دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 06:17 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة الإسراء

سورة الإسراء
من الاية 1 الى الاية 51
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله - عزّ وجلّ - (سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير (1)
(سبحان) منصوب على المصدر، المعنى: أسبح الله تسبيحا.
ومعنى سبحان اللّه في اللغة تنزيه اللّه عن السوء، وكذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: (أسرى بعبده ليلا).
معناه سير عبده، يقال أسريت وسريت إذا سرت ليلا، وقد جاءت اللغتان في القرآن، قال اللّه جلّ وعزّ: (واللّيل إذا يسر) هذا من سريت ومعنى يسري يمضي.
أسرى اللّه سبحانه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام وهو مكة، والحرم كله مسجد، فأسرى الله به في ليلة واحدة من المسجد الحرام من مكة إلى بيت المقدس وهو قوله - جلّ وعزّ: (إلى المسجد الأقصا الّذي باركنا حوله).
أجرى اللّه حول بيت المقدس الأنهار وأنبت الثمار، فذلك معنى باركنا حوله.
[معاني القرآن: 3/225]
(لنريه من آياتنا).
أي لنري محمدا.
فأراه الله في تلك الليلة من الأنبياء، وآياتهم ما أخبر به في غد تلك الليلة أهل مكة فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن لنا في طريق الشام إبلا فأخبرنا خبرها، فخبّرهم بخبرها، فقالوا فمتى تقدم الإبل علينا، فأخبرهم أنها تقدم في يوم سمّاه لهم مع شروق الشمس، وأنه تقدمها جمل أورق، فخرجوا في ذلك اليوم، فقال قائل: هذه الشمس قد أشرقت، وقال آخر فهذه الإبل قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤمنوا بعد ذلك.
وقوله: (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا (2)
أي دللناهم به على الهدى.
(ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا).
أي لا تتوكلوا على غيري ولا تتخذوا من دوني ربّا.
وقوله: (ذرّيّة من حملنا مع نوح إنّه كان عبدا شكورا (3)
القراءة بنصب (ذرّيّة). وقرأ بعضهم (ذرّيّة) - بكسر الذال - والضم أكثر.
وذرّية فعليّة من الذر، وهي منصوبة على النداء، كذا أكثر الأقوال المعنى: يا ذرّيّة من حملنا مع نوح.
وإنما ذكروا بنعم اللّه عندهم أنه أنجى أبناءهم من الغرق بأنهم حملوا مع نوح. ويجوز النصب على معنى ألا تتخذوا (ذرّيّة) من حملنا مع نوح من دوني وكيلا، فيكون الفعل، تعدى إلى الذريّة وإلى الوكيل، تقول: اتخذت زيدا وكيلا، ويجوز (ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا) على معنى:
(وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا (2) ذرّيّة من حملنا مع نوح).
ويجوز الرفع في (ذرّيّة) على البدل من الواو، والمعنى (ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا) أي لا تتخذوا من دوني وكيلا (ذرّيّة)، ولا تقرأنّ بها إلا أن تثبت بها
[معاني القرآن: 3/226]
رواية صحيحة، فإن القراءة سنة لا يجوز أن تخالف بما يجوز في العربية.
وقوله: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين ولتعلنّ علوّا كبيرا (4)
معناه أعلمناهم في الكتاب، وأوحينا إليهم، ومثل ذلك قوله: (وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين).
ومعناه وأوحينا إليه.
وقوله: (فقضاهنّ سبع سماوات في يومين) معناه خلقهن وفرغ منهن، ومثل هذا في الشعر قوله:
وعليهما مسرودتان قضاهما... داود أو صنع السّوابغ تبّع
معناه عملهما.
وجملة هذا الباب أن كل ما عمل عملا محكما فقد قضي، وإنما قيل للحاكم قاض لأنه إذا أمر أمرا لم يردّ أمره، فالقضاء قطع الأشياء عن إحكام.
والمعنى إنا أوحينا إليهم لتفسدنّ في الأرض ولتعلنّ علوّا كبيرا، معناه لتعظمن ولتبغنّ، لأنه يقال لكل متجبّر قد علا وتعظّم.
وقوله: (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الدّيار وكان وعدا مفعولا (5)
المعنى فإذا جاء وعد أولى المرتين.
(بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد).
يروى أنه بعث عليهم بختنصر.
(فجاسوا خلال الدّيار).
أي فطافوا في خلال الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه، والجوس طلب الشيء باستقصاء.
[معاني القرآن: 3/227]
وقوله: (ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا (6)
أي رددنا لكم الدولة.
(وجعلناكم أكثر نفيرا).
أي جعلناكم أكثر منهم نصّارا، ويجوز أن يكون نفيرا جمع نفر كما يقال: العبيد والكليب والضّئين والمعيز.
و (نفيرا) منصوب على التمييز.
وقوله: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة وليتبّروا ما علوا تتبيرا (7)
(فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم).
وتقرأ (ليسوء وجوهكم)
المعنى فإن جاء وعد الآخرة ليسوء الوعد وجوهكم.
ومن قرأ (ليسوءوا) فالمعنى ليسوء هؤلاء القوم وجوهكم.
وقد قرئت (لنسوء وجوهكم) - بالنون الخفيفة - ومعناه ليسوء الوعد وجوهكم، والوقف عليها ليسوءا. والأجود ليسوء بغير نون، وليسوءوا. ويجوز: ليسوء وجوهكم، ويكون الفعل للوعد على الأمر، ولا تقرأ به، ويجوز لنسوء بالنون في موضع الياء. وقوله: (وليتبّروا ما علوا تتبيرا).
معناه ليدمّروا، ويقال لكل شيء منكسر من الزّجاج والحديد والذّهب تبر، ومعنى (ما علوا) أي ليدمّروا في حال علوّهم عليكم.
وقوله: (عسى ربّكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا (8)
(وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا)
معناه حبسا، أخذ من قوله: حصرت الرّجل إذا حبسته فهو محصور وهذا حصيره أي محبسه، والحصير المنسوج إنما سمي حصيرا لأنه حصرت
[معاني القرآن: 3/228]
طاقاته بعضها مع بعض. والجنب يقال له الحصير لأن بعض الأضلاع محصور مع بعض.
وقوله: (إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجرا كبيرا (9)
أي للحال التي هي أقوم الحالات، وهي توحيد اللّه - عزّ وجلّ – أي شهادة أن لا إله إلا اللّه والإيمان برسله، والعمل بطاعته، وهذه صفة الحال التي هي أقوم الحالات.
وقوله: (ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا (11)
المعنى أن الإنسان ربّما دعا على نفسه وولده وأهله بالشر غضبا كما يدعو لنفسه بالخير، وهذا لم يعرّ منه بشر.
ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا، فأقبل يئن باللّيل، فقالت له: ما بالك تئن فشكا ألم القيد والأسر.
فأرخت من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا به فأعلم شأنه، فقال اللهم اقطع يديها، فرفعت سودة يديها تتوقع الاستجابة، وأن يقطع الله يديها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وإني سألت الله أن يجعل دعائي ولعنتي على من لا يستحق من أهلي رحمة، فقولوا لها لأني بشر أغضب كما يغضب البشر لتردد سودة يديها. فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن الإنسان خلق عجولا، فهذا يطلق عليه جملة البشر من آدم إلى آخر ولده.
والإنسان ههنا في معنى الناس.
[معاني القرآن: 3/229]
وقوله: (وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربّكم ولتعلموا عدد السّنين والحساب وكلّ شيء فصّلناه تفصيلا (12)
أي علامتين يدلان على أن خالقهما واحد ليس كمثله شيء وتدلان على عدد السنين والحساب.
(فمحونا آية اللّيل).
أي جعلنا آية الليل دليلة عليه بظلمته.
(وجعلنا آية النّهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربّكم).
أي جعلناها تضيء لكم لتبصروا كيف تصرّفون في أعمالكم
(ولتعلموا عدد السّنين والحساب).
ويروى أن القمر كان في ضياء الشمس فمحا اللّه ضياءه
بالسواد الذي جعل فيه.
(وكلّ شيء فصّلناه تفصيلا).
أي بيّناه تبيينا لا يلتبس معه بغيره، والاختيار النّصب في. " كلّ ".
المعنى في النصب: لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين، وفصلنا كل شيء تفصيلا.
و (كلّ) منصوب بفعل مضمر الذي ظهر يفسّره، وهو (فصلناه)
ويجوز (وكلّ شيء فصلناه تفصيلا).
وكذلك النصب والرفع في قوله: (وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه) إلا إني لا أعلم أحدا قرأ بالرفع.
وجاء في التفسير: طائره، أي خيره وشرّه، وهو - واللّه أعلم - ما يتطيّر من مثله من شيء عمله كما قال (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة)، وكما يقال للإنسان إثمي في عنقك، وإنما يقال للشيء اللازم له: هذا في عنق الإنسان، أي لزومه له كلزوم القلادة له من بين ما يلبس في العنق.
(ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (13)
[معاني القرآن: 3/230]
وفي هذه أربعة أوجه: وتخرج له، ويخرج له، أي ويخرج اللّه له.
ويخرج له. أي ويخرج عمله له يوم القيامة كتابا، وكذلك يخرج له عمله يوم القيامة.
(كتابا يلقاه منشورا) منصوب على الحال.
وقوله: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا (14)
(بنفسك) في موضع رفع، وإن كان مجرورا بالباء، ولو كان في غير القرآن جاز.. كفى بنفسك اليوم حسيبة، والمعنى كفت نفسك حسيبة، أي إذا كنت تشهد على نفسك فكفاك بهذا.
و(حسيبا) منصوب على التمييز.
وقوله: (من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا (15)
(ولا تزر وازرة وزر أخرى)
يقال: وزر يزر فهو وازر وزرا، ووزرا، وزرة، ومعناه أثم يأثم إثما.
وفي تأويل هذه الآية وجهان: أحدهما أن الآثم والمذنب، لا يؤخذ بذنبه غيره، والوجه الثاني أنه لا ينبغي للإنسان أن يعمل بالإثم لأن غيره عمله كما قالت الكفار: (إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون).
وقوله: (وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا).
أي حتى نبين ما به نعذب، وما من أجله ندخل الجنة.
وقوله: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرا (16)
تقرأ أمرنا مخففة على تقدير فعلنا، وتقرأ آمرنا مترفيها على تقدير أفعلنا.
ويقرأ أمّرنا - بتشديد الميم -، فأما من قرأ بالتخفيف فهو من الأمر، المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا.
فإن قال قائل: ألست تقول: أمرت زيدا فضرب عمرا، فالمعنى أنك أمرته أن يضرب عمرا فضربه، فهذا اللفظ لا يدل على
[معاني القرآن: 3/231]
غير الضرب، ومثل قوله: أمرنا مترفيها ففسقوا فيها. من الكلام: أمرتك فعصيتني.
فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر، وكذلك الفسق مخالفة أمر اللّه جل ثناؤه.
وقد قيل: إنّما معنى أمرنا مترفيها كثّرنا مترفيها، والدليل علي هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " خير المال سكّة مأبورة ومهرة مأمورة ".
أي مكثرة، والعرب تقول قد أمر بنو فلان إذا كثروا.
قال الشاعر:
إن يغبطو يهبطوا وإن أمروا... يوما يصيروا للهلك والنّفد
ويروى بالنقد - بالقاف - ومن قرأ آمرنا فتأويله أكثرنا، والكثرة ههنا يصلح أن يكون شيئين، أحدهما أن يكثر عدد المترفين، والآخر أن تكثر جدتهم ويسارهم.
ومن قرأ أمّرنا بالتشديد، فمعناه سلّطنا مترفيها أي جعلنا لهم إمرة وسلطانا.
[معاني القرآن: 3/232]
وقوله: (وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرا بصيرا (17)
أي أهلكنا عددا كبيرا من القرون، بأنواع العذاب، نحو قوم لوط وعاد وثمود ومن ذكر اسمه وقرونا بين ذلك كثيرا.
وموضع (كم) النصب بقوله (أهلكنا).
وقوله: (من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها مذموما مدحورا (18)
أي من كان يريد العاجلة بعمله، أي الدنيا، عجل اللّه لمن أراد أن يعجل له ما يشاء اللّه، أي ليس ما يشاء هو، وما يشاء بمعنى ما نشاء.
ويجوز أن يكون المضمر في نشاء " من "، المعنى عجلنا للعبد ما يشتهيه، إذا أراد اللّه ذلك.
وقوله: (ثمّ جعلنا له جهنّم).
لأنه لم يرد اللّه بعمله
(يصلاها مذموما).
ومذءوما في معنى واحد.
(مدحورا).
أي مباعدا من رحمة اللّه. يقال: دحرته أدحره دحرا ودحورا إذا باعدته عنك.
ثم أعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن يعطي المسلم والكافر وأنّ يرزقهما جميعا
فقال:
(كلّا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظورا (20)
أي نمدّ المؤمنين والكافرين من عطاء ربّك.
وقوله سبحانه: (وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (23)
معناه أمر ربّك
[معاني القرآن: 3/233]
وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (23)
(وبالوالدين إحسانا).
أي أمر أن يحسنوا بالوالدين
(إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما).
ترفع (أحدهما) بـ (يبلغنّ)، و (كلاهما) عطف عليه.
ويقرأ: (يبلغانّ عندك الكبر)، ويكون أحدهما أو كلاهما بدل من الألف.
وقوله: (فلا تقل لهما أفّ).
في قوله (أفّ) سبع لغات: الكسر بغير تنوين، والكسر بتنوين، والضم بغير تنوين، وبتنوين، وكذلك الفتح بتنوين، وبغير تنوين، وفيها لغة أخرى سابعة لا يجوز أن يقرأ بها، وهي " أفيّ " بالياء، فأمّا الكسر فلالتقاء السّاكنين، وأف غير متمكن بمنزلة الأصوات، فإذا لم تنوّن فهي معرفة، وإذا نون فهو نكرة بمنزلة غاق وغاق في الأصوات، والفتح لالتقاء السّاكنين أيضا، والفتح مع التضعيف حسن لخفة الفتحة وثقل التضعيف والضم، لأن قبله مضموما - حسن أيضا، والتنوين فيه كله على جهة النكرة.
والمعنى: لا تقل لهما كلاما تتبرم فيه بهما، ومعنى أفّ النتن، وقيل إن أف وسخ الأظفار، والتّف الشيء الحقير نحو وسخ الأذان أو الشظية تؤخذ من الأرض.
ومعنى الآية: لا تقل لهما ما فيه أذى بتبرم، أي إذا كبرا، أو أسنّا فينبغي أن تتولى من خدمتهما مثل الذي توليا من القيام بشأنك وبخدمتك، ولا تنهرهما بمعنى: لا تنتهرهما، أي لا تكلمهما ضجرا صائحا في أوجههما.
يقال نهرته أنهره نهرا، وانتهرته أنتهره انتهارا، بمعنى واحد.
وقوله: (واخفض لهما جناح الذّلّ من الرّحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرا (24)
[معاني القرآن: 3/234]
وتقرأ الذّل - بكسر الذّال - ومعنى (اخفضن لهما جناح الذل).
أي ألن لهما جانبك متذلّلا لهما، من مبالغتك في الرحمة لهما.
ويقال: رجل ذليل بين الذلّ، وقد ذل يذلّ ذلا، ودابّة ذلول. بين الذل، ويجوز أن جميعا في الإنسان.
وقوله: (ربّكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنّه كان للأوّابين غفورا (25)
الأواب بمعنى التواب، والراجع إلى الله في كل ما أمر به، المقلع عن جميع ما نهى عنه، يقال قد آب يؤوب أوبا إذا رجع.
وقوله: (وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرا (26)
(ولا تبذّر تبذيرا).
معناه لا تسرف، وقيل: التبذير النفقة في غير طاعة اللّه، وقيل كانت الجاهلية تنحر الإبل وتبذّر الأموال، تطلب بذلك الفخر والسمعة وتذكر ذلك في أشعارها، فأمر اللّه - عزّ وجلّ - بالنفقة في وجوههما فيما يقرّب منه ويزلف عنده.
وقوله: (إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين وكان الشّيطان لربّه كفورا (27)
أي يفعلون ما يسول لهم الشيطان.
وقوله: (وإمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمة من ربّك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا (28)
(عنهم) هذه الهاء والميم يرجعان على ذي القربى والمسكين وابن السبيل، (وإمّا تعرضنّ عنهم)، أي وإن أعرضت عنهم، ابتغاء رحمة من ربّك ترجوها، أي لطلب رزق من ربك ترجوه (فقل لهم قولا ميسورا).
(ابتغاء) منصوب لأنه مفعول له، المعنى: وإن أعرضت عنهم لابتغاء رحمة من ربّك.
وروي أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سئل وليس عنده ما يعطى أمسك انتظار الرزق يأتي من اللّه - جلّ وعز - كأنّه يكره الردّ، فلما نزلت هذه الآية: (فقل لهم قولا ميسورا).
كان عليه السلام إذا سئل فلم يكن عنده ما يعطي قال: يرزقنا
[معاني القرآن: 3/235]
اللّه وإياكم من فضله.
فتأويل قوله: (ميسورا) واللّه أعلم أنه يكسر عليهم فقرهم بدعائه لهم.
وقوله: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوما محسورا (29)
معناه لا تبخل ولا تسرف.
(فتقعد) منصوب على جواب النهي، و (محسورا) أي قد بالغت في الحمل على نفسك وحالك حتى تصير بمنزلة من قد حسر.
والحسير والمحسور الذي قد بلغ الغاية في التعب والإعياء.
قوله: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإيّاكم إنّ قتلهم كان خطئا كبيرا (31)
(خشية إملاق) منصوب لأنه مفعول له، والإملاق الفقر، يقال أملق يملق إملاقا.
وكانوا يدفنون البنات إذا ولدن لهم خوفا من الفقر، فضمن اللّه - عزّ وجل - لهم رزقهم، فقال: (نحن نرزقهم وإيّاكم).
وهي الموءودة، كانوا يدفنون الابنة إذا ولدت حيّة.
وقوله: (إنّ قتلهم كان خطئا كبيرا)، وتقرأ خطا كبيرا.
فمن قال خطئا: بالكسر فمعناه إثما كثيرا، يقال قد خطئ الرجل يخطأ خطئا: أثم يأثم إثما (وخطأ كبيرا) له تأويلان أحدهما معناه إن قتلهم كان غير صواب يقال: قد أخطأ يخطئ إخطاء، وخطأ، والخطأ الاسم من هذا لا المصدر، ويكون الخطأ من خطئ يخطأ خطأ إذا لم يصب مثل لجج يلجج
قال الشاعر:
والناس يلحون الأمير إذا هم... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
[معاني القرآن: 3/236]
وقوله: (ولا تقربوا الزّنا إنّه كان فاحشة وساء سبيلا (32)
أي وساء الزنا سبيلا. و (سبيلا) منصوب على التمييز.
وقوله: (ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف في القتل إنّه كان منصورا (33)
حرّم اللّه قتل المؤمن إلّا أن يرتدّ بعد إيمانه، أو يقتل مؤمنا متعمّدا، أو يزني بعد إحصان.
كذلك قال قتادة في تفسير هذه الآية.
(ومن قتل مظلوما).
أي من غير أن يأتي بواحدة من هذه الثلاث.
(فقد جعلنا لوليّه سلطانا).
الأجود إدغام الدال في الجيم، والإظهار جيّد بالغ، لأنّ الجيم من وسط اللسان، والدال من طرف اللسان، والإدغام جائز لأنّ حروف وسط اللسان قد تقرب من حروف طرف اللسان.
ووليه الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه..
فإن لم يكن له ولي فالسلطان وليه.
و " سلطانا " أي حجة.
وقوله: (فلا يسرف في القتل).
القراءة الجزم على النهي، ويقرأ بالياء والتاء جميعا، وتقرأ فلا يسرف بالرفع. والإسراف في القتل قد اختلف فيه.
فقال أكثر الناس: الإسراف أن يقتل الوليّ غير قاتل صاحبه.
وقيل: الإسراف أن يقتل هو القاتل دون السّلطان، وكانت العرب إذا قتل منها السيد وكان قاتله خسيسا لم يرضوا بأن يقتل قاتله وربما لم يرضوا أن يقتل واحد بواحد حتى تقتل جماعة بواحد.
وقوله: (إنّه كان منصورا).
[معاني القرآن: 3/237]
أي أن القتيل إذا قتل بغير حق فهو منصور في الدنيا والآخرة، فأما نصرته في الدنيا فقتل قاتله، وأما في الآخرة فإجزال الثواب له، ويخلّد قاتله في النّار، ومن قرأ فلا يسرف - في القتل - بالرفع - فالمعنى أن وليّه ليس بمسرف في القتل إذا قتل قاتله ولم يقبل الدية.
وقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسئولا (34)
أي لا تذخروا من ماله، ولا تأكلوا - إذا أقمتم عليه إلا ما يسكن الجوعة، ولا تكتسوا إلّا ما ستر العورة، ولا تقربوه إلا بالإصلاح للمال حتى يبلغ أشده.
وأشده أن يبلغ النكاح، وقيل: أشده أن يأتي له ثماني عشرة سنة.
وبلوغ أشده هو الاحتلام، وأن يكون مع ذلك غير ذي عاهة في عقل وأن يكون حازما في ماله.
وقوله: (وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسئولا).
قال بعضهم: لا أدري ما العهد، والعهد كل ما عوهد اللّه عليه، وكل ما بين العباد من المواثيق فهي عهود.
وكذلك قوله:، (وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم).
وقوله: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا (35)
(وزنوا بالقسطاس المستقيم).
والقسطاس جميعا - بالضم - والكسر - قيل: القسطاس هو القرسطون وقيل القفان، والقسطاس ميزان العدل، أي ميزان كان من موازين الدراهم أو غيرها.
[معاني القرآن: 3/238]
وقوله: (ذلك خير وأحسن تأويلا).
معنى (وأحسن تأويلا) أن الوفاء أحسن من النقصان، ويجوز أن يكون المعنى أحسن ما يؤول إليه أمر صاحب الوفاء.
وقوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا (36)
أي لا تقولن في شيء بما لا تعلم.
فإذا نهي النّبي - صلى الله عليه وسلم - مع جكمته وعلمه وتوفيق اللّه إيّاه - أن يقول بما لا يعلم، فكيف سائر أمّته والمسرفين على أنفسهم.
يقال قفوت الشيء أقفوه قفوا إذا اتبعت أثره، فالتأويل لا تتبعن لسانك من القول ما ليس لك به علم، وكذلك من جميع العقل.
(إنّ السّمع والبصر والفؤاد) شواهد عليك.
قال الله عزّ وجلّ (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون).
فالجوارح شواهد على ابن آدم بعمله.
ويقرأ.. (ولا تقف ما ليس لك به علم) بإسكان الفاء وضم القاف، من قاف يقوف - وكأنه مقلوب من قفا يقفو، لأن المعنى واحد.
وقوله: (كلّ أولئك كان عنه مسئولا).
فقال (مسئولا)، وقال: (كان)، لأن " كل " في لفظ الواحد؛ فقال (أولئك) لغير الناس، لأن كل جمع أشرت إليه من الناس وغيرهم ومن الموات فلفظه (أولئك)
قال جرير:
[معاني القرآن: 3/239]
ذم المنازل بعد منزلة اللوى... والعيش بعد أولئك الأيّام
وقوله: (ولا تمش في الأرض مرحا إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا (37)
ويقرأ مرحا - بكسر الراء -، وزعم الأخفش أن مرحا أجود من مرحا.
لأن مرحا اسم الفاعل. وهذا - أعني المصدر - جيد بالغ، وكلاهما في الجودة سواء، غير أنّ المصدر أوكد في الاستعمال تقول: جاء زيد ركضا، وجاء زيد راكضا، فركضا أوكد في الاستعمال لأن ركضا يدلّ على توكيد الفعل.
ومرحا - بفتح الراء أكثر في القراءة.
وتأويل الآية: ولا تمش في الأرض مختالا ولا فخورا.
(إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا).
قالوا: معنى (تخرق الأرض) تقطع الأرض، وقيل تثقب الأرض.
والتأويل أن قدرتك لا تبلغ هذا المبلغ، فيكون ذلك وصلة إلى الاختيال.
(كلّ ذلك كان سيّئه عند ربّك مكروها (38)
سيئه في معنى خطيئة، وكان أبو عمرو لا يقرأ (سيّئه)، ويقرأ (سيئة)، وهذا غلط، لأن في الأقاصيص سيئا وغير سيئ وذلك أن فيها (وقل لهما قولا كريما (23) واخفض لهما جناح الذّلّ من الرّحمة)
وفيها: (وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل).
و (وأوفوا بالعهد)، (ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن)، أي اقربوه بالتي هي أحسن.
ففيما جرى من الآيات سيئ وحسن، فسيئه بلا تنوين أحسن من سيئة
[معاني القرآن: 3/240]
ههنا. ومن قرأ سيئة جعل " كلا " إحاطة بالمنهي عنه فقط، المعنى كل ما نهى الله عنه كان سيئة.
وقوله: (ذلك ممّا أوحى إليك ربّك من الحكمة ولا تجعل مع اللّه إلها آخر فتلقى في جهنّم ملوما مدحورا (39)
(فتلقى في جهنّم ملوما مدحورا).
أي مباعدا من رحمة اللّه.
وقوله: (أفأصفاكم ربّكم بالبنين واتّخذ من الملائكة إناثا إنّكم لتقولون قولا عظيما (40)
كانت الكفرة من العرب تزعم أنّ الملائكة بنات اللّه، فوبخوا، وقيل لهم: (أفأصفاكم ربّكم بالبنين)، أي أختار لكم ربّكم صفوة الشيء وأخذ من الملائكة غير الصفوة.
وقوله: (ولقد صرّفنا في هذا القرآن ليذّكّروا وما يزيدهم إلّا نفورا (41)
أي بينا.
(وما يزيدهم إلّا نفورا).
أي ما يزيدهم التبيين إلا نفورا، كما قال اللّه - عزّ وجلّ -: (وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلّا خسارا (82).
(قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا (42)
فمن قرأ (كما تقولون) فعلى مخاطبة القائلين (إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا).
أي لتقربوا إلى ذي العرش، كما قال: (أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب).
وقال بعضهم: (إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا)
أي لكانوا مضادّين له يطلبون الانفراد بالربوبية.
[معاني القرآن: 3/241]
والقول الأول عليه المفسرون.
وقوله: (تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليما غفورا (44)
قيل إن كل ما خلق اللّه يسبح بحمده وإن صرير السقف وصرير الباب من التسبيح للّه عزّ وجلّ.
ويكون - على هذا - الخطاب للمشركين وحدهم من قوله: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
وجائز أن يكون تسبيح هذه الأشياء ممّا علم اللّه به، لا يفقه منه إلا ما علّمنا.
وقال قوم: (وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده) أي ما من شيء إلا وفيه دليل أن الله خالقه، وأن خالقه حكيم مبرأ من الأسواء (ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
أي ولكنكم أيها الكفار لا تفقهون أثر الصنعة في هذه المخلوقات.
وهذا ليس بشيء لأن الذين خوطبوا بهذا كانوا مقرّين بأن الله خالقهم وخالق السّماوات والأرض ومن فيهن، فكيف يجهلون الخلقة وهم عارفون بها.
وقوله: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا (45)
قال أهل اللغة معنى (مستورا) ههنا في موضع ساتر،، تأويل الحجاب - واللّه أعلم - الطبع الذي على قلوبهم.
ويدل على ذلك قوله: (وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه).
والأكنة جمع كنان وهو ما ستر.
[معاني القرآن: 3/242]
ومعنى (أن يفقهوه) كراهة (أن يفقهوه) وقيل معناه ألا يفقهوه والمعنيان واحد، غير أن كراهة أجود في العربيّة.
وقيل: (جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا)
الحجاب منع اللّه إياهم من النبي - عليه السلام - ويجوز أن يكون (مستورا) على غير معنى ساتر، فيكون الحجاب ما لا يرونه ولا يعلمونه من الطبع على قلوبهم.
(وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربّك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورا (46)
(وفي آذانهم وقرا).
الوقر ثقل السمع، والوقر أن يحمل الإنسان وقره
وقوله: (ولّوا على أدبارهم نفورا).
(نفورا) يحتمل مذهبين:
أحدهما المصدر. المعنى: ولّوا نافرين نفورا
ويجوز أن يكون (نفورا) جمع نافر، فيكون نافر ونفور، مثل شاهد وشهود.
وقوله: (نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظّالمون إن تتّبعون إلّا رجلا مسحورا (47)
(نجوى) في معنى المصدر، أي وإذ هم ذوو نجوى، والنجوى اسم للمصدر، وكانوا يستمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقولون بينهم: هو ساحر وهو مسحور وما أشبه ذلك من القول.
وقال أهل اللغة في قوله: (إلّا رجلا مسحورا) قولين:
أحدهما أن مسحورا ذو سحر، والسحر الرنّة، وقالوا: إن تتبعون إلا من له سحر بشر مثلكم يأكل الطعام.
قال لبيد:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا... عصافير من هذا الأنام المسحّر
[معاني القرآن: 3/243]
وقالوا: مسحورا أي قد سحر وأزيل عن حدّ الاستواء
(وقالوا أإذا كنّا عظاما ورفاتا أإنّا لمبعوثون خلقا جديدا (49)
الرّفات التراب، والرفات أيضا كل شيء حطم وكسر، وكل ما كان من هذا النحو فهو مبني على فعال، نحو الفتات والحطام والرفات والتراب.
وقوله: (خلقا جديدا)، في معنى مجدّد.
وقوله: (قل كونوا حجارة أو حديدا (50) أو خلقا ممّا يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الّذي فطركم أوّل مرّة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا (51)
أكثر ما جاء في التفسير في قوله: (أو خلقا ممّا يكبر في صدوركم)
إن هذا الخلق هو الموت، وقيل خلقا مما يكبر في صدوركم نحو السّماوات والأرض والجبال.
ومعنى هذه الآية فيه لطف وغموض، لأن القائل يقول: كيف يقال لهم كونوا حجارة أو حديدا وهم لا يستطيعون ذلك؟ فالجواب في ذلك أنهم كانوا يقرون أن اللّه جل ثناؤه خالقهم، وينكرون أن الله يعيدهم خلقا آخر، فقيل لهم استشعروا أنكم لو خلقتم من حجارة أو حديد لأماتكم اللّه ثم أحياكم، لأن القدرة التي بها أنشأكم - وأنتم مقرون أنه أنشأكم بتلك القدرة - بها يعيدكم، ولو كنتم حجارة أو حديدا، أو كنتم الموت الذي هو أكبر الأشياء في صدوركم.
وقوله: (فسيقولون من يعيدنا قل الّذي فطركم أوّل مرّة فسينغضون إليك رءوسهم).
أي فسيحركون رؤوسهم تحريك من يبطل الشيء ويستبطئه.
(ويقولون متى هو).
[معاني القرآن: 3/244]
يقال أنغضت رأسي إذا حركته أنغضه إنغاضا، ونغضت السّن تنغض نغضا، ونغض برأسه ينغض نغضا إذا حركه.
قال العجاج:
أسكّ نغضا لا يني مستهدجا


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 06:18 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي من الاية 52 الى اخر السورة

وقوله: (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنّون إن لبثتم إلّا قليلا (52)
أي يعيدكم يوم القيامة.
ومعنى تستجيبون بحمده. تستجيبون مقرين بأنه خالقكم.
وقوله: (وربّك أعلم بمن في السّماوات والأرض ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعض وآتينا داوود زبورا (55)
معنى ذكر داود ههنا أن اللّه - جل ثناؤه - أعلم أنه قد فضل بعض النبيين على بعض، أي فلا ينكروا تفضيل محمد - صلى الله عليه وسلم - وإعطاءه القرآن، فقد أعطى الله داود الزبور.
وقوله: (قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلا (56)
أي ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهتكم.
وجاء في التفسير أشياء في هذه الآية، منها أنه قيل: قل ادعوا العزير وعيسى لأن النصارى واليهود زعموا أن هؤلاء آلهتهم، فأعلمهم اللّه - عزّ وجلّ - أنهم لا يملكون كشف ضر عنهم ولا تحويلا من واحد إلى آخر، وقيل إنه يعنى به الملائكة لأن منهم من كان يعبد الملائكة.
وقيل إن قوما من
[معاني القرآن: 3/245]
العرب كانوا يعبدون نفرا من الجنّ، فأسلم أولئك النفر من الجن ولم يعلم بهم من كان يعبدهم، فقيل فادعوا هؤلاء فإنهم لا يملكون ضرا ولا نفعا.
وقوله: (أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إنّ عذاب ربّك كان محذورا (57)
بالياء والتاء.
(أولئك) رفع بالابتداء، و (الذين) رفع صفة لهم، و (يبتغون) خبر الابتداء، المعنى الجماعة الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة، والوسيلة والسّؤال، والسّؤل والطلبة، في معنى واحد.
(أيّهم أقرب).
إن شئت " أيّهم " كان رفعا بالابتداء، والخبر (أقرب)، ويكون المعنى يطلبون إلى ربهم الوسيلة - ينظرون أيهم أقرب إليه فيتوسلون به.
فإن قال قائل: فالذي أنكر عليهم هو التوسل بغير عبادة اللّه إلى اللّه، لأنهم قالوا: (ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى)، فالفرق بين المتوسلين إلى اللّه بمحبّة أنبيائه وملائكته وصالحي عباده أنهم يتوسلون بهم موحّدين اللّه عزّ وجلّ، لا يجعلون له شريكا في العبادة، والكفار يتوسلون بعبادة غير اللّه، فجعلوا الكفر وسيلتهم.
ويجوز أن يكون (أيّهم أقرب) بدلا من الواو في (يبتغون) فالمعنى يبتغي أيهم هو أقرب الوسيلة إلى اللّه، أي يتقرب إليه بالعمل الصالح.
(ويرجون رحمته ويخافون عذابه).
أي الذين يزعمون أنهم آلهة يرجون ويخافون.
[معاني القرآن: 3/246]
قوله: (وإن من قرية إلّا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذّبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا (58)
أي ما من أهل قرية ألا سيهلكون، إما بموت وإما بعذاب يستأصلهم.
(كان ذلك في الكتاب مسطورا).
أي مكتوبا.
(وما منعنا أن نرسل بالآيات إلّا أن كذّب بها الأوّلون وآتينا ثمود النّاقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلّا تخويفا (59)
(أن) الأولى نصب، و (أن) الثانية رفع.
المعنى ما منعنا الإرسال ألا تكذيب الأولين.
والتأويل أنهم سألوا الآيات التي استوجب بها الأولون العذاب، لمّا كذبوا بها، فنزل عليهم العذاب، والدليل على أنهم سألوا تلك الآيات قولهم: (لولا أوتي مثل ما أوتي موسى)، فأعلم اللّه - جل ثناؤه - أن موعد كفار هذه الأمة الساعة، فقال: (بل السّاعة موعدهم والسّاعة أدهى وأمرّ). فأخّرهم إلى يوم القيامة رحمة منه وتفضلا.
(وآتينا ثمود النّاقة مبصرة).
ويقرأ (مبصرة) فمن قرأ (مبصرة)، فالمعنى تبصرهم، أي تبين لهم، ومن قرأ (مبصرة) فالمعنى مبينة، (فظلموا بها)، أي فظلموا بتكذيبها.
وقوله: (وإذ قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالنّاس وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلّا فتنة للنّاس والشّجرة الملعونة في القرآن ونخوّفهم فما يزيدهم إلّا طغيانا كبيرا (60)
جاء في التفسير: أحاط بهم أي كلهم في قبضته، وعن الحسن أحاط بالناس أي حال بينهم وبين أن يقتلوك أو يغلبوك كما قال - عزّ وجلّ - (واللّه يعصمك من النّاس).
[معاني القرآن: 3/247]
وقوله: (وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلّا فتنة للنّاس).
جاء في التفسير أنها رؤيا بيت المقدس حين أسري به، وذلك أنه ارتدّ بعضهم حين أعلمهم قصة الإسراء به، وازداد المؤمنون المخلصون إيمانا.
وجاء في التفسير أنه يرو رأى في منامه قوما يرقون المنابر فساءه ذلك، فأعلم - صلى الله عليه وسلم - أنه عطاء في الدنيا.
(والشّجرة الملعونة في القرآن).
قيل في التفسير الملعون أكلها، وهي شجرة الزقّوم التي ذكرها اللّه في القرآن فقال: (إنّ شجرت الزّقّوم (43) طعام الأثيم (44).
وقال: (فإنّهم لآكلون منها فمالئون منها البطون (66).
وقال: (إنّها شجرة تخرج في أصل الجحيم (64).
فافتتن بها المشركون، فقال أبو جهل: ما نعرف الزقوم إلا أكل التمر بالزبد فتزقموا.
وقال بعض المشركين: النار تأكل الشجر فكيف ينبت فيها الشجر، فلذلك قال جل ثناؤه: (وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلّا فتنة للنّاس والشّجرة الملعونة في القرآن).
فإن قال قائل: ليس في القرآن ذكر لعنها؟
فالجواب في ذلك لعن الكفار وهم آكلوها.
وجواب آخر أيضا أن العرب تقول لكل طعام مكروه
وضارّ: ملعون.
وقوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا (61)
[معاني القرآن: 3/248]
المعنى لمن خلقته طينا، وطينا منصوب على جهتين:
إحداهما التمييز، المعنى لمن خلقته من طين.
ويجوز أن يكون " طينا " منصوب على الحال.
المعنى أنك أنشأته في حال كونه من طين.
وقوله: (قال أرأيتك هذا الّذي كرّمت عليّ لئن أخّرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنّ ذرّيّته إلّا قليلا (62)
جاءت " قال " ههنا بغير حرف عطف لأنه على معنى قال اسجد لمن خلقت طينا.
وقوله: (أرأيتك) في معنى أخبرني؛ فالكاف لا موضع لها، لأنها ذكرت في الخطاب توكيدا، وموضع (هذا) نصب بـ (أرأيتك).
والجواب محذوف المعنى أخبرني عن هذا الذي كرمت عليّ لم كرمته عليّ وقد خلقتني من نار وخلقته من طين، فحذف هذا لأن في الكلام دليلا عليه.
ومعنى: (لأحتنكنّ ذرّيّته إلّا قليلا).
لأستأصلنهم بالإغواء لهم، وقيل لأستولين عليهم.
والذي تقول العرب: قد احتنكت السّنة أموالنا إذا استأصلتها.
قال الشاعر:
نشكو إليك سنة قد أجحفت... جهدا على جهد بنا وأضعفت
واحتنكت أموالنا وجلّفت
وقوله: (قال اذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنّم جزاؤكم جزاء موفورا (63)
(جزاء موفورا).
أي موفر، يقال منه وفرته أفره فهو موفور.
قال زهير:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه... يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم
[معاني القرآن: 3/249]
وقوله: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشّيطان إلّا غرورا (64)
معناه استدعهم استدعاء تستخفهم به إلى إجابتك.
و(بصوتك) تفسيره بدعائك، وقيل (بصوتك) بأصوات الغناء والمزامير.
وقوله: (وأجلب عليهم بخيلك ورجلك).
أي أجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك، وقيل في التفسير: خيله ورجله كل خيل يسعى في معصية اللّه فهي من خيل إبليس، وكل ماش في معصية فهو من - رجال إبليس، ورجل جمع راجل، ويجوز ورجالك فيكون جمع راجل ورجال مثل صاحب وصحاب.
وجائز أن يكون لإبليس خيل ورجال.
وقوله: (وشاركهم في الأموال والأولاد).
أي مرهم أن يجعلوا من أموالهم شيئا لغير اللّه كما قال اللّه سبحانه: (فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا).
وما قالوه في السائبة والبحيرة.
والشركة في الأولاد قولهم: عبد العزى، وعبد الحرث.
وقيل شركته في الأولاد يعنى به أولاد الزنا، وهو كثير في التفسير، وكل معصية في ولد أو مال فإبليس اللعين شريكهم فيها.
قوله: (وعدهم وما يعدهم الشّيطان إلّا غرورا).
فإن قال قائل فكيف يجوز أن يؤمر إبليس أن يقال له شاركهم في الأموال والأولاد وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وعدهم بأنهم لا يبعثون؛ فإذا فعل ذلك فهو مطيع؟
فالجواب في ذلك أن الأمر على ضربين:
أحدهما متبع لا
[معاني القرآن: 3/250]
غير، والثاني إذا تقدمه نهي عما يؤمر به فالمعنى في الأمر الوعيد، والتهديد لأنك قد تقول: لا تدخلن هذه الدار، فإذا حاول أن يدخلها قلت: أدخلها وأنت رجل، فلست تأمره بدخولها ولكنك توعده وتهدده وهذا في اللغة والاستعمال كثير موجود، ومثله في القرآن: (اعملوا ما شئتم).
وقد نهوا أن يتبعوا أهواءهم وأن يعملوا بالمعاصي.
وقوله: (إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربّك وكيلا (65)
أي من أخلص فلا حجة لك عليه ولا سلطان.
(وكفى بربّك وكيلا).
أي كفى باللّه وكيلا لأوليائه، يعصمهم من القبول من إبليس.
وقوله: (ربّكم الّذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنّه كان بكم رحيما (66)
تفسير (يزجي) يسيّر، وقد زجّيت قدمت الشيء، وهذا الكلام ذكر معطوفا على قوله: (كونوا حجارة أو حديدا)
وقوله: (قل الّذي فطركم أول مرة) فالمعنى أنه يبعثكم الذي بدأ خلقكم، والابتداء والإنشاء أشد من الإعادة.
ثم أعلمهم أن الذي قدر على تسخير الفلك في البحر – والفلك كالجبال - قادر على إعادتهم، قال اللّه تعالى: (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام) أي كالجبال.
(وكان الإنسان كفورا).
الإنسان ههنا يعنى به الكفار خاصة.
وقوله: (أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البرّ أو يرسل عليكم حاصبا ثمّ لا تجدوا لكم وكيلا (68)
الحاصب التراب الذي فيه الحصباء، والحصباء حصى صغار.
[معاني القرآن: 3/251]
وقوله: (أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الرّيح فيغرقكم بما كفرتم ثمّ لا تجدوا لكم علينا به تبيعا (69)
(ثمّ لا تجدوا لكم علينا به تبيعا)
أي لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم، ولا من يتبعنا بأن يصرفه عنكم.
وقوله: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا (70)
تأويله أن اللّه - جل ثناؤه - فضلهم بالتمييز، وبأن سخر لهم ما في السّماوات والأرض وبحملهم في البر والبحر.
(وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا).
قال: (على كثير) ولم يقل على كلّ من خلقنا، لأن اللّه - جل وعلا - فضل الملائكة، فقال: (ولا الملائكة المقربون).
ولكن ابن آدم مفضل على سائر الحيوان الذي لا يعقل ولا يميز.
وجاء في التفسير أن فضيلة ابن آدم أنه يمشي قائما وأن الدوابّ والإبل والحمير وما أشبهها تمشي منكبّة، وأن ابن آدم
يتناول الطعام بيديه ويرفعه إلى فيه، وأن سائر الحيوان يتناول ذلك بفيه. وهذا الذي في التفسير هو بعض ما فضل به ابن آدم.
وفضله فيما أعطي من التمييز ورزق من الطيبات وبصّر من الهدى مع ما لا يحصى من النعم عليه كثير جدّا.
وقوله: (يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا (71)
وتقرأ يوم يدعو - بالياء - (كلّ أناس بإمامهم)، يعنى به يوم القيامة، وهو منصوب على اذكر يوم يدعو كل أناس بإمامهم، ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى يعيدكم الذي فطركم يوم يدعو كل أناس بإمامهم، ومعنى بإمامهم
[معاني القرآن: 3/252]
بدينهم الذي ائتموا به، وقيل بكتابهم، والمعنى واحد.
ويدل عليه (فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم).
أي من كان على حق أعطي كتابه بيمينه.
(ولا يظلمون فتيلا).
المعنى ولا يظلمون مقدار فتيل، والفتيل القشرة التي في شق النواة.
(ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا (72)
أي في هذه الدنيا.
(فهو في الآخرة أعمى).
وهذا من عمى القلب، أي هو في الآخرة أشد عمى.
وتأويله أنه إذا عمي في الدنيا، وقد عرّفه - جل وعلا - وجعل له إلى التوبة وصلة، وفسح له في ذلك إلى وقت مماته، فعمي عن رشده ولم يتب ففي الآخرة لا يجد متابا ولا متخلّصا مما هو فيه، فهو في الآخرة أشد عمى (وأضل سبيلا).
أي وأضل طريقا، لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية فقد حصل على عمله.
وقوله: (وإن كادوا ليفتنونك عن الّذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتّخذوك خليلا (73)
معنى الكلام كادوا يفتنونك، ودخلت " إن " واللام للتوكيد، وتأويله أن المشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لا نتركك تستلم الحجر حتى تلمّ بآلهتنا، فقال - صلى الله عليه وسلم - في نفسه، وما على أن أفعل ذلك واللّه يعلم ما في نفسي، وأتمكن من استلام الحجر.
هذا مما جاء في التفسير.
[معاني القرآن: 3/253]
وجاء في التفسير أيضا أن المشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اطرد عنك سقاط الناس ومواليهم وهؤلاء الذين رائحتهم رائحة الضأن، وذلك أنهم كانوا يلبسون الصوف، فقالوا: اطرد هؤلاء إن كنت أرسلت إلينا حتى تجلس إلينا ونسمع منك فهمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل في ذلك ما يستدعي به إسلامهم، فتوعده اللّه - عز وجل - فيه أشد الوعيد وعصمه الله من أن يمضي ما عزم عليه، فقال: (وإذا لاتّخذوك خليلا).
أي إن فعلت ما أرادوا لاتخذوك خليلا.
(ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا (74)
وحكيت (تركن) بضم الكاف.
يقال ركن يركن، وركن يركن، فتوعده اللّه في ذلك أشد التوعد، فقال:
(إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثمّ لا تجد لك علينا نصيرا (75)
والمعنى لو ركنت إليهم في ذلك الشّيء القليل إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات، أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات لأنك أنت نبي ويضاعف لك العذاب على عذاب غيرك لو جنى هذه الجناية كما قال: (يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين) لأن درجة النبي ودرجة آله الذين وصفهم الله فوق درجة غيرهم.
وقوله: (وإن كادوا ليستفزّونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلّا قليلا (76)
كانوا قد كادوا أن يخرجوا النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة فأعلمهم الله أنهم لو فعلوا ذلك لم يلبثوا بعده إلا قليلا.
وقيل (ليستفزّونك)، أي ليقتلونك.
[معاني القرآن: 3/254]
وقوله: (سنّة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنّتنا تحويلا (77)
(سنّة) منصوب بمعنى أنا سننّا هذه السنة فيمن أرسلنا قبلك من رسلنا.
أنهم إذا أخرجوا نبيهم من بين أظهرهم أو قتلوه لم يلبثهم العذاب أن ينزل بهم، وكان خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة مهاجرا بأمر اللّه.
وقوله: (أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودا (78)
دلوك الشمس زوالها وميلها في وقت الظهيرة، وكذلك ميلها إلى الغروب هو دلوكها أيضا، يقال: قد دلكت براح وبراح.
أي قد مالت للزوال حتى صار الناظر يحتاج إذا تبصرها أن يكسر الشعاع عن بصره براحته.
قال الشاعر:
هذا مقام قدمي رباح... للشمس حتى دلكت براح
وقوله: (إلى غسق اللّيل).
أي ظلمة الليل.
(وقرآن الفجر).
أي فأقم قرآن الفجر، وفي هذا الموضع فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة، لأن قوله أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر قد أمر أن
[معاني القرآن: 3/255]
نقيم الصلاة بالقراءة حتى سميت الصلاة قرآنا، فلا تكون صلاة إلا بقراءة.
وقوله: (إنّ قرآن الفجر كان مشهودا).
جاء في التفسير أن ملائكة الليل يحضرون قراءة الفجر، وملائكة النهار يحضرونها أيضا.
وقوله: (ومن اللّيل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا (79)
يقال تهجد الرجل إذا سهر، وهجد إذا نام، وقد هجّدته إذا نوّمته قال لبيد:
قلت هجّدنا فقد طال السّرى... وقدرنا إن خنا الدّهر غفل
وهذه نافلة لك زيادة للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصّة ليست لأحد غيره لأن اللّه - عز وجل - أمره بأن يزداد في عبادته على ما أمر به الخلق أجمعون، لأنه فضله عليهم، ثم وعده أن يبعثه مقاما محمودا.
والذي صحت به الرواية والأخبار في المقام المحمود أنه الشفاعة.
وقوله: (وقل ربّ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا (80)
(أدخلني مدخل صدق).
ومدخل صدق، (وأخرجني مخرج صدق).
وجاء في التفسير (أدخلني مدخل صدق) الجنّة، (وأخرجني مخرج صدق).
أي وأخرجني من مكة إلى المدينة.
وجاء أيضا مدخل ومخرج صدق دخوله
[معاني القرآن: 3/256]
المدينة وخروجه من مكة.
وجاء مدخل صدق ومخرج صدق الإدخال في الدين والخروج من الدنيا وهو على الحقّ، وجاء أيضا - وهو حسن - دخوله في الرسالة وخروجه مما يجب عليه فيها - صلى الله عليه وسلم - وكل ذلك حسن.
فمن قال مدخل - بضم الميم - فهو مصدر أدخلته مدخلا.
ومن قال مدخل صدق فهو على أدخلته فدخل مدخل صدق.
وكذلك شرح مخرج مثله.
وقوله: (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا).
أي اجعل نصرتي من عندك بتسليطي بالقدرة والحجة، وقد أجاب اللّه - عزّ وجلّ - دعاءه وأعلمه أنه يعصمه من الناس، فقال: واللّه يعصمك من النّاس)
وقال: (فإن حزب اللّه هم الغالبون).
وقال: (ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون).
وقوله: (قل كلّ يعمل على شاكلته فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا (84)
معناه على طريقته وعلى مذهبه، ويدل عليه: (فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا).
أي أهدى طريقا. ويقال هذا طريق ذو شواكل، أي يتشعّب منه طرق جماعة.
وقوله: (ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا (85)
سألت اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم -عن الروح وهم مقدرون أن يجيبهم بغير ما علم من تفسيرها، فأعلمهم أن الروح من أمر اللّه.
ثم قال:
[معاني القرآن: 3/257]
(وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا)
فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أوتينا التوراة، وفيها الحكمة، وقد تلوت: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا).
فأعلمهم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ علم التوراة قليل في علم اللّه.
فقال: (ولو أنّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه)
أي ما نفدت الحكمة التي يأتي بها اللّه عزّ وجلّ، فالتوراة قليلة بالإضافة إلى كلمات اللّه.
وقليل وكثير لا يصح إلا بالإضافة، فإنما يقل الشيء عندما يعلم أكثر منه، وكذلك يكثر عند معلوم هو أقل منه.
وقد اختلف الناس في تفسير الروح فقيل إن الروح جبريل ومن تأول ذلك فدليله قوله: (نزل به الرّوح الأمين (193) على قلبك).
وقيل إن الروح خلق لخلق بني آدم في السماء.
وقال بعض المفسرين: إن الروح إنما يعنى به القرآن.
قال: ودليل ذلك قوله: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) وكذلك قيل: الروح من أمر ربي، وتأويله تسمية القرآن بالروح أن القرآن حياة القلوب وحياة النفس فيما تصير إليه من الخير عند اللّه عزّ وجلّ.
وقوله: (ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلا (86)
أي لو شئنا لمحوناه من القلوب ومن الكتب حتى لا يوجد له أثر.
(ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلا).
[معاني القرآن: 3/258]
أي لا تجد من يتوكل في رد شيء منه.
وقوله: (إلّا رحمة من ربّك إنّ فضله كان عليك كبيرا (87)
استثناء ليس من الأول، والمعنى ولكن اللّه رحمك فأثبت ذلك في قلبك وقلوب المؤمنين. ثم احتج اللّه عليهم بعد احتجاجه بقوله (قل كونوا حجارة أو حديدا) بالقرآن فأعلمهم - وهم العرب العاربة أهل البيان، ولهم تأليف الكلام - فقال لهم:
(قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88)
والظهير المعين.
وقوله: (وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90)
هذا قولهم بعد أن انقطعت حجتهم ولم يأتوا بسورة من القرآن ولا دفعوا أن يكون معجزة، فاقترحوا من الآيات ما ليس لهم، لأن الذي أتاهم به من القرآن وانشقاق القمر وما دلهم به على توحيد اللّه أبلغ وأعجز في القدرة مما اقترحوا، فقالوا: (حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا).
والينبوع تقديره تقدير يفعول، من نبع الشيء.
وقوله: (أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا (91) أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا (92)
(كسفا) و (كسفا)، فمن قرأ (كسفا) جعلها جمع كسفة، وهي القطعة.
ومن قرأ (كسفا) فكأنّه قال أو تسقطها طبقا علينا، واشتقاقه من كسفت الشيء إذا غطيته.
وقوله: (أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا).
في " قبيل " قولان، جائز أن يكون. تأمر بهم حتى نراهم مقابلة.
وأن يكون قبيلا كفيلا، يقال قبلت به أقبل قبالة، كقولك: كفلت به أكفل كفالة،
[معاني القرآن: 3/259]
وكذلك قول الناس: قد تقبل فلان بهذا أي تكفل به.
وقوله: (أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربّي هل كنت إلّا بشرا رسولا (93)
جاء في التفسير أن معناه بيت من ذهب، وأصل الزخرف في اللغة والزخرفة الزينة، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: (حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها) أي أخذت كمال زينتها.
وزخرفت الشيء إذا أكملت زينته، ولا شيء في تزيين بيت وتحسينه، وزخرفته كالذهب.
فليس يخرج ما فسروه عن الحق في هذا.
وقوله: (أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك).
يقال في الصعود: رقيت أرقى رقيا، ويقال فيما تداويه بالعوذة: رقيت أرقى رقية ورقيا.
وقوله: (حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه).
أي حتى تنزّل علينا كتابا يشهد بنبوتك.
فأعلم اللّه - جل ثناؤه - أن ذلك لو نزل عليهم لم يؤمنوا فقال: (ولو نزّلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحر مبين (7).
فإذا كانوا يدعون فيما يعجز عنه أنه سحر فكيف يوصل إلى تبصيرهم والتبيين لهم بأكثر مما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الآية الباقية، وهي القرآن، ومن الأنباء ما يدبرونه بينهم وبما يخبرهم به من أخبار الأمم السالفة، وهو لم يقرأ كتابا ولا خطه بيمينه، وقد أنبأ - صلى الله عليه وسلم - ودل على نبوته كل ما يخطر بالبال.
وقوله: (وما منع النّاس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلّا أن قالوا أبعث اللّه بشرا رسولا (94)
[معاني القرآن: 3/260]
موضع (أن) نصب.
وقوله: (إلّا أن قالوا).
موضع (أن قالوا) رفع، المعنى ما منعهم من الإيمان إلا قولهم: (أبعث اللّه بشرا رسولا).
فأعلم اللّه أن الأعدل عليهم، والأبلغ في الأداء إليهم بشر مثلهم وأعلمهم أن (لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنّين) أي يمشون مستوطنين الأرض (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا)، لأنه لا يرسل إلى خلق إلا ما كان من جنسه.
وقوله: (قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم إنّه كان بعباده خبيرا بصيرا (96)
قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - من يشهد لك بأنك رسول اللّه، فقال: اللّه يشهد لي.
و (كفى باللّه شهيدا) في موضع رفع، المعنى كفى اللّه شهيدا.
و (شهيدا) منصوب على نوعين، إن شئت على التمييز، كفى اللّه من الشهداء، وإن شئت على الحال، المعنى كفى اللّه في حال الشهادة.
وقوله: (ومن يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصمّا مأواهم جهنّم كلّما خبت زدناهم سعيرا (97)
(كلّما خبت زدناهم سعيرا).
أي كلما خمدت، ونضجت جلودهم ولحومهم بدلهم اللّه غيرها ليذوقوا العذاب.
وقوله: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا (100)
هذا جواب لقولهم: (لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90).
فأعلمهم اللّه - جل وعلا - أنهم لو ملكوا خزائن الأرزاق لأمسكوا شحّا وبخلا، فقال:
(إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا).
يعنى بالإنسان ههنا الكافر خاصة كما قال - عزّ وجلّ: (إنّ الإنسان لربّه
[معاني القرآن: 3/261]
لكنود (6)
أي لكفور، (وإنّه لحبّ الخير لشديد) أي من أجل حب الخير وهو المال لبخيل.
فأمّا (أنتم) فمرفوع بفعل مضمر، المعنى قل لو تملكون أنتم - لأن لو يقع بها الشيء لوقوع غيره، فلا يليها إلا الفعل، وإذا وليها الاسم عمل فيها الفعل المضمر، ومثل ذلك من الشعر قول المتلمس:
فلو غير أخوالي أرادوا نقيصتي... جعلت لهم فوق العرانين ميسما
المعنى لو أراد غير أخوالي.
والقتور: البخيل.
وقوله: (ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إنّي لأظنّك يا موسى مسحورا (101)
قيل في التفسير إنها أخذ آل فرعون بالسنين وهي الجدب حتى ذهبت ثمارهم، وذهبت من أهل البوادي مواشيهم.
ومنها إخراج موسى يده بيضاء للناظرين، ومنها إلقاؤه عصاه فإذا هي ثعبان مبين، وأنها تلقفت إفك السّحرة.
ومنها إرسال اللّه عليهم الطوفان - نعوذ بالله منه، والجراد والقمّل والضفادع والدّم، فذلك تسع آيات.
وقد قيل إن البحر منها.
ومن آياته انفجار الحجر ولكنه لم يرو في التفسير.
[معاني القرآن: 3/262]
وقوله: (إنّي لأظنّك يا موسى مسحورا)
لم يجد فرعون ما يدفع به الآيات إلا إقراره على نفسه بأنه ظانّ أن موسى مسحور، فأعلمه اللّه أن فرعون قد بين أنها آيات فقال:
(قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلّا ربّ السّماوات والأرض بصائر وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبورا (102)
يعنى الآيات.
(إلّا ربّ السّماوات والأرض بصائر).
وقرأ بعضهم لقد علمت - بضم التاء - والأجود في القراءة لقد علمت - بفتح التاء - لأن علم فرعون بأنها آيات من عند اللّه أوكد في الحجة عليه.
ودليل ذلك قوله عزّ وجلّ في فرعون وقومه: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا).
وقوله: (وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبورا).
أي لأظنك مهلكا، يقال: ثبر الرجل فهو مثبور إذا هلك.
وقوله: (فأراد أن يستفزّهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا (103)
أي فأراد فرعون أن يستفز موسى وقومه من الأرض فجائز أن يكون استفزارهم إخراجهم منها بالقتل أو بالتنحية.
(فأغرقناه ومن معه جميعا)
وقوله: (وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا (104)
(جئنا بكم لفيفا).
أي آتينا بكم من كل قبيلة، واللفيف الجماعات من قبائل شتى.
وقوله: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على النّاس على مكث ونزّلناه تنزيلا (106)
وتقرأ (فرّقناه) - بالتشديد، وقرآنا منصوب بفعل مضمر، المعنى: وما
[معاني القرآن: 3/263]
أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا، تبشر المؤمنين بالجنة وتنذر من عصى اللّه بالنار، وقرآنا فرقناه.
أنزل اللّه " عزّ وجلّ القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في عشرين سنة، فرقه اللّه في التنزيل ليفهمه الناس، فقال: (لتقرأه على النّاس على مكث).
ومكث جميعا، والقراءة بضم الميم.
وقوله: (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إنّ الّذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجّدا (107)
(يخرّون للأذقان سجّدا)
لأن الذي يخر وهو قائم يخر لوجهه، والذّقن مجتمع اللّحيين وهو عضو من أعضاء الوجه، وكما يبتدئ المبتدئ يخر فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذّقن.
و (سجّدا) منصوب على الحال.
وقوله: (ويقولون سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا (108)
معناه ما كان وعد ربنا إلا مفعولا.
وإن واللام دخلتا للتوكيد.
وقوله: (قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا (110)
لما سمعت العرب ذكر الرحمن قالت: أتدعونا إلى اثنين إلى اللّه وإلى الرحمن.
واسم الرحمن في الكتب الأول المنزلة على الأنبياء.
فأعلمهم اللّه أن دعاءهم الرحمن ودعاءهم اللّه يرجعان إلى شيء واحد فقال: (أيّا ما تدعوا) المعنى أي أسماء اللّه تدعوا (فله الأسماء الحسنى).
(ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها).
المخافتة الإخفاء، والجهر رفع الصوت، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جهر
[معاني القرآن: 3/264]
بالقرآن سب المشركون القرآن، فأمره اللّه - جلّ وعزّ - ألا يعرض القرآن لسبهم، وألا يخافت بها مخافتة لا يسمعها من يصلي خلفه من أصحابه.
(وابتغ بين ذلك سبيلا).
أي اسلك طريقا بين الجهر والمخافتة.
وقوله: (وقل الحمد للّه الّذي لم يتّخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليّ من الذّلّ وكبّره تكبيرا (111)
يعاونه على ما أراد.
(ولم يكن له وليّ من الذّلّ).
أي لم يحتج إلى أن ينتصر بغيره.
(وكبّره تكبيرا).
أي عظّمه عظمة تامّة.
[معاني القرآن: 3/265]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir