دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 03:34 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَأنْ يَكُون مَقْدُوراً عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ آبِقٍ وَشَارِدٍ وَطَيْرٍ فِي هَوَاءٍ وسَمَكٍ فِي مَاءٍ، وَلاَ مَغْصُوبٍ مِن غَيْر غَاصِبِهِ، أوْ قَادِرٍ عَلَى أخْذِهِ
قوله: «وأن يكون مقدوراً على تسليمه» هذا هو الشرط الخامس، والضمير في قوله: «يكون» يعود على المعقود عليه سواء كان الثمن أو المثمن، أي: يشترط أن يكون المبيع أو الثمن مقدوراً على تسليمه، أي: يقدر على تسليمه، فيكون كل من البائع والمشتري قادراً على تسلم أو تسليم ما انتقل من ملكه أو إلى ملكه، ودليل هذا الشرط ما يلي:
أولاً: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] ، فبيع ما لا يقدر على تسليمه من الميسر؛ ووجه ذلك أن بيع ما لا يقدر على تسليمه سيكون بأقل من ثمنه الحقيقي؛ لأن المشتري مخاطر قد يحصل عليه وقد لا يحصل، فإذا قدر أن هذا الذي لا يقدر على تسليمه يساوي مائة لو كان مقدوراً على تسليمه، فسيباع إذا كان لا يقدر على تسليمه بخمسين، فيبقى المشتري الآن إما غانماً وإما غارماً، إن قدر عليه فهو غانم، وإن فاته فهو غارم، وهذه هي قاعدة الميسر.
ثانياً: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، ووجه الدلالة أن ما يعجز عن تسليمه لا يرضى به الإنسان غالباً، ولا يقدم عليه إلا رجل مخاطر قد يحصل له ذلك، وقد لا يحصل له.
ثالثاً: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيع الغرر، أخرجه مسلم[(1)]؛ ووجه كونه غرراً أن المعجوز عن تسليمه لا بد أن تنقص قيمته، وحينئذٍ إن تمكن المشتري من تسلُّمِه صار غانماً، وإن لم يتمكن صار غارماً، وهذا هو الضرر.
والذي لا يقدر على تسليمه لا شك أنه غرر، إذ قد يبذل المشتري الثمن ولا يستفيد.
رابعاً: ونستدل عليه ـ أيضاً ـ بالنظر الصحيح، وهو أن المسلمين يجب أن يكونوا قلباً واحداً متآلفين متحابين، وهذا البيع يوجب البغضاء والتنافر؛ وذلك أن المشتري لو حصل عليه لكان في قلب البائع شيء يغبطه ويحسده عليه، ولو لم يقدر عليه لكان في قلب المشتري شيء يغبط البائع ويحسده عليه، وكل ما أدى إلى البغضاء والعداوة فإن الشرع يمنعه منعاً باتّاً؛ لأن الدين الإسلامي مبني على الألفة والمحبة والموالاة بين المسلمين.
فصار الدليل على اشتراط هذا الشرط: القرآن، والسنة، والنظر الصحيح.
ثم فرع المؤلف على هذا الشرط فقال:
«فلا يصح بيع آبق وشارد» الآبق هو العبد الهارب من سيده، والشارد هو الجمل الشارد من صاحبه.
فبيع الآبق لا يصح سواء عُلم خبره أم لم يعلم؛ لأنه غير مقدور على تسليمه، فالبائع لا يستطيع أن يسلمه للمشتري حتى لو علمنا خبره، وأنه أبق إلى البلد الفلاني؛ لأن العثور عليه يصعب، لا سيما مع ضعف السلطان، وعدم استتباب الأمن، وعدم الضبط فيصعب جدّاً أن يناله المشتري[(2)].
وقوله: «فلا يصح بيع آبق» ظاهره سواء كان المشتري قادراً على رده أم غير قادر.
وقيل: إن كان قادراً على رده فإن البيع صحيح؛ لأن الحكم يثبت بعلته ويزول بزوال العلة، فإذا كان هذا الرجل يعلم مكان الآبق، وهو قادر على أخذه بكل سهولة؛ فما المانع من صحة البيع، لكن بشرط ألا يغر البائع، أي: ألاّ يوهمه أنه لا يقدر على العثور عليه؛ وذلك لأنه إذا أعلمه أنه قادر عليه فسوف يرفع السعر، أي: ثمنه، وإذا لم يعلم فسوف يخفض السعر، فلا بد من أن يعلمه.
وقوله: «ولا شارد» الشارد هو الجمل الهارب، وهذا مثال، وإلا فلو أن بقرة هربت أو شاة أو ما أشبه ذلك، وعُجز عنها فهي داخلة في هذا.
قوله: «وطير في هواء» مثل أن يكون عند الإنسان حمام، وليس الآن في مكانه فيبيعه صاحبه، فإن بيعه لا يصح؛ لأنه غير مقدور عليه. وظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح بيعه ولو ألف الرجوع، وكان من عادته أن يأتي في الليل ويبيت في مكانه فإنه لا يصح بيعه؛ وذلك لأنه ـ وإن كان آلفاً للرجوع ـ فقد يُرمى، وقد يهلك، إذ ليس بين أيدينا الآن.
وقيل: إن ألف الرجوع صح البيع، ثم إن رجع، وإلا فللمشتري الفسخ، وهذا القول أصح.
فإذا حضر وأراد البائع ألاَّ يسلمه إياه أجبرناه على تسليمه إياه؛ لأن البيع وقع صحيحاً، وإن لم يحضر فإن للمشتري الفسخ؛ لأن المشتري لم يشتر شيئاً لا ينتفع به، ولا يعود عليه.
قوله: «وسمك في ماء» أي: ولا بيع سمك في ماء ولو كان مرئياً فإنه لا يجوز بيعه.
وظاهر كلام المؤلف ولو كان مرئياً بمكان يمكن أخذه منه؛ لأنه أطلق قال: «سمك في ماء» ، ولكن الصحيح الذي مشى عليه في الروض[(3)]، أنه إذا كان مرئياً يسهل أخذه فإنه يجوز بيعه، كالسمك الذي يكون في برك بعض البساتين، لكن سمك في البحر أو في نهر لا يصح بيعه، أو في مكان ليس بحراً ولا نهراً؛ لكن يصعب أخذه فإنه لا يصح بيعه؛ وذلك لأن هذا السمك ربما ينغرز في الطين فلا يقدر عليه.
قوله: «ولا مغصوب من غير غاصبه أو قادر على أخذه» المغصوب ما أخذ من مالكه قهراً، أي: لا يصح بيع مغصوب من المالك، فلو أن مالك المغصوب باعه على طرف ثالث فإنه لا يصح؛ لأنه غير مقدور على تسليمه، إلا أن المؤلف استثنى قال: «من غير غاصبه أو قادر على أخذه» فإن كان من غاصبه بأن قال المالك للغاصب: اشتر مني ما غصبتني، فاشتراه فهذا صحيح؛ لأن العلة وهي القدرة على التسليم موجودة؛ إذ أن هذا المغصوب عنده فيصح البيع، لكن بشرط ألاَّ يمنعه إياه بدون البيع، فإن منعه الغاصب إياه إلا بالبيع فالبيع غير صحيح؛ لأنه بغير رضا ومن شرط البيع الرضا، أي: بأن قال الغاصب: أنا لا أرده عليك وأريد أن تبيعه علي، فالمالك باعه عليه اضطراراً؛ لأنه يقول: آخذ العوض، ولا يذهب مالي وعوض مالي فإن البيع لا يصح.
وإن بذل الغاصب ثمناً أكثر من قيمته أضعافاً مضاعفة، وباعه المالك عليه فهل يصح أو لا؟
الجواب: لا يصح ما دام لم يرض حتى لو أعطي أضعافاً مضاعفة؛ لأن المالك ربما لا يرضى أن يبيعه على الغاصب ولو أعطاه أضعاف أضعاف القيمة؛ لأنه يريد أن يتشفى منه، وهو يعرف أنه لو أخذ هذه القيمة اشترى عشرة من جنس ما أخذ منه، لكن يريد أن يحول بين الغاصب وبين جشعه وطمعه، فيقول: أنا لا أبيع أبداً، فهذا نقول: لا يصح البيع ولو كان بأضعاف مضاعفة.
وقوله: «أو قادر على أخذه» أي: على أخذه من الغاصب، مثل أن يغصبه شخص، فيبيعه المالك على عم هذا الشخص القادر على أخذه منه، أو على أبيه فإنه يصح؛ لأن علة صحة البيع وهي القدرة على أخذه موجودة، فإن كان المشتري اشتراه بناء على أنه قادر على أخذه ولكنه عجز فيما بعد، فله الفسخ؛ لأنه تعذر الحصول على مقصودهم.
قوله: «وأن يكون معلوماً برؤية أو صفة» هذا هو الشرط السادس من شروط البيع: أن يكون المبيع معلوماً برؤية أو صفة، أي: عند البائع والمشتري، فلا يكفي علم أحدهما، والجهل إما أن يكون منهما جميعاً، أو من البائع وحده أو من المشتري وحده، وفي كل الصور الثلاث لا يصح البيع، فلا بد أن يكون معلوماً عند المتعاقدين، ودليل ذلك حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيع الغرر[(114)]، والمجهول بيعه غرر لا شك.
فإن قيل: لماذا نهي عن الغرر؟
قلنا: لما يحصل به من العداوة والبغضاء والكراهية؛ لأن المغلوب منهما سوف يكره الغالب فلذلك نُهي عن بيع الغرر.
مسألة: هل يشترط أن يكون المشتري عنده علم بالمبيع؟ مثل ما لو كان المبيع جوهراً ـ والجواهر معلوم أن أهلها مخصوصون ـ فأراد أن يبيع هذا الجوهر على شخص لا يعرف الفرق بين الخزف والدر، فظاهر كلام الفقهاء أن ذلك جائز، حتى لو أتاه بحديدة وهو لا يدري ما هي، وظن أن فيها فائدة عظيمة فاشتراها، فالفقهاء يقولون: البيع صحيح، وهو الذي فرط، وقال بعض العلماء: لا بد أن يكون لدى المشتري علم بما يكون له هذا الشيء، وبقيمة هذا الشيء، وهذا لا شك أنه أحوط وأبرأ.
والقائلون بالجواز يقولون: إن البيع صحيح، ولكن الغرر والخطأ يمكن دفعه بخيار الغبن.
وقوله: «وأن يكون معلوماً برؤية أو صفة» أي: أن طرق العلم إما الرؤية وإما الصفة، ولكن هذا فيه قصور، فطرق العلم متعددة: الرؤية، والسمع، والشم، والذوق، واللمس، والوصف.
فالرؤية فيما يكون الغرض منه رؤيته، والسمع فيما يكون الغرض منه سماعه، والشم فيما يكون الغرض منه ريحه، والذوق فيما يكون الغرض منه طعمه، واللمس فيما يكون الغرض منه ملمسه، هل هو لين أو خشن؟ أو ما أشبه ذلك، والوصف سيأتي إن شاء الله.



[1] في البيوع/ باب بطلان بيع الحصاة (1513).
[2] وهذا هو المذهب.
[3] «الروض مع حاشية ابن قاسم» (4/350).
[4] سبق تخريجه ص(143).


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, الخامس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir