دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 21 ربيع الثاني 1443هـ/26-11-2021م, 02:10 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

(10) إبليس:
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة: ( (10)
إبليس
ليس في التوراة «إبليس»، وإنما فيها «ساطان» بمعنى العدو، وهي نفسها «شيطان» العربية، كما مر بك.
وفي العبرية أيضًا «عزازيل» اسمًا علمًا لإبليس، ومعناها «عزيز الله»، على ماي روى من شأنه قبل أن يُبلس في أقاصيص أهل الكتاب، وتابعهم فيه لفيف من مفسري القرآن الذين قالوا بأن إبليس كان من الملائكة ثم «أبلس» بعد، وهذا لا يصح فيه عن الصادق المصدوق حديث، بل يعارض صريح القرآن: {كان من الجن} [الكهف: 50]، على ما ذكرناه آنفًا. وربما جاء الخلط عند أهل الكتاب من افتقار العبرية إلى اسم لصنف الجن، بل تسوى في الاسم بين الملائكة والجن: كلاهما فيها «روح»، «ملآخ»، أي روح، ملك.
وليس في الأناجيل اليونانية أيضًا «إبلس»، بل فيها «ساتان» Satan وهي نفسها «ساطان» العبرية على الرسم اليوناني، وتُرجمت في الأناجيل العربية بلفظ «شيطان»، وبلفظ «إبليس» أحيانًا، لا على الترجمة، وإنما استئناسًا باسمه الوارد في القرآن.
وفي الأناجيل اليونانية اسم آخر للشيطان، وهو «ذيبليس» Diabolos (والسين فيه للرفع وتحذف في غيره) ومن هذه جاءت Diable الفرنسية و Devil الإنجليزية، وأشبهاههما في اللغات الأوروبية الحديثة بمعنى «الشيطان» لا أكثر ولا أقل. وقد خالفت تلك اللغات بين أصل وضع اللفظين «ساطان» و«ذيبليس»، فهي تجعل «ساطان» اسمًا علمًا للشيطان يناظر «إبليس» في العربية، وتأخذ «ذيبليس» على أنه «اسم معنى» يقبل التنكير كما يقبل الإفراد والجمع.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/210]
أما «ذيبليس» اليونانية فليست ترجمة يونانية للفظ «ساطان» العبري (بمعنى العدو) كما قد يظن، وإنما هي على الفاعلية من اليونانية «ذيابولي» Diaboli وهو «القذف» بالمعنى القانوني أي الرجم بالباطل، فهو الرجيم بمعنى الراجم، لا رجيم بمعنى مرجوم كما تجد في القرآن. وربما تعللت لهم في هذه التسمية بقولهم إن الشيطان أفترى على الله الكذب، ينسبه إلى الظلم لأنه عز وجل فضل عليه آدم، فلما اعترض – وكأنه محق في هذا الاعتراض – سلبه الله عز وجل كل جماله، وأودع فيه كل قبح، أي مسخ الملك الذي كانه، على نحو ما تجد في أقاصيص أهل الكتاب وفي الأساطير التي نسجت حول إبليس. وربما أيضًا لأنه أبو الباطل، أي أصل كل تجديف على الواحد الأحد جل جلاله، من عقائد باطلة وآلهة مصنوعة، كما تجد في قوله عز وجل على لسان نفر من الجن المؤمن: {وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} [الجن: 3 – 5] ومن هنا ترى أن «ذيبليس» اليونانية هذه ليست ترجمة للفظ «ساطان» العبري بمعنى العدو، وهي شيطان العربية، وإنما هي بالأحرى صفة لإبليس بمعنى القاذف الراجم، أي الذي يفتري الباطل. وربما ظننت أن «ذيبليس» Diabolos اليونانية هذه ليست أصلاً يونانية، بل عبرية – ىرامية نطق بها المسيح وتحرفت في الأناجيل: ربما كانت «دي - هبل»، تحرفت إلى «ذيبليس» عند من يهمسون الهاء وينطقون دالهم ذالا – اليونان كما مر بك – أما «دي» عبريا فمعناها «ذو»، وأما «هبل» عبريا فمعناها الباطل الذاهب هباء.
ومن المستشرقين من قال بأن «إبليس» معربة في القرآن عن «ذيبليس» التي في الأناجيل، كما أخذ «شيطان» من ساطان العبرية.
ومن مفسري القرآن (راجع تفسير القرطبي للآية 34 من سورة البقرة) من قال بعجمة «إبليس»، وأنها منعت من الصرف لهذا السبب وحده، ولكنهم لم يذكروا الأصل الذي عرب عنه، ولم يسموا اللغة المشتق منها.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/211]
ومن اللغويين العرب كذلك من يرون أن «إبليس» من الأعجمي المعرب، يكتفون بذلك ولا يسمون اللغة المشتق منها.
أما الكثرة من مفسري القرآن (راجع القرطبي في نفس الموضع) فهم يقولون بعربية «إبليس» يشتقونها من الإبلاس، ويعللون امتناع الصرف بالعلمية وانعدام النظير في أسماء المعاني، فشبه بالأعجمي.
والذي يستوقف النظر، أن أشهر معاجم اللغة الإنجليزية، على شغفه برد الألفاظ والأعلام الأعجمية (أعني غير الإنجليزية) إلى جذورها البعيدة في شتى اللغات الحية والميتة على السواء، يتوقف في «إبليس» فيقول: اسم عربي يطلقه المسلمون على الشيطان، ولا يذكر أصله من العربية أو غيرها.
هذا وذاك يدلانك على أن عجمة «إبليس» أو اشتقاقها من «ذيبليس» اليونانية بالذات، مسألة فيها شك عند اللغويين الأثبات لا يقطعون فيها بيقين، لأن القول بعجمة لفظ في لغة ما يتطلب – أول ما يتطلب – التدليل على وجود أصل لهذا اللفظ في لغة بعينها استعير منها.
والملاحظة الأولى على خطأ القول بأن «إبليس» معربة عن «ذيبليس» بحذف دالها البادئة (المنطوقة في اليونانية ذالا) وإبدال الهمزة منها، أنه قول لا يصح في حق القرآن، الذي يتنزه عن هذه الصورة «البتراء» من صور التعريب، التي لم يقع مثلها قط في «معربات» القرآن. هذا ما لم يسلم أولئك المستشرقون للقرآن بالتضلع من فقه اللغة اليونانية، فيدرك أن المقطع «ذيا» dia من مقاطع الزيادة في تلك اللغة، يجوز الاستغناء عنه. والفقيه باليونانية لا يستعصى عليه أصلاً معنى لفظ «ذيبليس» في تلك اللغة – وقد مر بك معناه – فلا يستعيره ولديه من العربية في معناه ما هو أبلغ وأبين.
أما الملاحظة الثانية فهي أن العرب لم يعرفوا «ذيبلس» اليونانية هذه قبل القرآن أو بعده، لا على أصلها ولا في صورة محرفة، وإلا لوقعت في تفاسير المفسرين. وليس من شأن القرآن كما مر بك أن يتعاجم على المنزل إليهم بالأعجمي الأعجم.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/212]
إبليس عربية. ولكنها من «العربي» المشكل.
ووجود اللفظ المشكل في القرآن مقصود: إنه يستثيرك إلى تحري المعنى، فتزداد علما، وتزداد فهمًا، وتزداد إيمانًا. وقد روى عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ما معناه: ثوروا القرآن أي ابحثوا وتمعنوا. والمشكل يستوقفك للبحث والنظر، فتكون ممن قال فيهم الحق سبحانه: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا} [الفرقان: 73].
وقد أشكلت «إبليس» على القائلين بعجمتها وعلى القائلين بعربيتها معًا.
أما الأولون فهم ذلك الفريق من المفسرين واللغويين الذين إذا استغلق عليهم لفظ في العربية سارعوا إلى افتراض عجمته، وتلمسوا له النظير في غيرها من اللغات. وقد أسرفوا في هذا أيما إسراف، بل كانوا التكأة التي توكأ عليها أدعياء الاستشراق الذين بَهروا تلاميذَهم، وقد ظنوا أنهم أتوا بجديد. من ذلك قولهم (راجع مقدمة تفسير القرطبي) إن «غساق» يعني اللحم البارد المُنتن في لغة الترك فلا تدري كيف يجتمع الحميم والغساق في قوله عز وجل: {لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا} [النبأ: 24 – 25]، وقولهم إن «القسطاس» يعني الميزان بالرومية، وليس في الرومية من هذا شيء، بل «قسط» العربي، «قاشاط» العبري، أولى، وقد مر بك القول في «قسطاس». ولكن «إبليس» استعصت على هؤلاء المفسرين فلم «يهتدوا» إلى أصل لها في لغة أعجمية، واهتدى إلى هذا الأصل المستشرقون من بعد في دعواهم أن «إبليس» من «ذيبليس» الإنجيلية، وكأن القرآن يخاطب العرب بيونانية يفهمونها، كما ظنوا أن المسيح عليه السلام يخاطب قومه الآرامي اللسان بيونانية فشت فيهم.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/213]
أما الفريق الثاني القائل بعربية «إبليس» فلم يكن أمامه إلا اشتقاقها من الإبلاس. يعني أنها «إفعيل» من «أبلس»، فهو المبلس على المبالغة. وقد ورد لفظ «الإبلاس» في القرآن خمس مرات: {ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون} [الروم: 12]، {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44]، {حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون} [المؤمنون: 77]، {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون} [الزخرف: 74 – 75]، {فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين} [الروم: 48 – 49]. وليس في هذه الآيات ما يشهد لمعنى الإبلاس إلا الشاهدان الثاني والخامس، أي وضع الإبلاس في مقابلة الفرح والاستبشار، وربما استنبطت من «إبلاس المجرمين يوم تقوم الساعة» في الشاهد الأول أن الإبلاس حال من اليأس وانقطاع الرجاء، ومن الشاهدين الثالث والرابع كذلك.
أما المعجم العربي فيقول لك إن «أبلس» يعني سكت لحيرة أو انقطاع حجة، وليس في العربية إلا أبلس بالهمزة غير متعد، وكأنها من «بلسه فأبلس» إلا أنه لم تسمع «بلس». وفي «العبرية» بلس يعني قطف، أي جمع ثمار التين خاصة. والبلس في العربية نوع من التين. هذا وذاك يدلانك على أن المعنى الأصلي لمادة «بلس» هو القطع، وكأنه مبدل من «بلت» يعني «قطع». والانقطاع يفسر «الإبلاس» أبين تفسير في الآيات التي تلوت توا، تطبقه على الشواهد القرآنية الخمسة فيستجيب. وهو يفيد أيضًا في تأصيل معنى «أبلس» في المعجم العربي، وهو الإطراق تحيرا والسكوت لانقطاع الحجة. وفي العربية أيضًا «بلسم» وهي «بلس» مزيدة بالميم، ومعناها أطرق وعبس وجهه، وهي من «أبلس» قريب. وكأن معنى «إبليس» المقطوع الحجة في الامتناع عن السجود لآدم، أو هو – كما ذكر القرطبي – الآيس من رحمة الله وقد فعل ما فعل.
هذا إن اشتققت «إبلس» من الإبلاس، وليس عندي بوجيه، كما سترى.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/214]
مر بك أن العلم المذكور في القرآن على غير سابقة في التوراة والإنجيل يرد في القرآن على أصله عربيًا، لأنه لم تثبت له العلمية من قبل بلفظ مغاير يوجب على القرآن التزامه، كما ثبتت العلمية لجبريل وميكال ونوح ولوط، إلخ، على اللفظ الآرامي – العبري في صحف إبراهيم وموسى. ولم يرد ذكر للفظ إبليس في التوراة والإنجيل بنصهما المعاصر لنزول القرآن.
وقد ثبتت العلمية لإبليس بهذا الاسم في الملأ العلى على النداء من الله عز وجل: {قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين} [الحجر: 32]، وهذا قاطعٌ في أن إبليس سمي بهذا الاسم قبل إهباط آدم من الجنة، أي على اللفظ العربي قبل أن تتفرق ألسنة البشر لهجات فلغات، شأنه شأن آدم، خلافًا لجبريل وميكال اللذين لم يخاطبا في القرآن على النداء من الله عز وجل لسبق ثبوت العلمية لهما على اللفظ الآرامي – العبري في التوراة والإنجيل. أما إبليس وآدم فقد خوطبا على النداء من الله عز وجل باسميهما هذين، فهما كما قال سبحانه، لا يبدل القول لديه.
والذي يتعين التنبيه إليه، أن تسمية إبليس بهذا الاسم في القرآن جاءت مقترنة بعصيانه، أي بامتناعه عن السجود لآدم، فور هذا الامتناع مباشرة، قبل صدور الحكم الإلهي بإدانته وانقطاع رجائه: {قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها فإنك رجيم وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين} [ص: 75 – 78]، والذي يلعنه الله فقد انقطع رجاؤه.
وهذا يعني أن إبليس سمي بهذا الاسم لمجرد امتناعه، وقبل انقطاع رجائه. فلا يصح أن تكون «إبليس» بمعنى الآيس من رحمة الله، كما تجد في «القرطبي»، لأن إبليس لم يكن قد يئس بعد. ولا يصح أن تكون بمعنى المقطوع الحجة، فلم يكن قد أدلى بعد بحجته: «خلقتني من نار وخلقته من طين». ولا يصح أن تكون بمعنى الذي أطرق تحيرا، لا يُحير جوابا، فقد استعلن إبليس بمكنونة نفسه مجترئًا على خالقه، مستدركًا على مولاه، فضلاً عن أن «الإطراق تحيرا» قليل في وصف حال إبليس. وإنما الذي يصح هو أن تكون «إبليس» بمعنى العاصي، الرافض، المتأبي، الممتنع. وليس في «الإبلاس» من هذه المعاني شيء.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/215]
الراجح عندي، والله عز وجل بغيبه أعلم، أن «إبليس» تعني الذي أبى، كنية له بحال امتناعه وتأبيه، جاءت على المزجية من «أب + ليس، أي هو «أبو لس»، وقد مر تفصيل هذا في موضعه من «الفصل الثالث» من هذا الكتاب، في اشتقاق «ليس» ومعناها، فارجع إليه.
وقد وردت «إبليس» في القرآن إحدى عشرة مرة، معقبًا على سبع منها بالتأبي والامتناع والرفض: {إلا إبليس أبى} [البقرة: 34]، {إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} [الأعراف: 11 – 12]، {إلا إبليس أبى} [الحجر: 31]، {قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون} [الحجر: 31 – 33]، {إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} [الكهف: 50] – وفسق عن المر يعني خرج عليه -، {إلا إبليس أبى} [طه: 116]، {قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} [ص: 75] وجاءت أيضًا معقبا عليها بالاستكبار الذي يفيد الامتناع مرتين: {إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين} [ص: 74]. أما في المرتين العاشرة [الشعراء: 95] والحادية عشرة [سبأ: 20] فهما فقط اللتان جاءت فيهما «إبليس» على العلمية المجردة غير معقب عليها بشيء.
«إبليس» إذن هو «هامة العصاة»، أي: «أبوهم».
والله عز وجل بغيبه أعلم).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/210-216]


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعجمي, العَلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir