ومَنْ قَالَ : ( لاَ رَيْبَ ) : لا شَكَّ ، فهَذَا تقرِيبٌ . وإلا فَالرَّيبُ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَحَرَكَةٌ ، كَمَا قَالَ : " دَعْ ما يُرِيبُكَ إِلَى مَا لا يُرِيبُكَ " وَفِي الحَدِيثِ : أَنَّهُ مَرَّ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ فقَالَ : " لا يـُرِيبُهُ أَحَدٌ " فَكَـَما أنَّ اليَقينَ ضُمِّنَ السُّكُونَ والطُّمَأْنينَةَ ، فَالرَّيبُ ضِدُّهُ ضُمِّنَ الاضْطِرَابَ والحَرَكَةَ . وَلَفْظُ الشَّكِّ ، وإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ هَذَا المعنَى لكِنَّ لَفْظَهُ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ ) [ سُورَةُ البَقَرَةِ :2] : هَذَا القُرآنُ ، فهَذَا تقْريبٌ ، لأنَّ المُشَارَ إِلَيْهِ وَإِنْ كانَ وَاحِدًا ، فالإشَارَةُ بجهةِ الحضُورِ غيرُ الإشارَةِ بجهَةِ البُعْدِ والغيبَةِ ، وَلَفْظُ " الكِتَابِ " يَتَضَمَّنُ منْ كونِهِ مَكْتُوبًا مَضْمُومًا مَا لا يَتَضَمَّنُهُ لَفْظُ القُرْآنِ منْ كَوْنِهِ مَقْرُوءاً مُظْهَرًا بَادِيًا . فهَذِهِ الفُروقُ مَوْجُودَةٌ في القُرْآنِ .
فَإِذَا قَالَ أحدُهُمْ : (أَن تُبْسَلَ ) [ سورة الأنعام : 70] : أيْ تُحْبَسَ ، وَقَالَ الآخَرُ : تُرْتَهَنُ ونحوُ ذلِكَ لم يكنْ منِ اختلافِ التَّضَادِّ ، وَإِنْ كَانَ المحبُوسُ قَدْ يَكُونُ مُرْتَهَنًا وقَدْ لا يَكُونُ ؛ إذْ هَذَا تَقْرِيبٌ لِلْمَعْنَى ،كَمَا تَقَدَّمَ .
وَجَمْعُ عِبَارَاتِ السَّلفِ فِي مِثْلِ هَذَا نَافِعٌ جِدًّا ؛ لأَنَّ مَجْمُوعَ عِبَارَاتِهِم أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ منْ عِبَارَةٍ أَوْ عِبَارَتَيْنِ .