أسْمَاءٌ لازَمَتِ النداءَ
595- و"فُلُ" بعَضُ مَا يُخَصُّ بالنِّدَا = "لُؤْ مَانُ، نَوْمَانُ" كَذَا واطَّرَدَا
(وَفُلُ بعضُ مَا يُخَصُّ بالندَا) أيْ: لا يستعملُ في غيرِ النِّدَاءِ ويُقَالُ للمؤنثةِ: يَا فُلَةُ واخْتُلِفَ فيهِمَا، فمذهبُ سِيْبَوَيْهَ أنَّهُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ نَكِرَتَيْنِ، فـ "فُلُ" كِنايةٌ عنْ رَجُلٍ، و"فُلَّةُ" كنايةٌ عنِ امرَأَةٍ، ومذهبُ الكوفيينَ أنَّ أصلَهُمَا: فُلَانٌ وفُلانةٌ فَرُخِّمَا، وَرَدَّهُ الناظمُ بأنَّهُ لو كانَ مُرَخَّمًا لقيْلَ فيهِ "فُلَا" وَلَمَّا قيلَ في التأنيثِ "فُلَة" وذَهَبَ الشَّلُوْبِيْنُ وابْنُ عُصْفُوْرٍ وصاحبُ البَسِيْطِ إلى أَنَّ "فُلُ" و"فُلَةُ" كنايةٌ عن العَلَمِ نحوَ: "زيدٍ" و"هِنْدٍ" بمعنى فُلَانٍ وفُلَانَةٍ، وعلى ذلكَ مَشَى الناظمُ وولدُهُ، قَالَ الناظمُ فِي (شَرْحِ التَّسْهِيْلِ) وغيرِهِ، إِنَّ "يَا فُلُ" بِمَعْنَى "يَا فُلَانُ" و"يَا فُلَةُ" بمعنى "يَا فُلانَةُ" قَالَ: وهُمَا الأصلُ، فلا يُسْتَعْمَلانِ مَنْقُوصَيْنِ في غيرِ نِدَاءٍ إلَّا في ضرورةٍ، فقدْ وافقَ الكوفيينَ فِي أنَّهُمَا كنايةٌ عَنِ العَلَمِ، وأنَّ أصْلَهُمَا فلانٌ وفلانةٌ، وخالَفَهُم في التَّرْخِيْمِ، ورَدَّهُ بالوجهينِ السابقينِ، و"لُؤْمَانُ" بالهمزِ وضَمِّ اللامِ، و"مَلأمُ" و"مَلأمَان" بمعنى عظيمِ اللُّؤْمِ، و(نَوْمَانُ) بفتحِ النونِ بمعنَى كثيرِ النَّومِ (كَذَا) أيْ مِمَّا يَخْتَصُّ بالنداءِ.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: الأكثرُ فِي بِنَاءِ "مَفْعَلَانِ" نحوَ: "مَلْأَمَان" أنْ يَأتِيَ في الذَّمِّ، وقدْ جَاءَ في المَدْحِ نحوَ: "يَا مَكْرَمَانُ" حَكَاهُ سيبَوَيْهُ والأخْفَشُ، و"يَا مَطْيَبَانُ" وزَعَمَ ابْنُ السِّيدِ أنَّهُ يختصُّ بالذَّمِّ، وأنَّ "مَكْرَمَان" تَصْحِيْفُ "مَكْذَبَان" وليسَ بِشَيءٍ.
الثانِي: قَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): إنَّ هذِهِ الصفاتِ مقصورةٌ على السَّمَاعِ بإِجْمَاعٍِ وَتَبِعَهُ وَلَدُهُ، وهو صحيحٌ في غيرِ "مَفْعَلَان" فَإِنَّ فيهِ خِلافًا أَجَازَ بعضُهُمْ القياسَ عليهِ، فتقولُ: "يَا مَخْبَثَان" وفِي الأُنْثَى "يَا مَخْبَثَانَةُ".
596- فِي سَبِّ الأُنْثَى وَزْنُ "يَا خَبَاث" = والأمْرُ هَكَذَا مِنَ الثلاثِي
(واطَّرَدَا فِي سَبِّ الأُنْثَى وَزْنُ) "يَا فَعَالِ" نحوَ: "يَا خَبَاثِ) "يَا لَكَاعِ" "يَا فَسَاقِ"، وأمَّا قولُهُ [مِنَ الوَافِرِ]:
898- أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي = إلَى بَيْتٍ قَعِيْدَتُهُ لَكَاعِ
فضرورةٌ (والأمرُ هكَذَا) أيْ: واسْمُ فِعْلِ الأمرِ مُطَّرِدٌ (مِنَ الثلاثِي) عِنْدَ سِيْبَويهَ نحوَ: "نَزَالِ" و"تَرَاكِ" مِنْ "نَزَلَ" و"تَرَكَ"
تنبيهانِ: الأوَّلُ: أهْمَلَ الناظمُ مِنْ شروطِ القياسِ عَلَى هَذَا النوعِ أربعةَ شروطٍ؛ الأولُ: أنْ يكونَ مُجَرَّدًا فَأَمَّا غيرُ المجردِ فلا يُقَالُ مِنهُ إلا مَا سُمِعَ، نحوَ: "دَرَاكِ" مِنْ "أَدْرَكَ"، الثانِي أنْ يكونَ "تَامًّا" فلا يُبْنَى مِنْ ناقِصٍ، الثالثُ: أنْ يكونَ مُتَصَرِّفًا، الرابعُ: أنْ يكونَ كاملَ التصرُّفِ فلا يُبْنَي مِنْ "يَدَعُ" و"يَذَرُ".
الثانِي: ادَّعىَ سيِبْوَيْهُ سَمَاعَهُ مِنْ غيرِ الثلاثِيِّ شُذُوذًا كـ "قَرْقَار" مِنْ "قَرْقَرَ" في قَوْلِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
899- حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى مُطَارِ = يُمْنَاهُ واليُسْرَى عَلَى الثَّرْثَارِ
قالتْ لهُ رِيْحُ الصَّبَا قَرْقَاْرِ
وعَرْعَارِ مِنْ "عَرْعَرَ" في قولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
900- مُتَكَنِّفِيٍ جَنْبَيْ عُكَاظَ كِلَيْهِمَا = يَدْعُوا وَلِيْدُهُمُ بِهَا عَرْعَارِ
وقاسَ عليهِ الأخْفَشُ، وَرَدَّ المُبَرِّدُ علَى سِيْبَويْهَ سَمَاعَ اسْم الفعلِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ، وذَهَبَ إِلَى أَنَّ "قَرْقَارِ" و"عَرْعَارِ" حِكَايَةُ صَوْتٍ، وَحَكَاهُ عَنِ الْمَازِنِيِّ، وَحَكَى المَازِنِيُّ عنِ الأصْمَعِيِّ عَنْ أبي عَمْرٍو مِثْلَهُ، والصحيحُ َما قَالَهُ سِيْبَويهُ، لأنَّهُ لو كانَ حِكَايَةَ صَوْتٍ لكَانَ الصَّوْتُ الثانِي مِثْلَ الأوَّلِ، نحوَ "غَاق غَاق" فَلَمَّا قَالَ: "عَرْعَارِ" و"قَرْقَارِ" فخالَفَ لفظُ الأوَّلِ لفظَ الثانِي عُلِمَ أنَّهُ محمولٌ عَلَى "عَرْعَرَ" و"قَرْقَرَ".
597- وَشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُوْرِ فُعَلُ = وَلا تَقِسْ، وَجُرَّ فِي الشِّعْرِ "فُلُ"
(وشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُوْرِ) يَا (فُعَلُ) نحوَ قولِهِمْ: "يَا فُسَقُ" "يَا لُكَعُ" "يَا غُدَرُ" "يَا خُبَثُ" (ولا تَقِسْ) عليهِ بلْ طَرِيْقَةُ السَّمَاعِ، واختارِ ابنُ عُصْفُوْرٍ كَوْنَهُ قِيَاسًا، ونُسِبَ لِسِيْبَويْهَ.
(وجُرَّ فِي الشِّعْرِ فُلُ) قاَلَ الرَّاجِزُ:
901- فِي لُجَّةٍ أَمْسِكْ فُلَانًا عَنْ فُلُ
والصوابُ أَنَّ أصلَ هَذَا "فُلَانٌ" وأنَّهُ حُذِفَ منهُ الألفُ والنونُ للضرورةِ، كقولِهِ [مِنَ الكاملِ]:
902- دَرَسَ المَنَا بِمُتَالِعٍ فَأَبَانِ = فَتَقَادَمَتْ بِالحَبْسِ والسُّوْبَانِ
أي: دَرَسَ المنازلُ، وليسَ هو "فُلُ" المُخْتَصَّ بالنداءِ، إذْ معْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ علَى الصحيحِ، كمَا مَرَّ أنَّ المُخْتَصَّ بالنداءِ كنايةٌ عنِ اسْمِ الجنسِ، وفلانٌ كنايةٌ عنْ عَلَمٍ، ومادَتُهُمَا، مُختلفةٌ، فالمُخْتَصُّ مادَتُهُ (ف ل ي) فَلَوْ صغَّرْتَهُ قُلْتَ (فُلَيُّ)، وهذَا مَادُّتُه (ف ل ن) فَلَوْ صغَّرْتَهُ قلتَ: "فُلَيْنٌ", وقدْ تَقَدَّمَ بيانُ مَا ذهبَ إليهِ المصَنِّفُ.
خَاتِمَةٌ
ُيقَالُ فِي نِداءِ المجْهُولِ والمجهولةِ: "يَا هَنُ" و"يَا هَنَةُ" وفِي التثنيةِ والجمعِ "يَا هَنَان" و"يَا هَنَتَانِ" و"يَا هَنُوْنَ", و"يَا هَنَات" وقدْ يَلِي أواخرَهُنَّ مَا يَلِي آخرَ المندوبِ نحوَ: "يَا هَنَاهُ", و"يَا هَنْتَاهُ", بِضَمِّ الهَاءِ وكسرِهَا، فِي التثنيةِ والجمعِ "يَا هَنَانَيْه"، و"يَا هَنَتَانِيْه" و"يَا هَنُونَاه" و"يَا هَنَاتُوه" واللهُ أعلمُ.