دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #10  
قديم 11 صفر 1441هـ/10-10-2019م, 05:21 AM
حنان بدوي حنان بدوي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: إسكندرية - مصر
المشاركات: 392
افتراضي




مجلس أداء التطبيق الرابع من تطبيقات مهارات التخريج



المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).

ذكر ابن جرير 3 أقوال في اشتقاق الفعل في:"أيدتك".
القول الأول: هو"فعّلتك"، ["من الأيد"] ، كما قولك:"قوّيتك""فعّلت" من"القوّة".
القول الثاني: هو"فاعلتك" من"الأيد".
القول الثالث: أن مجاهد قرأ: (إذْ آيَدْتُك) ، بمعنى"أفعلتك"، من القوّة والأيد.

وعليه فمعني الآية: وقوينا عيسى ابن مريم ونصرناه وأعنّاه بروح القدس.

وقد ذكرت أقوال في معنى روح القدس الذي أيد الله به عيسى:
القول الأول: هو جبريل عليه السلام.أخرجه الطبري وعبد الرزاق عن قتادة، كما أخرجه الطبري عن السدي والضحاك والربيع وشهر بن حوشب، وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد.
والمعنى: يكون قريناً له يؤيده، ويقويه، ويلقنه الحجة على أعدائه.
  • وأخرج ابن سعيد وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع لحسان منبرا في المسجد فكان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيه".
  • وأخرج ابن حبان عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله واجملوا في الطلب.
  • وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلمة روح القدس لن يؤذن للأرض أن تأكل من لحمه.. كما في الدر المنثور,
قال البغوي: سمي جبريل عليه السلام روحا للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب.
وما تقدم من أدلة وأقوال السلف يرجح هذا القول وهو الذي رجحه ابن جرير وابن كثير وابن عثيمين وغيرهم.واستدل له ابن كثير بما ورد عن ابْنُ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَقَتَادَةُ وبقوله: {نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* [بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ] (4) }
ويشهد له كذلك قوله:{ قل نزله روح القدس...}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال جماهير العلماء إنه جبريل عليه السلام فإن الله سماه الروح الأمين وسماه روح القدس وسماه جبريل . دقائق التفسير.
وسمي بذلك ب لأنه: يحيا به الدين كما يحيا البدن بالروح فإنه هو المتولي لإنزال الوحي إلى الأنبياء والمكلفون في ذلك يحيون في دينهم.. ذكره الرازي.

القول الثاني:أنه الإنجيل، وما معه من العلم المطهر الآتي من عند الله.
أي أيد الله عيسى بالإنجيل روحا، كما جعل القرآن روحا كلاهما روح الله، خرجه ابن جرير عن ابن زيد واستدل له بقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) [الشورى: 52] .
وسمي به لأن الدين يحيا به ومصالح الدنيا تنتظم لأجله.. ذكره الرازي.

القول الثالث: أنه اسم الله الذي كان عيسى يحيي به الموتى. خرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس.

القول الرابع:الروح حفظة على الملائكة خرجه ابن أبي حاتم عن ابن أبي نجيح.

وقد نصر ابن جرير القول الأول، وردّ القول الثاني.
وعلل ترجيحه بأن الله جل ثناؤه أخبر أنه أيد عيسى به، كما أخبر في قوله: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ) [المائدة: 110] ، فلو كان الروح الذي أيده الله به هو الإنجيل، لكان قوله:"إذ أيدتك بروح القدس"، و"إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل"، تكرير قول لا معنى له.
وذلك أنه على تأويل قول من قال: معنى (إذ أيدتك بروح القدس) ، إنما هو: إذ أيدتك بالإنجيل - وإذ علمتك الإنجيل.
وهو لا يكون به مؤيدا إلا وهو مُعَلَّمُه، فذلك تكرير كلام واحد، من غير زيادة معنى في أحدهما على الآخر. وذلك خلف من الكلام، والله تعالى ذكره يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة.
وإذْ كان ذلك كذلك، فَبَيِّنٌ فساد قول من زعم أن"الروح" في هذا الموضع، الإنجيل، وإن كان جميع كتب الله التي أوحاها إلى رسله روحا منه لأنها تحيا بها القلوب الميتة، وتنتعش بها النفوس المولية، وتهتدي بها الأحلام الضالة.
وأما ابن عثيمين فذكر أن الآية تفسر بالقولين الأول والثاني.

أما عن معنى القدس: فيتضمن معنيان:
الأول: البركة. وهو قول السدي وخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم.
القول الثاني: الطهر وخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
ولا تعارض بين المعنيين.

أما عن المراد بالقدس:
فذكر فيه عدة أقوال:
القول الأول: أنه الرب تبارك وتعالى، وهو قول مجاهد والربيع ابن أنس وابن زيد، وأبي جعفر, كعب.
قول ابن مجاهد: أخرجه ابن أبي حاتم: عن أبيه ,عن أبي حذيفة , عن شبل , عن ابن أبي نجيح , عنه، كما خرجه بن وهب عن الحارث عن غالب بن عبيد الله، عنه.
  • وابن أبي نجيح من طبقة أصحاب مجاهد الذين سمعوا منه ورووا عنه في التفسير، ولكن روايته عنه في التفسير تكلم فيها كثير من أهل العلم في كونه لم يسمع منه وأنه كان ينقل من كتاب ابن أبي بزة كما ذكر ذلك ابن حبان، ولكن ابن أبي بزة وثقه أهل العلم، ويمكن الأخذ من ابن نجيح في باب التفسير فيما لا نصر فيه لعقيدته لأنه كان صاحب بدعة.
  • أما غالب بن عبيد الله من طبقة الرواة الضعفاء عن مجاهد، ولعل رواية ابن أبي نجيح تقوي هذه الرواية.
  • وهذا القول لم يتفرد به مجاهد وإلا لظنّ أنه قد يكون من الإسرائيليات فقط وخاصة أنه ورد عن كعب الأحبار..

خرجه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار عن كعب
كما خرجه عن يونس عن ابن وهب عن ابن زيد، وعن عَمَّارٍ، عن ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ.
وخرج ابن أبي حاتم نفس القول، عن أبيه، عن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: «القدس هو الرب تبارك وتعالى»

وعن ابن زيد وعطاء بن يسار : نَعَتَ اللَّهُ الْقُدُسَ. وَقَرَأَ ابن زيد قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: 23] وقَالَ: الْقُدُسُ وَالْقُدُّوسُ وَاحِدٌ " خرجه ابن جرير.
وقال الثعلبي: والقدس هو الله أضافه إلى نفسه تكريما وتخصيصا نحو بيت الله، وناقة الله، كما قال: "فنفخنا فيه من روحنا" .

ويشهد له قوله تعالى: فَأَرسَلنا إِلَيها روحَنا…. الآية
والله عز وجل وصف نفسه في غير موضع بأنه القدوس عز وجل، كما وصف نفسه بالبركة في قوله تعالى : (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده… )الآية
وقال: ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيئ قدير)

القول الثاني: روح عيسى الطاهرة فسمى روحه قدسا، لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحولة ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث، إنما كان أمرا من أمر الله تعالى… ذكره الثعلبي.

القول الثالث: وصف جبريل بالقدس أي بالطهارة لأنه لم يقترف ذنبا، وهو الطَّاهِرُ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ فوصفه الله بذلك تشريفا له وبيانا لعلو مرتبته عند الله تعالى.
.حاصل ما قاله الثعلبي والشنقيطي والرازي

ويبدو مما تقدم أن الآية تحتمل الأقوال جميعا، وأن قول مجاهد هو أولى الأقوال بالصواب والله تعالى أعلم.
_____________________________________________________________


( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
قال تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت}:
يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن بعض صفات اليهود الذين علموا الحق ولم يعملوا به، فبدلوا وحرفوا وكذبوا على الله ورسوله فأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحللوا ما حرم الله تيسيرا لمصالحهم وحفاظا على كيانهم وأشرافهم وأكلوا الرشا والحرام، وفرضوا الرواتب بغير حق وقضوا لمن رشاهم .
  • سماعون للكذب: فعالون لسمعه أي كثيري السمع والاستجابة للكذب والباطل، وذلك إنما ينمّ عن قلة دينهم وعقولهم، أن استجابوا لمن دعاهم إلى القول الكذب وهم أعلم بصدقه .
  • (أكالون للسحت):يتكرَّر أَكْلُهم، ويَكْثُر، والمعنى: أخاذون للسحت، والأكل استعارة لتمام الانتفاع… حاصل ما ذكره ابن عاشور والثعالبي.
  • وأصل السّحت: كلب الجوع، يقال منه: فلانٌ مسحوت المعدة: إذا كان أكولاً لا يلفّى أبدًا إلاّ جائعًا.
  • وإنّما قيل للرّشوة السّحت، تشبيهًا بذلك؛ كأنّ بالمسترشي من الشّره إلى أخذ ما يعطاه من ذلك مثل الّذي بالمسحوت المعدة من الشّره إلى الطّعام.
  • ويقال منه: سحته وأسحته، لغتان محكيّتان عن العرب، ومنه قول الفرزدق بن غالبٍ:.
وعضّ زمانٍ يا ابن مروان لم يدع = من المال إلاّ مسحتًا أو مجلّف
  • يعني بالمسحت: الّذي قد استأصله هلاكًا بأكله إيّاه وإفساده. ابن جرير
وعلى هذا القول سمي هذا المال سحتا لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها
أو أن الله يعاقبهم بها بأن يهلكهم ويُسْحِتَهمْ بالعذَابِ، كما قال جل وعز: (لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ)، ومثل هذا قوله: (إنما يأكلون في بطونهم ناراً). أي يأكلون ما عاقبته النار.

وقد ورد عن السلف أقوالا في المراد بالسحت:
فمنهم من جعله عام في الحرام وما لا يحل، ومنهم من خصصه بالرشا عامة، ومنهم من خصّ منها الرشا في الحكم أو الرشا في الدين أو الرشا بين الناس، ومنهم من أورد أمثلة على أنواع من المال الحرام يشملها لفظ السحت.
القول الأول: أنه الرشى .
قاله ابن مسعود وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن زيد عن أبيه والحسن وقتادة وإبراهيم والسدي.
أما قول الحسن: اخرجه بن وهب عن أشهل عن قرة بن خالد، عن الحسن في هذه الآية: {أكالون للسحت}، أكالون الرشى).
وقرة بن خالد من خالد من الثقات المكثرون من الرواية عن الحسن.
وأخرج ابن جرير عن المثنّى، عن مسلم بن إبراهيم، عن أبو عقيلٍ، قال: سمعت الحسن، يقول في قوله: {سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت} قال: تلك الحكّام سمعوا كذبةً، وأكلوا رشوةً.
قول قتادة:
أخرجه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، عن يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٌ، عن قتادة: {سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت} قال: كان هذا في حكّام اليهود بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرّشا.
قول ابن مسعود:
أخرجه ابن جرير عن هناد ,عن وكيع , عن بن وكيع , عن أبيه وإسحاق الأزرق , وعن محمد بن بشار , عن عبد الرحمن , عن سفيان , عن عاصم , عن زر , عن عبد الله: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] قال: " السحت: الرشوة "
قول السدي:
أخرجه ابن جرير عن محمد بن الحسين ,عن أحمد بن المفضل , عن أسباط , عن السدي: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] يقول: «للرشا»
وهذا القول كما يبدو أنه في الرشي عامة .

وجاء قول بتخصيص الرشا في الحكم أخرجه ابن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم وورد عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل وابن زيد
فقد كان اليهود يأخذون الرشا على الأحكام لمن يدفع لهم .
أخرج بن جرير عن يونس ,عن ابن وهب , عن عبد الرحمن بن أبي الموالي , عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال:«كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به» قيل: يا رسول الله , وما السحت؟ قال: «الرشوة في الحكم»

أما قول ابن عباس:
أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أحمد الدشتكي، عن أبيه عن إبراهيم الصائغ عن يزيد النحوي قال: قال عكرمة: إن ابن عباس قال: أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رشوة الحكام حرام، وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه.
وأخرجه ابن جرير عن محمد بن سعد , عن أبيه ,عن عمه , قال: ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: {سماعون للكذب أكالون للسحت} [المائدة: 42] وذلك أنهم أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب "

قول مجاهد:
ورد في تفسير مجاهد و أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] " يعني به: «الرشوة في الحكم وهم اليهود»
وأخرجه ابن جرير عنه من طريق معمر.
قول مقاتل:
قوالون لِلْكَذِبِ للزور منهم كَعْب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضيف، ووهب بن يهوذا، أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ يعني الرشوة فِي الْحُكْم كَانَت اليهود قَدْ جعلت لهم جعلا فِي كُلّ سنة عَلَى أن يقضوا لهم بالجور.تفسير مقاتل
قول ابن زيد:
أخرجه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب , قال: قال ابن زيد في قوله: {أكالون للسحت} [المائدة: 42] قال: «الرشوة في الحكم»
- وعن سعيدٌ، عن بن زيدٍ، عن يحيى بن عتيق قال: كان محمّد بن سيرين يكره أجور القسّام، ويقول: كانوا يقولون: الرّشوة على الحكم سحت، ما أرى حكمًا يؤخذ عليه رشوة...سنن سعيد بن منصور
وأورد غير واحد من المفسرين مثل التعلبي والمواردي والزمخشري وغيرهم عن الحسن بغير اسناد : كان الحاكم في بنى إسرائيل إذا أتاه أحدهم برشوة جعلها في كمه فأراها إياه وتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه، فيأكل الرشوة ويسمع الكذب.
  • وهذا القول أخص من الذي قبله، وتوجيهه ان الرشوة تدخل في السحت دخولا أولياً كما ذكره القنوجي
وهذا القول يحتمله ويعضده سياق الآيات، خاصة مع سبب نزول الآية وسياقها وتحدثها عن أفعال اليهود وتحريفهم لكتابهم وما علموه من صفات النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه، وما قاموا به من تغيير لحد الرجم وتبديله وغير ذلك مما اقترفته يهود.

  • والقول الثالث: الرشوة في الدين.
حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم عن سفيان عن عاصم عن ذر عن عبد الله قال: السحت: الرشوة في الدين. ابن أبي حاتم
والمعنى أن فقراءهم كانوا يأخذون من أغنيائهم الرشا والأموال ليقيموا على ما هم عليه من اليهودية، فالفقراء كانوا يسمعون أكاذيب الأغنياء ويأكلون السحت الذي يأخذونه منهم .. فخر الدين الرازي
وهذا القول كذلك مما يحتمله السياق.

القول الرابع : الرشوة بين الناس.
وهذا القول ورد عن ابن مسعود وعلي وابن سيرين.
قول ابن مسعود:
عن سعيدٌ بن منصور ، عن حمّاد بن يحيى الأبحّ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الرّشوة في الحكم كفرٌ، وهي بين الناس سحت… سنن سعيد بن منصور
- وعن سعيدٌ،عن سفيان، عن (عمّار) الدّهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، قال: سألت ابن مسعودٍ عن السّحت، أهو الرّشوة في الحكم؟ قال: لا ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون، والظّالمون، والفاسقون، ولكنّ السّحت: أن يستعينك رجلٌ على مظلمةٍ، فيهدي لك، فتقبله، فذلك السّحت.
- وأخرجه اببن جرير عن شعبة، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروقٍ، قال: سألت عبد اللّه عن السّحت، فقال: الرّجل يطلب الحاجة فيقضيها، فيهدى إليه فيقبلها.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن بكير بن مرزوق عن عبيد ابن أبي الجعد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقا فأهدا له هدية فقبلها فذلك السحت. فقلنا يا أبا عبد الرحمن، إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم. فقال عبد الله: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .
قول علي:
- عن سعيدٌ؛ عن سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن موسى بن طريف، عن أبيه، أنّ عليًّا رضي اللّه عنه قسم شيئًا، فدعا رجلًا يحسب، فقيل له: لو أعطيته شيئًا، قال: إن شاء، وهو سحتٌ.… سنن سعيد بن منصور
قول ابن سيرين:
- عن سعيدٌ، عن حمّاد بن زيدٍ، عن ابن عون، عن ابن سيرين، قال: كان يكره الشّرط، ولا يرى بأسًا أن يقسم الرّجل للرّجل فيعطيه الشّيء من غير شرطٍ.… سنن سعيد بن منصور

  • القول الخامس: أنه كل كسب لا يحل.
أخرج بن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلى قراءة، عن سفيان بن عيينة عن هارون بن زياب عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق أنه تحمل بحمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: نؤديها عنك ونخرجها من نعم
الصدقة أو إبل الصدقة، فقال :
يا قبيصة، إن المسألة قد حرمت إلا في ثلاث: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته حاجة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت.
وأخرجه ابن وهب عن ابن زيد عن أبيه قال: السحت الحرام كله، والرشوة من السحت)

كما وردت عدة آثار عن السلف بتحديد بعض أنواع الحرام ويبدو أنها على سبيل المثال من أنواع الحرام التي تدخل تحت مسمى السحت:
فورد عن سعيدٌ،عن إسماعيل بن عيّاش، عن حبيب بن صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الرّشوة في الحكم سحت، ومهر البغيّ، وثمن الكلب، وثمن القرد، وثمن الخنزير، وثمن الخمر، وثمن الميتة، وثمن الدّم، وعسب الفحل، وأجر النّائحة والمغنّية، وأجر الكاهن، (وأجر الساحر)، وأجر القائف، وثمن جلود السّباع، وثمن جلود الميتة، فإذا دبغت فلا بأس بها، وأجر صور التّماثيل، وهديّة الشّفاعة، (وجعيلة الغرق) )… سنن سعيد بن منصور
وأخرج بن جرير عن أبو السّائب،عن أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: قال عمر: بابان من السّحت: الرّشا، ومهر الزّانية.
وأخرج كذلك عن هنّادٌ، عن وكيعٌ، وعن ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن طلحة، عن أبي هريرة، قال: مهر البغيّ سحتٌ، وعسب الفحل سحتٌ، وكسب الحجّام سحتٌ، وثمن الكلب سحتٌ.
-وعن هنّادٌ، عن ابن فضيلٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن عبد اللّه بن هبيرة السّبئيّ، قال: من السّحت ثلاثةٌ: مهر البغيّ، والرّشوة في الحكم، وما كان يعطى الكهّان في الجاهليّة.
- وعن هنّادٌ، عن ابن مطيعٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ضمرة، عن عليّ بن أبي طالبٍ، أنّه قال في كسب الحجّام، ومهر البغيّ، وثمن الكلب، والاستجعال في القضيّة، وحلوان الكاهن، وعسب الفحل، والرّشوة في الحكم، وثمن الخمر، وثمن الميتة: من السّحت.
وهذا القول يشمل ويعم الأقوال قبله وقد ذهب إليه عامة المفسرين وذكروا أنه أولى الأقوال بالصواب وهو ما ذهب إليه الشوكاني والثعالبي وابن عاشور والقنوجي والقاسمي والسعدي وغيرهم

قال القاسمي: السحت كله حرام تحمل عليه شدة الشره. وهو يرجع إلى الحرام الخسيس الذي لا تكون له بركة ولا لآخذه مروءة ويكون في حصوله عار.
وقال السعدي: السحت هوالمال الحرام، بما يأخذونه على سفلتهم وعوامهم من المعلومات والرواتب، التي بغير الحق، فجمعوا بين اتباع الكذب وأكل الحرام.
وعلى ذلك يكون قول الحسن من باب التفسير بالمثال .. والله تعالى أعلم.


--------------------------------------------------------


( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).
"اتقوا الله" : أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وسخطه وقاية بعبادتكم له وطاعتكم إياه.
"الذي تساءلون به":قرأ الجمهور تسائلون- بتشديد السين، وقرأ حمزة، وعاصم، والكسائي، وخلف: تساءلون- بتخفيف السين.
والمعنى: الله تعالى الذي تعاهدون وتعاقدون به ويسأل بعضكم بعضا به تعظيما وتوقيرا له تعالى.


واختلف المفسرون في معنى قوله {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} حسب القراءات في ( الأرحام)

القراءة الأولى: قراءة النصب، فمن قرأ بالنصب قال اتقوا الأرحام أن تقطعوها.. وهي قراءة الجمهور
وهو المروي عن ابن عباس والحسن وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك ومجاهد والربيع وابن زيد والحسين
قول بن عباس
أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه الّذي تساءلون به، واتّقوا اللّه في الأرحام فصلوها.
كما أخرج عن المثنّى،عن إسحاق، عن عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، و أبو جعفرٍ الخزّاز، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، أنّ ابن عبّاسٍ، كان يقرأ: {والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه لا تقطعوها.
وعن القاسم، عن الحسين، عن حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: اتّقوا الأرحام.

قول الحسن
أخرج عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن معمر عن الحسن في قوله تعالى واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام قال هو قول الرجل أنشدك الله الرحم). وأخرج ابن المنذر مثله عن مجاهد.
أخرج ابن جرير عن كريبٍ، عن هشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} قال: اتّقوا اللّه الّذي تساءلون به، واتّقوه في الأرحام.

قول عكرمة:
وأخرج النهدي وابن جرير وابن المنذر عن (سفيان [الثوري] عن خصيفٍ عن عكرمة {الذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه واتّقوا الأرحام أن تقطعوها [الآية: 1]).
وخصيف بن عبد الرحمن الجزري ممن هم من أهل الصلاح ولكن رواياته فيها ضعف واضطراب عن عكرمة ولكن هنا الرواية ليس بها نكارة ولم تخالف ما روي في الآية ممن هم أوثق منه .

قول السدي:
أخرج ابن جرير عن محمّد بن الحسين،عن أحمد بن المفضّل،عن أسباطٌ، عن السّدّيّ في قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه، واتّقوا الأرحام لا تقطعوها.

قول قتادة:
أخرج عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن معمر عن قتادة قال بلغني أن النبي قال اتقوا الله وصلوا الأرحام).
أخرج ابن جرير بشر بن معاذٍ، عن يزيد،عن سعيدٌ، عن قتادة: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام إنّ اللّه كان عليكم رقيبًا} ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: اتّقوا اللّه وصلوا الأرحام، فإنّه أبقى لكم في الدّنيا، وخيرٌ لكم في الآخرة.

قول مجاهد:
أخرجه ابن جرير عن المثنّى، عن أبو حذيفة، عن شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {الّذي تساءلون به والأرحام} قال: اتّقوا الأرحام أن تقطعوها.

قول الضحاك:
أخرجه ابن جرير عن المثنّى، عن إسحاق، عن أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {الّذي تساءلون به والأرحام} قال: يقول: اتّقوا اللّه في الأرحام فصلوها.
كما أخرجه عن المثنى عن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع.

قول ابن زيد:
أخرجه ابن جرير عن يونس، عن ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} قال يقول اتقوا الله الذى تساءلون به واتّقوا الأرحام أن تقطعوها وقرأ: {والّذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل}

قول الحسين:
أخرجه ابن المنذر عن موسى، عن شجاع، عن هشيم، عن منصور، عن الحسين " {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوه في الأرحام " قوله جل وعز: {إن الله كان عليكم رقيبا}

وقراءة النصب هنا جاءت عطفا على اسم " الله"، ورجحه ابن جرير وعليه الأكثر.

قال بن جرير: والقراءة الّتي لا نستجيز للقارئ أن يقرأ غيرها في ذلك النّصب: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام}والعرب لا تعطف بظاهرٍ من الأسماء على مكنيٍّ في حال الخفض، إلاّ في ضرورة شعرٍ.
قال الأخفش: {وَالأَرْحَامَ} منصوبة أي: اتقوا الأَرْحام. وقال بعضهم {والأَرْحامِ} جرّ. والأوَّلُ أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور.
قال الزجاج: القراءَة الجيِّدةُ نصب الأرحام.
وقال البغوي: والقراءة الأولى أفصح لأن العرب لا تكاد تنسق بظاهر على مكنى، إلا أن تعيد الخافض فتقول: مررت به وبزيد، إلا أنه جائز مع قلته.
قال الهمذاني: من أجاز الخفض في {الأرحام} أجمع مع من لم يجز أن النصب هو الاختيار.
قال مكي: هو الاختيار، لأنه الأصل، وهو المستعمل، وعليه تقوم الحجة، وهو القياس، وعليه كل القراء.

القراءة الثانية: قراءة الخفض ، قرأها كذلك ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والنخعي، ويحيى بن وثاب، والأعمش، وأبي رزين، وحمزة… قاله أبو حيان الأندلسي.
فتكون على معنى: تساءلون به وبالأرحام، فيكون معطوفا على موضع الجار والمجرور
وهو ما ورد عن مجاهد وإبراهيم والحسن.
قول ابن مجاهد:
أخرج النهدي وابن جرير عن (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قول اللّه تعالى: {الّذي تساءلون به والأرحام} أسألك بالله وبالرحم .
قول إبراهيم النخعي:
أخرج ابن جرير عن ابن حميدٍ، عن حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتّقوا اللّه الّذي تعاطفون به والأرحام، يقول: الرّجل يسأل باللّه وبالرّحم.
- وأخرج بن جرير عن إبراهيم عدة آثار بنفس المعنى ، قال: هو كقول الرّجل: أسألك باللّه، أسألك بالرّحم يعني قوله: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام}.
قول الحسن:
أخرج ابن جرير عن المثنّى، عن سويدٌ، عن ابن المبارك، عن معمرٍ، عن الحسن، قال: هو قول الرّجل: أنشدك باللّه والرّحم قال محمّدٌ: زيد.

وردّ النحويون من البصريين والكوفيين هذا القول وزعم البصريون أنه لحن، وقبّحه الكوفيون، وذلك من وجهين:
الأول: أنه لا يجوز في العربية العطف بظاهر على مكنى مخفوض إلا بإعادة الخافض سوى ما يكون في ضرورة الشعر.قاله الزجاج وابن جرير وغيرهم.
قال بن جرير: وذلك غير فصيحٍ من الكلام عند العرب؛ لأنّها لا تنسق بظاهرٍ على مكنيٍّ في الخفض إلاّ في ضرورة شعرٍ، وذلك لضيق الشّعر؛ وأمّا الكلام فلا شيء يضطرّ المتكلّم إلى اختيار المكروه من المنطق والرّدئ في الإعراب منه.

الثاني: إن المضمر المجرور بمنزلة التنوين، والتنوين لا يعطف عليه ..قاله سيبويه
الثالث : أن المعنى غير جائز في الدين فلا يجوز الحلف بغير الله .قاله الزجاج وغيره.

حكى أبو علي الفارسي أن المبرد قال: لو صليت خلف إمام يقرأ واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام بالجر، لأخذت نعلي ومضيت.

قال أبو علي: من جر، عطف على الضمير المجرور بالباء، وهو ضعيف في القياس، قليل في الاستعمال، فترك الأخذ به أحسن.

وعند التحقيق نجد الآتي:
أولا: وإن كان اختيار الجمهور على قراءة النصب إلا أن قراءة الخفض متواترة مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز إنكارها لأن انكارها انكارًا للقرآن، ، ومما علم من ورع حمزة وتقاه أنه لم يقرأ حرفا إلا بأثر.

وقد وردت كذلك عن مجاهد مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم،فقد نقل الهمذاني عن ابن خالويه رحمه الله أنه قال في قراءة الخفض: وليس لحنًا عندي؛ لأن ابن مجاهد حدثنا بإسناد يعزيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {والأرحامِ} ومع ذلك فإن حمزة كان لا يقرأ حرفًا إلا بأثر.
قال أبو زرعة في إنكار قراءة الخفض: وقد أنكروا هذا وليس بمنكر لأن الأئمّة أسندوا قراءتهم إلى النّبي صلى الله عليه.اهـ
ويؤيد هذا القول قراءة عبد الله بن مسعود: تساءلون به وبالأرحام، على وجه التفسير والتوضيح.
ومتى ثبتت القراءة وتواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي قرآن فلا يطوع بحسب ما جاء في العربية وإنما تطوع اللغة بما ورد في القرأن، فاللغة ليست حاكمة على القرآن وإنما القرآن حاكم على اللغة، وهذه من المآخذ التي وردت على ابن جرير في رده لبعض القراءات المتواترة.
قال أبو حيان : ومن ادعى اللحن فيها أو الغلط على حمزة فقد كذب.

ثانيا: إنكارهم لموضع الخفض من جهة عدم جوازه في العربية يرد عليه من وجوه:
الأول: إنكارهم أن الظّاهر لا يعطف على المضمر المجرور إلّا بإظهار الخافض رد عليه بأنه غير منكر.
قال أبو زرعة: وليس بمنكر وإنّما المنكر أن يعطف الظّاهر على المضمر الّذي لم يجر له ذكر فتقول مررت به وزيد وليس هذا بحسن فأما أن يتقدّم للهاء ذكر فهو حسن وذلك عمرو مررت به وزيد فكذلك الهاء في قوله {تساءلون به} وتقدم ذكرها وهو قوله {واتّقوا الله} ومثله قول سيبويه:
فاليوم أصبحت تهجونا وتشتمنا …. فاذهب فما بك والأيّام من عجب
قال أبو حيان: وقد ورد من ذلك في أشعار العرب كثير يخرج عن أن يجعل ذلك ضرورة.

الثاني: أن يكون هناك حذف للباء الجارّة،كما حذفت في قوله:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ..ز ولا ناعب إلا ببين غرابها
فجرّ وإن لم يتقدم باء.

ثالثاً: أن تكون (والأرحام) بالنصب عطف على موضع به، لأن موضعه نصب، ومنه قوله:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا ، ويشهد له قولهم: أنشدك بالله والرحم


أما قولهم بعدم جواز القراءة بالخفض لغرض تحريم الحلف بغير الله فقد رد عليه من وجوه:
الأول: النهي إنما جاء في الحلف بغير الله، وهذا توسل إلى الغير بحق الرحم فلا نهي فيه.أورده القرطبي.

الثاني: أنه قد يكون من باب الإقسام من الله بالرحم،أي: اتقوا الله وحق الرحم كما تقول: افعل كذا وحق أبيك، وقد ورد عن الله تعالى إقسامه ببعض مخلوقاته للتنبيه على أهميتها، وله سبحانه أن يقسم بما يشاء من خلقه.أورده القرطبي.

الثالث: أن تكون تعريضا بعوائد الجاهلية، إذ يتساءلون بينهم بالرحم وأواصر القرابة ثم يهملون حقوقها ولا يصلونها، ويعتدون على الأيتام من إخوتهم وأبناء أعمامهم، فناقضت أفعالهم أقوالهم، وأيضا هم قد آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وظلموه، وهو من ذوي رحمهم وأحق الناس بصلتهم
الرابع: إِنما أراد حمزة الخبر عن الأمر القديم الذي جرت عادتهم به، فالمعنى: الذي كنتم تساءلون به وبالأرحام في الجاهلية...قاله ابن الأنباري

الخامس: إن الآية لم تأت في القسم بغير الله، وإنما أتت في التساؤل بغير الله، والتساؤل غير القسم، فهي استعطاف وليس يمينا ، واستدل أصحاب هذا القول بما جاء عن عمرو بن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قضى صلاته: «اللهم إني أسألك بحقّ السائلين عليك».ولكن عمرو بن عطية العوفي ضعيف.

القراءة الثالثة: قراءة أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد: [الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامُ] رفعًا،
قال بن جني عن أبي الفتح: ينبغي أن يكون رفعه على الابتداء وخبره محذوف، وحسن رفعه لأنه أوكد في معناه.

والمعنى: والأرحام أهل أن توصل وهي مما يجب أن تتقوه، وأن تحتاطوا لأنفسكم فيه.
وهذه القراءة مما لم يقرأ به الآن.

ومما هو معلوم أن تعدد القراءات يزيد في المعنى ويثريه ويمكننا الجمع بينها جميعا .

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:42 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir