دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 ذو الحجة 1429هـ/11-12-2008م, 12:06 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي اتحاد اللفظ والمعنى واختلافهما [الاشتراك والتواطؤ والتشكيك والتباين والترادف...]

مَسْأَلَةٌ: اللَّفْظ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحَدَا، فَإِنْ مَنَعَ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ الشَّرِكَةَ فَجُزْئِيٌّ، وَإِلَّا فَكُلِّيٌّ، مُتَوَاطِئٌ إنْ اسْتَوَى، مُشَكِّكٌ إنْ تَفَاوَتَ. وَإِنْ تَعَدَّدَا فَمُتَبَايِنٌ، وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ فمترادف وَعَكْسُهُ إنْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا فَمُشْتَرَكٌ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، وَالْعَلَمُ مَا وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ التَّعَيُّنُ خَارِجِيًّا فَعَلَمُ الشَّخْصِ وَإِلَّا فَعَلَمُ الْجِنْسِ، وَإِنْ وُضِعَ لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَاسْمُ الْجِنْسِ.


  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 02:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(مَسْأَلَةُ: اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحَدَا)، أَيْ: كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدًا (فَإِنْ مَنَعَ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ)، أَيْ: مَعْنَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ (الشَّرِكَةَ) فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا (فَجُزْئِيٌّ)، أَيْ: فَذَلِكَ اللَّفْظُ يُسَمَّى جُزْئِيًّا كَزَيْدٍ (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ الشَّرِكَةَ فِيهِ (فَكُلِّيٌّ) سَوَاءٌ أَمْتَنَعَ وُجُودُ مَعْنَاهُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ فَرْدٌ مِنْهُ كَبَحْرٍ مِنْ زِئْبَقٍ أَوْ وُجِدَ وَامْتَنَعَ غَيْرُهُ كَالْإِلَهِ، أَيْ: الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، أَوْ أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ كَالشَّمْسِ أَيْ الْكَوْكَبِ النَّهَارِيِّ الْمُضِيءِ، أَوْ وُجِدَ كَالْإِنْسَانِ، أَيْ: الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَدْلُولِ بِالْجُزْئِيِّ، وَالْكُلِّيِّ هُوَ الْحَقِيقَةُ، وَمَا هُنَا مَجَازٌ مِنْ تَسْمِيَةِ الدَّالِّ بِاسْمِ الْمَدْلُولِ (مُتَوَاطِئٌ) ذَلِكَ الْكُلِّيِّ (إنْ اسْتَوَى مَعْنَاهُ فِي أَفْرَادِهِ) كَالْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ مُتَسَاوِي الْمَعْنَى فِي أَفْرَادِهِ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا. أُسْمِيَ مُتَوَاطِئًا مِنْ التَّوَاطُؤِ، أَيْ: التَّوَافُقِ لِتَوَافُقِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ فِيهِ (مُشَكِّكٌ إنْ تَفَاوَتَ) مَعْنَاهُ فِي أَفْرَادِهِ بِالشِّدَّةِ أَوْ التَّقَدُّمِ كَالْبَيَاضِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي الثَّلْجِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْعَاجِ، وَالْوُجُودِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي الْوَاجِبِ قَبْلَهُ فِي الْمُمْكِنِ سُمِّيَ مُشَكِّكًا لِتَشْكِيكِهِ النَّاظِرَ فِيهِ فِي أَنَّهُ مُتَوَاطِئٌ نَظَرًا إلَى جِهَةِ اشْتِرَاكِ الْأَفْرَادِ فِي أَصْلِ الْمَعْنَى، أَوْ غَيْرُ مُتَوَاطِئٍ نَظَرًا إلَى جِهَةِ الِاخْتِلَافِ. (وَإِنْ تَعَدَّدَا)، أَيْ: اللَّفْظُ، وَالْمَعْنَى كَالْإِنْسَانِ، وَالْفَرَسِ (فَمُتَبَايِنٌ)، أَيْ: فَأَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَثَلًا مَعَ الْآخَرِ مُتَبَايِنٌ لِتَبَايُنِ مَعْنَاهُمَا (وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ) كَالْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ فَمُتَرَادِفٌ، أَيْ: فَأَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَثَلًا مَعَ الْآخَرِ مُتَرَادِفٌ لِتَرَادُفِهِمَا أَيْ تَوَالِيهِمَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ (وَعَكْسُهُ)، وَهُوَ أَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظُ وَيَتَعَدَّدُ الْمَعْنَى كَأَنْ يَكُونَ لِلَّفْظِ مَعْنَيَانِ (إنْ كَانَ) أَيْ اللَّفْظُ (حَقِيقَةً فِيهِمَا)، أَيْ: فِي الْمَعْنَيَيْنِ مَثَلًا كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ (فَمُشْتَرَكٌ) ; لِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ (وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ) كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ وَلِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَمْ يَقُلْ، أَوْ مَجَازَانِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِي اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ الْآتِي كَأَنَّهُ ; لِأَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ.
(وَالْعِلْمُ مَا)، أَيْ: لَفْظٌ (وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ) خَرَجَ بِالنَّكِرَةِ (لَا يَتَنَاوَلُ)، أَيْ: اللَّفْظُ (غَيْرَهُأَيْ: غَيْرَ الْمُعَيَّنِ خَرَجَ مَا عَدَا الْعَلَمِ مِنْ أَقْسَامِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وُضِعَا لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ أَيُّ جُزْئِيٍّ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ بَدَلًا عَنْهُ فَأَنْتَ مَثَلًا وُضِعَ لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِنْ أَيِّ جُزْئِيٍّ وَيَتَنَاوَلُ جُزْئِيًّا آخَرَ بَدَلَهُ وَهَلُمَّ، وَكَذَا الْبَاقِي (فَإِنْ كَانَ التَّعَيُّنُ) فِي الْمُعَيَّنِ (خَارِجِيًّا فَعَلَمُ الشَّخْصِ)، فَهُوَ مَا وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ فِي الْخَارِجِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لَهُ فَلَا يَخْرُجُ الْعَلَمُ الْعَارِضُ الِاشْتِرَاكِ كَزَيْدٍ مُسَمًّى بِهِ كُلٌّ مِنْ جَمَاعَةٍ (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّعَيُّنُ خَارِجِيًّا بِأَنْ كَانَ ذِهْنِيًّا (فَعَلَمُ الْجِنْسِ)، فَهُوَ مَا وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ فِي الذِّهْنِ، أَيْ: مُلَاحَظِ الْوُجُودِ فِيهِ كَأُسَامَةَ عَلَمٌ لِلسَّبْعِ، أَيْ: لِمَاهِيَّتِهِ الْحَاضِرَةِ فِي الذِّهْنِ (وَإِنْ وُضِعَ) اللَّفْظُ (لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ)، أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعَيَّنَ فِي الْخَارِجِ، أَوْ الذِّهْنِ (فَاسْمُ الْجِنْسِ) كَأَسَدٍ اسْمٌ لِلسَّبْعِ، أَيْ: لِمَاهِيَّتِهِ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ كَأَنْ يُقَالُ أَسَدٌ أَجْرَأُ مِنْ ثُعَالَةٍ كَمَا يُقَالُ أُسَامَةُ أَجْرَأُ مِنْ ثُعَالَةٍ، وَالدَّالُّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّعَيُّنِ فِي عَلَمِ الْجِنْسِ إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ اللَّفْظِيَّةِ لِعَلَمِ الشَّخْصِ عَلَيْهِ حَيْثُ مَثَلًا مُنِعَ الصَّرْفَ مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَأُوقِعَ الْحَالُ مِنْهُ نَحْوَ هَذَا أُسَامَةُ مُقْبِلًا، وَمِثْلُهُ فِي التَّعْيِينِ الْمُعَرَّفُ بِلَامِ الْحَقِيقَةِ نَحْوُ الْأَسَدُ أَجْرَأُ مِنْ الثَّعْلَبِ كَمَا أَنَّ مِثْلَ النَّكِرَةِ فِي الْإِبْهَامِ الْمُعَرَّفُ بِلَامِ الْجِنْسِ بِمَعْنَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ نَحْوُ إنْ رَأَيْت الْأَسَدَ، أَيْ: فَرْدًا مِنْهُ فَفِرَّ مِنْهُ وَاسْتِعْمَالُ عَلَمِ الْجِنْسِ، أَوْ اسْمِهِ مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا فِي الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ الْمُبْهَمِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ حَقِيقِيٌّ نَحْوُ هَذَا أُسَامَةُ، أَوْ الْأَسَدُ، أَوْ أَسَدٌ، أَوْ إنْ رَأَيْت أُسَامَةَ، أَوْ الْأَسَدَ، أَوْ أَسَدًا فَفِرَّ مِنْهُ وَقِيلَ إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ كَأَسَدٍ وَرَجُلٍ وُضِعَ لِفَرْدٍ مُبْهَمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مَعَ تَضْعِيفِهِ مِمَّا سَيَأْتِي أَنَّ الْمُطْلَقَ: الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ وَأَنَّ مَنْ زَعَمَ دَلَالَتَهُ عَلَى الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ تَوَهَّمَهُ النَّكِرَةَ، فَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِاسْمِ الْجِنْسِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِالْمُطْلَقِ نَظَرًا إلَى الْمُقَابِلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْآتِي مِنْ إطْلَاقِ النَّكِرَةِ عَلَى الدَّالِّ عَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَالْمَعْرِفَةِ عَلَى الدَّالِّ عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ صَحِيحٌ كَالْمَأْخُوذِ مِمَّا تَقَدَّمَ صَدْرَ الْمَبْحَثِ مِنْ إطْلَاقِ النَّكِرَةِ عَلَى الدَّالِّ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مَاهِيَّةً كَانَ، أَوْ فَرْدًا، وَالْمَعْرِفَةِ عَلَى الدَّالِّ عَلَى الْمُعَيَّنِ كَذَلِكَ.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: (مسألَةٌ: اللفظُ والمعنَى إنِ اتَّحَدَا فإنْ مَنَعَ تَصَوُّرَ مَعْنَاهُ الشركةُ، فجُزْئِيٌّ وإلاَّ فَكُلِّيٌّ).
ش: هذه المسألةُ في تَقْسيمِ اللفْظِ المُفْرَدِ باعتبارِ نِسْبَتِه إلى المعنَى، وهو أربعةُ أقسامٍ:
الأوَّلُ: أنْ يَتَّحِدَ اللفظُ والمعنَى، فإنْ مَنَعَ تَصَوُّرُ معنَاهُ من وقوعِ الشركةِ في مَفْهُومِه، فهو جُزْئِيٌّ كالعَلَمِ نحوَ: زَيدٌ، وغيرُه من سائرِ الأعْلامِ؛ فإنَّه لا يُشَارِكُه فيه غيرُه، وإنْ لم يَمْنَعْ تَصَوُّرُ معناهُ من وقوعِ الشركةِ فيه، فهو الكُلِّيُّ كالحيوانِ والإنسانِ.
واعْلَمْ أنَّ الجُزْئِيَّ والكُلِّيَّ بالذاتِ هو ذلك المعنَى، وإنَّما يُقَالُ للَّفْظِ الدَّالِ عليه: كُلِّيٌّ وجُزْئِيٌّ بالعَرَضِ والتَّبِعَيَّةِ تَسْمِيةٌ للدَّالِ باسمِ المَدْلُولِ، وغيرُ المُصَنِّفِ قالَ: نَفْسُ تَصَوُّرِ معناهُ، وإنَّما قَيَّدَ التَّصَوُّرَ؛ ليَخْرُجَ بعضُ أقسامِ الكًُلِّيِّ، وهو ما تَمْتَنِعُ فيه الشركةُ لا لِنَفْسِ مَفْهُومِه، بل لأمْرٍ خارجٍ كواجِبِ الوجودِ، والمُصَنِّفُ حَذَفُه؛ لأنَّه ظَنَّ تَمَامَ الحَدِّ= بدونِه وليسَ كذلكَ، فإنَّه لَمَّا أَخَذَ التَّصُوُّرَ في تعريفِ الكُلِّيُّ، عَلِمْنا أنَّ الكُلْيَّةَ والجُزْئِيَّةَ من عوارِضِ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ، فيهما تَوَهَّمٌ؛ أنَّه لو كانَ من الصُّوَرِ الذهنِيَّةِ مالا يَمْنَعُ الشرِكَةُ، كانَتْ حَقِيقَتُها الخارجِيَّةِ كذلك؛ لأنَّ الصَّورَ الذهنِيَّةَ مُطَابِقَةٌ للخَارِجِ، فأُزِيلَ هذا الوَهْمُ، فإنْ مَنَعَ التَّصَوُّرَ الذِّهْنِيَّ للشركةِ وعَدَمَ منعِه ليسَ بالنَّظَرِ إلى ذاتِها بل من حيثُ تَصَوَّرِها.
وقولُه: (لاَ يَمْنَعُ تَصَوُّرَهُ مِن الشركَةِ) أعمٌّ من أنْ يكونَ قَابِلاً للشركةِ أو غيرِ قابلٍ؛ لأنَّ عَدَمَ المَنْعِ أَعَمٌّ من القبولِ، وبهذا يَظْهَرُ حُسْنُ التعبيرِ بنَفْسِ التَّصَوُّرِ؛ لأنَّ المقصودَ أنَّه لا يُشْتَرَطُ كُونُ الشركةِ مُمْكِنَةً عقلاً، بل لم يُنْظَرْ في وَضْعِه إلى الشرِكَةِ، ولا إلى الوقوعِ في الخارجِ، فإنَّ الكُلَّ قد لا يَقْبَلُ الوجودَ بالكُلْيَّةِ كالمُسْتَحِيلِ، وقد يَقْبَلَهُ، ولم يُوجَدْ واحِدٌ من أفرادِه، كبحرٍ من زِئْبَقٍ، أو وُجِدَ واحدٌ إمَّا مع إمْكانِ غيرِه, كالشَّمْسِ عندَ مَن يُجَوِّزُ وُجودَ شَمْسٍ أُخْرَى, أو امتناعِ غيرِه كهي عندَ مَن لا يُجَوِّزُه، كذا قالَه الهِنْدِيُّ، وغيرُه، وقالَ الآمِدِيُّ في (رُمُوزِ الكُنُوزِ) لفظُ الشمْسِ والقَمَرِ كُلِّيَّانِ إلاَّ أنْ يُرَادَ به هذا الشمسُ وهذا القمرُ.
تنبيهان:
أحدُهما: هذا التعريفُ أَحْسَنُ من تعريفِ ابنِ الحَاجِبِ؛ فإنَّ الاشتراكَ ليسَ بشَرْطٍ، وتعبيرُ ابنُ الحَاجِبِ يُوهِمُ شَرْطِيَّتَه، ولا بُدَّ أنْ يَلْحَظَ في الجُزْئِيِّ قَيْدَ التشْخِيصِ والتَّعْيينِ، فإنَّ مع انْتِفاءِ ذلك، لا بُدَّ أنْ يَشْتَرِكا ولو في أَخَصِّ صفاتِ النَّفْسِ.
الثاني: قالَ التَّسْتَرِيُّ، في حَدِّ الكًُلِّيِّ، في حالِ الإيجابِ، قالَ: فإنَّ زيداً يَشْتَرِكُ كثيرُونَ في سَلْبِه عن مَفْهُومِه معَ أنَّه ليسَ بِكُلِّيٍّ، وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّ تَصَوُّرَ معناهُ غيرُ الحُكْمِ عليه بالإيجابِ والسَّلْبِ.
ص: (مُتَوَاطِئٌ إنِ اسْتَوَى، ومُشَكِّكٌ إنْ تَفَاوَتَ).
ش: يَنْقَسِمُ الكُلِّيُّ إلى مُتَوَاطِئٍ ومُشَكِّكٍ؛ لأنَّه إنْ كانَ حُصُولُ معناهُ في أفْرَادِه على التَّساوِي، فهو المُتَواطِئُ كدلالَةِ الإنسانِ على زَيدٍ وعمرٍو ونحوِه، إذِ كُلُّ فَرْدٍ من أَفْرَادِه لا يَزِيدُ على الآخَرِ في الإنسانِيَّةِ، فإنَّ الإنسانِيَّةَ التي في زَيدٍ مَثَلاً ليْسَتْ بِأَسَدٍ ولا أَوْلَى ولا أَقْدَمُ منها في عمرٍو، سُمِّيَ بذلك لمُطَابَقَةِ كلِّ واحدٍ من أفرادِه معناهُ، والمُوَاطَأَةُ: المُوَافَقَةُ، وإنْ كانَ حُصُولُ ذلك المعنَى في بعضِ أفْرَادِه يَتَفَاوتُ في مَفْهُومِه لشِدَّةٍ أو ضَعْفٍ، أو تَقَدُّمٍ أو تَأَخُّرٍ ـ فهو المُشَكِّكُ، كإطلاقِ الأبَيضِ على الثَّلْجِ والعَاجِّ ونحوِه، فإنَّ البَياضَ الذي في الثَّلْجِ أَشَدُّ منه في العَاجِّ، سُمِّيَ مُشَكِّكاً؛ لأنَّه يُشَكِّكُ النَّاظِرَ هل هو مُتَوَاطِئٌ لوحِدَةِ الحقيقَةِ فيه، أو مُشْتَرِكٌ لِمَا بينَهُما من الاختلافِ؟ وجَوَّزَ الهِنْدِيُّ فَتْحَ الكافِّ على أنَّه اسمُ مفعولٍ، لكونِ الناظرِ يَتَشَكَّكُ فيه، في ذلكَ، وقد أَوْرَدَ عليه أنَّ الأَبْيَضَ مثلاً، إذا أُطْلِقَ على الثَّلْجِ فإمَّا أنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُه فيه مع ضَمِيمَةِ تلكَ الزيادَةِ، أو لا، فإنَّ لم تَكُنْ فهو المُتَوَاطِئُ، وإنْ كانَ فهو المْشَتَرِكُ، فإذا لا حقيقةَ لهذا القِسْمِ المُسَمَّى بالمُشَكِّكِ، وأُجِيبَ بأنَّ تركيبَ الشَّبَهَيْنِ يُحْدِثُ له طبيعَةً أُخْرَى، كالخُنْثَى لا ذَكَرَ ولا أُنْثَى، واعْلَمْ أنَّه رُبَّما اتَّفَقَ في الاسم الواحدِ بالنَّظَرِ إلى مُسَمِّيَيْنِ؛ التَّوَاطُؤِ والاشِتراكِ من جِهَتَيْنِ كالأسودِ إذا قيلَ على شَيْئَيْنِ مُلَوَّنَيْنِ بالسوادِ فإنَّه مُشْتَرِكٌ إنْ جُعِلَ لَقَباً لهما ومُتَوَطِّئَينِ إنْ دَلَّ عليْهِما باعتبارِ سَوَادَيْهِما.
ص: (وإنْ تَعَدَّدَا فمُتَبَايُنٌ).
ش: القِسمُ الثاني: أنْ يَتَعَدَّدَ اللَّفْظُ والمعنَى، فهي الألفاظُ المُتَبايِنَةٌ كالإنسانِ والفَرَسِ والبَقَرِ، وغيرِ ذلك من الألفاظِ المُخْتَلِفَةِ المَوْضُوعَةِ لمَعانٍ مُخْتَلِفَةٍ، سُمِّيَ بذلك لتَبَايُنِها في الدلالَةِ والألفاظِ.
ص: (وإنْ اتَّحَدَ المعنَى دونَ اللفظِ فمُتَرادِفٌ).
ش: الثالثُ: أنْ يكونَ اللفظُ كثيراً والمعنَى واحدٌ، فهي الألفاظُ المترادفِةُ، كالإنسانِ والبَشَرِ لِواحدٍ، قالَ الآمِدِيُّ: واتِّحادُ موضوعِ المُسَمِّياتِ المُنْفِرِدَةِ لا يُوجِبُ الترادُفَ، كالسيفِ والصارمِ والهِنْدِيِّ، بل هي مُتَبَايَنَةٌ.
ص: (وعَكْسُه إنْ كانَ حَقِيقَةٌ فيهما فمُشْتَرَكٌ، وإلاَّ فحقيقةٌ ومجازٌ).
ش: الرابعُ: أنْ يَتَّحِدَ اللفظُ ويَتَكَثَّرَ المعنَى، وهو يَشْتَمِلُ على أقسامٍ، لأنَّه وُضِعَ لمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أو أَزْيدَ دَفْعَةَ فهو المُشْتَرِكُ، كالعَيْنِ: للبَاصِرَةِ والجَارِيَةِ والدينارِ وغيرِها، وإنْ وُضِعَ لمعنًى ثمَّ نُقِلَ عنه إلى معنًى آخَرَ لعَلاقَةٍ ولم يَغْلُبْ اسْتِعْمَالُه في المَنْقُولِ إليه ـ فهو بالنِّسْبَةِ إلى المعنَى الأوَّلِ حقيقةٌ، وإلى الثاني مجازٌ، كالأسَدِ الموضوعِ للحيوانِ المُفْتَرِسِ المَنْقُولِ إلى الرجُلِ الشجاعِ للمُنَاسبَةِ بينَهما، وهي القَوْلَةُ؛ فإنْ غَلَبَ سُمِّيَ لفظاً مَنْقُولاً، وقَسَّمُوهُ باعتبارِ الناقلِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ؛ لأنَّه إمَّا الشرعُ أو العُرْفُ العامُّ أو الخاصُّ، وسُمِّيَتِ المنقولةُ مجازاً، اشْتِقاقاً من التجاوزِ، وهو التَّعَدِّي، إذِ التَّجَوَّزُ يَتَعَدَّى المعنى الحقيقيَّ.
ص: (والعَلَمُ: ما وُضِعَ لمُعَيِّنٍ لا يَتَنَاولُ غيرَه).
ش: هذا منه بيانٌ لبعضِ أقسامِ الجزئيِّ، وعَرَّفَه تَوْطِئَةً لِمَا سيَذْكُرُه من الفرقِ بينَ الشخْصِيِّ منه والجِنْسِيِّ، فقولُه: (ما وُضِعَ لمُعَيِّنٍ) جِنْسٌ يَتَنَاولُ جميعَ المعارفِ، وخَرَجَ عن المنكراتِ.
وقولُه: (لا يَتَنَاولُ غيرَه) فَصَلَ خَرَجَ به ما عَدَاهُ من المعارفِ؛ فإنَّ اسمَ الإشارةِ صَالِحٌ لكلِّ مُشَارٍ إليه، والضميرُ صالِحٌ لكلِّ مُتَكَلِّمٍ ومُخَاطَبٍ وغَائِبٍ، وهذا الحدُّ ذَكَرَهُ ابنُ الحَاجِبِ في مُقَدِّمَتِه النَّحْوِيَّةِ، وزَادَ فيه: بوَضْعٍ واحدٍ، لئلاَّ يَتَوَهَّمَ أنَّ زيداً إذا سُمِّيَ به رجُلاً ثمَّ سُمِّيَ به آخَرَ فهو مُتَنَاولٌ لغَيْرِه فلا يكونُ الحَدُّ جامعاً، فلمَّا قالَ: بوَضْعٍ واحدٍ، دَخَلَ ذلك؛ فإنَّه وإنْ تَنَاولَ غيرَه، لكنْ ليسَ بوَضْعٍ واحدٍ بل بأوضاعٍ.
وقالَ في شَرْحِه: خَرَجَ بقولِه: لا يَتَنَاولُه غيرَه، قولُكَ: أنتَ وأنتَ مُخَاطِبٌ زيداً، فإنَّه يَصِحُّ أنْ يُقالَ: وأنتَ، لعَمْرٍو إذا خَاطَبْتُه أيضاً، ومُرادُه بذلك أنَّ (أنتَ) يُوضَعُ لشيءٍ بعَيْنِه، وهو معَ ذلكَ مُتَنَاولٌ لغيرِ ما وُضِعَ له على التَّعْيينِ، واعْتُرِضَ عليه؛ بأنَّ هذا اللفظَ وُضِعَ للمُخَاطَبِ على التَّعْيينِ، فهو لا يَتَنَاولُ غيرَه، لكنْ قد يَعِرضُ الاشتراكَ بحَسَبِ مُخَاطَبَيْنِ أو ثلاثةٍ، وهذا بعينِه.
فقالَ: في العَلَمِ؛ لأنَّ زيداً أيضاً قد يَقَعُ فيه الاشتراكُ بحَسَبِ الاتفاقِ، وذلكَ لا عِبْرَةَ له؛ لأنَّ واضِعَ اللُّغَةِ جَعَلَ النَّكِرَاتَ شَائِعَةً في نوعِها أو جِنْسِها من غيرِ نَظَرٍ إلى فَرْدٍ من أفرادِها، وجَعَلَ المَعْرَفَةَ لشيءٍ له بعينِه, ثم إنَّ العَالَمَ بلُغَتِه يَسْتَعْمَلَ ألفاظَ المعارِفِ بعدَ عَدَمِ أشخاصِها لأشخاصٍ أُخَرَ، معَ مُرَاعَاةِ غَرِضِ الواضِعِ، وهو التَّّعْيينُ في الأصْلِ، والحقُّ أنَّ الضَّمِيرَ كُلِّيٌّ باعتبارِ صلاحيتِه لكلِّ مُتَكَلِّمٍ ومُخَاطَبٍ وغَائِبٍ، وجُزْئِيٍّ باعتبارِ عُروضِ الجُزْئِيَّةِ والشخْصِيَّةِ بسَبَبِ قَصْدُكَ به مُعِيناً فقولُهم: إنَّه وُضِعَ لمعنًى، إنَّما هو باعتبارِ العارضِ.
ص: (فإنْ كانَ التَّعْيينُ خارجيًّا، فعَلَمُ الشَّخْصُ، وإلاَّ: فعَلَمُ الجِنْسِ، وإنَّ للمَاهِيَّةِ من حيثُ هي: فاسمُ جِنْسٍ).
ش: العَلَمُ إمَّا مُسَمَّاهُ جُزْئِيٌّ مخصوصٌ كزيدٍ، ويُسَمَّى عَلَمُ الشخصِ، أو كُلِّيٌّ شائعٌ، كأُسَامَةَ للأسدِ، وثُعَالَةَ للثَّعْلَبِ، ويُسَمَّى عَلَمُ الجِنْسِ، وهو عَلَمٌ لفظاً، نَكِرَةٌُ معنًى، فاسمُ أُسَامَةَ صَالِحٌ لكلِّ أَسَدٍ، بخلافِ عَلَمُ الجِنْسِ، وقد كَثُرَ كلامُ الناسِ في الفرقِ بينَ هذه الثلاثةِ، أعْنِي عَلَمُ الشَّخْصِ، وعَلَمُ الجِنْسِ، واسمُ الجِنْسِ النَّكِرَةِ كأسدٍ، وهو من نَفَائِسِ المَبَاحِثِ، قالَ القِرَافِيُّ: وكانَ الخسروشاهيُّ يُقَرِّرُهُ، ولم أَسْمَعْه من أَحَدٍ إلاَّ منهُ، وكانَ يقولُ: ما في البلادِ المصريَّةِ مَن يَعِرِفُه، وفَرَّقَ بينَ العَلَمَيْنِ، بأنَّ عَلَمَ التَّشَخُّصِ مَوْضوعٌ للحقيقَةِ بقَيْدِ التَّشَخُّصِ الخارجيِّ، وعَلَمَ الجِنْسِ مَوْضوعٌ للمَاهِيَّةِ بقَيْدِ التَّشَخُّصِ الذِّهْنِيِّ، وفَرَّقَ بينَ اسمِ الجِنْسِ وعَلَمِ الجِنْسِ بخصوصِ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ، فإنْ وُضِعَ لها من حيثُ خُصُوصُها فهو عَلَمُ الجِنْسِ، أو من حيثُ عُمُومُها فاسمُ الجِنْسِ، وعلى هذا الفَرْقِ مَشَى المُصَنِّفُ، أنَّ اسمَ الجِنْسِ هو الموضوعُ للحقيقةِ الذِّهْنِيَّةِ من حيثُ هي، فـ (أَسَدٌ) موضوعٌ للحقيقةِ من غيرِ اعتبارِ قَيْدٍ مَعَهَا أَصْلاً، وعَلَمُ الجِنْسِ مَوْضوعٌ للحقيقةِ باعتبارِ حضورِها الذِّهْنِيِّ، الذي هو نَوْعُ تَشَخُّصٍ لها مع قَطْعِ النَّظَرِ عن أَفْرَادِها، ونَظِيرُه المُعَرَّفَةُ باللاَّمِ التي هي للحقيقةِ والماهِيَّةِ، فإنَّ الحقيقةَ الحاضِرَةُ في الذِّهْنِ وإنْ كانَتْ عامَّةٌ بالنسْبَةِ إلى أفرادِها، فهي باعتبارِ حُضُورِها فيه أَخَصٌّ من مُطْلَقِ الحقيقةِ، فإذا اسْتَحْضَرَ الواضِعُ صورةَ الأسَدِ، ليَضَعَ لها تلكَ الصورةَ الكائنَةَ في ذِهْنِه، جُزْئِيَّةً بالنسبَةِ إلى مُطْلَقٍ صورةِ الأسدِ، فإنَّ هذه الصورةَ واقِعَةٌ لهذا الشَّخْصِ في زمانٍ، ومِثْلُها يَقَعُ في زمانٍ آخَرَ، وفي ذِهْنٍ آخَرَ والجميعُ مُشْتَرِكٌ في مُطْلَقِ صُورَةِ الأسَدِ، وفي كلامِ سِيبَوَيْهِ إشارةٌ إلى هذا الفَرْقِ، فإنَّه قالَ في بابِ تَرْجَمَتِه (هذا بابُ مِن المَعْرِفَةِ يكونُ الاسمُ الخاصُّ فيه شائعاً في أُمَّتِه، ليسَ واحداً منها بأَوْلَى من الآخَرِ) ما نَصَّهُ: إذا قلتَ: هذا أَبُو الحَارِثَ، إنَّما تُرِيدُ هذا الأسدُ، أي: هذا الذي سَمِعْتَ باسْمِه لو عَرَفْتَ أشْبَاهَه، ولا تُرِيدُ أنْ تُشِيرَ إلى شيءٍ قد عَرَفْتَه كزيدٍ، ولكنَّه أَرَادَ هذا الذي كلَّ واحدٍ من أمَّتِه له هذا الاسمِ. انتهى.
فجَعَلَه بمَنْزِلَةِ المُعَرَّفِ باللاَّمِ التي للحقيقةِ، وقولًُه: (هذا) إشارَةٌ إلى شيءٍ بعَيْنِه، فصَارَ أُسَامَةُ يُغْنِي عن هذا، كما أنَّ زيداً يُغْنِي عن قولِك: الرجُلُ المعروفِ بكذا وكذا، وكونُ أُسَامَةَ وَاقِعٌ على كلِّ أَسَدٍ إنَّما كانَ؛ لأنَّ التعريفَ فيه للحقيقةِ، وهي مَوْجُودَةٌ فيه كذا قَرَّرَهُ ابنُ عَمْرُونَ قالَ: ونَظِيرُه: يا رُجُلَ، إذا أَرَدْتَ مُعَيَّناً، فأيُّ رَجُلٍ أَقْبَلْتَ عليه ونَادَيْتَه، كانَ مُعَرَّفَةٌ لوجودِ القَصْدِ إليه، فكذا أُسَامَةُ؛ أي: أَسَدٌ رَأَيْتَه، فإنَّك تُرِيدُ هذه الحقيقةَ المَعْرُوفَةَ بكذا، فالتَّعَدُّدِ ليسَ بطريقِ الأصلِ. انتهى.
وقالَ ابنُ مَالِكٍ بعدَ ذِكْرِه نَصَّ= سِيبَوَيْهِ هذا: جَعَلَه خَاصًّا شائعاً في حالةٍ واحدةٍ مَخْصُوصَةٍ، باعتبارِ تَعْيينِه الحقيقَةُ= في الذِّهْنِ، وشِيَاعُه باعتبارِ أنَّ لِكُلِّ شَخْصٍ من أشخاصِ نَوْعِه قِسْطاً من تلك الحقيقةِ في الخارجِ، والذي اخْتَارَهُ والدُ المُصَنِّفِ أنَّ عَلَمَ الجِنْسِ: ما قُصِدَ به تَمْييزُ الجِنْسِ عن غيرِه مع قَطْعِ النَّظَرِ عن أفرادِه.
واسمُ الجِنْسِ: ما قُصِدَ به مُسَمَّى الجِنْسِ باعتبارِ وقُوعِه على الأفرادِ، حتى إذا دَخَلَتْ عليه الألِفُ واللاَّمُ الجِنْسِيَّةُ، صَارَ مُساوياً لعَلَمِ الجِنْسِ؛ لأنَّ الألِفَ واللاَّمَ الجِنْسِيَّةَ لتَعْرِيفِ المَاهِيَّةِ، وفَرَّعَ على ذلك أنَّ عَلَمَ الجِنْسِ لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ، لأنَّ الحقيقةَ من حيثُ هي لا تَقْبَلُ جمعاً ولا تَثْنِيَةً؛ لأنَّ التَّثْنِيَةَ والجَمْعُ إنَّما هو للأفرادِ، لكنْ صَرَّحَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ في (القواطعِ) أنَّ الألِفَ واللاَّمَ الداخِلَةِ على اسمِ الجِنْسِ، لعَهْدِ الجَنْسِ لا للتَّعْرِيفِ.
وقالَ ابنُ الحَاجِبِ في (شَرْحِ المُفَصَّلِ) في الفَرْقِ بينَ أُسَامَةَ وزَيدٍ: إنَّ أسداً مَوْضُوعٌ لفَرْدٍ من أفرادِ النَّوْعِ لا بعَيْنِه، فالتَّعَدُّدُ فيه من أَصْلِ الوَضْعِ، وأُسَامَةَ موضوعٌ للحقيقةِ المُتَّحِدَةِ في الذِّهْنِ، فإذا أَطْلَقْتَ أسداً على واحدٍ أَطْلَقْتَه على أَصْلِ وَضْعِه، وإذا أَطْلَقْتَ أُسَامَةَ على الواحدِ فإنَّما أَرَدْتَ الحقيقةَ، ويَلْزَمُ من ذلك التَّعَدُّدُ في الخارجِ، فالتَّعَدُّدُ فيه ضِمْناً لا قَصْداً بالوَضْعِ، وهذه الفروقُ إنْ أُرِيدَ بها أنَّ وَضْعَ اللُّغَةِ ذلك فيَحْتَاجُ إلى دليلٍ وإلاَّ فهِيَ تَحَكُّمَاتٍ.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: واللفظ والمعنى إن اتحدا فإن منع تصور معناه الشركة فجزئي وإلا فكلي.
ش: هذه المسألة في تقسيم اللفظ إذا نسب للمعنى باعتبار وحدته وتعدده، ووحدة المعنى وتعدده، وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: متحد اللفظ والمعنى، ويسمى المنفرد، لانفراد لفظه بمعناه، وينقسم إلى جزئي وكلي، فإن منع تصور معناه من وقوع الشركة فيه فهو الجزئي كالعلم نحو (زيد) وإن لم يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه فهو الكلي، سواء أوقعت فيه الشركة كالإنسان، أو لم تقع وأمكنت كالشمس، أو استحالت كالآلة، فإن استحالة ذلك للأدلة القاطعة عليه.
واعلم أن الجزئي والكلي بالذات هو ذلك المعنى، وإطلاقه على اللفظ الدال عليه باعتبار التبعية تسمية للدال باسم المدلول.
ص: متواطئ إن استوى، مشكك إن تفاوت.
ش: ينقسم الكلي إلى متواطئ ومشكك.
فالأول: ما استوى معناه في أفراده كالإنسان، فإن كل واحد من أفراده لا يزيد على الآخر في معنى الإنسانية وهي الحيوانية والناطقية.
والثاني: أن يتفاوت معناه في أفراده كالنور فإنه يطلق على الشمس والسراج، ولا يخفى ما بينهما من التفاوت، وسمي مشككاً لأنه يشكك الناظر هل هو متواطئ لوحدة، الحقيقة فيه، أو مشترك لما بينهما من التفاوت.
وقال ابن التلمساني: لا حقيقة للمشكك لأن ما حصل به التفاوت إن دخل في التسمية فاللفظ مشترك، وإن لم يدخل بل وضع للقدر المشترك فهو المتواطئ، وأجاب عنه القرافي بأن كلا من المتواطئ والمشكك موضوع للقدر المشترك، ولكن الاختلاف إن كان بأمر من جنس المسمى فهو المشكك، وإن كان بأمور خارجية من مسماه كالذكورة والأنوثة والعلم والجهل فهو المتواطئ.
واعلم أن بعضهم قال: التعبير بالاختلاف أولى من التعبير بالتفاوت، لأنه يدخل فيه ما كان اختلافه بالوجوب والإمكان، كالوجود واجب في حق الله تعالى، جائز في حق غيره، أو بالاستغتاء والافتقار كالوجود يطلق على الأجسام مع استغنائها عن المحل، وعلى الأعراض مع افتقارها إليه، ولا يدخل ذلك في التعبير بالتفاوت.
وفيه نظر، فإن الواجب والجائز متفاوتان، والاستغناء والافتقار متفاوتان، فقد دخل هذان القسمان في التعبير بالتفاوت أيضاً، والله تعالى أعلم.
ص: وإن تعددا فمتباين.
ش: القسم الثاني أن يتعدد اللفظ والمعنى، كالإنسان والفرس فهو المتباين، سمي بذلك لتباين لفظه ومعناه، أي: أن كلا من اللفظين لفظه ومعناه غير لفظ، الآخر ومعناه، وعندي في مباينة هذا القسم للذي قبله نظر، فإن الكلي إن أخذ باعتبار معناه وحده من غير نظر إلى لفظ آخر فهو مفرد، وإن أخذ باعتبار مدلول آخر فهو متباين بالنسبة إلى ذلك الآخر كالإنسان، فإن معناه مفرد وهو بالنظر إلى الفرس مثلاً متباين، فيدخل أحد القسمين في الآخر، فلينظر في ذلك فإني لم أر من تعرض له، والله تعالى أعلم.
ص: وإن اتحد المعنى دون اللفظ فمترادف، وعكسه إن كان حقيقة فيهما فمشترك وإلا فحقيقة ومجاز.
ش: القسم الثالث: أن يتعدد اللفظ ويتحد المعنى كالإنسان والبشر، فهو المترادف.
القسم الرابع: عكسه أن يتحد اللفظ، ويتعدد المعنى، فإن وضع لكل منهما وضعاً أولياً فهو مشترك بينهما كالقرء للطهر والحيض، وإن وضع لأحدهما ثم نقل للآخر لعلاقة سمي بالنسبة للأول حقيقة، وبالنسبة للثاني مجازاً كالأسد، ومحل هذا إذا لم يغلب استعماله في المنقول إليه فإن غلب سمي بالنسبة للأول منقولاً عنه، وبالنسبة للثاني منقولاً إليه، ومقتضى هذا أنه لا يطلق عليه اسم الحقيقة والمجاز، وهذا مخالف لقولهم: إنه قد تكون الحقيقة مرجوحة والمجاز راجحاً.
ص: والعلم ما وضع لمعين لا يتناول غيره، فإن كان التعين خارجياً فعلم الشخص، وإلا فعلم الجنس، وإن وضع للماهية من حيث هي فاسم الجنس.
ش: ذكر المصنف من أقسام الجزئي العلم، وعرفه بأنه ما وضع لمعين لا يتناول غيره.
فخرج بالمعين النكرات.
وبقوله: (لا يتناول غيره) بقية المعارف، فإن الضمير صالح لكل متكلم ومخاطب وغائب، واسم الإشارة صالح لكل مشار إليه، وكذلك بقيتها.
وهذا التعريف ذكره ابن الحاجب في كافيته، وزاد فيه (بوضع واحد) لئلا يرد عليه أن زيداً مثلاً قد يسمى به واحد وآخر فهو متناول لغيره، فأخرجه بقوله: (بوضع واحد) فإن ذلك بأوضاع.
واعترض عليه في قوله: (لا يتناول غيره) بأنه إذا قصد بذلك إخراج الضمير كـ (أنت) مثلاً فإنه يصح أن يخاطب به زيد وعمرو وغيرهما ـ يقال له: والعلم كذلك، فكما أنه قد يعرض الاشترك في لفظ الضمير بحسب المخاطب قد يعرض في العلم باعتبار تعدد التسمية، لكن كل منهما لم يوضع إلا لواحد بخلاف النكرات، ولو تبع المصنف ابن مالك في تعريف العلم بأنه: (اسم يعين مسماه مطلقاً) أي من غير قيد ولا قرينة ـ لكان أحسن.
ثم قسم المصنف العلم إلى علم الشخص كزيد، وعلم الجنس كأسامة، وفرق بينهما بأن التعين في الشخصي خارجي وفي الجنسي ذهني، وتقرير ذلك أن علم الشخص موضوع للحقيقة بقيد التشخص الخارجي، وعلم الجنس موضوع للماهية بقيد التشخص الذهني.
ومن المهمات: الفرق بين علم الجنس كأسامة، واسم الجنس كأسد، فإنهما في المعنى سواء لصدق كل منهما على كل فرد من هذا الجنس، وفي الأحكام اللفظية مختلفان فإن لأسامة حكم الأعلام من منع الصرف لاجتماع فرعية الأنوثة والعلمية وغير ذلك من الأحكام، وأسد نكرة محضة، قال القرافي: وكان الخسروشاهي يقرره ولم أسمعه من أحد إلا منه، وكان يقول: ما في البلاد المصرية من يعرفه، وتقرير الفرق بينهما أن الواضع إذا استحضر صورة الأسد ليضع لها فتلك الصورة المتشخصة في ذهنه جزئية باعتبار تشخصها في ذهنه، ومطلق الصورة كلي، فإن وضع اللفظ للصورة التي في ذهنه فهو علم الجنس، وإن وضعه لمطلق الصورة فهم اسم الجنس وحينئذ فلا يعرف الفرق بينهما إلا باعتبار وضع الواضع.
وفي كلام سيبويه إشارة إلى هذا الفرق، وقال ابن مالك بعد ذكره كلامه: جعله خاصاً شائعاً في حال واحدة مخصوصة باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهن، وشائعة باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطاً من تلك الحقيقة في الخارج.
واختار والد المصنف أن علم الجنس ما قصد به تمييز الجنس عن غيره، مع قطع النظر عن أفراده، واسم الجنس ما قصد به مسمى الجنس باعتبار وقوعه على الأفراد، حتى إذا أدخلت عليه الألف واللام الجنسية صار مساوياً لعلم الجنس، لأن الألف واللام الجنسية لتعريف الماهية، وفرع على ذلك أن علم الجنس لا يثنى ولا يجمع، لأن الحقيقة من حيث هي لا تقبل جمعاً ولا تثنية، لأن التثنية والجمع إنما هو للأفراد.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اللفظ, اتحاد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir