دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > مختصر تفسير سورة الفاتحة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #3  
قديم 29 ذو القعدة 1439هـ/10-08-2018م, 10:32 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

تفسير قول الله تعالى: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

هذه آية مستقلة عند جمهور أهل العدد، وفي العدّ المكيّ والكوفي قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} آية واحدة.

المراد بالمغضوب عليهم والضالين:
في تفسير هذه الآية أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثار عن بعض الصحابة والتابعين:
فمن الأحاديث:
- حديث عديّ بن حاتم الطائي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضلال)). رواه أحمد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهم، وهو جزء من حديث طويل في خبر إسلام عديّ بن حاتم رضي الله عنه.
- وحديث بديل بن ميسرة العقيلي، قال: أخبرني عبد الله بن شقيق، أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى، وهو على فرسه، وسأله رجل من بلقين، فقال: يا رسول الله، من هؤلاء؟
قال: ((هؤلاء المغضوب عليهم))، وأشار إلى اليهود.
قال: فمن هؤلاء؟
قال: ((هؤلاء الضالون)) يعني النصارى) رواه عبد الرزاق وأحمد ومحمد بن نصر، وأبو يعلى.
ورواه ابن مردويه في تفسيره -كما في تفسير ابن كثير - من طريق بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم، قال: ((اليهود)) ، قلت: الضالين؟ قال: ((النصارى)).
وقد حسّن الحافظ ابن حجر هذا الإسناد.
- وحديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب، ثم قال: «قال ربكم: ابنَ آدم، أنزلت عليك سبع آيات، ثلاث لي، وثلاث لك، وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي: فـ{الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين}، والتي بيني وبينك: {إياك نعبد وإياك نستعين}منك العبادة، وعليَّ العون لك، وأما التي لك: فـ{اهدنا الصراط المستقيم}هذه لك: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم}: اليهود، {ولا الضالين}: النصارى» رواه الطبراني في الأوسط، وفي إسناده سليمان بن أرقم متروك الحديث، وأبو سلمة لم يسمع من أبيّ بن كعب.
لكن العمدة على حديث عديّ بن حاتم رضي الله عنه، فقد صححه جماعة من أهل العلم، واستشهد لصحة معناه من القرآن جماعة من أهل العلم، ومن أوفاهم عبارةً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ إذ قال: (وقد دل كتاب الله على معنى هذا الحديث، قال الله سبحانه: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}، والضمير عائد إلى اليهود، والخطاب معهم كما دل عليه سياق الكلام.
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ} وهم المنافقون الذين تولوا اليهود باتفاق أهل التفسير، وسياق الآية يدل عليه.
وقال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} وذكر في آل عمران قوله تعالى: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} وهذا بيان أن اليهود مغضوب عليهم.
وقال في النصارى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} إلى قوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}.
وهذا خطاب للنصارى كما دل عليه السياق، ولهذا نهاهم عن الغلو، وهو مجاوزة الحد، كما نهاهم عنه في قوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} الآية.
واليهود مقصرون عن الحق، والنصارى غالون فيه)ا.ه.

وتفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصاري قد رُوي أيضاً عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم بأسانيد فيها نظر.
لكن صحّ عن جماعة من التابعين منهم: مجاهد، وزيد بن أسلم، والسدي، والربيع بن أنس البكري.
ولذلك توافقت أقوال السلف على تفسير المغضوب عليهم باليهود، وتفسير الضالين بالنصارى.
قال ابن أبي حاتم في تفسيره: (ولا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافا).
وهذا لا يقتضي قصر هذا الوصف عليهم؛ لأنه وصف له سبب؛ فمن فعلَ مثلَ فعلِهم لقي مثل جزائهم.
وقد تظافرت أقوال السلف على:
- أنَّ سبب الغضب على اليهود أنَّهم لم يعملوا بما علموا؛ فهم يعرفون الحقّ كما يعرفون أبناءهم، لكنَّهم أهل عناد وشقاق وكِبْرٍ وحَسَد؛ وقسوة قلب، يكتمون الحقَّ، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويعادون أولياء الله؛ فاستحقّوا غضب الله.
- وأنَّ النصارى ضلوا لأنّهم عبدوا الله على جهل، متبّعين في عباداتهم أهواءهم، مبتدعين في دينهم ما لم يأذن الله به، قائلين على ربّهم ما ليس لهم به علم؛ فكانوا ضُلّالاً لأنَّهم ضيّعوا ما أنزل الله إليهم من العلم، ولم يسترشدوا به، وعبدوا الله بأهوائهم، وغلوا في دينهم، واتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله؛ بطاعتهم فيما يشرّعون لهم من العبادات، وفي تحريم ما أحلّ الله، وتحليل ما حرّم الله؛ فضلّوا بذلك ضلالاً بعيداً.

التحذير من مشابهة اليهود والنصارى:
وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حذر أمّته من التشبّه باليهود والنصاري، وأخبر أنَّ من هذه الأمّة من سيتبع سننهم؛ كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا شبرا وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن».
وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داوود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم».
ولأجل هذا اشتهر تحذير السلف رحمهم الله تعالى من التشبه باليهود والنصارى؛ لئلا يصيب من تشبّه بهم من جنس ما أصابهم من الجزاء.
قال ابن تيمية رحمه الله: (روى الترمذي وغيره عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون)) قال الترمذي حديث صحيح.
وقال سفيان بن عيينة: (كانوا يقولون من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى).
وكان غير واحد من السلف يقول: (احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون).
فمن عرف الحقَّ ولم يعمل به أشبه اليهود الذين قال الله فيهم: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} .
ومن عبد الله بغير علم بل بالغلو والشرك أشبه النصارى الذين قال الله فيهم: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}).ا.هـ.

الحكمة من تمييز الفريقين بوصفين متلازمين:
إن قيل: ما الحكمة من تخصيص اليهود بوصف الغضب عليهم، والنصارى بوصف الضلال مع تلازم الوصفين، وكون الفريقين ضُلالاً مغضوباً عليهم؛ لما تقرّر من أنّ المغضوب عليه ضالّ غير مهتدٍ، وأنّ الضالّ سالكٌ سبيلاً يستحقّ به غضب الله.
فالجواب من وجوه:
أحدها: أن الله تعالى وَسَم كلَّ طائفة بما تُعرفُ به، حتى صارت كلّ صفة كالعلامة التي تعرف بها تلك الطائفة، وهذا حاصل جواب ابن جرير.
والثاني: أنَّ أفاعيل اليهود من الاعتداء والتعنّت وقتل الأنبياء وغيرها أوجبت لهم غضباً خاصّا، والنصارى ضلوا من أوّل كفرهم دون أن يقع منهم ما وقع من اليهود، وهذا حاصل جواب ابن عطية.
والثالث: أنّ اليهود أخص بالغضب لأنهم أمة عناد، والنصارى أخص بالضلال لأنهم أمة جهل، وهذا جواب ابن القيّم وتبعه تلميذه ابنُ كثير رحمهما الله.
وقال ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد: (الشقاء والكفر ينشأ من عدم معرفة الحق تارة، ومن عدم إرادته والعمل به أخرى..
فكفر اليهود نشأ من عدم إرادة الحق والعمل به، وإيثار غير عليه بعد معرفته؛ فلم يكن ضلالا محضاً.
وكفر النصارى نشأ من جهلهم بالحق وضلالهم فيه؛ فإذا تبين لهم وآثروا الباطل عليه أشبهوا الأمة الغضبية وبقوا مغضوباً عليهم ضالين.
ثم لما كان الهدى والفلاح والسعادة لا سبيل إلى نيله إلا بمعرفة الحق وإيثاره على غيره، وكان الجهل يمنع العبد من معرفته بالحق، والبغي يمنعه من إرادته؛ كان العبد أحوج شيء إلى أن يسأل الله تعالى كل وقت أن يهديه الصراط المستقيم تعريفا وبيانا وإرشادا وإلهاما وتوفيقا وإعانة؛ فيعلمه ويعرفه، ثم يجعله مريدا له قاصدا لاتباعه؛ فيخرج بذلك عن طريقة المغضوب عليهم الذين عدلوا عنه على عمد وعلم، والضالين الذين عدلوا عنه عن جهل وضلال)ا.هـ.
والوجه الرابع: التنبيه على سببي سلبِ نعمة الهداية:
- فمن ترك العمل بالعلم استحقّ سلب نعمة الهداية؛ لمقابلته نعمة الله تعالى بما يُغضب الله إذ لم يتّبع الهدى بعد معرفته به؛ كما فعلت اليهود. - ومن أعرض عن العلم الذي جاء من عند الله ضلَّ عن الصراط المستقيم، وابتدع في دين الله ما لم يأذن به الله؛ كما فعلت النصارى.
واستحضار هذا المعنى مما يقوّي في نفس المؤمن الحرص على اتّباع هدى الله واجتناب ما يعرّض العبد للحرمان من نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم.

الحكمة من تقديم المغضوب عليهم على الضالين
هذه المسألة مشتهرة في كتب التفسير، وفي الجواب عنها وجوه:
أحدها: أن ذلك لمراعاة فواصل الآيات، وهذا الجواب وإن كان صحيحاً في نفسه إلا أنّه لا يستقلّ بالجواب إذ لا بدّ من حكمة أخرى غير مجرّد مراعاة الفواصل، وقد ذكره ابن عاشور وجهاً.
والثاني: لأنَّ اليهود متقدمون في الزمان على النصارى، ذكره ابن القيّم وجهاً.
والثالث: أن اليهود أغلظ كفراً من النصارى؛ فبدأ بهم، ، وهذا الجواب ذكره ابن القيّم رحمه الله، وهو جواب شيخنا ابن عثيمين رحمه الله، قال: (قدم المغضوب عليهم على الضالين؛ لأنهم أشد مخالفة للحق من الضالين؛ فإن المخالف عن علم يصعب رجوعه بخلاف المخالف عن جهل)ا.هـ.
والرابع: أن تقديم المغضوب عليهم على الضالين فيه فائدة بلاغية وهي تحقيق المقابلتين: المقابلة الخاصة والمقابلة العامة:
- فالخاصة بين العمل وتركه.
- والعامة بين العلم وعدمه.
وتوضيح ذلك أنَّ الهداية لا تتحقّق إلا بعلم وعمل، والعلم متقدّم على العمل فكانت دائرته مع ما يقابله أعمّ، والعمل بالعلم دائرته مع ما يقابله أخصّ؛ فتحقيق المقابلة الخاصة مقدّم على تحقيق المقابلة العامّة؛ لتتمّ المقابلة الخاصّة أولاً ثم تتمّ بعدها المقابلة العامّة لأنّها أشمل.

الحكمة من إبهام ذكر الغاضب في قوله: {غير المغضوب عليهم}
في قول الله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} أسند الفعل إليه جلّ وعلا، وقال هنا: {غير المغضوب عليهم} ولم يقل: ( الذين غضبت عليهم).
وهذا السؤال تكلّم في جوابه جماعة من المفسّرين وذكروا في أجوبتهم وجوها عديدة، والأظهر أنَّ ذلك لإفادة عظم شأن غضب الله عليهم، وأنه غضب الملك الجبّار الذي يغضب لغضبه جنوده في السماوات وفي الأرض، فيجد آثار ذلك الغضب في كلّ حال من أحواله.
وهذا نظير بغض الله تعالى لمن يبغض من عباده، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض).
وكما في صحيح ابن حبان من حديث عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس».
والمقصود أنَّ إبهام ذكر الغاضب هنا من فوائده عموم الغاضبين وكثرتهم.
والتعبير بالاسم دون الفعل لما في الاسم من الدلالة على تمكّن الوصف منهم، وأنَّه ملازم لهم، ففيه من المعنى ما لا يفيده قول: (غضبت عليهم) لأنه قد يدلّ على وقوع الغضب مرّة واحدة.

وذكر ابن القيّم رحمه الله تعالى وجهين بديعين آخرين:

أحدهما: أنَّ ذلك جارٍ على الطريقة المعهودة في القرآن من أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله تعالى، وأفعال العدل والجزاء والعقوبة يُحذف ذكر الفاعل فيها أو يسند الفعل إلى من كان له سبب فيه؛ تأدّباً مع الله جلّ وعلا، ولئلا يقع في بعض النفوس ما لا يصحّ من المعاني التي يُنزّه الله عنها، كما في قول الله تعالى فيما حكاه عن الجنّ {وأنا لا ندري أشرّ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشداً}
وقول إبراهيم الخليل: {الذي خلقني فهو يهدين . والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا مرضت فهو يشفين}.
فمن ذلك قوله تعالى: {الذين أنعمت عليهم} فأسند الضمير إليه جلَّ وعلا، وقوله: {المغضوب عليهم} حذف ذكر الفاعل، وقوله: {الضالين} أسند الفعل إلى من قام به، ولم يقل (الذين أضللتهم) لئلا يُفهم من ذلك نوع عذر لهم، مع أنّ ضلالهم بقضاء الله وقدره.
والآخر: أنّ ذلك أبلغ في تبكيتهم والإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم؛ بخلاف المنعم عليهم ففي إسناد فعل الإنعام إلى الله تعالى في قوله {أنعمت عليهم} ما يفيد عنايته بهم وتشريفهم وتكريمهم.

معنى "لا" في قوله تعالى: {ولا الضالين}:
لو قيل: (غير المغضوب عليهم والضالين) لأوهم ذلك أن الوصفين لطائفة واحدة وأن الصراط الآخر مشترك بينهما؛ فأتي بحرف "لا" للتأكيد على أنه المراد بالضالين طائفة غير الطائفة المعطوفة عليها،، وهذا أحسن ما قيل في هذه المسألة.
قال ابن فارس : (قيل فيه: إن "لا" إنما دخلت ها هنا مُزِيلةً لتوهُم متوهم أن الضّالين هم المغضوب عليهم، والعرب تنعت بالواو، يقولون: مررت بالظريف والعاقل فدخلت "لا" مُزِيلةً لهذا التوهّم ومُعلِمَةً أنَّ الضّالين هم غير المغضوب عليه)ا.هـ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الدرس, السادس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir