دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > بانت سعاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 01:07 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي مقدمات شرح قصيدة بانت سعاد

مقدمات شرح قصيدة بانت سعاد

عناصر الدرس:
  • قصة القصيدة
  • إسناد القصيدة
  • موضوع القصيدة
  • أنواع النسيب في قصائد العرب
  • الفرق بين النسيب والتشبيب
  • سبب عناية العلماء بهذه القصيدة
  • سبب تلقيب هذه القصيدة بالبردة
  • بيان بحر القصيدة وعروضها وضربها وقافيتها


  #2  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 01:10 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح الخطيب يحيى بن علي التبريزي

بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ

قالَ أبو زكرِيَّا يحيى بنُ عَلِيٍّ الخطيبُ التبريزيُّ: أخبرنا أبو مُحَمَّدِ بنِ الحسنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحسنِ الجوهريِّ قالَ: حدَّثنا أبو عمرَ مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بنِ زكريَّا بنِ حَيَّوَيْهِ الخزَّازُ قالَ: حدَّثنا أبو بكرٍ مُحَمَّدُ بنُ القاسمِ الأنباريُّ، أَمْلاهُ غُرَّةَ صفرٍ سنةَ سبعٍ وعشرينَ وثلاثِمائةٍ قالَ: حدَّثني أبي قالَ: حدَّثنا عبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو قالَ: حدَّثنا إبراهيمُ بنُ المنذرِ [ الحزاميُّ ]قالَ: حدَّثنا الحجَّاجُ (بنُ) ذي الرقيبةِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ كعبِ بنِ زهيرِ بنِ أبي سُلْمَى المُزنيُّ، عنْ أبيهِ،عنْ جَدِّهِ: خرجَ كعبٌ وبجيرُ ابْنَا زهيرِ بنِ أبي سلمَى إلى أبرقَ العزَّافِ، فقالَ بُجَيْرٌ لكعبٍ: اثْبُتْ في الغنمِ حتَّى آتِيَ هذا الرجلَ - يعني النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - فأسمعَ كلامَهُ، وأعْرِفَ ما عندَهُ، فأقامَ كعبٌ، ومضى بجيرٌ، فعرضَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فأسلمَ، واتَّصلَ إسلامُهُ بأخيهِ كعبٍ، فقالَ:

ألا أَبْلِغَا عنِّي بُجَيْراً رسالةً = فهلْ لكَ فيما قُلْتُ: وَيْحَكَ هلْ لَكَا
سقاكَ بها المأمونُ كَأْساً رَوِيَّةً = وأَنْهَلَكَ المأمونُ منها وعلَّكَا

ويُرْوَى:

سقاكَ أبو بكرٍ بكأسٍ روِيَّةٍ = وأَنْهَلَكَ.............
ففارقتَ أسبابَ الهُدَى وتَبِعْتَهُ = على أيِّ شيءٍ وَيْبَ غَيْرِكَ دَلَّكا
على مذهبٍ لمْ تُلْفِ أُمًّا ولا أَباً = عليهِ ولمْ تعرفْ عليهِ أخاً لَكَا

فاتَّصلَ الشِّعرُ برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فأهدرَ دمَهُ، فقالَ: ((مَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ))، وكتبَ بُجَيْرٌ إلى كعبٍ: النجاةَ؛ فقدْ أهدرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ دَمَكَ، وما أَحْسَبُكَ ناجياً.ثمَّ كتبَ إليهِ: إنَّ رسولَ اللَّهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ما جاءَ أحدٌ قطُّ يشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ إلاَّ قَبِلَهُ ولمْ يُطَالِبْهُ بما تقَدَّمَ الإسلامَ ، فأَسْلِمْ وأَقْبِلْ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.
فلَمَّا وردَ كتابُهُ توَجَّهَ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.
قالَ كعبٌ: فَأَنَخْتُ راحِلَتِي على بابِ المسجدِ، ودخلتُ المسجدَ، وعرفتُ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بالصفةِ التي وُصِفَتْ لِي، وكانَ مجلسُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ منْ أصحابِهِ مثلَ موضِعِ المائدةِ من القومِ، يتحَلَّقُونَ حولَهُ حلقةً ثمَّ حلقةً، فيُقْبِلُ على هؤلاءِ فيُحَدِّثُهُمْ، ثمَّ على هؤلاءِ فيحُدِّثُهُمْ، فدنوتُ من النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقلتُ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ، الأمانَ يا رسولَ اللَّهِ. قالَ: ((مَنْ أَنْتَ؟)) قلتُ: كعبُ بنُ زهيرٍ، قالَ: ((الَّذِي يَقُولُ مَا يَقُولُ)). ثمَّ أقبلَ على أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ فاسْتَشْهَدَهُ الشعرَ، فأنشدَهُ أبو بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ:

سَقَاكَ بها المأمونُ كَأْساً رَوِيَّةً

فقُلْتُ: لمْ أَقُلْ هكذا، إنَّما قلتُ:

سَقَاكَ أبو بكرٍ بكأسٍ رَوِيَّةٍ = وأَنْهَلَكَ المأمونُ منها وعلَّكَا

فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: واللَّهِ.
فَأَنْشَدْتُهُ:

1- بانتْ سعادُ فقلبي اليومَ متبولُ = مُتَيَّمٌ إثْرُها لمْ يُفْدَ مكبولُ

  #3  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 01:12 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح كمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري

قالَ الشيخُ الإمامُ العالِمُ الأَوْحَدُ، كمالُ الدِّينِ عبدُ الرحمنِ بنُ محمدٍ الأنْبَارِيُّ، رَضِيَ اللهُ عنه: الحمدُ للهِ ذِي الجُودِ والكَرَمِ، والصلاةُ على محمدٍ، خيرِ نبيٍّ وأكرمَ, وعلى آلِهِ وصَحْبِه وشَرَّفَ وكَرَّمَ.
وبعدُ: فقدْ شَرَحْتُ في هذه الأوراقِ قَصِيدَةَ كَعْبِ بنِ زُهَيْرِ بنِ أبي سُلْمَى المُزَنِيِّ التي مَدَحَ بِهَا النبيَّ، صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، شرحاً لطيفاً يَسْهُلُ تَأَمُّلُه، ويَقْرُبُ تَنَاوُلُه، فاللهُ تعالى يَنْفَعُ به بِجُودِهِ وكَرَمِهِ.
أَخْبَرَنِي الشيخُ أبو المظَفَّرِ، عبدُ المَلِكِ بنُ عَلِيٍّ الهَمَذَانِيُّ، قالَ: أَخْبَرَنا أبو القاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ أحمدَ الحَرِيرِيُّ، قالَ: أخْبَرَنَا أبو الحَسَنِ محمدُ بنُ عبدِ الواحِدِ، قالَ: أَخْبَرَنَا أبو بَكْرٍ أحمدُ بنُ إبراهيمَ بنُ شَاذَانَ، قال: أَخْبَرَنَا أبو عبدِ اللهِ إبراهيمُ بنُ محمَّدِ بنِ عَرَفَةَ، قالَ: أَخْبَرَنا أحمدُ بنُ يَحْيَى، قالَ: أخْبَرَنا محمدُ بنُ سَلاَّمٍ، قالَ: حَدَّثنا محمدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عن يَحْيَى بنِ سعيدٍ الأنْصَارِيِّ، عن سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، قالَ: قَدِمَ كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ مُتَنَكِّراً، حينَ بَلَغَه أنَّ الرسولَ، صَلَوَاتُ اللهِ عليه، أَوْعَدَهُ، فأَتَى أبا بَكْرٍ الصِّديقَ رَضِيَ اللهُ عنه. فلمَّا صلَّى الصُّبْحَ أَتَاهُ بِهِ وهو مُلَثَّمٌ بعِمَامَتِهِ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، رَجُلٌ يُبَايِعُكَ على الإسلامِ. وبَسَطَ يَدَهُ فحَسَرَ وَجْهَهُ؛ فقالَ: بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، هذا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ، أنا كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ. فتَجَمَّمَتْهُ الأبصارُ وأغْلَظَتْ له؛ لما كانَ مِن ذِكْرِهِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، فأَنْشَدَهُ هذه القصيدةَ.
وأَخْبَرَنَا الشيخُ أبو مَنْصُورٍ، ومَوْهُوبُ بنُ أَحْمَدَ (بنِ محمدِ بنِ الحَسَنِ) بنِ الخَضِرِ الجَوَالِيقِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبو زَكَرِيَّا، يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ التِّبْرِيزِيُّ، قالَ: أَخْبَرَنا أبو محمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ حَيْوَبَه، قالَ: حَدَّثَنَا أبو بَكْرٍ (مُحَمَّدُ) بنُ القَاسِمِ الأَنْبَارِيُّ، قالَ: حَدَّثَنِي أبي، قالَ: حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، قالَ: حَدَّثَنا إبراهيمُ بنُ المُنْذِرِ، قالَ: حَدَّثنا الحَجَّاجُ بنُ ذِي الرَّقِيبَةِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ كَعْبِ بنِ زُهَيْرِ بنِ أبي سُلْمَى، عن أبيه، عن جَدِّهِ.
وأَخْبَرَنَا الشيخُ أبو منصورٍ محمدُ بنُ خَيرُونَ بإِجَازَتِه عن أبي محمدٍ الجَوْهَرِيِّ بالإسنادِ المذكورِ، أنَّ كَعْباً وبُجَيْراً، ابْنَيْ زُهَيْرٍ خَرَجَا إلى أَبْرَقِ العَزَّافِ؛ فقالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ:اثْبُتْ في الغَنَمِ، حتى آتِيَ هذا الرجلَ، يعني: النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، فأَسْمَعَ كلامَه وأَعْرِفَ ما عِنْدَه.
فأَقَامَ كَعْبٌ ومَضَى بُجَيْرٌ، فعَرَضَ عليه رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الإسلامَ فأَسْلَمَ؛ لأنَّ زُهَيْراً – فيما رُوِي- كانَ قدْ قالَ لِبَنِيهِ: يا بَنِيَّ، إني رَأَيْتُ كأَنِّي رُفِعْتُ إلى السماءِ بسَبَبٍ ثم = قُصِرَ بِي. وأَوْصَاهم إنْ أَدْرَكُوا النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنْ يُسْلِمُوا؛ لأنَّه كانَ قدْ جَالَسَ أهلَ الكِتَابِ، وعَرَفَ أنه آنَ أَوَانُ مَبْعَثِه، صَلَوَاتُ اللهِ عليه، فلَمَّا أَسْلَمَ بُجَيْرٌ، واتَّصَلَ إسلامُه بأَخيه كَعْبٍ قالَ:
أَلاَ أَبْــلِغَا عَـنِّي بـُجَيْراً رِسَــالَةً = فَهَلْ لَكَ فِيـمَا قُـلْتَ وَيْحَكَ؟ هَلْ لَكَا
سَقَاكَ بِهَا الْمَأْمُـــونُ كَأْساً رَوِيَّــةً = وأَنْهَلَكَ الْمَأْمُـونُ مِـنْـهَا وعَلَّكَا
فَفَارَقْتَ أَسْبَابَ الهُـدَى واتَّبَــعْتَـهُ = عَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَيْبَ غَيْـرِكَ دَلَّكَا
على مـَذْهَبٍ لـم تـُلْفِ أُمَّاً ولا أباً = عَلَـيْهِ، ولَمْ تَعْـرِفْ عَلَـيْهِ أَخَـاً لـَكَا
فاتَّصَلَ الشعرُ برسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فأَهْدَرَ دَمَه، فكَتَبَ بُجَيْرٌ إلى كَعْبٍ: النَّجَا، فقدْ أَهْدَرَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دَمَكَ، وما أَظُنُّكَ نَاجِياً. ثم كَتَبَ إليه أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ما جَاءَهُ أَحَدٌ قَطُّ يَشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللهِ إِلاَّ قَبِلَه، ولم يُطَالِبْه بما تَقَدَّمَ الإسلامَ.

فلَمَّا وَرَدَ عليه كِتَابُه تَوَجَّهَ إلى الرسولِ صَلَوَاتُ اللهِ عليه. قالَ كَعْبٌ: فأَنَخْتُ رَاحِلَتِي على بابِ المَسْجِدِ، ودَخَلْتُ المَسْجِدَ ودَنَوْتُ مِن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فقُلْتُ: أَشْهَدُ أنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللهِ، الأَمَانَ يارسولَ اللهِ. قالَ: ((مَنْ أَنْتَ؟)). قُلْتُ: كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ. قالَ: ((الَّذِي يَقُولُ مَا يَقُولُ)). ثم أَقْبَلَ على أبي بَكْرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) فأَنْشَدَهُ أبو بَكْرٍ:
سَقَاكَ بـِهَا الْمَأْمُـونُ كَأْساً رَوِيَّةً
فقُلْتُ: لم أَقُلْ هكذا؛ إِنَّما قُلْتُ:
سـَقَـاكَ أَبُـو بَكْـرٍ بِـكَأسٍ رَوِيـَّـةٍ = وَأَنْـهَـلَكَ الْمَـأْمُـونُ مِنـَهَا وَعَـلَّكَـا
فقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((مَأْمُونٌ وَاللهِ)). فأَنْشَدَهُ:

بـَانَتْ سُـعَادُ فَـقَـلْبِـي الْيَــوْمَ مَتْـبُولُ = مُـتَيـَّمٌ إِثْــرَهَا لَمْ يـُـفَدَ مَـكْبــُولُ

  #4  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 01:14 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ
قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الصَّدْرُ الكَامِلُ الوَرِعُ المُتْقِنُ المُحَقِّقُ، مُوَفَّقُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّطِيفِ بنُ يُوسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالَى بِمَنِّهِ وكَرَمِه آمِينَ:
شَرْحُ قَصِيدَةِ كَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ

رُوِّيتُها عَن شَيْخِنَا الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الحَقِّ، رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي القَاسِمِ هِبَةِ اللَّهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ القَزَّازِ الحَرِيرِيِّ، بحَقِّ رِوَايَتِه عَن أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ المَعْرُوفِ بزَوْجِ الحُرَّةِ، عن أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ شَاذَانَ، عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَرَفَةَ النَّحْوِيِّ نَفْطَوَيْهِ، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ ثَعْلَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ،عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ،عَنْ أَبِيهِ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ كَعْبٍ.
وأيضاً رُوِّيتُها عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خمارتكينِ عَتِيقِ أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيزِيِّ، عن مَوْلاهُ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً، عن الحَسَنِ ابنِ عَلِيٍّ [الجَوْهَرِيِّ، عَنْ ابنِ حَيْوَبَه] عَنْ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ الأَنْبَارِيِّ؛ سَمَاعاً إِمْلاءً سَنَةَ سَبْعٍ وعِشْرِينَ وثَلاثِمِائَةٍ، عَنْ [أبيه] عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ المُنْذِرِ، عَنِ الحَجَّاجِ بنِ ذِي الرَّقِيبَةِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
ورُوِّيتُهَا أَيْضاً عَلَى شَيْخِنَا كَمَالِ الدِّينِ الأَنْبَارِيِّ، بحَقِّ رِوَايَتِه عَنْ أَبِي المُظَفَّرِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيٍّ الهَمَذَانِيِّ، عَنْ أَبِي القَاسِمِ الحَرِيرِيِّ. وعَنِ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ مَوْهُوبِ بنِ أَحْمَدَ الجَوَالِيقِيِّ، عن أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيزِيِّ الخَطِيبِ.
وهَذَا حِينَ أَفْتَتِحُ فأَقُولُ: إِنَّ صِدْقَ الرَّغْبَةِ، ولُطْفَ الطَّلِبَةِ، واسْتِحْقَاقَ المَوْهِبَةِ، والتَّعَرُّضَ لتُحْفَةٍ، ليَحُلُّ عِقَالَ الكَسَلِ، ويَشْحَذُ كِمَامَ الأَرْجَاءِ، ويُرْهِفُ صَارِمَ العَزْمِ، ويَكْسِرُ جَيْشَ التَّوَانِي، ويُسَدِّدُ لِسَانَ البَيَانِ، ويُنِيرُ قِسْطاً مِن الوَقْتِ المَعْرُوفِ فيما يُسِرُّهُ العَبْدُ عِنْدَ رَبِّه، ويَخْتَلِجُ بَعْضَ وظَائِفِه، ويَنْتَهِزُ فُرْصَةَ غَفْلَتِه، وإِنَّ ابنَ السَّادَةِ الأَمَاثِلِ، والذَّواتِ الأَفَاضِلِ، تَعَرَّضَ أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِ شَرْحَ قَصِيدَةِ كَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ، فتَوَجَّسْتُ هَاجِسَهُ، وظَنَنْتُ لحَاجَتِه، وأَوْجَبَتِ المُلاطَفَةُ إِجَابَتَهُ، فَأَعْطَيْتُه مِن زَمَانِي جُزْءاً, ومِن إِمْلائِي نَصِيباً.
فَاعْلَمْ أَنَّ القَصِيدَةَ للشَّاعِرِ بمَنْزِلَةِ الرِّسَالَةِ للمُتَرَسِّلِ، والخُطْبَةِ للخَطِيبِ، في كَوْنِهَا تَلْتَئِمُ مِن أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ: افْتِتَاحٍ, وتَوْطِئَةٍ, والغَرَضِ المَقْصُودِ, وخَاتِمَةٍ.
وأَمَّا الغَرَضُ خَاصَّةً فَقَدْ يَتَّفِقُ فِيهَا جَمِيعاً. فأَمَّا الافْتِتَاحُ فِي الخُطَبِ فمَسْنُونٌ، وهو مَعْنًى وَاحِدٌ فَقَطْ.
وأَمَّا فِي الرَّسَائِلِ فمَوْضُوعٌ، وهو أَيْضاً واحدٌ في الغَالبِ, وأَمَّا في القَصِيدَةِ فالعَادَةُ جَارِيَةٌ عِنْدَ العَرَبِ أَنْ يَكُونَ نَسِيباً في امْرَأةٍ، ولا يَكُونَ مُذَكَّراً إِلاَّ علَى جِهَةِ الكِنَايَةِ، وإِنَّمَا المُتَأَخِّرُونَ خَاصَّةً هم الذِينَ يَتَغَزَّلُونَ فِي المُذَكَّرِ، ثُمَّ بَعْدَ الافْتِتَاحِ تُذْكَرُ التَّوْطِئَةُ، وبَعْدَهُمَا المَقْصُودُ، ويَقْطَعُ علَى الخَاتِمَةِ.
والأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الأَجْزَاءُ الأَرْبَعَةُ مُتَسَلْسِلَةً, يَقْتَضِي بَعْضُها بَعْضاً، ويَأْخُذُ بَعْضُ الأَبْيَاتِ برِقَابِ بَعْضٍ، فتَعْتَنِقُ بُيُوتُها، وتَتَواصَلُ مَعَانِيهَا. فإنِ افْتَتَحَ الشَّاعِرُ بذِكْرِ المَقْصُودِ سُمِّيَ اقْتِضَاباً، فإِنْ أُسْقِطَتِ التَّوْطِئَةُ وَحْدَها سُمِّيَ وَثْباً، وإِنْ أُسْقِطَتِ الخَاتِمَةُ سُمِّيَ حَذْفاً وبَتْراً.
والخُطْبَةُ التي لا افْتِتَاحَ لَهَا تُسَمَّى البَتْرَاءُ. وقَدْ تُبْسَطُ هذه الأَجْزَاءُ الأَرْبَعَةُ، وقَدْ تُقْبَضُ ويُوجَزُ القَوْلُ فِيهَا، وقَدْ يُبْسَطُ بَعْضُها ويُقْبَضُ بَعْضٌ، وأَقَلُّ مَا يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ مِنْهَا الغَرَضُ، وعَلَى الحَقِيقَةِ لا يَكُونُ ذَلِكَ خُطْبَةً ولا قَصِيدَةً، بَلْ جُزْءاً مِنْهَا، ولا يَجُوزُ إِسْقَاطُ الغَرَضِ أَصْلاً؛ لأَنَّ ذَلِكَ هو المَقْصُودُ لعَيْنِه، وسَائِرُ الأَجْزَاءِ إِنَّمَا تُرَادُ لأَجْلِه.أَمَّا الافْتِتَاحُ في القَصِيدَةِ خَاصَّةً: فلتَطْيِيبِ نُفُوسِ السَّامِعِينَ، وشَرْكِ قُلُوبِهِم، وعَقْلِهِ مُسْتَوْفِزَهُم، وتَعْدِيلِ أَخْلاقِهِم بسَمَاعِ مَا يُلْهِي، ويُلَيِّنُ، ويُحَرِّكُ، ويُطْرِبُ، ويَبْسُطُ القُوَّةَ الشَّهَوِيَّةَ، ويَكْسِرُ سَوْرَةَ الغَضَبِيَّةِ، فعِنْدَ ذَلِكَ يَفِلُّ العَقْلُ مِن أَسْرِ الشَّهْوَةِ والغَضَبِ، وتَجْتَلِي بَسُوسُه، وتَؤُوبُ إليه سَجَايَاهُ، وتَتَمَكَّنُ مِن إِنْفَاذِ أَوَامِرِه وبَسْطِ قُوَاهُ، فيَمِيلُ إِلَى العَفْوِ، ويَسْمَحُ بالصُّلْحِ، ويَكْرَهُ بالانْتِقَامِ، ويَهْتَزُّ لمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، ويَرْتَاحُ إِلَى كَرَمِ السَّجَايَا، وحَمِيدِ الشَّمَائِلِ.
فإِذَا خَبَتْ نَارُ الغَضَبِ، وانْقَمَعَ جَيْشُه، قَوِيَ الفِعْلُ عَلَى إِظْهَارِ مَحَاسِنِه، وبُروزِ وَشْيِهِ وفَضَائِلِه، ونَشْرِ بَهَائِهِ وبَهْجَتِه؛ لأَنَّهُ لَمَّا سُلِّطَ الخِنْزِيرُ عَلَى الأَسَدِ، اسْتَعْلَى عَنْهُما فَجَلا مُنْفَرِداً بسوسِ جمالِهِ وبَهَائِه، لا تَغُضُّ مِنْهُ نَقِيصَةُ أَحَدِهِمَا، وبُروزُ فِعْلِه مُحَصَّلاًً، لا يَهُمُّه شَيْنُهُمَا، ولا يَخْدَعُهُ مَيْنُهُمَا. فهَذِهِ هِيَ الحِكْمَةُ فِي افْتِتاحِ القَصِيدَةِ بالنَّسِيبِ.
وأمَّا الخَاتِمَةُ: فبمَنْـزِلَةِ التَّوْدِيعِ وتَوْكِيدِ مَا سَبَقَ, والتَّوْطِئَةُ تَتَنَزَّلُ مَنـْزِلَةَ البَرَاهِينِ في العُلومِ, وكَثِيراً ما يَشْكُلُ علَى النَّاسِ الفَرْقُ بَيْنَ النَّسِيبِ والغَزَلِ، وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَهُما وبَسَطْنَا القَوْلَ فِيهِ في كِتَابِنَا المَوْسومِ " بتَكْمِلَةِ الصِّنَاعَةِ في الشَّرْحِ " نَقْدُ الشِّعْرِ لقُدَامَةَ " لكنَّا نَعْرِضُ لَكَ بُذُوراً منه لتَفْتُرَ دَاعِيَةُ التَّطَلُّعِ، ويَغُضَّ مِن طُمُوحِ النَّفْسِ.
فالغَزَلُ: هو الأَفْعَالُ، والأَقْوالُ، والأَحْوَالُ الجَارِيَةُ بَيْنَ المُحِبِّ والمَحْبُوبِ. أَمَّا النَّسِيبُ: فهو ذِكْرُ الشَّاعِرِ خَلْقَ النِّسَاءِ وأَخْلاقَهُنَّ، وتَصْرِيفَ أَحْوالِ الهَوَى بالمَعْنَى.
والنَّسِيبُ مُرَكَّبٌ مِن ثَلاثِ مَعَانٍ. أَحَدُهَا: ذِكْرُ حَالِ المَرْأَةِ فِي نَفْسِهَا؛ مِن خَلْقٍ وخُلُقٍ, ومَلالٍ وإِلْفٍ، وقُرْبٍ وبُعْدٍ.
والثاني: حَالُ النَّاسِبِ بِهَا، مِن وَلَهِهِ وتَعَبُّدِه وتَتَيُّمِه. والثالثُ: الأحوالُ الدَّائِرَةُ بَيْنَهُما مِن هَجْرٍ ووَصْلٍ, وإِخْلاصٍ وصِدْقٍ, وقَطِيعَةٍ وتَطَلُّعٍ, وإِعْرَاضٍ وتَمَلُّقٍ, ووَفَاءٍ وإِخْلافٍ, وشَكْوَى واعْتِذَارٍ, وعَتْبٍ وإِعْتَابٍ, وإِنْكَارٍ واعْتِرَافٍ, وتَعْرِيضٍ وتَعَرُّضٍ, وتَصْرِيحٍ وتَجَمُّعٍ، ومَا اتَّصَلَ بذَلِكَ وانْجَرَّ مَعَه مِن مُحَادَثَاتٍ ومَرَاسِيلَ, وغَمْزٍ وإِيمَاضٍ وإِشَارَةٍ, وإِفْسَادِ الوُشَاةِ وتَكْدِيرِ الرُّقَبَاءِ, وغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي بَيْنَ ذَوِي العَلاقَاتِ.
فالنَّسِيبُ جُزْءُ قَصِيدَةٍ كَمَا قُلْنَا ولأَجْلِ غَيْرِه، ولذَلِكَ لا يَحْسُنُ الاقْتِصَارُ عَلَيْهِ في التَّقْصِيدِ، ولا أَنْ يُجْعَلَ أَكْثَرَ القَصِيدِ، بَلِ افْتِتَاحَهَا وأَقَلَّهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الغَرَضِ بسُرْعَةٍ.
وأَمَّا التَّشْبِيبُ: فهو الإِشَادَةُ بذِكْرِ المَحْبُوبِ، والإِعْلانُ بصِفَاتِه، والتَّصْرِيحُ بمَحَاسِنِه. فالنَّسِيبُ ذِكْرُ الغَزَلِ، والتَّشْبِيبُ تَابِعٌ للنَّسِيبِ ولازِمٌ عَنْهُ. والغَزَلُ رُبَّمَا كَانَ مِن غَيْرِ شَاعِرٍ؛ لأَنَّهُ التَّصَابِي والاسْتِهْتَارُ بمَوَدَّاتِ النِّسَاءِ. يُقالُ: فُلانٌ غَزِلٌ: إِذَا كَانَ مُتَشَكِّلاً بالصُّورَةِ.
وقَدْ يُطْلَقُ الغَزَلُ عَلَى الاسْتِعْدَادِ بهذهِ الحَالِ، والتَّخَلُّقِ بهذهِ الخَلِيقَةِ. ويُطْلَقُ علَى الانْفِعَالِ عَنْ هَذِهِ الحَالِ، كَمَا يُقَالُ: الغَضْبَانُ, عَلَى المُسْتَعِدِّ للغَضَبِ، وعَلَى مَنِ انْفَعَلَ عَنْهُ، وخَرَجَ بِهِ إِلَى الفِعْلِ.
قَالَ أَصْحَابُ اللُّغَةِ: المُغَازَلَةُ مُحَادَثَةُ النِّسَاءِ ومُرَاوَدَتُهُنَّ. يُقَالُ: غَازَلَتْهُ وغَزِلَ لَهَا, مِثْلَ حَادَثَتْهُ وحَادَثَها. والاسْمُ الغَزَلُ. وتَغَزَّلَ فُلانٌ إِذَا تَعَاطَى الغَزَلَ، ويُقَالُ: غَزِلَ فُلانٌ يَغْزَلُ غَزَلاً إِذَا كَانَ صَاحِبَ غَزَلٍ. وكَثِيراً مَا يَأْتِي هذَا المِثَالُ فِي أَفْعَالِ الخَلائِقِ والجِبِلاَّتِ النَّفْسِيَّةِ.
والنَّسِيبُ فِيهِ الوَصْفُ والتَّشْبِيبُ والتَّشْبِيهُ والمَدْحُ والذَّمُّ والشَّكْوَى والعِتَابُ وحِكَايَةُ الحَالِ ونَحْوُ ذَلِكَ، مِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ ويَنْسَحِبُ مَعَه، ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَدُلَّ الشَّاعِرُ عَلَى غَرَضِه بألفَاظٍ صَرِيحَةٍ مَشْهُورَةٍ إِلاَّ أَنْ يَخَافَ غَائِلَةً مِن التَّصْرِيحِ فيُعْرِضَ.
وأَمَّا النَّسِيبُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيهِ الحُوشِيَّ والغَرِيبَ, والتَّعْرِيضَ والحَذْفَ, والإِضْمَارَ والأَمْثَالَ؛ والأَفْضَلُ أَنْ يَنْسِبَ مِن جِنْسِ الغَرَضِ، ويَخْتِمَ مِن جِنْسِ النَّسِيبِ، ليَتَعَطَّفَ آخِرُ القَصِيدَةِ عَلَى أَوَّلِهَا، وتَتَآخَى أجْزَاؤُهَا, وتَتَسَمَّطَ أَفْرَادُهَا، وتَصِيرَ لكَثْرَتِهَا وَحْدَةً بِهَا تُسَمَّى كَلِمَةً.
فَابْتَدَأَ كَعْبٌ نَسِيبَ قَصِيدَتِهِ بذِكْرِ البُعَادِ مِن سُعَادَ ووَجْدِه لذَلِكَ،ثُمَّ وصَفَها وَشَبَّبَ بِهَا جُمْلَةً، ووَصَفَ مَبْسَمَهَا, وهو أَشْهَى مَا فِي المَرْأَةِ, وأَحْلَى مَنْظراً وأَلَذُّ مَطْعَماً, ثُمَّ شَبَّهَ رِيقَهَا بِخَمْرٍِ مَمْزُوجَةٍ، وأَخَذَ يَصِفُ المَاءَ، وَعَادَ إِلَيْهَا فوَصَفَها بإِخْلافِ الوَعْدِ، والتَّلَوُّنِ في القَوْلِ والوُدِّ، وضَرَبَ لذَلِكَ مَثَلاً بعُرْقُوبٍ، وجَعَلَ يَزْجُرُ النَّفْسَ عن الرُّكُونِ إِلَى مَوْعِدِهَا، ويَضْرِبُ بإِخْلافِهَا مَثَلاً بالغَرَابِيلِ. وذَكَرَ مَثْوَاهَا، وأَنَّهُ إِنَّمَا يُوصِّلُه إِلَيْهَا نَاقَةٌ شَدِيدَةُ السَّيْرِ، وجَعَلَ يَصِفُ النَّاقَةَ وأَطَالَ أَكْثَرَ مِمَّا أَطَالَ في وَصْفِ سُعَادَ؛ إِجْلالاً لِمَجْلِسِ النُّبُوَّةِ, فَاخْتَصَرَ في وَصْفِ المَرْأَةِ، وأَطَالَ في وَصْفِ النَّاقَةِ؛ لأَنَّ هذا أَشْبَهُ بالجِدِّ، وأَبْعَدُ عَنْ الهَزْلِ، وأَدَلُّ علَى الحِذْقِ، وأَحْوَطُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَزِلَّ بِمَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ السُّنَّةِ، ويَدْخُلُ عَلَيْهِ بسَبَبِهِ اللائِمَةُ.
ثُمَّ أَخَذَ في تَوْطِئَةٍ شَرِيفَةٍ لَطِيفَةٍ, أَوَّلُها قَوْلُه: " تَسْعَى الوُشَاةُ بِجَنْبَيْهَا ". فذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ حُذِّرَ مِن القَتْلِ، وتَبَرَّأَ مِنْهُ كُلُّ صَدِيقٍ، وَلَمْ يَجِدْ مُلْتَجَأً ولا مُؤَازِراً، وأَنَّهُ قَدِ اسْتَسْلَمَ إِيمَاناً بالقَدَرِ، واعْتِرَافاً بأنَّ مَتَاعَ الدُّنْيا قَلِيلٌ، والمَوْتَ مَآلُ كُلِّ حَيٍّ، وإليه يَؤُولُ المَعْفُو عَنْهُ، والمُسْخَطُ عَلَيْهِ، والمُهَرَاقُ دَمُهُ، والمُعْتَبَطُ، والمُنْسَأُ، والمُؤَجَّلُ، والمُعْتَصِمُ بكُلِّ مَدْرَأٍ، والمُتَعَرِّضُ لكُلِّ حَتْفٍ, والنَّاسُ سَواءٌ فِي النَّقْلَةِ عَنِ الدُّنْيَا, ولكُلِّ حَيٍّ مُنْتَهى.
ثُمَّ خَرَجَ عَنِ الغَرَضِ بطَلَبِ العَفْوِ وذَلِكَ في قَوْلِه: والعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَبْذُولُ ثُمَّ اسْتَرْفَقَهُ وسَأَلَهُ الرِّفْقَ بقَوْلِه: "مَهْلاً". وأَلْطَفَ في الخِطَابِ بقَوْلِه: " هَدَاكَ الَّذِي أَعْطَاكَ ". ثُمَّ أَخَذَ يَعْتَذِرُ ليُمَحِّصَ ذُنُوبَه، ويَذْكُرُ شِدَّةَ خَوْفِه، وهَيْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، وأَنَّهُ لا يَحْصُلُ لَهُ أَمْنٌ إِلاَّ مِن جِهَتِه، وأَنَّ هَيْبَتَهُ أَشَدُّ مِن هَيْبَةِ الأَسَدِ، وجَعَلَ يَصِفُ الأَسَدَ, ثُمَّ خَرَجَ إِلَى ذِكْرِ مَحَاسِنِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ إِلَى مَدْحِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قُرَيشٍ، ووَصَفَ بسَالَتَهُم، فَلَمَّا اسْتَعْطَفَ النَّبِيَّ – عَلَيْهِ السَّلامُ – اسْتَعْطَفَ صَحَابَتَهُ، وخَتَمَ عَلَى ذَلِكَ.
وهَذِهِ القَصِيدَةُ مِن البَحْرِ المُلَقَّبِ بالبَسِيطِ، مِن العَرُوضِ الأُولَى مِنْهُ، مِن الضَّرْبِ الثَّانِي منها. فعَرُوضُهُ مَخْبُونَةٌ، وضَرْبُهَا مَقْطُوعٌ، والبَيْتُ الأَوَّلُ مُتَصَرِّعٌ. والتَّصْرِيعُ: تَغْيِيرُ العَرُوضِ للضَّرْبِ إِيذَاناً برَوِيِّ القَصِيدَةِ وضَرْبِهَا.
ورُبَّما صَرَّعَ الشَّاعِرُ في القَصِيدَةِ بَعْدَ البَيْتِ الأَوَّلِ بَيْتاً أو بَيْتَيْنِ، وذَلِكَ مُشْعِرٌ بغَزَارَةِ مَادَّتِه، وسَعَةِ بلاغَتِه.
وقَافِيَتُهَا مِن المُطْلَقِ المُجَرَّدِ المُتَوَاتِرِ, وهَذَا أَخَصُّ مَا يُفَارِقُ فِيهِ النَّظْمُ النَّثْرَ، ويُبَايِنُ بِهِ القُرْآنُ الشِّعْرَ، علَى مَا كَشَفْنَا فِي ذَلِكَ في كِتَابِنَا (تَكْمِلَةُ الصِّنَاعَةِ) مِمَّا لَمْ نَجِدْهُ لأَحَدٍ مِن المُتَقَدِّمِينَ.
وأَمَّا سَبَبُ قَوْلِ هَذِهِ القَصِيدَةِ – وَقَدْ رُوِّيناهُ مَرْفُوعاً عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ كَعْبٌ وبُجَيْرٌ ابْنَا زُهَيْرِ بنِ أَبِـي سـُلْمَى إلى أَبْرَقِ العزَّافِ.
فَقَال بُجَيْرٌ لكَعْبٍ: اثْبُتْ لِي فِي الغَنَمِ، حَتَّى آتِيَ هَذَا الرَّجُلَ – يَعْنِي النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ – فأَسْمَعَ كَلامَهُ، وأَعْرِفَ مَا عِنْدَهُ، فأَقَامَ كَعْبٌ، ومَضَى بُجَيْرٌ. فعَرَضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ – عليهِ السلامُ – الإِسْلامَ فأَسْلَمَ، واتَّصَلَ إِسْلامُهُ بأَخِيهِ كَعْبٍ، فَقَالَ:
أَلاَ بَـلِّغَـا عَنِّــي بُـجَيْـراً رِسَــالَةً = فَـهَلْ لَكَ فِـيمَا قُـلْتُ وَيْــحَكَ هَلْ لَكَا
سَـقَاكَ بِـهَا المَـأْمُـونُ كَأْسـاً رَوِيَّـةً = وأَنْـهَلَكَ المَـأْمُــونُ مِنـْـهَا وعَــلَّكَـا
وفَـارَقْتَ أَسْـبَابَ الهُـدَى واتَّبـَعْتَـهُ = عَـلَى أيِّ شَـيْءٍ وَيْبَ غَيْــرِكَ دَلَّــكَا
عَـلَى مَـذْهَبٍ لَمْ تـُلفِ أُمًّـا وَلا أَباً = عَلَيْـهِ ولَمْ تَـعْرِفْ عَلَــيْهِ أَخــاً لَـكَـا
فَاتَّصَلَ الشِّعْرُ برَسُولِ اللَّهِ عليهِ السلامُ – فأَهْدَرَ دَمَهُ، وقَالَ: ((مَن لَقِيَ مِنْكُمْ كَعْبَ بنَ زُهَيْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ)).

فكَتَبَ بُجَيْرٌ إِلَى كَعْبٍ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ, فَقَدْ أَهْدَرَ رَسُولُ اللَّهِ – عليهِ السَّلامُ – دَمَكَ، ومَا أَحْسَبُكَ نَاجِياً. ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – عليهِ السلامُ – ما جَاءَه أَحَدٌ قَطُّ يَشْهَدُ (أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ) إِلاَّ قَبِلَهُ، ولَمْ يُطَالِبْهُ بِمَا تَقَدَّمَ الإِسْلامَ, فأَسْلِمْ وأَقْبِلْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – عليهِ السلامُ -. فلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابُه تَوَجَّهَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ –عليه السلامُ – قالَ كَعْبٌ: فأَنَخْتُ رَاحِلَتِي عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، ودَخَلْتُ المَسْجِدَ، وعَرَفْتُ رَسُولَ اللَّهِ –عليهِ السلامُ- بالصِّفَةِ التي وُصِفَتْ لِي، وكَانَ مَجْلِسُ رَسُولِ اللَّهِ –عليهِ السلامُ – مِن أَصْحَابِه مِثْلَ المَائِدَةِ مِنَ القَوْمِ، يَتَحَلَّقُونَ حَوْلَهُ حَلْقَةً حَلْقَةً؛ فيُقْبِلُ علَى هَؤُلاءِ فيُحَدِّثُهُم, ثُمَّ عَلَى هَؤُلاءِ فَيُحَدِّثُهُم, فدَنَوْتُ مِن النَّبِيِّ – عَلَيْهِ السلامُ – فقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: ((مَنْ أَنْتَ؟)). قُلْتُ: كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ. قَالَ: ((الَّذِي يَقُولُ مَا يَقُولُ)). ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَنْشَدَهُ الشِّعْرَ، فأَنْشَدَ أَبُو بَكْرٍ: " سَقَاكَ بِهَا المَأْمُونُ كَأْساً رَوِيَّةً ". فَقُلْتُ: لَمْ أَقُلْ هَكَذَا, وإِنَّمَا قُلْـتُ:
سَــقَـاكَ أَبُـو بـَكْرٍ بـكَأسٍ رَوِيـَّةٍ = وأَنْــهَلَكَ المَـأْمُــونُ مِنـْـهَا وعَلَّـكَـا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليهِ السلامُ: ((مَأْمُونٌ واللَّهِ)). فَأَنْشَدْتُهُ: " بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ ".

وفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ قَالَ: قَدِمَ كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ مُتَنَكِّراً، حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَوْعَدَهُ، فأَتَى أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ أَتَاهُ بِهِ، وهو مُلَثَّمٌ بعِمَامَتِه, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, رَجُلٌ يُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلامِ، فبَسَطَ يَدَهُ فحَسَرَ عَنْ وَجْهِهِ، وقَالَ: بأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، هذا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ، أَنَا كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ، فتَجَهَّمَتِ الأَنْصَارُ وأَغْلَظَتْ لَهُ، لِمَا كَانَ مِن ذِكْرِه النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَلانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وأَحَبَّتْ إِسْلامَهُ، فَأَمَّنَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ, فأَنْشَدَهُ مَدْحَتَهُ التي يَقُولُ فِيهَا:
" بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ "
فَلَمَّا وَصَلَ في مَدْحِ قُرَيْشٍ إِلَى قَوْلِه:
لا يَـقَـعُ الطَّـعْنُ إِلاَّ فِـي نـُـحُورِهِـمُ = وَمَا لَـهُمْ عَـنْ حِيـَاضِ المَـوْتِ تَـهْـلِـيلُ
نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى مَن عِنْدَهُ مِن قُرَيْشٍ، كأَنَّهُ يُومِئُ إليهم أَنِ اسْمَعُوا، حَتَّى قَالَ:

يَـمْشُـونَ مَشْـيَ الجِـمَـالِ الـزُّهْـرِ = يَعْصِمُهُمْ ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التـَّنَـابِيــلُ
يُعَرِّضُ بالأَنْصَارِ لغِلْظَتِهِمُ التي كَانَتْ عليهِ، فأَنْكَرَتْ قريشٌ مَا قَالَ، وقَالُوا: لَمْ تَمْدَحْنَا إِذْ هَجَوْتَهُم، وَلَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ حَتَّى قَالَ:

مَنْ سَـرَّهَ كَـرَمُ الحَيـاةِ فَلا يـَـزَلْ = في مِقْــنَـبٍ مِن صَــالِـحِ الأَنْــصَارِ
البـَاذِلِـينَ نُفُـوسَهُمْ ودِمَــاءَهُـمْ = يـَـوْمَ الفِيـــاحِ وسَــطْـوَةِ الجَبـَّـارِ
يَـتَطَـهَّـرُونَ كأَنَّـهُ نُسُكٌ لـَـهُمْ = بـدِمَـاءِ مَن عَلِـقُوا مِن الكُفَّــــارِ
فَكَسَاهُ النَّبِيُّ – عَلَيْهِ السَّلامُ – بُرْدَةً، اشْتَرَاهَا مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيانَ مِن آلِ كَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ –بَعْدَهُ- بمَالٍ كَثِيرٍ، وهي البُرْدَةُ التي يَلْبَسُها الخُلَفاءُ فِي العِيدَيْنِ، زَعَمَ ذَلِكَ أَبَانٌ.

  #5  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 01:35 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
وبه ثِقَتِي.. أَمَّا بعدَ حَمْدِ اللهِ الْمُنْعِمِ بإلهامِ الْحَمْدِ لعَبيدِه، حَمْدًا مُوافِيًا لِنِعَمِه، ومُكَافِئًا لِمَزِيدِه، والصلاةُ والسلامُ على الْمَبعوثِ رَحمةً للعالمينَ، وقُدوةً للعَامِلِينَ، مُحَمَّدٍ النبيِّ الأُمِّيِّ، والرسولِ العربيِّ، حَبيبِ الرحمنِ وخَليلِه، ورسولِه الْمُؤْتَمَنِ على تَبليغِ رِسالاتِه وأَداءِ تَنزيلِه، الداعي بالْحِكمةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ إلى سَبيلِه، وعلى آلِه وأَصحابِه مَصابِيحِ الظُّلَمِ، ويَنابِيعِ الْحِكَمِ، وشَآبِيبِ الكَرَمِ، فإني مُورِدٌ في هذا الكتابِ قَصيدةَ كَعبِ بنِ زُهَيْرٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه التي مَدَحَ بها سَيِّدَنَا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، وأَنْشَدَها بِحَضْرَتِه الشريفةِ، وبِحَضْرَةِ أصحابِه الْمُهاجِرِينَ والأنصارِ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهم أَجْمَعِينَ ومُرْدِفٌ كلَّ بيتٍ منها بشَرْحِ ما يُشْكِلُ مِن لُغتِه وإعرابِه ومَعناه، ومُعْطٍ للقولِ في ذلك كُلِّه حَقَّه إن شاءَ اللهُ تعالى.
والذي دَعانِي إلى هذا التأليفِ غَرضانِ سَنِيَّانِ:
أحدُهما: التَّعَرُّضُ لبَرَكاتِ مَن قِيلَتْ فيه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ.
والثاني: إسعافُ طالِبِي عِلْمِ العربيَّةِ بفَوائدَ جَليلةٍ أُورِدُها، وقواعدَ عَديدةٍ أَسْرُدُها، وباللهِ تعالى الْمُستعانُ، وعليه التُّكْلَانُ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العليِّ العظيمِ.
ولْنُقَدِّمْ بينَ يَدَيْ ذلك الكلامَ في فَصْلَيْنِ:
أحدُهما : ذِكْرُ شيءٍ مِن أخبارِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه، وسَببِ قولِه هذه القصيدةَ، فنقولُ:
هو كَعبُ بنُ زُهيرِ بنِ أبي سُلْمَى -بضَمِّ السينِ- واسمُ أبي سُلْمَى: ربيعةُ بنُ رِياحٍ- بكَسْرِ الراءِ- بعدَها ياءٌ آخِرَ الحروفِ، أَحَدُ بَنِي مُزَيْنَةَ، كان مِن فُحولِ الشُّعراءِ هو وأبوه، وكان عمرُ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه لا يُقَدِّمُ على أبيه أَحَدًا، ويقولُ: أشعَرُ الناسِ الذي يَقولُ: ومَن ومَن ومَن ، يُشيرُ في مُعَلَّقَتِه الْمَشهورةِ: ( البحْر الطويل )
ومَن هابَ أسبابَ الْمَنايا يَنَلْنَهُ = ولو رامَ أسبابَ السماءِ بسُلَّمِ
ومَن يَكُ ذا مالٍ فيَبْخَلْ بِمَالِهِ = على قومِه يُسْتَغْنَ عنه ويُذْمَمِ
ومَن لا يَزَلْ يَسْتَحْمِلُ الناسَ نَفْسَه = ولا يُغْنِها يومًا مِن الدهْرِ يَنْدَمِ
ومَن يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُوًّا صَدِيقَهُ = ومَن لا يُكْرِمْ نفسَه لا يُكْرَمِ
ومَن لا يَذُدْ عن حَوْضِه بسِلاحِهِ = يُهَدَّمْ ومَن لا يَظْلِمِ الناسَ يُظْلَمِ

ومَن لا يُصَانِعْ في أُمورٍ كَثيرةٍ = يُضَرَّسْ بأنيابٍ ويُوْطَأْ بِمَنْسِمِ


الْمَنْسِمُ: بفَتْحِ الميمِ وكسْرِ السينِ: طَرَفُ خُفِّ البَعيرِ.
ومِمَّا يُسْتَحْسَنُ مِن شِعْرِ كعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قولُه.
( البحْر البسيط ) :
لو كنتُ أَعْجَبُ من شيءٍ لأَعْجَبُ مِن = سَعْيِ الْفَتَى وهو مَخبوءٌ له الْقَدَرُ
يَسْعَى الْفَتَى لأمورٍ ليس يُدْرِكُها = والنفسُ واحدةٌ والْهَمُّ مُنْتَشِرُ
والمرءُ ما عاشَ مَمْدُودٌ له أَمَلٌ = لا تَنتَهِي العينُ حتى يَنْتَهِي الأَثَرُ

وقولُه: ( البحر السريع )
إن كنتَ لا تَرْهَبُ ذَمِّي لِمَا = تَعْرِفُ مِن صَفْحِي عن الْجَاهِلِ
فاخْشَ سُكُوتِي إذ أنا مُنْصِتُ = فيك لَمَسموعٌ خَنَا القائلِ
فالسامِعُ الذمَّ شَريكٌ لهُ = ومُطْعِمُ المأكولِ كالآكِلِ
مَقَالَةُ السَّوءِ إلى أَهْلِها = أَسْرَعُ مِن مُنْحَدَرٍ سائلِ
ومَن دعا الناسَ إلى ذَمِّهِ = ذَمُّوهُ بالْحَقِّ وبالباطِلِ

ووَلَدَ كعبٌ عُقبةَ بنَ كَعْبٍ، وكان أيضًا شاعرًا مُجِيدًا، ووَلَدَ عُقبةُ بنُ كَعْبٍ العَوَّامَ بنَ عُقبةَ بنِ كَعبٍ، وكان أيضًا شاعرًا مُجِيدًا، وهو الذي يقولُ: ( البحر الطويل )
ألا ليتَ شِعْرِي هل تَغَيَّرَ بَعْدَنا = مَلاحَةُ يُمْنَى أمِّ عَمْرٍو وجِيدُها
وهل بَلِيَتْ أَخْلَاقُها بعدَ جِدَّةٍ = ألا حَبَّذَا أخلاقُها وجَدِيدُهَا

وكان مِن خَبَرِ قولِ كَعْبٍ هذه القَصيدةَ فيما روى مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ، وعبدُ الْمَلِكِ بنُ هِشامٍ وأبو بكرٍ مُحَمَّدُ بنُ القاسِمِ بنِ بَشَّارٍ الأنباريُّ، وأبو الْبَرَكَاتِ عبدُ الرحمنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبي سعيدٍ الأنباريُّ، دَخَلَ حَديثُ بعضِهم في حَديثِ بعضٍ أنَّ كَعْبًا وبُجَيْرًا ابْنَيْ زُهَيْرٍ خَرَجَا إلى أَبْرَقِ العَزَّافِ، فقالَ بُجَيْرٌ لكَعْبٍ: اثْبُتْ في الغَنَمِ حَتَّى آتِيَ هذا الرَّجُلَ ـ يعني النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ـ فأَسْمَعَ كَلامَه، وأَعْرِفَ ما عِنْدَه، فأقامَ كَعْبٌ، ومَضَى بُجَيْرٌ، فأتى رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسَمِعَ كَلامَه، فآمَنَ به، وذلك أنَّ زُهَيْرًا فيما زَعَمُوا كان يُجالِسُ أهلَ الكتابِ، فيَسمَعُ منهم أنه قد آنَ مَبْعَثُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأى زُهَيْرٌ في مَنامِه أنه مُدَّ سببٌ مِن السماءِ، وأنه مَدَّ يَدَهُ ليَتَنَاوَلَه، ففَاتَه، فأَوَّلَه بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يُبْعَثُ في آخِرِ الزمانِ، وأنه لا يُدْرِكُه، وأَخْبَرَ بَنِيهِ بذلك، وأَوْصَاهُمْ إنْ أَدْرَكُوا النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُسْلِموا، ولَمَّا اتَّصَلَ خبرُ إسلامِ بُجَيْرٍ بأخيه كَعْبٍ، أَغْضَبَه ذلك، فقالَ: ( البحر الطويل ).
ألا أَبْلِغَا عني بُجَيْرًا رَسَالَةً = فهل لك فيما قُلتَ وَيْحَكَ هل لَكَا
سَقاكَ بها المأمونُ كأسًا رَوِيَّةً = فأَنْهَلَكَ المأمونُ منها وَعَلَّكَا
ففارَقْتَ أسبابَ الْهُدَى واتَّبَعْتَهُ = على أيِّ شيءٍ وَيْبَ غيرِك دَلَّكَا
على خُلُقٍ لم تُلْفِ أُمًّا ولا أَبًا = عليه ولم تَعْرِفْ عليه أَخًا لَكَا
فإنْ أَنْتَ لم تَفْعَلْ فلَسْتُ بآسِفٍ = ولا قائلٍ إمَّا عَثَرْتَ لَعًا لَكَا

وأَرْسَلَ بها إلى بُجَيْرٍ، فلَمَّا وَقَفَ عليها، أَخْبَرَ بها النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلَمَّا سَمِعَ عليه الصلاةُ والسلامُ قولَه: " سَقاكَ بها المأمونُ "، قالَ: " مأمونٌ واللهِ " وذلك أنهم كانوا يُسَمُّونَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المأمونَ، ولَمَّا سَمِعَ قولَه: " عَلَى خُلُقٍ ـ ويُرْوَى: على مَذْهَبٍ ـ لم تُلْفِ أُمًّا ولا أَبًا البيتَ، قال : " أَجَلْ لم يُلْفِ عليه أَباهُ ولا أُمَّهُ ".
ثم إنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : " مَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ " وذلك عندَ انصرافِه عليه الصلاةُ والسلامُ عن الطائفِ، فكَتَبَ إليه أَخُوهُ بُجَيْرٌ هذه الأبياتَ: ( البحر الطويل ).

مَن مُبْلِغٌ كَعْبًا فهل لك في التي = تَلومُ عليها باطلًا وهي أَحْزَمُ
إلى اللهِ لا الْعُزَّى ولا اللاتِ وَحْدَهُ = فتَنْجُو إذا كان النَّجَاءُ وتَسْلَمُ
لَدَى يومِ لا يَنْجُو وليس بِمُفْلِتٍ = من الناسِ إلا طاهرُ القلبِ مُسْلِمُ
فدِينُ زُهَيْرٍ وهو لا شيءَ دِينُهُ = ودِينُ أبي سُلْمَى علَيَّ مُحَرَّمُ

وكَتَبَ بعدَ هذه الأبياتِ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أَهْدَرَ دَمَك، وأنه قَتَلَ رجالًا بِمَكَّةَ مِمَّنْ كان يَهْجُوهُ، ويُؤْذِيهِ، وأنَّ مَن بَقِيَ مِن شُعراءَ كابنِ الزَّبَعْرَى، وهُبَيْرَةَ بنِ أبي وَهْبٍ قد هَرَبُوا في كلِّ وَجْهٍ، وما أَحْسَبُك ناجيًا، فإنْ كان لك في نفسِك حاجةٌ، فَطِرْ إليه، فإنه يَقْبَلُ مَن أَتاهُ تَائبًا، ولا يُطَالِبُه بما تَقَدَّمَ الإسلامَ.
فلَمَّا بَلَغَ كَعْبًا الكتابُ، ضاقَتْ عليه الأرضُ، وأَتَى إلى مُزَيْنَةَ لتُجِيرَهُ من النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَتْ ذلك عليه، فحينئذٍ ضَاقَتْ عليه الأرضُ، وأَشْفَقَ على نفسِه، وأَرْجَفَ به مَن كان مِن عَدُوِّه، فقالَ: هو مقتولٌ، فقالَ هذه القَصيدةَ يَمْدَحُ بها النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويَذْكُرُ خَوْفَه، وإرجافَ الوُشاةِ به مِن عَدُوُّهِ.
ثم خَرَجَ حتى قَدِمَ المدينةَ، فنَزَلَ على رَجُلٍ مِن جُهَيْنَةَ كانت بينَه وبينَه مَعْرِفَةٌ، فأتى به إلى الْمَسْجِدِ، ثم أشارَ إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قالَ: هذا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْ إليه، فاسْتَأْمِنْهُ، وعَرَفَ كعبٌ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصفَةِ التي وَصَفَهُ له الناسُ، وكان مَجْلِسُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن أصحابِه مِثلَ مَوْضِعِ الْمَائدةِ مِن القومِ، يَتَحَلَّقُون حولَه حَلْقَةً ثم حَلْقَةً، فيُقْبِلُ على هؤلاءِ فيُحَدِّثُهم، ثم يُقْبِلُ على هؤلاءِ فيُحَدِّثُهُم، فقامَ إليه حتى جَلَسَ بينَ يَدَيْهِ، فوَضَعَ يَدَهُ في يَدِه، ثم قالَ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ كَعْبَ بنَ زُهيرٍ قد جَاءَكَ لِيَسْتَأْمِنَ مِنْكَ تائبًا مُسْلِمًا، فهل أنتَ قابِلٌ منه إن أنا جِئْتُكَ به؟ قالَ: نعمْ. قالَ: أنا يا رسولَ اللهِ كعبُ بنُ زُهَيْرٍ. فقالَ: الذي يقولُ ما يَقولُ، ثم أَقْبَلَ على أبي بَكْرٍ، فاسْتَنْشَدَه الشعرَ، فأَنْشَدَه أبو بكرٍ: سَقاكَ بها الْمَأمونُ كأسًا رَوِيَّةً فقالَ كَعْبٌ: لم أَقُلْ هكذا، وإنما قُلْتُ:
سقاكَ أبو بكرٍ بكَأْسٍ رَوِيَّةٍ
وأَنْهَلَكَ المأمونُ ....................
فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَأْمُونٌ وَاللهِ ".
ووَثَبَ عليه رَجُلٌ مِن الأنصارِ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، دَعْنِي وعَدُوَّ اللهِ أَضْرِبْ عُنَقَهُ، فقالَ: " دَعْهُ عَنْكَ؛ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ تَائِبًا نَازِعًا " فغَضِبَ كَعْبٌ على هذا الحيِّ من الأنصارِ لِمَا صَنَعَ به صاحبُهم، قالَ ابنُ إسحاقَ: فلذلك يقولُ: " إِذَا غَرَّدُ السُّودُ التَّنَابِيلُ " يُعَرِّضُ بِهِمْ.
وفي روايةِ أبي بكرِ بنِ الأنباريِّ: أنه لَمَّا وَصَلَ إلى قولِه:
إنَّ الرسولَ لسَيْفٌ يُستضاءُ بهِ = مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللهِ مَسلولُ

رَمَى عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَةً كانت عليه، وأنَّ مُعاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه بَذَلَ له فيها عَشرةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فقالَ: ما كنتُ لِأُوثِرَ بثَوْبِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدًا، فلَمَّا ماتَ كَعْبٌ، بَعَثَ مُعاوِيَةُ إلى وَرَثَتِه بعشرينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فأَخَذَها منهم. قالَ: وهي الْبُردَةُ التي عندَ السلاطينِ إلى اليومِ.
قالَ عبدُ الْمَلِكِ بنُ هِشامٍ: ويُقالُ: إنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ له بعدَ ذلك: " أَوَلَا ذَكَرْتَ الْأَنْصَارَ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ أهلٌ لذلك " فقالَ: ( البحر الكامل )
مَن سَرَّهُ شَرَفُ الحياةِ فلا يَزَلْ = في مِقْنَبٍ مِن صالِحِي الأنصارِ
وَرِثُوا الْمَكارِمَ كابرًا عن كَابِرٍ = إنَّ الْخِيارَ هُمُو بنو الأخيارِ
الْمُكْرِمِينَ السَّمْهَرِيَّ بأَدْرُعٍ = كسوالِفِ الْهِنْدِيِّ غيرِ قِصَارِ
والناظِرِينَ بأَعْيُنٍ مُحْمَرَّةٍ = كالجَمْرِ غيرِ كَليلةِ الإبصارِ
والبائعينَ نفوسَهم لنَبِيِّهِمْ = للموتِ يومَ تَعَانُقٍ وكِرارِ
يَتَطَهَّرُونَ يَرَوْنَه نُسُكًا لَهُمْ = بدِماءِ مَن عَلِقُوا مِن الْكُفَّارِ
وإذا حَلَلْتَ لِيَمْنَعُوكَ إليهمُ = أصْبَحْتَ عندَ مَعاقِلِ الأَعْفَارِ
لو تَعْلَمُ الأقوامُ عِلْمِي كُلَّهُ = فيهم لصَدَّقَنِي الذين أُمَارِي

في أبياتٍ أُخْرَى اخْتَصَرْتُها.
شرْحُ الشعْرِ الواقعِ في هذا الْخَبَرِ:
قولُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه: " أَلَا أَبْلِغَا ": يَحْتَمِلُ أن يكونَ بالنونِ لَفْظًا على أنها نونُ التوكيدِ الخفيفةُ، وبالألِفِ خَطًّا لأَجْلِ الوَقْفِ، ويَحْتَمِلُ أنه بالألِفِ لَفْظًا وخَطًّا، إمَّا على أنه خِطابٌ للاثنينِ، أو للواحدِ، وكثيرًا ما يُخاطَبُ الواحدُ بما يُخاطَبُ به الاثنانِ.
وقولُه: " فهلْ لكَ " يَحْتَمِلُ كونَ الفاءِ زائدةً عندَ مَن جَوَّزَ زِيادتَها، فتَكونُ الْجُملةُ بعدَها مُفَسِّرَةً للرسالةِ، فلا مَوْضِعَ لها على قولِ الجمهورِ: إنَّ الْمُفَسِّرَةَ لا مَوْضِعَ لها، أو مَوْضِعُها نَصْبٌ على قولِ الشَّلَوْبِينِ: إنَّ الجملةَ الْمُفَسِّرَةَ بِحَسْبِ الْمُفَسَّرِ، ويَحْتَمِلُ كونُها عاطِفةً " أَبْلِغَا " والمعطوفُ مَحذوفٌ، أي: فقُولاَ له: هل لك، وكثيرًا ما يُحْذَفُ القولُ، ويَبْقَى الْمَقولُ، حتى قالَ الفارسيُّ: حَذْفُ القولِ من حديثِ البحرِ قُلْ ولا حَرَجَ والأصلُ: هل لك رأيٌ أو إرادةٌ، أي: هل قُلْتَ ذلك عن قَصْدٍ واعتقادٍ، أو قُلتَه لأَمْرٍ ما؟ والمرفوعُ المحذوفُ خَبَرُه في الظرْفِ، لا فاعلٌ بالظرْفِ لاعتمادِه كما في نحوِ: { أَفِي اللهِ شَكٌّ }؛ لأنَّ الفاعلَ لا يُحْذَفُ، ويأتي هذا البَحْثُ في قولِه تعالى: { هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى } أي: هل لك مَيْلٌ أو انقيادٌ، وتَعَلُّقُ الجارِّ وهو " في "، " وإلى " في البيتِ والآيةِ بذلك المحذوفِ.
وقولُه: " وَيْحَكَ " وَيْحَ: كلمةٌ تُقالُ لِمَن وَقَعَ في هَلَكَةٍ لا يَسْتَحِقُّها، فيُتَرَحَّمُ عليه، ويُرْثَى له لقولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: " وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ" وويلٌ: كلمةٌ تُقالُ لِمَن يَستَحِقُّ الْهَلَكَةَ كقولِه تعالى: { وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ } وعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه: " الْوَيْحُ بابُ رحمةٍ والويلُ بابُ عذابٍ" وهل لك الثانيةُ تَوكيدٌ وتَكميلٌ وتَحصيلٌ للقافِيَةِ.
وقولُه: " سَقَاكَ بها " يَحْتَمِلُ ضَميرُه المجرورُ خَمسةَ أَوجُهٍ:
أَحَدُها: أن يَعودَ إلى الْمَقالَةِ المفهومةِ مِن " قلتُ " كما عادَ الضميرُ من " قد سَأَلَها " المؤنَّثُ إلى المسألةِ المفهومةِ من قولِه تعالى : { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ } ومِن " سئلت " في قولِ الشاعرِ: ( البحر الكامل ).
وإذا سُئِلْتَ الخيرَ فاعْلَمْ أنها = حُسْنَى تُخَصُّ بها مِن الرحمنِ
ولو كان الضميرُ في الآيةِ عائدًا على " أشياءَ " لعُدِّيَ إليه بـ" عن " لا بنَفْسِه، ولكنه مفعولٌ مُطْلَقٌ لا مفعولٌ به.
الثاني: أن يعودَ على الْمَقالَةِ الْمَفهومةِ مِن " قلتُ " على أنْ تُقَدَّرَ ما مَصدرِيَّةً. الثالثُ: أن يعودَ على نفسِ " ما" على أن يكونَ مَوصولًا اسْمِيًّا حُذِفَ عائدُه، أي: في التي قُلْتُها.
والرابعُ: أن يعودَ على الكلمةِ التي قالَها التي دَلَّ عليها قَرينةُ الحالِ، أَعْنِي: كَلمةَ الشَّهادةِ.
وعلى هذه الأَوْجُهِ فتَحْتَمِلُ الباءُ وَجهينِ:
أحدُهما: الزيادةُ، أي: سَقَاكَهَا، فيكونُ قولُه: " كأسًا" إمَّا حالًا مُوَطِّئَةً، كما تقولُ: لَقِيتُ زيدًا رَجُلًا صالِحًا، وإمَّا بَدَلًا من الضميرِ على الْمَوْضِعِ، كما تقولُ: ما رأيتُ من أَحَدٍ مُنْصِفًا.
الثاني: أن يكونَ بمعنى " مِن " التبعيضيَّةِ، وهو قولُ الكُوفِيِّينَ والأَصْمَعِيِّ والفارسيِّ، وبه قالَ الشافعيُّ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه في قولِه تعالى: { فَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } ويُرَجِّحُه قولُه: " فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا"، وعلى هذا فكأسًا مفعولٌ به.
والوجهُ الخامسُ: أن يعودَ إلى الكأسِ، فيَحْتَمِلُ إعرابُه وَجهينِ:
أحدُهما: أن يكونَ بَدَلًا من الضميرِ على الْمَوْضِعِ، كما تقولُ: مَرَرْتُ به زيدًا، وعودُ الضميرِ على الظاهِرِ الْمُبْدَلِ منه جائزٌ بإجماعٍ، هكذا نَقَلَ ابنُ مالِكٍ عن ابنِ كَيْسَانَ، ومِن شَواهدِه قولُه: اللهمَّ صَلِّ عليه الرؤوفِ الرحيمِ.
والثاني: أن يكونَ تَمييزًا، وعَوْدُ الضميرِ على تَمييزِه مُتَّفَقٌ عليه في بابَيْ " رُبَّ " و " نِعْمَ " كقولِه تعالى: " { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } وقولِ الشاعرِ:

" وَرُبَّه عَطَبًا أَنْقَذَتْ مَن عَطَبَهْ"

ولم يَخُصَّهُ الزمخشريُّ بذلك، بل قالَ به في قولِه تعالى: { فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }.
وقولُه: " المأمونُ " المرادُ به النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت قريشٌ تُسَمِّيهِ المأمونَ والأمينَ فهو كما قيلَ: ( البحر الكامل ).
ومَلِيحَةٍ شَهِدَتْ لها ضَرَّاتُها = والفضلُ ما شَهِدَتْ به الأَعداءُ
والكأسُ: القَدَحُ إذا كان فيه شرابٌ، وهي مُؤَنَّثَةٌ، ولهذا أَنَّثَ صِفتَه، ومِثلُهُ قولُه تعالى: { بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ }.
وقولُه: " رَوِيَّةٍ " وهي فَعيلةٌ بمعنى مَفعولةٍ, أي: مَرْوِيَّةٍ، والنَّهَلُ، بالتحريكِ: الشُّرْبُ الأَوَّلُ، والْعَلَلُ: الشُّرْبُ الثاني.
ووَيْبٌ مثلُ وَيْلٍ في المعنى ـ وقد مَضَى ـ وفي الْحُكْمِ، وهي إن أُضِيفَتْ نُصِبَتْ، وقد تُرْفَعُ، وإن نُوِّنَتْ رُفِعَتْ وقد تُنْصَبُ.
وقولُه: " على خُلُقٍ " مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ دَلَّ عليه مُتَعَلِّقُ قولِه: " على أيِّ شيءٍ " وهو قولُه : " دلك ".
وقولُه: " لم تُلْفِ أُمًّا " أُمُّهما: كَبشةُ بنتُ عَمَّارٍ مِن بني سُحَيْمٍ.
وقولُه: " لَعًا " كلمةٌ تُقالُ للعَاثِرِ دُعاءً له بالإقالةِ مِن عَثْرَتِه، فإذا دُعِيَ عليه، قيلَ: لا لعًا، قالَ الشاعِرُ:
فلا لَعًا لبَنِي ذُبيانَ إذ عَثَرُوا
وقولُ بُجَيْرٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه: " مَن مُبْلِغٌ " فيه خَرْمٌ بالراءِ الْمُهْمَلَةِ ـ وأَصْلُه: فمَن مُبْلِغٌ.
وقولُه: " النَّجَاءُ " يقالُ: نَجَوْتُ مِن كذا نَجاةً، بالقَصْرِ والتأنيثِ، ونَجاءً بالْمَدِّ والتذكيرِ.
وفي البيتِ الثاني تقديمٌ وتأخيرٌ، وتقديرُه: إلى اللهِ لا إلى الْعُزَّى ولا اللاتِ.
وقولُه في البيتِ الثالثِ: " طاهِرُ القلبِ " صفةٌ مُشَبَّهَةٌ مُجارِيَةٌ للمُضارِعِ وهي مَطلوبةٌ في الْمَعْنَى لـ يَنْجُو فاعلًا ولـ ليس اسْمًا، ولم يَتنازَعَاهَا، بل المسألةُ مِن الْحَذْفِ ومِثلِه: " ما قامَ وقَعَدَ إلا زيدٌ " لأنه لو كان مِن التنازُعِ لأُضْمِرَ في أحدِهما ضميرُ الْمُتنازَعِ فيه، فيَفْسُدُ المعنى لاقتضائِه حينئذٍ نفيَ الفعلِ عنه، وإنما هو مَنْفِيٌّ عن غيرِه، مُثْبَتٌ له.
وقولُه في البيتِ الأخيرِ: " فَدِينُ زُهَيْرٍ " مُبتدأٌ مُضافٌ إليه، وقولُه: " ودِينُ أبي سُلْمَى " معطوفٌ عليه وقولُه: عَلَيَّ مُحَرَّمٌ " خَبَرٌ، وما بينَهما اعتراضٌ، وهو اعتراضٌ حَسَنٌ بَديعٌ، ويَحْتَمِلُ إفرادُه الخبرَ مع تَعَدُّدِ الْمُخْبَرِ عنه وَجهينِ:
أحدُهما: أن يكونَ الأصلُ: فاتِّباعُ دِينِ زُهيرٍ ودِينِ أبي سُلْمَى، ثم حَذَفَ الْمُضافَ، ونظيرُه الحديثُ: " إنَّ هذينِ حَرَامٌ على ذُكورِ أُمَّتِي " أي: أنَّ استعمالَ هذين، أي: الذهَبِ والحريرِ.
والثاني: أنَّ دِينَ زهيرٍ ، ودِينَ أبي سُلْمَى واحدٌ، وإنما أُعيدَ الْمُضافُ تَوكيدًا كقولِ الشاعِرِ وهو قيسُ بنُ عاصمٍ: ( البحر الطويل)
أَيَا ابنةَ عبدِ اللهِ وابنةَ مالِكٍ = ويا ابنةَ ذي الْبُرْدَيْنِ والفَرَسِ الوِرْدِ
إذا ما وَضَعْتِ الزادَ فالْتَمِسِي له = أَكيلًا فإني لستُ آكِلَه وَحْدِي
قَصِيًّا كريمًا أو قَريبًا فإنني = أَخافُ مَذَمَّاتِ الأحاديثِ مِن بَعْدِي
وكيف يُسِيغُ المرءُ زادًا وجَارُهُ = خفيفُ الْمِعَا بادِيَ الْخَصَاصَةِ والْجَهْدِ
ولَلموتُ خَيرٌ مِن زِيارةِ باخِلٍ = يُلاحِظُ أطرافَ الْأَكيلِ على عَمْدِ
وإني لعَبدُ الضيفِ ما دامَ نَازِلًا = ومالِي خِلالٌ غيرُها شِيمةُ الْعَبْدِ

الشاهِدُ في البيتِ الأَوَّلِ، وأشارَ باشتراطِ الكَرَمِ في البعيدِ دونَ القريبِ إلى أنَّ ذوي القَرابةِ كُلَّهم كِرامٌ وفي قولِه: " مالي خِلالٌ ... البيتَ احتراسٌ " كقولِه تعالى: { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ }.
ويُرْوَى: فدِينُ زُهيرٍ وهو لا شيءَ غيرُه.
قالَ أبو بكرِ بنُ الأنباريِّ: قالَ عِكرمةُ: معناه: فدِينُ زُهيرٍ غيرُه، أي غيرُ الحقِّ، وهو لا شيءَ انتهى، وعلى هذا قولُه: " مُحَرَّمٌ " خَبَرٌ عن شيءٍ واحدٍ في اللفظِ والتقديرِ وهو دِينُ أبي سُلْمَى فلا إشكالَ.
الفصلُ الثاني

في بيانِ بَحْرِ هذه القصيدةِ وعَرُوضِها وضَرْبِها وقافِيَتِها وما اشْتَمَلَتْ عليه مِن المعاني إجمالًا.
فنقولُ: هي مِن بحرِ البسيطِ، وهو ثمانيةُ أَجزاءٍ كالطويلِ، إلا أنَّ سُبَاعِيَّه مُقَدَّمٌ على خُمَاسِيَّه فإنه مُسْتَفْعِلُنْ فاعِلُنْ أربعَ مَرَّاتٍ، والطويلُ: فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ أربعَ مَرَّاتٍ، وعَروضُها مَخْبُونَةٌ، أي: مَحذوفةُ الأَلِفِ، فتَصيرُ: فَعِلُنْ بتحريكِ العينِ كما كانت قبلَ حَذْفِ الألِفِ وهي العَروضُ الأُولَى مِن أَعارِيضِ البسيطِ الثلاثةِ وبَيْتُها مِن ( البحر البسيط )
يا حَارُ لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بدَاهيةٍ = لم يَلْقَها سُوقةٌ قَبْلِي ولا مَلَكُ
وضَرْبُها مَقطوعٌ، أي: محذوفٌ مِن وَتَدِه المجموعِ حرْفٌ متَحَرِّكٌ أو زِنَةُ حَرْفٍ مُتَحَرِّكٍ، فيَبْقَى على فالِنْ فيُنْقَلُ إلى فَعْلِنْ بسكونِ العينِ، وهذا الضَّرْبُ الثاني مِن أَضْرُبِ البسيطِ الستَّةِ ومِن ضَرْبِ العَروضِ الْمَخبونةِ والرِّدْفُ لازمٌ لهذا الضَّرْبِ، وبيتُه: والقائلُ أبو دُؤَادٍ الإياديُّ والبحر البسيط:
قد أَشْهَدُ الغَارةَ الشعواءَ تَحْمِلُنِي = جَرْدَاءُ مَعروفةُ اللَّحْيَيْنِ سُرْحُوبُ

ولْنُقَطِّعِ البيتَ الأوَّلَ ليُقاسَ عليه نَظائِرُهُ:
بانَتْ سُعَا: مُسْتَفْعِلُنْ، دُ فَقَلْ: فَعِلُنْ، دَخَلَه الْخَبْنُ بحَذْفِ ألِفِ فَاعِلُنْ، وهو زِحافٌ جائزٌ في حَشْوِ هذا البحرِ، بِلْيَوْمَ مَتْ: مُسْتَفْعِلُنْ، بُولُو: فَعْلُنْ محذوفٌ، مُتَيَّمُنْ: مُتَفْعِلُنْ، إِثْرَهَا: فاعِلُنْ، لم يَفْدِ مَكْ: مُسْتَفْعِلُنْ: بُولُو: فَعْلُنْ، محذوفٌ مَقطوعٌ مُرْدَفٌ فإن قلتَ: الحذْفُ في الضَّرْبِ واقعٌ على ما ذَكَرْتَ، فما بالُ العَروضِ جاءتْ مَحذوفةً أيضًا، وإنما ذَكَرْتَ أنها مَخبونةً؟ قلتُ: تَصريعُ البيتِ أَوْجَبَ ذلك، ومعنى التصريعِ: أن تَجْعَلَ العَروضَ الْمُخالِفَةَ للضَّرْبِ كالضَّرْبِ في الوَزْنِ والإعلالِ، مع تَحْلِيَتِها بحَرْفِ الرَّوِي.
وقافيةُ هذه القَصيدةِ مِن الْمُتَوَاتِرِ، وهو الذي يَقعُ بينَ ساكِنَيْهِ حَرْفٌ واحدٌ مُتَحَرِّكٌ، شاهِدُه ـ قالَ ابنُ الدُّمَيْنَةِ: ( البحر الطويل )
ألا يا صَبَا نَجْدٍ متى هِجْتَ مِن نَجْدِ = لقد زَادَنِي ذِكراكَ وَجْدًا على وَجْدِ
وأَوَّلُ شيءٍ اشْتَمَلَتْ عليه هذه القَصيدةُ التشبيبُ، وهو عندَ الْمُحَقِّقِينَ مِن أَهلِ الأَدَبِ جِنْسٌ يَجْمَعُ أربعةَ أنواعٍ:
(أحدُها) : ذِكْرُ ما في المحبوبِ مِن الصفاتِ الْحِسِّيَّةِ والْمَعنوِيَّةِ كحُمرةِ الْخَدِّ، ورَشاقةِ الْقَدِّ، وكالجلالَةِ والْخَفَرِ.
والثاني: ذِكْرُ ما في الْمُحِبِّ مِن الصفاتِ أيضًا، كالنُّحولِ والذُّبولِ، والْحُزْنِ والشَّغَفِ.
والثالثُ: ذِكْرُ ما يَتَعَلَّقُ بهما مِن هَجْرٍ ووَصْلٍ، وشَكْوَى واعتذارٍ، ووَفاءٍ وإخلافٍ.
والرابعُ: ذِكْرُ ما يَتَعَلَّقُ بغيرِهما بسبَبِهما، كالوُشاةِ والرُّقباءِ.
ويُسَمَّى النوعُ الأَوَّلُ تَشبيبًا أيضًا، وبيانُ التشبيبِ فيها أنه ذَكَرَ مَحبوبتَه، وما أصابَ قَلبَه عندَ ظَعْنِها، ثم وَصَفَ مَحاسِنَها، وشَبَّهَهَا بالظَّبْيِ، ثم ذَكَرَ ثَغْرَها ورِيقَها، وشَبَّهَها بخَمْرٍ مَمزُوجَةٍ بالماءِ، ثم إنه اسْتَطْرَدَ مِن هذا إلى وَصْفِ ذلك الماءِ، ثم مِن هذا إلى وَصْفِ الأَبْطَحِ الذي أُخِذَ منه ذلك الماءُ، ثم رَجَعَ إلى ذِكْرِ صِفاتِها، فوَصَفَها بالصَّدِّ، وإخلافِ الوَعْدِ، والتلَوُّنِ في الوُدِّ، وضَرَبَ لها عُرقُوبًا مثلًا، ثم لامَ نفسَه على التَّعَلُّقِ بِمَواعِيدِها، ثم أشارَ إلى بُعْدِ ما بَينَه وبينَها، وأنه لا يُبَلِّغُه إلا ناقةٌ مِن صِفتِها كَيْتَ وكَيْتَ، وأطالَ في وَصفِ تلك الناقةِ على عادَةِ العرَبِ في ذلك، ثم إنه اسْتَطْرَدَ مِن ذلك إلى ذِكْرِ الوُشاةِ، وأنهم يَسْعَوْنَ بجَانِبَيْ نَاقَتِه، ويُحَذِّرُونَه القتلَ، وأنَّ أَصدقاءَه رَفَضُوه، وقَطَعُوا حَبْلَ مَوَدَّتِه، وأنه أَظْهَرَ لهم الْجَلَدَ، واسْتَسْلَمَ للقَدَرِ، وذَكَرَ لهم أنَّ الموتَ مَصيرُ كلِّ ابنِ أُنْثى، ثم خَرَجَ إلى المقصودِ الأعظمِ، وهو مَدْحُ سَيِّدِنا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى الاعتذارِ إليه، وطَلَبَ منه العَفْوَ والتَّبَرِّيَ مما قيلَ عنه، وذَكَرَ شِدَّةَ خَوْفِه مِن سَطْوَتِه، وما حَصَلَ له مِن مَهابَتِه ثم إلى مَدْحِ أصحابِه الْمُهاجرينَ رَضِىَ اللهُ عنهم أَجْمَعينَ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقدمات, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir