المقصد العام للباب :
جمع القرآن الكريم وحفظه كما نزل من العهد النبوي الشريف إلى يومنا هذا مرورا بجمع أبي بكر وعثمان وحرص الصحابة رضي الله عنهم
المقاصد الفرعية
-هل جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ؟
-جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسببه
-الحرص الشديد والدقة في الحفظ
-حمع عثمان رضي الله عنه وسببه
-القرآن الكريم يصلنا كما نزل
هل جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ؟
*قال البيهقي :قال: ويشبه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما لم يجمعه في مصحف واحد، لما كان يعلم من جواز ورود النسخ على أحكامه، ورسومه، فلما ختم الله دينه بوفاة نبيه صلى الله عليه وسلم، وانقطع الوحي، قيض لخلفائه الراشدين عند الحاجة إليه جمعه بين الدفتين
*واعلم أن حاصل ما شهدت به الأخبار المتقدمة وما صرحت به أقوال الأئمة أن تأليف القرآن على ما هو عليه الآن كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- بإذنه وأمره،
*قال البيهقي : وقد روينا عن زيد بن ثابت أن التأليف كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروينا عنه أن الجمع في الصحف كان في زمن أبي بكر، والنسخ في المصاحف كان في زمن عثمان، وكان ما يجمعون وينسخون معلوما لهم
*قال البيهقي: وفيما رويناه من الأحاديث المشهورة في ذكر من جمع القرآن من الصحابة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم ما روينا عن زيد بن ثابت: كنا حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نؤلف القرآن، ثم ما رويناه في كتاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة كذا بسورة كذا، دلالة على صحة ما قلناه، إلا أنه كان مثبتًا في صدور الرجال، مكتوبا في الرقاع واللخاف والعسب، وأمر أبو بكر الصديق حين استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة بجمعه من مواضعه في صحف، ثم أمر عثمان حين خاف الاختلاف في القراءة بتحويله منها إلى مصاحف مع بذل المجهود في معارضة ما كان في الصحف بما كان مثبتا في صدور الرجال، وذلك كله بمشورة من حضره من علماء الصحابة رضي الله عنهم، وارتضاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحمد أثره فيه. والله يغفر لنا ولكم.
-
جمع أبي بكر للقرآن وسببه :
*قال البيهقي : وقد روينا عن زيد بن ثابت أن التأليف كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروينا عنه أن الجمع في الصحف كان في زمن أبي بكر، والنسخ في المصاحف كان في زمن عثمان، وكان ما يجمعون وينسخون معلوما لهم
وأن جمعه في الصحف خشية دثوره بقتل قرائه كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وكأن أبا بكر كان غرضه أن يجمع القرآن مكتوبا مجتمعا غير مفرق على اللفظ الذي أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتبة الوحي ليعلم ذلك، ولم يكل ذلك إلى حفظ من حفظه خشية فنائهم بالقتل، ولاختلاف لغاتهم في حفظهم على ما كان أبيح لهم من قراءته على سبعة أحرف
فأبو بكر قصد جمعه في مكان واحد، ذخرا للإسلام يرجع إليه إن اصطلم، والعياذ بالله، قراؤه،
*عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: ((إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رآه عمر
*عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى فاكتباه
*عن أبي العالية: أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون، ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من "سورة براءة": {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}، فظنوا أنها آخر ما نزل من القرآن. فقال أبي: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأني بعدهن آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه} إلى {وهو رب العرش العظيم}. فهذا آخر ما نزل من القرآن، فختم الأمر بما فتح به، يعني بكلمة التوحيد.
*قال الشيخ أبو الحسن: "كان أبي يتتبع ما كتب بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في اللخاف والأكتاف والعسب ونحو ذلك، لا لأن القرآن العزيز كان معدوما. وأما قوله وصدور الرجال -يعني في الحديث السابق- فإنه كتب الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن، فكان يتتبعها من صدور الرجال ليحيط بها علما، ودليل ذلك أنه كان عالما بالآيتين اللتين في آخر "براءة" ثم لم يقنع بذلك حتى طلبها وسأل عنها غيره فوجدها عند خزيمة، وإنما طلبها من غيره مع علمه بها، ليقف على وجوه القراءات. والله أعلم".
قلت: إنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتبوا من حفظهم لأن قراءتهم كانت مختلفة لما أبيح لهم من قراءة القرآن على سبعة أحرف
*عن سالم وخارجة: أن أبا بكر الصديق كان قد جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى، حتى استعان عليه بعمر، ففعل، فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه، حتى عاهدها ليردنها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخ منها عثمان هذه المصاحف، ثم ردها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها
*قال البيهقي: وفيما رويناه من الأحاديث المشهورة في ذكر من جمع القرآن من الصحابة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم ما روينا عن زيد بن ثابت: كنا حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نؤلف القرآن، ثم ما رويناه في كتاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة كذا بسورة كذا، دلالة على صحة ما قلناه، إلا أنه كان مثبتًا في صدور الرجال، مكتوبا في الرقاع واللخاف والعسب، وأمر أبو بكر الصديق حين استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة بجمعه من مواضعه في صحف، ثم أمر عثمان حين خاف الاختلاف في القراءة بتحويله منها إلى مصاحف مع بذل المجهود في معارضة ما كان في الصحف بما كان مثبتا في صدور الرجال، وذلك كله بمشورة من حضره من علماء الصحابة رضي الله عنهم، وارتضاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحمد أثره فيه. والله يغفر لنا ولكم
*قال زيد: فقلت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو اجتمعت أنا وعمر جميعا، فقال أبو بكر لعمر، فقال عمر: نعم، فانطلق بنا فخرجنا، حتى جلسنا على باب المسجد الذي يلي موضع الجنائز فجلسنا، وجعل الناس يأتون بالقرآن، منهم من يأتي به في الصحيفة، ومنهم من يأتي به في العسب حتى فرغنا من ذلك. وفي رواية: فقال أبو بكر لزيد: قم فاقعد على باب المسجد، فكل من جاءك بشيء من كتاب الله عز وجل تنكره فاطلب منه شاهدين، ثم قال: يا عمر، قم فكن مع زيد، قال عمر: فقمنا حتى جلسنا على باب المسجد فأرسلت إلى أبي بن كعب فجاء، فوجدنا مع أبي كتبا مثل ما وجدنا عند جميع الناس.
ومنها: أن عمر بن الخطاب جعل يذكر قتلى اليمامة وما أصيب من المسلمين وأن القتل يومئذ استحر بأهل القرآن، ثم يقول: جعل مناد ينادي: يا أهل القرآن، فيجيبون المنادي فرادى ومثنى، فاستحر بهم القتل، فرحم الله تلك الوجوه، لولا ما استدرك خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جمع القرآن لخفت أن لا يلتقي المسلمون وعدوهم في موضع، إلا استحر القتل بأهل القرآن. وفي رواية: لما قتل أصحاب اليمامة دخل عمر بن الخطاب على أبي بكر رضي الله عنهما فقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تهافتوا في القتل يوم اليمامة كما يتهافت الفراش في النار، وإني أخاف أن لا يشهدوا مشهدا، إلا فعلوا ذلك، وهم حملة القرآن، فيضيع القرآن ويذهب.
- قال القاضي أبو بكر: ومن تأمل مجيء هذه الأخبار وألفاظها علم وتيقن أن أمر القرآن كان بينهم ظاهرا منتشرا، وأن حفاظه إذ ذاك كانوا في الأمة عددا عظيما وخلقا كثيرا. قال: وروى موسى بن عقبة عن ابن شهاب أنه قال: إن المسلمين لما أصيبوا باليمامة فزع أبو بكر رضي الله عنه إلى القرآن، وخاف أن تهلك منه طائفة، وإنما كان في العسب والرقاع، فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم، حتى جمع على عهد أبي بكر رضي الله عنه، فكتبوه في الورق وجمعوه فيه، وقال أبو بكر: التمسوا له اسما، فقال بعضهم: السفر، وقال بعضهم: كان الحبشة يدعونه المصحف.
قال: فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في المصحف
*ونقلت من كتاب "شرح السنة" الذي سمعناه على القاضي أبي المجد محمد بن الحسين القزويني بسماعه من الإمام أبي منصور محمد بن أسعد بن محمد حفدة الطوسي بسماعه من لفظ المصنف الفقيه الإمام محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمه الله قال: الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئا، والذي حملهم على جمعه ما جاء بيانه في الحديث وهو أنه كان مفرقا في العسب واللخاف وصدور الرجال فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته، ففزعوا فيه إلى خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودعوه إلى جمعه، فرأى في ذلك رأيهم وأمر بجمعه في موضع واحد باتفاق من جميعهم، فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير أن قدموا شيئا، أو أخروا، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل عليه السلام إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السورة التي يذكر فيها كذا، وروي معنى هذا عن عثمان رضي الله عنه. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى ينزل "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإذا أنزل "بسم الله الرحمن الرحيم" علم أن السورة قد ختمت، فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد، لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفنا، أنزله الله تعالى جملة واحدة في شهر رمضان ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله مفرقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته عند الحاجة وحدوث ما يحدث على ما يشاء الله عز وجل: وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة، وكان هذا الاتفاق من الصحابة سببا لبقاء القرآن في الأمة رحمة من الله عز وجل لعباده، وتحقيقا لوعده في حفظه على ما قال جل ذكره: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ثم إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرؤون بالقراءة التي أقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقنهم بإذن الله عز وجل، إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في زمن عثمان وعظم الأمر فيه، وكتب الناس بذلك من الأمصار إلى عثمان، وناشدوه الله تعالى في جمع الكلمة وتدارك الناس قبل تفاقم الأمر، وقدم حذيفة بن اليمان من غزوة إرمينية، فشافهه بذلك، فجمع عثمان عند ذلك المهاجرين والأنصار، وشاورهم في جمع القرآن على حرف واحد ليزول بذلك الخلاف وتتفق الكلمة، فاستصوبوا رأيه، وحضوه عليه، ورأوا أنه من أحوط الأمور للقرآن، فاستحضر الصحف من عند حفصة، ونسخها في المصاحف، وبعث بها إلى الأمصار.
- وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان علي رضي الله عنه طول أيامه يقرأ مصحف عثمان، ويتخذه إماما ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل وهي التي بين فيها ما نسخ وما بقي.
- قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتب المصاحف، رضي الله عنهم أجمعين
*وقد حكى القاضي أبو بكر في "كتاب الانتصار" خلافا في أن أبا بكر جمع القرآن بين لوحين أو في صحف وأوراق متفرقة، وبكل معنى من ذلك قد وردت الآثار. وقيل: كتبه أولا في صحف ومدارج نسخت ونقلت إلى مصاحف جعلت بين لوحين، وقيل: معنى قول علي: "أبو بكر أول من جمع القرآن بين اللوحين": أي جمع القرآن الذي هو الآن بين اللوحين، وكان هذا أقرب إلى الصواب جمعا بين الروايات. وكأن أبا بكر رضي الله عنه كان جمع كل سورة أو سورتين أو أكثر من ذلك في صحيفة على قدر طول السورة وقصرها. فمن ثم قيل: إنه جمع القرآن في مصحف، ونحو ذلك من العبارات المشعرة بالتعدد، ثم إن عثمان رضي الله عنه نسخ من تلك الصحف مصحفا جامعا لها، مرتبة سورة سورة على هذا الترتيب، ويدل على ذلك ظاهر حديث يزيد الفارسي عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى "براءة" و"الأنفال" فقرنتم بينهما؟ الحديث، فإنه يدل على أن لعثمان في جمعه القرآن بعد أبي بكر تصرفا ما، وهو هذا، فأبو بكر جمع آيات كل سورة كتابة لها من الأوراق المكتوبة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، بإملائه، وهو على وفق ما كان محفوظًا عندهم بتأليف النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان جمع السور على هذا الترتيب في مصحف واحد ناسخا لها من صحف أبي بكر..
الحرص الشديد والدقة عند الجمع
قال زيد: قال أبو بكر: ((إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمراني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}، حتى خاتمة "براءة"، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر
*عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى فاكتباه.
*قال الشيخ أبو الحسن في كتابه "جمال القراء": ومعنى هذا الحديث -والله أعلم- من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد كان زيد جامعا للقرآن.
*قال: ويجوز أن يكون معناه: من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى، أي من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن، ولم يزد على شيء مما لم يقرأ أصلا، ولم يعلم بوجه آخر
**قال الشيخ أبو الحسن: "كان أبي يتتبع ما كتب بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في اللخاف والأكتاف والعسب ونحو ذلك، لا لأن القرآن العزيز كان معدوما. وأما قوله وصدور الرجال -يعني في الحديث السابق- فإنه كتب الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن، فكان يتتبعها من صدور الرجال ليحيط بها علما، ودليل ذلك أنه كان عالما بالآيتين اللتين في آخر "براءة" ثم لم يقنع بذلك حتى طلبها وسأل عنها غيره فوجدها عند خزيمة، وإنما طلبها من غيره مع علمه بها، ليقف على وجوه القراءات. والله أعلم".
قلت: إنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتبوا من حفظهم لأن قراءتهم كانت مختلفة لما أبيح لهم من قراءة القرآن على سبعة أحرف
**عن سالم وخارجة: أن أبا بكر الصديق كان قد جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى، حتى استعان عليه بعمر، ففعل، فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه، حتى عاهدها ليردنها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخ منها عثمان هذه المصاحف، ثم ردها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها
*وفي تفسير الطبري: (عن عمارة بن غزية، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب، فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده. فلما هلك كانت الصحيفة عند حفصة...
ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء، فردها إليها وطابت نفسه...)..
جمع عثمان للقرآن وسببه
*قال البيهقي : وقد روينا عن زيد بن ثابت أن التأليف كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروينا عنه أن الجمع في الصحف كان في زمن أبي بكر، والنسخ في المصاحف كان في زمن عثمان، وكان ما يجمعون وينسخون معلوما لهم
وأن نسخه في مصاحف حملا للناس على اللفظ المكتوب حين نزوله بإملاء المنزل إليه صلى الله عليه وسلم ومنعا من قراءة كل لفظ يخالفه كان في زمن عثمان رضي الله عنه،فلما ولي عثمان وكثر المسلمون وانتشروا في البلاد وخيف عليهم الفساد من اختلافهم في قراءاتهم لاختلاف لغاتهم حملهم عثمان على ذلك اللفظ الذي جمعه زيد في زمن أبي بكر، وبقي ما عداه ليجمع الناس على قراءة القرآن على وفق ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكثر فيه التصرف، فيتفاحش تغيره، وتنمحق ألفاظه المنزلة. ولهذا قال أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله -وهو من جلة تابعي البصرة-: يرحم الله عثمان، لو لم يجمع الناس على قراءة واحدة لقرأ الناس القرآن بالشعر
وعثمان قصد أن يقتصر الناس على تلاوته على اللفظ الذي كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتعدوه إلى غيره من القراءات التي كانت مباحة لهم، المنافية لخط المصحف من الزيادة والنقصان وإبدال الألفاظ على ما سيأتي شرحه.
- وذكر أبو عمرو الداني في كتابه "المقنع" عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر أول من جمع القرآن في المصاحف، وعثمان الذي جمع المصاحف على مصحف واحد.
- وقد عبر الشيخ أبو القاسم الشاطبي رحمه الله عما فعله الإمامان بأبيات من جملة قصيدته المسماة بـ"العقيلة" في بيان رسم المصحف،.
- وقال حماد بن سلمة: كان عثمان في المصحف كأبي بكر في الردة.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان لعثمان شيئان ليس لأبي بكر ولا عمر مثلهما: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف
- قال أبو عمرو الداني في كتاب "المقنع": أكثر العلماء على أن عثمان رحمه الله لما كتب المصحف جعله على أربع نسخ: فوجه إلى الكوفة إحداهن، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، واحتبس عند نفسه واحدة.
- وقال أبو محمد مكي رحمه الله في آخر كتاب "الكشف": "ذكر إسماعيل القاضي من روايته أن زيد بن ثابت قال: كتبته على عهد أبي بكر في قطع الأدم وكسر الأكتاف، وفي كذا وكذا، قال: فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبته في صحيفة واحدة، وكانت عنده، فلما هلك كانت الصحيفة عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم"، قال: "وروي أن حفصة لما ماتت قبض الصحيفة عبد الله بن عمر، فعزم عليه مروان فأخذها منه.."
.*أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى... فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك
. *عن علي -رضي الله عنه- قال: ((اختلف الناس في القرآن على عهد عثمان فجعل الرجل يقول للرجل: قراءتي خير من قراءتك، فبلغ ذلك عثمان فجمعنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن الناس قد اختلفوا اليوم في القراءة وأنتم بين ظهرانيهم، فقد رأيت أن أجمع على قراءة واحدة، قال: فأجمع رأينا مع رأيه على ذلك
*وذكر أبو عمرو الداني في كتاب "المقنع" أن عثمان قال: ((يا أصحاب محمد، اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما يجمعهم))، قال: وكانوا في المسجد فكثروا، فكانوا إذا تماروا في الآية يقولون: إنه أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فلان بن فلان، وهو على رأس أميال من المدينة، فيبعث إليه فيجيء، فيقولون: كيف أقرأك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا، فيكتبون كما قال. والله أعلم.
- *وفي كتاب ابن أبي داود أيضا عن هشام عن محمد -هو ابن سيرين- قال: كان الرجل يقرأ، حتى يقول الرجل لصاحبه: كفرت بما تقول. فرفع ذلك إلى عثمان بن عفان، فتعاظم ذلك في نفسه، فجمع اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت، فأرسل إلى الربعة التي كانت في بيت عمر، فيها القرآن.
- *قال البيهقي في كتاب "المدخل": واعلم أن القرآن كان مجموعا كله في صدور الرجال أيام حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومؤلفا هذا التأليف الذي نشاهده ونقرؤه إلا "سورة براءة"، فإنها كانت من آخر ما نزل من القرآن، ولم يبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه موضعها من التأليف حتى خرج من الدنيا، فقرنها الصحابة -رضي الله عنهم- بـ"الأنفال". وبيان ذلك في حديث ابن عباس قال: قلت لعثمان رضي الله عنه: ما حملكم على أن عمدتم إلا "براءة" وهي من المئين، وإلى "الأنفال" وهي من المثاني، فقرنتم بينهما، ولم تجعلوا بينهما سطرا فيه {بسم الله الرحمن الرحيم}، ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال: كانت "الأنفال" من أول ما نزل عليه بالمدينة، وكانت "براءة" من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها تشبه قصتها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين أمرها، فظننت أنها منها
*وعن أسلم مولى عمر قال: اختلف الناس في القرآن فجعل الرجل يلقى الرجل في مغزاته فيقول: معي من القرآن ما ليس معك، أقرأني أبي بن كعب كذا وكذا، ويقول هذا: أقرأني عبد الله بن مسعود كذا وكذا، فلما رأى ذلك عثمان شاور فيه أهل القرآن من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأوا أن يجمعوه في مصحف واحد، ثم يفرق في البلاد مصحفا مصحفا، ثم تحرق سائر الصحف، فدعا عثمان رضي الله عنه أربعة نفر، ثلاثة من قريش ورجلا من الأنصار: عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاص وزيد بن ثابت فقال: انسخوه. فنسخوه على هذا التأليف، وقال: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه على ما تقولون أنتم، فإن القرآن أنزل على لسان قريش، فنسخوا القرآن في مصحف واحد حتى فرغوا منه، ثم نسخ من ذلك المصحف مصاحف، فبعث إلى كل بلد مصحفا، وأمرهم بالاجتماع على هذا المصحف.
- وروى يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن موسى بن جبير أن عثمان بن عفان دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص فقال لأبي: إنك كنت أعلم الناس بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، كنت تقرئ في زمانه، وكان عمر بن الخطاب يأمر الناس بك، فأمل على هؤلاء القرآن في المصاحف، فإني أرى الناس قد اختلفوا، قال: فكان أبي يملي عليهم القرآن، وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص ينسخان
- قال القاضي: فهذا الخبر يقضي بأن سعيدا قد كان ممن يملي المصحف، ولا يمتنع أن يمله سعيد ويمله أيضا أبي، فيحتاج إلى أبي لحفظه وإحاطته علما بوجوه القراءات المنزلة التي يجب إثبات جميعها، وأن لا يطرح شيء منها، ويجب نصب سعيد بن العاص لموضع فصاحته وعلمه بوجوه الإعراب وكونه أعربهم لسانا، قال: وقد قيل: إن سعيدا كان أفصح الناس وأشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يجب أن تتعارض هذه الأخبار؛ لأنه قد ذكر في كل واحد منها ممل غير الذي ذكر في غيره؛ لأنه لا يمتنع أن ينصب لإملائه قوم فصحاء، حفاظ يتظاهرون على ذلك، ويذكر بعضهم بعضا، ويستدرك بعضهم ما لعله يسهو عنه غيره. وهذا من أحوط الأمور وأحزمها في هذا الباب.
قال: وقد ذكر في بعض الروايات أن الذي نصبه عثمان لإملاء المصحف أبان بن سعيد بن العاص. والسيرة تشهد بأن ذلك غلط؛ لأن أهلها قد رووا أن أبان بن سعيد متقدم الموت، وأنه قد هلك قبل جمع عثمان المصحف بزمان طويل، وأنه قتل بالشام في وقعة أجنادين في سنة ثلاث عشرة، وإنما المنصوب لإملاء المصحف الذي أقامه عثمان لذلك سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وهو ابن أخي أبان بن سعيد بن العاص
*ونقلت من كتاب "شرح السنة" الذي سمعناه على القاضي أبي المجد محمد بن الحسين القزويني بسماعه من الإمام أبي منصور محمد بن أسعد بن محمد حفدة الطوسي بسماعه من لفظ المصنف الفقيه الإمام محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمه الله قال: الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئا، والذي حملهم على جمعه ما جاء بيانه في الحديث وهو أنه كان مفرقا في العسب واللخاف وصدور الرجال فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته، ففزعوا فيه إلى خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودعوه إلى جمعه، فرأى في ذلك رأيهم وأمر بجمعه في موضع واحد باتفاق من جميعهم، فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير أن قدموا شيئا، أو أخروا، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل عليه السلام إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السورة التي يذكر فيها كذا، وروي معنى هذا عن عثمان رضي الله عنه. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى ينزل "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإذا أنزل "بسم الله الرحمن الرحيم" علم أن السورة قد ختمت، فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد، لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفنا، أنزله الله تعالى جملة واحدة في شهر رمضان ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله مفرقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته عند الحاجة وحدوث ما يحدث على ما يشاء الله عز وجل: وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة، وكان هذا الاتفاق من الصحابة سببا لبقاء القرآن في الأمة رحمة من الله عز وجل لعباده، وتحقيقا لوعده في حفظه على ما قال جل ذكره: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ثم إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرؤون بالقراءة التي أقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقنهم بإذن الله عز وجل، إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في زمن عثمان وعظم الأمر فيه، وكتب الناس بذلك من الأمصار إلى عثمان، وناشدوه الله تعالى في جمع الكلمة وتدارك الناس قبل تفاقم الأمر، وقدم حذيفة بن اليمان من غزوة إرمينية، فشافهه بذلك، فجمع عثمان عند ذلك المهاجرين والأنصار، وشاورهم في جمع القرآن على حرف واحد ليزول بذلك الخلاف وتتفق الكلمة، فاستصوبوا رأيه، وحضوه عليه، ورأوا أنه من أحوط الأمور للقرآن، فاستحضر الصحف من عند حفصة، ونسخها في المصاحف، وبعث بها إلى الأمصار.
- وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان علي رضي الله عنه طول أيامه يقرأ مصحف عثمان، ويتخذه إماما ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل وهي التي بين فيها ما نسخ وما بقي.
- قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتب المصاحف، رضي الله عنهم أجمعين
قلت: ومعنى قول عثمان رضي الله عنه، "إن القرآن أنزل بلسان قريش" أي معظمه بلسانهم، فإذا وقع الاختلاف في كلمة فوضعها على موافقة لسان قريش أولى من لسان غيرهم. أو المراد: نزل في الابتداء بلسانهم، ثم أبيح بعد ذلك أن يقرأ بسبعة أحرف، وقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى تنزل البسملة"، يعني به -والله أعلم- وقت عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل عليه السلام، فكان لا يزال يقرأ في السورة إلى أن يأمره جبريل بالتسمية، فيعلم أن السورة قد انقضت، وعبر النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ النزول، إشعارا بأنها قرآن، في جميع أوائل السور فيه، ويجوز أن يكون المراد بذلك أن جميع آيات كل سورة كان ينزل قبل نزول البسملة، فإذا كملت آياتها نزل جبريل البسملة، واستعرض السورة، فيعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن السورة قد ختمت، لم يبق يلحق بها شيء
*وقد حكى القاضي أبو بكر في "كتاب الانتصار" خلافا في أن أبا بكر جمع القرآن بين لوحين أو في صحف وأوراق متفرقة، وبكل معنى من ذلك قد وردت الآثار. وقيل: كتبه أولا في صحف ومدارج نسخت ونقلت إلى مصاحف جعلت بين لوحين، وقيل: معنى قول علي: "أبو بكر أول من جمع القرآن بين اللوحين": أي جمع القرآن الذي هو الآن بين اللوحين، وكان هذا أقرب إلى الصواب جمعا بين الروايات. وكأن أبا بكر رضي الله عنه كان جمع كل سورة أو سورتين أو أكثر من ذلك في صحيفة على قدر طول السورة وقصرها. فمن ثم قيل: إنه جمع القرآن في مصحف، ونحو ذلك من العبارات المشعرة بالتعدد، ثم إن عثمان رضي الله عنه نسخ من تلك الصحف مصحفا جامعا لها، مرتبة سورة سورة على هذا الترتيب، ويدل على ذلك ظاهر حديث يزيد الفارسي عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى "براءة" و"الأنفال" فقرنتم بينهما؟ الحديث، فإنه يدل على أن لعثمان في جمعه القرآن بعد أبي بكر تصرفا ما، وهو هذا، فأبو بكر جمع آيات كل سورة كتابة لها من الأوراق المكتوبة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، بإملائه، وهو على وفق ما كان محفوظًا عندهم بتأليف النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان جمع السور على هذا الترتيب في مصحف واحد ناسخا لها من صحف أبي بكر....
كلام الله تعالى يصلنا كما نزل :
فأمرعثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق
*قال ابن شهاب: فحدثني سالم بن عبد الله أنه لما توفيت حفصة، رحمة الله عليها، أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر ساعة رجعوا من جنازة حفصة بعزيمة ليرسلن بها، فأرسل بها ابن عمر إلى مروان فمزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف ما نسخ عثمان رحمة الله عليه، قال أبو عبيد: لم نسمع في شيء من الحديث أن مروان مزق الصحف، إلا في هذا الحديث
*عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك -أو قال: لم يعب ذلك أحد.
- *وحدثنا عبد الرحمن عن شعبة عن علقمة بن مرثد عن رجل عن سويد بن غفلة قال: قال علي رضوان الله عليه: لو وليت لفعلت في المصاحف الذي فعل عثمان. وفي رواية أخرى لو وليت من أمر المصاحف ما ولي عثمان لفعلت ما فعل عثمان.
- *قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان، عن السدي، عن عبد خير، قال: قال علي: ((يرحم الله أبا بكر، هو أول من جمع ما بين اللوحين)). وفي رواية عنه: ((أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر
*وقال علي: ((لو وليت مثل الذي ولي، لصنعت مثل الذي صنع)). وفي رواية: ((يرحم الله عثمان، لو كنت أنا لصنعت في المصاحف ما صنع عثمان)). أخرجه البيهقي في "المدخل"..
*وفي تفسير الطبري: (عن عمارة بن غزية، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب، فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده. فلما هلك كانت الصحيفة عند حفصة...
ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء، فردها إليها وطابت نفسه.
*عن مصعب بن سعد قال: سمع عثمان قراءة أبي وعبد الله ومعاذ فخطب الناس ثم قال: إنما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة وقد اختلفتم في القرآن. عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاني به.
فجعل الرجل يأتيه باللوح والكتف والعسيب فيه الكتاب، فمن أتاه بشيء قال: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم قال: أي الناس أفصح؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال: أي الناس أكتب؟ قالوا: زيد بن ثابت، قال: فليكتب زيد، وليمل سعيد. قال: فكتب مصاحف، فقسمها في الأمصار، فما رأيت أحدا عاب ذلك عليه.
قلت: كذا في كتاب ابن أبي داود. وفي تسمية معاذ هنا نظر، فإن معاذا توفي قبل ذلك في طاعون عمواس في خلافة عمر، ولعل قراءته بقيت بعده عند أصحابه، فسمعها عثمان منهم.
*وأخرج هذا الحديث الحافظ البيهقي في كتاب "المدخل" بمخالفة لهذا في بعض الألفاظ وبزيادة ونقصان فقال: جلس عثمان على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((إنما عهدكم بنبيكم -صلى الله عليه وسلم- منذ ثلاث عشرة سنة، وأنتم مختلفون في القراءة يقول الرجل لصاحبه: والله ما تقيم قراءتك)). قال: فعزم على كل من كان عنده شيء من القرآن إلا جاء به، فجاء الناس بما عندهم فجعل يسألهم عليه البينة أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ((من أعرب الناس؟)) قالوا: سعيد بن العاص، قال: ((فمن أكتب الناس؟)) قالوا: زيد بن ثابت كاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((فليمل سعيد وليكتب زيد)). قال: فكتب مصاحف ففرقها في الأجناد، فلقد سمعت رجالا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: لقد أحسن.
- قال البيهقي: فيه انقطاع بين مصعب وعثمان، وقد روينا عن زيد بن ثابت أن التأليف كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروينا عنه أن الجمع في الصحف كان في زمن أبي بكر، والنسخ في المصاحف كان في زمن عثمان، وكان ما يجمعون وينسخون معلوما لهم، فلم يكن به حاجة إلى مسألة البينة.
قلت: لم تكن البينة على أصل القرآن، فقد كان معلوما لهم كما ذكر، وإنما كانت على ما أحضروه من الرقاع المكتوبة فطلب البينة عليها أنها كانت كتبت بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبإذنه على ما سمع من لفظه على ما سبق بيانه، ولهذا قال: فليمل سعيد، يعني من الرقاع التي أحضرت، ولو كانوا كتبوا من حفظهم لم ي
حتج زيد فيما كتبه إلى من يمليه عليه.
*وذكر أبو عمرو الداني في كتاب "المقنع" أن عثمان قال: ((يا أصحاب محمد، اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما يجمعهم))، قال: وكانوا في المسجد فكثروا، فكانوا إذا تماروا في الآية يقولون: إنه أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فلان بن فلان، وهو على رأس أميال من المدينة، فيبعث إليه فيجيء، فيقولون: كيف أقرأك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا، فيكتبون كما قال. والله أعلم.
- *قال البيهقي في كتاب "المدخل": واعلم أن القرآن كان مجموعا كله في صدور الرجال أيام حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومؤلفا هذا التأليف الذي نشاهده ونقرؤه إلا "سورة براءة"، فإنها كانت من آخر ما نزل من القرآن، ولم يبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه موضعها من التأليف حتى خرج من الدنيا، فقرنها الصحابة -رضي الله عنهم- بـ"الأنفال". وبيان ذلك في حديث ابن عباس قال: قلت لعثمان رضي الله عنه: ما حملكم على أن عمدتم إلا "براءة" وهي من المئين، وإلى "الأنفال" وهي من المثاني، فقرنتم بينهما، ولم تجعلوا بينهما سطرا فيه {بسم الله الرحمن الرحيم}، ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال: كانت "الأنفال" من أول ما نزل عليه بالمدينة، وكانت "براءة" من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها تشبه
قصتها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين أمرها، فظننت أنها منها
*قال البيهقي: وفيما رويناه من الأحاديث المشهورة في ذكر من جمع القرآن من الصحابة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم ما روينا عن زيد بن ثابت: كنا حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نؤلف القرآن، ثم ما رويناه في كتاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة كذا بسورة كذا، دلالة على صحة ما قلناه، إلا أنه كان مثبتًا في صدور الرجال، مكتوبا في الرقاع واللخاف والعسب، وأمر أبو بكر الصديق حين استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة بجمعه من مواضعه في صحف، ثم أمر عثمان حين خاف الاختلاف في القراءة بتحويله منها إلى مصاحف مع بذل المجهود في معارضة ما كان في الصحف بما كان مثبتا في صدور الرجال، وذلك كله بمشورة من حضره من علماء الصحابة رضي الله عنهم، وارتضاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحمد أثره فيه. والله يغفر لنا ولكم.
*ونقلت من كتاب "شرح السنة" الذي سمعناه على القاضي أبي المجد محمد بن الحسين القزويني بسماعه من الإمام أبي منصور محمد بن أسعد بن محمد حفدة الطوسي بسماعه من لفظ المصنف الفقيه الإمام محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمه الله قال: الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئا، والذي حملهم على جمعه ما جاء بيانه في الحديث وهو أنه كان مفرقا في العسب واللخاف وصدور الرجال فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته، ففزعوا فيه إلى خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودعوه إلى جمعه، فرأى في ذلك رأيهم وأمر بجمعه في موضع واحد باتفاق من جميعهم، فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير أن قدموا شيئا، أو أخروا، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل عليه السلام إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السورة التي يذكر فيها كذا، وروي معنى هذا عن عثمان رضي الله عنه. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى ينزل "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإذا أنزل "بسم الله الرحمن الرحيم" علم أن السورة قد ختمت، فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد، لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفنا، أنزله الله تعالى جملة واحدة في شهر رمضان ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله مفرقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته عند الحاجة وحدوث ما يحدث على ما يشاء الله عز وجل: وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة، وكان هذا الاتفاق من الصحابة سببا لبقاء القرآن في الأمة رحمة من الله عز وجل لعباده، وتحقيقا لوعده في حفظه على ما قال جل ذكره: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ثم إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرؤون بالقراءة التي أقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقنهم بإذن الله عز وجل، إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في زمن عثمان وعظم الأمر فيه، وكتب الناس بذلك من الأمصار إلى عثمان، وناشدوه الله تعالى في جمع الكلمة وتدارك الناس قبل تفاقم الأمر، وقدم حذيفة بن اليمان من غزوة إرمينية، فشافهه بذلك، فجمع عثمان عند ذلك المهاجرين والأنصار، وشاورهم في جمع القرآن على حرف واحد ليزول بذلك الخلاف وتتفق الكلمة، فاستصوبوا رأيه، وحضوه عليه، ورأوا أنه من أحوط الأمور للقرآن، فاستحضر الصحف من عند حفصة، ونسخها في المصاحف، وبعث بها إلى الأمصار.
- وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان علي رضي الله عنه طول أيامه يقرأ مصحف عثمان، ويتخذه إماما ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل وهي التي بين فيها ما نسخ وما بقي.
- قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتب المصاحف، رضي الله عنهم أجمعين
قلت: ومعنى قول عثمان رضي الله عنه، "إن القرآن أنزل بلسان قريش" أي معظمه بلسانهم، فإذا وقع الاختلاف في كلمة فوضعها على موافقة لسان قريش أولى من لسان غيرهم. أو المراد: نزل في الابتداء بلسانهم، ثم أبيح بعد ذلك أن يقرأ بسبعة أحرف، وقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى تنزل البسملة"، يعني به -والله أعلم- وقت عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل عليه السلام، فكان لا يزال يقرأ في السورة إلى أن يأمره جبريل بالتسمية، فيعلم أن السورة قد انقضت، وعبر النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ النزول، إشعارا بأنها قرآن، في جميع أوائل السور فيه، ويجوز أن يكون المراد بذلك أن جميع آيات كل سورة كان ينزل قبل نزول البسملة، فإذا كملت آياتها نزل جبريل البسملة، واستعرض السورة، فيعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن السورة قد ختمت، لم يبق يلحق بها شيء
*وأما ما روي أن عثمان جمع القرآن أيضا من الرقاع كما فعل أبو بكر فرواية لم تثبت، ولم يكن له إلى ذلك حاجة، وقد كفيه بغيره، فالاعتماد على ما قدمناه أول الباب من حديث صحيح البخاري، وإنما ذكرنا ما بعده زيادة كالشرح له، وجمعا لما روي في ذلك، ويمكن أن يقال: إن عثمان طلب إحضار الرقاع ممن هي عنده، وجمع منها، وعارض بما جمعه أبو بكر، أو نسخ مما جمعه أبو بكر، وعارض بتلك الرقاع، أو جمع بين النظر في الجميع حالة النسخ، ففعل كل ذلك أو بعضه، استظهارا ودفعا لوهم من يتوهم خلاف الصواب، وسدا لباب القالة: إن الصحف غيرت أو زيد فيها ونقص، وما فعله مروان من طلبه الصحف من ابن عمر وتمزيقها -إن صح ذلك- فلم يكن لمخالفة بين الجمعين، إلا فيما يتعلق بترتيب السور، فخشي أن يتعلق متعلق بأنه في جمع الصديق غير مرتب السور، فسد الباب جملة. هذا إن قلنا إن عين ما جمعه عثمان هو عين ما جمعه أبو بكر، ولم يكن لعثمان فيه إلا حمل الناس عليه مع ترتيب السور، وأما إن قلنا بقول من زعم أن عثمان اقتصر مما جمعه أبو بكر على حرف واحد من بين تلك القراءات المختلفة فأمر ما فعله مروان ظاهر).[.