1103 - وَعَنْ سُليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: كَانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جيشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بتَقْوَى اللهِ وبِمَنْ مَعَهُ مِن المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قالَ: ((اغْزُوا عَلَى اسْمِ اللهِ فِي سَبيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمُ: ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ بأَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَإِنْ هُم أَبَوْا فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِاللهِ تَعَالَى وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلا تَفْعَلْ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ؛ فَإِنَّكُمْ أنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ، وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ فَلا تَفْعَلْ، بَلْ عَلَى حُكْمِكَ؛ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللهِ تَعَالَى أَمْ لا)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- فِي خَاصَّتِهِ: مُتَعَلِّقٌ بِـ (تَقْوَى اللَّهِ) وَخَاصَّتُهُ: مَا يَخُصُّ نَفْسَهُ مِنْ شُؤُونِهِ.
- بِمَنْ مَعَهُ: كَأَنَّهُ قَالَ: أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّتِهِ، وَأَوْصَاهُ بِمَنْ مَعَهُ مِن الْمُسْلِمِينَ خَيْراً.
- خَيْراً: مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ.
- عَلَى اسْمِ اللَّهِ – فِي سَبِيلِ اللَّهِ: مُتَعَلِّقٌ بِـ (اغْزُوا) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي ظَرْفاً لَهُ، وَيَكُونَ الأَوَّلُ حَالاً.
- قَاتِلُوا: جُمْلَةٌ مُعْتْرِضَةٌ مُوَضِّحَةٌ لِـ (اغْزُوا) فَأَعَادَ (اغْزُوا)؛ لِتَعَقُّبِهِ بِالمَذْكُورَاتِ بَعْدَهُ.
- وَلا تَغُلُّوا: غَلَّ – مِنْ بَابِ نَصَرَ – غُلُولاً، فَهُوَ غَالٌّ، وَالْغُلُولُ: الْخِيَانَةُ مِنَ المَغْنَمِ، وَكُلُّ مَنْ خَانَ خِفْيَةً فَقَدْ غَلَّ.
- لا تَغْدِرُوا: بِكَسْرِ الدَّالِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَالغَدْرُ: تَرْكُ الوفاءِ بالعهدِ.
- إِذَا لَقِيتَ: هَذَا مِنْ بَابِ تَلْوِينِ الْخِطَابِ، فَبَعْدَ أَنْ خَاطَبَ الجيشَ عَامَّةً، خَصَّ الأميرَ وَحْدَهُ بالخِطَابِ، فَدَخَلُوا بالتَّبَعِيَّةِ.
- فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ: يَعْنِي إِلَى إِحْدَى الثَّلاثِ، وَهِيَ: الإِسْلامُ، أَوْ عَطَاءُ الجِزْيَةِ، أَو الْمُقَاتَلَةُ.
- التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِم: الْمُرَادُ بالتَّحَوُّلِ الانْتِقَالُ وَالْهِجْرَةُ مِنْ بلادِ الْكُفْرِ إِلَى بلادِ الْمُسْلِمِينَ.
- ثُمَّ ادْعُهُمْ: كَرَّرَ لِمَزِيدِ التأكيدِ.
- أَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ: وَاحِدُهُ أَعْرَابِيٌّ، لا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ؛ لأَنَّ البقاءَ بالباديةِ سَبَبٌ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الشريعةِ؛ لِقِلَّةِ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
- الْغَنِيمَةِ: جَمْعُهَا غَنَائِمُ: يُقَالُ: غَنِمَ فُلانٌ غَنِيمَةً، فَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الغُنْمِ، وَأَصْلُهَا: الرِّبْحُ وَالفَضْلُ، وَهِيَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالٍ حَرْبِيٍّ قَهْراً بِقِتَالٍ.
- الْفَيْءِ: أَصْلُهُ: الرُّجُوعُ، يُقَالُ: فَاءَ الظِّلُّ: إِذَا رَجَعَ نَحْوَ المَشْرِقِ، وَسُمِّيَ الْمَالُ الْحَاصِلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: فَيْئاً؛ لأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ.
- وَهُوَ اصْطِلاحاً: مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ كَافِرٍ بِحَقِّ الْكُفْرِ بِلا قِتَالٍ.
- الْجِزْيَةَ: مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْجَزَاءِ، وَهِيَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ كُلَّ عَامٍ بَدَلاً مِنْ قَتْلِهِمْ وَإِقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا.
- حِصْنٍ: حَصُنَ الْمَكَانُ حَصَانَةً، فَهُوَ حَصِينٌ، وَالحِصْنُ: الْمَوْضِعُ المَنِيعُ: جَمْعُهُ: حُصُونٌ، وَالحَصِينُ: المُحْكَمُ الْمَنِيعُ.
- ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ: الذِّمَّةُ هُنَا مَعْنَاهَا: عَقْدُ الصُّلْحِ وَالْمُهَادَنَةِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِئَلاَّ يَنْقُضَ الذِّمَّةَ مَنْ لا يَعْرِفُ حَقَّهَا، وَيَنْتَهِكَ حُرْمَتَهَا مَنْ لا تَمْيِيزَ لَهُ مِن الجَيْشِ.
- تُخْفِرُوا: بِضَمِّ التاءِ، وَسُكُونِ الخاءِ، ثُمَّ فاءٍ مَكْسُورَةٍ، وَرَاءٍ، يُقَالُ: أَخْفَرْتُ الرَّجُلَ: إِذَا نَقَضْتَ عَهْدَهُ، وَخَفَرْتُهُ: بِمَعْنَى أَمَّنْتُهُ وَحَمَيْتُهُ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- هَذَا الْحَدِيثُ الشريفُ الصَّحِيحُ يَصِفُ أَحْسَنَ وَصْفٍ للجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مِنْ مصدرِهِ الأصليِّ؛ المُشَرِّعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ، وَمَا تَتَّصِفُ بِهِ تِلْكَ الحروبُ الإسلاميَّةُ مِن العدلِ والإنصافِ، وَمَا تَتَحَلَّى بِهِ مِن الرَّحْمَةِ، وَمَا تَهْدِفُ إِلَيْهِ مِن الْبِرِّ، وَالإحسانِ، وَمَا تَتَمَسَّكُ بِهِ مِن العهودِ والمواثيقِ، وَأَنَّهَا بِخِلافِ مَا يَصِفُهَا بِهِ أَعْدَاءُ الإِسْلامِ، مِن القسوةِ، والعُنْفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الأَوْصَافِ الَّتِي يُلْحِقُونَهَا بِهَا، إِمَّا جَهْلاً وَتَقْلِيداً، وإمَّا عَدَاوَةً وَحِقْداً.
2- أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَبْعَثُ أَمِيراً عَلَى سَرِيَّةٍ إِلاَّ أَوْصَاهُ، وَأَوْصَى سَرِيَّتَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَنْبَغِي لَهُم اتِّبَاعُهُ فِي غَزْوَتِهِمْ مِن الأحكامِ والآدابِ والفضائلِ.
3- الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِثِقَتِهِم الكبيرةِ بِنَبِيِّهِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإيمانِهِم العميقِ بِحُسْنِ وَصَايَاهُ وَكَبِيرِ فَائِدَتِهَا؛ فَإِنَّهُمْ يُنَفِّذُونَهَا وَفْقَ مَا رَسَمَهَا لَهُمْ، بِغِبْطَةٍ وَفَرْحَةٍ، مُتَمَثِّلِينَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. [الْحَشْر: 7] وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. [النُّور: 63].
4- كَانَ أَوَّلُ زَادٍ مِنْ وَصَايَاهُ الحكيمةِ الرشيدةِ هِيَ الوصيةَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَتَقْوَى اللَّهِ كَلِمَةٌ صغيرةٌ تَجْمَعُ كُلَّ خَيْرٍ، وَتُبْعِدُ كُلَّ شَرٍّ، فَهِيَ امْتِثَالُ أَوَامِرِ اللَّهِ، وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، وَإِذَا حَلَّتِ التَّقْوَى قَلْبَ الْعَبْدِ صَارَتْ هِيَ الرقيبَ الَّذِي لا يَغِيبُ، وَلا يَغْفُلُ عَنْ تَصَرُّفَاتِهِ، فَإِنَّهَا تُرَاقِبُهُ وَتُصَرِّفُهُ؛ لِتَكُونَ دَائِماً المُهَيْمِنَ عَلَيْهِ، فَتَقِيَهُ شَرَّ نَفْسِهِ، وَشَرَّ غَيْرِهِ، مِنْ شَيَاطِينِ الإنسِ والجنِّ.
5- أَوْصَاهُ بِأَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً، فَلا يَسْتَغِلَّ سُلْطَتَهُ، وَإِمَارَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَيَغْتَنِمَ فُرْصَةَ اتِّبَاعِهِم أَمْرَهُ وَتَنْفِيذِهِم رَغْبَتَهُ بِمَصَالِحِهِ الخاصَّةِ وَطَلِبَاتِهِ المَحْدُودَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَمْرُهُ عَلَيْهِمْ وَنَهْيُهُ فِيهِمْ وفقَ المصلحةِ الْعَامَّةِ لَهُمْ وللمُسْلِمِينَ عَامَّةً.
6- تَصْحِيحُ النِّيَّةِ، وَسَلامةُ الطَّوِيَّةِ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ غَزْوَتُهُم مَقْصُوداً بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، والدارُ الآخِرَةُ، بإرادةِ نُصْرَةِ الإِسْلامِ، وَنَشْرِ دَعْوَةِ التوحيدِ، فَإِنَّمَا الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، فَلا يَكُونُ الْقَصْدُ مِن الغَزْوِ الغنيمةَ، أَوْ مُجَرَّدَ الاستيلاءِ عَلَى الأعداءِ، أَوْ إرادةَ الشجاعةِ والظهورِ، فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَى اسْمِهِ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا.
7- ((قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ)). هَذَا هُوَ الهدفُ مِن الجهادِ، وَهُوَ قتالُ الْكُفَّارِ؛ لِيَدْخُلُوا فِي دِينِ الإِسْلامِ، فَإِذَا دَخَلُوا فِي الإِسْلامِ، وَدَخَلَ الإيمانُ قلوبَهُم، عَرَفُوا أَنَّ قِتَالَكُم لَهُمْ مَا هُوَ إِلاَّ علاجٌ لأنفسِهِم، وَدَوَاءٌ لِقُلُوبِهِم المريضةِ بالكفرِ والشركِ بِاللَّهِ تَعَالَى.
((وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ رِجَالٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِالسَّلاسِلِ!)). فَلَوْلا قَاعِدَةُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ بِبَقَاءِ الْكُفْرِ، والضلالِ، وامتدادِ الجهلِ، والظلامِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}. [البقرة: 251].
8- ((لا تَغُلُّوا)) الْغُلُولُ: الْخِيَانَةُ فِي الغنيمةِ، وَإِذَا وُجِدَتِ الخيانةُ فِي الغنائمِ فَسَدَتْ نِيَّةُ الجهادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَصَارَ الْغَرَضُ هُوَ الطَّمَعَ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَغْزُوا، وَلَنْ يُتَوَقَّعَ النصرُ إِلاَّ بِحُسْنِ نِيَّتِكُمْ وَقَصْدِكُمْ، فَإِذَا فَسَدَتِ النِّيَّةُ يُدَالُ عَلَيْكُمْ، وَيَنْتَصِرُ عَدُوُّكُمْ؛ قَالَ تَعَالَى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}. [آل عِمْرَان: 152].
9- ((لا تَغْدِرُوا))، الغَدْرُ: نَقْضُ العهدِ، فَهُوَ ضِدُّ الْوَفَاءِ، بَلْ أَتِمُّوا لَهُمْ مَا عَاهَدْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ.
10- ((وَلا تُمَثِّلُوا))، بِأَنْ تُقَطِّعُوا أَطْرَافَ القتيلِ: كَيَدَيْهِ، وَرِجْلَيْهِ، وَأُذُنَيْهِ، وَأَنْ يُبْقَرَ بَطْنُهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ تَشْوِيهِهِ، فَإِنَّ هَذَا قِتَالُ مَنْ يُرِيدُ الانتقامَ، لا قِتَالُ مَنْ يُرِيدُ الإحسانَ.
11- ((وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً)). النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ هُم دُونَ البلوغِ.
12- وُجُوبُ دَعْوَةِ الْعَدُوِّ والمُشْرِكِ إِلَى إِحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ، فَإِنْ هُم أَجَابُوكَ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، هِيَ: الإِسْلامُ، أَو الجزيةُ، أَو القتالُ.
وَإِذَا أَجَابُوا إِلَى الإِسْلامِ، فَلا بُدَّ أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ؛ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِمْ، وَلِيُكْثِرُوا سَوَادَهُم، وَلِيَكُونَ لَهُمْ مَا للمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ.
13- قَائِدُ الجيشِ إِذَا عَقَدَ عَهْداً مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَلا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَهْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَهْدَ رَسُولِهِ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُ لَهُمْ عَهْدَهُ الخَاصَّ؛ لِئَلاَّ يَنْقُضَ العَهْدَ وَيَغْدِرَ، وَعَهْدُ اللَّهِ وَعَهْدُ الرسولِ مُنَزَّهَانِ عَن الغدرِ، وَلَكِنْ إِذَا جَعَلَ لَهُمْ عَهْدَهُ فَنُقِضَ كَانَ أَهْوَنَ إِثْماً.
14- إِذَا أَرَادَ قَائِدُ الجيشِ أَو السَّرِيَّةِ إنزالَ عَدُوِّهِ مِن الْمُشْرِكِينَ عَلَى حُكْمٍ، فَلْيَكُنْ عَلَى حُكْمِهِ هُوَ واجتهادِهِ، لا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ المجتهدَ لا يَدْرِي أَيُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ أَمْ يُخْطِئُهُ؟ فَإِذَا أَخْطَأَهُ فَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
15- هَذِهِ هِيَ آدابُ الحروبِ الإسلاميَّةِ وَالجهادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: التَّقْوَى، والاعتمادُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، والدعوةُ إِلَى الْخَيْرِ والدخولِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا دَخَلَ الإِنْسَانُ فِي الإِسْلامِ فَلَيْسَ هُوَ مُسْتَعْمَراً وَلا مُسْتَرَقًّا، وَلا مُضْطَهَداً، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْلِمٌ، لَهُ مَا للمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ.
فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا إِلَى الإِسْلامِ، فَلَهُم الحُرِّيَّةُ فِي البقاءِ عَلَى دِينِهِمْ، عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا جِزْيَةً، هِيَ لِحَقْنِ دِمَائِهِم، والحفاظِ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَرِعَايَةِ مَصَالِحِهِم.
فَإِنْ أَبَوْا عَنْ هَذَا، وَأَصَرُّوا عَلَى الْوُقُوفِ فِي وَجْهِ الدعوةِ، فَلَمْ يَدَعُوهَا تَبْلُغُ المُسْتَعِدِّينَ لِقَبُولِهَا، فَالْمُسْلِمُونَ مُضْطَرُّونَ لِقِتَالِهِم؛ لِتَصِلَ دعوةُ اللَّهِ وَدِينُهُ حَيْثُ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِذَا قامَ قتالُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ عَدُوِّهِمْ، فَإِنَّهُ قِتَالُ رَحْمَةٍ، فَكُلُّ مَنْ لا عَلاقَةَ لَهُ بالقتالِ لا يُقْتَلُ، فَلا يُقْتَلُ شيخٌ كَبِيرٌ، وَلا رَاهِبٌ فِي مَعْبَدِهِ، وَلا صَبِيٌّ، وَلا امْرَأَةٌ، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ القتالُ إِلَى المُقَاتِلِينَ الْمُعَانِدِينَ، الصَّادِّينَ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّ هَذَا القتالَ لَيْسَ قِتَالَ ثَأْرٍ وَانْتِقَامٍ، يَحْصُلُ بِهِ تَمْثِيلٌ، وَتَشْوِيهٌ للقَتْلَى، فَلا تُمَثِّلُوا.
وَإِذَا أُبْرِمَ عَهْدٌ مَعَ الْعَدُوِّ، فَلْيُحَافَظْ عَلَى الوفاءِ بِهِ وَالْتِزَامِ شُرُوطِهِ وَبُنُودِهِ، وَلْيُعْقَدْ عَلَى ذِمَّةِ القائدِ، وَلا يُعْقَدْ عَلَى ذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَحْصُلَ غَدْرٌ، فَتُنْسَبَ الخيانةُ والغدرُ إِلَى عهدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلا وَإِلَى رسولِهِ، وَهُمْا مُبَرَّآنِ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ إِذَا أُرِيدَ نزولُ الْعَدُوِّ عَلَى الْحُكْمِ، فَلا يَنْزِلُونَ إِلاَّ عَلَى حُكْمٍ مَنْسُوبٍ إِلَى اجتهادِ القائدِ، لا إِلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِئَلاَّ تُخْطِئُوا فِي الْحُكْمِ، فَيَكُونَ الْخَطَأُ مَنْسُوباً إِلَى أحكامِ اللَّهِ، فَإِنَّ القائدَ بِاجْتِهَادِهِ لا يَدْرِي هَلْ يَقَعُ عَلَى الْحَقِّ نَفْسُ الأَمْرِ - وَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ وَمُرَادُهُ - أَمْ لا؟
16- قَالَ الأُسْتَاذُ سَيِّدٌ قُطْبٌ: (إِنَّ الإِسْلامَ يَسْتَبْعِدُ الحروبَ الَّتِي تُثِيرُهَا المَطَامِعُ، وَالْمَنَافِعُ، وحروبَ الاستعمارِ والاستغلالِ والبحثِ عَن الأسواقِ والخاماتِ، وَاسْتِرْقَاقِ الْمَرَافِقِ وَالرِّجَالِ، كَمَا يَسْتَبْعِدُ أيضاً الحروبَ الَّتِي يُثِيرُهَا حُبُّ الأَمْجَادِ الزَّائِفَةِ، وَالْمَغَانِمِ الشَّخْصِيَّةِ، فَلا مَكَانَ لهذهِ الحروبِ، وَهُوَ يَأْمُرُ بالتعاونِ عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوَى، لا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ).