دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > أنموذج جليل لابن أبي بكر الرازي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 02:54 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال الله تعالى: (لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ)
أي لا
[أنموذج جليل: 238]
صداقة، وفى يوم القيامة خلال لقوله تعالى: (الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين) ولقوله عليه الصلاة والسلام: " المرء مع من أحب"؟
قلنا: معناه لا خلال فيه لمن لم يقم الصلاة ولم يؤد الزكاة، فأما المقيمون الصلاة والمؤتون الزكاة فهم الأتقياء، وبينهم الخلال يوم القيامة لما تلونا من الآية.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وسخّر لكم الشّمس والقمر دائبين وسخّر لكم اللّيل والنّهار) والمسخر للإنسان هو الذي يكون في طاعته يصرفه كيف يشاء في أمره ونهيه كالدابة والعبد والفلك، كما قال الله تعالى: (وتقولوا سبحان الّذي سخّر لنا هذا)
وقال تعالى: (ليتّخذ بعضهم بعضًا سخريًّا) وقال تعالى: (وسخّر لكم الفلك) ويقال فلان مسخر لفلان إذا كان
مطيعا له ممتثلًا لأوامره ونواهيه؟
قلنا: لما كان طلوعهما وغروبهما وتعاقب الليل والنهار لمنافعنا متصلا مستمرًا اتصالا لا تنقطع علينا فيه المنفعة وتنخرم سواء شاءت هذه المخلوقات أم أبت، أشبهت المسخر المقهور في الدنيا كالعبد والفلك ونحوهما، الثاني: أن معناه أنها مسخرة لله تعالى لأجلنا ولمنافعنا، فإضافة التسخير إلينا بمعنى عود نفع التسخير إلينا
[أنموذج جليل: 239]
فصحت الإضافتان.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وآتاكم من كلّ ما سألتموه) والله تعالى لم يعطنا كل ما سألناه ولا بعضا من كل فرد مما سألناه؟
قلنا: معناه وأتاكم بعضًا من جميع ما سألتموه، لا من كل فرد فرد.
فإن قيل: لا يصح هذا المحمل لوجهين: أحدهما: أنه لا يحسن الامتنان به، الثاني: أنه لا يناسبه قوله تعالى: (وإن تعدّوا نعمت اللّه لا تحصوها)؟
قلنا: إذا كان البعض الذي أعطانا هو الأكثر من جميع ما سألناه وهو الأصلح والأنفع لنا في معاشنا ومعادنا بالنسبة إلى البعض الذي منعه عنا لمصالحتنا أيضا، لم لا يحسن الامتنان به ويكون مناسبًا لما بعده، وجواب آخر عن أصل السؤال أنه يجوز أن يكون قد أعطى جميع السائلين بعضًا من كل فرد مما سأله جميعهم وبهذا المقدار يصح الإخبار في الآية، وأن يعط كل واحد من السائلين
بعضا من كل فرد مما سأله، ويضاح ذلك أن يكون قد أعطى هذا
شيئًا مما سأله ذاك، وأعطى ذاك شيئًا مما سأله هذا على ما اقتضته الحكمة والمصلحة في حقهما، كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الرؤية ليلة المعراج، وهي سؤل موسى عليه الصلاة والسلام وما أشبه ذلك.
[أنموذج جليل: 240]
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وإن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها) والإحصاء والعدد بمعنى واحد كذا نقله الجوهري، فيكون المعنى وأن تعدوا نعمة الله لا تعدوها، وأنه متناقض كقولك: وأن تر زيدًا لا تبصره، وإذ الرؤية والأبصار واحد؟
قلنا: بعض المفسرين فسر الإحصاء بالحصر، فإن صح ذلك لغة اندفع السؤال، ويزيد ذلك قول الزمخشري: لا تحصوها أي لا تحصروها ولا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها، وعلى القول الأول فيه إضمار تقديره: وإن تريدوا عد نعمة الله لا تعدوها.
فإن قيل: كيف قال تعالى: "لا تحصوها" وهو يوهم أن نعمة الله تعالى علينا غير متناهية وكل نعمة (ممتن) بها علينا فهي مخلوقة وكل مخلوق متناه؟
قلنا: لا نسلم أنه يوهم أنها لا تتناهي، وذلك لأن المفهوم منه منحصر في أنا لا نطيق عدهما أو حصر عددها، ويجوز أن يكون الشيء متناهيا في نفسه، والإنسان لا يطيق عدده كرمل القفار، وقطر البحار، وورق الأشجار، وما أشبه ذلك.
فإن قيل: كيف قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام) وعبادة الأصنام كفر، والأنبياء معصومون عن الكفر بإجماع الأمة، فكيف حسن منه هذا السؤال؟
قلنا: إنما سأل هذا السؤال في حالة خوف أذهله عن ذلك العلم، لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعلم الناس بالله، فيكونون أخوفهم منه
[أنموذج جليل: 241]
فيكون معذورًا بسبب ذلك. وقيل: إن في حكمة الله تعالى وعلمه أن لا يبتلى نبيًا من الأنبياء بالكفر، بشرط أن يكون متضرعًا إلى ربه
طالبا منه ذلك، فأجرى على لسانه هذا السؤال لتحقيق شرط العصمة.
فإن قيل: كيف قال: (ربّ إنّهنّ أضللن كثيرًا من النّاس) جعل الأصنام مضلة، والمضل ضال، وقال في موضع آخر: (ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرّهم ولا ينفعهم) ونظائره كثيرة فكيف التوفيق بينهما؟
قلنا: إضافة الإضلال إليها مجاز بطريق المشابهة، ووجهه أنهم لما ضلوا بسببها فكأنها أضلتهم، كما يقال: فتنتهم الدنيا وأغرتهم أي افتتنوا بسببها واغتروا، ومثله قولهم دواء مسهل، وسيف قاطع.
وطعام مشبع وماء مرو، وما أشبه ذلك، معناه حصول هذه الآثار بسبب هذه الأشياء، وفاعل الآثار هو الله تعالى.
فإن قيل: كيف قال: (أفئدةً من النّاس) ولم يقل أفئدة الناس، وقوله قلوب الناس أظهر استعمالا من قوله: قلوبا من الناس؟
قلنا: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه أفئدة الناس لحجت جميع الملل وازدحمت عليه الناس حتى لم يبق لمؤمن فيه موضع، مع أن حج غير الموحدين لا يفيد، والأفئدة هنا القلوب في قول الأكثرين، وقيل: الجماعة من الناس.
فإن قيل: إذا كان الله تعالى قد ضمن رزق العباد، فلم سأل إبراهيم
[أنموذج جليل: 242]
عليه الصلاة والسلام الرزق لذريته فقال: (وارزقهم من الثّمرات)؟
قلنا: الله تعالى ضمن الرزق والقوت الذي لابد
للإنسان منه، ما دام حيًا ولكن لم يضن كونه ثمرًا أو حبًا أو نوعًا معينًا، فالسؤال كان لطلب الثمر عينًا.
فإن قيل قوله: (الحمد للّه الّذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) شكر على نعمة الولد فكيف يناسب قوله بعده: (إنّ ربّي لسميع الدّعاء)؟
قلنا: لما كان قد دعا ربه لطلب الولد بقوله: (ربّ هب لي من الصّالحين) ناسب قوله بعد الشكر: (إنّ ربّي لسميع الدّعاء) أي لمجيبه، من قولهم: سمع الملك كلام فلان إذا أجابه وقبله، ومنه قولهم في الصلاة: سمع الله لمن حمده، أي إجابة وإثابة.
فإن قيل: كيف قال: (ربّنا اغفر لي ولوالديّ) استغفر لوالديه، وكانا كافرين والاستغفار للكافرين لا يجوز، ولا يقال أن هذا موضع الاستثناء المذكور في قوله تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه...الآية) لأن المراد بذلك استغفار لأبيه خاصة بقوله: (واغفر لأبي إنّه كان من الضّالّين) والموعدة التي
[أنموذج جليل: 243]
وعدها إياه كانت له خاصة بقوله: (سأستغفر لك ربّي) ولهذا قال الله تعالى: (إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك)؟
قلنا: هذا الاستغفار لهما (كان) مشروطًا بإيمانهما تقديرًا كأنه قال ولوالدي إن آمنا، الثاني: أراد بهما آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام، وقرأ ابن مسعود وأبى والنخعي والزهري "ولولدي" (يعني) إسماعيل وإسحاق، ويعضد هذه القراءة ما سبق ذكرهما.
ولا إشكال على هذه القراءة، وقيل: إن هذا الدعاء على القراءة المشهورة كان زلة من إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإليها أشار بقوله: (والّذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدّين).
فإن قيل: الله تعالى منزه ومتعال عن السهو والغفلة، والنبي عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بصفات جلاله وكماله، فكيف يحسبه النبي عليه الصلاة والسلام غافلا حتى نهاه عن ذلك بقوله تعالى: (ولا تحسبنّ اللّه غافلًا عمّا يعمل الظّالمون)؟
قلنا: يجوز أن يكون هذا نهيا لغير النبي عليه الصلاة والسلام ممن يجوز أن يسحبه غافلا لجهله بصفاته، وقوله تعالى بعده: (وأنذر النّاس) لا يدل قطعا على أن الخطاب الأول للنبي عليه الصلاة والسلام، لجواز أن يكون ذلك النهي لغيره مع أن هذا الأمر له،
[أنموذج جليل: 244]
الثاني: أنه مجاز معناه: ولا تحسبن الله مهمل الظالمين، وتاركهم
سدى لكون هذا من لوازم الغفلة عنهم، الثالث: أن النهي وإن كان حقيقة والخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام فالمراد به دوامه وثباته على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلا كقوله تعالى: (ولا تكونوا من المشركين) وقوله تعالى: (فلا تدع مع اللّه إلهًا آخر) ونظير هذا النهي من الأمر قوله تعالى: (يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله) وقول بعض المفسرين إن معنى الآية يا أيها الذين آمنوا بموسى أو بعيسى آمنوا بمحمد لا يخرج الآية عن كونها نظيرا، لأن الاستدلال بالإيمان بالله باق فتأمل.
[أنموذج جليل: 245]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
سورة, إبراهيم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir