دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الأيمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 11:38 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ
وَإِنْ حَلَفَ لاَ يَفْعَلُ شَيْئاً، كَكَلاَمِ زَيْدٍ، وَدُخُولِ دَارٍ وَنَحْوِهِ، فَفَعَلَهُ مُكْرَهاً لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقْصُدُ مَنْعَهُ كَالزَّوْجَةِ، وَالْوَلَدِ، أَلاَّ يَفْعَلَ شَيْئاً، فَفَعَلَهُ نَاسِيَاً، أَوْ جَاهِلاً حَنِثَ فِي الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ فَقَطْ.
قوله: «وإن حلف لا يفعل شيئاً، ككلام زيد، ودخول دار، ونحوه ففعله مكرهاً لم يحنث» قال: والله لا أدخل هذه الدار، فأكره على دخولها، سواء حُمل فأدخل، أو قيل له: ادخل، وإلا حبسناك، أو قتلناك، أو أخذنا مالك، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يحنث؛ لأنه سبق أن من شروط وجوب الكفارة أن يحنث مختاراً، وهذا مبني على قول الله تعالى: {{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}} [النحل: 106] ، فإذا كان هذا الذي أُكره على الكفر ففعله أو قاله، وقلبه مطمئن بالإيمان لا يكفر، فكذلك هذا الذي أُكره على الحنث؛ لأن الحنث مبني على الإثم في الأصل، فإذا كان لا يأثم بالإكراه، فكذلك لا يحنث بالإكراه.
وقوله: «ودخول دار ونحوه» هذه أمثلة، مثل: حلف ألا يلبس ثوباً، حلف ألا يخرج إلى السوق، حلف ألا يذهب إلى المدرسة، وفُعل به هذا مكرهاً فلا حنث عليه، ولهذا قال: «لم يحنث».
قوله: «وإن حلف على نفسه أو غيره ممن يقصد منعه، كالزوجة والولد، ألا يفعل شيئاً، ففعله ناسياً، أو جاهلاً حنث في الطلاق والعتاق فقط» إذا حلف على نفسه ألا يفعل شيئاً، ففعله ناسياً أو جاهلاً فلا حنث عليه؛ لأنه لو فعل المحرم ناسياً أو جاهلاً فلا إثم عليه، فكذلك إذا فعل المحلوف عليه ناسياً أو جاهلاً فلا حنث عليه؛ لأن الحنث مبني على التأثيم، فمتى كان الإنسان يأثم في الحكم الشرعي حَنِثَ في اليمين، وإذا كان لا يأثم لم يحنث، فهذا رجل حلف على نفسه، قال: والله لا ألبس هذا الثوب، ثم جاء في الليل فلبسه وهو لا يدري أنه المحلوف عليه، فلا يحنث، فليس عليه كفارة؛ لأن من شروط وجوب الكفارة كما سبق أن يحنث عالماً ذاكراً مختاراً، وأصله قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] .
كذلك لو فعله ناسياً، كأن لبس الثوب الذي حلف أن لا يلبسه ناسياً أنه حلف، فإنه لا كفارة عليه ولم يحنث، والدليل قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} والحنث مبني على التأثيم بالفعل، ولأن من شرط وجوب الكفارة أن يحنث عالماً ذاكراً مختاراً.
وإذا حلف على نفسه في طلاق، بأن قال: إن لبست هذا الثوب فزوجتي طالق، فهذا يمين، ثم لبسه ناسياً.
فعلى كلام المؤلف تطلق؛ لأنه قال: «حنث في الطلاق».
أو قال: إن فعلت كذا فعبدي حر، وقصده أن يلزم نفسه بعدم الفعل، فهذا يمين، ففعله ناسياً فالعبد يعتق.
وكذلك لو قال: إن لبست هذا الثوب فعبدي حر، فلبسه جاهلاً أنه الثوب الذي حلف عليه، فإنَّ العبد يعتق، وإن كان طلاقاً فالمرأة تطلق، يقولون: لأن هذا يتضمن حقاً لآدمي، وحقوق الآدميين لا تسقط لا بالجهل، ولا بالنسيان، وأما الإكراه ففيه تفصيل.
نقول: أما كون العتق حقاً للآدمي فهذا قد يُسلم؛ لأن العبد يحب أن يتحرر، ويعتق، ويسلم من الرق، لكن كون الطلاق حقاً لآدمي! فقد تقول المرأة: أنا لا أحب أن أطلق، وتبكي من الطلاق، ويكون الطلاق عندها أكره من كل شيء، فكيف نلزمه أن يفعل ما تكره؟! ولذلك كان القول الراجح أننا متى أجرينا الطلاق والعتاق مجرى اليمين صار لهما حكم اليمين، إذ كيف نجريهما مجرى اليمين في الكفارة، ثم لا نجريهما مُجرى اليمين في الحنث؟! فهذا تناقض، فالصواب أنه لا حنث عليه، لا في الطلاق، ولا في العتق، ولا في النذر ولا في اليمين، والمؤلف قد أسقطه لكن حكمه حكم اليمين، فلو قال: إن لبست هذا الثوب فزوجتي طالق، ثم لبسه ناسياً فلا حنث عليه، ولا تطلق الزوجة.
ولو قال: إن لبست هذا الثوب فعبدي حر، ثم لبسه ناسياً فالعبد لا يعتق؛ لأننا لما أجرينا هذا الأمر مجرى اليمين، فالواجب أن لا يحنث بالجهل والنسيان، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو رواية عن الإمام أحمد، قال شيخ الإسلام: إن رواتها عن الإمام أحمد كرواة التفرقة، يعني أن الإمام أحمد تساوت عنه الروايات في ذلك.
فإذا حلف على نفسه يميناً، وحلف على نفسه بالطلاق، وحلف على نفسه بالعتق، فالمذهب يفرقون بين اليمين والطلاق والعتق، فيما إذا فعل الشيء المحلوف عليه ناسياً، أو جاهلاً، فيقولون «في الطلاق والعتق»: يحنث، فيقع الطلاق والعتق، ويقولون في اليمين بالله: لا يحنث، والصحيح أنه لا فرق، وأنه لا يحنث فيهما، كما لا يحنث في اليمين؛ هذا إذا حلف على نفسه.
فإذا حلف على غيره ألا يفعل شيئاً بيمين، أو طلاق، أو عتق أو نذر فلا يخلو ذلك الغير من حالين:
الأولى: أن يكون المحلوف عليه ممن جرت العادة أن يمتنع بيمينه أي إذا حلف عليه بَرَّ بيمينه؛ لقرابة، أو زوجية، أو صداقة.
الثانية: أن يكون هذا الغير ممن لا يمتنع بيمينه، ولا يهتم بها وسيأتي.
فإذا كان هذا الغير ممن يمتنع بيمينه ويبر بها، ولا يخالفه بسبب قرابة أو زوجية أو صداقة، كأن حلف على زوجته ألا تفعل شيئاً ففعلته ناسيةً، أو جاهلةً، أو حلف على ولده، ابن أو بنت، ألا يفعل شيئاً، ففعله ناسياً أو جاهلاً، فهذا الغير حكمه حكم نفس الحالف، يعني كأنه نفسه، فإذا فعله ناسياً أو جاهلاً في اليمين بالله لم يحنث، وأما في العتق والطلاق فيحنث.
أمثلة:
قال لابنه: إن فعلت كذا فأمك طالق، ففعله الولد ناسياً، فهل تطلق؟ نعم، تطلق على المذهب.
قال لولده: إن فعلت كذا فعبدي حر، ففعله ناسياً، يحنث ويعتق العبد، كما لو كان ذلك في نفسه.
والصحيح أنه لا يحنث كما لو كان هذا يميناً بالله عزّ وجل.

وعَلَى مَنْ لاَ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ مِنْ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ فَفَعَلَهُ حَنِثَ مُطْلَقاً،
وَإِنْ فَعَلَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ قَصَدَ مَنْعَهُ بَعْضَ مَا حَلَفَ عَلَى كُلِّهِ لَمْ يَحْنَثْ، مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ.
قوله: «وعلى من لا يمتنع بيمينه من سلطان وغيره ففعله حنِثَ مُطلقاً» هذه هي الحال الثانية، أن يحلف على شخص لا يمتنع بيمينه، ولا يهتم بها، ولا يحاول أن يرضيه بالبر بيمينه، ففعل المحلوف عليه، فإنه يحنث مطلقاً.
وقوله: «مطلقاً» يقول العلماء: إذا قيل: مطلقاً فإن الإطلاق يفهم معناه مما سبق، أو مما لحق، وهنا نفهمه مما سبق، يعني حنث مطلقاً في اليمين، والطلاق، والعتق، عالماً، أو جاهلاً، ذاكراً، أو ناسياً، ولا فرق.
مثال ذلك: رأى إنسان في السوق واحداً يريد أن يحمل على رأسه حزمة علف، فقال: والله لا تحملها، وكل واحد منهما لا يعرف الآخر، ثم إن الرجل المحلوف عليه نسي فحملها، فيحنث الحالف؛ لأن الأصل أن هذا الحالف ليس له إلزام هذا المحلوف عليه، فيكون اليمين بمنزلة الشرط المحض، فمتى وجد الشرط وجد المشروط؛ لأن حقيقة الأمر أن اليمين تشبه الشرط، فإذا قال له: والله لا تحمله، وهو ممن لا يمتنع بيمينه ولا يهتم بها فحمله ناسياً، قلنا للحالف: عليك الحنث والكفارة؛ لأنه ليس لك حق الإلزام، فصار يمينك بمنزلة الشرط المحض، فإذا وجد الشرط وهو حمله هذا العلف وجد المشروط وهو الكفارة.
وظاهر كلام المؤلف أنه يحنث مطلقاً، سواء قصد الإلزام أو قصد الإكرام؛ لأنه أحياناً يقصد إكرامه، فيقول: والله ما تحمله أنا أحمله، فإذا حمله المحلوف عليه فإنه يحنث على المذهب، وإن كان قصدُه الإكرام.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا قصد الإكرام فإنه لا يحنث بالمخالفة، بناءً على أن الحنث في اليمين مبني على الحنث في الحكم، وإذا قصد الإكرام وحصلت المخالفة، فإن المخالف لا يعد عاصياً؛ لأنه لم يقصد إلزامه، بل قصد إكرامه واحترامه، وهذا حصل بمجرد الحلف؛ لأن حلفه «أن لا يحمل» إكرام له، وقد حصل وظهر، ولأن أصل الحنث مبني على المخالفة في الحكم، فكما لا يكون عاصياً من خالف في باب الإكرام، لا يكون حانثاً من خالف في الإكرام في اليمين، واستدل لذلك بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أمر أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ حين جاء وهو يصلي بالناس، وأراد أن يتأخر، فأمره أن يبقى، ولكنه تأخر[(151)]، فهل كان أبو بكر عاصياً في هذه الحال؟ لا، فهو لا يريد أن يعصي الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بل يريد أن يعظم النبي صلّى الله عليه وسلّم وإن حلف على شخص لم تجر العادة أن يمتنع بيمينه لكونه لا سلطة عليه فإنه إذا فُعِل المحلوفُ عليه حنث الحالف، لأن من لا يمتنع باليمين لا يصح توجيه المنع إليه وأصل اليمين قد بنيت على المنع والحث أو التصديق أو التكذيب.
قوله: «وإن فعل هو أو غيره ممن قصد منعه بعض ما حلف على كله لم يحنث، ما لم تكن له نية» إذا فعل بعض ما حلف عليه فلا حنث عليه، قال: والله لا آكل هذا الرغيف، فأكل بعضه، لا يحنث؛ لأنه لم يأكل الرغيف، إلا إذا كان له نية، يعني لو نوى أن لا يذوقه، فأكل بعضه، فإنه يحنث؛ لأنه سبق في أول باب الأيمان أنه يرجع أولَ ما يرجع إلى نية الحالف، إذا احتملها اللفظ، وهنا يحتملها اللفظ، مثال ذلك: أعطاك رجلٌ رغيفاً، وقال: كل هذا الرغيف، فقلت: والله لا آكله، ونيتك أنك لا تذوقه، فحينئذ إذا أكلت منه قليلاً أو كثيراً حنثت.
كذلك إذا كان هناك قرينة تدل على أنه أراد البعض، فإنه يحنث، مثل أن يقول: والله لا أشرب ماء هذا النهر، فأخذ بكأس صغيرة وشرب، يحنث؛ لأن القرينة تدل على ذلك، ولا يمكن أن يريد بقوله: والله لا أشرب ماء هذا النهر، أنه يشرب كل ماء النهر! إذاً فالقرينة تدل على أنه لا يشرب منه، لا قليلاً ولا كثيراً.
ولو قال: والله لا أشرب هذه القربة، فصب منها كأساً وشرب لا يحنث؛ لأنه يمكن أن يشربها في أيام، بخلاف النهر فإنه لا يمكن أن يشربه، وعلى هذا فنقول: إذا كان له نية أنه لا يشرب أو لا يأكل الكل أو البعض فعلى نيته، وإذا كان هناك قرينة فعلى حسب القرينة.
قال: والله لا آكل خبز هذا البلد فأكل خبزة منه، فإنه يحنث؛ لأن القرينة تدل على ذلك؛ لأنه من المعلوم أنه لن يأكل خبز البلد كله! فالقرينة تدل على أن المعنى لا يأكل منه.
ولو قال: والله لا آكل خبز هذا الخباز، كذلك إذا أكل خبزة واحدة يحنث؛ لأن القرينة تدل على ذلك؛ لأنه عين هذا الخباز؛ لأنه ما يجيد الخَبْز، فيجعله نِيّاً، أو لا يجعل فيه ملحاً، أو ما أشبه ذلك من الأسباب التي جعلته يحلف أن لا يأكل خبزه.
قال: والله لآكلن هذا الرغيف، فأكل بعضه فإنه يحنث؛ لأنه يمكن أكله.
وهذه المسألة في الحقيقة فرع عما سبق، وهي أنه يرجع إلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ، ثم إلى سبب اليمين، ثم إلى التعيين، ثم إلى ما يتناوله الاسم، فهذه أربع مراتب تنبني أيمان الحالفين كلها عليها.



[151] أخرجه البخاري في الأذان/ باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام... (684)، ومسلم في الصلاة/ باب تقديم الجماعة من يصلي بهم... (421) عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أبي, من

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir