دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > جمال القراء وكمال الإقراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو القعدة 1431هـ/26-10-2010م, 10:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الكتاب التاسع: منهاج التوفيق إلى معرفة التجويد والتحقيق


بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب التاسع
منهاج التوفيق
إلى
معرفة التجويد والتحقيق

التجويد: مصدر جود الشيء تجويدا: إذا أتى بالقراءة مجودة الألفاظ، بريئة من الجور في النطق بها، لم تهجنها الزيادة، ولم يشنها النقصان. والتحقيق: مصدر حقق تحقيقا: إذا أتى بالشيء على حقه وجانب الباطل فيه.
وقوله عز وجل: {ورتل القرآن ترتيلا} أي رتبه وبينه وتأن فيه. وقال الحسن وقتادة: اقرأه قراءة بينة. زاد قتادة: وترسل به. يقال: ثغر رتل: إذا لم يركب بعضه بعضا.
وقد "نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها فذكرت قراءة مفسرة حرفا حرفا". وقالت أيضا: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته آية آية". وعنه صلى الله عليه وسلم: "أنه لم تكن قراءته بالخفية ولا بالرفيعة". وعن علي رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم حسن الصوت مادا ليس له ترجيع" وعن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرجع".
[2/525]
وأما قول عبد الله بن المغفل (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الفتح يرجع) فلم يرد ترجيع الغناء. كيف وقد نهى عن ذلك صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرءوا القرآن بألحان العرب، وإياكم وألحان أهل الفسق وأهل الكتابين، فإنه سيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم)). ويجوز أن يكون الراوي أراد بقوله: (يرجع) أي يكرر الآية أو بعضها. وكذلك قول أم هانئ بنت أبي طالب (كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا نائمة على فراشي يرجع بالقرآن).
وجميع ما عليه القراء من القراءة تجويد وتحقيق، وإن قراءة ابن كثير مع تسهيله كقراءة حمزة، لأن المراد بالتجويد: إعطاء الحروف حقها، وإخراجها من مخارجها، واجتناب اللحن الخفي على ما سيأتي بيانه، وذلك لا يختلف بحدر ولا بتأن.
قال عبد الله بن ذكوان: يجب على قارئ القرآن أن يقرأ بترتيل وترسل وتدبر وتفهم وخشوع وبكاء ودعاء وتحفظ وتثبت، وأن يزين قراءته بلسانه ويحسنها بصوته، ويعرف مخارج الحروف في مواضعها، ويستعمل إظهار التنوين عند حروف الحلق إظهارا وسطا بلا تشديد، وإخراج الهمزة إخراجا وسطا حسنا، وتشديد المضاعف تشديدا وسطا من غير إسراف ولا تعد، وتفخيم الكاف والراء والزاي والخاء والحاء والطاء بلا إفحاش ولا إسراف، وترقيق الراء، وتصفية السين، وإظهار طنين النون عند الخاء، وإظهار الهاء وإخراجها من الصدر، وإدغام ما يحسن فيه الإدغام، وإظهار ما يحسن فيه الإظهار.
وأما قراءة حمزة رضي الله عنه فهي نقل عن أئمته، ولم يقرأ حرفا إلا بأثر.
[2/526]
ونسب قوم إليه قراءة لا تجوز من مد مفرط، وهيئة شنيعة في إخراج الهمز. وقد حدثني أبو البركات البغدادي، ثنا أبو الكرم بن الحسن الشهرزوري، ثنا أبو محمد الصريفيني الخطيب، ثنا أبو حفص الكتاني، ثنا أبو بكر بن مجاهد قال: كان حمزة بن حبيب بعيدا مما حكوه عنه، ينهى عن الإفراط ويأمر بالتوسط. قال أبو بكر ابن مجاهد: ولقد أنا العباس بن محمد الدوري، ثنا عبد الله بن صالح العجلي قال: قرأ أخ لي أكبر مني على حمزة، فجعل يمد، فقال له حمزة: لا تفعل، أما علمت أن ما كان فوق الجعودة فهو قطط، وما كان فوق البياض فهو برص، وما كان فوق القراءة فليس بقراءة.
والذي نسبه هؤلاء إلى حمزة هو الذي أنكره الأئمة: وقال أحمد رحمه الله: لا تجوز الصلاة به. وحمزة منه بريء، وما كان يرى ذلك، بل كان ينهى عنه. قال عبيد الله بن موسى: قال لي حمزة: إني أكره ما تجيئون به، يعني من التشديد. وقال له رجل: يا أبا عمارة، رأيت رجلا من أصحابك في الزياتين همز حتى انقطع زره، فقال: لم آمره بهذا كله. وأما ما كان يأمر به المتعلمين من الترتيل، فقد قال سليم: وقف سفيان الثوري رحمه الله على حمزة فقال: يا أبا عمارة، ما هذا الهمز والمد والقطع الشديد! فقال: يا أبا عبد الله، هذا رياضة للمتعلم، فقال: صدقت.
وقال خلف: سألت سليما عن التحقيق فقال: سمعت حمزة يقول: إنا جعلنا هذا التحقيق يستمر عليه المتعلم.
قلت: وليس هذا هو التجويد، إنما التجويد إعطاء الحروف حقها، وإخراجها من مخارجها، وإنما أراد حمزة رحمه الله أن يستمر المتعلم على ذلك فلا يخل به في حال الحدر والإسراع، فأما من اتخذ ذلك فرضا، ورآه واجبا فأفرط فيه مبالغا فليس رأيه ذلك بصواب.
قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد الخشاب رحمه الله: وقد كره بعض الأئمة ممن لا يختلف في ورعه وعلمه قراءة حمزة بن حبيب لإفراط مده.
قال: وكأنه رأى أن تكلف ذلك شاق بعض المشقة، والقرآن قد يسره منزله سبحانه. قال: ولقد أخبرت عن خالي الإمام الشهيد أبي الحسن علي بن عثمان
[2/527]
بن محمد الدينوري، وكان رضي الله عنه الغاية في وقته في القراءة إجادة وطيبا وعلما بالتلاوة وكثرة درس، أنه لما قرأ لحمزة أعقبه إفراط مده نفث دم ومرضا في صدره.
قلت: وحمزة رحمه الله منزه عن مثل هذا، وهو لم يقرأ حرفا بغير أثر، ولا يصح أن يكون مثل هذا مأثورا، لأن الله عز وجل أنزل القرآن شفاء لأدواء القلوب والأجسام، فكيف يكون سببا للأمراض والأسقام، وقد قرأت على سيد العلماء أبي القاسم رحمه الله وعلى غيره فلم أر أحدا منهم يأمر بذلك ولا يعرفه.
(القراءات المبتدعة)
ومما ابتدع الناس في قراءة القرآن أصوات الغناء، وهي التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ستكون بعده، ويقال: إن أول ما غني به من القرآن قوله عز وجل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} نقلوا ذلك من تغنيهم بقول الشاعر:
أما القطاة فإني سوف أنعتها = نعتا يوافق عندي بعض ما فيها
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هؤلاء: ((مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم)).
وابتدعوا أيضا شيئا سموه الترعيد: وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد وألم، وقد يخلطه بشيء من ألحان الغناء.
وآخر سموه الترقيص: وهو أن يروم السكوت على الساكن ثم ينفر مع الحركة كأنه في عدو وهرولة.
[2/528]
وآخر يسمى التطريب: وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به فيمد في غير مواضع المد، ويزيد في المد على ما ينبغي لأجل التطريب، فيأتي بما لا تجيزه العربية.
ونوع آخر يسمى التحزين: وهو أن يترك طباعه وعادته في التلاوة، فيأتي بالتلاوة على وجه آخر كأنه حزين يكاد يبكي مع خشوع وخضوع، ولا يأخذ الشيوخ بذلك لما فيه من الرياء.
ومن ذلك نوع آخر أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون فيقرءون كلهم بصوت واحد، فيقولون في نحو قوله عز وجل: {أفلا تعقلون}، {أو لا يعلمون}: أو لـ(تعقلون)، أو لـ(يعلمون)، فيحذفون الألف. وكذلك يحذفون الواو فيقولون: قال آمنا، والياء فيقولون: يوم الدن في {يوم الدين}، ويمدون ما لا يمد لتستقيم لهم الطريق التي سلكوها. وينبغي أن يسمى: التحريف.
وأما قراءتنا التي نأخذ بها فهي القراءة السهلة المرتلة العذبة الألفاظ، التي لا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء على وجه من وجوه القراءات السبعة، فنقرئ لكل إمام بما نقل عنه من مد أو قصر أو همز أو تخفيف همز أو تشديد أو تخفيف أو إمالة أو فتح أو إشباع أو اختلاس. وخلط بعض القراءات ببعض عندنا خطأ. وعلى الجملة، فمن اجتنب اللحن الجلي والخفي فقد جود القراءة، وقد قيل: للحن غمر كغمر اللحم.
فأما اللحن الجلي: فهو تغيير الإعراب، والخفي هو أن لا يوفي الحرف حقه وأن يقصر في صفته التي هي له، أو يزيد على ذلك كالإفراط في التمطيط، والتعسف في التفكيك، والإسراف في إشباع الحركات وفي التشديد وأما ما ينسب إلى حمزة رحمه الله من قراءته وتسميتهم إياها تحقيقا فذلك تجوز ممن قاله، فإن التحقيق هو إعطاء الحرف حقه مع الإسراع أو التمكث، ألا ترى إلى قول الخاقاني:
[2/529]
فذو الحذق معط للحروف حقوقها = إذا رتل القرآن أو كان ذا حدر
وقال ابن مجاهد – وقد سئل عن وقف حمزة على الساكن قبل الهمزة، والإفراط في المد: كان يأخذ بذلك المتعلم، ومراده أن يصل المتعلم إلى ما نحن عليه من إعطاء الحروف حقها.
وجاء رجل إلى نافع فقال: خذ علي الحدر. فقال نافع: ما الحدر؟ ما أعرفها، أسمعنا، قال: فقرأ الرجل، فقال نافع: حدرنا ألا نسقط الإعراب، ولا نشدد مخففا، ولا نخفف مشددا، ولا نقصر ممدودا، ولا نمد مقصورا، قراءتنا قراءة أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل جزل، لا نمضغ ولا نلوك، نسهل ولا نشدد، نقرأ على أفصح اللغات وأمضاها، ولا نلتفت إلى أقاويل الشعراء وأصحاب اللغات، أصاغر عن أكابر، ملي عن وفي، ديننا دين العجائز، وقراءتنا قراءة المشايخ، نسمع في القرآن ولا نستعمل فيه الرأي. ثم قرأ نافع رحمه الله: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضا ظهيرا}.
(إتقان التجويد)
قال أبو عمرو عثمان رحمه الله: لا يتمكن التجويد، ولا يتحصل التحقيق إلا بمعرفة حقيقة النطق بالمحرك، والمسكن، والمختلس، والمرام، والمشم، والمهموز، والمسهل، والمحقق، والمشدد، والمخفف، والممدود، والمقصور، والمبين، والمدغم، والمخفى، والمفتوح، والممال.
قلت: ومن جملة التجويد معرفة أحكام النون الساكنة والتنوين في الإدغام،
[2/530]
والإظهار، والقلب، والإخفاء. وقد ذكرت ذلك مشروحا في "فتح الوصيد".
قال أبو عمرو الداني رحمه الله: فأما المحرك من الحروف بالحركات الثلاث فحقه أن يلفظ به مشبعا، وأن يؤتى بالحركات كوامل من غير اختلاس ولا توهين يؤول إلى تضعيف الصوت بهن، ولا إشباع زائد وتمطيط بالغ يوجبان الإتيان بعدهن بواو أو ألف أو ياء غير ممكنات فضلا عن الإتيان بهن ممكنات.
وأما المسكن من الحروف فحقه أن يخلى من الحركات الثلاث ومن بعضهن من غير وقف شديد ولا قطع مسرف عليه سوى احتباس اللسان في موضعه قليلا في حال الوصل.
وأما المختلس حركته من الحروف فحقه أن يسرع اللفظ به إسراعا يظن السامع أن حركته قد ذهبت من اللفظ لشدة الإسراع، وهي كاملة في الوزن تامة في الحقيقة، إلا أنها لم تمطط، ولا ترسل بها، فخفي إشباعها ولم يتبين تحقيقها.
ومما ينبغي أن لا تشبع الكسرة في نحو {لا شية فيها}، و{الغاشية} و{دية} ونحو ذلك من الكسرات الكائنة قبل هذه الياء المفتوحة لئلا تشبع الكسرة فتتولد منها ياء ساكنة قبل الياء المفتوحة، وذلك لحن، فإن كان الياء ساكنة أشبعت الكسرة نحو {بيتي} فيمن أسكن الياء، و{إني} و{وجهي} ومختلس لمن يفتح هذه الياءات، فعلى هذا تكون الكسرة في نحو {والعاديات} مختلسة، وفي نحو {فالمغيرات} مشبعة،
[2/531]
وكذلك الضمة قبل الواو المفتوحة تكون مختلسة لئلا يتولد من إشباعها واو ساكنة قبل الواو المفتوحة نحو: {هو الله} وكذلك الواو المشددة في نحو {قوة إلى قوتكم}. فإن كانت الواو ساكنة مضموما ما قبلها ولقيت واوا نحو {آمنوا وكانوا يتقون} أشبعت الضمة قبلها ومكنت الواو بعدها وخففت الواو الثانية تخفيفا حسنا متحرزا من أن يصير مثل {عفوا وقالوا} و{آووا ونصروا} لأن هذه تدغم في التي بعدها.
وأما المرام حركته عند الوقف أو في حال الوصل فحقه أن يضعف الصوت لحركته، أي حركة كانت، ولا يتم النطق بها فيذهب بذلك معظمها، ويسمع لها صوت خفي يدركه الأعمى بحاسة سمعه، وهو مع ذلك في الوزن محرك، وكذا حق المخفي حركته من الحروف سواء، قال سيبويه: المخفي بوزن المظهر. وقال غيره: هو بزنته إلا أنه أنقص صوتا منه، وحقيقته في اللغة الستر، ومن ذلك قوله عز وجل: {أكاد أخفيها} أي أسترها. قال: والمخفي شيئان: حرف وحركة، فإخفاء الحرف نقصان صوته، وإخفاء الحركة نقصان تمطيطها.
وأما المشم من الحروف في حال الوصل أو الوقف فحقه أن يخلص سكون الحرف ثم يومئ بالعضو وهما الشفتان إلى حركته ليدل بذلك عليها من غير صوت خارج إلى الحرف، وإنما هو تهيئة العضو لا غير، يعني بالتهيئة أنه يراه المهيأ له ولا يعرف ذلك الأعمى، لأنه برؤية العين، ويختص به من الحركات الرفع والضم لا غير، لأنهما من الواو، والواو تخرج من بين الشفتين وبهما تعالج.
[2/532]
وأما الإشمام في نحو (قيل) على مذهب من أشم أوله الضم دلالة على الأصل، فحقه أن ينحى بكسرة فاء الفعل المنقولة من عينه نحو الضمة كما ينحى بالفتحة في قوله عز وجل: {من النار} و{من نهار} ونحوه إذا أريد الإمالة المحضة نحو الكسرة، فكذلك ينحى بالكسرة إذا أريد الإشمام نحو الضمة، لأن ذلك كالممال سواء، وهذا الذي لا يجوز غيره عند العلماء من القراء والنحويين.
وأما المهموز فحقه أن تخرج همزته مع النفس إخراجا سهلا بغير شدة ولا كلفة ولا عنف ولا صعوبة، وذلك لا يتحصل للقراء إلا بالرياضة الشديدة والدرس المشبع. والهمزة إذا سهلت بين بين أشير إليها بالصدر إن كانت مفتوحة، وإن كانت مكسورة جعلت كالياء المختلسة الكسرة، وإن كانت مضمومة جعلت كالواو المختلسة الضمة من غير إشباع. وتلك الكسرة والضمة هي التي كانت مع الهمزة، إلا أنها مع الهمزة أشبع منها مع الحرف المجعول خلفا منها، ومعنى "بين بين" أي بين الهمزة المحققة وبين الحرف الساكن الذي منه حركتها. فالمفتوحة بين الهمزة والألف، والمكسورة بين الهمزة والياء الساكنة، والمضمومة بين الهمزة والواو الساكنة، فهي ضعيفة ليس لها تمكن المحققة ولا خلوص الحرف الذي منه حركتها، وهي في الوزن كالمحققة، إلا أنها بالتوهين والتضعيف تقرب من الساكن، فلذلك لا يبتدأ بها، فإن أبدلت ثبت المبدل منها دونها إما مدغما وإما مظهرا. فإن ألقي حركتها على ساكن قبلها تحرك بها وذهبت من اللفظ رأسا لسكونها وتقدير سكون الحرف المحرك بحركتها، وكانت بالحذف أولى لاستثقالها وزوال حركتها.
وأما الممدود فعلى ضربين: طبيعي ومتكلف:
فالطبيعي حقه أن يؤتى بالألف والواو والياء التي هي حروف المد واللين ممكنات على مقدار ما فيهن من المد الذي هو صفتهن من غير زيادة ولا إشباع، وذلك إذا لم تلق واحدة منهن همزة ولا حرفا ساكنا، ويسمي القراء هذا الضرب مقصورا،
[2/533]
لأنه قصر عن الهمزة الموجبة لزيادة الإشباع لخفائها وشدتها، أي حبس عنها ومنع منها، قال الله عز وجل: {حور مقصورات} أي محبوسات. ويقدرونه مقدار الألف إن كان ألفا، ومقدار ياء إن كان ياء، ومقدار واو إن كانت واوا.
والمتكلف حقه أن يزاد في تمكين الألف والياء والواو على ما فيهن من المد الذي لا يوصل إلى النطق بهن إلا به من غير إسراف في التمكين ولا إفراط في التمطيط، وذلك إذا لقين الهمزات والحروف السواكن لا غير. وحقيقة النطق بذلك أن تمد الأحرف الثلاثة ضعفي مدهن في الضرب الأول والقراء يقدرون ذلك مقدار ألفين إن كان حرف المد ألفا، ومقدار ياءين إن كان ياء، ومقدار واوين إن كان واوا، لما دخله من زيادة التمكين وإشباع المد دلالة على تحقيقه.
وأما المبين من الحروف فحقه إذا التقى بمثله وهما متحركان، أو بمقاربه وهو متحرك أو ساكن، أن يفصل بينهما من غير قطع مسرف، ولا سكت شديد، مع إخلاص سكون الساكن وإشباع حركة المتحرك.
قلت: وإذا كانت الواو ساكنة مضموما ما قبلها ولقيت واوا نحو {آمنوا وكانوا يتقون} {هاجروا وجاهدوا} ونحو: {صابروا ورابطوا واتقوا الله} أشبعت الضمة التي قبل الواو ومكنت الواو الساكنة تمكينا جيدا، وحققت الواو المفتوحة تحقيقا حسنا لئلا يصير مثل {عفوا وقالوا} فإن الواو الأولى في ذلك تدغم في الثانية فإن كانت الواو المضموم ما قبلها مفتوحة نحو {هو الله} كانت قبل هذه الواو غير مشبعة، بل قريبة من الاختلاس، فإنها إذا أشبعت جاء بعدها واو ساكنة قبل الواو المفتوحة، وكذلك تخفف الضمة قبل الواو المشددة نحو (القوة) و(النبوة)، لأنها إذا أشبعت ضعف تشديد الواو بعدها، إنما تضم القاف من (قل). وكذلك الياء المفتوحة المكسور ما قبلها نحو {الغاشية}
[2/534]
و{الخالية} و{ماهيه} و{شية} و{دية} لا تشبع الكسرة قبل هذه الياء ولكن تخفف لئلا يتولد في اللفظ ياء ساكنة قبل الياء المفتوحة وذلك لحن. فإن كانت الياء ساكنة أشبعت الكسرة قبلها نحو {بيتي للطائفين} لمن يسكن الياء من {بيتي}، وكذلك {وجهي للذي} فعلى هذا يفرق بين لفظ {العاديات} و{فالموريات} وبين لفظ {المغيرات}.
فإن اجتمع ياءان الأولى ساكنة مكسور ما قبلها نحو {في يوم} و{في يوسف} و{الذي يوسوس} فالكسرة قبل الياء الأولى مشبعة ممكنة والياء المفتوحة مخففة.
فإن كانت الياء الأولى مفتوحة: فمن أدغم الأولى في الثانية شدد تشديدا جيدا، ومن أظهر فالواجب أن يأتي بهما مخففتين. وكذلك المجتمعتان في كلمة والأولى مكسورة نحو: {أن يحيي} و{من حيي عن بينة} فمن أظهر فالواجب أن يأتي بهما مخففتين مبينتين، لئلا يختلط إحداهما بالأخرى، وكذلك إن سكنت الثانية نحو {يستحيي} أسكنت الحاء قبل الأولى إسكانا جيدا وكسرت بعدها الياء كسرا خفيفا وأسكنت الياء الثانية.
قال أبو عمرو: وأما المدغم من الحروف فحقه إن التقى بمثله أو بمقاربه وهو ساكن أن يدخل فيه إدخالا شديدا فيرتفع اللسان بالحرفين ارتفاعة واحدة
[2/535]
لا يفصل بينهما بوقف ولا غيره، ويعتمد على الآخر اعتمادة واحدة، فيصيرا لتداخلهما كحرف واحد، غير أن احتباسه في موضع الحرف لما زاد فيه من التضعيف أكثر من احتباسه فيه بالحرف الواحد.
والحرفان المتقاربان إذا دخل أحدهما في الآخر قلب الأول منهما إلى لفظ الثاني قلبا صحيحا وأدغم فيه إدغاما تاما، هذا ما لم يكن للأول صوت يبقى نحو صوت النون والتنوين إذا أدغما في الياء والواو، وصوت الطاء إذا أدغمت في التاء وبقي ذلك الصوت مع الإدغام، فإن الأولى تقلب قلبا صحيحا ولا تدغم إدغاما تاما، إذ لو فعل ذلك به لذهب ذلك الصوت بذهابه لعدم وجوده في غيره.
قلت: وكذلك كان يكون الحكم في قوله عز وجل: {أوعظت} إلا أن أجلاء القراء أجمعوا على إظهاره ولم يدغموه، لأن الصوت الزائد فيه دون ما في الطاء، فرأوا أنهم إذا أدغموه لم يبق من ذلك الصوت إلا شيء خفي فأظهروه لذلك، وفي إظهاره تنبيه على أن إظهار هذا الجنس وإدغامه جائز، وقد روى نصير وجماعة عن الكسائي (أوعت) بإدغام الظاء وصوتها كما تقول: أوعدت من الوعد.
قال أبو عمرو: ومخرج كل مدغم من مخرج المدغم فيه لا من مخرجه وذلك من حيث انقلب إلى لفظه واعتمد اللسان عليه دونه.
قال: ومعنى الإدغام: إدخال شيء في شيء وتغييبه فيه، مأخوذ من قول العرب: أدغمت الفرس اللجام: إذا أدخلته في فيه. وقال بعض أهل اللغة: الدغم: التغطية، وقد أدغمه: إذا غطاه.
قال: وأما المخفى فعلى نوعين: إخفاء الحركات وإخفاء التنوين والنون: وأما إخفاء الحركات فحقه أن يضعف الصوت بهن ولا يتم.
[2/536]
وأما إخفاء النون والتنوين فحقه أن يؤتى بهما لا مظهرين ولا مدغمين، فيكون مخرجهما من الخياشيم لا غير، ويبطل عمل اللسان بهما، ويمتنع التشديد لامتناع قلبهما، وذلك إذا لقيا حروف اللسان غير الراء والياء واللام.
قال: وقال لي الحسين بن علي: قال لنا أحمد بن نصر: المخفى ما بقي معه غنة.
قلت: وقد وقع الاختلاف بين القراء في الميم من نحو قوله تعالى: {هم فيها خالدون}، {ونذرهم في طغيانهم}، فمذهب ابن مجاهد والبغداديين: أبي جعفر بن فرج، وأبي علي الصواف، وابن شنبوذ، وابن المنادي، وابن مقسم، وأبي بكر النقاش، وأبي الحسين بن بويان، وعبد الواحد بن أبي هاشم – إظهارها عند الفاء، ويأخذون بذلك لسائر القراء، وعلى ذلك جميع أهل الأمصار، وهو اختيار عامة القراء.
وقال جماعة بإخفاء الميم الساكنة عند الفاء إذا كان من كلمتين، منهم أبو عبيد، واللؤلؤي، وأبو برزة عن الدوري، عن اليزيدي، وأبو زيد عن أبي عمرو، وابن جرير عن السوسي عن اليزيدي، ويظهرون غنة الميم.
وروي عن الكسائي إدغام ذلك حيث كان مع إظهار الغنة من غير استثناء شيء من ذلك، وعلى ذلك الكوفيون. والإخفاء مذهب البصريين وعليه قراءتهم، وبه أخذ ابن الجرير، والمعدل، والعدوي، ونص على سيبويه، وبه أخذ الرازيون أيضا كالفضل بن شاذان وأبوه وبنوه، والعباس بن الفضل، وأبو علي بن العباس.
فأما عند الواو نحو {عليهم ولا هم يحزنون}، {أنتم وأزواجكم}
[2/537]
ونحو ذلك، فيجب إظهار الميم وبيانها وبيان سكونها، وكثير من الناس لا يحسن ذلك فيحرك الميم وهو خطأ يجب التحفظ منه.
قال أبو عمرو: وأما المفتوح فحقه أن يؤتى به بين التفخيم الشديد الذي يستعمله أهل الحجاز في نحو (الصلاة) و(الزكاة) فينحون بالألف نحو الواو من شدة التفخيم، قال: وهذه اللغة لا تستعمل في القرآن لأنه لا إمام لها – وبين الإمالة المحضة التي يستعملها القراء، التي هي دون الكسر الصحيح.
قال أبو عمرو: وأما الممال فعلى ضربين: مشبع وغير مشبع:
فالمشبع حقه أن يؤتى به بين الكسر الشديد الذي يوجب القلب لشدته، وليس له إمام، وبين الفتح الوسط الذي ذكرناه ووصفنا حقيقته.
وغير المشبع حقه أن يؤتى به بين الفتح الوسط وبين الإمالة التي دون الكسر، ويسميه القراء: بين اللفظين.
انتهى كلامه.
ما يجب العناية به
واعلم أن الحرفين المتحركين تشبع حركة الأول منهما لينفصل بذلك من صاحبه، سواء كانا مثلين نحو {عددا} و{جعل لكم}، أو غير مثلين إلا أن الحركتين متماثلتان نحو {كتب ربكم} {وجعل بينهما}، أو مختلفي الحركة من الضرب الأول نحو {إبراهيم مصلى} و{يعلم ما}، أو من الضرب الثاني نحو {الحمد لله} و{قال موسى}، {وحاق بهم}، أو كانت حركة الأول من الحرف المتحرك بعده، نحو: {في نفس
[2/538]
يعقوب}، {نعبد وإياك}، ونحو كسرة الصاد من {الصيام} والخاء من {الخيام} وضمة الياء من {ليواطئوا}، كل ذلك تشبع فيه الحركة وتظهر ليتخلص مما بعده.
وكذلك إن وقع بين المتحركين ساكن بينت حركتها وأظهرت الساكن بينهما نحو {مستهزئون} {والمنخنقة}، ومن ذلك {الذي اؤتمن} يظهر كسرة الذال وضمة التاء لتبين الهمزة الساكنة بينهما.
وإن سكن الثاني من المثلين نحو: {صددناكم} و{قصصنا} و{ضللنا} وجب بيانهما. وأما عكس هذا فإنه يدغم الأول في الثاني، ولا ينبغي أن يبالغ في تشديد المدغم حتى يخرج عما يجب له، وذلك من الخطأ الذي يظنه الجهال تجويدا نحو {لكم ما}، {ومنهم من} {وقد دخلوا} و{إذ ذهب مغاضبا}.
ومما تجب العناية به اللام إذا سكنت قبل النون نحو: {جعلنا}، {وأنزلنا} فإن بيان اللام إن لم يعن به صارت مدغمة في النون، فإن لم يتبين صار قولك {أسلنا} كقولك {ألنا}.
قال أبو عمرو الداني رحمه الله: قال لي الحسين بن شاكر السمسار: قال لي أحمد بن نصر: وجدت جماعة قرءوا على شيخنا- يعني ابن مجاهد – وعلى غيره من القراء لا يفرقون بين {ألنا} و{أسلنا}.
[2/539]
قلت: أراد أنهم لا يبينون سكون اللام في {أسلنا}، فإذا لم يفعلوا ذلك صارت على لفظة {ألنا} مدغمة.
قال أبو عمرو: والفرق بينهما أن لام الفعل في {ألنا} نون وفي {أسلنا} لام، فلما اتصلا بالضمير أدغمت النون في النون في {ألنا} ولم تدغم اللام في النون في {أسلنا} لاختلافهما وكون سكون اللام عارضا، فتشديد النون في {ألنا} وتخفيفها في {أسلنا} هو المفرق بينهما.
قلت: فإن لقيها لام نحو {أنزل لكم}، {وجعل لها} ميزتها من التي بعدها بتمكين حركتها، لا سيما إذا اتصلت باللام المغلظة من اسم الله عز وجل نحو: {قال الله}، {وأحل الله البيع}، فإن لم يلقها شيء من ذلك تحفظت فيها فأتيت بها رقيقة خفيفة، متحركة كانت أو ساكنة نحو {جعل على} و{قلتم} {وليجدوا فيكم غلظة} من غير مبالغة في الترقيق وإفحاش.
قال ابن مخلد: كان القراء يكرهون تغليظ اللامات في القرآن كله.
قلت: وقد وقع الإجماع منهم على تغليظ اللام من اسم الله عز وجل إذا لم يكن قبلها كسرة، وعلى ترقيقها مع الكسرة، نحو (لله)، وترقيقها في هذا طلبا للمشاكلة، وتفخيها في غيره من خصائص هذا الاسم الشريف تعظيما له. فأما الإمالة قبله نحو {فسيرى الله} و{حتى نرى الله} فكان بعض الشيوخ يرقق اللام من أجل الإمالة، منهم أبو الحسن عبد الباقي بن فارس، وكان بعضهم يغلظها منهم أبو العباس أحمد بن نفيس وهو الصواب، لأن الإمالة ليست كالكسرة فيرقق لها اللام.
والراء: إن كانت ساكنة وقبلها كسرة رققت لمشاكلة اللفظ، وإن لم يكن قبلها كسرة فخمت وأظهر تفخيمها وجهرها، وسواء وقع بعدها كسرة نحو
[2/540]
{مرجعهم} أو ياء ساكنة نحو {مريم} و{قرية} أو لم يقع.
ورقق قوم الراء في نحو قوله عز وجل: {بين المرء} لمكان كسرة الهمزة، والجلة على التفخيم. وكذلك رققها آخرون في {قرية} و{مريم} و{من قريتكم}. قال أبو عمرو الداني رحمه الله: وذلك خطأ لا شك فيه، قال: لأن الياء المفتوحة لا توجب ترقيقا ولا إمالة، بل هي كسائر الحروف. قال: ولو كان ذلك صحيحا لوجب أن يحكم به للياء الساكنة والكسرة، فيلزم ترقيق الراء في نحو {لبشرين} و{أغرينا} و{البحرين} وفي نحو {من كل كرب} و{من قرن}. قال: ففي انعقاد الإجماع على تفخيم الراء في ذلك دليل بين على خطأ من رقق الراء لمكان الياء في نحو {مريم} و{قرية}. انتهى كلامه.
فإن كانت الراء مشددة فأحسن النطق بها من غير مجاوزة للحد، وفي المجاوزة ما يجعلها راءات، نحو، {مسني الضر} و{فمن اضطر} و{إلى البر}.
وحروف الصفير المحركة والساكنة يجب تبيين صفيرها وتصفيتها وتخليصها نحو {مسرورا} {والبحر المسجور} {ويبسط} و{أساطير} و{كباسط} و{بالقسط} و{من صلصال} و{حصحص
[2/541]
الحق} و{فاصطادوا} {واصطبر عليها} و{فاصدع}، {ولو حرصتم}، {والوزن}، {واستفزز}، {ما كنزتم}، {فذوقوا ما كنتم تكنزون} و{مزدجر}.
وتبين الدال عند الخاء نحو {مدخلا} و{يدخلون}، وعند النون نحو {قد نرى}، {ولقد نصركم الله}، {ثم رددناه}.
والضاد تبين عند التاء نحو {أفضتم}، و{وخضتم}. وعند الجيم نحو {واخفض جناحك} وعند الطاء نحو {فمن اضطر}.
ومن الناس من لا يحسن بيان سكونها فيقول (فمن اضطر) فيضم الضاد فيجب التحفظ من ذلك.
[2/542]
والجيم حرف مجهور، فيجب أن يبين صوتها وأن يظهر جهرها لئلا ينالها شيء من صوت الشين نحو {العجل بكفرهم} و{جعل} ونحوه. وينعم بيان صوتها إذا كانت ساكنة عند التاء نحو: {فاجتنبوه} و{اجترحوا} {ومن حيث خرجت}، وعند الزاي نحو {الرجز}، {يجزون}، وعند السين نحو {رجسا إلى رجسهم}، وعند الهاء نحو: {ولا تجهر} وعند الشين في {أخرج شطأه} وكل ما يصح في الإدغام الكبير لأبي عمرو إدغامه، فواجب إظهاره لغيره والعناية بتبينه وإيضاحه.
وفي النون الساكنة والتنوين جانب كبير من التجويد، من الإظهار، والإدغام بغنة وبغير غنة، والإخفاء، والقلب، وقد ذكرت ذلك في شرح القراءات مبينا. ومنهم من يخفيها عند الغين والخاء، والعمل إنما هو على الإظهار، ومن أجاز الإخفاء فلقربهما من حروف الفم التي تخفيان عندها، ومن أظهر أجرى الغين والخاء مجرى باقي حروف الحلق، ولا يصح أن تجتمعا مع الألف من أجل السكون، ولا تكون النون الساكنة في كلمة واحدة مع الراء واللام لأنها تقارب هذين الحرفين جدا في المخرج وتخالفها في الصفة وهي الغنة، فيثقل الجمع بينهما وبينها.
[2/543]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التاسع, الكتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir