المقدمة الجزرية
أما التنوين: فهو حركة تلحق بآخر الأسماء يثبت وصلاً لا خطا ولا وقفاً.
وعرفه بعض الشيوخ بأنه: نون مخلَّقة وهو كعزيزٌ, عليمٌ, حكيمٌ, عذاباً, أليماً, وقس على ذلك.
وأما النون الساكنة: فهو حرف صحيح قائم يثبت وصلا ووقفاً وخطا.
فهذا هو الفرق بينهما.
إذا دخلت النون الساكنة أو التنوين على أي حرف من هذه الستة سمي إظهاراً حلقياً واجباً.
[ثم قال:]
وواجب؛ لأنه يحرم فيه شبهة الإخفاء، أو الإدغام.
وشروطه ثلاثة [الادغام]: التماثل، والتجانس، والتقارب.
وهو هنا نوعان: كامل، وناقص.
فالناقص: ما كان بغنّة؛ لأن الغّنة أتاحت للحرف المدغم بعض الظهور فسمي ناقص.
والكامل: ما كان بغير غنة.
فأما الإدغام بغنة فحروفه أربع، يجمعها كلمة (يومنو) أو (ينمو) ويكون في كلمة وكلمتين إلا في الواو والياء.
فإن قلت: إنك ذكرت أن شروط الإدغام التماثل، أو التقارب، أو التجانس فأين التقارب هنا أو التجانس؟ قلت: التقارب هنا جاء من الغنة؛ لأن الغنة ليست غنة نون خالصة، أو تنوين خالص وإنما نون أو تنوين اختلط بياء أو واو فخلّق ياء أخرى، أو واواً أخرى؛ لأن الكلمة: قريباً يوم , ألا ترى أنك حين تدغم تقول: { قريباً يوم } فخلّقت الغنة ياء غير أصلية , وكذا تقول { من وال }، حين تدغم تقول: { من وال } فخلقت الغنة واوا غير أصلية. هذا سبب التقارب.
وإنما جاءتا بعد نون ساكنة في أربع كلمات: (دنيا , وصنوان , وقنوان , وبنيان). ويسمى هذا عند القراء: إظهاراً مطلقاً واجباً.
والنون: { يومئذ ناعمة } { لن نصبر }.
إذا سئلت عن مثل ذلك قلت: إدغام بغنة واجب ناقص، وليُحترز في النون من مثل: الناس والنوم والنعيم والنساء والنبيين ونحو ذلك مما فيه لام أل الشمسية فليس ذلك من الإدغام بغنة في شيء.
{ من ربهم }، { وقيل من راق } عند من لا يسكت. إذا سئلت عن هذا قلت: إدغام بغير غنة ناقص واجب.
واصطلاحاً: قلب النون الساكنة أو التنوين ميماً خالصة أو مخفاة عند دخول الباء عليهما.
وصحح ابن الجزَري الإخفاء فى النشر ولكنه عندما ألَّف المقدمة لم يشر إلى الإخفاء، فقال:
وحكم تنوين ونون يلفى = إظهار ادغام وقلب إخفا
وقال في الطيبة: "واقلبهما مع غنة ميماً ببا" وهذا يشير إلى جواز الوجه الآخر، وهو الإقلاب المحض دون إخفاء, وبه قرأنا فقد قرأت على مشايخي بالإخفاء أولاً ثم بالإقلاب المحض مثاله: {من بعد} {ينبت} {عليم بذات} فالإقلاب المحض إطباق الشفتين , والإخفاء فرجة بين الشفتين عند النطق بالغنة، تقول: {عليم بذات} {ينبت}. إذا سئلت عن هذا قلت: إقلاب واجب.
واصطلاحاً: النطق بالغنة بصورة بين الإظهار والإدغام، مندمجة بصفة الحرف الذي بعدها، فإن كان ما بعدها رقيق رققت، وإن كان ما بعدها مفخم فخمت, وحروفه ما بقي من الحروف سوى الألف.
إذا دخلت النون الساكنة أو التنوين على أي حرف من هذه الأحرف سمي إخفاء حقيقياً واجباً.
وقوله: (وادّغم)، لما كان الإظهار أخف على اللسان وهو المتبادر.
قال: (وادغم) أي تكلف الإدغام.
*وادغمن بغنة في يومن*
ولم يقل: وادّغم بغنة، لأن ذلك ميسر.
ومعنى عنونوا أي: مثلوا.
وقوله: (والقلب عند البا بغنة) احترازاً من عدم الغنة كأن يقرأ أحد: {من بعد} أو {عليم بذات} بغير غنة.
وقوله: (كذا) أي كذا الإخفاء بغنة كالإقلاب.
ومعنى يرملون [بضم الميم] أي يسرعون، وذلك في السعي بين الصفا والمروة.
ويلاحظ أنه لم يذكر أحد الإخفاء فقط في الإقلاب، إلا صاحب التحفة، وإلا فقد تقدم أني قرأت بالوجهين على أشياخي.
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما = دم طيباً زد في تقى ضع ظالما
[من التحفة]
[أحكام الميم الساكنة]
فالإخفاء إذا دخلت على الباء نطق بها مخفاة الغنة هكذا: { خذوا ما أتيناكم بقوة }. {والذين هم بآيات ربهم} [بفرجة]، والإخفاء هنا أشهر وأقوى، وإلا فقد صح الإخفاء وعدمه كأن تقول: {وهم بربهم} {آتيناكم بقوة} [بحركتين]، وقد تقدم الإخفاء لغة واصطلاحاً, واسمه اخفاء شفوي واجب بغنة.
الحكم الثاني: الإدغام: وذلك إن دخلت الميم الساكنة على الميم المتحركة مثال: {في قلوبهم مرض} {من خشيه ربهم مشفقون} واسمه: إدغام مثلين صغير واجب.
الحكم الثالث: الإظهار في بقية الحروف, ويسمى إظهاراً شفوياً واجباً.
{وأولادكم فتنة}. ويراعى الضغط على الميم في مثل هذا الموضع، لئلا تختفي في الفاء للتقارب بينهما.
{أموات}, ويضغط على الميم في مثل هذا الموضع لئلا تختفي لشدة التجانس بينهما.
{ وهم يعلمون }.
فإذا سئلت عن شيء من ذلك قلت: إظهار شفوي واجب.
المبحث الخامس في حكم الميم والنون المشددتين , ويسميان حرفا غنة مشدد وبعضهم يسمي كلاًّ منهما حرف أغن.
{آتيناكم بقوة}.
فالأرجح أن نقول: هو إخفاء شفوي واجب بغنة، وإظهار متجانسين صغير؛ لأن الاختصار على الإخفاء اختصار على الفرع دون الأصل , والغنة صفة على أرجح الأقوال، والباء والميم أصل فلا بد أن نذكر الأصل والفرع. والله تعالى أعلم.
ومثالها في الميم: ثم ولما وأما وهي لا تتغير في الميم أبدا فتعد غنة أصلية.
وأما في النون فلها حكمين غنة أصلية، لا تتغير كإنّ وأن وهن وعليهن , ويسمى كل منهما حرف غنة مشدد واجب.
ومقدار الغنة حركتان، والحركة بقدر ضم الإصبع أو فتحه بحالة متوسطة، ولا تزيد عن ثلاث بحال، وإلا كره ذلك. وأما في نحو النساء , والناس , والنبيين , والنوم , والنعيم فهي غنة مخلَّقة، خلقتها اللام الشمسية حين أدغمت فى النون، فصار إظهارا متقاربين صغير وحرف غنة مخلق وقلنا مخلق؛ لأن أصل الكلمة: ناس, نساء, نبيين, نور, نوم, وإنما الذي جاء بالغنة إدغام اللام في النون؛ للتقارب بينهما ولذا قلنا: إدغام متقاربين صغير.
[بتصرف يسير] اللامات في القرآن الكريم كثيرة جداً وما يهم القراء منها ثلاثة أنواع:
_ لام حرف، وتنقسم إلى مظهرة ومدغمة.
_ ولام فعل.
_ ولام اسم وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: لام اسم موصول، ولام اسم مجرد، ولام اسم الذات جل وعلا.
جزء آخر من الملخصات:
ومازعمه بعضهم أنهاموصولة فهو ضعيف. [يعني قوله تعالى: {ولات حين}]
يعني فاقطع كلمة أن الناصبة للاسم والفعل في عشر كلمات، أي في عشر مواضع.
وأما {عم يتساءلون} فتقول {عم}.
وقد نبه الزجاجي [بضم الزاي المعجمة وتشديدها وتخفيف ما بعدها، هكذا لفظها الشارح] أن (كلما) إن كانت ظرفاً موصولة، وإن كانت شرطاً فمقطوعة.
وقوله: واختلف قل بئسما، أي: واختلف في قوله تعالى {قل بئسما يأمركم} بسورة البقرة فكتبت في بعض المصاحف مقطوعة وفي بعضها موصولة، وهي موصولة باتفاق تقول: {قل بئسما}.
وقوله: والوصل صف، أي صف أيها القارئ المجيدُ [بضم الميم] للقارئ المجيدِ [بفتحها] الوصل في هذه الكلمة وهي {قال بئسما خلفتموني} بسورة الأعراف تقول: {قال بئسما}، وصل أيضاً {بئسما اشتروا به أنفسهم} بالبقرة، تقول: {بئسما}.
ومعنى ثاني، أي: الثانية في ربع والوالدات.
وهذا معنى قوله: صل ووهلا، أي الذين قالوا بوصلها كلامهم موهل ضعيف، والأصح قطعها تقول: {ولات}.
يعني: قوله تبارك وتعالى: {وإذا كالوهم أو وزنوهم} بسورة التطفيف هما موصولتان تقول: {كالوهم} {وزنوهم} ومعنى صلتهما عدم كتابة الألف بعد واو الجماعة فيهما.
المبحث السادس عشر: في الكلمات المختلف فيها عن حفص:
اعلم أن الاختلاف عن حفص إما معنوي وإما لفظي، فنقول وبالله التوفيق:
فأما المعنوي فنحو الخمسة والأربعة في المتصل والمنفصل، ونحو الحركتان والأربعة والستة في المد العارض للسكون, ونحو الإشمام والروم، ونحو زيادة الغنة عند من يقرأ بالتحقيق بخلافها عند من يقرأ بالتدوير بخلافها عند من يقرأ بالحدر، ونحو اختلاف الغنة في النطق بالإخفاء، إن كان بعد الغنة مرققا رققت، وإن كان بعدها مفخماً فخمت، ونحو التفخيم والترقيق في الراءات، ونحو التغليظ والترقيق في لام اسم الذات، وقس على ذلك ما جانسه، وهذا ما اختلف فيه لفظاً:
أولاً: {الم} بسورة آل عمران فيها ثلاثة أوجه:
وجه بالوقف على ميم بالمد اللازم في اللام والميم.
ووجهان بوصلها بلفظ الجلالة تقول {الم الله لا إله إلا هو} {الم الله لا إله إلا هو} وقد سبق بيان ذلك وعلته في المد اللازم، ودليله قول الإمام خلف الحسيني في إتحافه:
ومد إذا كان السكون بعيده = وإن عرض التحريك فاقصر وطولا
لكلاٍّ وذا في آل عمران قد أتى
وقد سبق بيان ذلك أيضاً.
ثانياً: {عص} بأول مريم و{عسق} ومن الممكن إدراجه مع المعنوي وفي عين في السورتين التوسط والمد، قال ابن الجزري: وعين ذو وجهين والطول أخص
وقال الإمام الشاطبي:
وفي عين الوجهان والطول فضلا
ثالثا"ً: التسهيل والإبدال في المواضع الستة {آلذكرين} بموضعي الأنعام، {آلآن} بموضعي يونس {آلله خير أم ما يشركون} بالنمل {آلله أذن لكم} بيونس، وقد تقدم بيانها في المد اللازم.
قال الإمام الشاطبي:
وإن همز وصل بين لام مسكن = وهمزة الاستفهام فامدده مبدلا
فللكل ذا أولى ويقصره الذي = يسهل عن كل كالان مُثِّلا [بضم الميم وكسر الثاء وتشديدها]
وقال: مبدلا فللكل ذا أولى، يدل على أن الإبدال بالمد اللازم أرجح.
وقال ابن الجزري:
وهمز وصل من كآلله أذن = أبدل لكل أو فسهل واقصرن
تقول: آلذكرين، أالذكرين. أالآن، أالآن. أالله أذن، أالله أذن.
رابعاً: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبا}، قرأ حفص بضم الضاد وفتح الضاد فيهن تقول {من ضَعف} {ثم جعل من بعد ضَعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً}. وتقول: {من ضُعف ثم جعل من بعد ضُعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضُعفاً} والضُّعف بضم الضاد في الصحة والجسم، وبفتحها في العزيمة والذاكرة والإيمان وخلافه.
قال الإمام الشاطبي:
وضُعفاً بضم الضاد فاشيه مثلا = وفي الروم صف عن خنث فصل
فقال عن خنث والعين لحفص.
خامساً: {أم هم المسيطرون} بالطور قرئت بالسين والصاد تقول: {أم هم المسيطرون}، {أم هم المصيطرون}.
قال الإمام الشاطبي: والمصيطرون لسان عاب بالخلف زملا
فقال: عاب بالخلف يعني: حفص بالخلف.
سادساً: {فما آتان} بسورة النمل عند الوقف، يقف حفص بالوجهين {فما آتان} {فما آتاني} بالياء وحذفها.
قال الشاطبي:
وفي النمل آتاني ويفتح عن أولي حمى = وخلاف الوقف بين حلى علا
فعلى العين لحفص، له الخلاف.
سابعاً: {إنا أعتدنا للكافرين سلاسل} يقف حفص بالألف بعد اللام وبدونها يقول {سلاسلا} و{سلاسل}.
قال الشاطبي:
سلاسل نون إذ رووا صرفه لنا = وبالقصر قف من عن هدى خلفهم
فصرح بالعين لحفص ضمن من له الخلاف في الوقف.
ثامناً: الإقلاب بالميم الخالصة والإخفاء {من بعد} {من بعد} وقد مضى في أحكام النون الساكنة والتنوين حكمه.
تاسعاً: {فكان كل فرق كالطود} فيها التفخيم والترقيق، {كل فرق} و{كل فرق}
قال الناظم: -
والخلف في فرق لكسر يوجد
وقال الشاطبي:
وخلفهم بفرق جرى بين المشايخ سلسلا
عاشراً: {مالك لا تأمنا على يوسف} فيها الإشمام مع الغنة، والروم بلاغنة، هكذا {مالك لا تأمنا} {لا تأمنا} (هذه) الإشمام مع الغنة.
الروم: {مالك لا تأمنا}.
قال خلف الحسيني في اتحافه:
وإشمام تأمنا لكل ورومه = وقد قيل بالإدغام محضاً ووهلا
الحادي عشر: {ألم نخلقكم من ماء مهين}، قرئ بالإدغام الخالص وإخفاء صفة القاف ومخرجها، وقرأ بالإدغام باستحضار صفة القاف هكذا: {ألم نخلقكم} هذا الإدغام الخالص، {ألم نخلقكم} باظهار تفخيم القاف دون قلقلتها.
قال الناظم:
والخلف بنخلقكم وقع
ويسمى عدم إظهار صفة القاف بالإدغام الكامل، وبإظهار صفة القاف بالإدغام الناقص.
الثاني عشر: {بئس الاسم الفسوق} بسورة الحجرات، إن أردنا البدء بما بعد بئس فإما أن نبدأ بالهمزة وإما أن نبدأ باللام بعد الهمزة نقول: {الاسم الفسوق} أو {الاسم الفسوق}
قال خلف الحسني في إتحافه:
وفي بئس الاسم ابدأ بأل أوبلامه = فقد صحح الوجهان في النشر للملا
الثالث عشر: الخلاف الذي ذكرناه في باب الراءات في الكلمات السبعة وهي: الفجر ويسر ومصر وقطر وبالنذر ونذر ونذيراً للبشر. وقد تقدم بيانها في الراءات، فهذه هي الكلمات التي جرى فيها الخلاف لحفص من روايتنا، أعني من طريق الحرز.