دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 1 محرم 1430هـ/28-12-2008م, 08:45 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

ولكن لما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار إلا واحده وهي الجماعة، وفي حديثٍ عنه أنه قال: ((هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).
صارَ المتمسِّكونَ بالإِسلامِ المَحْضِ الخالِصِ عَنِ الشَّوْبِ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ.(247)

وفيهِمُ الصِّدِّيقونَ؛ والشُّهَداءُ، والصَّالِحونَ؛ ومنهُمْ أَعلامُ الهُدَى، ومَصابيحُ الدُّجَى، أُولو المَناقِب المَأْثُورَةِ، والفَضائِلِ المَذْكورَةِ. (248)
وفيهِمُ الأبْدالُ، وفيهِم [ أَئِمَّةُ الدِّينِ ]، الَّذينَ أَجْمَعَ المُسْلِمونَ على هِدايَتِهِمْ [ ودِرايَتِهم ]. (249)
وهُمُ الطَّائِفَةُ المَنْصورَةُ الَّذينَ قالَ فيهمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لا تَزالُ طائِفةٌ مِنْ أُمَّتي عَلى الحَقِّ ظاهرين، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، ولا مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى تَقومَ السَّاعَةُ )).



(247) قولُه (بالإسلامِ) أي الاستسلامِ لِلَّهِ وحْدَه بطاعتِه والانقيادِ لأمْرِه، والمرادُ هنا: الإسلامُ والإيمانُ؛ لأنَّه كما تقدَّمَ إذا أُطلِقَ أحدُهما دَخَلَ فيه الآخرُ، والمحْضُ هُوَ الخالِصُ الذي لم يخالِطْه غيرُه، والخالِصُ هُوَ السَّالِمُ، يقال خَلَّصَ الشَّيءَ: صفَّاه ومَيَّزَه عن غيرِه، والشَّوائِبُ هي الأقذارُ والأدناسُ، وأصلُ الشَّوْبِ الخَلْطُ،
لمَّا ذَكَرَ المصنِّفُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما تقدَّمَ مِن الأحاديثِ التي فيها ذِكْرُ افتراقِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وفيها ذِكرُ الفِرقةِ النَّاجيةِ، وأنَّهم الجماعةُ ومَن كان على مِثلِ ما كان عليه الرَّسولُ –صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم- وأصحابُه،

فاتَّضحَ ممَّا تقدَّمَ أنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعَةِ هم المتمسِّكونَ بالإسلامِ المحْضِ الخالِصِ عن الشَّوائِبِ البِدعيَّةِ، والطُّرقِ المخالِفَةِ لِما كان عليه –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، فهم المعْتَصِمونَ بالإسلامِ، المتمَسِّكون بِهِ بالأقوالِ والأعمالِ والاعتقاداتِ، الذين لم يَشُوبُوه بالبِدَعِ والخُرافاتِ،
فهؤلاء هم أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ الذين انْطَبَقَتْ عليهم الصِّفاتُ المذكورةُ في الأحاديثِ المتقدِّمَةِ، وأمَّا مَن عَداهُم مِن سائرِ الفِرَقِ فقد حَكَّمُوا المعقولَ وخالَفوا المنقولَ عن رسولِ اللَّهِ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، فسَطَوْا على النُّصوصِ بتَخْطِئةِ الرِّواياتِ وتكذِيبِهم، فإنْ لم يَجِدُوا سبيلاً إلى ذَلِكَ سَطَوْا على معانِيها بالتَّحريفِ والتَّأويلِ،
وأصلُ فسادِ هَذَا العالَمِ وخَرابِه إنَّما نَشَأ مِن تقديمِ الرَّأيِ على الوحيِ، والهَوَى على النَّقلِ، وما استحْكَم هَذَانِ الأصلانِ الفاسدانِ في قلبٍ إلاَّ استَحْكَم هلاكُه، ولا في أُمَّةٍ إلا مَرَجَ أَمْرُها، واختلَّ نِظامُها، وانعقدَ سَببُ هلاكِها، وبسببِ ذَلِكَ انفتحَ بابُ الجَدَلِ واتَّسعَتْ شُقَّةُ الخلافِ، فكُلُّ فريقٍ يرى أنَّه على الحقِّ وأنَّ غيرَه ضالٌّ، فهم كما قال اللَّهُ تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}، قال الشَّاعِرُ:
وكُلاًّ يدَّعِي وَصْلاً لِليْلَى = ولَيْلَى لا تُقِرُّ لهم بِذاكَا
إذا اشْتَبَكتْ دُموعٌ في خُدودٍ = تَبَيَّنَ مَنْ بَكى ممَّن تَباكَى
وكُلُّ ما وَقَع هُوَ سَببُ إعراضِهم عن الكِتابِ والسُّنَّةِ، وما كان عليه السَّلَفُ الصَّالِحُ، فلا نجاةَ إلاَّ باتِّباعِ ذَلِكَ، كما قال بعضُهم:
تَخالَفَ النَّاسُ فيما قد رَأَوْا وَرَوَوْا = وكُلُّهم يَدَّعُونَ الفَوزَ بالظَّفَرِ
فخُذْ بقولٍ يكونُ النَّصُّ بنَصْرِه = إمَّا عن اللَّهِ وإمَّا عن سيِّدِ البَشرِ

وقال آخر:
فخيرُ الأمورِ السَّالِفاتُ على الهُدى = وشَرُّ الأمورِ المُحْدَثاتُ البدائِعُ

ولا شكَّ أنَّ مَن لم يَعتصِمْ بالكِتابِ والسُّنَّةِ وما كان عليه السَّلَفُ الصَّالِحُ فمَآلُه إلى الحَيْرَةِ والاضطرابِ، وعدمِ الوصولِ إلى نتيجةٍ كما قال الرَّازيُّ:
نهايةُ إقدامِ العقولِ عِقالُ = وأكثرُ سَعْي العالَمِينَ ضَلالُ
ولم نَسْتَفِدْ مِن بَحثِنا طُولَ عُمْرِنا = سوى أنْ جَمَعْنا فيه قِيلَ وقالوا
وأَرْواحُنا في وحشةٍ مِن جُسومِنا = وغايةُ دُنيانا أَذًى ووبالُ

وقال الشَّهرسْتانيُّ:
لَعَمْري لقد طُفْتُ المعاهِدَ كُلَّها = وسيَّرْتُ طَرْفي بين تِلكَ المعالِمِ
فلم أَرَ إلاَّ واضِعًا كَفَّ حائرٍ = على ذَقَنٍ أو قارِعاً سِنَّ نادِمِ

إذا عَرَفْتَ ما وَصلَ إليه هؤلاءِ مع ما لديْهِم مِن الذَّكاءِ والعِلمِ عَرفْتَ أَنَّ النَّجاةَ والسَّعادةَ هُوَ بالاعتصامِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وما كان عليه السَّلَفُ الصَّالِحُ، قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى}.
قال ابنُ عبَّاسٍ -رضي اللَّهُ عنه-: تكفَّلَ اللَّهُ لمَنْ قَرَأ القُرآنَ وعَمِلَ بما فيه أنْ لا يَضِلَّ في الدُّنْيَا ولا يَشقَى في الآخرةِ، ثم قرأ هَذِهِ الآيةَ.

(248)
قولُه: (وفيهم الصِّدِّيقونَ والشُّهداءُ) إلخ: الصِّدِّيقونَ: الذين صَدَّقوا أقوالَهم بأفعالِهم، المبالِغونَ في الصِّدْقِ والتَّصديقِ، قال في المختارِ: الصِّدِّيقُ بِوَزْن السِّكِّيتِ: الدَّائمُ التَّصديقِ، وهُوَ أيضًا الذي يُصَدِّقُ قولَه بالعَملِ، انتهى، وقد تقدَّمَ الكلامُ على هَذَا.
قولُه: (أعلامُ) جَمعُ عَلَمٍ، بفتحتَيْنِ العَلامةُ وهُوَ ما يُهتَدى بِهِ إلى الطَّريقِ مِن جَبلٍ أو غيرِه، على قَولِ الخنساءِ في أخيها صَخْرٍ:
وإنَّ صَخْرا لتأْتَمُّ الهُداةُ بِهِ = كأنَّه عَلَمٌ في رَأْسِه نَارُ

وسُمِّي العالِمُ عَلَمًا: لأنَّه يَهتَدِي النَّاسُ بعِلمِه، كما يقال: فلانٌ جبلٌ في العِلمِ، والهُدَى وهُوَ الدَّلالةُ والإرشادُ، والهادِي هُوَ الدَّالُّ والمُرشِدُ، فالعلماءُ هم الهُداةُ، أي: المُرْشِدُونَ إلى طريقِ الخيرِ، هدايةَ دلالةٍ وإرشادٍ وتوضيحٍ وبَيانٍ،

وأمَّا الهدايةُ المذكورةُ في قولِه -سُبْحَانَهُ-: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، فالمرادُ بها: هدايةُ التوفيقِ والإلهامِ، فالرُّسُلُ وأتْباعُهم هم الأدِلَّةُ حقاًّ، واللَّهُ هُوَ الموَفِّقُ المُلْهِمُ الخالِقُ للهُدى في القلوبِ.
قولُه: (مصابيحُ) جمع مِصباحٍ وهُوَ السِّراجُ، والدُّجَى الظُّلمةُ، أي يُستضاءُ بهم في ظُلماتِ الجهلِ، كما يُجلى ظلامُ اللَّيلِ بالسِّراجِ المنيرِ ويُهتدَى بِهِ فيه، أي: مِن أهلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ أئمَّةُ الإسلامِ وهُداةُ الأنامِ، والدَّالُّون للأُمَّةِ على نَهْجِ الرَّسولِ، والكاشِفونَ لهم عن معاني الكِتابِ والسُّنَّةِ، والمستضاءُ بهم في ظُلماتِ الجهلِ وسَوادِ الشِّركِ والخُرافاتِ والوَثَنِيَّةِ، والذَّابُّونَ عن الشَّريعةِ، المدافِعون عنها تحريفَ الغالِينَ وانتحالَ المُبْطِلينَ وتأويلَ الظَّالِمينَ، الذين بهم قام الكتابُ وبِهِ قامُوا.
وعن أنسٍ مرفوعا: ((اتَّبِعُوا العلماءَ فإنَّهم سُرُجُ الدُّنْيَا ومصابيحُ الآخرةِ))، أَخرجَه في مسنَدِ الفِرْدَوسِ بسندٍ ضعيفٍ،

وفي مسنَدِ أحمدَ -رضي اللَّهُ عنه- عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الْهُدَاةُ)).
قولُه: (أُولو المناقِبِ المأثورةِ والفضائلِ المذكورةِ) أي: أصحابُ المناقِبِ، وَهِيَ جَمعُ مَنْقَبةٍ ضِدُّ المَثْلَبةِ، قال في القاموسِ: المَنْقَبةُ: المَفْخَرةُ، والمأثورةُ أي المذكورةُ، ومنه أَثَرَ الحديثَ، أي: نَقَلَه عن غيرِه، والفضائِلُ جَمعُ فضيلةٍ، وَهِيَ ضِدُّ النَّقيصةِ، والفَضلُ: الخيرُ،

(المذكورةِ)، أي: الذَّائعةِ الصِّيتِ المتردِّدةِ على الألْسُنِ، والذِّكْرُ: هُوَ الصِّيتُ والشَّرفُ، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}/ وهَذَا الذِّكْرُ عُمْرٌ ثانٍ وحياةٌ أخرى، وَذَلِكَ أحقُّ ما تَنافَسَ بِهِ المتنافِسون ورَغِبَ بِهِ الرَّاغِبون، ومَن تأمَّلَ أحوالَ أئِمَّةِ الإسلامِ كَيْفَ هم تحتَ التُّرابِ، وهم في العالَمِين كأنَّهم أحياءُ بينهم لم يَفْقَدوا منهم إلا صُوَرَهم، وإلاَّ فَذِكْرُهم والثَّناءُ عليهم غيرُ منقطِعٍ، عَلِمَ أنَّ هَذِهِ الحياةُ حقاًّ كما قال المتَنَبِي:
ذِكْرُ الفَتَى عُمْرُه الثَّاني وحاجَتُه = مافاتَه وفُضولُ العَيشِ إِشغالُ

وقال ابنُ دُريدٍ:
وإنَّما المرءُ حديثٌ بعده = فكُنْ حَدِيثا حَسَنا لمَنْ وَعَى
وقال آخَرُ:
وفي الجَهلِ قبلَ الموتِ موتٌ لأهلِه = فأجْسامُهُم قَبلَ القُبورِ قُبورُ
وأرْواحُهُم في وَحشةٍ مِن جُسومِهم = وليس لَهُم حتَّى النُّشورِ نُشورُ

وقال آخر:
أخو العِلمِ حَيٌّ خالدٌ بعد مَوْتِه = وأوصالُه تحت التُّرابِ رَميمُ
وذو الجهلِ مَيْتٌ وهُوَ يَمْشِي على الثَّرى = يُعَدُّ مِن الأحياءِ وهُوَ عَديمُ

وفي حديثِ عليٍّ -رضي اللَّهُ عنه- أنَّه قال: ماتَ خُزَّانُ الأموالِ وهم أحياءُ، والعلماءُ باقونَ ما بَقِيَ الدَّهرُ، أعيانُهم مفقودةٌ وأمثالُهم في القلوبِ مَوجودةٌ.
قولُه: (وفيهم الأبدالُ) أي: في أهلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ الأبدالُ، قال في النِّهايةِ: هم الأولياءُ والعُبَّادُ، سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لأنَّهم كُلَّ ما ماتَ مِنهم واحدٌ أُبْدِلَ بآخَرَ. انتهى.
قال في الآدابِ الشَّرعيَّةِ: ونَصَّ أحمدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- على أنَّ لِلَّهِ أَبْدالاً في الأرضِ، قيل مَن هُم؟ قال: إن لم يكونوا أصحابَ الحديثِ فلا أَعْرِفُ لِلَّهِ أبدالا.

وقال أيضًا عنهم: إن لم يكونوا هؤلاءِ فلا أَدْرِي مَن النَّاسُ. انتهى.
وقد ورد في الأبدالِ عِدَّةُ أحاديثَ، وكُلُّها متكلَّمٌ فيها، وصَنَّفَ السيوطيُّ مُصَنَّفا في الأبدالِ وذَكَرَ الأحاديثَ الواردةَ فيهم،

وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى: كُلُّ حديثٍ يُروى عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في عِدَّةِ الأولياءِ والأبدالِ والنُّقباءِ والنُّجباءِ والأَوْتادِ والأقطابِ ونحوِ ذَلِكَ فليس في ذَلِكَ شيءٌ صحيحٌ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، ولم يَنْطِق السَّلَفُ بشيءٍ من هَذِهِ الألفاظِ إلاَّ بلفظِ الأبدالِ، رُوِي فيهم حديثٌ أنَّهم أربعون وأنَّهم في الشَّامِ، وهُوَ في المسنَدِ مِن حديثِ عليٍّ، وهُوَ حديثٌ منقطعٌ ليس بثَابتٍ. انتهى.
إذا عرفْتَ ما تقدَّمَ فما يَزْعُمُه المُخَرِّفون مِن أنَّ مَدَدَ الخلائِقِ ونَصْرَهُم ورِزْقَهُم يكونُ بواسطةِ هؤلاءِ لا شكَّ في بُطلانِه، وأنَّه ليس مِن دِينِ المسلِمِينَ، بل مِن دينِ المشركين، وقد ذَكَرَ الشَّيخُ الإجماعَ على أنَّ مَن جَعلَ بَيْنَه وبين اللَّهِ واسطةً يَدعُوه ويتوكُلُّ عليه أنَّه كافِرٌ، قال اللَّهُ تعالى حاكِيًا عن المشركِين أنَّهم يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، وقال عنهم إنَّهم يقولون: {هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ}.
قال ابنُ القيِّمِ في النُّونيَّةِ:
والشِّركُ فهُوَ تَوسُّلٌ مقصودُه = الزُّلْفَى إلى الرَّبِ العظيمِ الشَّانِ

وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد كلامٍ: والذين تكلَّمُوا باسِمِ البَدَلِ أَفْردُوه بمعانٍ، منها أنَّهم كُلَّ ما ماتَ منهم رجُلٌ أُبْدِلَ بآخَرَ، ومنها أنَّهم أَبْدَلوا السِّيَّئاتِ بأخلاقِهم وأعمالِهم وعقائدِهم بالحسناتِ، وَهَذِهِ الصِّفاتُ كُلُّها لا تختصُّ بأربعين ولا بأقَلَّ ولا أَكْثَرَ، ولا تُحْصَرُ بأهلِ بقعةٍ مِن الأرضِ،

إلى أنْ قال: فالغَرضُ أنَّ هَذِهِ الأسماءَ تارةً تُفَسَّرُ بمعاني باطِلةٍ بالكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ السَّلَفِ، مِثلُ تفسيرِ بعضِهم بأَنَّ الغَوْثَ هُوَ الذي يُغِيثُ اللَّهُ بِهِ أهلَ الأرضِ مِن رِزقِهم ونَصْرِهم، فإنَّ هَذَا نَظيرُ ما تَعتقِدُه النَّصارى في البابِ، وهُوَ معدومُ العينِ والأثرِ وتشبيهٌ بحال المنْتَظَرِ، وَكَذَلِكَ مَن فسَّرَ الأربعين الأبدالَ بأَنَّ النَّاسَ إنَّما يُنْصرُونَ ويُرْزقونَ بهم فذَلِكَ باطلٌ، بل النَّصرُ والرِّزقُ يَحصلُ بأسبابِ مِن أَوْكدِها دعاءُ المسلِمِينَ والمؤمنين، وَصَلاتُهم وإخلاصُهم، ولا يتقيَّدُ ذَلِكَ بأربعين ولا بأقلَّ، وقد يكونُ للنَّصرِ والرِّزقِ أسبابٌ أُخرُ، انتهى بتلخيص.

(249) قولُه: (وفيهم أئمَّةُ الدِّينِ) إلخ أي: في أهلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ أئمَّةُ الدِّينِ، أي المُقْتَدى بهم فيه، كالإمامِ أبِي حنيفةَ، ومالِكٍ، والشَّافِعيِّ، وأحمدَ، وسفيانَ الثَّوريِّ، وغيرِهم، كالشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ وابنِ القيِّمِ، وكإمامِ هَذِهِ الدَّعْوةِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الوهَّابِ، وغيرِهم مِن أئمَّة الهُدى الذين اشتَهَرت إمامَتُهم، وأَجْمعَ المسلمونَ على هِدايَتِهم ودِرَايَتِهِم، فلا يُقبلُ فيهم قولُ جارحٍ ولا طَعنُ طاعِنٍ؛ إذْ مَن ظَهَرتْ عَدَالَتُه واشتهَرَتْ إمامَتُه فلا يُلْتَفَتُ فيه إلى قولِ قائلٍ.
وقد رُوِيَ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بأنَّه قال: ((يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ مِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِيَن)).

قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهَذَا يتضمَّنُ تعديلَه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لحَمَلةِ العِلمِ الذي بُعِثَ به، فلهَذَا اشتُهِرَ عند الأمَّةِ عَدالَةُ نَقَلَتِه اشْتِهارًا لا يَقْبلُ شَكاًّ ولا امْتِراءً، ولا ريبَ أنَّ مَن عدَّلَه الرَّسولُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لا يُسمعُ فيه جرحُ جارحٍ، فلهَذَا لا يُقبلُ قَدْحُ بعضِهم في بعضٍ، وهَذَا بخلافِ مَن اشتُهِرَ عندَ الأمَّةِ جَرحُه والقَدحُ فيه، كأئمَّةِ البدعِ، ومَن جَرى مجراهم مِن المتَّهَمِين، فإنَّهم ليسوا عند الأمَّةِ مِن حَملةِ العِلمِ، انتهى بتصرفٍ،
وقد اشتُهِرَ عن هؤلاء الأئمَّةِ النَّهْيُ عن التَّقليدِ والحثِّ على اتِّباعِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، كما رُويَ عن الإمامِ أحمدَ أنَّه قال: عَجِبْتُ لقومٍ عَرَفوا الإسنادَ وصِحَّتَه يَذْهَبونُ إلى رأى سُفيانَ، واللَّهُ تعالى يقولُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، أتدري ما الفِتنةُ؟ الفتنةُ: الشِّركُ، لعلَّه إذا رَدَّ قولَه أو بعضَ قولِه أنْ يَقعَ في قَلبِه شيءٌ مِن الزَّيغِ فيَهلَكُ.
وقال مالكٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كُلٌّ يُؤخَذُ مِن قولِه ويُترَكُ إلاَّ صاحِبَ هَذَا القَبرِ.

وقال الشَّافِعيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَجمعَ العلماءُ على أنَّ مَن استَبَانَتْ له سُنَّةُ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لم يكُنْ له أنْ يَدَعَها لقولِ أحدٍ. إلى غيرِ ذَلِكَ مِن كلامِ الأئمَّةِ في الحثِّ على الاتِّباعِ وذَمِّ التَّقليدِ،
قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد اتَّفَق الأئمَّةُ اتِّفاقًا يَقِيناً على وُجوبِ اتِّباعِ الرَّسولِ –صلى الله عليه وسلم- وعلى أنَّ كُلَّ أحدٍ يُؤخَذُ مِن قَولِه ويُتْرَكُ إلاَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وإذا وُجِدَ لواحدٍ منهم قولٌ قد جاء الحديثُ الصَّحيحُ بخلافِه فلا بدَّ له مِن عُذْرٍ في تَرْكِه، وجميعُ الأعذارِ ثلاثةُ أصنافٍ:
أحدُها: عدمُ اعتقادِ أَنَّ الرَّسولَ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قاله.
والثَّاني: عدمُ اعتقادِه إرادةُ تلكَ المسألةِ بِذَلِكَ القولِ.
الثَّالثُ: أنَّ ذَلِكَ الحُكمَ مَنسوخٌ، انتهى مِن كتابِ رَفعِ المَلامِ عن الأئمَّةِ الأعلامِ.
قولُه: (المَنْصورَةُ) أي: بالحُجَّةِ والبَيانِ أو بالسَّيْفِ والسِّنانِ، فعلى الأوَّلِ هم أهلُ العِلمِ، وبِهِ قال البخاريُّ وغيرُه، وقال ابنُ القَيِّمِ: هم أهلُ العِلمِ والمعرفةِ بما بَعثَ اللَّهُ بِهِ رَسولَه.
قولُه: (الذين قال فيهم النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-) الحديثُ رواه مسلمٌ من حديثِ جابرِ بنِ سَلمةَ، وجابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ وثوبانَ، وأَخْرجاه في "الصَّحيحَيْنِ" من حديثِ المغيرةِ بنِ شعبةَ ومعاويةَ بنِ أبي سفيانَ.
قولُه ((ظَاهِرين)) أي: غَالِبين، والظُّهورُ: الغَلَبةُ.

وقولُه: ((حتى تَقُومَ السَّاعةُ)) أي: ساعةُ مَوْتِهم بهُبوبِ الرِّيحِ، تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مؤمِنٍ، وَهِيَ السَّاعةُ في حقِّ المؤمنين، وإلاَّ فالسَّاعةُ لا تَقومُ إلاَّ على شِرارِ الخَلقِ، وقد تقدَّمَ ذَلِكَ،
وفي هَذَا الحديثِ فوائدُ:
منها أنَّ فيه عَلمًا مِن أعلامِ نُبوَّتِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، ومعجزةً ظاهرةً للنَّبيِّ، فإنَّ هَذَا الوَصْفَ ما زَالَ بحمدِ اللَّهِ مِن زَمَنِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- إلى الآنَ ولا يَزالُ،
وفيه دليلٌ لكونِ الإجماعِ حُجَّةً، وقال القرطبيُّ: وهُوَ أَفْصَحُ ما استُدِلَّ بِهِ مِن الحديثِ، أمَّا حديثُ: ((لا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلاَلَةٍ)) فضعيفٌ،
وفيه الآيةُ العظيمةُ أنَّهم مع قِلَّتِهم لا يَضرُّهُم مَن خَذَلَهم ولا مَن خالَفَهم، وفيها البِشارةُ أَنَّ الحقَّ لا يَزولُ بالكُلِّيَّةِ، قالَه الشَّيخُ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ في كتابِ التَّوحيدِ،
واحتجَّ بِهِ أحمدُ على أَنَّ الاجتهادَ لا يَنقطِعُ، وأنَّ هَذِهِ الطائفةَ موجودةٌ،
واستُدِلَّ بِهِ أيضًا على أَنَّ الأمَّةَ لا تَجتمِعُ على ضلالةٍ، ولا تَرتدُّ جميعُها، بل لا بدَّ أن يُبقِيَ اللَّهُ مِن المؤمنينَ مَن هُوَ ظاهرٌ إلى قيامِ السَّاعةِ، فإذا ماتَ كُلُّ مؤمنٍ فقد جاءت السَّاعةُ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أهل, السنة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir