دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > بانت سعاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 محرم 1430هـ/15-01-2009م, 08:58 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح البردة (5/7): وقال للقوم حاديهم وقد جعلت ... ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا


30- وقالَ للقومِ حَادِيهِم وقد جَعَلَتْ = وُرْقُ الْجَنادِبِ يَرْكُضْنَ الْحَصَا قِيلُوا
31- شَدَّ النهارِ ذِرَاعَا عَيْطَلٍ نَصَفٍ = قامَتْ فجَاوَبَها نُكْدٌ مَثَاكِيلُ
32- نَوَّاحَةٌ رَخْوَةُ الضَّبْعَيْنِ ليس لها = لَمَّا نَعَى بِكْرَهَا الناعونَ مَعْقُولُ
33- تَفْرِي اللَّبَانَ بكَفَّيْها ومَدْرَعُها = مُشَقَّقٌ عن تَرَاقِيهَا رَعَابِيلُ
34- يَسعَى الوُشاةُ جَنَابَيْها وقولُهم = إنك يا ابنَ أبي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
35- وقالَ كلَّ خَليلٍ كنتُ آمُلُه = لا أُلْهِيَنَّكَ إني عنكَ مَشغولُ
36- فقلتُ خَلُّوا سَبيلِي لا أَبَا لكمُ = فكُلُّ مَا قَدَّرَ الرحمنُ مَفعولُ
37- كلُّ ابنِ أُنْثَى وإن طَالَتْ سَلاَمَتُهُ = يومًا على آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحمولُ


  #2  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 08:42 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح الخطيب يحيى بن علي التبريزي

30- وقالَ للقَوْمِ حَادِيهِم وقدْ جَعَلَتْ وُرْقُ الجَنَادِبِ يَرْكُضْنَ الحَصَا قِيلُوا

هذا معطوفٌ على قَوْلِهِ: وقدْ تَلَفَّعَ بالقُورِ العَسَاقِيلُ، والواوُ للحالِ في المَوْضِعَيْنِ، وكذلكَ الواوُ في قَوْلِهِ: وقدْ جَعَلَتْ وُرْقُ الْجَنَادِبِ، والتقديرُ: وقالَ للْقَوْمِ حَادِيهِمْ: قِيلُوا، وقدْ جَعَلَتْ وُرْقُ الجَنَادِبِ؛ أيْ: في هذهِ الحالةِ، والجَنَادِبُ يَرْكُضْنَ بأجْنِحَتِهَا وقتَ الهاجرةِ فَيُسْمَعُ لها صوتٌ وهيَ جمعُ جُنْدُبٍ، والجُنْدُبُ : ذَكَرُ الجَرَادِ. وقولُهُ: (قِيلُوا) من القَيْلُولَةِ وهوَ نومُ نصفِ النهارِ.

31- شَدَّ النَّهَارِ ذِرَاعَا عَيْطَلٍ نَصَفٍ قَامَتْ فَجَاوَبَهَا نُكْدٌ مَثَاكِيلُ

شَدَّ النَّهَارِ: أي ارتفاعَهُ، يُرِيدُ كأنَّ أَوْبَ يَدَيْهَا شدَّ النهارِ، وقولُهُ: ذِرَاعَا عَيْطَلٍ، مُرْتَفِعٌ لأنَّهُ خبرُ كانَ، والتقديرُ: كأنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا في هذهِ الحالاتِ أَوْبَ ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ، ثمَّ حَذَفَ المُضَافَ وأقامَ المضافَ إليهِ مُقَامَهُ فأعْرَبَهُ بإعرابِهِ. والعَيْطَلُ: الطَّوِيلَةُ، والنَصَفُ: بينَ الشَّابَّةِ والكَهْلَةِ،والنُّكْدُ: اللاَّتِي لا يعيشُ لَهُنَّ ولدٌ، أيْ: كأنَّ ذِرَاعَيْ هذهِ الناقةِ في سُرْعَتِها في السَّيْرِ ذِرَاعَا هذهِ المرأةِ في اللَّطْمِ لمَّا فقَدَتْ ولدَها وجَاوَبَتْهَا نساءٌ مَثَاكِيلُ قدْ فَقَدْنَ أوْلادَهُنَّ.وهذهِ كالَّذِي ذكَرَهُ المُثَقَّبُ العَبْدِيُّ في قوْلِهِ:

كأنَّما أَوْبُ يدَيْها إلى حَيْزُومِها فوقَ حَصَى الفَدْفَدِ
نَوْحُ ابْنَةِ الجَوْنِ على هَالِكٍ تَنْدُبُهُ رافِعَةَ المِجْلَدِ

المِجْلَدُ: جلدٌ كَانَت النائحةُ تَأْخُذُهُ فَتَضْرِبُ صدْرَها، وابنةُ الجَوْنِ : نائحةٌ كانتْ في الجاهلِيَّةِ.

32- نَوَّاحَةٌ رِخْوَةُ الضَّبْعَيْنِ ليسَ لها لَمَّا نَعَى بِكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ

نَوَّاحَةٌ: فعَّالَةٌ من النوحِ، والرِّخْوَةُ المُسْتَرْخِيَةُ، والضَّبْعُ: العَضُدُ، والمَعْقُولُ: العَقْلُ.
وبِكْرَهَا: أوَّلُ ولَدِها، يُقَالُ لأوَّلِ ولدِ الرجلِ: بِكْرٌ، والأُمِّ : بِكْرٌ، والوالدِ : بِكْرٌ، وقالَ:

يَا بِكْرَ بِكْرَيْنِ، ويَا خِلْبَ الكَبِدْ أصْبَحْتَ مِنِّي كَذِرَاعٍ منْ عَضُدْ

وهذهِ كُلُّها صفاتُ عَيْطَلٍ التي تقدَّمَ ذكرُها في البيتِ الذي قبلَهُ.

33- تَفْرِي اللَّبَانَ بكَفَّيْهَا ومِدْرَعُهَا مُشَقَّقٌ عنْ تَرَاقِيهَا رَعَابِيلُ

تَفْرِي: تقطعُ، يُقَالُ: فَرَاهُ وَأَفْرَاهُ إذا قَطَعَهُ، فقالُوا: فَرَاهُ للإِصْلاحِ، وأَفْرَاهُ للإفسادِ، قالُوا: فَرَى الذِّيبُ أَرْدَاجَ الشَّاةِ. واللَّبَانُ: الصَّدْرُ، والمِدْرَعُ: قميصُ المرأةِ وهوَ دِرْعُها، وقالُوا: دِرْعُ الحديدِ مُؤَنَّثٌ؛ لأنَّها حَلْقَةٌ، ودِرْعُ المرأةِ مُذَكَّرٌ؛ لأنَّهُ قميصٌ.والتَّراقِي: جمعُ تَرْقُوَةٍ، وهيَ عظامُ الصدرِ التي تقعُ عليها القلادةُ. والرَّعَابِيلُ: القِطَعُ: يُقالُ: ثوبٌ رَعَابِيلُ؛ أيْ: قِطَعٌ، يَعْنِي أنَّها تضْرِبُ صدْرَها مَشْقُوقَةَ الثوبِ حُزْناً على وَلَدِها.

34- يَسْعَى الوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وقَوْلُهُمُ إنَّكَ يا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ

الوُشَاةُ: جمعُ وَاشٍ، يُقالُ: وَشَى فلانٌ بفلانٍ يَشِي بهِ وشْياً ووِشَايَةً، إذا سعى بهِ.وجَنَابَيْهَا: كما تقولُ: حَوَالَيْهَا؛ أيْ:تسعى الوشاةُ حولَ سُعَادَ التي ذكَرَها أنَّهُ لا يُبَلِّغُهُ إلى أرْضِها إلاَّ العِتَاقُ المَرَاسِيلُ التي وصَفَها؛ أيْ: مَنْ يَشِي إليها بوعيدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إيَّاهُ، ونَصَبَ قِيلَهُم؛ أيْ:يقولونَ، فَنَصَبَهُ لأنَّهُ مصدرٌ يَصْلُحُ مكانَهُ الفعلُ، كما قالَ: مَعَاذَ اللَّهِ، مَعْنَاهُ نَعُوذُ باللَّهِ، وإذا رَفَعْتَ (قَوْلُهُم) فالواوُ للحالِ؛ أيْ:يسعى الوُشَاةُ جنَابَيْها قَائِلِينَ: إنَّكَ لمَقْتُولُ، وسُلْمَى ( بضَمِّ السِّينِ ) ليسَ في العَرَبِ غيْرُهُ.

35- وقالَ كلُّ خَلِيلٍ كُنْتُ آمُلُهُ : لا أُلْهِيَنَّكَ إنِّي عنكَ مشْغُولُ

يذكرُ أنَّهُ استجارَ بجماعةٍ منْ أصْدِقَائِهِ،ممَّنْ كانَ معَ النبيِّ عليهِ السلامُ فَلَمْ يَأْوِهِ أحدٌ منهم. وقَوْلُهُ: أُلْهِيَنَّكَ؛ أيْ:أَشْغَلَنَّكَ، يُقَالُ: ما أَلْهَاهُ عنْ ذلكَ؛ أيْ:ما شَغَلَهُ عنهُ، ويُقَالُمنهُ: لَهَيْتُ عن الشيءِ أَلْهِي.وفي الحديثِ: ((إِذَا اسْتَأَثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِشَيْءٍ فَالْهُ عَنْهُ)).

36- فَقُلْتُ خَلُّوا سَبِيلِي لا أَبَالَكُمُ فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ

قَوْلُهُم: لا أَبَ لكَ، ولا أَبَا لكَ، واللامُ ها هنا مراعاةٌ منْ وَجْهٍ، وهوَ دُخُولُها على المعرفةِ، وغيرُ مراعاةٍ منْ وجْهٍ، وهوَ إثباتُ الأَلِفِ؛ لأنَّها لوْ لمْ تَكُنْ لمْ تَقُلْ إلاَّ ( لا أبَ لكَ )، وهيَ كلمةٌ تُستعملُ في المدحِ والذمِّ، ويقولُها المُتَفَجِّعُ والمُتَعَجِّبُ وهوَ يعلمُ أنَّ للمُخَاطَبِ أباً، ولكِنَّها قدْ جَرَتْ على ألسِنَتِهِمْ: لا أبَ لكَ،ولا أَبَا لكَ.

37- كلُّ ابنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلامَتُهُ يوماً على آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ

أيْ: كلُّ مَنْ وُلِدَ فَمَآلُهُ الموتُ. والآلَةُ: الحالةُ، قَالَت الخَنْسَاءُ:

سَأَحْمِلُ نفسي على آلَةٍ فإِمَّا عَلَيْهَا وإمَّا لَهَا
أيْ: على حالةٍ، ومنهُ قولُهُ:

قدْ أَرْكَبُ الآلةَ بَعْدَ الآلَهْ وأتْرُكُ العَاجِزَ بالجَدَالَةْ

والجَدَالَةُ: وجهُ الأرضِ.
والحَدْبَاءُ: الصَّعْبَةُ، وأصلُ الحَدَبِ الميلُ،وسُمِّيَ الأَلِفُ لذلكَ لأنَّهُ يَقْبَلُ مَنْ يَأْلَفُهُ، يُقَالُ:حَدَبَ عليهِ إذا أَقْبَلَ عليهِ وانخفضَ لهُ.
قالَ الكُمَيْتُ:

وهمْ رَئِمُوهَا غَيْرَ ظَئْرٍ وَأَشْبَلُوا عليها بأطْرَافِ القَنَا وتَحَدَّبُوا

ومِنْ كلامِ العربِ: (الطَّعْنُ يَظْأَرُأيْ: يَعْطِفُ، يُقَالُ ظَاءَرَهُ على كذا، كما تَقُولُ: آطَرَهُ عليهِ، ومنهُ الحديثُ: ((لَتَأْطُرُنَّ الظَّالِمَ عَلَى الْحَقِّ))؛ أيْ: لتَعْطِفُنَّهُ.

  #3  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 09:05 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح كمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري

وَقَــالَ لِلْقَـوْمِ حَـادِيهِمْ وَقَدْ جَــعَلَتْ وُرْقُ الْجَـنَادِبِ يَرْكُـضْــنَ الْحَصَــا قِيــلُوا
"وُرْقُ": جَمْعُ أَوْرَقَ ووَرْقَاءَ، وهو مِن الوُرْقَةِ. وهو لونٌ يَضْرِبُ إلى السوادِ. و"الجَنَادِبِ": جَمْعُ جُنْدَبٍ, وهو ذَكَرُ الجَرَادِ، وهو فُنْعَلٌ، مِن الجَدْبِ؛ لأنه يَجْلُبُه. وقِيلُوا: مِنَ القَيْلُولَةِ، وهو نومُ نصفِ النهَارِ.

شـَدَّ النـَّهارِ ذِرَاعَـا عَيْــطَلٍ نَـصَفٍ نَـاحَـتْ فَـجَاوَبَــهَا نُـكْـدٌ مَثَــاكِـيلُ
"شَدَّ النَّهَارِ": أعْلاَهُ. و"ذِرَاعَا": مَرْفُوعٌ؛ لأنه خَبَرُ كَأَنَّ في قَوْلِه: " كَأَنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْها ", والتقديرُ فيه: كأَنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ، فحَذَفَ المُضَافَ وأَقَامَ المُضَافَ إليه مُقَامَه.

والعَيْطَلُ: الطويلةُ الجسيمةُ. والنُّكْدُ: جَمْعُ نَكْدَاءَ، وهي التي لا يَعِيشُ لها وَلَدٌ. مَثَاكِيلُ: جَمْعُ مِثْكَالٍ، وهي التي تَثْكَلُ أوْلاَدَها، والمعنى: أنه شَبَّهَ ذِرَاعَي هذه الناقةِ في سُرْعَةِ سَيْرِها بذِرَاعَي هَذه المرأةِ في لَطْمِها.
نَــوَّاحَـةٌ رِخْـوَةُ الضَّبْـعَيْنِ لَيْـسَ لَـهَا لَـمَّـا نَـعَـى بِـكْرَهَا النَّـاعُــونَ مَعْــقُـولُ
الضَّبْعُ: العَضُدُ. و"بِكْرَها": أوَّلُ وَلَدِها، وهي أيضاً بِكْرٌ، وأنْشَدَ:

يَـا بِـكْرَ بِـكْرَيْـنِ وَيَـا خِـلْبَ الكَـبِدْ أَصْـبَحْـتِ مِنِّـي كَذِرَاعٍ مِن عَضُـــدْ
ومَعْقُولُ: عَــقْـلٌ

تَفْــرِي اللَّبانَ بِـكَفَّــيْها وَمِـدْرَعُــهَا مُشَــقَّقٌ عَـنْ تَــرَاقِيــهَا رَعَــابِيــلُ
تَفْرِي: تَقْطَعُ. "اللَّبَانَ": الصَّدْرُ. ومِدْرَعُها: قَمِيصُها. وتَرَاقِيهَا: جَمْعُ تُرْقَوَةٍ، وهي عِظامُ الصدرِ التي تَقَعُ عليها القِلاَدَةُ. ورَعَابِيلُ: قِـطَعٌ، والمعنى: أنها تَضْرِبُ صَدْرَها بكَفَّيْها، مُشَقَّقَةُ الدِّرْعِ؛ تَلَهُّفاً على وَلَدِها.

تَسْـعَى الوُشَــاةُ جَـنَـابَيْــهَا وَقِـيلَـهُمُ إِنَّــكَ يَـا بْـنَ أَبِــي سُـلْمَى لَمَقْتُـولُ
الوُشَاةُ: جَمْعُ وَاشٍ. وجَنَابَيْها: حَوَالَيْهَا، والضميرُ في " جَنَابَيْهَا "يَعُودُ على سُعادَ، وقِيلَ: هو منصوبٌ على المَصْدَرِ.

"وقِيلَهُمُ": منصوبٌ على المَصْدَرِ، ويَجُوزُ أن يكونَ مَرْفُوعاً بالابْتِدَاءِ، وتَكُونَ الواوُ فيه واوَ الحالِ. و"سُلْمَى": بضمِّ السينِ، وليسَ في العربِ غَيْرُه.
وَقَــالَ كُـلُّ خَـلِـيلٍ كُنْـتُ آمُــلُهُ لاَ أُلهِـيَــنَّـكَ إِنِّـــي عَـنْـكَ مَشْـغُولُ
خليلٌ: فَعِيلٌ مِن الخُلَّةِ وهي الصداقَةُ، والخليلُ أيضاً: الفَقِيرُ، ويَحْتَمِلُ عندي أنْ يكونَ معنَى قَوْلِهم في حقِّ إبراهيمَ الخليلِ: خَلِيلَ اللهِ، أي: فقيرَ اللهِ، قالَ زُهَـيْرٌ:

وَإِنْ أَتَــاهُ خَــلِيلٌ يَــوْمَ مَسْـأَلَـةٍ يَقُــولُ لاَ غَــائِـبٌ مَــالِي ولاَ حَــرِمُ
وآمُلُه: يُقَالُ:
أَمَلْتُه آمُلُه وأَمَّلْتُه بالتشديدِ أُؤَمِّلُه.

ولا أُلْهِيَنَّكَ: أي: لا أُشْـغِلَنَّكَ، ومن الحديثِ: ((إِذَا اسْتَأْثَرَ اللهُ فَالْهَ عَنْهُ)). أي: اشْتَغِلْ عنه. و"مَشْغُولُ": مَفْعُولٌ مِن الشُّغُلِ، وفيه أرْبَعُ لُغاتٍ: شـَغْلٌ وشَغَلٌ وشـُغْلٌ وشُغُلٌ ".
والمعَنْىَ: أنَّه اسْتَجَارَ بأَخِلاَّئِه فلم يُـجِـرْه أَحَـدٌ مِنْـهُم.
فَقُــلْتُ خَــلُّوا سَـبِيـلِي لاَ أَبـا لَكُمُ فَـكُلُّ مَا قَــدَّرَ الرَّحْمَــنُ مَفْــعُـولُ
لاَ أَبا لَكُمُ: كَلِمَةٌ تُذْكَرُ في الذمِّ والمدْحِ، وهذه اللامُ مُقْحَمَةٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بها مِن وَجْهٍ؛ لِثُبُوتِ الألفِ في الأَبِ؛ لأنها لو كانَتْ مُعْتَدًّا بها مِن هذا الوَجْهِ لَمَا جَازَ ثُبُوتُ الألِفِ؛ لأَنَّها لا تَثْبُتُ إلا في حالَةِ الإضافةِ.

ومُعْتَدٌّ بها من وجهٍ لِتَهْيئَةِ الاسمِ لَعَمَلِ " لا " فيه؛ لأنها لو كانَتْ غَيْرَ مُعْتَدٍّ بها مِن هذا الوَجْهِ، لَمَا جازَ أنْ يَكُونَ (أَبِي) مَنْصُوباً بِـ "لا"؛ لأن " لا " لا تَـنْصِبُ المَعَارِفَ وإنما تَنْصِبُ النَّكِرَاتِ.
كُلُّ ابْــنِ أُنْــثَـى وَإِنْ طَـالَتْ سَـلامَتُـهُ يَـوْمـاً عَلَى آلَــةٍ حَــدْبَـاءَ مَحْـمُـولُ
"آلَةٍ حَدْبَاءَ": قِيلَ: أرَادَ بالآلةِ السَّرِيرَ الذي يُوضَعُ عليه المَيِّتُ. وحَدْبَاءَ: أي: فِيها مَيْلٌ. وقِيلَ: "آلَةٍ حَدْبَاءَ": أي: حَالَةٍ صَعْبَةٍ. والآلَةُ: الحالةُ، قالَ الشاعرُ:

وَقَـدْ أَرْكَــبَ الآلَــةَ بَـعْدَ الآلَــةْ وَأَتْــرَكَ الْـعَــاجِــزَ بِالـجَــدَالَــةْ
مُعَــفِّـراً لَيْـسَ لَــهُ مَحَــالَةْ

والمعنـى: أن كلَّ حَـيٍّ فمَصِيـرُه إلى الموْتِ.

  #4  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 09:28 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي

وقَـالَ للقَـوْمِ حَـادِيهِمْ وَقَـدْ جَعَـلَتْ وُرْقُ الجَـنَادِبِ يـَرْكُضْـنَ الحَصَـى: قِيلُوا
الجَنَادِبُ: جَمْعُ جُنْدُبٍ، وهُوَ ذَكَرُ الجَرَادِ، طَوِيلُ الأَرْجُلِ، وثَّابٌ غَيْرُ طَيَّارٍ، والوُرقُ: جَمْعُ أَوْرَقٍ وهو الذي لَوْنُه إِلَى السَّوَادِ، وإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الصِّنْفُ فِي القِفَارِ البَعِيدَةِ مِنَ المَاءِ الوَحْشَةِ، القَوِيَّةِ الحَرَارَةِ. ويَرْكُضُ الحَصَا: يَدْفَعُه، وإِنَّمَا تَفْعَلُ الجَنَادِبُ ذَلِكَ عِنْدَ شِدَّةِ الحَرِّ. وقِيلُوا: مِن القَائِلَةِ يَعْنِي:أنَّ جَمِيعَ مَا سِيقَ مِن نَشَاطِ نَاقِتِه، إِنَّما كَانَ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ، ووَقْتَ القَائِلَةِ، وعِنْدَما يَقُولُ الحَادِي لقَوْمِه: "قِيلُوا". وهَذَا البَيْتُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِه: " وَقَدْ تَلَفَّعَ بالقُورِ", والوَاوُ للحَالِ فِي المَوْضِعَيْنِ.

شـَدَّ النـَّهَارِ ذِرَاعـَا عَيـْطَلٍ نَصَفٍ قَـامَتْ فـَجَاوَبـَهَا نـُكْـدٌ مَثَـاكِيـلُ
شدَّ النَّهَارِ: أَعْلاهُ وارْتِفَاعُه. يُقَالُ شَدَّ النَّهَارُ: ارْتَفَعَ، وهو مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ مُتَعَلِّقٌ بـ " أَوْبَ"، ولا يَبْعُدُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بـ "يَرْكُضْنَ". "وذِرَاعَا عَيْطَلٍ" خَبَرُ " كأَنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا". أي: "كأَنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا أَوْبُ ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ "، فحُذِفَ المُضَافُ وأُقِيمَ المُضَافُ إِلَيْهِ مُقَامَهُ. والعَيْطَلُ: الطَّوِيلَةُ الجَسِيمَةُ امْرَأَةً كَانَتْ أَوْ نَاقَةً، ولَكِنَّ المُرَادَ بِهَا هَاهُنَا امْرَأَةٌ، فإِنَّه يُشِبِّهُ نَاقَتَهُ في أَتْعَبِ مَا تَكُونُ النُّوقُ بامْرَأَةٍ هَذِهِ حَالُهَا، وذَلِكَ أَنْ قَوَائِمَهَا فِي طُوْلِهَا وخِفَّةِ حَرَكَتِهَا كَهَذِهِ المَرْأَةِ. والنَّصَفُ: الكَهْلَةُ وهِيَ أَعْرَفُ بالنِّيَاحَةِ وأَقْوَى عَلَيْهَا وأَجْدَرُ أَنْ تَكُونَ ( ) أَحْياناً فهي تَلْطُمُ عَلَيْهِم، وجَعَلَها قَائِمَةً؛ ليُكْمِلَ تَشْبِيهَ نَاقَتِهِ بِهَا. والنُّكْدُ: جَمْعُ نَكِدَاءَ، وهِيَ التي لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ. والنَّكِدُ: الشُّؤُمُ والقِلَّةُ والعُسْرُ. والمَثَاكِيلُ: جَمْعُ مِثْكَالٍ وهِيَ المَرْأَةُ الكَثِيرَةُ الثَّكْلِ، وهِيَ التي مَاتَ لَهَا أَوْلادٌ كَثِيرُونَ. والفَائِدَةُ في قَوْلِه: " فجَاوَبَهَا نُكْدٌ" أَنْ يَكُونَ أَزْيَدَ فِي حُزْنِهَا، وأَنْشَطَ لَهَا فِي تَرْجِيعِ يَدَيْهَا عِنْدَ النِّيَاحَةِ، لمُسَاعَدَةِ أولئك لَهَا.

نـَوَّاحَـةٌ رِخْوَةُ الضَّبْعَـيْنِ ليَـْسَ لَـهَا لـَمَّـا نـَعَى بـِكْرَهَا النـَّاعُـونَ مَـعْقُولُ
نَوَّاحَةٌ: كَثِيرَةُ النَّوْحِ وهِيَ صِفَةٌ لـ "عَيْطَلٍ "، وكذلك "رِخْوَةُ الضَّبْعَيْنِ ". والمَعْقُولُ: العَقْلُ، وهو مِن المَصَادِرِ التي جَاءَتْ عَلَى مَفْعُولٍ، ومِثْلُه مَحْصُولُ؛ لأَنَّ المَصْدَرَ مَفْعُولٌ فِي المَعْنَى. والضَّبْعُ: العَضُدُ. ورِخَاوَةُ الضَّبْعَيْنِ مُؤْذِنٌ بسُرْعَةِ الحَرَكَةِ وخِفَّةِ النَّقْلَةِ. و"بِكْرَهَا": أَوَّلُ وَلَدِهَا.

يَسْـعَى الوُشـَاةُ بِجَنْبَيْـهَا وقِـيـلَهُمُ إِنـَّـكَ يَا بـْنَ أَبِـي سـُلْـمَى لَمَقْـتُولُ
الوُشَاةُ: جَمْعُ وَاشٍ، وَهُوَ السَّاعِي بَيْنَ النَّاسِ بالنَّمِيمَةِ والفَسَادِ.وأَصْلُه مِن وَشَيْتُ الثَّوْبَ إِذَا حَسَّنْتَهُ، يُرِيدُ مَن يَسْعَى إِلَيْهِ بوَعِيدِ رَسُولِ اللَّهِ عليهِ السلامُ.

وقَوْلُه: بِجَنْبَيْهَا، أي: بِجَنْبَيِ المَدِينَةِ، ويُقَالُ: إِنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى المَرْأَةِ، أي: يَسْعَى الوُشَاةُ حَوْلَ هَذِهِ المَرْأَةِ بوَعِيدِ رَسُولِ اللَّهِ –صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم – إِيَّاهُ. ويُرْوَى " جَنَابَيْهَا " أي: نَاحِيَتِهَا، كَمَا يُقَالُ: حَوَالَيْهَا, ونَصْبُه علَى الظَّرْفِ سَعَةً. "وقِيلَهُمُ" نُصِبَ عَلَى المَصْدَرِ, أي: ويَقُولُونَ، دَلَّ عَلَيْهِ يَسْعَى؛ لأَنَّ السَّعْيَ إِنَّمَا هُوَ كَلامٌ.
وقَوْلُه: "وقِيلَهُمُ " في مَوْضِعِ يَقُولُونَ, كَمَا قَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ. فِي مَوْضِعِ أَعُوذُ باللَّهِ. وحَكَى الوَعِيدَ مُؤَكَّداً بأَنَّ واللامَ؛ لأَنَّهُ وَعِيدٌ مِن صَادِقٍ، وحَكَاهُ كَمَا سَمِعَهُ اسْتِسْلاماً. ويُرْوَى [و] قِيلُهُمُ " بالضَّمِّ عَلَى الابْتِدَاءِ, والخَبَرُ " إِنَّكَ لَمَقْتُولُ ". وهي وَاوُ الحَالِ, أي: يَسْعَوْنَ قَائِلِينَ.
وقَــالَ كُلُّ صَدِيقٍ كُنْـتُ آمـُلُهُ لا أُلـهِـيَنـَّكَ إِنـِّي عَـنـْكَ مَشْــغُولُ
يُرِيدُ أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ أَصْدِقَاؤُهُ وتَحَامُوهُ خِيفَةً مِن رَسُولِ اللَّهِ – عليهِ السلامُ- ويَأْساً مِن سَلامَتِهِ. ويُرْوَى: "وقَالَ كُلُّ خَلِيلٍ ".

وقَوْلُه: كُنْتُ آمُلُهُ، أي: آمُلُ خَيْرَهُ ومَعُونَتَهُ. لا أُلْهِينَّكَ: أي: لا أُشْغِلنَّكَ, ومَعْنَاهُ: لا أُسَهِّلُ عَلَيْكَ الأمْرَ وأُسَلِّيكَ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُجِرْهُ أَحَدٌ مِن أَصْدِقَائِهِ ولَمْ يُؤْوِهِ. والنُّونُ لتَوْكِيدِ النَّفْيِ وأَصْلُه مِن لَهَيْتُ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا تَشَاغَلْتَ عَنْهُ بغَيْرِه. ويُقَالُ: (إِذَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بشَيْءٍ فَالْهَ عَنْهُ). أي: تَشَاغَلْ عَنْهُ بغَيْرِه وتَغَافَلْ. والهَمْزَةُ للتَّعْدِيَةِ يُقَالُ: مَا أَلْهَاكَ عَنْ كَذَا. أي: مَا أَشْغَلَكَ عَنْهُ, وقَوْلُه تعالى: {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}. ومَعْنَاهُ تَتَشَاغَلُ عَنْهُ بغَيْرِه.
فَـقُلْتُ خـَلُّوا سَبِيلِي لا أَبَـاَ لكُمُ فُكُلُّ مَا قَـدَّرَ الرَّحْـمَنُ مَفْعُـولُ
أي: خَلُّوا طَرِيقِي ولا تَحْبِسُونِي عَنِ المُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ –صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - فَقَدْ طَابَتْ نَفْسِي بكُلِّ مَا يَصْنَعُ بِي مِن عَفْوٍ وقَتْلٍ.

وقَوْلُه: "فكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ ". إِيمَانٌ بالقُدْرَةِ.
وقَوْلُه: " لا أَباَ لَكُمُ ". يَكُونُ مَدْحاً وذَمًّا، وهِيَ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا المُتَفَجِّعُ والمُتَوَجِّعُ والمُوبِّخُ والدَّاعِي والمُقْسِمُ، ويُخَاطَبُ بِهَا مَن يُعْلَمُ بأَنَّ لَهُ أباً. واللامُ فيها مُقْحَمَةٌ مِن وَجْهٍ وغَيْرُ مُقْحَمَةٍ مِن وَجْهٍ، وذَلِكَ أَنَّ "لا " تَنْفِي النَّكِرَةَ العَامَّةَ بغَيْرِ تَنْوينٍ وتـُبْنَى مَعَها علَى الفَتْحِ، ومَعَ هَذَا فإِنَّمَا المُخَاطَبُ وَاحِدٌ فَثَبَتَتِ الأَلِفُ؛ لأَنَّهُ في تَقْدِيرِ الإِضَافَةِ واقْحَامِ اللامِ, كأَنَّهُ يَقُولُ: لا أَبَاكَ، وثَبَتَتِ اللامُ؛ لأَنَّهُ في تَقْدِيرِ النَّكِرَةِ العَامَّةِ. وهم إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَدُلُّوا عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ أَتَوْا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بعَلامَةٍ، ومَالُوا بالكَلامِ إِلَى طَرَفَيْهِمَا جَمِيعاً, ومِثْلُه ( ) حَذَفُوا النُّونَ إِيذَاناً بالإِضَافَةِ، وأَتَوْا باللامِ إِيذَاناً بالانْفِصَالِ والتَّنْكِيرِ.
كُلُّ ابنِ أُنْثَــى وإِنْ طَالَتْ سَلامَتُه يـَوْماً عَلَى آلَــةٍ حَـدْبَاءَ مَـحْمُـولُ
أَخَذَ يُطَيِّبُ لنَفْسِه المَوْتَ، ويُذَكِّرُهَا بأَنَّ المَآلَ إِلَيْهِ وإِنْ طَالَ البَقَاءُ، اسْتِسْلاماً للهَلاكِ، وتَسْلِيماً لَحَتْمِ القَضَاءِ. وكُلُّ ابنِ أُنْثَى: يُرِيدُ بِهِ الخَلْقَ أَجْمَعِينَ.

وقَوْلُه: "يَوْماً " أي: وَقْتاً مَا. " ومَحْمُولُ" خَبَرُ "كُلُّ". و"عَلَى آلَةٍ" مَتَعَلِّقٌ بـ "مَحْمُولُ" وكَذَا "يَوْماً". وجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ المُبْتَدَأُ والخَبَرُ، أي: وإِنْ طَالَتْ سَلامَتُهُ فإِلَى المَوْتِ مِرْجِعُهُ. والوَاوُ فِي قَوْلِه: " وإِنْ طَالَتْ ". وَاوُ الحَالِ والعَامِلُ فيهِ " مَحْمُولُ" ولَوْ أَسْقَطَ الوَاوَ تَغْيَّرَ المَعْنَى، وصَارَ طُولُ السَّلامَةِ سَبَباً للمَوْتِ أو مُؤَدِّياً إليهِ، ولَيْسَ ذَلِكَ بالنَّاصعِ، وإِنَّما المَعْنَى: إِنَّ المَوْتَ وَاقِعٌ معَ طُولِ العُمُرِ فَضْلاً عن قِصَرِه. والآلَةُ الحَدْبَاءُ: التَّابُوتُ، وقِيلَ: سَرِيرُ المَيِّتِ، وقِيلَ الآلَةُ الحَدْبَاءُ: الحَالَةُ الصَّعْبَةُ. يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ميلاً في الشَّدَائِدِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
قَـدْ أَرْكَبُ الآلَةَ بَعْدَ الآلَةْ.
يُرِيدُ الحَالَةَ بَعْدَ الحَالَةِ.

  #5  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 06:27 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

وقالَ رَحِمَه اللهُ تعالى :
30- وقالَ للقومِ حادِيهِمْ وقد جَعَلَتْ = وُرْقُ الْجَنَادِبِ يَرْكُضْنَ الْحَصَا قِيلُوا
الواوُ عاطفةٌ على قولِه: " وقد تَلَفَّعَ " فمَحَلُّ المعطوفِ نَصْبٌ بما نَصَبَ الحالَ المعطوفَ عليها.
والواوُ في قولِه: " وقد جَعَلَتْ " واوُ الحالِ، وعامِلُ الحالِ فِعْلُ القولِ، أو قولُه: حَادِيهِمْ.
وقالَ عبدُ اللطيفِ: هذا البيتُ معطوفٌ على قولِه: " وقد تَلَفَّعَ "، والواوُ للحالِ في الموضعينِ انتهى، وهو مَنقولٌ مِن كلامِ التِّبريزيِّ وفيه تَناقُضٌ ظاهِرٌ.
والوُرْقُ جَمْعُ أَوْرَقَ، وهو الأَخْضَرُ إلى السوادِ، وإنما يكونُ هذا الصِّنْفُ في القِفارِ الْمُوحِشَةِ القَوِيَّةِ الحرارةِ البعيدةِ مِن الماءِ، ويُقالُ: أُرْقٌ بالهمزِ؛ لأنَّ الواوَ مَضمومةٌ لازِمَةٌ، ومِثلُه: وُجوهٌ وأُجُوهٌ، ووُقِّتَتْ وأُقِّتَتْ، وقولِنا: " لازِمَةٌ " احترازٌ مِن نحوِ: هذا دَلْوٌ وأمَّا الوُرْقُ في بيتِ الكِتابِ، وهو أَوَّلُ بيتٍ فيه وهو للعَجَّاجِ.
قواطِنًا مَكَّةَ مِن وُرْقِ الْحِمَى فجَمْعُ " وَرقاءَ " ، وأَصْلُ الْحِمَى: الْحِمامُ، فحَذَفَ الميمَ الثانيةَ، ثم قَلَبَ الألِفَ ياءً، وقِيلَ: بل حُذِفَت الألِفُ للضرورةِ، كما يُحْذَفُ أَلِفُ الممدودِ، فاجتَمَعَ مِثلانِ، فأُبْدِلَ الثاني ياءً، كما قالوا: فلا ورَبِّكَ، لا ورَبْيِكَ، ثم كُسِرَ الميمُ للمناسَبَةِ، ولتصحيحِ الرَّوِيِّ، وقيلَ غيرُ ذلك.
" والْجَنَادِبُ " جَمْعُ جُنْدُبٍ، بضَمِّ الدالِ، أو جُنْدَبٍ بفَتْحِها، وهُنَّ ضَرْبٌ مِن الْجَرادِ، وقِيلَ: هي الْجَرادُ الصِّغارُ، ونُونُه عندَ سِيبويهِ زائدةٌ؛ إذ ليس عندَه في الكلامِ فُعْلَلٌ" بضَمِّ أَوَّلِه وفَتْحِ ثالثِه، وأَثْبَتَ ذلك الأَخْفَشُ في جُخْدَبٍ، وطُحْلَبٍ، وألفاظٍ أُخَرَ، فعلى قولِه النونُ أَصْلٌ.
" ويَرْكُضْنَ": يَدْفَعْنَ وفي حديثِ الاستحاضةِ: " هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ " ومِن هذا الأَصْلِ قالوا: رَكَضَ الدابَّةَ يَرْكُضُها رَكْضًا؛ لأنَّ معناه: دَفَعَها في جَنْبَيْها برِجْلَيْه لتَسِيرَ، ثم كَثُرَ ذلك حتى جُعِلَ بمعنى حَمْلِها على السيْرِ، وإن لم يَدْفَعْ بالرِّجلينِ ولا غيرِهما، وقولُهم: رَكَضَت الدابَّةُ بفَتْحِ الراءِ والضادِ: بمعنى: عَدَتْ، عَدَّهُ في اللحْنِ الجوهريُّ والحريريُّ وغيرُهما، وقالوا: الصوابُ: رُكِضَتْ على بِناءِ ما لم يُسَمَّ فاعِلُه، وقالَ ابنُ سِيدَهْ في " الْمُحْكَمِ: رَكَضَ الدابَّةَ يَرْكُضُها ورَكَضَتْ هي. وأَبَاهَا بعضُهم . انتهى.
والصوابُ عندي: الْجَوَازُ، لقولِهم: رَكَضَ الطائرُ رَكْضًا، إذا أَسْرَعَ في طَيَرَانِه، قالَ :
كأنَّ تَحْتِي بازِيًا رَكَّاضًا.
وقالَ سَلامةُ بنُ جَنْدَلٍ يَبْكِي على فِراقِ الشبابِ: ( البحر البسيط ).

إنَّ الشبابَ الذي مَجْدٌ عَوَاقِبُه = فيه نَلَذُّ ولا لَذَّاتِ للشَّيبِ
وَلَّى حَثيثًا وهذا الشَّيبُ يَتْبَعُهُ = لو كان يُدْرِكُه رَكْضُ اليَعَاقِيبِ
اليَعاقِيبُ: جَمْعُ يَعقوبٍ، وله مَعنيانِ:
أحدُهما: ذَكَرُ القَبْجِ، بفَتْحِ القافِ، وإسكانِ الباءِ الْمُوَحَّدَةِ، بعدَها جِيمٌ: وهو الْحَجَلُ بفتحتينِ.
والثاني: العُقابُ، وهو غَريبٌ ذَكَرَه بعضُهم، وأَنْشَدَ عليه قولَه : عالٍ يُقَصَّرُ دُونَهُ اليَعقوبُ.
لأنَّ الْحَجَلَ لا يُوصَفُ بالعُلُوِّ في الطيرانِ، وقولُ الفَرَزْدَقِ: ( البحر البسيط )
يَومًا نَزَلْنَ لإبراهيمَ عاقِبَةً = مِن النُّسورِ عليه واليعاقيبِ
لأنَّ الْحَجَلَ لا تَنْزِلُ على القَتْلَى.
ومعنى " يَرْكُضْنَ الْحَصَا " يَقْفِزْنَ عليه، فيَندَفِعُ بعضُه إلى بعضٍ، وجُملةُ " يَرْكُضْنَ الْحَصَا " خَبَرٌ لِـ "جَعَلَ"، ومَعناهُ: شَرَعَ، كقولِه: ( البحر البسيط )

وقد جَعَلْتُ إذا ما قُمْتُ يُثْقِلُنِي = ثَوْبِي فأَنْهَضُ نَهْضَ الشارِبِ الثَّمِلِ
كذا أَنْشَدَه النَّحْوِيُّونَ، وَرَدَّ ذلك بعضُهم، وقالَ: الصوابُ:
نَهْضَ الشارِبِ السَّكِرِ، واسْتَدَلَّ بأنَّ بعدَه: ( البحر البسيط )

وكنتُ أَمْشِي على ثِنتينِ مُعْتَدِلًا = فصِرْتُ أَمْشِي على أُخْرَى مِن الشَّجَرِ
والصوابُ: أنهما قَصيدتانِ، فكلٌّ مِن الإنشادينِ صحيحٌ " وقِيلُوا " أَمْرٌ مِن القائلةِ، والجملةُ مَحْكِيَّةٌ بالقولِ.
قالَ:
31- شَدَّ النهارِ ذِرَاعَا عَيْطَلِ نَصَفٍ = قامَتْ فجَاوَبَها نُكْدٌ مَثَاكِيلُ
"شَدَّ النهارِ": ارتفاعُه، يُقالُ: جِئْتُكَ شَدَّ النهارِ وفي شَدِّهِ، وكذا شَدَّ الضُّحَى، قالَ عَنترةُ: ( الكاملُ )

فطَعَنْتُه بالرُّمْحِ ثم عَلَوْتُهُ = بِمُهَنَّدٍ صافِي الحديدةِ مِخْذَمِ
عَهْدِي به شَدَّ النهارِ كَأَنَّمَا = خَضَبَ اللبانَ ورأسُهُ بالعِظْلَمِ
الْمِخْذَمُ بكَسْرِ الميمِ، وإعجامِ الخاءِ، والذالِ: القاطعُ، والعِظْلَمُ بكسْرِ العينِ المهمَلةِ, وبالظاءِ المعجَمَةِ: شَجَرُ الكَتَمِ بفَتحتينِ، وهو الذي يُصْبَغُ به الشَّيْبُ وغيرُه، أي: عَهِدْتُه وقتَ ارتفاعِ النهارِ وقد تَخَضَّبَ صَدْرُه ورأسُه بدَمِه، وَأَصْلُه عندَ أبي عُبيدةَ: أَشَدَّ النهارِ، فحُذِفَت الهمزةُ، وزَعَمَ في الأَشُدِّ مِن قولِه تعالى: { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أنه جَمْعٌ لأَشَدَّ على حَذْفِ الزيادةِ، وهو شَدُّ، واسْتَشْهَدَ بقولِهم: شَدَّ النهارِ، فعلى هذا شَدَّ وأَشَدَّ، مِثلُ قولِهم للمَرْعَى: أبٌّ وأَوْبٌ، وهذا أَحَدُ قَوْلَيْ السِّيرافيِّ، وقالَ سِيبويهِ، واحدُها شِدَّةٌ، كنِعمةٍ وأَنْعُمٍ، وقالَ أبو الفَتْحِ: جاءَ على حَذْفِ التاءِ كما في نِعمةٍ وأَنْعُمٍ، وقالَ الْمَازِنِيُّ: جَمْعٌ لا وَاحِدَ له، وهو الثاني مِن قولِ السيرافيِّ.
وانتصابُ شَدَّ النهارِ على الظرفيَّةِ على حَذْفِ شيءٍ، فإنْ كانَ الشَّدُّ اسمًا للارتفاعِ، كما هو المشهورُ، فالمحذوف مُضافٌ، أي: وَقْتَ ارتفاعِ النهارِ، ويكونُ مِن بابِ قولِهم: جِئْتُكَ صلاةَ العصْرِ، وإن كان أَصْلُه " أَشَدَّ " كما زَعَمَ أبو عُبيدةَ، فهو مَوصوفٌ، أي: وَقتًا أَشَدَّ النهارِ.
وقولُه: " ذراعَا عَيْطَلٍ " خَبَرٌ لكأنَّ كما قَدَّمْنَا، وهو على حَذْفِ مُضافٍ؛ إذ المعنى: كأنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا في هذه الحالاتِ أَوْبُ ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ، والعَيْطَلُ: الطويلةُ، والنَّصَفُ: التي بَينَ الشابَّةِ والكَهْلَةِ، وما أَحسنَ قولَ الحماسيِّ: ( البحر البسيط )

لا تَنْكِحَنَّ عَجوزًا إن دُعِيتَ لها = واخْلَعْ ثيابَك منها مُمْعِنًا هَرَبَا
وإنْ أَتَوْكَ وقالوا إنها نَصَفٌ = فإنَّ أَمْثَلَ نِصْفَيْهَا الذي ذَهَبَا
وتصغيرُ النَّصَفِ: نُصَيْفٌ، بغيرِ هاءٍ ؛ لأنها صِفَةٌ، وجَمْعُها: أنصافٌ، ويُقالُ أيضًا: رَجُلٌ نَصَفٌ ، ورِجالٌ أَنصافٌ وحَكَىَ يَعقوبُ: " نَصَفُونَ " أيضًا، وهو غَريبٌ؛ لأنَّ مُؤَنَّثَه لا يَقْبَلُ التاءَ، ويكونُ النَّصَفُ جَمعًا للناصِفِ، وهما كالخادِمِ والْخَدَمِ وَزْنًا ومَعْنًى.
والنُّوقُ النُّكْدُ: اللاتي لا يَعيشُ لهنَّ وَلَدٌ، والواحدةُ: نَكداءُ، وفي " الْمُحْكَمِ ": النُّكْدُ مِن الإِبِلِ: الغَزيراتُ اللَّبَنِ، وقيلَ: هي التي لا يَبْقَى لها وَلَدٌ، قالَ الكُمَيْتُ: ( البحر الطويل ).

ووَحْوَحَ في حُضْنِ الفتاةِ ضَجِيعُها = ولم يَكُ في النُّكْدِ الْمَقَاليتِ مُشْخَبُ
انتهى.
ويَظْهَرُ لي أنَّ أَصْلَه للغَزيراتِ اللَّبَنِ، ولهذا وُصِفَ النُّكْدُ بالْمَقالِيتِ، وهو جَمْعُ مِقْلَاتٍ، وهي التي لا يَعيشُ لها وَلَدٌ، وكلُّ مِقلاتٍ نَكداءُ لكَثرةِ لَبَنِها؛ لأنَّها لا تُرْضِعُ إذ لا وَلَدَ لها، والتاءُ في " الْمِقْلَاتِ " أصلٌ، وليست للتأنيثِ واشتقاقُ الْمِقلاتِ عِندِي مِن القَلَتِ بفتْحِ القافِ والتاءِ وهو الْهَلاكُ، وفي الحديثِ: (( الْمُسَافِرُ وَمَالُهُ عَلَى قَلَتٍ إِلَّا مَا وَقَى اللهُ )). وقالَ الشاعِرُ: ( البحر الرجَز )

لو عَلِمَتْ إيثارِي الذي هَوَتْ = ما كنتُ منها مُشْفِيًا على القَلَتِ
وهو مَصدَرُ " قَلِتَ " بالكسْرِ، يَقْلَتُ " بالفتْحِ ".
" والْمَثاكيلُ " جَمْعُ مِثكالٍ، وهي الكثيرةُ الثَّكَلُ، وهي التي ماتَ لها أولادٌ كَثيرةٌ.
والمعنى: كأنَّ ذِرَاعَيْ هذه الناقةِ في سُرعتِها وفي السيرِ ذِرَاعَا هذه المرأةِ في اللطْمِ لَمَّا فَقَدَت وَلَدَها، وجاوَبَها نِساءٌ فَقَدْنَ أولادَهُنَّ؛ لأنَّ النساءَ الْمَثاكيلَ إذا جاوَبْنَها كان ذلك أَقْوَى لِحُزْنِها، وأَنْشَطَ في تَرجيعِ يَدَيْهَا عندَ النِّياحَةِ لِمُساعَدَةِ أُولئكَ لها، ونظيرُ هذا البيتِ قولُ الْمُثَقَّبِ العَبْدِيِّ:
كأَنَّمَا أَوْبُ يَدَيْهَا إلى = حَيْزُومِها فَوْقَ حَصَى الفَدْفَدِ
نَوْحُ ابنةِ الْجَوْنِ على هالِكٍ = تَنْدُبُه رافعةً الْمِجْلَدِ
الْحَيزومُ والْحَزيمُ وَسَطُ الصدْرِ، وما يُشَدُّ عليه الْحِزامُ، والْمِجْلَدُ بكَسْرِ الميمِ: قِطعةٌ مِن جِلْدٍ تكونُ في يَدِ النائِحَةِ تَلْطِمُ بها وَجْهَهَا.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
32- نَوَّاحَةٌ رَخْوَةُ الضَّبْعَينَ ليسَ لَها = لَمَّا نَعَى بِكْرَهَا الناعونَ مَعقولُ
" نَوَّاحةٌ ": مبالَغَةٌ في النائحةِ، اسمُ فاعلٍ مِن ناحَت المرأةُ تَنوحُ نَوْحًا ونِيَاحًا، وهي بالخَفْضِ صِفةٌ لـِ "عَيْطَلٍ"، وبالرفْعِ خَبَرٌ لـِ "هو" محذوفةٌ، أو بالنصْبِ بتقديرِ: أَمْدَحُ أو أَعْنِي.
والأوْجُهُ الثلاثةُ في قولِه: " رَخوةٌ " وعلى الْخَفْضِ فإنما جازَ أن يَقَعَ صِفةً للنَّكِرَةِ؛ لأنَّ إضافتَها لَفْظِيَّةٌ كحُسْنِ الوَجْهِ، والرَّخوةُ: الْمُسْتَرْخِيَةُ.
"والضَّبْعُ " بسكونِ الباءِ: العَضُدُ، وجَمْعُه: أَضباعٌ. على غيرِ قِياسٍ: كأفراخٍ، وأَزنادٍ، وأَحمالٍ، في قولِه تعالى: { وَأُولَاتِ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وأمَّا المضمومُ الباءِ: فالحيوانُ المعروفُ، وقد يُخْفَضُ وهو للأُنْثَى، وجَمْعُه ضِباعٌ، كسَبُعٍ وسِباعٍ، واسمُ المذَكَّرِ ضَبْعانُ، كسَرحانٍ، وجَمْعُه: ضَبَاعِينَ، كسَرَاحِينَ، و " لَمَّا " عندَ سِيبويهِ حَرْفٌ، فإن قالَ: أمَّا " لو " فلَمَّا كان سَيَقَعُ لوقوعِ غيرِه، وأمَّا " لَمَّا " فهي للأَمْرِ الذي وَقَعَ لوُقوعِ غَيْرِه، فجَمَعَ بينَها وبينَ " لو " في الذِّكْرِ. وقالَ ابنُ السَّرَّاجِ، ظَرْفٌ بمعنى حينَ، وتَبِعَه تِلميذُه الفارسيُّ، وتَبِعَهُ تِلميذاهُ ابنُ جِنِّيٍّ وأبو طالِبٍ العَبْدِيُّ.
" وبِكْرٌ " الأُمُّ بكَسْرِ الباءِ: أَوَّلُ أولادِها ذَكَرًا كان أو أنثى، ويُقالُ للأمِّ: بِكْرٌ، وللوالِدِ أيضًا قالَ: ( البحر الرجَز )

يا بِكْرَ بِكْرَيْنِ ويا خُلْبَ الكَبِدْ = أصبحتِ مِنِّي كذِراعٍ مِن عَضُدْ
أي: يا بِكْرَ أَبوينِ بِكرينِ، ثَبَتَ له بهذا الوصْفِ القوَّةُ والصلابةُ، ومِن مَجيءِ ذلك في الإِبِلِ قولُ أبي ذُؤيبٍ الْهُذَلِيِّ: ( البحر الطويل )
مَطافِيلُ أَبكارٍ حَديثٌ نِتاجُها = تُشابُ بماءٍ مِثلِ ماءِ الْمَفاصِلِ
والمرادُ بماءِ الْمَفَاصِلِ: مِياهٌ تَجْرِي في مَواضِعَ صَلبةٍ بينَ الْجِبالِ، وذَكَرَ لي بعضُ الطَّلَبَةِ أنه أقامَ مُدَّةً يَسألُ عن معناه، فلم يَجِدْ مَن يَعرِفُه، وهو مَشهورٌ، وأمَّا البَكْرُ بفَتْحِ الباءِ: فإنه مِن الإِبِلِ، والأنثى بَكْرَةٌ، والجمْعُ: بَكارٌ، وبَكارَةٌ.
" والنَّاعونَ " جَمْعُ ناعٍ، وأَصْلُه الناعِيُونَ، فاسْتُثْقِلَت الضمَّةُ على الياءِ المكسورِ ما قَبْلَها، فحُذِفَتْ، فالْتَقَى ساكنانِ، فحُذِفَت الياءُ لالتقائِهما، ثم ضُمَّت العينُ لأَجْلِ واوِ الجمْعِ، ومِثلُه: القاضونَ والرامونَ، ويُكْسَرُ على نُعاةٍ قِياسًا وسَمَاعًا، قالَ جَريرٌ: ( البحر البسيط )
نَعَى النُّعاةُ أميرَ المؤمنينَ لَنَا = يا خَيرَ مَن حَجَّ بيتَ اللهِ وَاعْتَمَرَا
" والمعقولُ": العَقْلُ، وهو أَحَدُ الْمَصادِرِ التي جاءتْ على صِيغةِ " مَفعولٍ "، ومِثلُه الْمَعسورُ والْمَيسورُ والْمَفتونُ في قولِه تعالى: { بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ } أي: الفِتنةُ، قالَه الأَخْفَشُ والفَرَّاءُ، وأَنْكَرَ سِيبويهِ مَجيءَ الْمَصدَرِ بزِنَةِ " مفعولٍ" وتَأَوَّلَ قولَهم: دَعْهُ مِن مَعسورِه إلى مَيسورِه على أنه صِفةٌ لزمانٍ مَحذوفٍ أي: دَعْهُ مِن زَمَنٍ يَعْسُرُ فيه إلى زَمَنٍ يُوسِرُ فيه. وقولُهم: ما له معقولٌ، على معنى: ما له شيءٌ يَتَعَقَّلُ، ويَلزَمُ مِن انتفاءِ الشيءِ الْمُتَعَقِّلِ انتفاءُ العَقْلِ، كما يَلزَمُ مِن انتفاءِ المصروفِ انتفاءُ الصَّرْفِ، وأمَّا الآيةُ: فقيلَ: الباءُ زائدةٌ في الْمُبتدأِ.
ومعنى البيتِ: أنَّ هذه المرأةَ كثيرةُ النَّوْحِ، مُسترْخِيَةُ العَضُدَيْنِ، فيَداها سَرِيعَتَا الحركةِ، فلَمَّا أَخْبَرَها الناعونَ بِمَوتِ وَلَدِها، لم يَبْقَ لها عَقْلٌ، فأَقْبَلَت تُشَقِّقُ بأظافيرِها مَنْخِرَهَا وصَدْرَها وتَدُقُّهما بيدِها، كما سيأتي في البيتِ بعدَه.
قالَ:
33- تَفْرِي اللَّبانَ بكَفَّيْهَا ومِدْرَعُها = مُشَقَّقٌ عن تَراقِيِّهَا رَعَابِيلُ
"تَفْرِي": تَقْطَعُ، ويكونُ في الذواتِ كهذا البيتِ، وفي المعنى كقولِ الزُّهَيْرِ: ( البحر الكامل )
ولأنتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ = وبعضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي
أي: ولأنتَ تَقْطَعُ الذي تُقَدِّرُه في نفسِك، ويَجوزُ في حَرْفِ المضارَعَةِ الفتحُ والضمُّ، يُقالُ: فَرَيْتُه وأَفْرَيْتُه بمعنًى، وقالَ الكِسائيُّ: أَفْرَيْتُ الأديمَ: قَطَّعْتُه على جِهةِ الإفسادِ، وفَرَيْتُه: قَطَّعْتُه على جِهةِ الإصلاحِ.
واللَّبانُ بفَتْحِ اللامِ: الصدْرُ، قالَ عَنترةُ: ( البحر الكامل )
فازْوَرَّ مِن وَقْعِ القَنَا بلَبَانِهِ = وشَكَا إليَّ بعَبْرَةٍ وتَحَمْحُمِ
" وأل " فيه نائبةٌ عن الضميرِ، والباءُ للاستعانةِ، مِثْلُها في: كَتَبْتُ بالقلَمِ.
ومِدْرَعُ المرأةِ ودَرْعُها: قَميصُها، وهو مُذَكَّرٌ كالقميصِ، وأمَّا دِرْعُ الحديدِ فمُؤَنَّثٌ كالْحَلْقَةِ، يُقالُ في الأَوَّلِ: دِرْعٌ سابِغٌ، وفي الثاني: سابغةٌ.
ومُشَقَّقٌ: أي: مَشقوقٌ شَقًّا كثيرًا.
والتراقِي: جَمْعُ تَرْقُوَةٍ بفتْحِ التاءِ، والعامَّةُ يَضُمُّونَها وهو خَطأٌ، ووَزْنُهَا " فَعْلُوَةٌ " وهي عِظامُ الصدْرِ التي يَقَعُ عليها القِلادَةُ.
والرَّعابيلُ: بالْمُهملتينِ: القَطْعُ، مِن رَعْبَلْتُ اللحمَ: إذا قَطَّعْتَه، وجَزَّأْتَه قالَ:
تَرَى الْمُلوكَ حَوْلَهُ مُرَعْبَلَةً.
ويُقالُ: ثورٌ رَعابيلُ، أي : قِطَعٌ، وجاءَ فُلانٌ في رَعبلةٍ: أي : في أَطمارٍ وأَخلاقٍ.
والمعنى: أنها تَضْرِبُ صَدْرَها بكَفَّيْهَا مُشَقِّقَةً الدِّرْعَ تَلَهُّفًا على وَلَدِها.
ورَعابيلُ صِفةٌ لِمُشَقَّقٍ أو خَبَرٌ ثانٍ، والجملةُ الفِعليَّةُ صِفةٌ أُخرى لعَيْطَلٍ تابعةٌ إن كان ما قَبْلَها تابعًا، أو مَقطوعةٌ بالرفْعِ أو النصْبِ، سواءٌ أَقُدِّرَ ما قَبْلَها تابعًا، أو مَقطوعًا أو حالٌ مِن ضميرِ نَوَّاحَةٍ، والجملةُ الاسميَّةُ حالٌ إمَّا مِن فاعلِ تَفْرِي، فإن كان تَفْرِي حالًا مِن ضميرِ " نَوَّاحَةٍ " فالحالانِ مُتداخِلَتَانِ وإمَّا مِن ضَميرِ نَوَّاحَةٍ فهما مُترادفانِ، والصحيحُ جَوازُه، و "عن " مُتَعَلِّقَةٌ بِمُشَقَّقٍ، كما تقولُ: تَشَقَّقَ الكُمَامُ عن الثَّمَرَةِ، ونَظيرُه في أَحَدِ الوَجهينِ كقولِه تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ } قيلَ: الباءُ بمعنى " عن " وقيلَ: باءُ الآلةِ، مِثلُ: كَتَبْتُ بالقلَمِ، والمعنى مُختلِفٌ.

  #6  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 06:43 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع ) شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

34- يَسْعَى الوُشاةُ جَنَابَيْهَا وقَوْلُهم = إنكَ يا ابنَ أبي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
" يَسْعَى": مِن قولِهم: سَعَى به إلى السُّلطانِ سِعَايةً، إذا وَشَى به، أو مِن قولِهم: سَعَى سَعْيًا: إذا عَدَا، ومنه قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ )). أو مِن قولِهم: سَعَى إليه، إذا أَتَاه، ومنه قولُه تعالى: { فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ }.
و" الوُشاةِ ": جَمْعُ " وَاشٍ " كالرُّماةِ، والغُزاةِ والقُضاةِ , والواشِي: اسمُ فاعلٍ مِن وَشَى به يَشِي وِشايةً ووَشْيًا: إذا سَعَى به، سُمُّوا بذلك ؛ لأنهم يَشُونَ الحديثَ، أي: يُزَيِّنُونَه، ومنه سُمِّيَ الوَشْيُ وَشْيًا.
والْجَنَابُ بفتْحِ الجيمِ: الفَناءُ وما قَرُبَ مِن مَحَلَّةِ القومِ، وجَمْعُه: " أَجْنِبَةٌ ". مِثلُ: قَذالٍ وأَقْذِلَةٍ، وطَعامٍ وأَطْعِمَةٍ، يُقالُ: أَخْصَبَ جَنابُ القَوْمِ، وسارُوا جَنَابَيْهِ، أي: ناحِيَتَيْهِ، وأمَّا قولُهم: فَرَسٌ طَوْعُ الْجِنَابِ، فإنه بكسْرِ الجيمِ، ومعناه: سَهْلُ القِيادِ، ومِثلُ الْجَنابِ بالفتْحِ: الْجَنابَةُ, والْجَنَبَةُ ومعناهما أيضًا: الناحيةُ، يُقالُ: جَنَبَةُ الوادي أي: ناحيةٌ منه، وقالَ الفَرزدَقُ ( البحر الوافر )
فبِتُّنْ جَنَابَتَيَّ مُطَّرَّحَاتٍ = وبِتُّ أَفُضُّ مَعقودَ الْخِتَامِ
وانتصابُ " جَنَابَيْهَا " على الظرفيَّةِ المكانيَّةِ؛ لأنَّه بمعنى الناحيتينِ، وهذا مُبْهَمٌ عن الإبهامِ اختصاصُه بالإضافةِ، كما تقولُ: جَلَسْتُ مَكانَ زيدٍ، وقَعَدْتُ مَوْضِعَه، وزيدٌ مكانُ عبدِ اللهِ ومَوْضِعُه، وفي أمثلةِ سِيبويهِ: هما خَطَّانِ جَنَابَتَيْ أَنْفِها بالتأنيثِ، وأَوْرَدَه في صِنْفِ الْمُبْهَمِ، والإبهامُ فيه ظاهِرٌ، كما ذَكَرْنا، ونَظَرَه سِيبويهِ بقولِ الأَعْشَى: ( البحر البسيط ).
نحن الفَوارِسُ يومَ الْحِنْوِ ضاحيةً = جَنْبَيْ فُطيمةَ لا مَيْلٌ ولا عَزْلُ
وفُطَيْمَةُ: جَبَلٌ، وقيلَ: امرأةٌ قَعَدَتْ مع بَناتِها، وقاتَلَ قومُها عنها، ولم تَخْتَصَّ الْجَنبتانِ بإضافتِهما إلى الْجَبَلِ والمرأةِ، بل هو باقٍ على إبهامِه؛ لأنَّ أَصْلَه الإبهامُ، وإنما عَرَضَ له الاختصاصُ في التركيبِ، بخِلافِ المسجِدِ والدارِ، مِمَّا لا يَنْطَلِقُ على كلِّ مَوضِعٍ، بل هو بأصْلِ وَضْعِه لِمُعَيَّنٍ مخصوصٍ.
ويُرْوَى: حَوَالَيْهَا، وهو بمعنى جَنَابَيْهَا، يُقالُ: قَعَدُوا حَوْلَهُ, وحَوالَهُ، وأحوالَه، وَحَوْلَيْهِ، وحوالَيْهِ، قالَ اللهُ تعالى: { فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ } وقالَ الشاعرُ :
وأنا أَمْشِي الدَّأَلَى حوالِكَا.
وقالَ آخَرُ :
ماءٌ رَواءٌ ونصي حَوْلَيْه.ِ
وفي الحديثِ: (( اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا ))، والعامِلُ هنا محذوفٌ، أي: أَنْزِل الْمَطَرَ حوالَيْنَا، ولا تُنْزِلْه عَلَيْنا، وقالَ امرُؤ القَيْسِ: ( البحر الطويل )

فقَالَتْ سَبَاكَ اللهُ إنك فاضِحِي = ألسْتَ تَرَى السُّمَّارَ والناسَ أَحْوَالِي
ولم يُسْمَعْ " أَحْوَالِي " بهذا المعنى إلا في هذا البيتِ.
وضَميرُ جَنَابَيْهَا، أو حَوَالَيْهَا لسُعادَ التي ذَكَرَ أنه لا يُبَلِّغُه أرْضَها إلا العِتاقُ الْمَراسيلُ التي وَصَفَها , أي: أنَّ الوُشاةَ يَسْعَوْنَ إليها بوَعيدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ، وجُملةُ، " يَسْعَى الوُشاةُ حَوَالَيْهَا " مُستأنَفَةٌ للتَّخَلُّصِ للمَدْحِ، أو حالٌ مِن سُعادَ، أي: فارَقْتُ, والحالُ أنَّ الوُشاةَ يَسْعَوْنَ حَوْلَها.
وقولُه: " وقولُهم " الواوُ واوُ الحالِ، وما بعدَها مرفوعٌ بالابتداءِ، والجملةُ بعدَه خبرٌ، وهي نفسُ المبتدأِ في المعنى، فلا تَحتاجُ إلى رَابطٍ، ويُرْوَى بنَصبِ ما بعدَ الواوِ على أنه مَصدرٌ نابَ مَنابَ فِعْلِه، مِثلَ: سُبحانَ اللهِ، ومَعاذَ اللهِ، بمعنى: أُسَبِّحُه وأَعوذُ به، أي: يَسْعَوْنَ, ويَقولونَ، والواوُ على هذا واوَ العَطْفِ، ويَضْعُفُ أن تكونَ واوُ الحالِ حتى يُقَدَّرَ أنَّ الأَصْلَ وهم يَقولونَ، لتكونَ الواوُ دَاخلةً على الجملةِ الاسمِيَّةِ.
ويُرْوَى: وقِيلُهم رَفعًا ونَصْبًا، قالَ قولًا، وقِيلًا، وقالًا، ومَقَالًا، ومَقالَةً.
وقولُه: " يا ابنَ أبي سُلْمَى " جُملةٌ مُعْتَرِضَةٌ بينَ اسمِ إنَّ وخَبَرِها، ونَسَبَ بُنُوَّتَه لِجَدِّه، كقولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: (( أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ )). وسُلْمَى بضَمِّ السينِ: قالَ التِّبريزيُّ: وليس في العربِ سُلْمَى بالضمِّ غيرُه.
وقولُه :" لَمَقتولُ" أي: لصائِرٌ إلى القَتْلِ، ومِثلُه: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } وفي الحديثِ: (( مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ )) .
قالَ:
35- وقالَ كلُّ خليلٍ كنتُ آمُلُهُ = لا أُلْهِيَنَّكَ إني عَنْكَ مَشغولُ
لَمَّا سَمِعَ: بهذا الوَعيدِ الْتَجَأَ إلى إخوانِه الذين كان يَرْجُوهُمْ ويُؤَمِّلُهم، فتَبَرَّؤُوا منه؛ يَأْسًا مِن سَلامتِه، وخَوْفًا مِن غَضَبِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكَلمةُ " كلُّ " هنا للمُبالَغَةِ، كما تَقولُ: أَعْرَضَ الناسُ كُلُّهُم عن فُلانٍ، ومِثلُه قولُه تعالى: { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا }.
وكان ومَعْمُولاها صِفةٌ لِخَلِيلٍ، فمَوضِعُها خَفْضٌ، أو لِكُلٍّ فمَوضِعُها رَفْعٌ، والأَوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ كُلًّا إنما تَدْخُلُ لإفادةِ العُمومِ والْمُسْنَدُ إليه بالحقيقةِ مَخفوضُها، ومِن ثَمَّ كان ضَعيفًا قولُه: ( البحر الوافر )
وكلُّ أخٍ مُفارِقُه أَخوهُ = لعَمْرُ أبيكَ إلا الفَرقدانِ
مِن وَجهينِ:
أحدُهما: استعمالُ " إلا " صفةً مع إمكانِ الاستثناءِ، وإنما يَحْسُنُ ذلك عندَ تَعَذُّرِه، كقولِه تعالى: { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا }, وقولِهم: لو كان معنا رجلٌ إلا زيدٌ لغُلِبْنَا، إذ الاستثناءُ مِن النَّكِرَةِ إنما يَجوزُ إذا كانت عددًا نحوَ: له عندي عَشرةٌ إلا واحدًا، أو مَوصوفةً بصفةٍ تُفيدُ التعيينَ، نحوَ: جاءني رجالٌ جاؤوك إلا واحدًا منهم، أو كانتْ في غيرِ الإيجابِ، نحوَ: ما جاءَني رَجُلٌ إلا زيدًا، ولا يَجوزُ فيما عدا ذلك، لا يُقالُ: جاءني رجالٌ إلا زيدًا، ولا جاءني رجُلٌ إلا عَمْرًا.
والثاني: أنه وَصَفَ كُلًّا، وكان حَقُّه أن يَصِفَ مَخفوضَها؛ لأنَّه المقصودُ.
والخليلُ فَعيلٌ مِن الْخُلَّةِ بالضمِّ، وهي الصداقةُ، ويكونُ الخليلُ بمعنى الفقيرِ، مِن الْخَلَّةِ بالفتْحِ، وهي الحاجةُ، وفي ذلك يقولُ زُهَيْرٌ : ( البحر البسيط )

وإنْ أتاه خَليلٌ يومَ مَسألةٍ = يَقولُ لا غائبٌ مالِي ولا حُرُمُ

وجَوَّزُوا ذلك في قولِهم في حقِّ أَبينَا إبراهيمَ عليه الصلاةُ والسلامُ: خليلُ اللهِ، أن يكونَ بمعنى فقيرِ اللهِ.
وقولُه: " آمُلُه " أي: أُؤَمِّلُ خَيْرَه، أو مَعونتَه؛ لأنَّ الذواتِ لا تُؤَمَّلُ.
وقولُه: " لا أُلْهِيَنَّكَ": الجملةُ بنَصْبٍ بالقولِ، ولا نافيةٌ فالتوكيدُ بالنونِ ضَرورةٌ، أو جائزٌ في النَّثْرِ على الْخِلافِ الْمُتَقَدِّمِ، بخِلافِ التوكيدِ بعدَ " لا " الناهيةِ فإنه قِياسٌ، ويَجوزُ كونُ " لا " ناهيةً على حَدِّ قولِهم: لا أُرَيَنَّكَ ها هنا، فالتوكيدُ مِثلُه في قولِه:
فلا يَغُرَّنَّكَ ما مَنَّتْ.
وقد مَضَى شَرْحُه.
ومعنى لا أُلْهِيَنَّكَ: لا أُشْغِلَنَّكَ عمَّا أنتَ فيه بأن أُسَهِّلَه عليك، وأُسَلِّيَكَ، فاعمَلْ لنفْسِك، فإني لا أُغْنِي عنك شيئًا، يُقالُ: لَهِيتُ عنه أَلْهَى، مِثلَ خَشِيتُ أَخْشَى، إذا تَشَاغَلْتَ عنه بغيرِه، وفي الحديثِ: (( إِذَا اسْتَأْثَرَ اللهُ بِشَيْءٍ فَالْهَ عَنْهُ )). أي: تَشاغَلْ عنه وتَغافَلْ ـ وكان ابنُ الزُّبيرِ إذا سَمِعَ المؤَذِّنَ لَهَى عن كُلِّ ما بحَضْرَتِه ـ فإذا أَرَدْتَ تَعْدِيَتَه أَدْخَلْتَ عليه هَمزةَ النقلِ، فقلتَ: أَلْهَيْتُه عنه، أي: شَغَلْتَه عنه، ومنه قولُه تعالى: { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ }.
ومشغولُ: اسمُ مفعولٍ مِن شَغَلَه يَشْغَلُه بالفَتْحِ فيهما , لأجْلِ حرْفِ الْحَلْقِ، وعنك: مُتَعَلِّقٌ به، وإن ومَعْمُولاها: إمَّا بَدَلٌ مِن " لا أُلْهِيَنَّكَ " كقولِه تعالى: { أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ }, وقولِ الشاعِرِ:
أَقُولُ له ارْحَلْ لا تُقِيمَنَّ عِنْدَنا .
وإمَّا في مَوْضِعِ التعليلِ، فإن كان على طريقةِ الاستئنافِ كُسِرَتْ إن، كما في وَجْهِ الإبدالِ، وإن كان على إضمارِ اللامِ فُتِحَتْ، وقد مَضَى هذا مَشروحًا في شَرْحِ قولِه:
إنَّ الأمانِيَّ والأحلامَ تَضليلُ.
قالَ رَحِمَه اللهُ:

36- فقُلْتُ خَلُّوا سَبِيلِي لا أَبَا لَكُمُ = فكُلُّ مَا قَدَّرَ الرحمنُ مَفعولُ
لَمَّا يَئِسَ مِن نُصرَةِ أَخِلَّائِهِ، أَمَرَهم أن يُخَلُّوا طَريقَه، ولا يَحْبِسُوهُ عن الْمُثولِ بينَ يَدَيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليُمْضِيَ فيه حُكْمَه؛ فإنَّ نَفْسَه قد أَيْقَنَتْ أنَّ كلَّ شيءٍ قَدَّرَه اللهُ تعالى فهو وَاقِعٌ.

" وخَلُّوا ": أَمْرٌ مِن التخليةِ وهِي التَّرْكُ.
والسبيلُ والطريقُ مُتَّفِقانِ في المعنى، وفي الوَزْنِ، وفي الجمْعِ على فُعُلٍ، وفي جَوازِ تَخفيفِ عينِ الجمْعِ بالإسكانِ، والصراطُ مِثْلُها إلا في الوَزْنِ، ويَجوزُ في الثلاثةِ التذكيرُ والتأنيثُ، ومِن أَدِلَّةِ تأنيثِ السبيلِ قولُه تعالى: (( وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )) في قِراءةِ ابْنَيْ كَثيرٍ وعامرٍ، وأبي عمرٍو وحَفْصٍ بتأنيثِ الفِعلِ، وبرَفْعِ السبيلِ، أمَّا استدلالُ كثيرٍ مِن أهلِ اللغةِ والتفسيرِ بقولِه تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي } فغَلَطٌ؛ لأنَّ الْمُرادَ هذه الطريقةُ التي أنا عليها سَبيلِي، وليستِ الإشارةُ للسبيلِ، ولو صَحَّ هذا الاستدلالُ، لصَحَّ الاستدلالُ على أنَّ الرحمةَ مُذَكَّرَةٌ بقولِه تعالى: { قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي }, ومِن أَدِلَّةِ التذكيرِ: { وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا }, ولا دليلَ في قِراءةِ أبي بَكرٍ والأخوينِ: لِيَسْتَبِينَ بالتذكيرِ، (سَبيلُ) بالرفْعِ؛ لأنَّ التأنيثَ المجازيَّ يَجوزُ معه تَذكيرُ الفعلِ الْمُسْنَدِ إلى ظاهِرِه.
وقولُه: " لا أَبَا لَكُمُ "[1] " لا " النافِيَةُ للجِنْسِ، وأبا اسْمُها، وهو مُعَرَّفٌ، والكافُ والميمُ مُضافٌ إليه، واللامُ زائدةٌ لتأكيدِ مَعْنَى الإضافةِ، فلا تَتَعَلَّقُ بشيءٍ، وأُقْحِمَتْ بينَ الْمُتضايِفَيْنِ، هنا، كما أُقْحِمَتْ بينَهما في قولِ: ( البحر الكامل )
يا بُؤْسَ للحربِ التي وَضَعَتْ = أراهطَ فاسْتَرَاحُوا

وهي مُعْتَدٌّ بها مِن وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، أمَّا وَجْهُ الاعتدادِ: فإنَّ اسمَ " لا " لا يُضافُ إلى الْمَعرِفَةِ فهذه اللامُ مُزيلةٌ لصُورةِ الإضافةِ، وأمَّا وَجهُ عَدَمِ الاعتدادِ: فهو أنَّ ما قَبْلَها مُعْرَبٌ بدليلِ ثُبوتِ الألِفِ، وإنما يُعْرَبُ اسمُ " لا " إذا كان مُضافًا، أو شَبيهًا بالْمُضافِ، هذا قولُ سِيبويهِ والجمهورِ، ويُشْكِلُ عليه قولُهم: لا أَبَا لِي، ولا يَجوزُ أن تُعْرَبَ الأسماءُ الستَّةُ بالأَحْرُفِ إذا كانتْ مُضافةً للياءِ، وذَهَبَ هشامٌ وابنُ كَيْسَانَ وابنُ مالِكٍ إلى أنَّ اللامَ غيرُ زائدةٍ، وأنها ومَصحوبَها صِفةٌ للأبِ، فتَتَعَلَّقُ بكونٍ مَحذوفٍ منصوبٍ أو مَرفوعٍ، وأنهم نَزَّلُوا الموصوفَ مَنْزِلَةَ الْمُضافِ لطُولِه بصِفَتِه، ولِمُشارَكَتِه للمُضافِ في أَصْلِ مَعناهُ، إذ معنى أَبوكَ: وأبٌ لك شيءٌ واحدٌ، ويُشْكِلُ عليه أنَّ الأسماءَ الستَّةَ لا تُعْرَبُ بالحروفِ إلا إذا كانتْ مُضافةً، وأنهم يَقولونَ: لا غُلامِي له، يَحذِفونَ النونَ، ويُجابُ عنهما بأنَّ شَبيهَ الشيءِ جارٍ مَجراهُ، وعلى القولينِ فيَحتاجُ إلى تقديرِ الْخَبَرِ، وذَهَبَ الفارسيُّ وابنُ يَسعونَ وابنُ الطَّرَاوَةِ إلى أنَّ اللامَ غيرُ زائدةٍ، وأنها ومَجرورَها خَبَرٌ، فيَتَعَلَّقُ بكونٍ محذوفٍ مرفوعٍ، وأنَّ اسمَ " لا " مُفْرَدٌ مَبْنِيٌّ، ولكنه جاءَ على لُغةِ مَن يَقولُ:
إنَّ أباها وأبَا أَباها...
ويَرُدُّه أَمرانِ: أحدُهما: أنَّ الذي يقولُ: جاءني أباك. بعضُ العربِ، والذي يقولُ: لا أبا لزيدٍ. جميعُ العربِ.
والثاني: قولُهم لا غُلامِي له بحَذْفِ النونِ.
واعْلَمْ أنَّ قولَهم: لا أبَا له: كلامٌ يُستعمَلُ كِنايةً عن الْمَدْحِ والذمِّ، ووَجْهُ الأَوَّلِ أنْ يُرادَ نَفْيُ نَظيرِ الممدوحِ بنَفْيِ أبيهِ، ووَجْهُ الثاني أن يُرادَ به أنه مَجهولُ النَّسَبِ، والْمَعنيانِ مُحتَمَلانِ هنا، أمَّا الثاني فوَاضِحٌ؛ لأنَّهم لَمَّا لم يُغْنُوا عنه شيئًا أَمَرَهم بتَخليةِ سَبيلِه، ذَامًّا لهم، وأمَّا الأوَّلُ فعَلَى وَجهِ الاستهزاءِ.
وقولُه: فكلُّ : الفاءُ للتعليلِ، والْمُعَلَّلُ الأَمْرُ، وما بينَهما اعتراضٌ، و " ما " بمعنى شيءٍ، أو بمعنى الذي، وعائدُ الصِّلَةِ أو الصفةِ مَحذوفٌ، وهو مَفعولُ " قَدَّرَ ".
و " الرحمنُ ": معناه الواسِعُ الرحمةِ، وهل هو صِفةٌ غالِبَةٌ مُلْتَحِقَةٌ بالأعلامِ كالدَّبْرانِ والعُيوقِ، أو صِفةٌ مَحْضَةٌ كالغَضبانِ؟ الأَوَّلُ: اختيارُ الأَعْلَمِ، وابنِ مالِكٍ، وعليه فهو في البَسملةِ بَدَلٌ، والرحيمُ صِفَةٌ له , أي: للرحمنِ , لا صِفةٌ لِلَّهِ؛ لأنَّه لا يَتَقَدَّمُ البَدَلُ على النَّعْتِ.
والثاني: قولُ الجمهورِ وعليه فهو والرحيمُ صِفتانِ، وحينئذٍ يَصِحُّ إيرادُ السؤالِ الْمَشهورِ، وهو أن يُقالَ: لِمَ بُدِئَ بالوَصْفِ الأَبْلَغِ، وإنما المألوفُ أن يُخْتَمَ به؟ فيُقالُ: عالِمٌ نِحريرٌ، وشُجاعٌ باسِلٌ، وجَوَادٌ فَيَّاضٌ، ولذلك أَجْوِبَةٌ مَذكورةٌ في مَوْضِعِها.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
37- كلُّ ابنِ أُنْثَى وإن طَالَتْ سَلامَتُهُ = يَوْمًا على آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحمولُ
يقولُ: إذا كان كلُّ مَن وَلَدَتْه أُنثى وإن عاشَ زَمَنًا طويلًا سالِمًا مِن النوائبِ، فلا بُدَّ له مِن الموتِ ، فمِمَّ الْجَزَعُ يا نَفْسُ وبما تَفرَحونَ أيُّها الشامِتونَ؟! ومنه:
فقُلْ للشَّامتينَ بنا أَفِيقُوا = سَيَلْقَى الشامِتونَ كما لَقِينَا
وللآلةِ ثلاثةُ مَعانٍ:
أحدُها: النَّعْشُ ذَكَرَه الجوهريُّ، وأَنْشَدَ عليه هذا البيتَ، وما أَحْسَنَ قولَ الشاطِبِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه مُلْغِزًا : ( البحر الطويل )

أَتَعْرِفُ شيئًا في السماءِ يَطيرُ = إذا سارَ صاحَ الناسُ حيث يَسيرُ
فتَلقاهُ مَركوبًا وتَلقاهُ راكبًا = وكلُّ أَميرٍ يَعتليهِ أَسِيرُ
يَحُضُّ على التقوى ويُكْرَهُ قُرْبُهُ = وتَنْفِرُ منه النفْسُ وهْوَ نَذيرُ
ولم يُسْتَزَرْ عن رَغبةٍ في زيارةٍ = ولكنْ على رَغمِ الْمَزُورِ يَزورُ
الثاني: الحالةُ، وعليه حَمَلَ التِّبريزيُّ وغيرُه هذا البيتَ، والآلةُ والحالةُ مُتقارِبانِ أَحْرُفًا، مُتَمَاثِلان وَزْنًا ومَعْنًى، قالَ: ( البحر الرجَز ).
قد أَرْكَبُ الآلةَ بعدَ الآلَهْ = وأَتْرُكُ العاجِزَ بالْجدالَهْ
الثالثُ: الأداةُ التي يُعْمَلُ بها.
والْحَدباءُ: تأنيثُ الأَحْدَبِ، ومعناها هنا: قيلَ: الصعْبَةُ، وقيلَ: المرْتَفِعَةُ، ومنه الْحَدَبُ مِن الأرضِ، وقيلَ: إنه مِن قولِهم: ناقةٌ حَدباءُ، إذا بَدَتْ حَرَاقِيفُها؛ لأنَّ الآلةَ التي يُحْمَلُ عليها تُشْبِهُ الناقةَ الْحَدباءَ في ذلك، وأَصْلُ الْحَدَبِ الْمَيْلُ، ومنه قولُهم لِمَن عَطَفَ على شَخْصٍ: حَدِبَ عليه بكَسْرِ الدالِ، أي: مالَ إليه، وانْخَفَضَ له، والظرفانِ مَعمولانِ لِخَبَرِ "كلُّ"، ورُبَّمَا يَسْبِقُ إلى الخاطِرِ تَعَلُّقُ "يومًا" بـ "طَالَتْ"، وهو فاسِدٌ في المعنى، وما بينَ المبتدأِ والخبَرِ مُعْتَرِضٌ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ سَدَّ مَسَدَّهُ خَبَرُ ما قَبْلَه، ومِثلُه قولُه تعالى: { وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ }.
والواوُ مِن قولِه: " وإنَّ " قالَ جَماعةٌ: واوُ الحالِ، والصوابُ أنها عاطِفَةٌ على حالٍ مَحذوفةٍ مَعمولةٍ للخَبَرِ، والتقديرُ مُحْتَمِلٌ لوَجهينِ:
أحدُهما: أن يكونَ الأصْلُ مَحمولًا على آلَةٍ حَدباءَ على كلِّ حالٍ , وإن طالَتْ سَلامَتُه، فيكونَ مِن عَطْفِ الخاصِّ على العامِّ.
والثاني: أن يكونَ الأَصْلُ إن قَصُرَتْ مُدَّةُ سَلامتِه وإن طالَتْ، كما تقولُ: آتِيكَ إن أَتَيْتَنِي وإن لم تأتِ. ويَجوزُ للجُملةِ الشرطِيَّةِ أن تَقَعَ حالًا إذا شُرِطَ فيها شَرطٌ ونَقيضُه، نحوَ: لأَضْرِبَنَّه إنْ ذَهَبَ وإن مَكَثَ، والذي سَوَّغَ حَذْفَ الشرطِيَّةِ الأُولَى، أنَّ الثانيةَ أبدًا مُنافِيَةٌ لثُبوتِ الْحُكْمِ، والأُولَى مُناسِبَةٌ لثُبوتِه، فإذا أُثْبِتَ الْحُكْمُ على تقديرِ وُجودِ الْمُنافِي، دَلَّ ثُبوتُه على تقديرِ الْمُناسِبِ مِن بابِ أَوْلَى، ودَلَّ هذا على ذلك الْمُقَدَّرِ، ومتى أُسْقِطَت الواوُ مِن هذا البيتِ ونحوِه فَسَدَ المعنى.




موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البردة, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir