المجموعة الثانية:
1. وضّح كيف كان التعليم النبوي مقرونًا بالعمل.
من طبيعة النفس البشرية أنها تتأثر بما ترى أكثر مما تسمع، وقد راعت الشريعة هذا الشعور البشري، لذا نجد السيرة النبوية مليئة بالشواهد. ولعل أقرب شاهد على ذلك عندما حدث صلح الحديبية بين المسلمين والكفار، وكان من شروط الكفار ألا يدخل المسلمون في هذه المرة لزيارة الكعبة ويعودوا العام القادم، وبعدما فرغوا من كتابة وثيقة الصلح طلب رسول الله من المسلمين أن ينحروا ويحلقوا ولكن لم يقم أحد منهم وأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم طلبه ثلاث مرات ولم يفعلوا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة فذكر لها ما حدث من المسلمين فقالت رضي الله عنها: يا نبي الله، أتحب ذلك اخرج ولا تكلم أحدا حتى تنحر بدنك (ذبيحتك) وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج رسول الله وفعل بمشورتها فما كان من المسلمين إلا أن نحروا وحلق بعضهم لبعض.
كذلك سنته العملية من كثرة صلاة وصيام وحسن خلق كما ذكرت عائشة -رضي الله عنها-: "كان خلقه القرآن" مما يدلك على ظهور الجانب العملي لتلاوته القرآن وتعلمه.
بل إنك لا تكاد تجد موقفا اتسم فيه النبي بالتعليم دون العمل، فقد كان يدعو للجهاد ويفعله، ويرغب في القيام ثم يقوم حتى تتفطر قدماه، وينهى عن أذية الضعفاء والغلمان ولم يضرب امرأة قط أو يتأفف من خادم.. فهذا هو التعليم بالعمل يغلف سيرته كاملة عليه الصلاة والسلام.
2. من خلال دراستك لسيرة أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، كيف تُحذر طالب العلم من مماراة مشايخه؟
كان -رحمه الله- يسائل ابنَ عباس ويماريه فحُرم بذلك كثيراً من علم ابن عباس.
ثم إنه ندم على ذلك، وقال: «لو رفقتُ بابن عباس لأصبتُ منه علما كثيرا» رواه الدارمي من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عنه.
وفيما ذكر درس عظيم وبليغ، اعلم -رحمك الله- أن العلم يجب أن يستقبل بنفسية الطالب المتهيئ للعلم وقبوله، لا المجادل المتحمس للنقض والنقد، فإن مثل هذه النفسية تجعلك كالأرض الصلبة لا تشرب الماء ولا تستفيد من منافعه، وإنما تشرب العلم في مبتدأ طلبك، وانهل منه ما دمت يانعا غضا، فإذا تمكن منك، حينها افتح باب النقد والجدال، كما أنك إن غلبت معلمك بأسئلتك فوت عليك وعلى غيرك دروس التأسيس وعقل مبادئ العلم، وقد يحصل معك ما حصل مع أبي سلمة، فتفوت خيرا كثيرا لقلة الرفق، ولنفور المعلم من ترصدك.
3. قال محمد بن إسماعيل البخاري: (أصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة)
فمن هو أبو الزناد؟ اذكر شيئا من سيرته.
اسمه ونسبه:
اسمه أبو الزناد عبد الله بن ذكوان المدني.
أصله من فارس، وهو مولى آل عثمان بن عفان، نشأ بالمدينة، ولقي ابن عمر وأنساً وأبا أمامة، وتفقه بالفقهاء السبعة وغيرهم.
وكان كاتباً لأمراء المدينة، عالماً بالحساب والعربية، وكانت له حظوة كبيرة في المدينة وأتباع.
كنيته:
كنيته أبو عبدالرحمن، لكنه اشتهر بأبي الزناد، وقد كان يغضبه.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: «عبد الله بن ذكوان لم نكن نكنيه بأبي الزناد، كنا نكنيه بأبي عبد الرحمن، وكان كاتبا لعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب» رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.
- وقال علي بن المديني: أخبرنا ابن عيينة قال: (كان كنية أبي الزناد أبو عبد الرحمن، وكان يغضب من أبي الزناد).
ما حدث بينه وبين ربيعة:
نشأ ربيعة بن أبي عبد الرحمن فانجفل طلاب العلم إليه، ثم وقعت بينه وبين ربيعة جفوة وتنافر، والله يغفر لهما.
تعليله لما حدث بالحظوة:
قال يحيى بن بكير: (سمعت الليث يقول: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة تابع من طالب فقه وعلم وشعر وصنوف، ثم لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة، وكان ربيعة يقول: (شبر من حظوة خير من باع من علم). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو يوسف عن أبي حنيفة قال: قدمت المدينة فأتيت أبا الزناد ورأيت ربيعة؛ فإذا الناس على ربيعة، وأبو الزناد أفقه الرجلين؛ فقلت له: أنت أفقه أهل بلدك والعمل على ربيعة!!
فقال: (ويحك! كفٌّ من حظ خير من جراب من علم). رواه ابن عساكر.
وخير ما يستفاد مما ذكر أعلاه: أن المرء لا يعتد بمقاييس الدنيا، بل الآخرة، وأن العالم مسؤول عن واجبه في العلم وبثه، وليس مسؤولا عن عدد حضور مجلسه، وكلنا يعلم أن النبي يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلين ويأتي وليس معه أحد، فالعبرة بالبلاغ لا الثمرة.
مكانته العلمية:
- درجة أسانيده:
قال محمد بن إسماعيل البخاري: (أصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة).
-ثقة عمر بن عبدالعزيز به:
قال الأصمعي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: (كان الفقهاء كلهم بالمدينة يأتون عمر بن عبد العزيز خلا سعيد بن المسيب فإن عمر كان يرضى أن يكون بينهما رسول وأنا كنت الرسول بينهما). رواه ابن عساكر
-تنوع العلوم وكثرة السائلين:
قال الليث بن سعد عن عبد ربه بن سعيد قال: (رأيت أبا الزناد دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه من الأتباع مثل ما على السلطان بين سائل عن حديث، وبين سائل عن قراءة، وبين سائل عن فريضة، وبين سائل عن حساب، وبين سائل عن عربية، وبين سائل عن شعر). رواه ابن عساكر.
- ثناء الأكابر عليه:
قال سفيان بن عيينة: قلت لسفيان الثوري: جالست أبا الزناد؟ قال: (ما رأيت بالمدينة أميرا غيره).رواه ابن عساكر.
مذهبه الفقهي:
تفقه بالفقهاء السبعة وغيرهم، وهو الذي اشتهر عنه تسميتهم بالفقهاء السبعة.كان ممن يقول بقول زيد بن ثابت في الفقه رغم أنه لم يلقه، وكان من أعلم أهل المدينة بالاثني عشر الذين أخذوا عن زيد. كما ذكر ابن المديني.
-روى عن:
سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وعبد الرحمن الأعرج، وعمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبي، وعروة بن عويم.
وأرسل عن ابن عباس.
-روى عنه:
ابنه عبد الرحمن، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وموسى بن عقبة، ويونس بن يزيد الأيلي، والمغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وسعيد بن عبيد الله القرشي، وسعيد بن أبي هلال، وجهم بن أبي جهم.
وفاته:
توفي سنة ١٣١ للهجرة.
4. ردّ علماء الحديث رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لكثرة خطئه، فهل تعتبر أقواله في التفسير؟ وضّح إجابتك.
يجب أن نعي أن علماء الحديث ردوا أحاديثه لضعفه في الحديث، بناء على معايير المحدثين، وذلك لكونه يخطئ في الأسانيد، ويقلب الأخبار، ويروي بالمعنى على ما يفهمه، وقد يقع في فهمه شيء من الخطأ؛ ويجزم به، والأقرب أنه لا يتعمد الكذب، بل عرف عنه صلاحه.
- قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فقال: (ليس بقوي الحديث، كان في نفسه صالحاً، وفي الحديث واهياً).
إذن هل نعتبر أقواله في التفسير؟
الجواب:
ننظر لصلاحه وأقواله، فلما كان له أقوال تدلّ على سعة علمه بمعاني القرآن، وله عناية بتفسير القرآن بالقرآن، اعتبرنا أقواله.
واعلم أن أكثر ما يُروى عنه في كتب التفسير المسندة من أقواله لا من مروياته. ولما كان العيب في مروياته سقط هذا في حق أقواله في التفسير. ومن هنا نقول: أن أقواله معتبرة في التفسير.
5. بم تفسر كثرة أصحاب عبد الله بن عباس رضي الله عنه من المكيين وممن وفدوا إلى مكة؟
يعود ذلك لكونه انتقل إلى مكة سنة40هـ بعد مقتل علي بن أبي طالب، فمكث فيها نحوا من خمس وعشرين سنة يعلّم العلم، ويفسّر القرآن، ويجيب على أسئلة السائلين، ويرشد القضاة، مما ساهم في تكثير أصحابه في مكة.