النوع السادس: الاستعارة
المناسب تأخير هذا الباب عن باب التشبيه، إذ الاستعارة متولدة بين المجاز والتشبيه كما قيل: زوج مجازك على تشبيهك، يلد لك استعارة، فهي من أنواع المجاز، إلا أنها تفارق سائر أنواعه، ببنائها على التشبيه، (وهي) أي الاستعارة (تشبيه) لشيء بشيء (بلا أداة) أي: مع حذف وجه الشبه، وأحد المشبه والمشبه به أيضاً. (وذاك) التشبيه المذكور (كالموت) المستعار للضلال، (وكالحياة) المستعارة للهداية، كما قال الناظم (في مهتد وضده) وذلك في قوله تعالى: {أومن كان ميتاً فأحييناه}، أي: ضالاً فهديناه، استعير لفظ الموت للضلال والكفر، والإحياء للإيمان والهداية، بجامع عدم الفوز في الأول، والفوز في الثاني، و (كمثل هذين) التشبيهين (ما) أي: التشبيه الذي (جاءكـ) محيء (سلخ الليل) في قوله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار}. استعير السلخ من سلخ الشاة، وهو كشط جلدها، لكشف الضوء عن مكان الليل، والجامع: ما يعقل من ترتيب أمر على آخر، وحصوله عقب حصوله، كترتب ظهور اللحم على الكشط، وظهور الظلمة على كشف الضوء، عن مكان الليل، ثم للاستعارة أنواع كثيرة، محل بسطها فن البيان.
(فائدة) اختلفوا في الاستعارة: هل هي مجاز لغوي أو عقلي، على قولين.
والصحيح الأول، لأنها موضوعة للمشبه به، لا للمشبه، ولا للأعم منهما، فأسد مثلاً في قولك رأيت أسداً يرمي، موضوع للسبع، لا للرجل الشجاع، ولا للأعم منهما، كالحيوان الجريء، ليكون إطلاقه عليهما حقيقة، كإطلاق الحيوان عليهما، والله أعلم.