دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الجنائز

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 06:02 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ما يسن عمله للميت إذا مات

فإذا ماتَ سُنَّ تَغميضُه وشَدُّ لَحْيَيْهِ وتَليينُ مَفَاصِلِهِ وخَلْعُ ثيابِه وسَتْرُه بثَوبٍ ووَضْعُ حَديدةٍ على بَطْنِه ، ووَضْعُه على سَريرِ غُسْلِه مُتَوَجِّهًا مُنْحَدِرًا نحوَ رِجلَيْهِ وإسراعُ تَجهيزِه إن ماتَ غيرَ فَجأةٍ.
وإنفاذُ وَصِيَّتِه، ويَجِبُ في قضاءِ دَيْنِه.


  #2  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 08:38 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

....................

  #3  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 08:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(فإذا مَاتَ سُنَّ تَغْمِيضُه)؛ لأنَّه عليهِ السَّلامُ أَغْمَضَ أَبَا سَلَمَةَ وقالَ: ((إِنَّ المَلاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ويقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وعلَى مِلَّةِرَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ، ويُغْمِضُ ذَاتَ مَحْرَمٍ, وتُغْمِضُه، وكُرِهَ مِن حَائِضٍ وجُنُبٍ, وأنْ يَقْرَبَاهُ، ويُغْمِضُ الأُنْثَى مِثْلُها أو صَبِيٌّ.
(وشَدُّ لَحْيَيْهِ)؛ لئَلاَّ يَدْخُلَهُ الهَوَامُّ, (وتَلْيِينُ مَفَاصِلِه)؛ ليَسْهُلَ تَغْسِيلُه, فيَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ إلى عَضُدَيْهِ, ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلى جَنْبِه, ثُمَّ يَرُدُّهُمَا ويَرُدُّ سَاقَيْهِ إلى فَخِذَيْهِ, وهما إلى بَطْنِه, ثُمَّ يَرُدُّهُمَا, ويَكُونُ ذلكَ عَقِبَ مَوْتِه قَبْلَ قَسْوَتِهَا، فإنْ شَقَّ ذلكَ تَرَكَهُ.
(وخَلْعُ ثِيَابِه)؛ لئَلاَّ يَحْمَى جَسَدُه, فيُسْرِعُ إليه الفَسَادُ. (ويَسْتُرُه بثَوْبٍ)؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ, (أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ). مُتَّفَقٌ عليه.
ويَنْبَغِي أنْ يَعْطِفَ فَاضِلَ الثَّوْبِ عندَ رَأْسِه ورِجْلَيْهِ؛ لئَلاَّ يَرْتَفِعَ بالرِّيحِ. (ووَضْعُ حَدِيدَةٍ) أو نَحْوِهَا (على بَطْنِه)؛ لقَوْلِ أَنَسٍ: ضَعُوا عَلَى بَطْنِه شَيْئاً مِن حَدِيدٍ؛ لئَلاَّ يَنْتَفِخَ بَطْنُه.
(ووَضْعُه على سَرِيرِ غُسْلِه)؛ لأنَّه يُبْعِدُ عَنه الهَوَامَّ. (مُتَوَجِّهاً) إلى القِبْلَةِ على جَنْبِه الأَيْمَنِ (مُنْحَدِراً نَحْوَ رِجْلَيْهِ)؛ أي: يَكُونُ رَأْسُه أَعْلَى مِن رِجْلَيْهِ؛ ليَنْصَبَّ عَنْهُ المَاءُ وما يَخْرُجُ مِنْهُ.
(وإِسْرَاعُ تَجْهِيزِه إن ماتَ غَيْرَ فَجْأَةٍ)؛ لقَوْلِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((لاَ يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ)) رواه أَبُو دَاوُدَ. ولا بَأْسَ أن يَنْتَظِرَ بِهِ مَن يَحْضُرُه مِن وَلِيِّه أو غَيْرِه إنْ كانَ قَرِيباً ولم يُخْشَ عليه أو يَشُقُّ على الحَاضِرِينَ، فإنْ ماتَ فَجْأَةً أو شُكَّ في مَوْتِه انتُظِرَ به حتَّى يُعْلَمَ مَوْتُه بانخِسَافِ صُدْغَيْهِ ومَيْلِ أَنْفِه وانفِصَالِ كَفَّيْهِ واستِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ.
(وإِنْفَاذُ وَصِيَّتِه)؛ لِمَا فيه مِن تَعْجِيلِ الأَجْرِ. (ويَجِبُ) الإسراعُ (في قَضَاءِ دَيْنِه), سواءٌ كانَ للَّهِ تَعَالَى أو لآدَمِيٍّ؛ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ, وحَسَّنَهُ, عَن أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً: ((نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ)). ولا بَأْسَ بتَقْبِيلِه والنَّظَرِ إليهِ ولو بعدَ تَكْفِينِه.


  #4  
قديم 27 ذو القعدة 1429هـ/25-11-2008م, 09:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(فإذا مات سن تغميضه) ([1]) لأّنه عليه السلام أَغمض أَبا سلمة، وقال ((إن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)) رواه مسلم([2]) ويقول: بسم الله، وعلى وفاة رسول الله([3]) -صلى الله عليه وسلم- ويغمض ذات محرم وتغمضه([4]) وكره من حائض وجنب ([5]).
وأن يقرباه([6]) ويغمض الأنثى مثلها أو صبي([7]) (وشد لحييه) لئلا يدخله الهوام([8]) (وتليين مفاصله) ليسهل تغسيله([9]) فيرد ذراعيه إلى عضديه، ثم يردهما إلى جنبيه ثم يردهما([10]) ويرد ساقيه إلى فخذيه، وهما إلى بطنه، ثم يردهما، ويكون ذلك عقب موته، قبل قسوتها([11]) فإن شق ذلك تركه([12]).
(وخلع ثيابه) لئلا يحمي جسده فيسرع إليه الفساد([13]) (وستره بثوب) ([14]) لما روت عائشة (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين توفي سجي ببرد حبرة) متفق عليه([15])، وينبغي أن يعطف فاضل الثوب عند رأْسه ورجليه، لئلا يرتفع بالريح([16]) (ووضع حديدة) أو نحوها (على بطنه)([17]).
لقول أنس: ضعوا على بطنه شيئًا من حديد، لئلا ينتفخ بطنه([18]) (ووضعه على سرير غسله) لأنه يبعد عن الهوام([19]) (متوجهًا) إلى القبلة، على جنبه الأيمن([20]) (منحدرًا نحو رجليه) أي أن يكون رأسه أعلى من رجليه، لينصب عنه الماء وما يخرج منه([21]) (وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأَة) ([22]) لقوله عليه السلام: ((لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله)) رواه أبو داود([23]).
ولا بأْس أن ينتظر به من يحضره، من وليه أو غيره، إن كان قريبًا، ولم يخش عليه، أو يشق على الحاضرين([24]) فإن مات فجأَة([25]) أَو شك في موته انتظر به حتى يعلم موته، بانخساف صدغيه([26]) وميل أنفه، وانفصال كفيه([27])، واسترخاء رجليه([28]).
(وإنفاذ وصيته) لما فيه من تعجيل الأَجر([29]) (ويجب) الإسراع (في قضاءِ دينه) ([30]).
سواءٌ كان لله تعالى أو لآدمي([31]) لما روى الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه عن أبي هريرة مرفوعًا: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقـضى عنه» ([32]) ولا بـأس بتقبيله والنـظر إليه، ولـو بعد تكفينه([33]).



([1]) إجماعًا، للخبر، لا قبله، فذكر أبو داود أن أبا ميسرة غمض جعفرًا المعلّم في حالة الموت فرآه في منامه يقول: أعظم ما كان علي تغميضك لي قبل الموت، ومات الإنسان يموت ويمات، فهو مَيَّت ومَيْت، إذا فارقت روحه جسده.
([2]) أول الحديث ((إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فلا تقولوا إلا خيرًا)) أي فلا يتكلم من حضره إلا بخير، ولأحمد عن شداد مرفوعًا «إذا حضرتم الميت فأغمضوا البصر، فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرًا، فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت» ولأنها إذا لم تغمض بقيت مفتوحة، فيقبح منظره، ويساء به الظن، ويقال: أغمض عينيه وغمضها، لغتان، وفي قصة أبي سلمة قال صلى الله عليه وسلم ((اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونور له فيه)) فينبغي أن يقال مثل ذلك.
([3]) يعني حال تغميضه، نص عليه، لما رواه البيهقي وغيره، عن بكر بن عبد الله المزني، ولفظه: وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
([4]) كأمه وأخته وأم زوجته، وأخته من رضاع، وكأبيها وأخيها، وظاهره لا يباح لغير محرم، ولعله إن أدى إلى لمسه، أو نظر ما لا يجوز، ممن لعورته حكم.
([5]) أي كره تغميض الميت من حائض أو جنب، نص عليه، وكره أن يقرباه
لعدم دخول الملائكة البيت الذي فيه جنب، وقيس الحائض على الجنب بجامع العذر.
([6]) لتحضره الملائكة، وحكى ابن المنذر الإجماع جوازه، ولكن الأولى أن يكون المتولي والحاضر طاهرًا، لأنه أكمل وأحسن.
([7]) أي يغمض الأنثى أنثى مثلها، أو صبي لم يبلغ الحلم.
([8]) أي ويسن إذا مات شد لحييه، بعصابة ونحوها، تجمع لحييه ويربطها فوق رأسه، وعن عمر لما حضرته الوفاة قال لابنه عبد الله: إذا رأيت روحي بلغت لهاتي، فضع كفك اليمنى على جبهتي، واليسرى تحت ذقني. ولئلا يبقى ذقنه مفتوحًا, ويتشوه خلقه، وتدخله الهام، أو الماء وقت غسله.
([9]) أي وينبغي تليين مفاصل أعضاء يديه ورجليه، جمع مفصل، ويكون عقب موته، قبل قسوتها، لبقاء الحرارة في البدن عقب الموت، فإنها إذا ألينت المفاصل حينئذ لانت، فسهل تغسيله، ولا يمكن تليينها بعد برودته.
([10]) ويرد أصابع يديه إلى كفيه ثم يبسطهما.
([11]) وبرودة أعضائه، فلا تلين عند الغسل.
([12]) أي فإن شق تليين مفاصله على ما تقدم، تركه، للأمر بالرفق به.
([13]) ويتغير بدنه بسببها، وربما خرجت منه نجاسة فلوثتها، واحترامًا له، وصونًا له عن الهوام.
([14]) أي ويسن ستر وجهه وسائر بدنه بثوب، إجماعًا.
([15]) وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، سنة عشر من هجرته صلوات الله وسلامه عليه، ودفن ليلة الأربعاء صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا، و«سجي» بضم السين وشد الجيم المكسورة، أي غطي جميع بدنه، قال الجوهري: سجيت الميت تسجية، إذا مددت عليه ثوبًا. وحكمته صيانته من الانكشاف، وستر عورته المتغيرة عن الأعين، والتسجية بعد نزع ثيابه التي توفي فيها، والبرد أكسية معروفة، أو ثوب مخطط، والحبرة بكسر الحاء وفتح الباء، ثوب فيه أعلام، أي مخطط ومحسن.
([16]) وعلل الشافعية بأن لا ينكشف.
([17]) أي ويسن وضع حديدة كمرآة وسيف وسكين ونحوها، كقطع طين على بطنه، فوق ثوبه المسجي به، وهو مستلق على ظهره، وقال ابن عقيل وغيره: هذا لا يتصور إلا وهو على ظهره، فيجعل تحت رأسه شيء عال، ليحصل مستقبلاً بوجهه القبلة، وقدموا الحديد لأنه أبلغ في دفع النفخ.
([18]) فيقبح منظره، رواه البيهقي وغيره، ولفظه: أنه مات مولى لأنس، عند مغيب الشمس، فقال أنس: ضعوا على بطنه حديدًا. وقدر بعضهم ما يوضع على بطنه بقدر عشرين درهمًا، ويصان عنه مصحف، وكتب حديث وفقه ونحوهما.
([19]) ويرتفع عن نداوة الأرض، لئلا يتغير بنداوتها، أو يحمي على فراش، فيتغير، فإن كانت الأرض صلبة، جاز جعله عليها، لزوال العلة وهو سرعة تغيره.
([20]) لما تقدم، وتقدم أنه يوضع على ظهره مستلقيًا.
([21]) أي من الميت، لئلا ينفجر بعد، ويستحب أن يلي ذلك منه أرفق الناس به بأرفق ما يقدر عليه.
([22]) أي يسن إسراع في تجهيزه، من غسل وتكفين وصلاة ودفن إجماعًا، فإن مات فجأة انتظر به من غدوة إلى الليل، نص عليه، وقال القاضي: يومين أو ثلاثة، ما لم يخف فساده، والفجاءة بضم الفاء والمد وكتمرة: الموت بغتة، من غير تقدم سبب من مرض وغيره، وتيقن موته أو من غير مرض ولا نزع ونحوه.
([23]) وعن علي نحوه، رواه أحمد وغيره، ويشهد له أيضًا أحاديث الإسراع بالجنازة، ولأنه أحفظ له، وأصون من التغير، قال أحمد: كرامة الميت تعجيله،
وأول الحديث ((ما أراه إلا قد حدث فيه الموت، فإذا مات فآذنوني، حتى أصلي عليه، وعجلوا به، فإنه لا ينبغي)) الخ.
([24]) نص عليه، لما يؤمل من الدعاء له إذا صلي عليه، ويباح إعلام الناس بموت قريبهم، للمبادرة لتهيئته، وشهود جنازته، والصلاة عليه وغير ذلك، بخلاف نعي الجاهلية، وهو النداء بموت الشخص، وذكر مآثره ومفاخره، قال ابن العربي وغيره: يؤخذ من مجموع الأحاديث في النعي ثلاث حالات، إعلام الأقارب والأصحاب وأهل الصلاح، فسنة، ودعوة الحفل للمفاخرة فتكره، والإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فتحرم اهـ. ونعي النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه، ونعى الأمراء، «ونعى الميت» أخبر بموته، والنعي ليس ممنوعًا كله، وإنما نهي عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، يرسلون من يعلن بخبر موت الميت، على أبواب الدور والأسواق.
([25]) أي بغتة بسبب صعقة أو هدم أو حرق، أو خوف من حرب أو سبع أو ترد من جبل، أو في بئر أو نحو ذلك، وكذا المطعون والمبطون، ونحوهم، انتظر به حتى يتيقن موته، بالعلامات الدالة عليه، لئلا يكون مغنى عليه، أو انطبق حلقه، أو غلب المرار عليه، أو غير ذلك.
([26]) وغيبوبة سواد عينيه في البالغين، وهو أقواها، والصدغ ما بين لحظ العين إلى أصل الأذن، مثل قفل.
([27]) أي انخلاعهما من ذراعيه، بأن تسترخي عصبة اليد، فتبقى كأنها منفصلة في جلدتها عن عظم الزند.
([28]) أي لينها واسترسالها، بعد خروج الروح لصلابتها قبله، وكذا امتداد جلدة وجهه، وجلدة خصيتيه لانشمارهما بالموت، وأوضح علامات موته تغير رائحته، ولا ريب أن هذه العلامات دالة على موته يقينًا، ووجه تأخير من مات فجأة، أوشك في موته احتمال أن يكون عرض له سكتة ونحوها، وقد يفيق بعد يوم أو يومين أو ثلاثة، وقد يعرف موت غير الفجأة بهذه العلامات أيضًا وغيرها، وموت الفجأة أشق، وفيه أثر، ولأحمد، قال: أكره موت الفوات، ولعله لما فيه من خوف حرمان الوصية، وفوات الاستعداد للمعاد، بالتوبة وغيرها من الأعمال الصالحة، وعن عائشة وابن مسعود: موت الفجأة راحة للمؤمن، وأسف على الفاجر. وذكر المدائني: أن الخليل وجماعة من الأنبياء ماتوا فجأة، قال: وهو موت الصالحين، وهو تخفيف على المؤمنين، وقد يقال: إنه لطف ورفق بأهل الاستعداد للموت، وغضب ممن له تعلقات يحتاج إلى إيصاء وتوبة، وفي الخبر «المحروم من حرم وصيته» فينبغي لولده أن يستدرك من أعمال البر ما أمكنه، مما يقبل النيابة.
وينبغي أن لا يترك الميت في بيت وحده، قال الآجري فيمن مات عشية: يكره تركه في بيت وحده، بل يبيت معه أهله. وقال النخعي: كانوا لا يتركونه في بيت وحده، يقولون: يتلاعب به الشيطان.
([29]) وقدمها تعالى على الدين حثًا على إخراجها لم أشبهت الميراث، في كونها بلا عوض، وكان في إخراجها مشقة على الوارث، ولذلك جيء بكلمة «أو» التي تقتضي التسوية، فاستويا في الاهتمام، وعدم التضييع، وإن كان الدين مقدمًا عليها.
([30]) وما فيه إبراء ذمته، قبل الصلاة عليه، لتركه عليه الصلاة والسلام الصلاة على من عليه دين، وقوله ((صلوا على صاحبكم)) فإن تعذر قضاء دينه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل عنه، لئلا يحبس على دينه.
([31]) أي سواء كان الدين على الميت لله تعالى، من زكاة أو حج أو نذر طاعة أو كفارة ونحو ذلك، أو كان لآدمي، كرد أمانة وغصب وعارية وغير ذلك، وسواء أوصى بذلك أو لم يوص به، ويقدم على الوصية اتفاقًا، وإنما قدم ذكرها في القرآن لمشقة إخراجها على الوارث، فقدمت حثًا على الإخراج، لا تقديمًا لها على قضاء الدين، كما هو معروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمر عمل المسلمين عليه.
([32]) أي مطالبه بما عليه، ومحبوسة عن مقامها، حتى يقضى عنه، والنفس لها ثلاث معان (أحدها) بدنه، (الثاني) الدم في جسد الحيوان، (الثالث) الروح الذي إذا فارق البدن لم يكن بعده حياة، وهو المراد بالنفس في هذا الحديث. ولأحمد عن سمرة «إن صاحبكم محتبس على باب الجنة في دين عليه» أي حتى يقضي عنه وارثه ونحوه، ففيه الحث على إسراع قضائه، ولحديث: قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية. وهو مقيد بمن له مال يقضى منه دينه، ومن لا مال له ومات عازمًا على القضاء فقد ورد أحاديث تدل على أن الله يقضي عنه بل محبته لقضائه موجبة لقضاء الله عنه، وأن يقضي عنه من بيت مال المسلمين.
([33]) ممن يباح له ذلك في حال الحياة، نص عليه، لحديث عائشة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون، وهو ميت، حتى رأيت الدموع تسيل. وقال جابر: لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه، وأبكي، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني. قال الشارح وغيره: والحديثان صحيحان. ولتقبيل أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر، فكان إجماعًا.


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 11:47 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

قوله: «فإذا مات سنّ تغميضه» ، كل ما تقدم من الكلام محله قبل الموت، فإذا مات فإنه تشرع في حق الميت أمور:
أولها: تغميض الميت، أي: إذا تحققنا موته، والإِنسان إذا مات شخص بصره، أي: انفتح يتبع روحه أين تذهب، فإذا مات فإنه سوف يشخص بصره، فيسنّ تغميضه، ولذلك دليلان: أثري، ونظري..
- أما الأثري: ففعل النبي صلّى الله عليه وسلّم بأبي سلمة، «فإنه لما دخل على أبي سلمة ورأى بصره قد شخص قال: ((إن الروح إذا قبض اتبعه البصر))، فسمعه من في البيت فضجوا» ، أي: علموا أن الرجل قد مات، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون))، لأنه من عادة الجاهلية أنه عند المصائب يدعون على أنفسهم بالشر، فيقولون: واثبوراه، وانقطاع ظهراه، وما أشبه ذلك من الكلمات المعروفة عندهم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأهل أبي سلمة: ((لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون)) ، وإِنَّ دعاءً تؤمِّن عليه الملائكة لحريٌّ بالإِجابة، ولا سيما في هذه الحال التي يكون فيها الإِنسان مصاباً خاضعاً خاشعاً مفتقراً إلى ربه، عارفاً أنه لا ينجيه من هذه المصيبة إلا الله، فيكون حرياً بالإِجابة، ولهذا سُخِّرت الملائكة لتؤمِّن على دعائه، ثم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه، واخلفه في عقبه في الغابرين)) ، دعوات عظيمة خير من الدنيا وما فيها، دعا له بهذه الدعوات الخمس، والأخيرة منها علمت، فإن الله تعالى خلفه في عقبه حيث سخر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يتزوج أم سلمة، ويكون أبناء أبي سلمة ربائب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وما لم نعلمه من المغفرة، ورفع درجته في المهديين، والفسح له في قبره، وتنويره، فإننا نرجو أن يكون كذلك.
- وأما النظري: فهو: لدفع تشويه الميت؛ لأنه إذا كان البصر شاخصاً ففيه تشويه، فالذي ينظر إليه يجده مشوهاً، ففي تغميضه إزالة لهذا التشويه.
قال العلماء: وفيه أيضاً حجب الهوام أن تصل إلى حدقة العين، ولكن هذا تعليل بعيد؛ لأن الميت لن يبقى حتى تتسلط عليه الهوام؛ ولأنه سيأتي أنه يغطى، فالذباب وشبهه لن يصل إليه، لكن التعليل الأول الذي ذكرناه هو الأولى، وهو: درء التشويه؛ لأن الميت سوف يغسل، وسوف يكشف فإذا كشف وقد حصل له هذا يكون مشوهاً، وربما يتوجّه ما قاله بعض العلماء في منع الهوام من الوصول إلى الحدقة فيما إذا دفن في القبر؛ لأنه إذا بقي البصر منفتحاً ثم برد الميت لا يمكن أن ينضم بعد هذا فيبقى منفتحاً إلى أن يشاء الله.
وينبغي عند التغميض أن يدعو بما دعا به النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي سلمة فيقول: ((اللهم اغفر لفلان، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه، واخلفه في عقبه)) كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيكون هنا سنّة فعلية وسنّة قولية، الفعلية هي: تغميض العينين. والقولية هي: هذا الدعاء.

وَشَدُّ لِحْيَيْهِ وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ،............
قوله: «وشد لحييه» ، هذا هو الأمر الثاني مما يفعل بالميت، وهو: شد لحييه، أي: ربطهما، واللحيان: هما العظمان اللذان هما منبت الأسنان فليشدهما بحبل،أو بخيط، أو بلفافة؛ لأنه إذا لم يربطهما فربما ينفتح الفم، فإذا شدهما وبرد الميت بقي مشدوداً.
وهذا ليس فيه دليل أثري فيما أعلم، لكن فيه دليلاً نظرياً: وهو: درء تشويه الميت من وجه.
- والوجه الثاني: حفظ باطنه من دخول الهوام عليه، ولو في القبر.
قوله: «وتليين مفاصله» ، هذا هو الأمر الثالث، وهو: تليين مفاصل الميت، أي: أن يحاول تليينها، والمراد مفاصل اليدين والرجلين، وذلك بأن يرد الذراع إلى العضد، ثم العضد إلى الجنب ثم يردهما.
وكذلك مفاصل الرجلين: بأن يرد الساق إلى الفخذ، ثم الفخذ إلى البطن، ثم يردهما قبل أن يبرد؛ لأنه إذا برد بقي على ما هو عليه وصعب تغسيله، فيكون مشتداً لكن إذا ليّنت المفاصل صارت لينة عند الغسل وعند التكفين وربط الكفن، فسهل على الغاسل والمكفن التغسيل والتكفين، وهذا أيضاً لا أعلم فيه سنّة، لكن دليله نظري.
وهو ما فيه من تليين مفاصل الميت وهذه مصلحة، ولكن يجب أن تليّن برفق، وليس بشدة؛ لأن الميت محل الرفق والرحمة.

وَخَلْعُ ثِيَابِهِ، وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ وَوَضْعُ حَدِيدَةٍ عَلَى بَطْنِهِ ..........
قوله: «وخلع ثيابه» ، هذا هو الأمر الرابع؛ وهو: خلع ثياب الميت، ودليل هذا أثري ونظري أيضاً:
- أما الأثري: فهو قول الصحابة حين مات النبي صلّى الله عليه وسلّم:((هل نجرد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما نجرد موتانا))، فينبغي أن تخلع ثيابه.
- أما النظري: فلأن الثياب لو بقيت لحمي الجسم، وأسرع إليه الفساد، أما إذا جرّد من ثيابه صار أبرد له، ويسجى كما سيأتي بثوب.
ويجب أن يكون الخلع برفق خلافاً لما رأيناه من بعض الناس، تجده ينزع الثياب بشدة، لا سيما في ثياب الشتاء إذا كانت على الميت، فهذا خلاف الرحمة والرفق.
قوله: «وستره بثوب» هذا هو الأمر الخامس، وهو: ستر الميت بثوب؛ أي: ستر الميت بثوب يكون شاملاً للبدن كله.
ودليل ذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ((حين توفي سجي ببرد حِبَرة))، والبُرد: ثوب يلتحف به يشمل كل الجسد، والحبرة: برود يمانية معروفة في ذلك العهد تأتي من اليمن، ولكنه صلّى الله عليه وسلّم لم يجرد من ثيابه، بل بقيت ثيابه عليه وستر بثوب.

وَوَضْعُهُ عَلَى سَرِيرِ غَسْلِهِ مُتَوَجِّهاً مُنْحَدِراً نَحْوَ رِجْلَيْهِ، وَإِسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ إِنْ مَاتَ غَيْرَ فَجْأَةٍ ..........
قوله: «ووضع حديدة على بطنه» هذا هو الأمر السادس، وهو وضع حديدة على بطن الميت أي: يسن أيضاً أن يوضع على بطنه حديدة أو نحوها من الأشياء الثقيلة.
واستدلوا على هذا: بأثر فيه نظر، وبنظر فيه عِلة..
- أما الأثر: فذكروا عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: «ضعوا على بطنه شيئاً من حديد»، وهذا الأثر فيه نظر، ولا أظنه يثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، والذي يظهر من حال الصحابة أنهم لا يفعلون ذلك.
- وأما النظر الذي فيه عِلة فإنهم قالوا: لئلا ينتفخ البطن، إذا وضع عليه حديدة أو نحوها من الأشياء الثقيلة.
ولكن هل هذا يمنع الانتفاخ؟ لا أظنه يمنع؛ لأن الانتفاخ إذا حصل لا يغني وضع الحديدة شيئاً إلا إن كان سيوضع عليه حديدة وزن الجبل فهذا شيء ثان، أما إذا كانت حديدة مألوفة فإنه إذا انتفخ فإنها سوف ترتفع، ثم إن الزمن ليس طويلاً؛ لأن السنة هي الإِسراع بتجهيز الميت، وفي عصرنا الآن نستغني عن هذا، وهو أن يوضع في ثلاجة إذا احتيج إلى تأخير دفنه، وإذا وضع في الثلاجة فإنه لا ينتفخ، لأنه يبقى بارداً فلا يحصل الانتفاخ في بطنه.
قوله: «ووضعه على سرير غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه» هذا هو الأمر السابع، وهو: وضع الميت على سرير الغسل، أي: ينبغي أن يبادر في رفعه عن الأرض؛ لئلا تأتيه الهوام، ولعل ذكر الفقهاء ـ رحمهم الله ـ لذلك؛ لكثرة الهوام في البيوت في زمانهم فلهذا قالوا: ينبغي أن يبادر فيرفع على سرير الغسل.
والسرير معروف، ويختلف سرير الغسل عند الناس، فمنهم من يكون السرير مختوماً أي: كله ألواح، ومنهم من يكون السرير غير مختوم أي: عبارة عن قطع من الخشب مصفوف بعضها إلى بعض مع الفتحات، كما هو موجود عندنا الآن.
وقوله: «متوجهاً» ، أي: إلى القبلة لأن هذا أفضل، ولا أعلم في هذا دليلاً من السنة.
وقوله: «منحدراً نحو رجليه» أي: يكون رأسه أعلى من رجليه لسببين:
الأول: لئلا يبقى الماء في السرير؛ وهذا لأن الأسرَّة كانت عندهم فيما سبق ألواحاً مختومة، أما السرير الموجود الآن فليس كذلك.
الثاني: من أجل أن يسهل خروج ما كان مستعداً للخروج من بطنه؛ لأنه إذا كان مرتفعاً نازلاً نحو رجليه، فالذي يكون متهيئاً للخروج يخرج.
وقوله: «متوجهاً، منحدراً نحو رجليه» هذه صفة للوضع على السرير فلا نعدها أموراً مستقلة.
قوله: «وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة» ، هذا هو الأمر الثامن، وهو: الإسراع في تجهيز الميت، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم))، لكن ظاهره فيما لو كانت محمولة؛ لأن قوله: ((فشرٌّ تضعونه عن رقابكم)) ظاهر: في أن المراد بذلك الإِسراع بها حين تشييعها. لكن نقول: إذا كان الإِسراع في التشييع مطلوباً مع ما فيه من المشقة على المشيعين، فالإِسراع في التجهيز من باب أولى.
أما حديث: ((لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله))، فهو ضعيف.
وقوله: (إن مات غير فجأة) ، فإن مات فجأة فإنه لا يسن الإِسراع بتجهيزه؛ لاحتمال أن تكون غشية لا موتاً، والمسألة خطيرة؛ لأنه لو كانت غشية ثم جهزناه ودفناه، ولم تكن موتاً صار في ذلك قتلٌ لنفس، فالواجب إن مات فجأة أن ننتظر به.
وهذا الذي ذكره العلماء -رحمهم الله- قبل أن يتقدم الطب، أما الآن فإنه يمكن أن يحكم عليه أنه مات بسرعة؛ لأن لديهم وسائل قوية تدل على موت المريض. لكن إذا لم يكن هناك وسائل فإن الواجب الانتظار إلى أن نتيقن موته.
قال في الروض: ((يعرف موته بانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه)) ، فهذه أربع علامات:
الأولى: انخساف الصُدْغ؛ لأن اللحيين ينطلقان فإذا انطلقا صار الصدغ منخسفاً.
الثانية: ميل أنفه، فإذا مات يميل الأنف؛ لأن الأنف مستقيم ما دامت الحياة بالإِنسان، ثم إذا مات ارتخى ولان ومال.
الثالثة: انفصال كفيه، أي: عن ذراعه فتنطلق الكف عن الذراع، وتجدها مرتخية.
الرابعة: استرخاء رجليه، فتنفصل الرجل عن الكعب، فترتخي وتميل.
فهذه أربع علامات يعلم بها الموت، وهي علامات حسية بدون آلات، لكن الآن لدى الأطباء آلات تدل على الموت دون هذه العلامات.
ويذكر: أن رجلاً أصيب بغشية فجهَّزوه، وحملوه إلى المقبرة، فمروا برجل ذي خبرة فقال لهم: ما هذا؟ قالوا: هذه جنازة نريد أن ندفنها، قال: هذا لم يمت أنزلوه، فنزلوه، فأتى بسوط فجعل يضرب هذا الميت حتى تحرك فقالوا: ما الذي حملك على هذا؟ وما الذي أعلمك أنه لم يمت؟ قال: إن الميت تسترخي رجلاه فلا تنتصبان، وهذا الذي حملتم، رجلاه منتصبتان، وأما ضربي إياه بالسوط؛ فلأن الضرب يحمي الجسم، وإذا حمي جسمه زالت عنه البرودة التي هي سبب الغشي، ثم حملوه راجعين به إلى بيته.
فهذا شاهد على ما قاله الفقهاء -رحمهم الله- أن من علامات الموت استرخاء الرجلين.
فإسراع التجهيز بشرط أن يموت غير فجأة، فإن مات فجأة وجب الانتظار، وبهذا التقرير نعلم خطأ ما يفعله بعض الناس اليوم يؤخرون الميت حتى يأتي أقاربه، وأحياناً يكون أقاربه خارج المملكة في أوربا أو غيرها، فينتظرون به يوماً، أو يوماً وليلة من أجل حضور الأقارب، وهذا في الحقيقة جناية على الميت، فالميت إذا كان من أهل الخير، فإنه يود أن يدفن سريعاً؛ لأنه يبشر بالجنة عند موته -نسأل الله أن يجعلنا منهم- وإذا خُرِجَ به من بيته تقول نفسه: "قدموني" تحُثهم أن يوصلوها إلى القبر، فإذا حبسناه عما أعد الله له من النعيم صار في هذا جناية عليه مع مخالفة السنة، وأصبحت الآن الجنازة كأنها حفل عرس ينتظر به القادم حتى يحضر.
أما إذا أخر مثلاً لساعة أو ساعتين أو نحوهما، من أجل كثرة الجمع فلا بأس بذلك، كما لو مات بأول النهار وأخرناه إلى الظهر؛ ليحضر الناس، أو إلى صلاة الجمعة إذا كان في صباح الجمعة؛ ليكثر المصلون عليه، فهذا لا بأس به؛ لأنه تأخير يسير لمصلحة الميت.
فإن قال قائل: كيف نجيب عن فعل الصحابة -رضي الله عنهم- حيث لم يدفنوا النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا ليلة الأربعاء مع أنه توفي يوم الاثنين؟
فالجواب عن هذا: أنه من أجل إقامة الخليفة بعده، حتى لا يبقى الناس بلا خليفة، فالإِمام الأول محمد صلّى الله عليه وسلّم توفي، فلا نواريه بالتراب حتى نقيم خليفة بعده، وهو مما يحثهم على إنجاز إقامة الخليفة، ومن حين ما بويع أبو بكر -رضي الله عنه- شرعوا في تجهيز النبي صلّى الله عليه وسلّم ودفنه.
وعلى هذا إذا مات الخليفة، وكان لم يعين من يخلفه فلا حرج أن يؤخر دفنه حتى يقام خليفة بعده.

وَإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ وَيَجِبُ الإِْسْرَاعُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ.........
قوله: «وإنفاذِ وصيته» ، «إنفاذِ» بالكسر عطفاً على «تجهيز» ، أي: وإسراع إنفاذ وصيته، أما إنفاذ وصيته فهو واجب، لكن إسراع الإِنفاذ إما واجب أو مستحب؛ لأن الوصية إن كانت في واجب فللإِسراع في إبراء ذمته، وإن كانت في تطوع فلإِسراع الأجر له، والوصية إما واجبة وإما تطوع.
قال أهل العلم: فينبغي أن تنفذ قبل أن يدفن، سبحان الله إذا رأيت هذا الكلام، ورأيت ما يفعله بعض الظلمة من الورثة الذين يؤخرون وفاء الدين عن الميت لمصالحهم الخاصة، فتجد الميت عليه ديون ووراءه عقارات، فيقولون: لا نبيعها؛ بل نوفيه من الأجرة ولو بعد عشر سنين، أو يقولون: الأراضي ـ مثلاً كسدت الآن فننتظر حتى ترتفع قيمتها، وربما ترتفع قيمتها، وربما تنزل، وهذا ظلم ـ والعياذ بالله ـ، وربما يكون هؤلاء من ذرية الميت، فيكون فيه من العقوق ما لا يخفى على أحد؛ لأن الميت يتأثر بالدين الذي عليه إن صح الحديث: ((نفس المؤمن معلقة بدَينه حتى يقضى عنه))، وإن لم يصح فلا بد أن تتأثر النفس بهذا الدين الذي عليه، فالوصية بالواجب يجب المبادرة بإنفاذها، وبالتطوع يسن، لكن الإِسراع بذلك مطلوب، سواء أكانت واجبة أم مستحبة قبل أن يصلى عليه ويدفن، هذه هي السنة.
قوله: «ويجب الإِسراع في قضاء دينه» ، أي دين الميت، سواء كان هذا الدَّين لله، أو للآدمي.
فالدَّين لله مثل: الزكاة، والكفارة، والنذر، وما أشبه ذلك.
والدَّين للآدمي: كالقرض، وثمن المبيع، والأجرة، وضمان تالف، وغير هذا من حقوق الآدميين فيجب الإِسراع بها بحسب الإمكان، فتأخيرها حرام.
والدليل: أثري ونظري:
- أما الأثري: فقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((نفس المؤمن معلقة بدَينه حتى يقضى عنه)) ، فهذا الحديث فيه ضعف، لكن يؤيده حديث أبي قتادة «في الرجل الذي جيء به إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم فسأل هل عليه دين؟ قالوا: نعم ديناران، فتأخر ولم يصلِّ عليه، فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ يا رسول الله، قال: حقُ الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم، فتقدم فصلى».
- وأما الدليل النظري: فلأن الأصل في الواجب المبادرة بفعله ولا يجوز تأخير الواجب إلا إذا اقتضى الدليل تأخيره.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, حسن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir