دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > فوائد في مشكل القرآن للعز بن عبد السلام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 ربيع الثاني 1432هـ/12-03-2011م, 12:05 AM
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 3,529
افتراضي فاتحة الكتاب

فاتحة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم
الباء في بسم الله. قال الكوفيون هي متعلقة بفعل تقديره أبتدئ. لأن أول العمل للأفعال. وقال البصريون: يقدر اسمًا تقديره: ابتدائي. ثم يتفرع على هذه الطريقة فروع وهو إن جعلنا بسم الله من صلة ابتدائي، فيكون التقدير: ابتدائي باسم الله كائن لا يجوز تقديم المجرور، لأن الصلة لا تتقدم على الموصول، وإن جعلناه متعلق الخبر لا صلة له، جاز تقديمه.
فروع:
الأول: يقال للبصريين إضمار ابتدائي مرجوح بالنسبة
[فوائد في مشكل القرآن: 36]
إلى إضمار فعل من جنس الملابس، نحو: «اقرأ» وشبهه. لأن البركة حينئذ تكون مخصوصة بابتداء الفعل دون جملته، وإذا قلنا: «اقرأ» شملت البركة الفعل.
الثاني: أن القائلين [بالفعل] اختلفوا: هل يضمر مقدما على المجرور – إذ الأصل في العامل التقديم – أو يضمر متأخرا لشرف المجرور، فيدل ذلك على الاهتمام وينبغي أن يجري هذا الخلاف في إضمار الاسم بطريق التخريج.
الثالث: أن الاسم إذا أردنا به المسمى فيكون هذا ثناء على الله تعالى بتفويض الفعل إليه وإن جعلنا الاسم المراد به التسمية كان المراد التبرك باسم الله. وليس هذا كقوله عليه السلام: «باسمك أحيا». لأن المراد به المسمى، إذ الحياة والموت لا يكونان إلا بقدرة الله تعالى، فيكون فيه مجاز وحذف. فالمجاز التعبير بالاسم عن المسمى، والحذف حذف المضاف، وهو القدرة.
الرابع: إن كان المراد التبرك، كيف يحسن ذلك في
[فوائد في مشكل القرآن: 37]
القرآن، لأن البسملة: هي كلام الله في الله، والقراءة هي كلام الله في الله، أو كلام الله في غير الله، وأيا ما كان فيكون أشرف من البسملة، فكيف يبارك بالمشروف على الشريف.
والجواب: أن البركة هاهنا معناها: أن يدفع عنه الشيطان الذي وسوسه في القراءة، حتى يحمل القرآن على غير محمله، أو يلهو عنه، لا أنها توجب للقراءة صفة كمال وشرف بل ذلك عائد إلى القارئ.
فائدة: قيل: «الرحمن» أبلغ من الرحيم لزيادة البناء. وخولفت القاعدة في تقديم الأفضل كقولهم: عالم نحرير وقيل: «الرحيم» أبلغ، لأنه أخر، والقاعدة أنهم لا يؤخرون إلا الأبلغ قال أبو عبيدة: هما سواء: كندمان ونديم. قال برج بن مسهر:
وندمان يزيد الكأس طيبا = سقيت وقد تغورت النجوم
أي وندم. وليس هذا من القاعدة، بل من باب الاهتمام ببعض مسميات اللفظ فيفرد بالذكر، وذلك أن
[فوائد في مشكل القرآن: 38]
«الرحمن» يعم الدنيا والآخرة و«الرحيم» مختص بالآخرة والرحمة في الآخرة أعظم، لأنه يوم الجزاء، فاهتم به، فأفرد بالذكر.
وقيل: «الرحمن» للدنيا فقط، و«الرحيم» للآخرة، فيكون أبلغ لسعة رحمته الآخرة.
وقيل: «الرحمن» لأهل الأرض، و«الرحيم» لأهل السماء.
فائدة: قال ابن عطية: اختلف في وصل الرحيم بالحمد لله، فروى عن أم سلمة الوقف بتسكين الميم، وقرأ به جماعة من الكوفيين. وقرأ الجمهور بوصل الميم بالحمد وخفض الميم، إما بالإعراب، وإما لأنه سكن ثم حرك لالتقاء الساكنين، والأول أخصر.
وحكى الكسائي عن بعض العرب: فتحم الميم بإلقاء حركة الألف عليها، وليست قراءة
[فوائد في مشكل القرآن: 39]
قوله عز وجل: {الحمد لله رب العالمين} (1:1).
الحمد والمدح مترادفان، والثناء أعم منهما، لأنهما لا يكونان إلا في الخير، إما لإثبات صفة كمال، أو سلب صفة نقص، والثناء قد يكون في الخير والشر، لأنه من «الثني» الذي هو الانعطاف، وقد يعطف عليه شرًا، وقد يعطف عليه خيرًا. وقيل الثناء مختص بالخير. وقيل: مشترك كالنثا.
وفي لام الحمد ثلاثة أقوال:
قيل: للاستغراق، وأن الله أثنى بجميع المحامد على نفسه بطريق التفصيل. ويصح أن يكون مأمورًا به على هذا التقدير، بمعنى: إنا نحمده بجميع المحامد على سبيل الإجمال، كقولنا: الله خالق كل شيء، والملك لله، وإما
[فوائد في مشكل القرآن: 40]
على سبيل التفصيل فذلك، متعذر على العباد.
وقيل: الألف واللام للعهد، ويكون المعهود ما ورد في الشرائع المنزلة. فيكون أمرنا أن نحمده بما عهدناه من الحمد، وذلك ممكن لنا.
وقيل: هي إشارة للجنس أي إلى الحقيقة من حيث هي حقيقة المعهود بيننا، وهو رأي الزمشخري. ومعناه: أن هذا المصدر أقيم مقام الفعل، وكذلك قال سيبويه فقال: نقول: الحمد لله مريدا به في حالة الرفع ما تريد به في حالة النصب، أي إذا قلت: الحمد لله، فأنت قائل: نحمد الله الحمد مثل: «أرسلها العراك»، أي أرسلها تعترك، واللام إشارة للجنس، ويتأيد ذلك بالحديث الصحيح: «فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال
[فوائد في مشكل القرآن: 41]
الله عز وجل: حمدني عبدي»، فقد صرح بعين الفعل، ولو كانت للاستغراق، وأن الله أثنى بها على نفسه لكنا نحكي ما قال الله تعالى، وحاكي الحمد ليس بحامد، كما أن حاكي الكفر ليس بكافر. اللهم إلا أن يقول صاحب هذا المذهب: إن اعتقادنا – مع التلفظ به – بخلاف الحاكي فإنه لا يعتقد. وهذا سؤال لا دفع له. ويترجح جانب الحكم بأن الحامد على مذهبه أخبر أن المحامد كلها استقرت لله.
وأما على رأي الزمخشري فيكون حمد هذا وحده هو الذي حكم باستقراره لله. فإن قيل هذا مشكل، لأنه إذا كان معنى الحمد له: نحمد الله، فهذا وعد بالحمد، لا أنه حمد، ولا يلزم من الوعد بالشيء حصوله. وعلى هذا فما معنى قوله: «حمدني عبدي» ولو قدرت الفعل ماضيًا: أي حمدت الله لكان إخبارًا عن وقوع الحمد في الزمان الماضي، ولم يقع منه شيء في الزمان الماضي، فيكون ذلك خبرًا غير مطابق، لكن الله عز وجل قد أخبر بكرمه أن عبده قد حمده، فكيف معنى: «الحمد لله».
فالجواب: أن هذا ليس وعدًا ولا خبرًا، بل إنشاء.
[فوائد في مشكل القرآن: 42]
ونقدم مقدمة في الفرق بين الخبر والإنشاء، فنقول: الخبر هو اللفظ الدال على أن مدلوله قد وقع قبل صدوره أو يقع بعد صدوره. والإنشاء: هو اللفظ الدال على أن مدلوله قد حصل مع آخر حرف منه، أو عقيب آخر حرف فيه. على الخلاف بين العلماء في ذلك. إذا تقرر هذا فنقول: هذا السؤال مشترك في قولنا: «نستغفر الله». لأن معنى نستغفر: نطلب من الله المغفرة، لأن استفعل لطلب الفعل. فهذا وعد بأنا سنطلب منه. ولا يلزم من الوعد بالطلب حصول المطلوب الذي هو الطلب. فكان يلزم أن لا يتحقق طلب المغفرة من أحد أبدًا، لكن الشرع جعل هذه الصيغة كافية في طلب المغفرة، وكذلك قولنا: أشهد أن لا إله إلا الله، يلزم أن يكون وعدًا بالتوحيد [لا توحيد وكذلك] ما ورد في الحديث: «أستغفرك اللهم وأتوب إليك» وعد بالتوبة لا توبة في نفسه، ونظائر ذلك كثيرة مع ثبوت مقتضياتها معها. وسبب ذلك أنا قد بينا أن الإنشاء: هو اللفظ الذي يدل على اقتران مدلوله. وقولنا: الحمد لله مثلا مدلوله هو القدر المشترك بين قولنا: «الملك لله» وبين قولنا: «أحاط الله بكل شيء علما»، «والله خالق كل شيء» وغير ذلك من صفات المدح. فإن كل واحد منها يصدق عليها أنه مدح، ولا
[فوائد في مشكل القرآن: 43]
يلزم حيث تحقق المدح أن يتحقق كل واحد منهما.
فالحمد والمدح أعم من كل واحد منهما. وإذا كان الحمد هو القدر المشترك. فنحن ننشئه عند قولنا: الحمد لله.
والمعنى بإنشائنا إياه: أن نطلق اللفظ، ونريد اقترانه به، وكذلك في سائر النظائر المذكورة. ثم إنا إذا أنشأنا القدر العام نريد به موارده التي هو مشترك فيها، فيكون من باب إطلاق لفظ الأعم، وإرادة الأخص، وذلك مجاز مشهور. وعليه [يتضح] أيضًا قوله عليه السلام حكاية عن ربه عز وجل: «حمدني عبدي».
فائدة: قال ابن عطية. قال الطبري: الحمد والشكر بمعنى واحد، وهو غير مرضي. وقيل: الشكر: الثناء على الله تعالى بأفعاله وإنعامه، والحمد: ثناء عليه بأوصافه وهذا أصوب من الأول.
وأجمع القراء السبعة وجمهور الناس على رفع الدال من الحمد. وروى عن سفيان بن عيينة الفتح بإضمار فعل
[فوائد في مشكل القرآن: 44]
وروى عن الحسن بن أبي الحسن، وزيد بن علي الكسر على الإتباع.
وقرئ «رب» بالنصب. قيل: على المدح. وقيل: على النداء.
والرب، يقال للمعبود والسيد والمالك، والقائم بالأمور، الرئيس فيها.
وقرئ ملك ومالك على الأول الأكثر. وقرأ أبو عمرو من السبعة بتسكين اللام. وروى عن نافع إشباع.
[فوائد في مشكل القرآن: 45]
الكسرة من الكاف. فيتصل بـ«ياء» وهي لغة للعرب.
وقرأ أبو حيوة فتح الكاف وكسر اللام. وقرأ جماعة: مالك: بفتح الكاف، وهاتان على النداء، توطئة لقوله: إياك نعبد. وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجمع معه: ملك، على أنه فعل ماض. وقرأ أبو هريرة رضي الله عنه: مليك، بالياء وكسر الكاف.
فجملتها ثمانية أوجه.
فائدة: قولنا: «الحمد لله على كل حال»، فهل المراد به الثناء المجرد عن الشكر أو الثناء الذي هو الشكر. والثاني مشكل، لأن من جملة الأحوال، المصائب، وهي لم يوضع الشكر عليها.
والجواب: أن المراد المعنى الثاني، لأن ابتلاء الله تعالى عبيده بالبلايا والمصائب، فيه ضروب من النعم لأجل ما يترتب عليها من الفوائد. ولذلك قال بعض السلف:
[فوائد في مشكل القرآن: 46]
الحمد لله الذي لا يشكر على الضراء غيره أو «إلا هو».
فائدة: يجوز في «الرب» أن يكون صفة مشبهة باسم الفاعل. نحو: طبّه، يطبّه، فهي طَبّ، بفتح الطاء. وبالكسر مصدر. وكذلك تمّ وتمّ، بالفتح صفة، وبالكسر مصدر. وأما الرّب، فاتحدت فيه صيغة المصدر والصفة، ورجح الأمر فيه إلى النية.
والرب، له أربعة محامل: المعبود، والمالك، والسيد، والمصلح، ويحمل في كل موضع من كتاب الله على ما يناسبه. فإن حمل هاهنا على [المالك] عم الموجودات. وإن حمل على المصلح خرجت الأعراض لأنها لا تقبل الصلاح، بل يصلح بها. وإن حمل على السيد اختص بالعقلاء، لأنه لا يقال: سيد الحمير والحشرات. وإن حمل على المعبود، اختص بالمكلفين، وهذا أخص المحامل. والأول أعمها، وما بينهما في العموم
[فوائد في مشكل القرآن: 47]
والخصوص. وأنسبها المصلح – لأن الإصلاح يعم – إن قلنا: الحمد بمعنى الشكر. وإلا فالسيد أنسب للثناء.
ووجه مناسبة «المالك» للثناء، أن من ملك يناسب أن يثني عليه مملوكه لاستيلائه عليه وعظمته. ومناسبة «المعبود» لشرفه باستحقاق العبادة.
فائدة «العالمين» جمع عالم. والعالم اسم للعقلاء من الثقلين والملائكة، أو لكل ما يعرف به الصانع من الجواهر والأعراض. وهذا أمدح، قاله الزمخشري.
وقال بعض السلف: هو اسم للقرون، وجمع بالواو والنون، مع كونه اسما غير صفة – وإنما يجمع بهما صفات العقلاء، أو ما في معناها وحكمها من الأعلام – لما فيها من معنى الوصفية. وهي: الدلالة على معنى العلم، قال الشيخ عز الدين رضي الله عنه: وجمعت باعتبار أنواعها.
[فوائد في مشكل القرآن: 48]
وإلا يستحيل الجمع.
فائدة: اختلف في اشتقاق العالم. فقيل من العلم، وعلى هذا مختص بالعقلاء، وقيل: من العلامة، وعلى هذا يعم في التسمية ويكون مخصوصا على حسب المراد بالذات.
سؤال: الذي يقول: «البسملة من الفاتحة» يشكل عليه تكرار {الرحمن الرحيم} في الفاتحة.
والجواب: أن الثناء بالذي في الفاتحة من الرحمة إشارة إلى الرحمة التي تعم كل مرحوم، وبالذي في البسملة إلى ما في الفعل المتلبس به من الرحمة. فالذي في الفاتحة، عام والذي في البسملة، خاص، فلا تكرار.
قوله عز وجل: {مالك يوم الدين} [1: 3].
«ملك» أكثر شمولاً من «مالك» لأن الملك يتصرف فيما يملك، وفيما لم يملك بخلاف المالك. وأصل هذه الحروف: الاستيلاء والتصرف. تقول: مَلَكَ العجين، وإذا تصرفت فيه بجودة العجن، وكذلك، لكم.
وقول الزمخشري: «إنه يعرف بالإضافة لأنه
[فوائد في مشكل القرآن: 49]
بمعنى الماضي، أو الزمان المستمر»، لا يستقيم. لأن ملك يوم الدين لا يحصل إلا إذا جاء يوم الدين، فلا يكون للماضي ولا للزمان المستمر لانتفاء الماضي والحال. فإن قيل: هو للماضي على سبيل الاستعارة، قلنا: الاستعارة للفظ دون المعنى، وإذا كان المعنى مستقبلاً، فلا يتعرف، ولا توصف به المعرفة.
وقيل في {يوم الدين}: إنه مفعول فيه، والمفعول محذوف، تقديره: يملك الأمر في يوم الدين. وقيل: هو مفعول به على السعة وإسقاط حرف الجر.
وأطلق «الدين» على الجزاء في هذا الموضع، وعلى الحساب، كما في قوله: {ذلك الدين القيم} بعد قوله: {إن عدة الشهور}، وعلى العبادة، كقوله: {في دين الملك}، وعلى العبادات، كقوله: {إن الدين عند الله الإسلام}.
قوله عز وجل: {إياك نعبد وإياك نستعين} (1: 4).
قال ابن عطية: قرئ: أياك بفتح الهمزة، وهي لغة
[فوائد في مشكل القرآن: 50]
مشهورة. وقرأ عمرو بن فايد بكسرها وتخفيف الياء. وقرئ «هياك» بالهاء.
وقولنا: «إياك نعبد» وعد منا بالعبادة، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت». ولا تحمل على الإخبار إذ لا فائدة في الإخبار بعبادتنا، لأنه سبحانه يعلم السر والخفاء.
وقدم {إياك نعبد على {وإياك نستعين} لأن إياك نستعين خبر بمعنى الدعاء، فيكون من النصف المختص بالعبد، والعبادة مختصة بالله تعالى. وقد قال عليه السلام حكاية عن الله سبحانه وتعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» ثم قال: «وإذا قال العبد: إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله: هذه
[فوائد في مشكل القرآن: 51]
بيني وبين عبدي، ولعبدي، ما سأل» فقدم إياك نعبد ليقع ما لله في نصفه، وما للعبد في نصفه، أو قدم اهتمامًا بذكر العبادة، لأنهم يقدمون الأهم فالأهم.
وقال: «إياك» ولم يقل: إياه، وإن كان هو الأصل، لمناسبة قوله: الحمد لله وما بعدها – لأن الانتقال من الغيبة إلى الخطاب يسمى الالتفات، وفيه تنشيط للسامع وبسط له. وله فوائد أُخر. لما أشعر بقربه من معاهدته على عبادته واستعانته، والخطاب يشعر بالقرب، إذ لا يخاطب إلا من يسمع الخطاب. فاشعر الالتفات بأنه قريب يسمع دعاء الداعين ومعاهدة المعاهدين.
فائدة: اختلف النحاة في «إياك». فقال الخليل: «إيا»اسم مضمر، أضيف لما بعده للبيان لا للتعريف، كقولهم: «إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب». وقال المبرد: هو اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف وقال الكوفيون: إياك بكماله اسم مضمر، ولا يعرف مضمر يتغير آخره غيره. وقيل الكاف، والهاء، والياء مضمرات، ولا تكون إلا متصلات، و«إيا»
[فوائد في مشكل القرآن: 52]
عماد لها. هذا إذا تقدمت الأفعال، فإن تأخرت عن الفعل اتصلت به، ولم ترد عمادا. وقيل: «إيا» اسم مبهم يكني به عن المنصوب ولواحقه للبيان لا إعراب لها.
فائدة: العرب تخرج من التكلم إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى المغايبة. وأحسن ما ذكر في ذلك أبيات امرئ القيس: حكاية عن نفسه:
تطاول ليلك بالإثمد = ونام الخلي ولم ترقد
وبات وباتت له ليلة = كليلة ذي العائر الأرمد
وذلك من نبأ جاءني = وخبرته عن أبي الأسود
فخرج من الخطاب للغيبة، ثم للمتكلم، فجمع بين ضميري خطاب [وضميري غيبة] وضميري التكلم، ويسمى هذا «الالتفات»، ويسمى التلوين.
فائدة: قول الله عز وجل: «قسمت الصلاة بيني وبين
[فوائد في مشكل القرآن: 53]
عبدي نصفين» الحديث، يدل على أمور، منها: أن «نستعين» طلب بلفظ الخبر. الثاني: أنه قدم إياك نعبد على إياك نستعين، لكونه ما لله يقدم على ما للعبد لأنه أشرف، وليقع في قسم ما لله. وإن كان قد قيل: الاستعانة – وهي خلق القدرة – متقدمة على الفعل، فكان ينبغي أن يتقدم في اللفظ. إلا أن ما ذكرناه أولى، لأن تقديم الأشرف قاعدة مشهورة ولأن وقوع ما لله في النصف الذي لله مناسب. الثالث: أن البسملة ليست من الفاتحة، لأنها لو كانت من الفاتحة [لكانت] آية بانفرادها لوجود الفاصلة فيها، وهي الميم. وإن كنت آية فيكون حد القسمة بين الله عز وجل وبين العبد {مالك يوم الدين}، لكن النص على خلاف [ذلك]. وقيل: على هذا ظاهر النص ليس مرادًا، لأن الصلاة ليست مقسومة بالإجماع بدليل السورة التي تقرأ مع الفاتحة بل المقسوم بعض القراءة، وهي الفاتحة، فيكون التقدير: قسمت بعض قراءة
[فوائد في مشكل القرآن: 54]
الصلاة، وبعض قراءة الصلاة لا يستلزم الفاتحة، والمقسوم عندنا الفاتحة، ونحن نقول به.
قوله عز وجل: {اهدنا الصراط المستقيم} (1: 5).
قال الأخفش: اهدنا: أي عرفنا. يقول أهل الحجاز: هديته الطريق والدار: أي عرفته، وغيرهم يقول: «إلى الطريق» و«إلى الدار».
فائدة: لهدى ثلاثة محامل: بين، وأرشد، وقال المحاملي وجماعة من أصحابنا: خلق، وهو بعيد عن اللغة.
الصراط: الطريق، والطريق: هو الموصل إلى المقاصد والخيرات. فذكر الصراط يشعر بما يدل عليه من حصول
[فوائد في مشكل القرآن: 55]
المقاصد. ولفظ «الدين» لا إشعار له بذلك.
«والسِّراط» بالسين من قولك: سرطت الشيء: إذا ابتلعته، لأنه يسرط سالكيه. كما سمي لقما، لأنه يلتقمهم.
قال الزمخشري: والمراد به هاهنا الإسلام. فعلى هذا يكون الدعاء بالاستمرار عليه دون طلب الزيادة فيه.
وإن جعل الصراط اتباع القرآن كما قاله ابن مسعود رضي الله عنه، حسن طلب الزيادة. لكن يشكل على هذا التأويل قوله عز وجل: {صراط الذين أنعمت عليهم} لأن القرآن أشرف الكتب، فكيف يدعو بالهداية إلى اتباعه ثم يرجع إلى غيره من كتب الأمم السالفة.
والإسلام يراد به الشهادتان فقط، وهو المشهور في العرف
[فوائد في مشكل القرآن: 56]
فلو حلف لا يكلم مسلما، فكلم من نطق بالشهادتين أحنث، ويراد به الشهادتان والدعائم الأربع. فهذان القسمان لا يمكن طلب الزيادة فيهما. وإن أريد به الإيمان حسن طلب الزيادة، إما بحسب تعدد المتعلق، أو بخلق علوم كثيرة في جواهر كثيرة لمعلوم واحد.
وقوله المستقيم: أي لا عوج فيه، ليكون أقرب إلى تحصيل المقصود، والعوج بالكسر في المعاني، وبالفتح في الأجسام، ليفرقوا بين البابين، وهو في المعاني استعارة.
وقوله: عز وجل: {صراط الذين أنعمت عليهم} (1: 6).
اختلفوا في «هم». فقيل: هم قوم موسى وعيسى قبل أن يبدلوا. وقيل: الملائكة. وقيل: أهل الهداية. واختلف في «النعمة». فقيل: الإيمان. وقيل: التوفيق له. وهذه الآية حجة عظيمة على المعتزلة، لأن العبد لو كان يخلق الإيمان كما يزعمون لم يحسن طلبه عن الله عز وجل، ولا حسن أمر الله إيانا بطلبه
[فوائد في مشكل القرآن: 57]
وقوله عز وجل: {غير المغضوب عليهم}.... (1: 7).
قال أبو علي: معناه: صراط غير المغضوب عليهم. فأقيمت الصفة مقام الموصوف، فيكون إعراب «غير» بدلاً من «صراط الذين»، لا من «الذين».
فائدة: قال ابن عطية: دخلت «لا» في «ولا الضالين» لئلا يتوهم العطف على الذين. وقيل: مؤكدة بمعنى غير. وقد قرأ عمر رضي الله عنه: «وغير الضالين». وقيل: زائدة.
آمين:
قال ابن عطية: روي أن جبرائيل عليه السلام لما علَّم النبي صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب، فقرأها، قال له: قل: آمين. والأكثر أن آمين: اسم الفعل الذي هو استجب، وقيل: اسم
[فوائد في مشكل القرآن: 58]
من أسماء الله ع وجل. ويشكل على هذا أنه لو كان اسمًا لم يحسن فيه هاهنا إلا النداء، ويكون المعنى: اهدنا يا الله. ولو كان منادى لكان مبنيًا على الضم لأنه اسم مفرد كزيد، وقيل: هو ما يختم به أهل الجنة وهو خاتم لها، أي الكتب التي تؤخذ بالأيمان.


التوقيع :
فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة
توفني مسلما وألحقني بالصالحين

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الكتاب, فاتحة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir