، وهو نقله من نسخةٍ أخرى إلى غيرها، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره، إنّما هو تحويله ونقل عبادة إلى غيرها. معنى النّسخ الشّرعيّ :ك قال ابن كثير: أنّه رفع الحكم بدليلٍ شرعيٍّ متأخّرٍ. فوائد في النسخ : ط قال ابن عطية: 1- الناسخ حقيقة هو الله تعالى، 2- ويسمى الخطاب الشرعي ناسخا إذ به يقع النسخ 3- ، وحد الناسخ عند حذاق أهل السنة: الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت، بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه. 4- والنسخ جائز على الله تعالى عقلا لأنه ليس يلزم عنه محال ولا تغيير صفة من صفاته تعالى، وليست الأوامر متعلقة بالإرادة فيلزم من النسخ أن الإرادة تغيرت، ولا النسخ لطروّ علم، بل الله تعالى يعلم إلى أي وقت ينتهي أمره بالحكم الأول ويعلم نسخه بالثاني. والبداء لا يجوز على الله تعالى لأنه لا يكون إلا لطروّ علم أو لتغير إرادة، وذلك محال في جهة الله تعالى، 5- وجعلت اليهود النسخ والبداء واحدا، ولذلك لم يجوزوه فضلّوا. 6- والمنسوخ عند أئمتنا: الحكم الثابت نفسه، لا ما ذهبت إليه المعتزلة، من أنه مثل الحكم الثابت فيما يستقبل، والذي قادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الأوامر مرادة، وأن الحسن صفة نفسية للحسن، ومراد الله تعالى حسن، 7- وقد قامت الأدلة على أن الأوامر لا ترتبط بالإرادة، وعلى أن الحسن والقبح في الأحكام إنما هو من جهة الشرع لا بصفة نفسية. 8- والتخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به، لأن المخصص لم يتناوله العموم قط، ولو ثبت قطعا تناول العموم لشيء ما ثم أخرج ذلك الشيء عن العموم لكان نسخا لا تخصيصا. و 9- النسخ لا يجوز في الإخبار، وإنما هو مختص بالأوامر والنواهي، وردّ بعض المعترضين الأمر خبرا بأن قال: أليس معناه: «واجب عليكم أن تفعلوا كذا» ؟ فهذا خبر، والجواب أن يقال: إن في ضمن المعنى إلا أن أنسخه عنكم وأرفعه، فكما تضمن لفظ الأمر ذلك الإخبار كذلك تضمن هذا الاستثناء. 10- وصور النسخ تختلف، فقد ينسخ الأثقل إلى الأخف كنسخ الثبوت لعشرة بالثبوت لاثنين، وقد ينسخ الأخف إلى الأثقل كنسخ يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان، وقد ينسخ المثل بمثله ثقلا وخفة كالقبلة، وقد ينسخ الشيء لا إلى بدل كصدقة النجوى، 11- والنسخ التام أن تنسخ التلاوة والحكم وذلك كثير، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر»، وقد تنسخ التلاوة دون الحكم كآية الرجم، وقد ينسخ الحكم دون التلاوة كصدقة النجوى، وكقوله تعالى: وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا [الممتحنة: 11]، والتلاوة والحكم حكمان، فجائز نسخ أحدهما دون الآخر. 12- وينسخ القرآن بالقرآن، والسنة بالسنة، وهذه العبارة يراد بها الخبر المتواتر القطعي، وينسخ خبر الواحد بخبر الواحد، وهذا كله متفق عليه، 13- وحذاق الأئمة على أن القرآن ينسخ بالسنة، وذلك موجود في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث»، وهو ظاهر مسائل مالك رحمه الله، وأبى ذلك الشافعي رحمه الله، والحجة عليه من قوله إسقاطه الجلد في حد الزنى عن الثيب الذي يرجم، فإنه لا مسقط لذلك إلا السنة. فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حذاق الأئمة على أن السنة تنسخ بالقرآن، وذلك موجود في القبلة فإن الصلاة إلى الشام لم تكن قط في كتاب الله، وفي قوله تعالى: فلا ترجعوهنّ إلى الكفّار [الممتحنة: 10]، فإن رجوعهن إنما كان يصلح النبي صلى الله عليه وسلم لقريش، والحذاق على تجويز نسخ القرآن بخبر الواحد عقلا، واختلفوا هل وقع شرعا، فذهب أبو المعالي وغيره إلى وقوعه في نازلة مسجد قباء في التحول إلى القبلة، وأبى ذلك قوم، و 14- لا يصح نسخ نص بقياس إذ من شروط القياس أن لا يخالف نصا، وهذا كله في مدة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما بعد موته واستقرار الشرع فأجمعت الأمة أنه لا نسخ. 15- ولهذا كان الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ لأنه إنما ينعقد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا وجدنا إجماعا يخالف نصا فنعلم أن الإجماع استند إلى نص ناسخ لا نعلمه نحن. 16- وقال بعض المتكلمين: «النسخ الثابت متقرر في جهة كل أحد علم الناسخ أو لم يعلمه»، والذي عليه الحذاق أنه من لم يبلغه الناسخ فهو متعبد بالحكم الأول، فإذا بلغه الناسخ طرأ عليه حكم النسخ، والحذاق على جواز نسخ الحكم قبل فعله، وهو موجود في كتاب الله تعالى في قصة الذبيح. القراءات في في*{ننسها} ومعناها : ج ط ك قال ابن كثير: وقوله تعالى: {أو ننسها} فقرئ على وجهين: "ننسأها وننسها". 1- فأمّا من قرأها: "ننسأها" -بفتح النّون والهمزة بعد السّين-فمعناه: نؤخّرها. 2- وأمّا على قراءة:*{أو ننسها}* عن قتادة في قوله:*{ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها}*قال: كان اللّه تعالى ينسي نبيّه ما يشاء وينسخ ما يشاء. وقال ابن جريرٍ: عن الحسن أنّه قال في قوله:*{أو ننسها}*قال: إنّ نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم أقرئ قرآنًا ثمّ نسيه. قال ابن عطية: قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه القراءات لا تخلو كل واحدة منها أن تكون من النسء أو الإنساء بمعنى التأخير، أو تكون من النسيان. والنسيان في كلام العرب يجيء في الأغلب ضد الذكر، وقد يجيء بمعنى الترك، فالمعاني الثلاثة مقولة في هذه القراءات، فما كان منها يترتب في لفظة النسيان الذي هو ضد الذكر. قال الزجاج : وقال أهل اللغة في معنى*{أو ننسها}*قولين:- 1-*قال بعضهم:*(أو ننسها)*من النسيان، وقالوا: دليلنا على ذلك قوله عزّ وجلّ:*{سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء اللّه}, فقد أعلم اللّه أنه يشاء أن ينسى، وهذا القول عندي ليس بجائز؛ لأن اللّه عزّ وجل قد أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم في قوله*{ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك}*أنّه لا يشاء أن يذهب بالذي أوحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وفي قوله{فلا تنسى * إلا ما شاء اللّه}قولان يبطلان هذا القول الذي حكينا عن بعض أهل اللغة:- أحدهما:{فلا تنسى}*أي: لست تترك إلا ما شاء اللّه أن تترك،* ويجوز أن يكون:*إلا ما شاء الله مما يلحق بالبشرية، ثم تذكر بعد، ليس أنه على طريق السلب للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً أوتيه من الحكمة. 2-*وقيل في*{أو ننسها}*قول آخر, وهو خطأ أيضاً, قالوا: أو نتركها, وهذا يقال فيه: نسيت إذا تركت، ولا يقال: أنسيت أي: تركت، وإنما معنى*{أو ننسها}: أو نتركها, أي: نأمر بتركها ومن قرأ (أو ننسؤها) أراد: نؤخرها, والنّسء في اللغة التأخير، يقال: نسأ اللّه في أجله, وأنسأ اللّه أجله, أي: أخر أجله. ونقل ابن عطية عن الزجاج : وقال الزجاج: إن القراءة «أو ننسها» بضم النون وسكون الثانية وكسر السين لا يتوجه فيها معنى الترك لأنه لا يقال أنسأ بمعنى ترك، وقال أبو علي وغيره: ذلك متجه لأنه بمعنى نجعلك تتركها، وكذلك ضعف الزجاج أن تحمل الآية على النسيان الذي هو ضد الذكر، وقال: إن هذا لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولا نسي قرآنا، وقال أبو علي وغيره: ذلك جائز وقد وقع ولا فرق بين أن ترفع الآية بنسخ أو بتنسئة، واحتج الزجاج بقوله تعالى: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك [الإسراء: 86]، أي لم نفعل، قال أبو علي معناه لم نذهب بالجميع. قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: على معنى إزالة النعمة كما توعد، وقد حكى الطبري القول عن أقدم من الزجاج، ورد عليه، والصحيح في هذا أن نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الله تعالى أن ينساه ولم يرد أن يثبت قرآنا جائز. فأما النسيان الذي هو آفة في البشر فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم منه قبل التبليغ وبعد التبليغ ما لم يحفظه أحد من أصحابه، وأما بعد أن يحفظ فجائز عليه ما يجوز على البشر لأنه قد بلغ وأدى الأمانة، ومنه الحديث حين أسقط آية، فلما فرغ من الصلاة قال: أفي القوم أبيّ؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: فلم لم تذكرني؟ قال: حسبت أنها رفعت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم ترفع ولكني نسيتها. الفرق بين الترك والنسخ ج قال الزجاج : فإن قال قائل:*ما معنى تركها غير النسخ؟ وما الفرق بين الترك والنسخ؟ فالجواب في ذلك:*أن النسخ يأتي في الكتاب في نسخ الآية بآية , فتبطل الثانية العمل بالأولى. ومعنى الترك: أن تأتي الآية بضرب من العمل , فيؤمر المسلمون بترك ذلك بغير آية تأتي ناسخة للتي قبلها، نحو:*{إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن}, ثم أمر المسلمون بعد ذلك بترك المحنة, فهذا معنى الترك، ومعنى النسخ قد بيّنّاه, فهذا هو الحق. معنى قوله تعالى :*{نأت بخير منها أو مثلها } ج ك ج وقوله:*{نأت بخير منها}المعنى: بخير منها لكم ،*{أو مثلها}،*فأما ما يؤتى فيه بخير من المنسوخ , فتمام الصيام الذي نسخ الإباحة في الإفطار لمن استطاع الصيام, ودليل ذلك قوله:*{ولتكملوا العدّة}, فهذا هو خير لنا كما قال اللّه عزّ وجلّ. وأمّا قوله*{أو مثلها}*أي: نأتي بآية ثوابها كثواب التي قبلها، والفائدة في ذلك أن يكون الناسخ أسهل في المأخذ من المنسوخ، والإيمان به أسوغ, والناس إليه أسرع نحو القبلة التي كانت على جهة, ثم أمر اللّه النبي صلى الله عليه وسلم بجعل البيت قبلة المسلمين وعدل بها عن القصد لبيت المقدس، فهذا وإن كان السجود إلى سائر النواحي متساوياً في العمل والثواب، فالذي أمر الله به في ذلك الوقت كان الأصلح، والأدعى للعرب, وغيرهم إلى الإسلام) ك وقوله:*{نأت بخيرٍ منها أو مثلها}*أي: في الحكم بالنّسبة إلى مصلحة المكلّفين، كما قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ:*{نأت بخيرٍ منها}*يقول: خيرٌ لكم في المنفعة، وأرفق بكم. وقال أبو العالية:*{ما ننسخ من آيةٍ}*فلا نعمل بها،*{أو ننسئها}*أي: نرجئها عندنا، نأت بها أو نظيرها. وقال السّدّيّ:*{نأت بخيرٍ منها أو مثلها}*يقول: نأت بخيرٍ من الذي نسخناه، أو مثل الذي تركناه. وقال قتادة:*{نأت بخيرٍ منها أو مثلها}*يقول: آيةٌ فيها تخفيفٌ، فيها رخصةٌ، فيها أمرٌ، فيها نهيٌ) معنى (خير) وإعرابها ط قال ابن عطية : ولفظة خير في الآية صفة تفضيل، والمعنى بأنفع لكم أيها الناس في عاجل إن كانت الناسخة أخف، وفي آجل إن كانت أثقل، وبمثلها إن كانت مستوية، وقال قوم «خير» في الآية مصدر و «من» لابتداء الغاية. إعراب (ألم تعلم ) والمخاطب بها ط قال ابن عطية : 1- أنّ ظاهره الاستفهام ومعناه التقرير، والتقرير محتاج إلى معادل كالاستفهام المحض، فالمعادل هنا على قول جماعة أم تريدون [البقرة: 18]، 2- وقال قوم أم هنا منقطعة، فالمعادل على قولهم محذوف تقديره أم علمتم، المخاطب بها : وهذا كله على أن القصد بمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة أمته، وأما إن كان هو المخاطب وحده فالمعادل محذوف لا غير، وكلا القولين مروي. المراد بقوله تعالى (على كلّ شيءٍ ) ط قال ابن عطية : لفظ عموم معناه الخصوص، إذ لم تدخل فيه الصفات القديمة بدلالة العقل ولا المحالات لأنها ليست بأشياء المراد ب (الشيء) ط قال ابن عطية : الشيء في كلام العرب الموجود تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)} معنى الآية ج ك قال الزجاج: معنى الآية: إن اللّه يملك السّماوات والأرض, ومن فيهن, فهو أعلم بوجه الصلاح فيما يتعبدهم به، من ناسخ , ومنسوخ, ومتروك, وغيره قال ابن كثير: قال ابن جرير : وهذا الخبر وإن كان من اللّه تعالى خطابًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على وجه الخبر عن عظمته، فإنّه منه تكذيبٌ لليهود الّذين أنكروا نسخ أحكام التّوراة، وجحدوا نبوّة عيسى ومحمّدٍ، عليهما الصّلاة والسّلام، لمجيئهما بما جاءا به من عند اللّه بتغيّر ما غيّر اللّه من حكم التّوراة. فأخبرهم اللّه أنّ له ملك السّماوات والأرض وسلطانهما، وأنّ الخلق أهل مملكته وطاعته وعليهم السّمع والطّاعة لأمره ونهيه، وأنّ له أمرهم بما يشاء، ونهيهم عمّا يشاء، ونسخ ما يشاء، وإقرار ما يشاء، وإنشاء ما يشاء من إقراره وأمره ونهيه. [وأمر إبراهيم، عليه السّلام، بذبح ولده، ثمّ نسخه قبل الفعل، وأمر جمهور بنى إسرائيل بقتل من عبد العجل منهم، ثمّ رفع عنهم القتل كيلا يستأصلهم القتل]. مناسبة الآية ك قال ابن كثير: وفي هذا المقام ردٌّ عظيمٌ وبيانٌ بليغٌ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم -لعنهم اللّه -في دعوى استحالة النّسخ إمّا عقلًا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا، ً وإمّا نقلًا كما تخرّصه آخرون منهم افتراءً وإفكًا الخطاب في الآية ك قال ابن كثير: وهذا الخبر وإن كان من اللّه تعالى خطابًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على وجه الخبر عن عظمته، فإنّه منه تكذيبٌ لليهود الّذين أنكروا نسخ أحكام التّوراة، وجحدوا نبوّة عيسى ومحمّدٍ، عليهما الصّلاة والسّلام، لمجيئهما بما جاءا به من عند اللّه بتغيّر ما غيّر اللّه من حكم التّوراة مسألة إنكار اليهود للنسخ والرد عليهم ك قال ابن كثير: قال ابن جرير :قلت: الذي يحمل اليهود على البحث في مسألة النّسخ، إنّما هو الكفر والعناد، فإنّه ليس في العقل ما يدلّ على امتناع النّسخ في أحكام اللّه تعالى؛ لأنّه يحكم ما يشاء كما أنّه يفعل ما يريد، مع أنّه قد وقع ذلك في كتبه المتقدّمة وشرائعه الماضية، كما أحلّ لآدم تزويج بناته من بنيه، ثمّ حرّم ذلك، وكما أباح لنوحٍ بعد خروجه من السّفينة أكل جميع الحيوانات، ثمّ نسخ حلّ بعضها، وكان نكاح الأختين مباح لإسرائيل وبنيه، وقد حرّم ذلك في شريعة التّوراة وما بعدها. وأشياء كثيرةٌ يطول ذكرها، وهم يعترفون بذلك ويصدفون عنه. وما يجاب به عن هذه الأدلّة بأجوبةٍ لفظيّةٍ، فلا تصرف الدّلالة في المعنى، إذ هو المقصود، وكما في كتبهم مشهورًا من البشارة بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم والأمر باتّباعه، فإنّه يفيد وجوب متابعته، عليه والسلام، وأنّه لا يقبل عملٌ إلّا على شريعته. وسواءٌ قيل إنّ الشّرائع المتقدّمة مغيّاة إلى بعثته، عليه السّلام، فلا يسمّى ذلك نسخًا كقوله:*{ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل}[البقرة: 187]، وقيل: إنّها مطلقةٌ، وإنّ شريعة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم نسختها، فعلى كلّ تقديرٍ فوجوب اتّباعه معيّنٌ لأنّه جاء بكتابٍ هو آخر الكتب عهدًا باللّه تبارك وتعالى. ففي هذا المقام بيّن تعالى جواز النّسخ، ردًّا على اليهود، عليهم لعائن اللّه، حيث قال تعالى:*{ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ* ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض وما لكم من دون اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ}*الآية، فكما أنّ له الملك بلا منازعٍ، فكذلك له الحكم بما يشاء،*{ألا له الخلق والأمر}[الأعراف: 54]*وقرئ في سورة آل عمران، التي نزل صدرها خطابًا مع أهل الكتاب، وقوع النسخ عند اليهود في وقوله تعالى:*{كلّ الطّعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه}*الآية*[آل عمران: 93]*كما سيأتي تفسيرها، والمسلمون كلّهم متّفقون على جواز النّسخ في أحكام اللّه تعالى، لما له في ذلك من الحكم البالغة، وكلّهم قال بوقوعه. وقال أبو مسلمٍ الأصبهانيّ المفسّر: لم يقع شيءٌ من ذلك في القرآن، وقوله هذا ضعيفٌ مردودٌ مرذولٌ. وقد تعسّف في الأجوبة عمّا وقع من النّسخ، فمن ذلك قضيّة العدّة بأربعة أشهرٍ وعشرًا بعد الحول لم يجب على ذلك بكلامٍ مقبولٍ، وقضيّة تحويل القبلة إلى الكعبة، عن بيت المقدس لم يجب بشيءٍ، ومن ذلك نسخ مصابرة المسلم لعشرةٍ من الكفرة إلى مصابرة الاثنين، ومن ذلك نسخ وجوب الصّدقة قبل مناجاة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وغير ذلك، إعراب ألم ومعناها ج قال الزجاج : لفظ*{ألم}*ههنا لفظ استفهام, ومعناه: التوقيف، وجزم*{ألم}*ههنا كجزم "لم"؛ لأن حرف الاستفهام لا يغير العامل عن عمله معنى الملك في اللغة واشتقاقه ج ط قال الزجاج : ومعنى الملك في اللغة: تمام القدرة واستحكامها, فما كان مما يقال فيه ملك سمي: الملك، وما نالته القدرة مما يقال فيه مالك, فهو ملك، تقول: ملكت الشيء أملكه ملكا. وكقوله تعالى*{على ملك سليمان}*أي: في سلطانه وقدرته. وأصل هذا من قولهم: ملكت العجين أملكه إذا بالغت في عجنه، ومن هذا قيل في التزويج شهدنا "إملاك" فلان، أي: شهدنا عقد أمر نكاحه, وتشديده. قال ابن عطية: الملك السلطان ونفوذ الأمر والإرادة الخطاب في (ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير ) ومعناه ج ط قال الزجاج : هذا خطاب للمسلمين يخبرون فيه أن من خالفهم فهو عليهم، وأن اللّه جلّ وعزّ ناصرهم، والفائدة فيه: أنه بنصره إياهم, يغلبون من سواهم) قال ابن عطية: وجمع الضمير في لكم دال على أن المراد بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب أمته معنى (الولي ) ط قال ابن عطية: فعيل من ولي إذا جاور ولحق، فالناصر والمعين والقائم بالأمر والحافظ كلهم مجاور بوجه ما معنى (النصير) ط قال ابن عطية: فعيل من النصر، وهو أشد مبالغة من ناصر تفسير قوله تعالى:{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)} معنى الآية ج ك قال الزجاج: فمعنى الآية: أنهم نهوا أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما لا خير لهم في السؤال عنه , وما يكفّرهم، وإنما خوطبوا بهذا بعد وضوح البراهين لهم , وإقامتها على مخالفتهم , , فأعلم المسلمون أن السؤال بعد قيام البراهين كفر، قال ابن كثير: نهى اللّه تعالى في هذه الآية الكريمة، عن كثرة سؤال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الأشياء قبل كونها، سبب نزول الآية ط ك ذكر ابن عطية وابن كثير 1- إن هذه الآية نزلت حين قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: ليت ذنوبنا جرت مجرى ذنوب بني إسرائيل بتعجيل العقوبة في الدنيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أعطاكم الله خيرا مما أعطى بني إسرائيل. وتلا: ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفوراً رحيماً. [النساء: 110]. 2- وقال ابن عباس رضي الله عنه: إن رافع بن حريملة اليهودي سأل النبي صلى الله عليه وسلم تفجير عيون وغير ذلك، 3- وقيل: إن كفار قريش سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالله جهرة، 4- وقيل: سألوه أن يأتي بالله والملائكة قبيلا، 5- وقال مجاهد: سألوه أن يرد الصفا ذهبا، فقال لهم: خذوا ذلك كالمائدة لبني إسرائيل، فأبوا ونكصوا. القراءات في سئل ج ط قال ابن عطية: 1- وقرأ الحسن بن أبي الحسن وغيره «سيل» بكسر السين وياء وهي لغة، يقال: سلت أسال، 2- ويحتمل أن يكون من همز أبدل الهمزة ياء على غير قياس ثم كسر السين من أجل الياء، 3- وقرأ بعض القراء بتسهيل الهمزة بين الهمزة والياء مع ضم السين، وذكره الزجاج معنى الاستفهام (أم تريدون) والمراد به ج ط ك قال ابن عطية: وقوله تعالى: أم تريدون: 1- قالت فرقة: أم رد على الاستفهام الأول، فهي معادلته. 2- وقالت فرقة أم استفهام مقطوع من الأول، كأنه قال: أتريدون، وهذا موجود في كلام العرب. ك ج 3- وقالت فرقة: أم هنا بمعنى بل وألف الاستفهام (بل أتريدون) ك ج مرجع الضمير في رسولكم ط ك قال ابن كثير: وهو يعمّ المؤمنين والكافرين، فإنّه، عليه السّلام، رسول اللّه إلى الجميع، كما قال معنى (كما سئل موسى من قبل) ط قال ابن عطية: وكما سئل موسى عليه السلام هو أن يرى الله جهرة معنى قوله تعالى (ومن يتبدل الكفر بالإيمان ) ط ك قال ابن عطية: وكني عن الإعراض عن الإيمان والإقبال على الكفر بالتبدل، قال ابن كثير: *أي: من يشتر الكفر بالإيمان وقال أبو العالية: يتبدّل الشّدّة بالرّخاء ورده ابن عطية فقال : قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، إلا أن يريدهما مستعارتين، أي الشدة على نفسه والرخاء لها عبارة عن العذاب والتنعيم، وأما المتعارف من شدة أمور الدنيا ورخائها فلا تفسر الآية به معنى قوله تعالى (فقد ضل سواء السبيل) ج ط ك قال الزجاج : *أي: من يسأل عما لا يعنيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وضوح الحق , فقد ضل سواء السبيل,*ي: قصد السبيل).* قال ابن كثير: أي: فقد خرج عن الطّريق المستقيم إلى الجهل والضّلال وهكذا حال الّذين عدلوا عن تصديق الأنبياء واتّباعهم والانقياد لهم، إلى مخالفتهم وتكذيبهم والاقتراح عليهم بالأسئلة التي لا يحتاجون إليها، على وجه التّعنّت والكفر معنى ضل ط قال ابن عطية: وضلّ أخطأ الطريق معنى (سواء) ط قال ابن عطية: و «السواء» من كل شيء الوسط والمعظم، ومنه قوله تعالى في سواء الجحيم [الصافات: 55]. المراد ب (السبيل) وسبب التسمية ط قال ابن عطية: والسّبيل عبارة عن الشريعة التي أنزلها الله لعباده، لما كانت كالسبب إلى نيل رحمته كانت كالسبيل إليها حكم كثرة السؤال والتفصيل فيه ك قال ابن كثير: 1- نهى اللّه تعالى في هذه الآية الكريمة، عن كثرة سؤال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الأشياء قبل كونها فلعلّه أن يحرّم من أجل تلك المسألة. ولهذا جاء في الصّحيح: "إنّ أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيءٍ لم يحرّم، فحرّم من أجل مسألته". 2- ثبت في الصّحيحين من حديث المغيرة بن شعبة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال وفي صحيح مسلمٍ: "ذروني ما تركتكم، فإنّما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإن نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه" 3- والمراد أنّ اللّه ذمّ من سأل الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم عن شيء، على وجه التعنّت والاقتراح، كما سألت بنو إسرائيل موسى، عليه السّلام، تعنّتًا وتكذيبًا وعنادًا، تفسير قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)} معنى الآية ك قال ابن كثير: يحذّر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طرائق الكفّار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظّاهر وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيّهم. ويأمر عباده المؤمنين بالصّفح والعفو والاحتمال، حتّى يأتي أمر اللّه من النّصر والفتح. سبب نزول هذه الآية ط ك قال ابن عطية: واختلف في سبب هذه الآية 1- فقيل: إن حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر أتيا بيت المدارس، فأراد اليهود صرفهم عن دينهم، فثبتا عليه ونزلت الآية 2- وقيل: إنما هذه الآية تابعة في المعنى لما تقدم من نهي الله عن متابعة أقوال اليهود في راعنا [البقرة: 104] وغيره، وأنهم لا يودون أن ينزل خير، ويودون أن يردوا المؤمنين كفارا. والحقّ: المراد به في هذه الآية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصحة ما المسلمون عليه، قال ابن كثير: 1- عن ابن عباس، قال: كان حييّ بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشدّ يهود للعرب حسدًا، إذ خصهم اللّه برسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وكانا جاهدين في ردّ النّاس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل اللّه فيهما:*{ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم}الآية. 2- وقال الزّهريّ : هو كعب بن الأشرف. 3- وقال ابن أبي حاتمٍ: عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، عن أبيه: أنّ كعب بن الأشرف اليهوديّ كان شاعرًا، وكان يهجو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. وفيه أنزل اللّه:*{ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم}*إلى قوله:*{فاعفوا واصفحوا} إعراب (ود كثير من أهل الكتاب ) ط قال ابن عطية: ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب، كثيرٌ مرتفع ب ودّ، وهو نعت لنكرة، وحذف الموصوف النكرة قلق، ولكن جاز هنا لأنها صفة متمكنة ترفع الإشكال بمنزلة فريق المراد بقوله تعالى (كثير من أهل الكتاب) ج ط ك قال الزجاج يعني به: علماء اليهود. قال ابن عطية: ،قال الزهري عنى ب كثيرٌ واحد، وهو كعب بن الأشرف، وهذا تحامل، وقوله تعالى يردّونكم يرد عليه، وقال ابن عباس: المراد ابنا أخطب، حيي وأبو ياسر. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي الضمن الاتباع، فتجيء العبارة متمكنة، المراد بالكتاب : ط قال ابن عطية: والكتاب هنا التوراة معنى لو في قوله تعالى (لو يردونكم) ط قال ابن عطية: وقوله تعالى: ولو هنا 1- بمنزلة «إن» لا تحتاج إلى جواب، 2- وقيل يتقدر جوابها في ودّ، التقدير لو يردونكم لودوا ذلك. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ف «ود» دالة على الجواب، لأن من شرطه أن يكون متأخرا عن لو، إعراب كفارا ط قال ابن عطية: 1- كفّاراً مفعول ثان 2- ويحتمل أن يكون حالا، وحسداً مفعول له 3- وقيل: هو مصدر في موضع الحال تعلق قوله تعالى ( من عند أنفسهم) ج ط قال ابن عطية : واختلف في تعلق قوله من عند أنفسهم: 1- فقيل يتعلق ب ودّ لأنه بمعنى ودوا 2- ، وقيل: يتعلق بقوله حسداً فالوقف على قوله كفّاراً، والمعنى على هذين القولين أنهم لم يجدوا ذلك في كتاب ولا أمروا به فهو من تلقائهم، ولفظة الحسد تعطي هذا، فجاء من عند أنفسهم تأكيدا وإلزاما، كما قال تعالى: يقولون بأفواههم [آل عمران: 167]، ويكتبون الكتاب بأيديهم [البقرة: 79]، ولا طائرٍ يطير بجناحيه [الأنعام: 38]، 3- وقيل يتعلق بقوله يردّونكم، فالمعنى أنهم ودوا الرد بزيادة أن يكون من تلقائهم أي بإغوائهم وتزيينهم. ورجح الزجاج القول الأول : وقوله:*{حسداً من عند أنفسهم}*موصول بـ{ود الذين كفروا}، لا بقوله*{حسداً}؛ لأن حسد الإنسان لا يكون من عند نفسه، ولكن المعنى: مودتهم بكفركم من عند أنفسهم، لا أنهم عندهم الحق الكفر، ولا أن كتابهم أمرهم بما هم عليه من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم الدليل على ذلك قوله:*{من بعد ما تبيّن لهم الحق}. معنى قوله تعالى (من عند أنفسهم) ك قال ابن كثير: من قبل أنفسهم. معنى قوله تعالى (من بعد ما تبين لهم الحق) ك قال ابن كثير: قال أبو العالية:*{من بعد ما تبيّن لهم الحقّ}*من بعد ما تبيّن [لهم] أنّ محمّدًا رسول اللّه يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل، فكفروا به حسدًا وبغيًا؛ إذ كان من غيرهم. *{كفّارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ}*يقول: من بعد ما أضاء لهم الحقّ لم يجهلوا منه شيئًا، ولكنّ الحسد حملهم على الجحود، فعيرّهم ووبّخهم ولامهم أشدّ الملامة، مسألة حكم الكفر عنادا ط قال ابن عطية: وهذه الآية من الظواهر في صحة الكفر عنادا، واختلف أهل السنة في جواز ذلك، والصحيح عندي جوازه غفلا وبعده وقوعا، ويترتب في كل آية تقتضيه أن المعرفة تسلب في ثاني حال من العناد، معنى العفو ط قال ابن عطية: والعفو ترك العقوبة وهو من «عفت الآثار» معنى الصفح ط قال ابن عطية: والصفح الإعراض عن المذنب كأنه يولي صفحة العنق. وقت الأمر بالصفح في هذه الآية والأقوال في نسخها ج ط ك قال الزجاج : هذا في وقت لم يكن المسلمون أمروا فيه بحرب المشركين، وإنما كانوا يدعون بالحجج البينة وغاية الرفق حتى بين الله أنهم إنما يعاندون بعد وضوح الحق عندهم , فأمر المسلمون بعد ذلك بالحرب. قال ابن عطية: 1- وقال ابن عباس هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: قاتلوا الّذين لا يؤمنون [التوبة: 29] إلى قوله صاغرون [التوبة: 29]، وقيل: بقوله «اقتلوا المشركين»، 2- وقال قوم: ليس هذا حد المنسوخ، لأن هذا في نفس الأمر كان التوقيف على مدته. وقال أبو عبيدة في هذه الآية: إنها منسوخة بالقتال، لأن كل آية فيها ترك القتال فهي مكية منسوخة. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحكمه بأن هذه الآية مكية ضعيف، لأن معاندات اليهود إنما كانت بالمدينة، قال ابن كثير: ذكر قول ابن عباس السابق وقال : إنّها منسوخةٌ بآية السّيف، ويرشد إلى ذلك أيضًا قوله:*{حتّى يأتي اللّه بأمره} و عن عروة بن الزّبير: أنّ أسامة بن زيدٍ أخبره، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم اللّه، ويصبرون على الأذى، قال اللّه:*{فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}*وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتأوّل من العفو ما أمره اللّه به، حتّى أذن اللّه فيهم بقتلٍ، فقتل اللّه به من قتل من صناديد قريشٍ. وهذا إسناده صحيحٌ، ولم أره في شيءٍ من الكتب السّتّة [ولكن له أصلٌ في الصّحيحين عن أسامة بن زيدٍ رضي اللّه عنهما] معنى قوله تعالى (حتى يأتي الله بأمره) ط قال ابن عطية: قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا على من يجعل الأمر المنتظر أوامر الشرع أو قتل قريظة وإجلاء النضير، وأمر من يجعله آجال بني آدم فيترتب النسخ في هذه الآية بعينها، لأنه لا يختلف أن آيات الموادعة المطلقة قد نسخت كلها، والنسخ هو مجيء الأمر في هذه المقيدة، وقيل: مجيء الأمر هو فرض القتال، وقيل: قتل قريظة وإجلاء النضير، وقال أبو عبيدة في هذه الآية: إنها منسوخة بالقتال، لأن كل آية فيها ترك القتال فهي مكية منسوخة. معنى قوله تعالى(إن الله على كل شيء قدير) ج ط قال الزجاج : أي: قدير على أن يدعو إلى دينه بما أحب مما هو عنده الأحكم والأبلغ قال ابن عطية: وقوله تعالى: إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ مقتضاه في هذا الموضوع وعد للمؤمنين تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)} معنى الآية ك قال ابن كثير: يحثّ تعالى على الاشتغال بما ينفعهم وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة، من إقام الصّلاة وإيتاء الزكاة، حتّى يمكّن لهم اللّه النّصر في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد*{يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار}[غافر: 52]؛ ولهذا قال تعالى:*{إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}*يعني: أنّه تعالى لا يغفل عن عمل عاملٍ، ولا يضيع لديه، سواءٌ كان خيرًا أو شرًّا، فإنّه سيجازي كلّ عاملٍ بعمله. المراد بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ط قال ابن عطية: قالت فرقة من الفقهاء: إن قوله تعالى: وأقيموا الصّلاة عموم، وقالت فرقة: هو من مجمل القرآن، والمرجح أن ذلك عموم من وجه ومجمل من وجه، فعموم من حيث الصلاة الدعاء، فحمله على مقتضاه ممكن، وخصصه الشرع بهيئات وأفعال وأقوال، ومجمل من حيث الأوقات، وعدد الركعات والسجدات لا يفهم من اللفظ، بل السامع فيه مفتقر إلى التفسير، وهذا كله في أقيموا الصّلاة، وأما الزكاة فمجملة لا غير. سبب الأمر بالصلاة والزكاة ط قال ابن عطية: قال الطبري: إنما أمر الله هنا بالصلاة والزكاة لتحط ما تقدم من ميلهم إلى أقوال اليهود راعنا [البقرة: 104]، لأن ذلك نهي عن نوعه، ثم أمر المؤمنين بما يحطه، معنى تجدوه ط قال ابن عطية: فمعنى تجدوه تجدوا ثوابه وجزاءه، وذلك بمنزلة وجوده. معنى قوله تعالى (إن الله بما تعملون بصير) ط ك قال ابن كثير : قال ابن جرير وهذا الخبر من اللّه للّذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين، أنّهم مهما فعلوا من خيرٍ أو شرٍّ، سرًّا أو علانيةً، فهو به بصيرٌ لا يخفى عليه منه شيءٌ، فيجزيهم بالإحسان خيرًا، وبالإساءة مثلها. - وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر، فإنّ فيه وعدًا ووعيدًا وأمرًا وزجرًا. وذلك أنّه أعلم القوم أنّه بصيرٌ بجميع أعمالهم ليجدّوا في طاعته إذ كان ذلك مدّخرًا لهم عنده، حتّى يثيبهم عليه، كما قال:*{وما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللّه}*وليحذروا معصيته معنى (بصير ) ك قال ابن كثير وأمّا قوله:*{بصيرٌ}*فإنّه مبصرٌ صرف إلى "بصيرٍ" كما صرف مبدعٌ إلى "بديعٍ"، ومؤلمٌ إلى "أليمٍ |
تفسير سورة البقرة [من الآية (111) إلى الآية (113) ]
*تفسير سورة البقرة [من الآية (111) إلى الآية (113) ]
تفسير قوله تعالى:*{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) } تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)} المقصودين في الآية ج قال الزجاج : الإخبار في هذا عن أهل الكتاب، وعقد النصارى معهم في قوله:*{وقالوا}؛ لأن الفريقين يقرآن التوراة، ويختلفان في تثبيت رسالة موسى وعيسى، فلذلك قال اللّه عزّ وجلّ:{وقالوا}*فأجملوا. معنى قوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى) ج ط قال الزجاج: فالمعنى: أن اليهود قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، والنصارى قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، وجاز أن يلفظ بلفظ جمع؛ لأن معنى*{من}*معنى جماعة, فحمل الخبر على المعنى. والمعنى: إلا الذين كانوا هوداً, وكانوا نصارى قال ابن عطية: وقالوا لن يدخل الجنّة معناه قال اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقال النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فجمع قولهم، ودل تفريق نوعيهم على تفرق قوليهم، وهذا هو الإيجاز واللف قال ابن كثير: يبيّن تعالى اغترار اليهود والنّصارى بما هم فيه، حيث ادّعت كلّ طائفةٍ من اليهود والنّصارى أنّه لن يدخل الجنّة إلّا من كان على ملّتها، كما أخبر اللّه عنهم في سورة المائدة أنّهم قالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه} [المائدة: 18]. فأكذبهم اللّه تعالى بما أخبرهم أنّه معذّبهم بذنوبهم، ولو كانوا كما ادّعوا لما كان الأمر كذلك، وكما تقدّم من دعواهم أنّه لن تمسّهم النّار إلّا أيّامًا معدودةً، ثمّ ينتقلون إلى الجنّة. وردّ عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدّعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بيّنةٍ معنى هوداً واشتقاقها ج ط قال ابن عطية: 1- وهود جمع هائد، مثل عائد وعود، ومعناه التائب الراجع، ومثله في الجمع بازل وبزل وحائل وحول وبائر وبور، 2- وقيل هو مصدر يوصف به الواحد والجمع كفطر وعدل ورضا، 3- وقال الفراء: أصله يهودي حذفت ياءاه على غير قياس. وقرأ أبي بن كعب «إلا من كان يهوديا»، المخاطب ب(قل) ك قال ابن كثير: {قل} أي: يا محمّد، المراد بقوله تعالى (تلك أمانيهم) ج ط ك قال الزجاج: هذا كما يقال للذي يدعي ما لا يبرهن حقيقته: إنما أنت متمن. قال ابن عطية: وكذبهم الله تعالى وجعل قولهم أمنية، قال ابن كثير: قال أبو العالية: أمانيّ تمنّوها على اللّه بغير حقٍّ. وكذا قال قتادة والرّبيع بن أنسٍ. معنى قوله تعالى (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ج ط ك قال الزجاج: أي: إن كنتم عند أنفسكم صادقين, فبينوا ما الذي دلكم على ثبوت الجنة لكم) اشتقاق (هاتوا ) ط قال ابن عطية: 1- وقيل: إن الهاء في هاتوا أصلية من هاتا يهاتي، وأميت تصريف هذه اللفظة كله إلا الأمر منه 2- وقيل: هي عوض من همزة آتى، وقيل: ها تنبيه، وألزمت همزة آتى الحذف، معنى البرهان ط ك قال ابن عطية: والبرهان الدليل الذي يوقع اليقين، قال الطبري: طلب الدليل هنا يقضي بإثبات النظر ويرد على من ينفيه، قال ابن كثير: حجّتكم. وقال قتادة: بيّنتكم على ذلك تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)} برهان من أسلم وجهه لله ج قال الزجاج: ،فإن قال قائل:*فما برهان من آمن في قولكم؟ قيل:*ما بيناه من الاحتجاج للنبي صلى الله عليه وسلم , ومن إظهار البراهين بأنبائهم ما لا يعلم إلا من كتاب, أو وحي، وبما قيل لهم في تمني الموت، وما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات الدالة على تثبيت الرسالة، فهذا برهان من أسلم وجهه للّه) جواب النفي في (لن يدخل ) ط قال ابن عطية: وقول اليهود لن نفي حسنت بعده بلى، إذ هي رد بالإيجاب في جواب النفي، حرف مرتجل لذلك، وقيل: هي «بل» زيدت عليها الياء لتزيلها على حد النسق الذي في «بل») معنى قوله تعالى (من أسلم وجهه) ك ط قال ابن عطية: وأسلم معناه استسلم قال ابن كثير: أي: من أخلص العمل للّه وحده لا شريك له المراد بالوجه ط ك قال ابن عطية: يقال وجه الأمر أي معظمه وأشرفه،وقد يكون الوجه في هذه الآية المقصد قال ابن كثير: {وجهه} قال: دينه، سبب تخصيص الوجه في الآية ط قال ابن عطية: وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من الإنسان وموضع الحواس وفيه يظهر العز والذل، ولذلك يقال وجه الأمر أي معظمه وأشرفه إعراب (وهو محسن) ط قال ابن عطية: ويصح أن وهو محسنٌ جملة في موضع الحال معنى (وهو محسن) ك قال ابن كثير: وهو محسنٌ} أي: متّبعٌ فيه الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم شروط صحة العمل ك قال ابن كثير: فإنّ للعمل المتقبّل شرطين، أحدهما: أن يكون خالصًا للّه وحده والآخر: أن يكون صوابًا موافقًا للشّريعة. فمتى كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يتقبّل؛ ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ". رواه مسلمٌ من حديث عائشة، عنه، عليه السّلام. مرجع الضمير في (له) (أجره) (يحزنون) ط قال ابن عطية: وعاد الضمير في «له» على لفظ من، وكذلك في قوله أجره، وعاد في عليهم على المعنى، وكذلك في يحزنون، معنى قوله تعالى (فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ك قال ابن كثير: ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور، وآمنهم ممّا يخافونه من المحذور فـ {لا خوفٌ عليهم} فيما يستقبلونه، {ولا هم يحزنون} على ما مضى ممّا يتركونه، كما قال سعيد بن جبيرٍ: فـ {لا خوفٌ عليهم} يعني: في الآخرة {ولا هم يحزنون} [يعني: لا يحزنون] للموت) القراءات في (خوف) ومعناها ط قال ابن عطية: وقرأ ابن محيصن «فلا خوف» دون تنوين في الفاء المرفوعة، 1- فقيل: ذلك تخفيف، 2- وقيل: المراد فلا الخوف فحذفت الألف واللام، الفرق بين الخوف والحزن ط قال ابن عطية: والخوف هو لما يتوقع، والحزن هو لما قد وقع الأجر المقصود في الآية ج قال الزجاج : أي: فهذا يدخل الجنة تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)} مناسبة الآية ج قال الزجاج: المعنى: أن هؤلاء أيضاً قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا. سبب الآية ط ك قال ابن عطية: وسبب الآية أن نصارى نجران اجتمعوا مع يهود المدينة عند النبي صلى الله عليه وسلم فتسابوا، وكفر اليهود بعيسى وبملته وبالإنجيل، وكفر النصارى بموسى وبالتوراة. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا من فعلهم كفر كل طائفة بكتابها، لأن الإنجيل يتضمن صدق موسى وتقرير التوراة، والتوراة تتضمن التبشير بعيسى وصحة نبوته، وكلاهما تضمن صدق محمد صلى الله عليه وسلم، فعنفهم الله تعالى على كذبهم، وفي كتبهم خلاف ما قالوا. قال ابن كثير: عن ابن عبّاسٍ، قال: لما قدم أهل نجران من النّصارى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أتتهم أحبار يهود، فتنازعوا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رافع بن حريملة ما أنتم على شيءٍ، وكفر بعيسى وبالإنجيل. ولهذا قال تعالى: {وهم يتلون الكتاب} أي: وهم يعلمون شريعة التّوراة والإنجيل، كلٌّ منهما قد كانت مشروعةً في وقتٍ، ولكن تجاحدوا فيما بينهم عنادًا وكفرًا ومقابلةً للفاسد بالفاسد، كما تقدّم عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وقتادة في الرّواية الأولى عنه في تفسيرها، واللّه أعلم. مسألة : هل الطائفتان صدقتا فيما رمت على الأخرى ك قال ابن كثير: 1- وقال مجاهدٌ في تفسير هذه الآية: قد كانت أوائل اليهود والنّصارى على شيءٍ. وقال قتادة: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيءٍ} قال: بلى، قد كانت أوائل النّصارى على شيءٍ، ولكنّهم ابتدعوا وتفرّقوا. {وقالت النّصارى ليست اليهود على شيءٍ} قال: بلى قد كانت أوائل اليهود على شيءٍ، ولكنّهم ابتدعوا وتفرّقوا. 2--كقول أبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ في تفسير هذه الآية: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيءٍ وقالت النّصارى ليست اليهود على شيءٍ} هؤلاء أهل الكتاب الّذين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وهذا القول يقتضي أنّ كلًّا من الطّائفتين صدقت فيما رمت به الطّائفة الأخرى. ولكنّ ظاهر سياق الآية يقتضي ذمّهم فيما قالوه، مع علمهم بخلاف ذلك معنى قوله تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) ج ط ك قال الزجاج : يعني به: أن الفريقين يتلوان التوراة، وقد وقع بينهم هذا الاختلاف, وكتابهم واحد، فدل بهذا على ضلالتهم، وحذر بهذا وقوع الاختلاف في القرآن، لأن اختلاف الفريقين أخرجهما إلى الكفر, فتفهموا هذا المكان, فإن فيه حجة عظيمة, وعظة في القرآن. قال ابن عطية: معناه ادعى كل فريق أنه أحق برحمة الله من الآخر. قال ابن كثير: يبيّن به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم المراد بقوله تعالى (وهم يتلون الكتاب) ج ط ك قال ابن عطية: وفي قوله تعالى: وهم يتلون الكتاب تنبيه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم على ملازمة القرآن والوقوف عند حدوده، كما قال الحر بن قيس في عمر بن الخطاب، وكان وقافا عند كتاب الله وذكره الزجاج قال ابن كثير: يبيّن بهذا جهل اليهود والنّصارى فيما تقابلوا من القول، وهذا من باب الإيماء والإشارة المراد ب (الذين لا يعلمون) ج ط ك قال ابن عطية: اختلف من المراد بقوله لا يعلمون، 1- فقال الجمهور: عنى بذلك كفار العرب، لأنهم لا كتاب لهم، 2- وقال عطاء: المراد أمم كانت قبل اليهود والنصارى، 3- وقال قوم: المراد اليهود، وكأنه أعيد قولهم. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف ذكر ابن كثير الأقوال ثم قال : واختار أبو جعفر بن جريرٍ أنّها عامّةٌ تصلح للجميع، وليس ثمّ دليلٌ قاطعٌ يعيّن واحدًا من هذه الأقوال، فالحمل على الجميع أولى، واللّه أعلم المراد بقوله تعالى (كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم) ج. قال الزجاج: المعنى: أن هؤلاء أيضاً قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا. المراد بالكتاب ط ك قال ابن عطية: والكتاب الذي يتلونه 1- قيل: التوراة والإنجيل، فالألف واللام للجنس، 2- وقيل: التوراة لأن النصارى تمتثلها، فالألف واللام للعهد. معنى قوله تعالى ( فالله يحكم بينهم يوم القيامة) ج ط ك قال ابن عطية: والمعنى بأن يثيب من كان على شيء، أي شيء حق، ويعاقب من كان على غير شيء، وقال الزجاج: المعنى يريهم عيانا من يدخل الجنة ومن يدخل النار قال ابن كثير: أنّه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد، ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرّةٍ. سبب تسمية يوم القيامة بذلك ط قال ابن عطية: ويوم القيامة سمي بقيام الناس من القبور، إذ ذلك مبد لجميع مبدأ في اليوم وفي الاستمرار بعده، فائدة (كانوا) ط قال ابن عطية: وقوله كانوا بصيغة الماضي حسن على مراعاة الحكم، وليس هذا من وضع الماضي موضع المستقبل لأن اختلافهم ليس في ذلك اليوم، بل في الدنيا |
تفسير سورة البقرة [من الآية (114) إلى الآية (119) ]
تفسير سورة البقرة [من الآية (114) إلى الآية (119) ]
تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)} تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)} مناسبة الآية ك قال ابن كثير : وأيضًا فإنّه تعالى لمّا وجّه الذّمّ في حقّ اليهود والنّصارى، شرع في ذمّ المشركين الّذين أخرجوا الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من مكّة، ومنعوهم من الصّلاة في المسجد الحرام، إعراب (من أظلم ) ومعناها ج ط قال ابن عطية: من رفع بالابتداء، وأظلم خبره، والمعنى لا أحد أظلم. إعراب أن في (أن يذكر) ج ط قال ابن عطية: – وأن يذكر في موضع نصب: 1- إما على تقدير حذف «من» وتسلط الفعل 2- وإما على البدل من المساجد، وهو بدل الاشتمال الذي شأن البدل فيه أن يتعلق بالمبدل منه ويختص به أو تقوم به صفة 3- ويجوز أن يكون مفعولا من أجله – ويجوز أن تكون أن في موضع خفض على إسقاط حرف الجر، ذكره سيبويه المعنيين في الآية ومعنى المساجد ج ط ك قال ابن عطية: واختلف في المشار إليه من هذا الصنف الظالم، 1- فقال ابن عباس وغيره: المراد النصارى الذين كانوا يؤذون من يصلي ببيت المقدس ويطرحون فيه الأقذار، ك ط ورجحه ابن جرير 2- وقال قتادة والسدي: المراد الروم الذين أعانوا بختنصر على تخريب بيت المقدس حين قتلت بنو إسرائيل يحيى بن زكرياء عليه السلام، ج ك ط 3- وقيل: المعنّي بخت نصر، ط ك 4- وقال ابن زيد: المراد كفار قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام، رجحه ابن كثير ج ط ك 5- وهذه الآية تتناول كل من منع من مسجد إلى يوم القيامة أو خرب مدينة إسلام، لأنها مساجد، وإن لم تكن موقوفة، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة رجحه ابن عطية معنى (وسعى في خرابها) ط ك قال ابن عطية: 1- ومن قال من المفسرين إن الآية بسبب بيت المقدس جعل الخراب الحقيقي الموجود، 2- ومن قال هي بسبب المسجد الحرام جعل منع عمارته خرابا المراد بقوله تعالى (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) ج ك قال ابن كثير: 1- هذا خبرٌ معناه الطّلب، أي لا تمكّنوا هؤلاء -إذا قدرتم عليهم-من دخولها إلّا تحت الهدنة والجزية. ، 2- وقال بعضهم: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد اللّه إلّا خائفين على حال التّهيّب، وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلًا أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها. والمعنى: ما كان الحقّ والواجب إلّا ذلك، لولا ظلم الكفرة وغيرهم. 3- وقيل: إنّ هذا بشارةٌ من اللّه للمسلمين أنّه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنّه يذلّ المشركين لهم حتّى لا يدخل المسجد الحرام أحدٌ منهم إلّا خائفًا، يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم. وقد أنجز اللّه هذا الوعد كما تقدّم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام رجح الأخير ابن عطية وابن كثير معنى قوله تعالى (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) ج ك ط قال ابن كثير: 1- منع المشركين من دخول المسجد الحرام،. وهذا هو الخزي لهم في الدّنيا؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل. فكما صدّوا المؤمنين عن المسجد الحرام، صدوا عنه، وكما أجلوهم من مكّة أجلوا منها {ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ} على ما انتهكوا من حرمة البيت، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله، والدّعاء إلى غير اللّه عنده والطّواف به عريًا، وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها اللّه ورسوله. 2- وأمّا من فسّر بيت المقدس، فقال كعب الأحبار: إنّ النّصارى لمّا ظهروا على بيت المقدس خرّبوه فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وقال السّدّيّ: فليس في الأرض روميٌّ يدخله اليوم إلّا وهو خائفٌ أن يضرب عنقه، أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها. 3- والصّحيح أنّ الخزي في الدّنيا أعمّ من ذلك كلّه، ذكر القولان الأولان ابن عطية والزجاج ذكر القول الأول تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)} سبب الآية ومعناها والنسخ في القبلة ج ط ك قال ابن عطية: واختلف المفسرون في سبب هذه الآية، 1- فقال قتادة: أباح الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يصلي المسلمون حيث شاؤوا، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس حينئذ، ثم نسخ ذلك كله بالتحول إلى الكعبة، 2- وقال مجاهد والضحاك: معناه إشارة إلى الكعبة، أي حيث كنتم من المشرق والمغرب فأنتم قادرون على التوجه إلى الكعبة التي هي وجه الله الذي وجهكم إليه. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا فهي ناسخة لبيت المقدس، و 3- قال ابن زيد: كانت اليهود قد استحسنت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت القدس، وقالوا: ما اهتدى إلا بنا، فلما حول إلى الكعبة قالت اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم؟ فنزلت وللّه المشرق والمغرب الآية، 4- وقال ابن عمر: نزلت هذه الآية في صلاة النافلة في السفر حيث توجهت بالإنسان دابته، 5- وقال النخعي: الآية عامة أينما تولوا في متصرفاتكم ومساعيكم فثمّ وجه اللّه، أي موضع رضاه وثوابه وجهة رحمته التي يوصل إليها بالطاعة، و 6- قال عبد الله بن عامر بن ربيعة: نزلت فيمن اجتهد في القبلة فأخطأ، وورد في ذلك حديث رواه عامر بن ربيعة قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة، فتحرى قوم القبلة وأعلموا علامات، فلما أصبحوا رأوا أنهم قد أخطؤوها، فعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فنزلت هذه الآية»، وذكر قوم هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مع القوم في السفر، وذلك خطأ، و 7- قال قتادة أيضا: نزلت هذه الآية في النجاشي، وذلك أنه لما مات دعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الصلاة عليه، فقال قوم كيف نصلي على من لم يصلّ إلى القبلة قط؟، فنزلت هذه الآية، أي إن النجاشي كان يقصد وجه الله وإن لم يبلغه التوجه إلى القبلة، 8- وقال ابن جبير: نزلت الآية في الدعاء لما نزلت ادعوني أستجب لكم [غافر: 60]، قال المسلمون: إلى أين ندعو، فنزلت فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه، 9- قال المهدوي: وقيل هذه الآية منتظمة في معنى التي قبلها، أي لا يمنعكم تخريب مسجد من أداء العبادات، فإن المسجد المخصوص للصلاة إن خرب فثمّ وجه اللّه موجود حيث توليتم. 10- وقال أيضا: وقيل نزلت الآية حين صد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت المراد بقوله تعالى (ولله المشرق والمغرب) ج ط قال الزجاج : ومعنى{للّه}أي: هو خالقهما. قال ابن عطية : والمشرق موضع الشروق، والمغرب موضع الغروب، أي هما له ملك وما بينهما من الجهات والمخلوقات، سبب تخصيص المشرق والمغرب ط قال ابن عطية : وخصهما بالذكر وإن كانت جملة المخلوقات كذلك لأن سبب الآية اقتضى ذلك المراد ب (تولوا) ط قال ابن عطية : المعنى فأينما تولوا نحوه وإلي لأن ولّى وإن كان غالب استعمالها أدبر فإنها تقتضي أنه يقبل إلى ناحية، تقول وليت عن كذا وإلى كذا، المراد ب(وجه الله) ط قال ابن عطية: ووجه اللّه معناه الذي وجهنا إليه، كما تقول سافرت في وجه كذا أي في جهة كذا. واختلف الناس في تأويل الوجه الذي جاء مضافا إلى الله تعالى في مواضع من القرآن، 1- فقال الحذاق: ذلك راجع إلى الوجود، والعبارة عنه بالوجه من مجاز كلام العرب، إذ كان الوجه أظهر الأعضاء في الشاهد وأجلها قدرا، و 2- قال بعض الأئمة: تلك صفة ثابتة بالسمع زائدة على ما توجبه العقول من صفات القديم تعالى، وضعف أبو المعالي هذا القول، ويتجه في بعض المواضع كهذه الآية أن يراد بالوجه الجهة التي فيها رضاه وعليها ثوابه، كما تقول تصدقت لوجه الله تعالى، 3- ويتجه في هذه الآية خاصة أن يراد بالوجه الجهة التي وجهنا إليها في القبلة حسبما يأتي في أحد الأقوال، 4- وقال أبو منصور في المقنع: يحتمل أن يراد بالوجه هنا الجاه، كما تقول فلان وجه القوم أي موضع شرفهم، فالتقدير فثم جلال الله وعظمته. معنى (ثم) وإعرابها ج قال الزجاج: "ثم" في المكان أشارة بمنزلة: هنا زيد؛ فإذا أردت المكان القريب قلت: هنا زيد، وإذا أردت المكان المتراخي عنك قلت: ثمّ زيد، وهناك زيد، فإنما منعت (ثمّ) الإعراب لإبهامها, ولا أعلم أحدا شرح هذا الشرح؛ لأن هذا غير موجود في كتبهم. معنى واسع ج ط ك قال ابن عطية: 1- وواسعٌ معناه متسع الرحمة عليهم أين يضعها، 2- وقيل واسعٌ معناه هنا أنه يوسع على عباده في الحكم دينه يسر، قال ابن كثير: قال ابن جريرٍ: يسع خلقه كلّهم بالكفاية، والإفضال والجود. معنى عليم ط ك قال ابن عطية: عليمٌ بالنيات التي هي ملاك العمل، وإن اختلفت ظواهره في قبلة وما أشبهها قال ابن كثير: يعني: عليمٌ بأعمالهم، ما يغيب عنه منها شيءٌ، ولا يعزب عن علمه، بل هو بجميعها عليمٌ) مسألة استقبال القبلة في السفر ك قال ابن كثير: ولم يفرّق الشّافعيّ في المشهور عنه، بين سفر المسافة وسفر العدوى، فالجميع عنه يجوز التّطوّع فيه على الرّاحلة، وهو قول أبي حنيفة خلافًا لمالكٍ وجماعته، واختار أبو يوسف وأبو سعيدٍ الإصطخريّ، التّطوّع على الدّابّة في المصر، وحكاه أبو يوسف عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، واختاره أبو جعفرٍ الطّبريّ، حتّى للماشي أيضًا. تفسير قوله تعالى: {َقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)} معنى الآية ج ط ك قال ابن كثير : اشتملت هذه الآية الكريمة، والتي تليها على الرّدّ على النّصارى - عليهم لعائن اللّه-وكذا من أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب، ممّن جعل الملائكة بنات اللّه، فأكذب اللّه جميعهم في دعواهم وقولهم: إنّ للّه ولدًا. فقال تعالى: {سبحانه} أي: تعالى وتقدّس وتنزّه عن ذلك علوًّا كبيرًا {بل له ما في السّماوات والأرض} أي: ليس الأمر كما افتروا، وإنّما له ملك السّماوات والأرض، وهو المتصرّف فيهم، وهو خالقهم ورازقهم، ومقدّرهم ومسخّرهم، ومسيّرهم ومصرّفهم، كما يشاء، والجميع عبيدٌ له وملكٌ له، فكيف يكون له ولدٌ منهم،فقرّر تعالى في هذه الآيات الكريمة أنّه السّيّد العظيم، الذي لا نظير له ولا شبيه له، وأنّ جميع الأشياء غيره مخلوقةٌ له مربوبةٌ، فكيف يكون له منها ولدٌ القراءات في (قالوا) ط ومعناها قال ابن عطية : 1- قرأ هذه الآية عامة القراء «وقالوا» بواو تربط الجملة بالجملة، أو تعطف على سعى [البقرة: 114]، 2- وقرأ ابن عامر وغيره «قالوا» بغير واو، وقال أبو علي: وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، وحذف منه الواو يتجه من وجهين، أحدهما أن هذه الجملة مرتبطة في المعنى بالتي قبلها فذلك يغني عن الواو، والآخر أن تستأنف هذه الجملة ولا يراعى ارتباطها بما تقدم، مرجع الضمير في (قالوا) ج ط ك قال الزجاج وابن عطية وابن كثير : النصارى, ومشركي العرب واليهود ؛ لأن النصارى قالت: المسيح ابن اللّه، وقال مشركو العرب: الملائكة بنات اللّه ،وقال اليهود عزير ابن الله مسألة نفي الولد عن الله ط ك قال ابن عطية: ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد لا من المخلوقات المملوكات. قال ابن كثير: وإنّما له ملك السّماوات والأرض، وهو المتصرّف فيهم، وهو خالقهم ورازقهم، ومقدّرهم ومسخّرهم، ومسيّرهم ومصرّفهم، كما يشاء، والجميع عبيدٌ له وملكٌ له، فكيف يكون له ولدٌ منهم، والولد إنّما يكون متولّدًا من شيئين متناسبين، وهو تبارك وتعالى ليس له نظيرٌ، ولا مشاركٌ في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له، فكيف يكون له ولدٌ معنى (سبحانه ) ط ك قال ابن عطية: وسبحانه مصدر معناه تنزيها له وتبرئة مما قالوا، قال ابن كثير: أي: تعالى وتقدّس وتنزّه عن ذلك علوًّا كبيرًا إعراب (له ما السموات) ط قال ابن عطية: وما رفع بالابتداء، والخبر في المجرور، أو في الاستقرار المقدر، أي كل ذلك له ملك، والذي قالوا اتّخذ اللّه ولداً داخل في جملة ما في السّماوات والأرض معنى القنوت في اللغة و الاصطلاح ج ط ك قال ابن عطية: والقنوت في اللغة الطاعة، والقنوت طول القيام في عبادة، ومنه القنوت في الصلاة، فمعنى الآية أن المخلوقات كلها تقنت لله أي تخضع وتطيع، والكفار والجمادات قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم، وقيل: الكافر يسجد ظله وهو كاره) معنى قوله تعالى (كل له قانتون) ج ك قال ابن كثير: عن مجاهدٍ: {كلٌّ له قانتون} مطيعون، يقول: طاعة الكافر في سجود ظلّه وهو كارهٌ. وهذا القول عن مجاهدٍ -وهو اختيار ابن جريرٍ-يجمع الأقوال كلّها، وهو أنّ القنوت: هو الطّاعة والاستكانة إلى اللّه، وذلك شرعيٌّ وقدري، كما قال تعالى: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال} [الرّعد: 15]. تفسير قوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)} مناسبة الآية لما قبلها ك قال ابن كثير: قال ابن جريرٍ: فمعنى الكلام: فسبحان اللّه أنّى يكون للّه ولدٌ، وهو مالكٌ ما في السّماوات والأرض، تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانيّة، وتقرّ له بالطّاعة، وهو بارئها وخالقها وموجدها من غير أصلٍ ولا مثالٍ احتذاها عليه. وهذا إعلامٌ من اللّه عباده أنّ ممّن يشهد له بذلك المسيح، الذي أضافوا إلى اللّه بنوّته، وإخبارٌ منه لهم أنّ الذي ابتدع السّماوات والأرض من غير أصلٍ وعلى غير مثالٍ، هو الذي ابتدع المسيح عيسى من غير والدٍ بقدرته. وهذا من ابن جريرٍ، رحمه اللّه، كلامٌ جيّدٌ وعبارةٌ صحيحةٌ. معنى بديع واشتقاقها وعلاقتها بالبدعة ط ج ك قال الزجاج: وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه؛ قيل له: أبدعت، يعني:ولهذا قيل لكل من خالف السّنّة والإجماع مبتدع؛ لأنه يأتي في دين الإسلام بما لم يسبقه إليه الصحابة والتابعون. أنواع البدعة وحكمها ك قال ابن كثير : والبدعة على قسمين: تارةً تكون بدعةً شرعيّةً، كقوله: فإنّ كلّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ. وتارةً تكون بدعةً لغويّةً، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عن جمعه إيّاهم على صلاة التّراويح واستمرارهم: نعمت البدعة هذه. معنى قوله تعالى ( بديع السموات والأرض) ج ك قال ابن كثير: أي: خالقهما على غير مثالٍ سبق سبب تخصيص السموات والأرض ط قال ابن عطية : وخص السّماوات والأرض بالذكر لأنها أعظم ما نرى من مخلوقاته جل وعلا، معنى قضى ط قال ابن عطية: 1- معناه قدر 2- وقد يجيء بمعنى أمضى ويتجه في هذه الآية المعنيان، فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل وأمضى فيه، 3- وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد. اشتقاق (الأمر) ط قال ابن عطية: والأمر واحد الأمور، وليس هنا بمصدر أمر يأمر معنى قوله تعالى (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ج ط ك قال ابن كثير : } يبيّن بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه، وأنّه إذا قدّر أمرًا وأراد كونه، فإنّما يقول له: كن. أي: مرّةً واحدةً، فيكون، أي: فيوجد على وفق ما أراد، ونبّه تعالى بذلك أيضًا على أنّ خلق عيسى بكلمة: كن، فكان كما أمره اللّه، تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)} سبب نزول الآية ك قال ابن كثير: عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رافع بن حريملة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد، إن كنت رسولًا من اللّه كما تقول، فقل للّه فليكلمنا حتّى نسمع كلامه. فأنزل اللّه في ذلك معنى الآية ج قال الزجاج: فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن كفرهم في التعنّت بطلب الآيات على اقتراحهم كقول الذين من قبلهم لموسى:*{أرنا اللّه جهرة}*وما أشبه هذا، فأعلم الله أن كفرهم متشابه، وأن قلوبهم قد تشابهت في الكفر. المقصودين بالآية (الذين لا يعلمون) ط ك قال ابن عطية: 1- قال الربيع والسدي: هم كفار العرب. 2- وقال مجاهد: هم النصارى لأنهم المذكورون في الآية أولا، ورجحه الطبري 3- وقال ابن عباس: المراد من كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، لأن رافع بن حريملة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أسمعنا كلام الله، 4- وقيل: الإشارة بقوله لا يعلمون إلى جميع هذه الوظائف، لأن كلهم قال هذه المقالة أو نحوها، ويكون الّذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، وذكرها ابن كثير معنى لولا ج ط قال الزجاج : {لولا}: معنى هلا، المعنى: هلا يكلمنا اللّه قال ابن عطية: ولولا تحضيض بمعنى هلا معنى (لولا يكلمنا الله) ك قال ابن كثير: 1- حكى القرطبيّ {لولا يكلّمنا اللّه} أي: لو يخاطبنا بنبوّتك يا محمّد، 2- قلت: وظاهر السّياق أعمّ، المراد بالآية ط قال ابن عطية: والآية هنا العلامة الدالة، المراد ب (الذين من قبلهم) ط قال ابن عطية: والّذين من قبلهم اليهود والنصارى في قول من جعل الّذين لا يعلمون كفار العرب، وهم الأمم السالفة في قول من جعل الّذين لا يعلمون كفار العرب والنصارى واليهود، وهم اليهود في قول من جعل الّذين لا يعلمون النصارى، معنى (تشابهت قلوبهم) ج ط ك قال ابن كثير: أي: أشبهت قلوب مشركي العرب قلوب من تقدّمهم في الكفر والعناد والعتوّ، معنى قوله تعالى (قد بينا الآيات لقوم يوقنون) ج ط ك قال ابن كثير: وقوله: {قد بيّنّا الآيات لقومٍ يوقنون} أي: قد وضّحنا الدّلالات على صدق الرّسل بما لا يحتاج معها إلى سؤالٍ آخر وزيادةٍ أخرى، لمن أيقن وصدّق واتّبع الرّسل، وفهم ما جاؤوا به عن اللّه تبارك وتعالى. وأمّا من ختم اللّه على قلبه وجعل على بصره غشاوةً فأولئك الّذين قال اللّه تعالى فيهم: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون* ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} سبب تخصيص الموقنين بالبيان ط قال ابن عطية: لما تقدم ذكر الذين أضلهم الله حتى كفروا بالأنبياء وطلبوا ما لا يجوز لهم أتبع ذلك بذكر الذين بين لهم ما ينفع وتقوم به الحجة، لكن البيان وقع وتحصل للموقنين، فلذلك خصهم بالذكر، ويحتمل أن يكون المعنى قد بينا البيان الذي هو خلق الهدى، فكأن الكلام قد هدينا من هدينا، الفرق بين العلم واليقين ط قال ابن عطية: - واليقين إذا اتصف به العلم خصصه وبلغ به نهاية الوثاقة، وقوله تعالى بيّنّا قرينة تقتضي أن اليقين صفة لعلمهم، وقرينة أخرى، وهي أن الكلام مدح لهم، - وأما اليقين في استعمال الفقهاء إذا لم يتصف به العلم فإنه أحط من العلم، لأن العلم عندهم معرفة المعلوم على ما هو به واليقين معتقد يقع للموقن في حقه والشيء على خلاف معتقده، ومثال ذلك تيقن المقادة ثبوت الصانع، ومنه قول مالك- رحمه الله- في «الموطأ» في مسألة الحالف على الشيء يتيقنه والشيء في نفسه على غير ذلك. - قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأما حقيقة الأمر فاليقين هو الأخص وهو ما علم على الوجه الذي لا يمكن أن يكون إلا عليه تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)} إعراب بشيرا ونذيرا ومعناها ج ط ك قال الزجاج: نصب*{بشيراً ونذيراً}*على الحال، ومعنى*{بشيراً}*أي: مبشراً المؤمنين بما لهم من الثواب، وينذر المخالفين بما أعد لهم من العقاب. القراءات في (ولا تسأل) وإعرابها ومعناها ج ط ك قال ابن عطية: 1- وقرأ نافع وحده «ولا تسأل» بالجزم على النهي، وفي ذلك معنيان: أحدهما لا تسأل على جهة التعظيم لحالهم من العذاب، كما تقول: فلان لا تسأل عنه، تعني أنه في نهاية تشهره من خير أو شر، والمعنى الثاني روي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليت شعري ما فعل أبواي» فنزلت ولا تسئل. وحكى المهدوي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليت شعري أي أبوي أحدث موتا»، فنزلت. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ ممن رواه أو ظنه فهذا مما لا يتوهم أنه خفي عليه صلى الله عليه وسلم، 2- وقرأ باقي السبعة «ولا تسأل» بضم التاء واللام، 3- وقرأ قوم «ولا تسأل» بفتح التاء وضم اللام، ويتجه في هاتين القراءتين معنيان: أحدهما الخبر أنه لا يسأل عنهم، أو لا يسأل هو عنهم، والآخر أن يراد معنى الحال كأنه قال: وغير مسؤول أو غير سائل عنهم، عطفا على قوله بشيراً ونذيراً، 4- وقرأ أبي بن كعب «وما تسأل»، 5- وقرأ ابن مسعود «ولن تسأل»، وهاتان القراءتان تؤيدان معنى القطع والاستئناف في غيرهما ذكر القراءات ومعناها الزجاج وابن كثير ثم قال ابن كثير: وقد ردّ ابن جريرٍ هذا القول المرويّ عن محمّد بن كعبٍ [القرظيّ] وغيره في ذلك، لاستحالة الشّكّ من الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في أمر أبويه. واختار القراءة الأولى. وهذا الذي سلكه هاهنا فيه نظرٌ، لاحتمال أنّ هذا كان في حال استغفاره لأبويه قبل أن يعلم أمرهما، فلمّا علم ذلك تبرّأ منهما، وأخبر عنهما أنّهما من أهل النّار [كما ثبت ذلك في الصّحيح] ولهذا أشباهٌ كثيرةٌ ونظائر، ولا يلزم ما ذكر ابن جريرٍ. واللّه أعلم. |
تفسير سورة البقرة [من الآية (120) إلى الآية (123) ]
تفسير سورة البقرة [من الآية (120) إلى الآية (123) ]
تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)} تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} سبب الآية ط ج قال ابن عطية: وروي أن سبب هذه الآية أن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدنة، ووعدوه أن يتبعوه بعد مدة خداعا منهم، فأعلمه الله تعالى أن إعطاء الهدنة لا ينفع عندهم، وأطلعه على سر خداعهم. ج ومعنى الآية: أن الكفار كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة , ويرون إنّه إن هادنهم وأمهلهم أسلموا، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، فنهاه اللّه , ووعظه في الركون إلى شيء مما يدعون إليه، ثم أعلمه اللّه عزّ وجل وسائر الناس أن من كان منهم غير متعنت , ولا حاسد, ولا طالب لرياسة , تلا التوراة كما أنزلت , فذكر فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حق, فآمن به , فقال تعالى:*{الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} معنى قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ك قال ابن كثير: قال ابن جريرٍ: وليست اليهود -يا محمّد -ولا النّصارى براضيةٍ عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا اللّه في دعائهم إلى ما بعثك اللّه به من الحقّ. معنى ملتهم في اللغة ج ط قال الزجاج : ومعنى*{ملتهم}*في اللغة: سنتهم وطريقتهم، ومن هذا الملة أي: الموضع الذي يختبز فيه؛ لأنها تؤثر في مكانها كما يؤثّر في الطريق. وكلام العرب إذا اتفق لفظه, فأكثره مشتق بعضه من بعض، وآخذ بعضه برقاب بعض. قال ابن عطية: والملة الطريقة، وقد اختصت اللفظة بالشرائع والدين، وطريق ممل أي قد أثر المشي فيه. سبب إفراد الملة ط ك قال ابن عطية: وقال: ملّتهم وهما مختلفتان بمعنى لن ترضى اليهود حتى تتبع ملتهم ولن ترضى النصارى حتى تتبع ملتهم، فجمعهم إيجازا، لأن ذلك مفهوم، قال ابن كثير: وقد استدلّ كثيرٌ من الفقهاء بقوله: {حتّى تتّبع ملّتهم} حيث أفرد الملّة على أنّ الكفر كلّه ملّةٌ واحدةٌ كقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} معنى قوله تعالى (إن هدى الله هو الهدى ) ج ط ك قال الزجاج: قوله عزّ وجلّ:*{إنّ هدى اللّه هو الهدى}*أي: الصراط الذي دعا إليه , وهدى إليه هو الطريق , أي: طريق الحق. قال ابن عطية: وقوله تعالى: قل إنّ هدى اللّه هو الهدى أي ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي، لا ما يدعيه هؤلاء. قال ابن كثير: وقوله تعالى: {قل إنّ هدى اللّه هو الهدى} أي: قل يا محمّد: إنّ هدى اللّه الذي بعثني به هو الهدى، يعني: هو الدّين المستقيم الصّحيح الكامل الشّامل. قال قتادة في قوله: {قل إنّ هدى اللّه هو الهدى} قال: خصومةٌ علّمها اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، يخاصمون بها أهل الضّلالة. قال قتادة: وبلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "لا تزال طائفةٌ من أمّتي يقتتلون على الحقّ ظاهرين، لا يضرّهم من خالفهم، حتّى يأتي أمر اللّه". قلت: هذا الحديث مخرّج في الصحيح عن عبد الله بن عمرو. الخطاب في (ولئن اتبعت أهوائهم ) ط ك قال ابن عطية: ثم قال تعالى لنبيه ولئن اتّبعت أهواءهم الآية، فهذا شرط خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم وأمته معه داخلة فيه، قال ابن كثير: فيه تهديدٌ ووعيدٌ شديدٌ للأمّة عن اتّباع طرائق اليهود والنّصارى، بعد ما علموا من القرآن والسّنّة، عياذًا باللّه من ذلك، فإنّ الخطاب مع الرّسول، والأمر لأمّته. معنى أهوائهم وسبب جمعها ط ج قال ابن عطية: «أهواء» جمع هوى، ولما كانت مختلفة جمعت، ولو حمل على إفراد الملة لقيل هواهم، ج وقوله عزّ وجلّ:*{ولئن اتّبعت أهواءهم}*إنما جمع ولم يقل هواهم؛ لأن جميع الفرق ممن خالف النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليرضيهم منه إلا اتباع هواهم, وجمع هوى على أهواء، كما يقال: جمل وأجمال، وقتب وأقتاب. معنى الولي ط قال ابن عطية: والولي الذي يتولى الإصلاح والحياطة والنصر والمعونة اشتقاق نصير ط قال ابن عطية: ونصيرٍ بناء مبالغة في اسم الفاعل من نصر مسألة حكم التوراث بين ملل مختلفة ك قال ابن كثير: فعلى هذا لا يتوارث المسلمون والكفّار، وكلٌّ منهم يرث قرينه سواءٌ كان من أهل دينه أم لا؛ لأنّهم كلّهم ملّةٌ واحدةٌ، وهذا مذهب الشّافعيّ وأبي حنيفة وأحمد في روايةٍ عنه. وقال في الرّواية الأخرى كقول مالكٍ: إنّه لا يتوارث أهل ملّتين شتّى، كما جاء في الحديث، تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)} معنى الآية ج قال الزجاج: *يعني: أن الذين تلوا التوراة على حقيقتها، أولئك يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا دليل: أن غيرهم جاحد لما يعلم حقيقته؛ لأن هؤلاء كانوا من علماء اليهود، وكذلك من آمن من علماء النصارى ممن تلا كتبهم. قال ابن كثير: من أقام كتابه من أهل الكتب المنزّلة على الأنبياء المتقدّمين حقّ إقامته، آمن بما أرسلتك به يا محمّد، معنى آتيناهم ط قال ابن عطية: وآتيناهم معناه أعطيناهم، المقصود ب (الذين آتيناهم الكتاب ) ط ك قال ابن عطية: 1- وقال قتادة: المراد ب الّذين في هذا الموضع من أسلم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب على هذا التأويل القرآن، 2- وقال ابن زيد: المراد من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل، والكتاب على هذا التأويل التوراة، 3- وقال قوم: هذا مخصوص في الأربعين الذين وردوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في السفينة، فأثنى الله عليهم، 4- ويحتمل أن يراد ب الّذين العموم في مؤمني بني إسرائيل والمؤمنين من العرب، ويكون الكتاب اسم الجنس، 5- وقال ابن كثير: عن قتادة: هم اليهود والنّصارى. وهو قول عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جريرٍ. وذكر ابن كثير قول قتادة الأول معنى( يتلونه حق تلاوته ) ط ك قال ابن عطية: 1- ويتلونه معناه يتبعونه حق اتباعه بامتثال الأمر والنهي، 2- وقيل يتلونه يقرؤونه حق قراءته، وهذا أيضا يتضمن الاتباع والامتثال، قال ابن كثير: 1- عن عمر بن الخطّاب قال: إذا مرّ بذكر الجنّة سأل اللّه الجنّة، وإذا مرّ بذكر النّار تعوّذ باللّه من النّار. 2- وقال أبو العالية: قال ابن مسعودٍ: والذي نفسي بيده، إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله اللّه، ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوّل منه شيئًا على غير تأويله. 3- وقال الحسن البصريّ: يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، يكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه. 4- عن ابن عبّاسٍ، وغيره قال: يتّبعونه حقّ اتّباعه، معنى حق وإعرابها ط قال ابن عطية: وحقّ مصدر، والعامل فيه فعل مضمر، وهو بمعنى أفعل، ولا يجوز إضافته إلى واحد معرف، وإنما جازت هنا لأن تعرف التلاوة بإضافتها إلى الضمير ليس بتعرف محض، وإنما هو بمنزلة قولهم رجل واحد أمة، ونسيج وحده، مرجع الضمير في ( به ) ط قال ابن عطية: 1- والضمير في به عائد على الكتاب، 2- وقيل: يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، لأن متبعي التوراة يجدونه فيها فيؤمنون به. 3- قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل عندي أن يعود الضمير على الهدى الذي تقدم، وذلك أنه ذكر كفار اليهود والنصارى في أول الآية وحذر رسوله من اتباع أهوائهم، وأعلمه بأن هدى اللّه هو الهدى الذي أعطاه وبعثه به، معنى الخسران ط قال ابن عطية: والخسران نقصان الحظ) تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)} نعمة الله على بني إسرائيل وتفضيلهم ج قال الزجاج : وتأويل تفضيلهم في هذه الآية: ما أوتوا من الملك , وأن فيهم أنبياء , وأنهم أعطوا علم التوراة، وأن أمر عيسى ومحمد -صلى الله عليهما وسلم- لم يكونوا يحتاجون فيه إلى آية غير ما سبق عندهم من العلم به، مناسبة الآية لما بعدها ج قال الزجاج : فذكرهم اللّه عزّ وجلّ ما هم عارفون، ووعظهم فقال:*{واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون المراد بالعالمين ط قال ابن عطية: 1- وإن قدرنا فضيلة بني إسرائيل مخصوصة في كثرة الأنبياء وغير ذلك فالعالمون عموم مطلق، 2- وإن قدرنا تفضيلهم على الإطلاق فالعالمون عالمو زمانهم، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل منهم بالنص، سبب تكرار الآية ك قال ابن كثير: قد تقدّم نظير هذه الآية في صدر السّورة، وكرّرت هاهنا للتّأكيد والحثّ على اتباع الرسول النبي الأمّيّ الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمّته. يحذّرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة اللّه عليهم، من النّعم الدّنيويّة والدّينيّة، ولا يحسدوا بني عمّهم من العرب على ما رزقهم اللّه من إرسال الرّسول الخاتم منهم. ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه، والحيدة عن موافقته، صلوات اللّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدّين تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)} معنى العدل ج قال الزجاج: العدل: الفدية سبب ذكر عدم منفعه الشفاعة ج قال الزجاج: وقيل لهم:*{ولا تنفعها شفاعة}؛ لأنهم كانوا يعتمدون على أنهم أبناء أنبياء اللّه، وأنهم يشفعون لهم، فأيئسهم اللّه عزّ وجلّ من ذلك, وأعلمهم أن من لم يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم فليس ينجيه من عذاب اللّه شيء , وهو كاف المراد الشفاعة ط قال ابن عطية: ومعنى لا تنفعها شفاعةٌ أي ليست ثم، وليس المعنى أنه يشفع فيهم أحد فيرد، وإنما نفى أن تكون ثم شفاعة على حد ما هي في الدنيا، وأما الشفاعة التي هي في تعجيل الحساب فليست بنافعة لهؤلاء الكفرة في خاصتهم، وأما الأخيرة التي هي بإذن من الله تعالى في أهل المعاصي من المؤمنين فهي بعد أن أخذ العقاب حقه، وليس لهؤلاء المتوعدين من الكفار منها شيء) سبب تكرار الآية ك قال ابن كثير: قد تقدّم نظير هذه الآية في صدر السّورة، وكرّرت هاهنا للتّأكيد والحثّ على اتباع الرسول النبي الأمّيّ الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمّته. يحذّرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة اللّه عليهم، من النّعم الدّنيويّة والدّينيّة، ولا يحسدوا بني عمّهم من العرب على ما رزقهم اللّه من إرسال الرّسول الخاتم منهم. ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه، والحيدة عن موافقته، صلوات اللّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدّين |
تفسير سورة البقرة [من الآية (124) إلى الآية (126) ]
تفسير سورة البقرة [من الآية (124) إلى الآية (126) ]
تفسير قوله تعالى:*{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)} تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} معنى الآية ك قال ابن كثير: يقول تعالى منبّهًا على شرف إبراهيم خليله، عليه السّلام وأنّ اللّه تعالى جعله إمامًا للنّاس يقتدى به في التّوحيد، حتّى قام بما كلّفه اللّه تعالى به من الأوامر والنّواهي؛ ولهذا قال:*{وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ}*أي: واذكر -يا محمّد -لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الّذين ينتحلون ملّة إبراهيم وليسوا عليها، وإنّما الذي هو عليها مستقيمٌ فأنت والّذين معك من المؤمنين، اذكر لهؤلاء ابتلاء اللّه إبراهيم، أي: اختباره له بما كلّفه به من الأوامر والنّواهي*{فأتمّهنّ}*أي: قام بهنّ كلّهنّ، كما قال تعالى:*{وإبراهيم الّذي وفّى}*[النّجم: 37]، أي: وفّى جميع ما شرع له، فعمل به صلوات اللّه عليه، {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ}*أي: قام بهنّ. قال:*{إنّي جاعلك للنّاس إمامًا}*أي: جزاءً على ما فعل، كما قام بالأوامر وترك الزّواجر، جعله اللّه للنّاس قدوةً وإمامًا يقتدى به، ويحتذى حذوه. وقال ابن جرير رحمه اللّه: فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطّائفين. والتّطهير الذي أمرهما به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشّرك. ثمّ أورد سؤالًا فقال: فإن قيل: فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيءٌ من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟ وأجاب بوجهين: أحدهما: أنّه أمرهما بتطهيره ممّا كان يعبد عنده زمان قوم نوحٍ من الأصنام والأوثان ليكون ذلك سنّة لمن بعدهما إذ كان اللّه تعالى قد جعل إبراهيم إمامًا يقتدى به كما قال عبد الرّحمن بن زيدٍ:*{أن طهّرا بيتي}*قال: من الأصنام التي يعبدون، التي كان المشركون يعظّمونها. قلت: وهذا الجواب مفرّع على أنّه كان يعبد عنده أصنامٌ قبل إبراهيم عليه السّلام، ويحتاج إثبات هذا إلى دليلٍ عن المعصوم محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم. الجواب الثّاني: أنّه أمرهما أن يخلصا في بنائه للّه وحده لا شريك له، فيبنياه مطهّرًا من الشّرك والرّيب العامل في (وإذ) ج ط ك والعامل في إذ فعل، تقديره: واذكر إذ معنى ابتلى ج ط ك معنى*{ابتلى}: اختبر. معنى إبراهيم ط قال ابن عطية: وإبراهيم يقال إن تفسيره بالعربية أب رحيم، فائدة تقديم (إبراهيم) ط قال ابن عطية : وقدم على الفاعل للاهتمام، إذ كون الرب مبتليا معلوم، فإنما يهتم السامع بمن ابتلى، وكون ضمير المفعول متصلا بالفاعل موجب تقديم المفعول، فإنما بني الكلام على هذا الاهتمام. معنى فأتمهن ج ط قال الزجاج: معنى*{فأتمهن}: وفّى بما أمر به فيهن، قال ابن عطية: وروي أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما أتم هذه الكلمات أو أتمها الله عليه كتب الله له البراءة من النار، فذلك قوله تعالى: وإبراهيم الّذي وفّى المراد بالكلمات ج ط ك قال ابن عطية: واختلف أهل التأويل في الكلمات، 1- فقال ابن عباس: هي ثلاثون سهما، هي الإسلام كله لم يتمه أحد كاملا إلا إبراهيم صلوات الله عليه، عشرة منها في براءة التّائبون العابدون [التوبة: 112]، وعشرة في الأحزاب إنّ المسلمين والمسلمات [الأحزاب: 35]، وعشرة في سأل سائلٌ [المعارج: 1] 2- ، وقال ابن عباس أيضا وقتادة: الكلمات عشر خصال خمس منها في الرأس المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وفرق الرأس، وقيل بدل فرق الراس: إعفاء اللحية، وخمس في الجسد تقليم الظفر، وحلق العانة، ونتف الإبط، والاستنجاء بالماء، والاختتان، 3- وقال ابن عباس أيضا: هي عشرة خصال، ست في البدن وأربع في الحج: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والغسل يوم الجمعة، والطواف بالبيت، والسعي، ورمي الجمار، والإفاضة 4-، وقال الحسن بن أبي الحسن: هي الخلال الست التي امتحن بها، الكوكب، والقمر، والشمس، والنار، والهجرة، والختان، وقيل بدل الهجرة: الذبح، 5- وقالت طائفة: هي مناسك الحج خاصة، 6- وروي أن الله عز وجل أوحى إليه أن تطهر، فتمضمض، ثم أن تطهر فاستنشق، ثم أن تطهر فاستاك، ثم أن تطهر فأخذ من شاربه، ثم أن تطهر ففرق شعره، ثم أن تطهر فاستنجى، ثم أن تطهر فحلق عانته، ثم أن تطهر فنتف إبطه، ثم أن تطهر فقلم أظفاره، ثم أن تطهر فأقبل على جسده ينظر ما يصنع فاختتن بعد عشرين ومائة سنة. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي البخاري أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم. وقال الراوي: فأوحى الله إليه إنّي جاعلك للنّاس إماماً يأتمون بك في هذه الخصال، ويقتدي بك الصالحون. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أقوى الأقوال في تفسير هذه الآية، وعلى هذه الأقوال كلها فإبراهيم عليه السلام هو الذي أتم. 7- وقال مجاهد وغيره: إن الكلمات هي أن الله عز وجل قال لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال إبراهيم: تجعلني للناس إماما، قال الله: نعم، قال إبراهيم: تجعل البيت مثابة، قال الله: نعم، قال إبراهيم وأمنا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: وترينا مناسكنا وتتوب علينا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: تجعل هذا البلد آمنا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: وترزق أهله من الثمرات، قال الله: نعم. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فعلى هذا القول فالله تعالى هو الذي أتم، وقد طول المفسرون في هذا، وذكروا أشياء فيها بعد فاختصرتها قال ابن كثير: وقوله تعالى:*{بكلماتٍ}*أي: بشرائع وأوامر ونواهٍ، فإنّ الكلمات تطلق، ويراد بها الكلمات القدريّة، كقوله تعالى عن مريم، عليها السّلام،:*{وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين}[التّحريم: 12]. وتطلق ويراد بها الشّرعيّة، كقوله تعالى:*{وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلا لا مبدّل لكلماته}*[الأنعام: 115]*أي: كلماته الشّرعيّة. وهي إمّا خبر صدقٍ، وإمّا طلب عدلٍ إن كان أمرًا أو نهيًا، وذكر أقوالا مثل أقوال ابن عطية ثم قال : قال بن جريرٍ ما حاصله: أنّه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر، وجائزٌ أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزم بشيءٍ منها أنّه المراد على التّعيين إلّا بحديثٍ أو إجماعٍ. قال: ولم يصحّ في ذلك خبرٌ بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التّسليم له. قلت: والذي قاله أوّلًا من أنّ الكلمات تشمل جميع ما ذكر، أقوى من هذا الذي جوّزه من قول مجاهدٍ ومن قال مثله؛ لأنّ السّياق يعطي غير ما قالوه واللّه أعلم سبب تسمية الخصال بالكلمات ط قال ابن عطية: وإنما سميت هذه الخصال كلمات، لأنها اقترنت بها أوامر هي كلمات، معنى الإمام واشتقاقه ج ط قال الزجاج : ؛الأم: في اللغة القصد، تقول: أممت كذا وكذا، إذا قصدته, وكذلك قوله:*{فتيمّموا صعيداً طيّباً}, أي: فاقصدوا, والإمام: الذي يؤتم به, فيفعل أهله وأمته كما فعل، أي: يقصدون لما يقصد. قال ابن عطية: والإمام القدوة، ومنه قيل لخيط البناء: إمام، وهو هنا اسم مفرد، وقيل في غير هذا الموضع: هو جمع آم وزنه فاعل أصله آمم، معنى قوله تعالى ( إني جاعلك للناس إماما) ط قال ابن عطية: وجعل الله تعالى إبراهيم إماما لأهل طاعته، فلذلك أجمعت الأمم على الدعوى فيه، وأعلم الله تعالى أنه كان حنيفا، معنى قوله تعالى (ومن ذريتي ) ك ج قال ابن كثير: *لمّا جعل اللّه إبراهيم إمامًا، سأل اللّه أن تكون الأئمة من بعده من ذرّيّته، فأجيب إلى ذلك وأخبر أنّه سيكون من ذرّيّته ظالمون، وأنّه لا ينالهم عهد اللّه، ولا يكونون أئمّةً فلا يقتدى بهم، والدّليل على أنّه أجيب إلى طلبته قول اللّه تعالى في سورة العنكبوت:*{وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب}[العنكبوت: 27]*فكلّ نبيٍّ أرسله اللّه وكلّ كتابٍ أنزله اللّه بعد إبراهيم ففي ذرّيّته صلوات اللّه وسلامه عليه. معنى قوله تعالى (لا ينال عهدي الظالمين) ج ط ك قال ابن كثير: 1- عن مجاهدٍ قال: إنّه سيكون في ذرّيّتك ظالمون. 2- وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ،* وفي روايةٍ: لا أجعل إمامًا ظالمًا يقتدى به. . المراد بالعهد ط ك قال ابن عطية: وقوله تعالى: قال لا ينال عهدي، أي قال الله، والعهد فيما قال مجاهد: الإمامة، وقال السدي: النبوءة، وقال قتادة: الأمان من عذاب الله، وقال الربيع والضحاك: العهد الدين: دين الله تعالى. المراد بالظلم في الآية ط قال ابن عطية: 1- وإذا أولنا العهد الدين أو الأمان أو أن لا طاعة لظالم فالظلم في الآية ظلم الكفر، لأن العاصي المؤمن ينال الدين والأمان من عذاب الله وتلزم طاعته إذا كان ذا أمر 2- وإذا أولنا العهد النبوءة أو الإمامة في الدين فالظلم ظلم المعاصي فما زاد تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} معنى الآية ك قال ابن كثير: أنّ اللّه تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفًا به شرعًا وقدرًا من كونه مثابةً للنّاس، أي: جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحنّ إليه، ولا تقضي منه وطرًا، ولو ترددت إليه كلّ عامٍ، استجابةً من اللّه تعالى لدعاء خليله إبراهيم، عليه السّلام، ويصفه تعالى بأنّه جعله أمنًا، من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثمّ دخله كان آمنًا. وفي هذه الآية الكريمة نبّه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصّلاة عنده. سبب نزول الآية ج ك قال ابن كثير: حديث أن جابرًا يحدّث عن حجّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا طاف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال له عمر: هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: نعم، قال: أفلا نتّخذه مصلًّى؟ فأنزل اللّه، عزّ وجلّ:*{واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}. معنى (وإذ جعلنا) ط قال ابن عطية: قوله وإذ عطف على إذ المتقدمة المراد بالبيت ط قال ابن عطية: والبيت الكعبة معنى قوله تعالى ( وإذ جعلنا البيت مثابة وأمنا) ط ك قال ابن كثير: عن ابن عبّاسٍ: قوله تعالى:*{وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس}*يقول: لا يقضون منه وطرًا، يأتونه، ثمّ يرجعون إلى أهليهم، ثمّ يعودون إليه. قال ابن زيدٍ:*{وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس}*قال: يثوبون إليه من البلدان كلّها ويأتونه. معنى مثابة واشتقاقها ج ط ك قال الزجاج: {مثابة}: يثوبون إليه، والمثاب والمثابة واحد، وكذلك المقام والمقامة. و الأصل في مثابة "مثوبة", ولكن حركة الواو نقلت إلى التاء، وتبعت الواو الحركة فانقلبت ألفا، وهذا إعلال إتباع، تبع مثابة باب "ثاب" وأصل ثاب "ثوب"، ولكن الواو قلبت ألفا لتحركها, وانفتاح ما قبلها لا اختلاف بين النحويين في ذلك. قال ابن عطية: 1- ومثابةً يحتمل أن تكون من ثاب إذا رجع لأن الناس يثوبون إليها أي ينصرفون، 2- ويحتمل أن تكون من الثواب أي يثابون هناك، قال ابن كثير: {مثابةً للنّاس}*أي: مجمعًا سبب دخول الهاء على مثابة ط قال ابن عطية: 1- قال الأخفش: دخلت الهاء فيها للمبالغة لكثرة من يثوب أي يرجع، لأنه قل ما يفارق أحد البيت إلا وهو يرى أنه لم يقض منه وطرا، فهي كنسابة وعلامة 2- وقال غيره: هي هاء تأنيث المصدر، فهي مفعلة أصلها مثوبة نقلت حركة الواو إلى الثاء فانقلبت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها 3- وقيل: هو على تأنيث البقعة، كما يقال: مقام ومقامة معنى أمنا ج ط ك قال ابن عطية: وأمناً معناه أن الناس يغيرون ويقتتلون حول مكة وهي آمنة من ذلك، يلقى الرجل بها قاتل أبيه فلا يهيجه، لأن الله تعالى جعل لها في النفوس حرمة وجعلها أمنا للناس والطير والوحوش، وخصص الشرع من ذلك الخمس الفواسق، على لسان النبي صلى الله عليه وسلم القراءات في (اتخذوا) ومعناها ج ط قال ابن عطية: 1- وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي «واتخذوا» بكسر الخاء على جهة الأمر. 2- وقرأ نافع وابن عامر «واتخذوا» بفتح الخاء على جهة الخبر عمن اتخذه من متبعي إبراهيم، وذلك معطوف على قوله وإذ جعلنا، كأنه قال: وإذ اتخذوا، وقيل هو معطوف على جعلنا دون تقدير إذ، فهي جملة واحدة، وعلى تقدير إذ فهي جملتان. المخاطبين بالآية ط قال ابن عطية: 1- فهذا أمر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم 2- ، وقال المهدوي: وقيل ذلك عطف على قوله اذكروا فهذا أمر لبني إسرائيل، 3- وقال الربيع بن أنس: ذلك أمر لإبراهيم ومتبعيه، فهي من الكلمات، كأنه قال: إنّي جاعلك للنّاس إماماً [البقرة: 124] واتّخذوا، 4- وذكر المهدوي رحمه الله أن ذلك عطف على الأمر الذي يتضمنه قوله: جعلنا البيت مثابةً، لأن المعنى: توبوا، المراد ب (مقام إبراهيم ) ط ك قال ابن عطية: واختلف في مقام إبراهيم 1- فقال ابن عباس وقتادة وغيرهما، وخرجه البخاري: إنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت وغرقت قدماه فيه. 2- وقال الربيع بن أنس: هو حجر ناولته إياه امرأته فاغتسل عليه وهو راكب، جاءته به من شق ثم من شق فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه، 3- وقال فريق من العلماء: المقام المسجد الحرام، 4- وقال عطاء بن أبي رباح: المقام عرفة والمزدلفة والجمار، 5- وقال ابن عباس: مقامه مواقف الحج كلها، وقال مجاهد: مقامه الحرم كله. ذكر ابن كثير الأقوال السابقة وقال : وروى البخاريّ بسنده، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت ابن عمر يقول: قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فطاف بالبيت سبعًا، وصلّى خلف المقام ركعتين. فهذا كلّه ممّا يدلّ على أنّ المراد بالمقام إنّما هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام، يقوم عليه لبناء الكعبة، لمّا ارتفع الجدار أتاه إسماعيل، عليه السّلام، به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار، كلّما كمّل ناحيةً انتقل إلى النّاحية الأخرى، يطوف حول الكعبة، وهو واقفٌ عليه، كلّما فرغ من جدارٍ نقله إلى النّاحية التي تليها هكذا، حتّى تمّ جدارات الكعبة، كما سيأتي بيانه في قصّة إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت، من رواية ابن عبّاسٍ عند البخاريّ. وكانت آثار قدميه ظاهرةٌ فيه، ولم يزل هذا معروفًا تعرفه العرب في جاهليّتها؛ ولهذا قال أبو طالبٍ في قصيدته المعروفة اللّاميّة: وموطئ إبراهيم في الصّخر رطبةٌ.......على قدميه حافيًا غير ناعل وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضًا. وقال عبد اللّه بن وهبٍ: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ: أنّ أنس بن مالكٍ حدّثهم، قال: رأيت المقام فيه أثر أصابعه عليه السّلام، وإخمص قدميه، غير أنّه أذهبه مسح النّاس بأيديهم. وقال ابن جريرٍ: حدّثنا بشر بن معاذٍ، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة:*{واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}*إنّما أمروا أن يصلّوا عنده ولم يؤمروا بمسحه. ولقد تكلّفت هذه الأمّة شيئًا ما تكلّفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه فما زالت هذه الأمّة يمسحونه حتّى اخلولق وانمحى. قلت: وقد كان المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه معروفٌ اليوم إلى جانب الباب ممّا يلي الحجر يمنة الدّاخل من الباب في البقعة المستقلّة هناك، وكان الخليل، عليه السّلام لمّا فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أو أنّه انتهى عنده البناء فتركه هناك؛ ولهذا -واللّه أعلم-أمر بالصّلاة هناك عند فراغ الطّواف، وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنّما أخّره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه وهو أحد الأئمّة المهديّين والخلفاء الرّاشدين، الّذين أمرنا باتّباعهم، وهو أحد الرّجلين اللّذين قال فيهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:*«اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكرٍ وعمر». وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصّلاة عنده؛ ولهذا لم ينكر ذلك أحدٌ من الصّحابة، رضي اللّه عنهم أجمعين. معنى (مصلى) ط قال ابن عطية: ومصلًّى موضع صلاة، هذا على قول من قال: المقام الحجر، ومن قال بغيره قال مصلًّى مدعى، على أصل الصلاة. معنى (وعهدنا إلى إبراهيم ) ط ك قال ابن عطية: وقوله تعالى: وعهدنا العهد في اللغة على أقسام، هذا منها الوصية بمعنى الأمر، وأن في موضع نصب على تقدير بأن وحذف الخافض، قال سيبويه: إنها بمعنى أي مفسرة، فلا موضع لها من الإعراب قال ابن كثير: قال الحسن البصريّ: قوله:*{وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل}*قال: أمرهما اللّه أن يطهّراه من الأذى والنّجس ولا يصيبه من ذلك شيءٌ. وقال ابن جريجٍ: قلت لعطاءٍ: ما عهده؟ قال: أمره. فائدة في تعديه الفعل عهدنا ب (إلى) ك قال ابن كثير: . والظّاهر أنّ هذا الحرف إنّما عدّي بإلى، لأنّه في معنى تقدّمنا وأوحينا. معنى ( وطهرا ) ج ط ك قال ابن عطية: وطهّرا قيل معناه 1- ابنياه وأسساه على طهارة ونية طهارة، فيجيء مثل قوله: أسّس على التّقوى [التوبة: 108] 2- وقال مجاهد: هو أمر بالتطهير من عبادة الأوثان، 3- وقيل: من الفرث والدم. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف لا تعضده الأخبار، 4- وقيل: من الشرك، وذكر ابن كثير الأقوال ثم قال : وقال ابن جرير رحمه اللّه: فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطّائفين. والتّطهير الذي أمرهما به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشّرك. هل كان عند البيت شيء يحتاج للتطهير منه ك قال ابن كثير: قال ابن جرير : فإن قيل: فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيءٌ من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟ وأجاب بوجهين: 1- أحدهما: أنّه أمرهما بتطهيره ممّا كان يعبد عنده زمان قوم نوحٍ من الأصنام والأوثان ليكون ذلك سنّة لمن بعدهما إذ كان اللّه تعالى قد جعل إبراهيم إمامًا يقتدى به كما قال عبد الرّحمن بن زيدٍ:*{أن طهّرا بيتي}*قال: من الأصنام التي يعبدون، التي كان المشركون يعظّمونها. قلت: وهذا الجواب مفرّع على أنّه كان يعبد عنده أصنامٌ قبل إبراهيم عليه السّلام، ويحتاج إثبات هذا إلى دليلٍ عن المعصوم محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم. 2- الجواب الثّاني: أنّه أمرهما أن يخلصا في بنائه للّه وحده لا شريك له، فيبنياه مطهّرًا من الشّرك والرّيب، كما قال جلّ ثناؤه:*{أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ}[التّوبة: 109]*قال: فكذلك قوله:*{وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي}*أي: ابنيا بيتي على طهرٍ من الشّرك بي والرّيب، كما قال السّدّيّ:*{أن طهّرا بيتي}*ابنيا بيتي للطّائفين. وملخّص هذا الجواب: أنّ اللّه تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام، أن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له للطّائفين به والعاكفين عنده، والمصلّين إليه من الرّكّع السّجود فائدة في أضافه الياء إلى البيت ط قال ابن عطية: وأضاف الله البيت إلى نفسه تشريفا للبيت، وهي إضافة مخلوق إلى خالق ومملوك إلى مالك معنى (الطائفين) ج ط ك قال ابن عطية وابن كثير: 1- ظاهره أهل الطواف، وقاله عطاء وغيره 2- وقال ابن جبير: معناه للغرباء الطارئين على مكة معنى (العاكفين) ج ط ك قال ابن عطية: والعاكفين 1- قال ابن جبير: هم أهل البلد المقيمون 2- وقال عطاء: هم المجاورون بمكة 3- وقال ابن عباس: المصلون 4- وقال غيره: المعتكفون. معنى العكوف في اللغة ج ط ك قال الزجاج: ويقال: قد عكف يعكف , ويعكف على الشيء عكوفاً, أي: أقام عليه، ومن هذا قول الناس: فلان معتكف على الحرام، أي: مقيم عليه. قال ابن عطية: والعكوف في اللغة اللزوم للشيء والإقامة عليه فمعناه لملازمي البيت إرادة وجه الله العظيم معنى (الركع السجود) ج ط ك قال الزجاج : {والرّكع السجود}: سائر من يصلي فيه من المسلمين.و"الرّكع": جمع راكع، مثل: غاز وغزى، و"السجود" جمع ساجد، كقولك: ساجد وسجود، وشاهد وشهود سبب تخصيص الركوع والسجود ط ك قال ابن عطية: وخص الركوع والسجود بالذكر لأنهما أقرب أحوال المصلي إلى الله تعالى قال ابن كثير: وفي هذه الآية الكريمة ذكر الطّائفين والعاكفين، واجتزأ بذكر الرّكوع والسّجود عن القيام؛ لأنّه قد علم أنّه لا يكون ركوعٌ ولا سجودٌ إلّا بعد قيامٍ. فائدة في المذكورين بالآية ط قال ابن عطية: وكل مقيم عند بيت الله إرادة ذات الله فلا يخلو من إحدى هذه الرتب الثلاث، إما أن يكون في صلاة أو في طواف فإن كان في شغل من دنياه فحال العكوف على مجاورة البيت لا يفارقه مسألة أيهما افضل الصلاة عند البيت أو الطواف ؟ ك قال ابن كثير: وقد اختلف الفقهاء: أيّما أفضل، الصّلاة عند البيت أو الطّواف؟ فقال مالكٌ: الطّواف به لأهل الأمصار أفضل من الصّلاة عنده، وقال الجمهور: الصّلاة أفضل مطلقًا، وتوجيه كلٍّ منهما يذكر في كتاب الأحكام. أول من بنى الكعبة ك قال ابن كثير: وقد اختلف النّاس في أوّل من بنى الكعبة 1- فقيل: الملائكة قبل آدم، وروي هذا عن أبي جعفرٍ الباقر ذكره القرطبيّ وحكى لفظه، وفيه غرابةٌ 2- وقيل: آدم عليه السّلام عن عطاءٍ وسعيد بن المسيّب وغيرهم: أنّ آدم بناه من خمسة أجبلٍ: من حراءٍ وطور سيناء وطور زيتا وجبل لبنان والجوديّ، وهذا غريبٌ أيضًا 3- . وروي نحوه عن ابن عبّاسٍ وكعب الأحبار وقتادة وعن وهب بن منبّهٍ: أنّ أوّل من بناه شيث، عليه السّلام وغالب من يذكر هذا إنّما يأخذه من كتب أهل الكتاب، وهي ممّا لا يصدّق ولا يكذّب ولا يعتمد عليها بمجرّدها، وأمّا إذا صحّ حديث في ذلك فعلى الرأس والعين تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)} وقت دعاء إبراهيم ك قال ابن كثير: وقال في هذه السّورة:*{ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا}*أي: اجعل هذه البقعة بلدًا آمنًا، وناسب هذا؛ لأنّه قبل بناء الكعبة. وقال تعالى في سورة إبراهيم:*{وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا}[إبراهيم: 35]*وناسب هذا هناك لأنّه، واللّه أعلم، كأنّه وقع دعاءً ثانيًا بعد بناء البيت واستقرار أهله به، وبعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سنًّا من إسماعيل بثلاث عشرة سنةٍ؛ ولهذا قال في آخر الدّعاء:*{الحمد للّه الّذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إنّ ربّي لسميع الدّعاء}[إبراهيم: 39] معنى ( وإذ قال إبراهيم ) ج قال الزجاج: المعنى: واذكروا إذ قال إبراهيم.* معنى أمنا ج ك قال الزجاج: {وأمنا}: ذا أمن قال ابن كثير: وقوله: تعالى إخبارًا عن الخليل أنّه قال:*{ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا}*أي: من الخوف، لا يرعب أهله، وقد فعل اللّه ذلك شرعًا وقدرًا. وقد تقدّمت الأحاديث في تحريم القتال فيها. وفي صحيح مسلمٍ عن جابرٍ: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "لا يحلّ لأحدٍ أن يحمل بمكّة السّلاح". معنى قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات ) ط قال ابن عطية: دعا إبراهيم عليه السلام لذريته وغيرهم بمكة بالأمن ورغد العيش، واجعل لفظه الأمر وهو في حق الله تعالى رغبة ودعاء، وآمناً معناه من الجبابرة والمسلطين والعدو المستأصل والمثلاث التي تحل بالبلاد. وكانت مكة وما يليها حين ذلك قفرا لا ماء فيه ولا نبات، فبارك الله فيما حولها كالطائف وغيره، ونبتت فيها أنواع الثمرات. وروي أن الله تعالى لما دعاه إبراهيم أمر جبريل صلوات الله عليه فاقتلع فلسطين، وقيل قطعة من الأردن فطاف بها حول البيت سبعا وأنزلها بوجّ، فسميت الطائف بسبب ذلك الطواف. إعراب (من آمن منهم) ومعناها ج ط قال الزجاج: وقوله عزّ وجل:*{وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم...} {من}*نصب بدل من*{أهله}، المعنى:*أرزق*من آمن من أهله دون غيرهم؛ لأن الله تعالى قد أعلمه أن في ذريته غير مؤمن، لقوله: عزّ وجل:*{لا ينال عهدي الظّالمين}. قال ابن عطية: ومن بدل من قوله أهله، وخص إبراهيم المؤمنين بدعائه. معنى أمتعه ط قال ابن عطية: وأمتعه معناه أخوله الدنيا وأبقيه فيها بقاء قليلا، لأنه فان منقض، وأصل المتاع الزاد، ثم استعمل فيما يكون آخر أمر الإنسان أو عطائه أو أفعاله،ومنه تمتيع الزوجات، القراءات في (فأمتعه قليلا) ومعناها ج ط قال الزجاج: 1- أكثر القراءة على:*{فأمتّعه قليلاً ثم أضطره}*على الإخبار 2- وقد قرئ أيضاً: (فأمتعه ثم اضطرّه) على الدعاء مسألة وقت تحريم مكة ط ك قال ابن عطية: واختلف في تحريم مكة متى كان؟ 1- فقالت فرقة: جعلها الله حراما يوم خلق السموات والأرض 2- ، وقالت فرقة: حرمها إبراهيم. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والأول قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ثاني يوم الفتح، والثاني قاله أيضا النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح عنه: «اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها حرام»، ولا تعارض بين الحديثين، لأن الأول إخبار بسابق علم الله فيها وقضائه، وكون الحرمة مدة آدم وأوقات عمارة القطر بإيمان، والثاني إخبار بتجديد إبراهيم لحرمتها وإظهاره ذلك بعد الدثور، وكل مقال من هذين الإخبارين حسن في مقامه، عظم الحرمة ثاني يوم الفتح على المؤمنين بإسناد التحريم إلى الله تعالى، وذكر إبراهيم عند تحريمه المدينة مثالا لنفسه، ولا محالة أن تحريم المدينة هو أيضا من قبل الله تعالى ومن نافذ قضائه وسابق علمه، قال ابن كثير بعد أن ذكر القولان : فإذا علم هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدّالّة على أنّ اللّه حرّم مكّة يوم خلق السموات والأرض، وبين الأحاديث الدّالّة على أنّ إبراهيم، عليه السّلام، حرّمها؛ لأنّ إبراهيم بلّغ عن اللّه حكمه فيها وتحريمه إيّاها، وأنّها لم تزل بلدًا حرامًا عند اللّه قبل بناء إبراهيم، عليه السّلام، لها، كما أنّه قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكتوبًا عند اللّه خاتم النّبيّين، وإنّ آدم لمنجدل في طينته، ومع هذا قال إبراهيم، عليه السّلام:*{ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم}*وقد أجاب اللّه دعاءه بما سبق في علمه وقدره. الفاعل في (قال ومن كفر ) ط ك قال ابن كثير: 1- وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: هذا القول هو من إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ذكره ابن عطية و قال : فكأن إبراهيم عليه السلام دعا للمؤمنين وعلى الكافرين. المراد ب(قليلا) وإعرابها ط قال ابن عطية: وقليلًا معناه مدة العمر، لأن متاع الدنيا قليل، وهو نعت: 1- إما لمصدر كأنه قال: متاعا قليلا 2- وإما لزمان، كأنه قال: وقتا قليلا أو زمنا قليلا معنى (ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) ك قال ابن كثير: أي: ثمّ ألجئه بعد متاعه في الدّنيا وبسطنا عليه من ظلّها إلى عذاب النّار وبئس المصير. ومعناه: أنّ اللّه تعالى ينظرهم ويمهلهم ثمّ يأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ |
تفسير سورة البقرة [من الآية (127) إلى الآية (129) ]
تفسير سورة البقرة [من الآية (127) إلى الآية (129) ]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)} تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)} معنى الآية ك قال ابن كثير: يقول تعالى: واذكر -يا محمّد -لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل، عليهما السّلام، البيت، ورفعهما القواعد منه، وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} فهما في عملٍ صالحٍ، وهما يسألان اللّه تعالى أن يتقبّل منهما، معنى (واذ قال إبراهيم )ج ك قال الزجاج: المعنى: واذكر إذ المراد بالقواعد ج ك قال ابن عطية: 1- والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس 2- وقال الفراء: «هي الجدر قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا تجوز، معنى قوله تعالى (ربنا تقبل منا) ج ط قال الزجاج : وقوله:{ربّنا تقبّل منّا}،والمعنى يقولان :{ربّنا تقبّل منّا} قال ابن عطية: 1- وتقدير الكلام: يقولان ربنا تقبل وهي في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود كذلك بثبوت «يقولان» 2- وقالت فرقة: التقدير وإسماعيل يقول ربنا، وحذف لدلالة الظاهر عليه، وكل هذا يدل على أن إسماعيل لم يكن طفلا في ذلك الوقت إعراب إسماعيل ج ط قال ابن عطية : 1- وإسماعيل عطف على إبراهيم 2- وقيل هو مقطوع على الابتداء وخبره فيما بعد، قال الماوردي: إسماعيل أصله اسمع يا إيل. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، من بنى البيت ك قال ابن عطية: واختلف بعض رواة القصص: 1- فقيل إن آدم أمر ببنائه، فبناه، ثم دثر ودرس حتى دل عليه إبراهيم فرفع قواعده، 2- وقيل: إن آدم هبط به من الجنة، وقيل: إنه لما استوحش في الأرض حين نقص طوله وفقد أصوات الملائكة أهبط إليه وهو كالدرة، وقيل: كالياقوتة، 3- وقيل: إن البيت كان ربوة حمراء، وقيل بيضاء، ومن تحته دحيت الأرض، وإن إبراهيم ابتدأ بناءه بأمر الله ورفع قواعده. والذي يصح من هذا كله أن الله أمر إبراهيم برفع قواعد البيت، وجائز قدمه وجائز أن يكون ذلك ابتداء، ولا يرجح شيء من ذلك إلا بسند يقطع العذر، هل شارك إسماعيل أبيه في رفع البيت ك قال ابن عطية: 1- وقال عبيد بن عمير: رفعها إبراهيم وإسماعيل معا، 2- وقال ابن عباس: رفعها إبراهيم، وإسماعيل يناوله الحجارة، 3- وقال علي بن أبي طالب: رفعها إبراهيم، وإسماعيل طفل صغير. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا يصح هذا عن علي رضي الله عنه، لأن الآية والآثار ترده، قال ابن كثير: وقال بعض المفسّرين: الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم، والدّاعي إسماعيل. والصّحيح أنّهما كانا يرفعان ويقولان قصة بناء الكعبة ك ك وقد روى البخاريّ هاهنا حديثًا سنورده ثمّ نتبعه بآثارٍ متعلّقةٍ بذلك. قال البخاريّ، رحمه اللّه: عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل، عليهما السّلام اتّخذت منطقًا ليعفّي أثرها على سارّة. ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل، عليهما السّلام، وهي ترضعه، حتّى وضعهما عند البيت عند دوحةٍ فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكّة يومئذٍ أحدٌ، وليس بها ماءٌ فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمرٌ وسقاء فيه ماءٌ، ثمّ قفّى إبراهيم، عليه السّلام، منطلقًا. فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنسٌ ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت آللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيّعنا. ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم، عليه السّلام، حتّى إذا كان عند الثّنيّة حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثمّ دعا بهؤلاء الدّعوات، ورفع يديه، قال: {ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصّلاة فاجعل أفئدةً من النّاس تهوي إليهم وارزقهم من الثّمرات لعلّهم يشكرون} [إبراهيم: 37]، وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل، عليهما السّلام، وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ماء السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبّط -فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبلٍ في الأرض يليها فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا. فهبطت من الصّفا حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي. ثمّ أتت المروة، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا. ففعلت ذلك سبع مرّاتٍ، قال ابن عبّاسٍ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فلذلك سعى النّاس بينهما". فلمّا أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صهٍ، تريد نفسها، ثمّ تسمّعت فسمعت أيضًا. فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه -أو قال: بجناحه -حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوّضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف. قال ابن عبّاسٍ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "يرحم اللّه أمّ إسماعيل، لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء -لكانت زمزم عينًا معينًا". قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافي الضّيعة؛ فإنّ هاهنا بيتًا للّه، عزّ وجلّ، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ اللّه، عزّ وجلّ، لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرّابية تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقةٌ من جرهم -أو أهل بيتٍ من جرهم -مقبلين من طريق كداء. فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرًا عائفًا، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على الماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماءٌ. فأرسلوا جريًّا أو جريّين، فإذا هم بالماء. فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا. قال: وأمّ إسماعيل عند الماء. فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عبّاسٍ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحبّ الأنس. فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم. حتّى إذا كان بها أهل أبياتٍ منهم وشبّ الغلام، وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأةً منهم. وماتت أمّ إسماعيل، عليهما السّلام، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل ليطالع تركته. فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيقٍ وشدّةٍ. وشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، وقولي له: يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل، عليه السّلام، كأنّه أنس شيئًا. فقال: هل جاءكم من أحدٍ؟ قالت: نعم، جاءنا شيخٌ كذا وكذا، فسأل عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيءٍ؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي. وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك. فطلّقها وتزوّج منهم بأخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء اللّه، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده. فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخيرٍ وسعةٍ. وأثنت على اللّه، عزّ وجلّ. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللّهمّ بارك لهم في اللّحم والماء". قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ولم يكن لهم يومئذٍ حب، ولو كان لهم، لدعا لهم فيه. قال: فهما لا يخلو عليهما أحدٌ بغير مكّة إلّا لم يوافقاه". قال: "فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبّت عتبة بابه، فلمّا جاء إسماعيل، عليه السّلام، قال: هل أتاكم من أحدٍ؟ قالت: نعم، أتانا شيخٌ حسن الهيئة، وأثنت عليه فسألني عنك، فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخيرٍ. قال: فأوصاك بشيءٍ؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء اللّه، عزّ وجلّ، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحةٍ قريبًا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الولد بالوالد، والوالد بالولد. ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ اللّه أمرني بأمرٍ. قال: فاصنع ما أمرك ربّك، عزّ وجلّ. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإنّ اللّه أمرني أن أبني هاهنا بيتًا -وأشار إلى أكمةٍ مرتفعةٍ على ما حولها -قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} " قال: "فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت، وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}. وقال السّدّيّ: إنّ اللّه، عزّ وجلّ، أمر إبراهيم أن يبني [البيت] هو وإسماعيل: ابنيا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود، فانطلق إبراهيم، عليه السّلام، حتّى أتى مكّة، فقام هو وإسماعيل، وأخذا المعاول لا يدريان أين البيت؟ فبعث اللّه ريحًا، يقال لها: ريح الخجوج، لها جناحان ورأسٌ في صورة حيّةٍ، فكشفت لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأوّل، واتّبعاها بالمعاول يحفران حتّى وضعا الأساس. فذلك حين يقول [اللّه] تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} [الحجّ: 26] فلمّا بنيا القواعد فبلغا مكان الرّكن. قال إبراهيم لإسماعيل: يا بنيّ، اطلب لي حجرًا حسنًا أضعه هاهنا. قال: يا أبت، إني كسلان لغب. قال: عليّ بذلك فانطلق فطلب له حجرًا، فجاءه بحجرٍ فلم يرضه، فقال ائتني بحجرٍ أحسن من هذا، فانطلق يطلب له حجرًا، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض، ياقوتةً بيضاء مثل الثّغامة، وكان آدم هبط به من الجنّة فاسودّ من خطايا النّاس، فجاءه إسماعيل بحجرٍ فوجده عند الرّكن، فقال: يا أبه، من جاءك بهذا؟ قال: جاء به من هو أنشط منك. فبنيا وهما يدعوان الكلمات التي ابتلى [بهنّ] إبراهيم ربّه، فقال: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} وفي هذا السّياق ما يدلّ على أنّ قواعد البيت كانت مبنيّةً قبل إبراهيم. وإنّما هدي إبراهيم إليها وبوّئ لها. هل بيت الله مبني على أساس إبراهيم عليه السلام ك قال ابن كثير: 1- عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألم تري أنّ قومك حين بنوا البيت اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ " فقلت: يا رسول اللّه، ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ قال: "لولا حدثان قومك بالكفر". فقال عبد اللّه بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ترك استلام الرّكنين اللذين يليان الحجر إلّا أنّ البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم، عليه السّلام. 2- ورواه مسلمٌ أيضًا من حديث نافعٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن أبي بكر بن أبي قحافة يحدّث عبد اللّه بن عمر، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: "لولا أن قومك حديثو عهدٍ بجاهليّةٍ -أو قال: بكفرٍ -لأنفقت كنز الكعبة في سبيل اللّه، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها الحجر". وقال البخاريّ: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود، قال: قال لي ابن الزّبير: كانت عائشة تسر إليك حديثًا كثيرًا، فما حدّثتك في الكعبة؟ قال قلت: قالت لي: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا عائشة، لولا قومك حديث عهدهم -فقال ابن الزّبير: بكفرٍ -لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين: بابًا يدخل منه النّاس، وبابًا يخرجون". ففعله ابن الزّبير. قصة بناء قريش للكعبة ك قال ابن كثير: قال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، في السّيرة: ولمّا بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خمسًا وثلاثين سنةً، اجتمعت قريشٌ لبنيان الكعبة، وكانوا يهمّون بذلك ليسقفوها، ويهابون هدمها، وإنّما كانت رضما فوق القامة، فأرادوا رفعها وتسقيفها، وذلك أنّ نفرًا سرقوا كنز الكعبة، وإنّما كان يكون في بئرٍ في جوف الكعبة، وكان الذي وجد عنده الكنز دويكٌ، مولى بني مليح بن عمرٍو من خزاعة، فقطعت قريشٌ يده. ويزعم النّاس أنّ الّذين سرقوه وضعوه عند دويكٍ. وكان البحر قد رمى بسفينةٍ إلى جدّة، لرجلٍ من تجّار الرّوم، فتحطّمت، فأخذوا خشبها فأعدّوه لتسقيفها. وكان بمكّة رجلٌ قبطيٌّ نجّارٌ، فهيّأ لهم، في أنفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حيّةٌ تخرج من بئر الكعبة التي كانت تطرح، فيها ما يهدى0 لها كلّ يومٍ، فتتشرق على جدار الكعبة، وكانت ممّا يهابون. وذلك أنّه كان لا يدنو منها أحدٌ إلّا احزألّت وكشّت وفتحت فاها، فكانوا يهابونها، فبينا هي يومًا تتشرّق على جدار الكعبة، كما كانت تصنع، بعث اللّه إليها طائرًا فاختطفها، فذهب بها. فقالت قريشٌ: إنّا لنرجو أن يكون اللّه قد رضي ما أردنا، عندنا عاملٌ رفيقٌ، وعندنا خشبٌ، وقد كفانا اللّه الحيّة. فلمّا أجمعوا أمرهم في هدمها وبنيانها، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزومٍ، فتناول من الكعبة حجرًا، فوثب من يده حتّى رجع إلى موضعه. فقال: يا معشر قريشٍ، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلّا طيّبًا، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربًا، ولا مظلمة أحدٍ من النّاس. قال ابن إسحاق: والنّاس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم. قال: ثمّ إنّ قريشًا تجزأت الكعبة، فكان شقّ الباب لبني عبد منافٍ وزهرة، وكان ما بين الرّكن الأسود والرّكن اليمانيّ لبني مخزومٍ وقبائل من قريشٍ انضمّوا إليهم، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهمٍ، وكان شقّ الحجر لبني عبد الدّار بن قصي، ولبني أسد بن عبد العزّى بن قصي، ولبني عديّ بن كعب بن لؤيٍّ، وهو الحطيم. ثمّ إن النّاس هابوا هدمها وفرقوا منه، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها: فأخذ المعول ثمّ قام عليها وهو يقول: اللّهمّ لم ترع، اللّهمّ إنّا لا نريد إلّا الخير. ثمّ هدم من ناحية الرّكنين، فتربّص النّاس تلك اللّيلة، وقالوا: ننظر، فإن أصيب لم نهدم منها شيئًا، ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيءٌ فقد رضي اللّه ما صنعنا. فأصبح الوليد من ليلته غاديًا على عمله، فهدم وهدم النّاس معه، حتّى إذا انتهى الهدم [بهم] إلى الأساس، أساس إبراهيم، عليه السّلام، أفضوا إلى حجارةٍ خضرٍ كالأسنّة آخذٌ بعضها بعضًا. قال [محمّد بن إسحاق] فحدّثني بعض من يروي الحديث: أنّ رجلًا من قريشٍ، ممّن كان يهدمها، أدخل عتلة بين حجرين منها ليقلع بها أحدهما، فلمّا تحرّك الحجر تنقّضت مكّة بأسرها، فانتهوا عن ذلك الأساس. قال ابن إسحاق: ثمّ إنّ القبائل من قريشٍ جمعت الحجارة لبنائها، كلّ قبيلةٍ تجمع على حدةٍ، ثمّ بنوها، حتّى بلغ البنيان موضع الرّكن -يعني الحجر الأسود -فاختصموا فيه، كلّ قبيلةٍ تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتّى تحاوروا وتخالفوا، وأعدّوا للقتال. فقرّبت بنو عبد الدّار جفنةً مملوءةً دمًا، ثمّ تعاقدوا هم وبنو عديّ بن كعب بن لؤيٍّ على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدّم في تلك الجفنة، فسمّوا: لعقة الدّم. فمكثت قريشٌ على ذلك أربع ليالٍ أو خمسًا. ثمّ إنّهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا. فزعم بعض أهل الرّواية: أنّ أبا أمّيّة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزومٍ -وكان عامئذ أسن قريشٍ كلّهم -قال: يا معشر قريشٍ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أوّل من يدخل من باب هذا المسجد، يقضي بينكم، فيه. ففعلوا، فكان أوّل داخلٍ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا، هذا محمّدٌ، فلمّا انتهى إليهم وأخبروه الخبر، قال [رسول اللّه] صلّى اللّه عليه وسلّم: "هلمّ إليّ ثوبًا" فأتي به، فأخذ الرّكن -يعني الحجر الأسود-فوضعه فيه بيده، ثمّ قال: "لتأخذ كلّ قبيلةٍ بناحيةٍ من الثّوب"، ثمّ [قال]: "ارفعوه جميعًا". ففعلوا، حتّى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ بنى عليه. وكانت قريشٌ تسمّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن ينزل عليه الوحي: الأمين. تجديد بناء الكعبة بعد قريش ك قال ابن كثير: قال ابن إسحاق: وكانت الكعبة على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمانية عشر ذراعًا، وكانت تكسى القباطيّ، ثمّ كسيت بعد البرود، وأوّل من كساها الدّيباج الحجّاج بن يوسف. قلت: ولم تزل على بناء قريشٍ حتّى أحرقت في أوّل إمارة عبد اللّه بن الزّبير بعد سنة ستّين. وفي آخر ولاية يزيد بن معاوية، لمّا حاصروا ابن الزّبير، فحينئذٍ نقضها ابن الزّبير إلى الأرض وبناها على قواعد إبراهيم، عليه السّلام، وأدخل فيها الحجر وجعل لها بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا ملصقين بالأرض، كما سمع ذلك من خالته عائشة أمّ المؤمنين، رضي اللّه عنها، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ولم تزل كذلك مدّة إمارته حتّى قتله الحجّاج، فردّها إلى ما كانت عليه بأمر عبد الملك بن مروان له بذلك، كما قال مسلم بن الحجّاج في صحيحه: حدّثنا هنّاد بن السّري، حدّثنا ابن أبي زائدة، أخبرنا ابن أبي سليمان، عن عطاءٍ، قال: لمّا احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشّام، وكان من أمره ما كان، تركه ابن الزّبير حتّى قدم النّاس الموسم يريد أن يجرّئهم -أو يحزبهم -على أهل الشّام، فلمّا صدر النّاس قال: يا أيّها النّاس، أشيروا عليّ في الكعبة، أنقضها ثمّ أبني بناءها أو أصلح ما وهى منها؟ قال ابن عبّاسٍ: فإنّي قد فرق لي رأيٌ فيها، أرى أن تصلح ما وهى منها، وتدع بيتًا أسلم النّاس عليه وأحجارًا أسلم النّاس عليها، وبعث عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال ابن الزّبير: لو كان أحدهم احترق بيته ما رضي حتّى يجدّده، فكيف بيت ربّكم، عزّ وجلّ؛ إنّي مستخيرٌ ربّي ثلاثًا ثمّ عازمٌ على أمري. فلمّا مضت ثلاثٌ أجمع رأيه على أن ينقضها. فتحاماها الناس أن ينزل بأوّل النّاس يصعد فيه أمر من السّماء، حتّى صعده رجلٌ، فألقى منه حجارةً، فلمّا لم يره النّاس أصابه شيءٌ تتابعوا، فنقضوه حتّى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزّبير أعمدةً يستر عليها السّتور، حتّى ارتفع بناؤه. وقال ابن الزّبير: إنّي سمعت عائشة، رضي اللّه عنها، تقول: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: "لولا أنّ النّاس حديثٌ عهدهم بكفرٍ، وليس عندي من النّفقة ما يقوّيني على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرعٍ، ولجعلت له بابًا يدخل النّاس منه، وبابًا يخرجون منه. قال: فأنا أجد ما أنفق، ولست أخاف النّاس. قال: فزاد فيه خمسة أذرعٍ من الحجر، حتّى أبدى له أسًّا نظر النّاس إليه فبنى عليه البناء. وكان طول الكعبة ثمانية عشر ذراعًا، فلمّا زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشرة أذرعٍ، وجعل له بابين: أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه. فلمّا قتل ابن الزّبير كتب الحجّاج إلى عبد الملك يخبره بذلك، ويخبره أنّ ابن الزّبير قد وضع البناء على أسٍّ نظر إليه العدول من أهل مكّة، فكتب إليه عبد الملك: إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزّبير في شيءٍ، أمّا ما زاده في طوله فأقرّه. وأمّا ما زاد فيه من الحجر فردّه إلى بنائه، وسدّ الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه. وقد رواه النّسائيّ في سننه، عن هنّادٍ، عن يحيى بن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، عن ابن الزّبير، عن عائشة بالمرفوع منه. ولم يذكر القصّة، وقد كانت السّنّة إقرار ما فعله عبد اللّه بن الزّبير، رضي اللّه عنه؛ لأنّه هو الذي ودّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ولكن خشي أن تنكره قلوب بعض النّاس لحداثة عهدهم بالإسلام وقرب عهدهم من الكفر. ولكن خفيت هذه السّنة على عبد الملك؛ ولهذا لمّا تحقّق ذلك عن عائشة أنّها روت ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: وددنا أنّا تركناه وما تولّى. كما قال مسلمٌ: حدّثني محمّد بن حاتمٍ حدّثنا محمّد بن بكرٍ أخبرنا ابن جريج، سمعت عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ والوليد بن عطاءٍ، يحدّثان عن الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة، قال عبد اللّه بن عبيدٍ: وفد الحارث بن عبد اللّه على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال عبد الملك: ما أظنّ أبا خبيبٍ -يعني ابن الزّبير -سمع من عائشة ما كان يزعم أنّه سمعه منها. قال الحارث: بلى، أنا سمعته منها. قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ قومك استقصروا من بنيان البيت، ولولا حداثة عهدهم بالشّرك أعدت ما تركوا منه، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمّي لأريك ما تركوا منه". فأراها قريبًا من سبعة أذرعٍ. هذا حديث عبد اللّه بن عبيد [بن عميرٍ]. وزاد عليه الوليد بن عطاءٍ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقيًّا وغربيًّا، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ " قالت: قلت: لا. قال: "تعزّزًا ألّا يدخلها إلّا من أرادوا. فكان الرّجل إذا هو أراد أن يدخلها، يدعونه حتّى يرتقي، حتّى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط" قال عبد الملك: فقلت للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم. قال: فنكت ساعةً بعصاه، ثمّ قال: وددت أنّي تركت وما تحمّل. قال مسلمٌ: وحدّثناه محمّد بن عمرو بن جبلة، حدّثنا أبو عاصمٍ (ح) وحدّثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرّزّاق، كلاهما عن ابن جريج بهذا الإسناد، مثل حديث ابن بكرٍ. قال: وحدّثني محمّد بن حاتمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن بكرٍ السّهميّ، حدّثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن أبي قزعة أنّ عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل اللّه ابن الزّبير حيث يكذب على أمّ المؤمنين، يقول: سمعتها تقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا عائشة، لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتّى أزيد فيها من الحجر، فإنّ قومك قصّروا في البناء". فقال الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أمّ المؤمنين تحدّث هذا. قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير. فهذا الحديث كالمقطوع به إلى عائشة أمّ المؤمنين، لأنّه قد روي عنها من طرقٍ صحيحةٍ متعدّدةٍ عن الأسود بن يزيد، والحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة، وعبد اللّه بن الزّبير، وعبد اللّه بن محمّد بن أبي بكرٍ الصّدّيق، وعروة بن الزّبير. فدلّ هذا على صواب ما فعله ابن الزّبير. فلو ترك لكان جيّدًا. ولكن بعد ما رجع الأمر إلى هذا الحال، فقد كره بعض العلماء أن يغيّر عن حاله، كما ذكر عن أمير المؤمنين هارون الرّشيد -أو أبيه المهديّ -أنّه سأل الإمام مالكًا عن هدم الكعبة وردّها إلى ما فعله ابن الزّبير. فقال له مالكٌ: يا أمير المؤمنين، لا تجعل كعبة اللّه ملعبة للملوك، لا يشاء أحدٌ أن يهدمها إلّا هدمها. فترك ذلك الرّشيد. فائدة في ختم الآية ب (السميع العليم) ط قال ابن عطية: وخصّا هاتين الصفتين لتناسبهما مع حالهما، أي السّميع لدعائنا والعليم بنياتنا تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} معنى الآية ك قال ابن كثير: قال ابن جريرٍ: يعنيان بذلك، واجعلنا مستسلمين لأمرك، خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطّاعة أحدًا سواك، ولا في العبادة غيرك. معنى (اجعلنا مسلمين لك ) ط ك قال ابن عطية : وقولهما اجعلنا بمعنى صيرنا تتعدى إلى مفعولين، ومسلمين هو المفعول الثاني، وكذلك كانا، فإنما أرادا التثبيت والدوام، قال ابن كثير: {واجعلنا مسلمين لك} قال: مخلصين لك، وقال أيضًا: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا المقدّميّ، حدّثنا سعيد بن عامرٍ، عن سلّام بن أبي مطيعٍ في هذه الآية {واجعلنا مسلمين} قال: كانا مسلمين، ولكنّهما سألاه الثّبات. معنى (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) ط ك قال ابن عطية: ومن في قوله ومن ذرّيّتنا للتبعيض، وخص من الذرية بعضا لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين، والأمة الجماعة، قال ابن كثير: {ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} قال: مخلصةً. معنى الأمة والمراد بها ط ك قال ابن كثير: 1- وقال السّدّيّ: {ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} يعنيان العرب. 2- قال ابن جريرٍ: والصّواب أنّه يعمّ العرب وغيرهم؛ لأنّ من ذرّيّة إبراهيم بني إسرائيل، وقد قال اللّه تعالى: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} [الأعراف: 159] قلت: وهذا الذي قاله ابن جريرٍ لا ينفيه السّدّيّ؛ فإنّ تخصيصهم بذلك لا ينفي من عداهم، والسّياق إنّما هو في العرب؛ ولهذا قال بعده: {ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم} الآية، والمراد بذلك محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد بعث فيهم ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود، لقوله تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا} [الأعراف: 158]، وغير ذلك من الأدلّة القاطعة. المراد ب ( المسلم ) ج ط قال الزجا:ج تفسير المسلم في اللغة الذي قد استسلم لأمر اللّه كله ، وخضع له، فالمسلم المحقق هو الذي أظهر القبول لأمر اللّه كله ، وأضمر مثل ذلك، وكذلك قوله:*{قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} المعنى:*قولوا جميعاً: خضعنا، وأظهرنا الإسلام، وباطنهم غير ظاهرهم ؛ لأن هؤلاء منافقون، فأظهر اللّه عزّ وجلّ النبي على أسرارهم، فالمسلم على ضربين مظهر القبول ، ومبطن مثل ما يظهر، فهذا يقال له : مؤمن، ومسلم إنما يظهر غير ما يبطن فهذا غير مؤمن؛ لأن التصديق والإيمان هو بالإظهار مع القبول، ألا ترى أنهم إنما قيل لهم*{ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}،*أي:*أظهرتم الإيمان خشية. قال ابن عطية: والإسلام في هذا الموضع الإيمان والأعمال جميعا، وقرأ ابن عباس وعوف: «مسلمين» على الجمع، معنى (وأرنا مناسكنا) ج ط ك قال الزجاج: معناه:*عزفنا متعبداتنا، وكل متعبّد ، قال ابن عطية: 1- وقالت طائفة: أرنا من رؤية البصر، 2- وقالت طائفة: من رؤية القلب، وهو الأصح، قال ابن كثير: " وأرنا مناسكنا " 1- عن عطاءٍ {وأرنا مناسكنا} أخرجها لنا، علّمناها. 2- وقال مجاهدٌ {وأرنا مناسكنا} مذابحنا. وروى عن عطاءٍ أيضًا، وقتادة نحو ذلك. 3- وقال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيف، عن مجاهدٍ، قال: قال إبراهيم: "أرنا مناسكنا" فأتاه جبرائيل، فأتى به البيت، فقال: ارفع القواعد. فرفع القواعد وأتمّ البنيان، ثمّ أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصّفا، قال: هذا من شعائر اللّه. ثمّ انطلق به إلى المروة، فقال: وهذا من شعائر اللّه؟. ثمّ انطلق به نحو منًى، فلمّا كان من العقبة إذا إبليس قائمٌ عند الشّجرة، فقال: كبّر وارمه. فكبّر ورماه. ثمّ انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى، فلمّا جاز به جبريل وإبراهيم قال له: كبّر وارمه. فكبّر ورماه. فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحجّ شيئًا فلم يستطع، فأخذ بيد إبراهيم حتّى أتى به المشعر الحرام، فقال: هذا المشعر الحرام. فأخذ بيد إبراهيم حتّى أتى به عرفاتٍ. قال: قد عرفت ما أريتك؟ قالها: ثلاث مرارٍ. قال: نعم. اشتقاق (مناسكنا) ومعناها ج ط قال الزجاج: فهو منسك ومنسك، ومن هذا قيل للعابد: ناسك، وقيل للذبيحة المتقرب بها إلى الله تعالى: النسيكة؛كأنّ الأصل في النسك : إنما هو من الذبيحة للّه جلّ وعزّ، وتقرأ أيضاً قال ابن عطية: وقال قتادة: المناسك معالم الحج، وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت ودعا بهذه الدعوة بعث الله إليه جبريل فحج به، وقال ابن جريج: المناسك المذابح أي مواضع الذبح، وقال فريق من العلماء: المناسك العبادات كلها، ومنه الناسك أي العابد، وفي قراءة ابن مسعود «وأرهم مناسكهم» كأنه يريد الذرية، معنى (وتب علينا) والمراد بها ط قال ابن عطية: والتوبة الرجوع، وعرفه شرعا من الشر إلى الخير وتوبة الله على العبد رجوعه به وهدايته له. - واختلف في معنى طلبهم التوبة وهم أنبياء معصومون 1- ، فقالت طائفة: طلبا التثبيت والدوام، 2- وقيل: أرادا من بعدهما من الذرية كما تقول برني فلان وأكرمني وأنت تريد في ولدك وذريتك، 3- وقيل وهو الأحسن عندي: إنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت وأطاعا أرادا أن يسنا للناس أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة. وقال الطبري: إنه ليس أحد من خلق الله تعالى إلا وبينه وبين الله تعالى معان يحب أن تكون أحسن مما هي. وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة، واختلف في غير ذلك من الصغائر، والذي أقول به أنهم معصومون من الجميع، وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأتوب إلى الله في اليوم وأستغفره سبعين مرة» إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها لتزيد علومه واطلاعه على أمر الله، فهو يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى، والتوبة هنا لغوية تفسير قوله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)} معنى (ربنا وابعث فيهم رسولا) ط ك قال ابن عطية: هذا هو الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى» قال ابن كثير: يقول تعالى إخبارًا عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم -أن يبعث اللّه فيهم رسولًا منهم، أي من ذرّيّة إبراهيم. وقد وافقت هذه الدّعوة المستجابة قدر اللّه السّابق في تعيين محمّدٍ -صلوات اللّه وسلامه عليه -رسولًا في الأمّيّين إليهم، إلى سائر الأعجمين، من الإنس والجنّ، أول من نوه بذكره وأول من أفصح عن اسمه ك قال ابن كثير: والمراد أنّ أوّل من نوّه بذكره وشهره في النّاس، إبراهيم عليه السّلام. ولم يزل ذكره في النّاس مذكورًا مشهورًا سائرًا حتّى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل نسبًا، وهو عيسى ابن مريم، عليه السّلام، حيث قام في بني إسرائيل خطيبًا، وقال: {إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة ومبشّرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد} [الصّفّ: 6]؛ ولهذا قال في هذا الحديث: "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بن مريم" المراد ب (منهم) ط قال ابن عطية: ومعنى منهم أن يعرفوه ويتحققوا فضله ويشفق عليهم ويحرص معنى يتلو و إعرابها ط قال ابن عطية: ويتلوا في موضع نصب نعت لرسول أي تاليا عليهم، ويصح أن يكون في موضع الحال المراد بالآيات ط قال ابن عطية: والآيات آيات القرآن، والكتاب القرآن، معنى (ويعلمهم الكتاب والحكمة ) ط ك قال ابن عطية: - ونسب التعليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث هو يعطي الأمور التي ينظر فيها ويعلم طرق النظر بما يلقيه الله إليه ويوحيه، - وقال قتادة: الحكمة السنة وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الشرائع، - وروى ابن وهب عن مالك: أن الحكمة الفقه في الدين والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى قال ابن كثير: {ويعلّمهم الكتاب} يعني: القرآن {والحكمة} يعني: السّنّة، قاله الحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، وأبو مالكٍ وغيرهم. وقيل: الفهم في الدّين. ولا منافاة. وقال محمّد بن إسحاق {ويعلّمهم الكتاب والحكمة} قال: يعلّمهم الخير فيفعلوه، والشّرّ فيتّقوه، ويخبرهم برضاه عنهم إذا أطاعوه واستكثروا من طاعته، وتجنّبوا ما سخط من معصيته. معنى (يزكيهم) ط ك قال ابن عطية: ويزكّيهم معناه يطهرهم وينميهم بالخير، ومعنى الزكاة لا يخرج عن التطهير أو التنمية، قال ابن كثير: {ويزكّيهم} عن ابن عبّاسٍ: يعني طاعة اللّه، والإخلاص معنى(العزيز) ط ك قال ابن عطية: والعزيز الذي يغلب ويتم مراده ولا يرد قال ابن كثير: أي: العزيز الذي لا يعجزه شيءٌ، وهو قادرٌ على كلّ شيءٍ، معنى (الحكيم) ط ك قال ابن عطية: والحكيم المصيب مواقع الفعل المحكم لها قال ابن كثير: الحكيم في أفعاله وأقواله، فيضع الأشياء في محالّها؛ وحكمته وعدله |
تلخيص التفسير سورة البقرة من آية 130 -134
|
تلخيص التفسير سورة البقرة من آية 135 -138
|
تلخيص التفسير سورة البقرة من آية 139 -141
|
اجابة أسئلة فضل علم التفسير والحاجة إليه
1: اذكر ثلاثًا من فضائل تعلم التفسير ؟
1- أنه معين على فهم كلام الله عز وجل؛ ومعرفة مراده، ومن أوتي فهم القرآن فقد أوتي خيراً كثيراً. وفي صحيح البخاري وغيره من حديث أبي جحيفة السوائي قال: قلت لعلي رضي الله عنه هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: « لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه الله رجلًا في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت وما في الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافرٍ ». ففهم القرآن معين لا ينضب، إذ يستخرج به من العلم شيء كثير مبارك، والناس يتفاوتون في فهم القرآن تفاوتاً كبيراً. قال ابن القيم: « والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص وأن منهم من يفهم من الآية حكما أو حكمين ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام أو أكثر من ذلك ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه واعتباره وأخص من هذا وألطف ضمه إلى نص آخر متعلق به فيفهم من اقترانه به قدرا زائدا على ذلك اللفظ بمفرده وهذا باب عجيب من فهم القرآن لا يتنبه له إلا النادر من أهل العلم فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا وتعلقه به وهذا كما فهم ابن عباس من قوله وحمله وفصاله ثلاثون شهرا مع قوله والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين أن المرأة قد تلد لستة أشعر وكما فهم الصديق من آية الفرائض في أول السورة وآخرها أن الكلالة من لا ولد دله ولا والد » 2: أن أشرف الكلام وأحسنه وأصدقه وأعظمه بركة وفضلا هو كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وقد روي أن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه. فالاشتغال بالتفسير اشتغال بأفضل الكلام وأحسنه وأعظمه بركة، وهو كلام الله جل وعلا، ولا يزال العبد ينهل من هذا العلم ويستزيد منه حتى يجد بركته في نفسه وأهله وماله {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}. 3- أنه يدل صاحبه على ما يعتصم به من الضلالة وقد قال الله تعالى: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} ، وقال تعالى: {فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيما} وقد بين الله تعالى في كتابه كيف يكون الاعتصام به، والمفسر من أحسن الناس علماً بما يكون به الاعتصام بالله. ومما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم خطبة في الإسلام في أشرف جمع على كان وجه الأرض وذلك في خطبته في حجة الوداع قال: « وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله. وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون ». قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس « اللهم اشهد اللهم اشهد ». ثلاث مراتٍ)). رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه. ونحن نشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ونصح، وقد ترك لنا كتاب الله عصمة من الضلالة. فمن اعتصم به فلن يضل بإذن الله. والمقصود أن الاعتصام بكتاب الله لا يكون إلا بفهم ما أنزل الله فيه، واتباع ما فيه من الهدى، وسبيل ذلك معرفة تفسيره؛ وكلما كان المؤمن أكثر نصيباً من فهم مراد الله تعالى واتباعاً لما بينه الله من الهدى كان أعظم حظاً من الهداية والعصمة من الضلالة. 2: بين بالدليل حاجة الأمة إلى فهم القرآن ؟ من المهم تنبيه طلاب العلم إلى حاجة الأمة إلى تفسير القرآن وبيان معانيه ودعوتهم بالقرآن وتذكيرهم به وإنذارهم بما فيه من الوعيد، وتبشيرهم بما تضمنه من البشائر لمن آمن به واتبع ما فيه من الهدى، وإرشادهم إلى ما بينه الله في كتابه من الهدى الذي يفرقون به بين الحق والباطل، ومخرجاً لهم من الظلمات إلى النور، كما قال الله تعالى: {الر . كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد . الله الذي له ما في السموات وما في الأرض} - وقال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولـكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ . صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} - وقال تعالى: { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (15) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطٍ مستقيمٍ (16)} - وقال تعالى: { هو الذي ينزل على عبده آياتٍ بيناتٍ ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم} - وقال تعالى: { فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرًا (10) رسولًا يتلو عليكم آيات الله مبيناتٍ ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحًا يدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا قد أحسن الله له رزقًا (11)} فحاجة الأمة إلى فهم القرآن والاهتداء به ماسة، وكم من فتنة ضل بها العبد ، وضلت بها طوائف من الأمة بسبب مخالفتها لهدى الله عز وجل وما بينه في كتابه، وقد قال الله تعالى: {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}. وقال تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}، وقال تعالى: {فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون}. فحاجة الناس إلى معرفة ما بينه الله في القرآن من الهدى، والحذر مما حذرهم منه أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب والنفس؛ لأن انقطاع هذه الأمور أقصى ما يصيب الإنسان بسببها أن يموت، والموت أمر محتم على كل نفس. وأما ضلاله عن هدى الله تعالى فيكون بسبب خسران آخرته التي هي حياته الحقيقية كما قال الله تعالى: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} ، وقال تعالى: {يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي}. فكأن ما مضى من الحياة الدنيا لا يعد شيئا بالنسبة للحياة الآخرة الأبدية. وهذا له نظائر في القرآن الكريم كما في قول الله تعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم} ، وقوله تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها}. والمقصود أن حاجة الأمة إلى فهم القرآن معرفة معانيه والاهتداء به ماسة بل ضرورية. لأنهم لا نجاة لهم ولا فوز ولا سعادة إلا بما يهتدون به من هدى الله جل وعلا الذي بينه في كتابه. 3: كيف يستفيد الداعية وطالب العلم من علم التفسير في الدعوةِ إلى الله تعالى - أن يدعو إلى الله على بصيرة بما تعلم من معاني القرآن وبذلك يكون من خاصة أتباع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}. ولو لم يحصل للداعية إلا واو المعية هذه مع النبي صلى الله عليه وسلم لكفى بها شرفاً. فمن عاش حياته بهذه المعية في الدنيا وهي معية بالمحبة والاتباع والدعوة إلى ما كان يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يكون في معية النبي صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة. - قد يكون طالب العلم في مجتمع تفشو فيه فتنة من الفتن أو منكر من المنكرات فيتعلم من كتاب الله ما يعرف به الهدى ويدعو به من حوله لعلهم يهتدون. - وكذلك المرأة في المحيط النسائي قد تبصر ما لا يبصره كثير من الرجال أو لا يعرفون قدره من أنواع المنكرات والفتن التي افتتن به كثير من النساء فتتعلم طالبة العلم كيف تدعو بالقرآن في محيطها النسائي، وكيف تكشف زيف الباطل، وتنصر الحق، وتعظ من في إيمانها ضعف وفي قلبها مرض. - وكذلك إذا كثرت الفتن فإن الحاجة تزداد إلى تدبر القرآن والاهتداء به، ويكون أسعد الناس بالحق أحسنهم اسنتباطاً لما يهتدي به في تلك الفتنة كما قال الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}. وهذا فيه وعد من الله بأن يخص بعض عباده بعلم ما تهتدي به الأمة. - كذلك قد يبتلى طالب العلم بأن يكون في مجتمع يكثر فيه أصحاب ملة من الملل أو نحلة من النحل، فيجد في كتاب الله تعالى ما يرشده إلى ما يعرف به ضلالهم، ويبصره بسبل دعوتهم إلى الحق ، ومعاملتهم على الهدى الرباني الذي لا وكس فيه ولا شطط. والمقصود أن مجالات الدعوة بالتفسير مجالات كثيرة متنوعة، فليجتهد كل واحد منكم في محاولة تأهيل نفسه لسد حاجة الأمة في مجال من تلك المجالات، أو يسهم فيها. والدعوة بالتفسير وببيان معاني القرآن دعوة حسنة مباركة لتعلقها بكلام الله جل وعلا، وقد قال أبو وائل شقيق بن سلمة: استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيرًا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا). ذكره ابن كثير في تفسيره. وقال ابن حجر: (وروى يعقوب أيضا بإسناد صحيح عن أبي وائل قال قرأ بن عباس سورة النور ثم جعل يفسرها فقال رجل لو سمعت هذا الديلم لأسلمت ورواه أبو نعيم في الحلية من وجه آخر بلفظ سورة البقرة وزاد انه كان على الموسم يعني سنة خمس وثلاثين كان عثمان أرسله لما حصر). |
اجابة أسئلة لقاء علمي عن تفسير ابن كثير
س1: بيّن خصائص تفسير ابن كثير.
خصائص هذا التفسير باختصار هي: 1: التنبيه على الإسرائيليّات. 2: المعرفة الواسعة بفنون الحديث وأحوال الرجال. 3: شدّة العناية بتفسير القرآن بالقرآن. س2: بيّن باختصار أهم مصادر ابن كثير من دواوين السنّة ومن كتب التفسير ومن كتب اللغة. ما يتعلّق بالتفسير: هو ينقل عمّن سبقه من المفسرين 1- إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري، لكنه نقل البصير، ويكثر عن الطبري 2- وينقل عن ابن أبي حاتم، ويأخذ شيئا من تفسير الرازي 3- وأحيانا يأخذ عن الكشاف وأحيانا يأخذ منه لينقده نقدا، وإذا كان استشهاد ابن كثير لشيء من كلام الزمخشري يقول قال كذا ويبجّله، أما إذا انتقده يقول: وما حمله على ذلك إلا اعتزاله 4- ويأخذ كذلك عن الرازي ويردّ عليه؛ لأن الرازي صاحب علم كلام 5- ينقل عن ابن عطية –يعني في تفسيره 6- وعن الماوردي، والهداية في التفسير لمكي بن أبي طالب الخلاصة : يهتم بالتفاسير التي تُعنى بالأثر، وما وُجد من تفاسير أُخرى نقل عنها ابن كثير إنما يستفيد منها في جوانب يعلّق عليها إما استفادة، أو أنه ينقدها ويوجّه، كما نقل عن الرازيّ، ونقل عن الزمخشري. مصادره من دواوين السنة: لاشك أنها الأمهات الست، وكأنه استظهر مسند الإمام أحمد، فكثيرا ما يذكره ويقدّمه في الذكر قبل الصحيحين. ويأخذ من كتاب (الإشراف على معرفة الأطراف) لابن عساكر، و (التمهيد) لابن عبد البر، ودواوين السنة المتعددة. ومصادر ابن كثير في اللغة: (إعراب القرآن) للنحّاس، و (الزّاهر) لابن الأنباري، و (الصحاح) لأبي نصر الجوهري، ويكثر من الأخذ عنه، و (معاني القرآن) لابن الزجاج. وبمناسبة كتب اللغة: يذكر ابن كثير يقول: لا أذكر في التفسير فيما يتعلق باللغة؛ إلا ما يتوقف عليه في بيان المعنى، أما حشو التفسير بشيء من اللغة هذا لا ينبغي، واللغة مؤلفاتها لها مجال، س3: بيّن منهج ابن كثير في إيراد الإسرائيليات. تعامل الحافظ ابن كثير مع الإسرائيليات على شكلين: أولا: الإعراض عنها؛ فيترك من الإسرائيليات ما أورده غيره إعراضا عنها دون إشارة إليها. الثاني: الإيراد، وما أورده الحافظ ابن كثير من الإسرائيليات، له منه ثلاثة مواقف: -النقد العام الإجمالي. -النقد الخاص التفصيلي. -السكوت وعدم النقد. |
اجابة اسئلة الفهرسة العلمية
س1: ملاك العلم بثلاثة أمور، اذكرها مع بيان أهميّة كل أمر وبم يتحقّق.
ملاك العلم بثلاثة أمور: 1: حسن الفهم. أهميته : ملكة من رُزقها فقد أوتي خيراً كثيراً، فإنه يستجلب بها من البركة في مسائل العلم شيئاً عظيماً إذا صلحت نيّته وزكت نفسه. وحسن الفهم له أمور تعين عليه،: 1- أن تكون دراسة طالب العلم على منهج صحيح يراعى فيه التدرّج العلمي ومناسبته لحال الطالب، 2- وضبط أصول العلم الذي يدرسه، 3- وأن تكون دراسته تحت إشراف علمي من عالم أو طالب علم متمكّن ليرشده إلى ما ينفعه ويجيب على ما يشكل عليه من الأسئلة . 2: وقوة الحفظ مما يعين على قوّة الحفظ: 1- تنظيم الدراسة، 2- ومداومة النظر 3- وكثرة التكرار 4- وأن يكون للطالب أصل مختصر في العلم الذي يدرسه إما أن ينتقي كتاباً مختصراً أو يتّخذ لنفسه ملخّصاً جامعاً يدمن النظر فيه حتى ترسخ مسائله في قلبه. 3: وسَعَة الاطلاع - اذا حاوله الطالب بجهد فردي قد يكون شاقاً عسراً، وقد لا يحصل له إلا بمعاناة القراءة الكثيرة سنوات عديدة ، كما فعل ذلك بعض العلماء - بيان فائدة الفهرسة المفصّلة لمسائل العلوم، وأنّها تختصر على الدارس شيئاً كثيراً بإذن الله تعالى، وتعين على حسن فهم المسائل العلمية وتصوّرها وحفظها. س2: بين أهمية الفهرسة العلمية لطالب العلم. أن الفهرسة العلمية تفيد الدارس في استجلاء المسائل العلمية في العلم الذي يدرسه بتفصيل حسن وترتيب وتنظيم يعينه على حسن الفهم وقوة الحفظ إذا داوم على المطالعة وتعاهد هذا الفهرس بالقراءة والإضافة والتحسين. وأن طالب علم التفسير يحتاج إلى الاطلاع الواسع الحسن على مسائل علوم القرآن، ومما يسهّل عليه ذلك أن يطّلع على الأعمال المعدّة في فهرسة تلك العلوم؛ فإنّها تفيده في اكتساب المعرفة الشاملة للمسائل التي تناولها العلماء بالحديث والدراسة في ذلك العلم. وإذا واصل طالب العلم الاطلاع على مسائل علوم القرآن بهذه الطريقة وكان ذا فهم حسن وحرص على ضبط المسائل العلمية فإنّه يرجى له أن يكون واسع الاطلاع في هذه العلوم في مدّة غير طويلة بإذن الله تعالى. س3: حاجة الأمة إلى إعداد العلماء ماسة ، وضح ذلك بالدليل. إنَّ حاجة الأمة إلى العلماء ماسة، وإنّ العناية بإعداد العلماء وتهيئة السبل المعينة لطلاب العلم على حسن التحصيل وقوة التأصيل من أهمّ الواجبات العامّة على الأمّة؛ فإنّ العلماء هم رؤوس الناس؛ يصدرون عن أقوالهم وبيانهم وفتاويهم، فإن أرشدوهم بما بيّنه الله من الهدى رشدوا وأفلحوا، وإن كتموا الحقّ ولبّسوا عليهم ضلّوا وأضلّوا. ولذلك اشتدّ الوعيد على هذين النوعين من العلماء: النوع الأول: الذين يكتمون الحقّ عند الحاجة إلى بيانه، كما قال الله تعالى: {إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} قال ابن جرير رحمه الله: (وهذه الآية وإن كانت نزلت في خاصٍّ من النّاس؛ فإنّها معنيٌّ بها كلّ كاتمٍ علمًا فرض اللّه تعالى بيانه للنّاس). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار). رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. والنوع الآخر: الذين يلبسون الحقّ بالباطل؛ فيضل بتلبيسهم بعض الناس، فيكون هؤلاء الملبّسون المضلّون ممن يصد عن سبيل الله، وقد قال الله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون}. وحاجة الناس إلى من يرشدهم ويبصّرهم حاجة ماسّة لا بدّ لهم منها، فإذا لم يجدوا علماء صالحين يرشدونهم إلى الحقّ ؛ عظّموا بعض المتعالمين وصدروا عن رأيهم، ويدلّ لذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتّخذ الناس رؤوساً جهّالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا )). رواه البخاري ومسلم. فلمّا كانت حاجة النّاس للسؤال حاجة دائمة باقية ما بقوا ولم يجدوا علماء يسألونهم اتّخذوا رؤوساً جهّالاً فسألوهم. وهذا يفيدنا أن حاجة الأمّة إلى من يرشدها ويبصّرها ويبيّن لها الحق حاجة ملحّة باقية، ولا سيّما في الفتن ومدلهمّات الأمور وما تبرأ به الذمّة. ولهذا كان من أهمّ الواجبات العامّة على الأمّة إعداد العلماء الذين يسدّون هذه الحاجة، ويقومون بهذا الواجب الكفائي. ومما يعين على ذلك ويمهّد الطريق إليه إعداد طلبة علم يحسنون فهم مسائل العلم، والاستدلال لها، ويعرفون الأدلة وأقوال العلماء في أبواب العلم وأصول دراسة المسائل العلمية، ويتمكّنون من دعوة الناس لما ينفعهم ويرشدهم، ويكون لديهم من العلم بأصول ردّ الشبهات ما ينفعهم وينفعون به الأمّة – بإذن الله – فيثبُتُون عند ورود فتن الشبهات، ويثبّتون غيرهم، ويبصّرونهم بما تنجلي به تلك الشبه. وأصل بلاء الشبهة ناتج عن آفتين خطيرتين وقد تجتمعان: الآفة الأولى: الجهل. والآفة الثانية: اتّباع الهوى. وأكثر من يثير الشبهة من يتّبع الهوى، وأكثر من يتأثّر بها الجهلة، وقد قال الله تعالى: {ولا تتبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله إنّ الذين يضلّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}. والشبه خطّافة، ويزيّنها بعض الفاتنين من شياطين الإنس والجنّ بزخرف القول ليغرّوا بها الجهلة الذين لا يميّزون صحيح القول من فاسده، ولا حقّه من باطله. وقد يتركّب مع الجهل حماس شديد يؤدّي بصاحبه إلى الظلم والعدوان، فيظلم نفسَه ويظلم غيره؛ ويجتمع بهذه الفتنة عليه وعلى الأمّة أنواع من الشرور، والعياذ بالله. ومن تأمّل الأحداث التي ابتليت بها الأمّة ، وافتراق الفرق واختلاف الأهواء، ونشوء الأحزاب التي أشرب أصحابها الفتن في قلوبهم حتى جرّ ذلك بعضهم إلى سفك الدماء وانتهاك الحرمات، والمولاة والمعاداة على الأحزاب، والغلو في تعظيم بعض الأشخاص، والتهاون في شأن التكفير، وتسويغ موالاة الكفار ، كلّ ذلك سببه الجهل واتّباع الهوى في الأصل. وعلاج هاتين الآفتين: الصبر واليقين، واليقين لا يُنال إلا بالعلم. واليقين معين على الصبر ؛ فإنّه يسهل منه على صاحب اليقين ما لا يسهل على غيره ممن ضعف يقينه. |
تفسير سورة البقرة [من الآية (130) إلى الآية (134) ]
تفسير سورة البقرة [من الآية (130) إلى الآية (134) ] تفسير قوله تعالى:*{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)} تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)} معنى الآية ك قال ابن كثير: يقول تبارك وتعالى ردًّا على الكفّار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشّرك باللّه، المخالف لملّة إبراهيم الخليل، إمام الحنفاء، فإنّه جرد توحيد ربّه تبارك وتعالى، فلم يدع معه غيره، ولا أشرك به طرفة عينٍ، وتبرّأ من كلّ معبودٍ سواه، وخالف في ذلك سائر قومه، حتّى تبرّأ من أبيه ولهذا وأمثاله قال تعالى: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم} أي: عن طريقته ومنهجه. فيخالفها ويرغب عنها {إلا من سفه نفسه} أي: ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحقّ إلى الضّلال، حيث خالف طريق من اصطفي في الدّنيا للّهداية والرّشاد، من حداثة سنّه إلى أن اتّخذه اللّه خليلًا وهو في الآخرة من الصالحين السّعداء -فترك طريقه هذا ومسلكه وملّته واتّبع طرق الضّلالة والغيّ، فأيّ سفهٍ أعظم من هذا؟ أم أيّ ظلمٍ أكبر من هذا؟ سبب نزول الآية ك قال ابن كثير: وقال أبو العالية وقتادة: نزلت هذه الآية في اليهود؛ أحدثوا طريقًا ليست من عند اللّه وخالفوا ملّة إبراهيم فيما أخذوه، ويشهد لصحّة هذا القول قول اللّه تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين* إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} [آل عمران: 67، 68] المراد ب (من ) ومعناها وإعرابها ج ط قال الزجاج : معنى*{من}التقرير والتوبيخ، ولفظها لفظ الاستفهام وموضعها رفع بالابتداء، قال ابن عطية : من استفهام في موضع رفع بالابتداء، ويرغب خبره معنى (ومن يرغب عن ملة إبراهيم) ط ج ك قال الزجاج: والمعنى ما يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه قال ابن عطية: والمعنى يزهد فيها ويربأ بنفسه عنها معنى (الملة ) ج ط : الطريقة والمنهج والمذهب قال الزجاج: وهي السّنّة والمذهب قال ابن عطية: والملة الشريعة والطريقة، قال ابن كثير أي: عن طريقته ومنهجه. معنى (سفه نفسه ) ج ط ك سفه : من السفه وهو الخفة والرقة قال ابن عطيه: 1- فقال الزجاج: سفه بمعنى جهل وعداه بالمعنى، أي لم يفكر في نفسه 2- وقال غيره: سفه بمعنى أهلك نفسه وأوبقها قال ابن كثير: أي: ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحقّ إلى الضّلال معنى ( اصطفيناه) ج ط أي اختاره ونبأه واتخذه خليلا قال الزجاج : معناه:اخترناه ، ولفظه مشتق من الصفوة. قال ابن عطيه : و «اصطفى» «افتعل» من الصفوة معناه تخير الأصفى، وأبدلت التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الإطباق، ومعنى هذا الاصطفاء أنه نبأه واتخذه خليلا، قال ابن كثير: اتّخذه اللّه خليلًا معنى (الصالح) ج ط قال الزجاج :فالصالح في الآخرة الفائز تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)} معنى الآية ك قال ابن كثير: أي: أمره اللّه بالإخلاص له والاستسلام والانقياد، فأجاب إلى ذلك شرعًا وقدرًا معنى (اذ قال له ربه أسلم) ج قال الزجاج: أي: في ذلك الوقت متى كان وقت هذا القول لابراهيم ط قال ابن عطية : وكان هذا القول من الله حين ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس. والإسلام هنا على أتم وجوهه تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)} معنى الآية ك قال ابن كثير: :(وقوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب 1- أي: وصّى بهذه الملّة وهي الإسلام للّه [ 2- أو يعود الضّمير على الكلمة وهي قوله: {أسلمت لربّ العالمين}]. لحرصهم عليها ومحبّتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصّوا أبناءهم بها من بعدهم القراءات في (ووصى ) ومعناها ط ج قال ابن عطية 1- وقرأ نافع وابن عامر «وأوصى»، 2- وقرأ الباقون ووصّى، والمعنى واحد، إلا أن وصى يقتضي التكثير قال الزجاج : ووصى أبلغ من أوصى، لأن أوصى جائز أن يكون قال لهم مرة واحدة، ووصّى لا يكون إلا لمرات كثيرة. مرجع الضمير في (بها) ج ط ك قال ابن كثير: 1- أي: وصّى بهذه الملّة وهي الإسلام للّه [ 2- أو يعود الضّمير على الكلمة وهي قوله: {أسلمت لربّ العالمين}]. لحرصهم عليها ومحبّتهم لها حافظوا عليها قال ابن عطية: والأول أصوب لأنه أقرب مذكور القراءات في (ويعقوب) ومعناها ط ك 1- قال ابن عطية: واختلف في إعراب رفعه، فقال قوم من النحاة: التقدير ويعقوب أوصى بنيه أيضا، فهو عطف على إبراهيم، وقال بعضهم: هو مقطوع منفرد بقوله يا بنيّ، فتقدير الكلام ويعقوب قال يا بني 2- قال ابن كثير : وقد قرأ بعض السّلف "ويعقوب" بالنّصب عطفًا على بنيه، كأنّ إبراهيم وصّى بنيه وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكان حاضرًا ذلك، وداخل فيمن أوصى متى ولد يعقوب ك قال ابن كثير: 1- وقد ادّعى القشيريّ، فيما حكاه القرطبيّ عنه أنّ يعقوب إنّما ولد بعد وفاة إبراهيم، ويحتاج مثل هذا إلى دليلٍ صحيحٍ؛ 2- والظّاهر، واللّه أعلم، أنّ إسحاق ولد له يعقوب في حياة الخليل وسارّة؛ لأنّ البشارة وقعت بهما في قوله: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هودٍ: 71] أدله هذا القول : 1- وقد قرئ بنصب يعقوب هاهنا على نزع الخافض، فلو لم يوجد يعقوب في حياتهما لما كان لذكره من بين ذرّيّة إسحاق كبير فائدةٍ، 2- وأيضًا فقد قال اللّه تعالى في سورة العنكبوت: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب وآتيناه أجره في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} [الآية: 27] وقال في الآية الأخرى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً} [الأنبياء: 72] وهذا يقتضي أنّه وجد في حياته، 3- وأيضًا فإنّه باني بيت المقدس، كما نطقت بذلك الكتب المتقدّمة، وثبت في الصّحيحين من حديث أبي ذرٍّ قلت: يا رسول اللّه، أيّ مسجدٍ وضع أوّل؟ قال: "المسجد الحرام"، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: "بيت المقدس". قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنةً" الحديث. فزعم ابن حبّان أنّ بين سليمان الذي اعتقد أنّه باني بيت المقدس -وإنّما كان جدّده بعد خرابه وزخرفه -وبين إبراهيم أربعين سنةً، وهذا ممّا أنكر على ابن حبّان، فإنّ المدّة بينهما تزيد على ألوف سنين، واللّه أعلم، 4- وأيضًا فإنّ ذكر وصيّة يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبًا، وهذا يدلّ على أنّه هاهنا من جملة الموصين. معنى (اصطفى لكم الدين) ط قال ابن عطية: واصطفى هنا معناه تخير صفوة الأديان، والألف واللام في الدّين للعهد، لأنهم قد كانوا عرفوه، وكسرت إنّ بعد وصّى لأنها بمعنى القول ولذلك سقطت «إن» التي تقتضيها «وصى» في قوله «أن يا بني»، وقرأ ابن مسعود والضحاك «أن يا بني» بثبوت أن. معنى (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ج ط ك الالتزام بالإسلام والإحسان في الدنيا حتى يأتيكم الموت عليه قال الزجاج : ألزموا الإسلام، فإذا أدرككم الموت ، صادفكم مسلمين قال ابن عطية: وقوله تعالى: فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون إيجاز بليغ، وذلك أن المقصود منه أمرهم بالإسلام والدوام عليه، فأتى ذلك بلفظ موجز يقتضي المقصود ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت، وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى؟ فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه، فقد توجه من وقت الأمر دائبا لازما، قال ابن كثير: أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم اللّه الوفاة عليه. فإنّ المرء يموت غالبًا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه.. مسألة ج قال الزجاج: إن قال قائل: كيف ينهاهم عن الموت، وهم إنما يماتون، فإنما وقع هذا على سعة الكلام، وما تكثر استعماله " العرب " نحو قولهم: " لا أرينك ههنا "، فلفظ النهي إنما هو للمتكلّم، وهو في الحقيقة للمكلّم. المعنى: لا تكونن ههنا ، فإن من كان ههنا - رأيته مسألة العمل الصالح والموت عليه ك قال ابن كثير: وقد أجرى اللّه الكريم عادته بأنّ من قصد الخير وفّق له ويسّر عليه. ومن نوى صالحًا ثبت عليه. وهذا لا يعارض ما جاء، في الحديث [الصّحيح] "إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا باعٌ أو ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها. وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل النّار حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا باعٌ أو ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها"؛ لأنّه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث: "فيعمل بعمل أهل الجنّة فيما يبدو للنّاس، ويعمل بعمل أهل النّار فيما يبدو للنّاس تفسير قوله تعالى:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} معنى الآية ك قال ابن كثير: يقول تعالى محتجًّا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل، وعلى الكفّار من بني إسرائيل -وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السّلام -بأنّ يعقوب لمّا حضرته الوفاة وصّى بنيه بعبادة اللّه وحده لا شريك له، فقال لهم: {ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} المراد ب (أم ) في الآية قال ابن عطية: 1- وأم تكون بمعنى ألف الاستفهام في صدر الكلام لغة يمانية، وحكى الطبري أن أم يستفهم بها في وسط كلام قد تقدم صدره، وهذا منه، ومنه أم يقولون افتراه 2- وقال قوم: أم بمعنى بل، والتقدير بل شهد أسلافكم يعقوب وعلمتم منهم ما أوصى به، ولكنكم كفرتم جحدا ونسبتموهم إلى غير الحنيفية عنادا، والأظهر أنها التي بمعنى بل وألف الاستفهام معا الخطاب في الآية ط ك الخطاب لمشركي العرب وكفار بني إسرائيل قال ابن عطية: هذا الخطاب لليهود والنصارى الذين انتحلوا الأنبياء صلوات الله عليهم ونسبوهم إلى اليهودية والنصرانية، فرد الله تعالى عليهم وكذبهم، وأعلمهم أنهم كانوا على الحنيفية والإسلام، وقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ: أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدعون عن علم؟، أي لم تشهدوا بل أنتم تفترون، قال ابن كثير: يقول تعالى محتجًّا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل، وعلى الكفّار من بني إسرائيل معنى (شهداء) ط قال ابن عطية: و «شهداء» جمع شاهد أي حاضر معنى (إذ حضر يعقوب الموت) ط قال ابن عطية: ومعنى الآية حضر يعقوب مقدمات الموت، وإلا فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا، فائدة تقديم (يعقوب ) ط قال ابن عطية: وقدم يعقوب على جهة تقديم الأهم، قصة موت يعقوب ط قال ابن عطية: وحكي أن يعقوب عليه السلام حين خير كما يخير الأنبياء اختار الموت، وقال أمهلوني حتى أوصي بنيّ وأهلي، فجمعهم وقال لهم هذا فاهتدوا وقالوا: نعبد إلهك الآية، فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بالله تعالى فائدة من صيغة سؤال يعقوب لأبناءه (ما تعدون من بعدي) ط قال ابن عطية: وعبر عن المعبود بما تجربة لهم، ولم يقل من لئلا يطرق لهم الاهتداء، وإنما أراد أن يختبرهم، وأيضا فالمعبودات المتعارفة من دون الله تعالى جمادات كالأوثان والنار والشمس والحجارة فاستفهمهم عما يعبدون من هذه، ومن بعدي أي من بعد موتي سبب ذكر إسماعيل وتقديمه ط ك قال ابن عطية: ودخل إسماعيل في الآباء لأنه عمّ. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في العباس: «ردوا علي أبي، إني أخاف أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود». وقال عنه في موطن آخر: «هذا بقية آبائي»، ومنه قوله عليه السلام: «أنا ابن الذبيحين» على القول الشهير في أن إسحاق هو الذبيح. يقال قدم إسماعيل لأنه أسن من إسحاق قال ابن كثير: وهذا من باب التّغليب لأنّ إسماعيل عمّه. قال النّحّاس: والعرب تسمّي العمّ أبًا، نقله القرطبيّ سبب تكرار لفظ إله ط قال ابن عطية: وإلهاً بدل من إلهك، وكرره لفائدة الصفة بالوحدانية، معنى( إلها واحدا) ك قال ابن كثير: وقوله: {إلهًا واحدًا} أي: نوحّده بالألوهيّة، ولا نشرك به شيئًا غيره معنى (ونحن له مسلمون ) ط ك قال ابن كثير: {ونحن له مسلمون} أي: مطيعون خاضعون مسالة جل الجد أبا في الميراث ك قال ابن كثير: ؛ وقد استدلّ بهذه الآية من جعل الجدّ أبًا وحجب به الإخوة، كما هو قول الصّديق -حكاه البخاريّ عنه من طريق ابن عبّاسٍ وابن الزّبير، ثمّ قال البخاريّ: ولم يختلف عليه، وإليه ذهبت عائشة أمّ المؤمنين، وبه يقول الحسن البصريّ وطاوسٌ وعطاءٌ، وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحدٍ من علماء السّلف والخلف؛ وقال مالكٌ والشّافعيّ وأحمد في المشهور عنه أنّه يقاسم الإخوة؛ وحكى مالكٌ عن عمر وعثمان وعليٍّ وابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ وجماعةٍ من السّلف والخلف، واختاره صاحبا أبي حنيفة القاضي: أبو يوسف، ومحمّد بن الحسن، ولتقريرها موضعٌ آخر. تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)} معنى خلت ج ط ك قال الزجاج وابن كثير: خلت :مضت قال ابن عطية: ومعناه ماتت وصارت إلى الخلاء من الأرض المراد بالأمة ط قال ابن عطية: ويعني بالأمة الأنبياء المذكورون المخاطبين بالآية ومعناها ط ك قال ابن عطية: والمخاطب في هذه الآية اليهود والنصارى، أي أنتم أيها الناحلون اليهودية والنصرانية، ذلك لا ينفعكم، لأن كل نفس لها ما كسبت من خير وشر، فخيرهم لا ينفعكم إن كسبتم شرا، الرد على الجبرية بهذه الآية ط قال ابن عطية: وفي هذه الآية رد على الجبرية القائلين لا اكتساب للعبد، ولا تسألون عمّا كانوا يعملون فتنحلوهم دينا معنى( لها ما كسبت ولكم ما كسبتم)ك قال ابن كثير: {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} أي: إنّ السّلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرًا يعود نفعه عليكم، فإنّ لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم: {ولا تسألون عمّا كانوا يعملون} معنى (ولا تسألون عما كانوا يعملون) ج قال الزجاج: المعنى:إنما تسألون عن أعمالكم) |
تفسير سورة البقرة [من الآية (135) إلى الآية (138) ]
تفسير سورة البقرة [من الآية (135) إلى الآية (138) ]
تفسير قوله تعالى:*{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)} تفسير قوله تعالى: {َقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)} معنى قوله تعالى (كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) ج قال الزجاج : المعنى:قالت اليهود: كونوا هودا، وقالت النصارى: كونوا نصارى. وجزم تهتدوا على الجواب للأمر، وإنما معنى الشرط قائم في الكلمة. المعنى:إن تكونوا على هذه الملة تهتدوا سبب نزول الآية ك قال ابن كثير: عن ابن عبّاسٍ، قال: قال عبد اللّه بن صوريا الأعور لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما الهدى إلّا ما نحن عليه، فاتّبعنا يا محمّد تهتد. وقالت النّصارى مثل ذلك. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا} إعراب تهتدوا ج قال الزجاج: وجزم تهتدوا على الجواب للأمر، وإنما معنى الشرط قائم في الكلمة. القراءات في ملة وإعرابها ومعناها ج ط ذكر الزجاج وابن عطية فيها وجهان : 1- نصب الملة : 1- تنصب الملة على تقدير: - بل نتبع ملة إبراهيم ج ط - ويجوز أن تنصب على معنى: بل نكون أهل ملة إبراهيم ج - وقيل نصبت على الإغراء ط 2- الرفع : وقرأ الأعرج وابن أبي عبلة «بل ملة» بالرفع 1- والتقدير بل الهدى ملة ط 2- ومجاز الرفع على معنى: قل: ملتنا وديننا ملة إبراهيم ج إعراب حنيفا ج ط قال ابن عطية : 1- وحنيفاً حال ج ط 2- وقيل نصب بإضمار فعل، لأن الحال تعلق من المضاف إليه ط معنى حنيفاً ج ط ك معنى الحنف في اللغة : قال ابن عطية : 1- والحنف الميل، ومنه الأحنف لمن مالت إحدى قدميه إلى الأخرى، والحنيف في الدين الذي مال عن الأديان المكروهة إلى الحق ج ط 2- وقال قوم: الحنف الاستقامة، وسمي المعوج القدمين أحنف تفاؤلا ط معنى حنيفا في الشرع : 1- قال القرظي : مستقيما . ك ط ج 2- قال مجاهد : مخلصا . ك 3- عن مجاهد والربيع بن أنس : حنيفا أي متبعا . ك 4- قال قتاده : الحنيفيّة: شهادة أن لا إله إلّا اللّه. يدخل فيها تحريم الأمّهات والبنات والخالات والعمّات وما حرّم اللّه، عزّ وجلّ والختان. ك ه - خصص بعض المفسرين الحنيف : قال قوم: الحنيف الحاج، وقال آخرون: المختتن، وهذه أجزاء الحنف. ك ط خلاصة الأقوال : قال ابن عطية وابن كثير والزجاج : الحنيف في الدين المستقيم على جميع طاعات الله عز وجل، معنى قوله تعالى (بل مله إبراهيم حنيفا) ج ك قال الزجاج : بل نتبع ملة إبراهيم في حال حنيفته، قال ابن كثير: لا نريد ما دعوتم إليه من اليهوديّة والنّصرانيّة، بل نتّبع {ملّة إبراهيم حنيفًا} تفسير قوله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)} سبب نزول الآية ك قال ابن كثير: وقال البخاريّ: عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التّوراة بالعبرانيّة ويفسّرونها بالعربيّة لأهل الإسلام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنّا باللّه وما أنزل إلينا " الخطاب في الآية ط قال ابن عطية: هذا الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، علمهم الله الإيمان، وما أنزل إلينا يعني به القرآن، وصحت إضافة الإنزال إليهم من حيث هم المأمورون المنهيون فيه، معنى الآية ط ك قال ابن كثير: أرشد اللّه تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم مفصّلًا وبما أنزل على الأنبياء المتقدّمين مجملًا ونصّ على أعيانٍ من الرّسل، وأجمل ذكر بقيّة الأنبياء، وأن لا يفرّقوا بين أحدٍ منهم، بل يؤمنوا بهم كلّهم، ولا يكونوا كمن قال اللّه فيهم: {ويريدون أن يفرّقوا بين اللّه ورسله ويقولون نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقًّا} [النّساء: 150، 151]. الجمع في (إبراهيم وإسماعيل) ط قال ابن عطية: وإبراهيم وإسماعيل يجمعان 1- براهيم وسماعيل، هذا هو اختيار سيبويه والخليل، 2- وقال قوم «براهم»، 3- وقال الكوفيون: «براهمة وسماعلة»، 4- وقال المبرد: «أباره وأسامع»، وأجاز ثعلب «براه» كما يقال في التصغير «بريه»، المراد ب ( الأسباط) ط ك هم ولد يعقوب عليه السلام وتفرعت منه قبائل بني إسرائيل . قال ابن عطية: والأسباط هم ولد يعقوب، وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وربالون ويشحر ودنية بنته وأمهم ليا، ثم خلف على أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين، وولد له من سريتين ذان وتفثالي وجاد وأشرو، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل قال ابن كثير: وقال أبو العالية والرّبيع وقتادة: الأسباط: بنو يعقوب اثنا عشر رجلًا؛ ولد كلّ رجلٍ منهم أمّةً من النّاس، فسمّوا الأسباط. وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل، كالقبائل في بني إسماعيل؛ وقال الزّمخشريّ في الكشّاف: الأسباط: حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثنى عشر، وقد نقله الرّازيّ عنه، وقرّره ولم يعارضه. وقال البخاريّ: الأسباط: قبائل بني إسرائيل، وهذا يقتضي أنّ المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل، وما أنزل اللّه تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم، كما قال موسى لهم: {اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} [المائدة: 20] وقال تعالى: {وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطًا أممًا} سبب تسمية الأسباط ومعناها بذلك ط ك قال ابن كثير: وقال القرطبيّ: 1- وسمّوا الأسباط من السّبط، وهو التّتابع، فهم جماعةٌ متتابعون. 2- وقيل: أصله من السّبط، بالتّحريك، وهو الشّجر، أي: هم في الكثرة بمنزلة الشّجر الواحدة سبطةٌ. قال القرطبيّ: والسّبط: الجماعة والقبيلة، الرّاجعون إلى أصلٍ واحدٍ. وذكره ابن عطيه الأنبياء وعددهم ك قال ابن كثير: قال الزّجّاج: ويبيّن لك هذا: م،ن ابن عبّاسٍ، قال: كلّ الأنبياء من بني إسرائيل إلّا عشرةً: نوحٌ وهودٌ وصالحٌ وشعيبٌ وإبراهيم ولوطٌ وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمّدٌ -عليهم الصّلاة والسّلام. المراد بقوله تعالى (وما أوتي موسى وعيسى ) ط قال ابن عطية: وما أوتي موسى هو التوراة وآياته، و «ما أوتي عيسى» هو الإنجيل وآياته المراد بالإيمان بما أوتي الرسل ك قال ابن كثير: قال قتادة: أمر اللّه المؤمنين أن يؤمنوا به، ويصدقوا بكتبه كلّها وبرسله. وقال سليمان بن حبيبٍ: إنّما أمرنا أن نؤمن بالتّوراة والإنجيل، ولا نعمل بما فيهما. وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن محمّد بن مصعب الصّوريّ، حدّثنا مؤمّل، حدّثنا عبيد الله بن أبي حميدٍ، عن أبي المليح، عن معقل بن يسارٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "آمنوا بالتّوراة والزّبور والإنجيل وليسعكم القرآن" معنى قوله تعالى (لا نفرق بين أحد منهم ) ج ط قال الزجاج: المعنى:*لا نكفر ببعض ، ونؤمن ببعض) مرجع الضمير في (له مسلمون ) ط قال ابن عطية : والضمير في له عائد على اسم الله عز وجل الحذف في (لا نفرق بين أحد منهم ) وسببه ط قال ابن عطية : وفي الكلام حذف تقديره: بين أحد منهم وبين نظيره، فاختصر لفهم السامع مسألة : اختلاف شرائع الأنبياء و اتفاقها وحكم العمل بما سبق ج ط قال الزجاج : قال عزّ وجلّ:*{إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} فلم يبعث نبي إلا به. وإن اختلفت شرائعهم، فالعقد توحيد اللّه عزّ وجلّ والإيمان برسله وإن اختلفت الشرائع، إلا أنّه لا يجوز أن تترك شريعة نبي، أو يعمل بشريعة نبي قبله تخالف شريعة نبي الأمة التي يكون فيها، قال ابن عطية : فالمعنى أنا نؤمن بجميع الأنبياء لأن جميعهم جاء بالإيمان بالله، فدين الله واحد وإن اختلفت أحكام الشرائع، ولا نفرّق بين أحدٍ منهم أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما تفعلون تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)} الخطاب في الآية ط قال ابن عطية: خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته. معنى قوله تعالى (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) ج ط ك قال ابن عطية: 1- والمعنى إن صدقوا تصديقا مثل تصديقكم وذكر الزجاج وابن كثير نحو ذلك مسألة المماثلة بين الإيمانين ط قال ابن عطية: 1- المعنى إن صدقوا تصديقا مثل تصديقكم فالمماثلة وقعت بين الإيمانين 2- وقيل الباء زائدة مؤكدة، والتقدير آمنوا مثل 3- وقيل «مثل» زائدة كما هي في قوله ليس كمثله شيءٌ 4- وقالت فرقة: هذا من مجاز الكلام، تقول هذا أمر لا يفعله مثلك أي لا تفعله أنت، فالمعنى فإن آمنوا بالذي آمنتم به، هذا قول ابن عباس، وقد حكاه عنه الطبري قراءة، ثم أسند إليه أنه قال: «لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، فإنه لا مثل لله تعالى، ولكن قولوا فإن آمنوا بالذي آمنتم أو بما آمنتم به». معنى اهتدوا ج ك قال الزجاج: أي: فقد صاروا مسلمين مثلكم. قال ابن كثير: أي: فقد أصابوا الحقّ، وأرشدوا إليه القراءات في قوله تعالى( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به) ط قال ابن عطية: هذا قول ابن عباس، وقد حكاه عنه الطبري قراءة، ثم أسند إليه أنه قال: «لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، فإنه لا مثل لله تعالى، ولكن قولوا فإن آمنوا بالذي آمنتم أو بما آمنتم به». قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا على جهة التفسير، أي هكذا فليتأول، وحكاهما أبو عمرو الداني قراءتين عن ابن عباس فالله أعلم. معنى تولوا ط ك قال ابن عطية: وإن تولّوا أي أعرضوا قال ابن كثير: أي: عن الحقّ إلى الباطل مرجع الضمير في آمنوا - تولوا - به ك ط قال ابن كثير وابن عطية: تولوا آمنوا يعني به اليهود والنصارى قال ابن عطية : به والضمير في به عائد كالضمير في له، فكأن الكلام فإن آمنوا بالله مثل ما آمنتم به، ويظهر عود الضمير على ما معنى قوله تعالى (فإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ) ك قال ابن كثير: {وإن تولّوا} أي: عن الحقّ إلى الباطل، بعد قيام الحجّة عليهم {فإنّما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم اللّه} أي: فسينصرك عليهم ويظفرك بهم {وهو السّميع العليم} معنى شقاق واشتقاقها ج ط قال الزجاج وابن عطية: المشاقة و العداوة والمخالفة قال ابن عطية: 1- أي في شقاق لك هم في شق وأنت في شق ذكره الزجاج 2- وقيل: شاق معناه شق كل واحد وصل ما بينه وبين صاحبه معنى قوله تعالى (فسيكفيكهم الله) ج ط ك هذا وعد بالنصر والغلبه من الله تعالى قال الزجاج : هذا ضمان من اللّه عزّ وجلّ في النصر لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إنما يكفيه إياهم بإظهار ما بعثه به على كل دين سواه، قال ابن عطية: ثم وعده تعالى أنه سيكفيه إياهم ويغلبه عليهم، فكان ذلك في قتل بني قينقاع وبني قريظة وإجلاء النضير. وهذا الوعد وانتجازه من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير: أي: فسينصرك عليهم ويظفرك بهم شبهه قتل الأنبياء وهل هي ضد النصر ؟ ج قال الزجاج: فإن قال قائل : فإن من الرسل من قتل. فإن تأويل ذلك - والله أعلم - : 1- أن اللّه غالب هو ، ورسله بالحجة الواضحة، والآية البينة، ويجوز أن تكون غلبة الآخرة ؛ لأن الأمر هو على ما يستقر عليه في العاقبة. 2- وقد قيل: إن الله لم يأمر رسولاً بحرب ، فاتبع ما أمره الله به في حربه إلا غلب، فعلى هذا التأويل : يجوز أن يكون لم يقتل رسول قط محارباً معنى قوله تعالى (السميع العليم ) ط قال ابن عطية: والسّميع لقول كل قائل، العليم بما يجب أن ينفذ في عباده تفسير قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)} إعراب ( صبغة الله) ج ط ك 1- الرفع قال الزجاج : يجوز أن ترفع الصبغة على إضمار هي، كأنهم قالوا: هي صبغة اللّه ، 2- النصب قال ابن عطية: 1- نصب الصبغة على الإغراء أي الزموا ذلك ك 2- وقيل بدل من ملة ج ك 3- وقيل نصب على المصدر المؤكد لأن ما قبله من قوله فقد اهتدوا هو في معنى يلبسون أو يتجللون صبغة الله ك 4- وقيل: التقدير ونحن له مسلمون صبغة الله، فهي متصلة بالآية المتقدمة القراءات في (صبغة الله) ط قال ابن عطية: وقال الطبري من قرأ برفع «ملة» قرأ برفع «صبغة». قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد ذكرتها عن الأعرج وابن أبي عبلة. سبب التسمية بالصبغة ج ط قال ابن عطية: 1- قال كثير من المفسرين: وذلك أن النصارى لهم ماء يصبغون فيه أولادهم، فهذا ينظر إلى ذلك وقال الزجاج : ويقولون هذا تطهير كما أن الختان تطهير لكم 2- وقيل: سمي الدين صبغة استعارة من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر الصبغ في الثوب وغيره معنى الصبغة والمراد ب( صبغه الله ) في الآية ج ط ك قال الزجاج وابن عطية وابن كثير: أي دين الله وشريعته وفطرته وهي ملة إبراهيم عليه السلام وقال الزجاج قولان آخران 1- أي:التطهير الذي أمر به مبالغ في النظافة. 2- ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - صبغة الله،أي:خلقة اللّه جلّ وعزّ الخلق، فيكون المعنى:. أن اللّه ابتدأ الخلق على الإسلام، ويكون دليل هذا القول قول الله عزّ وجلّ:*{وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} إعراب (ونحن له عابدون) ط قال ابن عطية: ونحن له عابدون ابتداء وخبر |
تفسير سورة البقرة [من الآية (139) إلى الآية (141) ]
تفسير سورة البقرة [من الآية (139) إلى الآية (141) ]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)} تفسير قوله تعالى:{قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)} القراءات في (أتحاجوننا) ج ط فيها وجهين : أتحاجوننا – أتحاجونا قال الزجاج : فأجودها:*{أتحاجوننا}*بنونين ، وإن شئت بنون واحدة*{أتحاجونّا}*على إدغام الأولى في الثانية ، وهذا وجه جيد قال ابن عطية: وقرأ ابن محيصن «أتحاجونا» بإدغام النون في النون، وخف الجمع بين ساكنين لأن الأول حرف مد ولين، فالمد كالحركة، معنى الآية ج ط ك قال الزجاج: أن الله عزّ وجلّ أمر المسلمين أن يقولوا لليهود الذين ظاهروا من لا يوحد اللّه عزّ وجلّ من النصارى وعبدة الأوثان، فأمر الله أن يحتج عليهم بأنكم تزعمون أنكم موحدون، ونحن نوحّد ، فلم ظاهرتم من لا يوحّد الله جلّ وعزّ:{وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم}: ثم أعلموهم : أنهم مخلصون، وإخلاصهم إيمانهم بأن الله عزّ وجلّ واحد، وتصديقهم جميع رسله، فاعلموا أنهم مخلصون، دون من خالفهم) قال ابن عطية: قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى الذين زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وادعوا أنهم أولى بالله منكم لقدم أديانهم وكتبهم: أتحاجّوننا في اللّه؟ أي أتجاذبوننا الحجة على دعواكم، والرب تعالى واحد وكل مجازى بعمله، فأي تأثير لقدم الدين؟، ثم وبخوا بقوله ونحن له مخلصون أي ولم تخلصوا أنتم، فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم؟. المخاطب في الآية والمأمورون بخطابهم ك ط ج الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام وللمسلمين من بعده ، أن يقولوا لمن لم يوحد الله من المشركين وأهل الكتاب قال الزجاج: أن الله عزّ وجلّ أمر المسلمين أن يقولوا لليهود الذين ظاهروا من لا يوحد اللّه عزّ وجلّ من النصارى وعبدة الأوثان قال ابن عطية : قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى الذين زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وادعوا أنهم أولى بالله منكم لقدم أديانهم وكتبهم: قال ابن كثير: يقول اللّه تعالى مرشدًا نبيّه صلوات اللّه وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين معنى (أتحاجوننا) ك ط المحاجة : هي مجاذبة الحجة والمناظرة قال ابن كثير: أي: أتناظروننا في توحيد اللّه والإخلاص له والانقياد، واتّباع أوامره وترك زواجره قال ابن عطية: أي أتجاذبوننا الحجة على دعواكم مسألة المحاجّة ج ط ك المحاجة كانت في التوحيد واتباع دينه وعدم مظاهره المشركين قال الزجاج : فأمر الله أن يحتج عليهم بأنكم تزعمون أنكم موحدون، ونحن نوحّد ، فلم ظاهرتم من لا يوحّد الله جلّ وعز قال ابن عطية: أي أتجاذبوننا الحجة على دعواكم، والرب تعالى واحد وكل مجازى بعمله، فأي تأثير لقدم الدين؟ قال ابن كثير: أي: أتناظروننا في توحيد اللّه والإخلاص له والانقياد، واتّباع أوامره وترك زواجره معنى (في الله) ط قال ابن عطية: وفي اللّه معناه في دينه والقرب منه والحظوة لديه قال ابن كثير : أي: أتناظروننا في توحيد اللّه والإخلاص له والانقياد، واتّباع أوامره وترك زواجره معنى (وهو ربنا وربكم) ك قال ابن كثير: المتصرّف فينا وفيكم، المستحقّ لإخلاص الإلهيّة له وحده لا شريك له معنى (ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم) ك قال ابن كثير: أي: نحن برآء منكم، وأنتم برآء منّا المقصود بالإخلاص ك ج قال ابن كثير: أي في العبادة والتّوجّه قال الزجاج: وإخلاصهم إيمانهم بأن الله عزّ وجلّ واحد، وتصديقهم جميع رسله فائدة الأسلوب في قوله تعالى (ونحن له مخلصون) ط ج التوبيخ ، وبيان أخلاصهم في التوحيد دون غيرهم قال الزجاج: فاعلموا أنهم مخلصون، دون من خالفهم قال ابن عطية: ثم وبخوا بقوله ونحن له مخلصون أي ولم تخلصوا أنتم، فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم؟. تفسير قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)} علاقة الآية بما قبلها ج قال الزجاج : كأنّهم قالوا لهم: بأيّ الحجتين تتعلّقون في أمرنا؟، أبالتوحيد ، فنحن موحدون، أم باتباع دين الأنبياء ، فنحن متبعون؟ القراءات في (أم تقولون) وإعرابها ط فيها قراءتان : 1- أم تقولون فتكون أم عطف على ألف الاستفهام المتقدمة 2- أم يقولون فتكون إعراب أم . أ - وأم على هذه القراءة مقطوعة، ذكره الطبري. ب - وحكي عن بعض النحاة أنها ليست بمقطوعة لأنك إذا قلت أتقوم أم يقوم عمرو؟ فالمعنى أيكون هذا أم هذا؟. رده ابن عطية ذكر القراءات ابن عطية وإعرابها ثم قال : وقيل إن أم في هذا الموضع غير معادلة على القراءتين، وحجة ذلك اختلاف معنى الآيتين وإنهما ليسا قسمين، بل المحاجة موجودة في دعواهم الأنبياء عليهم السلام، ووقفهم تعالى على موضع الانقطاع في الحجة، لأنهم إن قالوا إن الأنبياء المذكورين على اليهودية والنصرانية كذبوا، لأنه قد علم أن هذين الدينين حدثا بعدهم، وإن قالوا لم يكونوا على اليهودية والنصرانية قيل لهم فهلموا إلى دينهم إذ تقرون بالحق. معنى قوله تعالى ( أم تقولون إن ابراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ) ج ط ك قال الزجاج: كأنّهم قالوا لهم: بأيّ الحجتين تتعلّقون في أمرنا؟، أبالتوحيد ، فنحن موحدون، أم باتباع دين الأنبياء ، فنحن متبعون؟. قال ابن كثير: ثمّ أنكر تعالى عليهم، في دعواهم أنّ إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط كانوا على ملّتهم، إمّا اليهوديّة وإمّا النّصرانيّة معنى قوله تعالى (قل ءأنتم أعلم أم الله )ج ط ك استفهام تقرير وإنكار لفساد دعواهم وأن الله يعلم أنهم ما كانوا على اليهودية والنصرانية قال الزجاج: أن النبي الذي أتانا بالآيات المعجزات ، وأتاكم بها أعلمكم، وأعلمنا أن الإسلام دين هؤلاء الأنبياء. قال ابن عطية: تقرير على فساد دعواهم إذ لا جواب لمفطور إلا أن الله تعالى أعلم قال ابن كثير: أنكر تعالى عليهم، في دعواهم أنّ إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط كانوا على ملّتهم، إمّا اليهوديّة وإمّا النّصرانيّة فقال: {قل أأنتم أعلم أم اللّه} يعني: بل اللّه أعلم، وقد أخبر أنّهم لم يكونوا هودًا ولا نصارى، كما قال تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين} الآية والتي بعدها [آل عمران: 67،68]. المراد بالأسباط ج قال الزجاج: هم الذين من ذرية الأنبياء، والأسباط اثنا عشر سبطا ً، وهم ولد يعقوب عليه السلام معنى السبط في اللغة واشتقاقها ج قال الزجاج : ومعنى السبط في اللغة: الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد، والسبط في اللغة الشجرة، فالسبط، الذين هم من شجرة واحدة. المقصودين بقوله تعالى(ومن أظلم ممكن كتم شهادة عنده من الله) ومعناها ج ط قال الزجاج هؤلاء الذين هم علماء اليهود؛ لأنهم قد علموا أن رسالة النبي حق، وإنما كفروا حسداً، كما قال الله عزّ وجلّ، وطلباً لدوام رياستهم ، وكسبهم؛ لأنهم كانوا يتكسبون بإقامتهم على دينهم، فقيل: ومن أظلم ممن كتم أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا أحد أظلم منه قال ابن عطية: ومن أظلم لفظه الاستفهام والمعنى لا أحد أظلم منهم، وإياهم أراد تعالى بكتمان الشهادة. المراد بالشهادة ط ك قال ابن عطية: واختلف في الشهادة هنا ما هي؟ 1- فقال مجاهد والحسن والربيع: هي ما في كتبهم من أن الأنبياء على الحنيفية لا على ما ادعوا هم، 2- وقال قتادة وابن زيد: هي ما عندهم من الأمر بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه، والأول أشبه بسياق معنى الآية ذكر ابن كثير الأول بما استدل به فقال : قال الحسن البصريّ: كانوا يقرؤون في كتاب اللّه الذي أتاهم: إنّ الدّين [عند اللّه] الإسلام، وإنّ محمّدًا رسول اللّه، وإنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا برآء من اليهوديّة والنّصرانيّة، فشهد اللّه بذلك، وأقرّوا به على أنفسهم للّه، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك. تعلق ( من الله) ومعناها ط قال ابن عطية: واستودعهم الله تعالى هذه الشهادة ولذلك قال: من اللّه: 1- ف من على هذا متعلقة ب عنده، كأن المعنى شهادة تحصلت له من الله 2- ويحتمل أن تتعلق من ب كتم، أي كتمها من الله. معنى قوله تعالى (وما الله بغافل عما تعملون) ج ط ك خطاب تهديد ووعيد وإعلام بأن الله يعلم كتمانهم ،وسيجازيهم بها قال الزجاج: من كتمانكم ما علمته من صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عطية: وعيد وإعلام أنه لا يترك أمرهم سدى، وأن أعمالهم تحصل ويجازون عليها قال ابن كثير: [فيه] تهديدٌ ووعيدٌ شديدٌ، أي: [أنّ] علمه محيطٌ بعملكم، وسيجزيكم عليه معنى الغافل واشتقاقها ط قال ابن عطية: والغافل الذي لا يفطن للأمور إهمالا منه، مأخوذ من الأرض الغفل، وهي التي لا معلم بها تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)} سبب تكرار الآية و معناها في كل مره ط قال ابن عطية : كررها عن قرب لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف، أي إذا كان أولئك الأنبياء على إمامتهم وفضلهم يجازون بكسبهم فأنتم أحرى، فوجب التأكيد، فلذلك كررها، ولترداد ذكرهم أيضا في معنى غير الأول معنى( قد خلت ) ك قال ابن كثير: أي: قد مضت معنى قوله تعالى (لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ) ج ك قال الزجاج: لها ثواب ما كسبت، ولكم ثواب ما كسبتم قال ابن كثير: : لهم أعمالهم ولكم أعمالكم معنى قوله تعالى ( ولا تسألون عما كانوا يعملون) ك قال ابن كثير: وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم، من غير متابعةٍ منكم لهم، ولا تغترّوا بمجرّد النّسبة إليهم حتّى تكونوا مثلهم منقادين لأوامر اللّه واتّباع رسله، الّذين بعثوا مبشّرين ومنذرين، فإنّه من كفر بنبيٍّ واحدٍ فقد كفر بسائر الرّسل، ولا سيّما من كفر بسيّد الأنبياء، وخاتم المرسلين ورسول ربّ العالمين إلى جميع الإنس والجنّ من سائر المكلّفين |
اقتباس:
أحسنتِ جدًا عبير فيما استخرجتِ من فوائد وإليكِ بعض الملحوظات اليسيرة. - لو رتبتِ الفوائد على ترتيب الآيات لكان أفضل. - قفي مع كل كلمة وتأمليها وحاولي استنباط الفائدة السلوكية منها ؛ مثلا ما استفدناه من قوله عز وجل : { ومما رزقناهم ينفقون }. - المصادر الخماسية مثل : الاتكال والاجتهاد ؛ همزتها همزة وصل. وكذلك المصادر السداسية مثل الاستعاذ. الدرجة : 10 / 10 بارك الله فيكِ ونفع بكِ. |
مجلس مذاكرة تفسير سور: النبأ، والنازعات، وعبس، والتكوير.
المجموعة الأولى: السؤال الأول: اذكر المعنى اللغوي للمفردات التالية:- أ: النبأ العظيم هو الخبر الهائل المفظع ب: سباتا السبات: هو الانقطاع عن الحركة ج: ثجاجا الثج: الصّبّ المتتابع الكثير د: ألفافا ملتفه بعضها على بعض السؤال الثاني: استخلص المسائل فقط التي ذكرها المفسّرون في تفسيرهم لقوله تعالى:- (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)) النبأ. قوله تعالى: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) ) مناسبة الآية المراد بــ(يوم الفصل) معنى (ميقاتًا) سبب تسمية الفصل بهذا الاسم؟ * قوله تعالى: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) ) معنى الصور المراد بـ (تأتون) معنى (أفواجًا) مقدار ما بين النفختين بعض أهوال يوم القيامة * قوله تعالى: (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) ) المراد بــ (فكانت أبوابًا) سبب فتح السماء أبوابًا * قوله تعالى: (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) ) معنى(سُيِّرت الجبال ) معنى (فكانت سرابًا) السؤال الثالث: اذكر مع الترجيح الأقوال الواردة في تفسير:- أ: معنى "دهاقا". 1- صافية 2- المتتابعة 3- الملأى ، زاد ابن عباس وصف التتابع فقال: (وكأسًا دهاقًا):مملوءة ممتابعة الاختلاف من باب التنوع ويمكن الجمع بينها ب: معنى قوله تعالى: (والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا). قوله تعالى: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ) 1- هي الملائكة حين تنزع أرواح بني آدم 2- هي الملائكة حين تقبض أرواح بني آدم غير أن النزعَ يكون لأرواحِ المؤمنينَ، والنشطَ لأرواحِ الكفارِ، 3- هي أنفُس الكفّار تُنزع، ثم تنشط، ثم تغرق في النار 4- هو الموت 5- هي النجوم 6- هي القسيّ في القتال قال ابن كثير: " الصّحيح الأوّل، وعليه الأكثرون" قوله تعالى: (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ) 1- هي الملائكة 2- الموت 3- النجوم 4- السفن والأظهر الأول لسياق الآية في الملائكة السؤال الرابع: فسّر باختصار قوله تعالى:- (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)) النبأ. أي مُمهدة مذللة مهيئة للبشر وجعل الجبال كالأوتاد للأرض لتثبيتها لئلا تميد ، وامتنّ الله سبحانه بأن خلق جنس البشر من ذكر وأنثى ليسكن كل منهما للآخر ويحصل النسل وعمارة الأرض، كما جعل سبحانه النوم راحة لهم ثم جعل الليل لباسًا يغشى الخلق بظلامه وسواده، أما النهار فقد جعله مشرقًا مُضيئًا ليتمكنوا من السعي في الأرض وعمارتها . السؤال الخامس: استدلّ لما يلي مما درست عدم فناء النار قال تعالى: (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) السؤال السادس: اذكر الفوائد السلوكية التي استفدتها من دراستك لتفسير قوله تعالى:- (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)) النازعات. - الترهيب من الإغترار بالدنيا والحرص عليها وترك الآخرة - تعظيم الله سبحانه في نفوس عبادة من أجل العبادات والطاعات - على الإنسان تهذيب نفسه ونهيها عن معصية الله للوصول بها إلى الجنة ورضا الله تعالى |
الساعة الآن 04:29 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir