دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 12:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب إحياء الموات (1/7) [إحياء الأرض الموات من أسباب الملك الشرعي]


بابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ
عنْ عُروةَ، عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا)). قالَ عُروةُ: وقَضَى بهِ عُمَرُ في خِلافَتِهِ. رواهُ البخاريُّ.
وعنْ سعيدِ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ)). رواهُ الثلاثةُ، وحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وقالَ: رُوِيَ مُرْسَلًا، وهوَ كما قالَ. واخْتُلِفَ في صَحَابِيِّهِ، فقيلَ: جابِرٌ، وقيلَ: عائشةُ، وقيلَ: عبدُ اللَّهِ بنُ عَمْرٍو، والراجِحُ الأَوَّلُ.

  #2  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 06:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ
الْمَوَاتُ؛ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ الْخَفِيفَةِ: الأَرْضُ الَّتِي لَمْ تَعْمُرُ، شُبِّهَت الْعِمَارَةُ بِالْحَيَاةِ، وَتَعْطِيلُهَا بِعَدَمِ الْحَيَاةِ، وَإِحْيَاؤُهَا عِمَارَتُهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الإِحْيَاءَ وَرَدَ عَن الشَّارِعِ مُطْلَقاً، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ؛ لأَنَّهُ قَدْ يُبَيِّنُ مُطْلَقَاتِ الشَّارِعِ، كَمَا فِي قَبْضِ الْمَبِيعَاتِ وَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ مِمَّا يَحْكُمُ بِهِ الْعُرْفُ.
وَالَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الإِحْيَاءُ فِي الْعُرْفِ أَحَدُ خَمْسَةِ أَسْبَابٍ: تَبْيِيضُ الأَرْضِ وَتَنْقِيَتُهَا لِلزَّرْعِ، وَبِنَاءُ الْحَائِطِ عَلَى الأَرْضِ، وَحَفْرُ الْخَنْدَقِ الْقَعِيرِ الَّذِي لا يَطْلُعُ مَنْ نَزَلَهُ إِلاَّ بِمَطْلَعٍ، هَذَا كَلامُ الإِمَامِ يَحْيَى.
1/864 - عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ عَمَّرَ أَرْضاً لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا)).
قَالَ عُرْوَةُ: وَقَضَى بِهِ عُمَرُ فِي خِلافَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ عَمَّرَ أَرْضاً): بِالْفِعْلِ الْمَاضِي، وَوَقَعَ: (( أَعْمَرَ)) فِي رِوَايَةٍ مَاضِياً أيضاً مِن المزيدِ، وَالصَّحِيحُ الأَوَّلُ، (لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. قَالَ عُرْوَةُ: وَقَضَى بِهِ عُمَرُ فِي خِلافَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِحْيَاءَ تَمَلُّكٌ إذا لَمْ يَكُنْ قَدْ مَلَكَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، أَوْ ثَبَتَ فِيهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ إذْنُ الإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ.
وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَمَا صِيدَ مِنْ طَيْرٍ وَحَيَوَانٍ؛ فإِنَّهُم اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِيهِ إذْنُ الإِمَامِ. وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ يَدٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ ثُمَّ ماتَ؛ فإنَّهُ لا يَجُوزُ إحياؤُها إلاَّ بِإِذْنِ الإِمَامِ.
وكذلكَ ما تَعَلَّقَ به حقٌّ لغيرِ مُعَيَّنٍ؛ كَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، فإنَّهُ لا يَجُوزُ إلاَّ بإذنِ الإمامِ، مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الْهَادَوِيَّةِ. قَالَ الْمُؤَيَّدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لا يَجُوزُ إحْيَاؤُهَا بِحَالٍ من الأحوالِ لِجَرْيِهَا مَجْرَى الأَمْلاكِ؛ لِتَعَلُّقِ سُيُولِ الْمُسْلِمِينَ بِهَا؛ إذْ هِيَ مَجْرَى السُّيُولِ.
وَقَالَ الإِمَامُ الْمَهْدِيُّ، وَهُوَ قَوِيٌّ: فَإِنْ تَحَوَّلَ عَنْهَا جَرْيُ الْمَاءِ جَازَ إحْيَاؤُهَا بِإِذْنِ الإِمَامِ؛ لانْقِطَاعِ الْحَقِّ، وَعَدَمِ تَعَيُّنِ أَهْلِهِ، وَلَيْسَ لِلإِمَامِ الإِذْنُ مَعَ ذَلِكَ إلاَّ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لا ضَرَرَ فِيهَا، وَلا يَجُوزُ الإِذْنُ لِكَافِرٍ بِالإِحْيَاءِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَادِيُّ الأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ))، وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ: وَقَضَى بِهِ عُمَرُ، قِيلَ: هُوَ مُرْسَلٌ؛ لأَنَّ عُرْوَةَ وُلِدَ فِي آخِرِ خِلافَةِ عُمَرَ.
2/865 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ)).
رَوَاهُ الثَّلاثَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: رُوِيَ مُرْسَلاً. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَاخْتُلِفَ فِي صَحَابِيِّهِ، فَقِيلَ: جَابِرٌ، وَقِيلَ: عَائِشَةُ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَالرَّاجِحُ الأَوَّلُ.
(وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ): تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ، (عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ. رَوَاهُ الثَّلاثَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: رُوِيَ مُرْسَلاً، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَاخْتُلِفَ فِي صَحَابِيِّهِ)؛ أيْ: فِي رَاوِيهِ مِن الصَّحَابَةِ، (فَقِيلَ: جَابِرٌ، وَقِيلَ: عَائِشَةُ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. والرَّاجِحُ) مِن الثَّلاثَةِ الأَقْوَالِ (الأَوَّلُ).
وَفِيهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلاً فِي أَرْضِ الآخَرِ، فَقَضَى لِصَاحِبِ الأَرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا تُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عَمٌّ، حَتَّى أُخْرِجَتْ مِنْهَا. وَتَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَى فِقْهِهِ، وَأَنَّهُ: ((لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ)).

  #3  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 06:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بَابُ إِحْياءِ المَوَاتِ
مُقَدِّمَةٌ
المَوَاتُ: بفَتْحِ المِيمِ والوَاوِ المُخَفَّفَةِ، فهي على وَزْنِ سَحَابٍ، وهو ما لا رُوحَ فيهِ، وأَرْضٌ لا مَالِكَ لها، شُبِّهَتْ عِمارَتُها بالحياةِ، وتَعْطيلُها بالمَوْتِ؛ لعَدَمِ الانْتِفَاعِ بالأَرْضِ المَيِّتَةِ بزَرْعٍ وغَيْرِه، وإحياؤُها: عِمَارَتُها.
واصْطِلاحاً: هي الأَرْضُ المُنْفَكَّةُ عن الاخْتِصاصَاتِ ومِلْكِ مَعْصومٍ، فالاخْتِصَاصَاتُ كالطُّرُقِ والأَفْنِيَةِ والساحاتِ ومَسايِلِ المِياهِ، وكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بمَصْلَحَةِ المَمْلُوكِ.
والإنسانُ المَعْصومُ هو المُسْلِمُ، أو الكافِرُ المَالِكُ للأَرْضِ بسَبَبٍ شَرْعِيٍّ، مِن شِرَاءٍ أو غَيْرِه.
فالأَرْضُ المُخْتَصَّةُ أو المَمْلُوكَةُ لا تُمْلَكُ بالإحياءِ.
قالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرحْمَنِ السِّعْدِيِّ: قَدْ حَدَّ الفُقهاءُ ضَابِطاً لِمَا يُمَلَّكُ بالإِحْياءِ فقالوا: الذي يُحْيَا هي الأرضُ الخَالِيةُ من الاختصاصاتِ، ومِن مِلْكِ المَعْصومِينَ.
فدَخَلَ في هذا كُلِّه أَرْضٌ لا مَالِكَ لها، وليسَ لها اختصاصٌ بالأملاكِ، ولا للناسِ فيها اشتراكٌ، وخَرَجَ من هذا ما لا يُمْلَكُ، فالأرضُ المَمْلوكَةُ أو التي جَرَى عليها مِلْكٌ لمَعْصُومٍ مَعْلُومٍ لا تُمَلَّكُ بالإحياءِ؛ حتى ولو كَانَتْ دَارِسةً عَائِدَةً مَوَاتاً، وكذلك ما تَعَلَّقَ بمَصالِحِ الأملاكِ، كالمُتَعَلِّقِ بمَصالِحِ الدُّورِ والبُلْدانِ، مِمَّا يَحْتاجونَ إليه في مَسيلِ مِياهِهِم، ودَفْنِ أمواتِهم ومُحْتَطباتِهم ونحوِ ذلك، وكذلك ما الناسُ فيهِ شُركاءُ؛ كالمعادِنِ الجَارِيَةِ أو الظاهِرَةِ, فوُجُودُ الإحياءِ في هذهِ الأشياءِ بخِلافِ الأَوَّلِ، فإنَّ مَن أحياهُ مُلِّكَهُ.
قالَ في (الإقناعِ): ولا يُمَلَّكُ بإحياءِ ما قَرُبَ مِن عَامِرٍ وتَعَلَّقَ بمَصالِحِه، كطُرُقِه، وفِنائِه، ومُجْتَمَعِ نَادِيهِ، ومَسيلِ مَائِهِ، ومَطْرَحِ قِمامَتِه، ومُلْقَى تُرابِهِ، ومَرْعاهُ، ومُحْتَطَبِه ومُرْتاضِ الخَيْلِ، ومَدَافِنِ الأمواتِ، ومُناخِ الإِبِلِ، والمَنازِلِ المُعَدَّةِ للمُسافِرِينَ حَوْلَ المياهِ والبِقاعِ المُرْصَدَةِ لصلاةِ العيدِ ونحوِ ذلك، فكلُّ مَمْلوكٍ لا يَجُوزُ إحياءُ ما تَعَلَّقَ بمَصالِحِه.
والأصْلُ في إحياءِ المَوَاتِ السُّنَّةُ والإجْماعُ.
فالسُّنَّةُ: ما في البابِ مِن أحاديثَ وغَيْرِها.
وأما الإجماعُ: فقدْ حَكَى الوَزيرُ ابنُ هُبَيْرَةَ الاتِّفاقَ على جوازِ إحياءِ الأرضِ المَيْتَةِ العادِيَّةِ، كما قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: أجْمَعَ العلماءُ على أنَّ ما عُرِفَ بمِلْكِ مَالِكٍ أنَّه لا يَجوزُ إحياؤُه لأحَدٍ غيرِ أربابِه.
قالَ في (شَرْحِ الإقناعِ): وإحياءُ الأرضِ المَوَاتِ هو أنْ يَحُوزَها بحائِطٍ مَنِيعٍ، وبناءِ مَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ البَلَدِ البناءَ بِهِ مِن لَبِنٍ أو قَصَبٍ أو خَشَبٍ ونحوِه، سواءٌ أرادَها لبناءٍ أو لزَرْعٍ، أو أَرادَها حَظِيرَةَ غَنَمٍ، أو حَظِيرَةَ خَشَبٍ، ونحوَهما، ولا يُعْتَبَرُ التَّسْقِيفُ، ولا نَصْبُ البابِ.. إلخ.
وعن أحمدَ: إحياءُ الأرضِ ما عَدَّه الناسُ إحياءً؛ لقولِه: ((مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ)) رَواهُ أَبُو دَاوُدَ (3074).
واختارَهُ ابنُ عَقِيلٍ والمُوَفَّقُ وغيرُهما؛ لأن الشَّرْعَ ورَدَ بتعليقِ المِلْكِ عليهِ ولم يُبَيِّنْهُ؛ فوَجَبَ الرُّجوعُ إلى ما كانَ إحياءً في العُرْفِ، واللَّهُ أعْلَمُ.


788- عن عُرْوَةَ, عن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنها ـ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ: ((مَنْ عَمَّرَ أَرْضاً لَيْسَتْ لأَحَدٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا)). قالَ عُرْوَةُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ: وقَضَى بهِ عُمَرُ في خَلافتِه. رواهُ البخاريُّ.
_________________________________________________________
مُفْرداتُ الحَديثِ:
مَن عَمَّرَ أَرْضاً: بتَشْدِيدِ المِيمِ وتَخْفيفِها، والمُرَادُ بتَعْمِيرِها: إحياؤُها بما جَرَتْ بهِ العادةُ، مِن أنواعِ إحياءِ الأراضي المَيِّتَةِ (البُورِ).
فهو أَحَقُّ بها, أي: فهو صَاحِبُ الحقِّ فيها والمِلْكِ عليها.
789- وعَنْ سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ: ((مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ)). رواهُ الثَّلاثَةُ، وحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وقالَ: رُوِيَ مُرْسَلاً، وهو كَمَا قَالَ، واخْتُلِفَ في صَحَابِيِّهِ، فقِيلَ: جَابِرٌ، وقيلَ: عَائِشَةُ، وقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، والراجِحُ الأوَّلُ.
_______________________________________________________
دَرَجَةُ الحديثِ:
الحديثُ حَسَنٌ
رواهُ أبو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ والتِّرْمِذِيُّ, عن عبدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ, عن أَيُّوبَ, عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ, عن أبيهِ, عن سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ, عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ: ((مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعرقِ ظَالِمٍ حَقٌّ)) قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وفي البابِ عن عَائِشَةَ، وسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، وعُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ، قالَ الحافِظُ في (الفتحِ): وفي أسانيدِها مَقالٌ، لكنْ يَتَقَوَّى بَعْضُها ببَعْضٍ.
وصَحَّحَهُ السيوطيُّ في (الجامِعِ الصَّغِيرِ).
مُفْرداتُ الحَديثِ:
"مَنْ": شَرْطِيَّةٌ, و"أَحْيَا" فِعْلُ الشَّرْطِ، وجَوابُه: ((فَهِيَ لَهُ)) وإِحْيَاءُ الأَرْضِ المَوَاتِ يَكُونُ بزَرْعِها أو غَرْسِها أو بِنائِها ونحوِ ذلك, شَبَّهَ تَعْطِيلَها بالإماتَةِ.
مَيِّتَةٌ أَصْلُه مَيْوِتَةٌ, اجْتَمَعَتِ الياءُ والواوُ، وسُبِقَتْ إحداهما بالسُّكونِ، فأُبْدِلَتِ الواوُ يَاءً، وأُدْغِمَتِ الياءُ في الياءِ، فهي مَيِّتَةٌ بتشديدِ الياءِ، ولا تُخَفَّفُ؛ لأنه لو خُفِّفَتْ لحُذِفَ تَاءُ التأنيثِ.
والأرضُ المَيِّتَةُ: هي الأرضُ التي لَمْ تُعَمَّرْ، وإحياؤُها: عِمَارَتُها، شُبِّهَتِ العِمارَةُ بالإحياءِ.
ما يُؤْخَذُ مِن الحَدِيثَيْنِ:
1- الحديثانِ يَدُلاَّنِ على جوازِ إحياءِ الأرضِ المَوَاتِ، وأنَّ الإحياءَ مِن أسبابِ المِلْكِ الشَّرْعِيِّ.
2- أنَّ مَن أَتَمَّ إحياءَ الأرضِ الإحياءَ الشرعيَّ مُلِّكَها؛ لقولِه صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((فَهِيَ لَهُ)).
3- يَدُلُّ عُمُومُ الحَديثِ علَى أنَّ المُحْيِيَ يَمْلِكُ ما أَحْياهُ، سَواءٌ كانَ المُحْيِي مُكَلَّفاً، أو غيرَ مُكَلَّفٍ، مسْلِماً كانَ أو كافراً، إذا كانَ ذِمِّيًّا.
4- يَدُلُّ علَى أنَّ الإحياءَ يَحْصُلُ ولو بغيرِ إِذْنِ الإمامِ، قالَ في (كَشَّافِ القِنَاعِ): ولا يُشْتَرَطُ إِذْنُ الإمامِ، وهو مَذْهَبُ جُمهورِ العُلماءِ.
5- لا بُدَّ أنْ تَكونَ الأَرْضُ المُحْيَاةُ مَوَاتاً، بأنْ لم يَجْرِ عليها مِلْكُ مَعْصومٍ، ومُنْفَكَّةً عن الاختصاصاتِ، أما المَمْلُوكَةُ فلا يَصِحُّ إحياؤُها، وكذلك الأرضُ المُخْتَصَّةُ لصاحبِها بتَحْجِيرِها وشُروعِه في إحيائِها، فإنَّها لا تُمَلَّكُ، وكذلك مَصالِحُ ومَرافِقُ المكانِ العامِرِ الذي يَتعَلَّقُ بمَصالِحِه ومَرافِقِه، فلا يَجُوزُ إحياؤُها، وكذا ما تَعَلَّقَ بمصالِحِ البُلْدانِ من طُرُقٍ وشَوَارِعَ ومَيادِينَ وحَدائِقَ ومَقابِرَ ومَغَالٍ[؟] ومَسايِلِ مياهٍ، وغيرِ ذلك؛ فلا يَصِحُّ إِحْياؤُه.
قالَ الشيخُ مُحَمَّدُ بنُ إبراهيمَ آلُ الشيخِ: ولا شَكَّ أنَّ مَنْعَ وَلِيِّ الأمْرِ إحياءَ بَعْضِ الأراضي معناه اخْتِصاصُه بها؛ لما يَعودُ على المُسلِمينَ بالمَصْلَحَةِ العامَّةِ، وعليهِ فالإحياءُ على هذه الصورةِ غيرُ صَحِيحٍ.
6- لم يُقَيَّدِ الإحياءُ بمِساحَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فما أحياهُ إحياءً شَرْعِيًّا مُلِّكَهُ، ولو كَثُرَ. قالَ الشيخُ مُحمدُ بنُ إبراهيمَ: إنَّ مِساحَةَ الإحياءِ لا تَحْديدَ فيها، بخلافِ الإقطاعِ فيُقَدَّرُ بحَسَبِ حاجةِ المُقْطَعِ، وسيأتي إنْ شاءَ اللَّهُ.
7- ضَابِطُ الإحياءِ ما قاله الإمامُ أحمدُ: إحياءُ الأرضِ ما عُدَّ إحياءً عُرْفاً؛ لقولِه صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ)).
وقالَ الشيخُ مُحمدُ بنُ إبراهيمَ آلُ الشيخِ: الإحياءُ كالحِرْزِ، يُرْجَعُ فيهِ إلى العُرْفِ، وأمَّا أنواعُه فكَثِيرةٌ، منها:
مَن أحاطَ أَرْضاً مَوَاتاً بحائِطٍ مَنيعٍ، بأنْ أَدَارَهُ حَوْلَه بما جَرَتْ بهِ العادةُ من لَبِنٍ، أو طُوبٍ أو حَجَرٍ أو قَصَبٍ أو خَشَبٍ ونحوِه, فقدْ أحياهُ ومُلِّكَهُ، وقَدْرُ ارتفاعِ الجِدارِ الذي يَحْصُلُ بهِ الإحياءُ بارتفاعِ مِتْرٍ ونِصْفِ مِتْرٍ، وما دُونَه يَكونُ مُتَحَجِّراً لا مُحْيًى.
قالَ في (الشرحِ الكَبيرِ): تَحَجُّرُ المَوَاتِ مِثْلُ أَنْ يُدِيرَ حَوْلَ الأرضِ تُراباً أو أَحْجاراً، أو يُحيطَها بجِدارٍ صَغيرٍ، فلا يُمَلَّكُها بذلك, لكنْ يَصِيرُ أحقَّ الناسِ به.
إذا حَفَرَ بِئْراً فوَصَلَ ماؤُها فَقَدْ أَحْياهَا، وله حِماهَا ومَرَافِقُها المُعْتَادَةُ، إذا كانَ ما حَولَها مَوَاتاً, فإنْ كانَتْ في حَيٍّ عَامِرٍ فيَتَصَرَّفُ كلُّ وَاحِدٍ مِنهم في المَرافِقِ بما جَرَتْ بِهِ العَادَةُ.
مَن أَجْرَى الماءَ إلى الأرضِ المَوَاتِ مِن نحوِ عَيْنٍ أو مَوارِدَ؛ فقَدْ أَحْيا تلك الأرضَ.
مَن حَبَسَ الماءَ عن أرضٍ مَواتٍ قَدْ غَمَرَتْها المياهُ، إذا كانت لا تُزْرَعُ مَعَه، فحَبَسَهُ ليَزْرَعَها؛ فقدْ أَحْياهَا.
إذا عَمَدَ إلى أرضٍ مَوَاتٍ ذاتِ حِجارَةٍ أو أشجارٍ، فأَزَالَ حِجارتَها، وقَطَعَ أَشْجارَها، وسَوَّاها وعَدَّلَها؛ ليَعْلُوَها السَّيْلُ لتَكُونَ بعلاً, فقَدْ أَحْياهُ.
والخُلاصَةُ أنَّ ما عَدَّهُ الناسُ إحياءً اعْتُبِرَ إحياءً، وهو يَخْتَلِفُ باختلافِ المقاصِدِ مِن الانتفاعِ، وباختلافِ أعرافِ البُلْدانِ.
8- قالَ الشيخُ مُحمدُ بنُ إبراهيمَ: وأمَّا الأرضُ البيضاءُ التي لا يُوجَدُ فيها أَثَرُ إِحْياءٍ أصلاً؛ فإنها لا تُمَلَّكُ بمُجَرَّدِ دَعْوَى عليها، ولو كانَ بيَدِ مُدَّعِيها صُكُوكُ اسْتِحْكامٍ، بل هي بَاقِيَةٌ مَوَاتاً على الأصْلِ.
9- وإِذَا أَحْيا الأرضَ بنوعٍ مِن الإحياءاتِ الشرعِيَّةِ، اسْتحَقَّ مرافِقَها، ومَنافِعَها مِن الطُّرُقِ والمَيادِينِ والسَّاحَاتِ والمَسايِلِ، ونحوِ ذلك.
10- وإذا كَانَتِ الأرضُ المُحياةُ-لزراعةٍ أو سَكَنٍ- مَحْفُوفَةً بمِلْكِ الغيرِ مِن كلِّ جانبٍ، فلا حَرِيمَ لها ولا مَرَافِقَ خَاصَّةً، وإنما يَنْتَفِعُ ويَسْتفِيدُ كلُّ وَاحِدٍ مِن المُجاوِرِينَ في مِلْكِه، بحَسَبِ ما جَرَتْ به العادةُ.
11- قالَ في (الإقناعِ): ولا يُمَلَّكُ بإحياءِ مَا قَرُبَ من عَامِرٍ وتَعَلَّقَ بمصالِحِه؛ كطُرُقِه وفِنَائِه, ومُجْتَمَعِ نَادِيهِ ومَسيلِ مَائِه, ومَطْرَحِ قُمامَتِه ومُلْقَى تُرابِهِ، ومَرْعاهُ ومُحْتَطَبِه، وحَرِيمِ البِئْرِ ومُرْتَكَضِ الخَيْلِ, ومَدْفَنِ المَوْتَى، والمنازِلِ المُعَدَّةِ للمُسافِرِينَ، والبِقاعِ المَرْصُودَةِ لصلاةِ العيدِ، ونحوِ ذلك، فكلُّ مَمْلوكٍ لا يجوزُ إحياءُ ما تَعَلَّقَ بمَصالِحِه.
وقالَ الشيخُ محمدُ بنُ إبراهيمَ: الأرضُ التي يَنْحَدِرُ سَيْلُها إلى أرضٍ مَمْلُوكَةٍ، يَكونُ مَسِيلُ سَيْلِها تَبَعاً لها على وَجْهِ الاختصاصِ، فلا يَسُوغُ إِحْياؤُها، ولا إِقْطاعُها لغَيْرِ أَهْلِ الأرضِ المَمْلُوكَةِ إلا بإِذْنِهم.
12- أما التَّحَجُّرُ فلا يُفِيدُ المِلْكَ، وإنما يُفِيدُ صَاحِبَه الاختصاصَ بِهِ، فلا يَصِحُّ لأحَدٍ إِحْياؤُها، ومِن أنواعِ التَّحَجُّرِ ما يأتي.
أنْ يُحِيطَ الأَرْضَ بجِدارٍ ليسَ بمَنيعٍ, أو يَبْنِيَ الجِدَارَ ببَعْضِ الجوانِبِ دونَ بعضٍ.
أنْ يُحِيطَ الأرضَ بشَبَكٍ أو خَنْدَقٍ أو حاجِزٍ تُرابِيٍّ ونحوِ ذلك.
أَنْ يَحْفِرَ بِئْراً فلا يَصِلَ إلى الماءِ.
13- فكلُّ هذهِ وأمثالُها تَحَجُّراتٌ لا تُفِيدُ التَّمَلُّكَ, وإنما تُفِيدُ مَن تَحَجَّرَها الاختصاصَ بها، والأَحَقِّيَّةَ من غَيْرِه، فلا يَتَعَدَّى عليها غَيْرُه ممَّن يُريدُ الإحياءَ وهي تَحْتَ يَدِه، وإذا وُجِدَ مُتَشَوِّفٌ لإحيائِها ضَرَبَ وَلِيُّ الأمْرِ له مُدَّةً لإحيائِها, فإنْ أَحْياها وإِلاَّ نُزِعَتْ مِن يَدِه لمَن يُريدُ إِحْياءَها.
14- أَفْتَى زَعِيمُ الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةِ بَعْدَ أبيهِ الشيخُ عبدُ اللَّهِ بنُ مُحمدٍ، ومُفْتِي البلادِ السعوديةِ عن المسايلِ بما يأتي: المَسايِلُ قسمانِ:
أحدُهما: فيهِ عَمَلٌ لأربابِ الأملاكِ، وهو ما يَحْفِرونَه؛ لتَجْرِيَ معَه السُّيُولُ، فهذا القِسْمُ يُمَلَّكُ بالإحياءِ, فحَفْرُه وتَوْجِيهُ السيلِ معَه تَغْييرٌ فيه، وإحياءٌ له.
الثاني: ليسَ لأربابِ الأملاكِ فيه عَمَلٌ بالحَفْرِ ونحوِه، وإنما وَجَدَه صَاحِبُ المِلْكِ يَنْحَدِرُ سَيْلُه مِن الجَبَلِ بطَبْعِه إلى جِهَةِ مِلْكِه، فهذا إذا اسْتَغْنَتِ الأرضُ المَمْلُوكَةُ عن مَسيلِ سَيْلِها، ولم يَبْقَ لها حاجةٌ إلى مائِه، كأنْ جُعِلَتْ هذه الأرضُ المَمْلوكَةُ بُيوتاً ونحوَ ذلك، فالذي يَظْهَرُ أنَّ حَقَّ اختصاصِ أصحابِها بهذا السَّيْلِ يَزُولُ، ويكونُ حُكْمُه حُكْمَ الأرضِ المَوَاتِ، ما لمْ يَكُنْ لهم فيه سَبَبُ اختصاصٍ آخَرُ؛ مِن تَحَجُّرٍ أو حَفْرِ بِئْرٍ لم يَصِلْ إلى الماءِ، وتَأَيَّدَتْ هذه الفَتْوَى من الشيخِ محمدِ بنِ إبراهيمَ آلِ الشيخِ مُفْتِي البلادِ السعوديةِ السابِقِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, إدخال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir